ام عبد المولى
مراقب عام
- إنضم
- 26 سبتمبر 2012
- المشاركات
- 2,741
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المغرب
- احفظ من كتاب الله
- الجزء الخامس
- احب القراءة برواية
- ورش
- القارئ المفضل
- الشيخ الحصري
- الجنس
- اخت
فقه السيرة النبوية - د.محمد راتب النابلسي
فقه السيرة النبوية : الدرس 22 – الإسراء والمعراج " ـ المعجزة خرق لنواميس الكون ، لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الشر المطلق في الكون لا وجود له
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية ، ومع موضوع الإسراء والمعراج ، ولقد بينت لكم في درس سابق أن كل محنة تصيب المؤمن وراءها منحة من الله عز وجل ، وأن كل شِدّة تقع بالمؤمن وراءها شَدّة إلى الله عز وجل ، فالشر المطلق في الكون لا وجود له ، بل إن وجود الشر المطلق يتناقض مع وجود الله ، لكن هناك شر نسبي موظف للخير المطلق .
( سورة السجدة الآية : 21 ) .
أيها الإخوة ، ذهاب النبي إلى الطائف ، وتكذيب أهل الطائف ، وسخرية أهل الطائف ، وإيذاء أهل الطائف كلها محنة جاء وراءها هذه المنحة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم هو سيد الخلق جميعاً ، وسيد ولد آدم ، وسيد الأنبياء والمرسلين ، وجاءت هذه المنحة فضلاً عن أنها جاءت بعد الطائف جاءت بعد موت زوجته الحبيبة خديجة ، وكانت هذه الزوجة هي الزوجة المثالية التي أثنى الله عليها في نصوص كثيرة ، وكانت هذه الزوجة أكبر سند لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الداخل ، وحينما فتح النبي مكة المكرمة قال : انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة ، ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر هي شريكته في النصر ، وهذا يؤكد أن المرأة في الإسلام مكرمة أعظم التكريم ، مشرفة أعظم التشريف ، ومسؤولة أعظم المسؤولية .
الإسراء أيها الإخوة معجزة ، والدليل :
( سورة الإسراء الآية : 1 ) .
فكلمة ] سُبْحَانَ [ في مطلع الآية تعني أن هذه الحادثة ليست وفق قوانين الأرض ، في الأرض هناك مكان ، وزمان ، ومسافات ، وسرعات ، وإمكانا
( سورة القمر ) .
لكن إذا قال الله عز وجل : ? سُبْحَانَ ? ، أي هذه الحادثة ليست وفق قوانين الأرض ، بل هي وفق القدرة المطلقة لله عز وجل .
السبب و النتيجة
لكل نتيجة سبب
أيها الإخوة ، هذا ينقلنا إلى أن ربنا جل جلاله جعل لكل نتيجة سببًا ، بل جعل الكون وفق نظام السببية ، ونظام السببية يعني أن الأسباب تأتي قبل النتائج ، وعقل الإنسان لا يفهم شيئاً من دون سبب ،
هنالك نتائج بدون أسباب
ولكن لئلا يتوهم الإنسان أن السبب خالق النتيجة فأحياناً تعطَّل الأسباب ، وأحياناً تُلغى .
سيدنا آدم جاء من دون أب ولا أم ، ألغي سبب الولادة ، وأحياناً يعطل السبب ، فيلغى ، فيأتي آدم عليه السلام من دون أب ولا أم ، وأحياناً يلغى ، تجد شاباً وشابة متزوجين ولا ينجبان ، حينما تخرق هذه القواعد ، وتلك القوانين لكي يعلم الإنسان أن السبب لا يخلق النتيجة ، ولكن السبب يأتي قبل النتيجة ، لكن الذي يخلق النتيجة هو الله جل جلاله ، وهذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
الغرب و الشرق و تعاملهم مع السبب
لذلك أيها الإخوة ، الغرب ألّه السبب ، وعبده من دون الله ، فوقع في الشرك ، والشرق لم يأخذ بالأسباب ، فعصى ، وكلاهما على خطأ ،
العلاقة الصحيحة مع السبب
والصواب أن تأخذ بالأسباب ، وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله ، وكأنها ليست بشيء ، هذه بطولة ، الحالات المتطرفة سهلة ، أن تكون قاسياً سهل جداً ، وأن تكون ليناً أسهل ، لكن البطولة أن تجمع بين القسوة واللين ، فهذا الذي أمامك يحار ، يحبك ويخاف منك ، المواقف المتوازنة صعب جداً .
لذلك أن تأخذ بالسباب ، وتعتمد عليها اعتماداً كلياً شيء سهل ، وهذا تفوق فيه الغرب ، وألا تأخذ بالأسباب هذا أيضاً شيء سهل ، وهذا تواكل ، لكن أن تأخذ بالأسباب ، وكأنها كل شيء ، وأن تتكل على الله ، وكأنها ليست بشيء ، هذا الموقف الكامل للمؤمن ، يدرس ويفتقر في دعائه إلى الله ، يراجع مركبته قبل أن يسافر ، ويقول : يا رب ، أنت الحافظ ، يأخذ بالأسباب ، وكأنها كل شيء ، ويتوكل على الله ، وكأنها ليست بشيء .
لماذا االمعجزا
أيها الإخوة ، الآن هناك سؤال : لماذا كانت المعجزات ؟ لأن الله سبحانه وتعالى كل هذا الكون يشهد بكماله ، وحكمته ، ورحمته ، وقدرته ، وعلمه ، ورأفته ، وكمال الخلق يدل على كمال التصرف ، لا بد من أن برسل أنبياء ورسلاً لخلقه ، والأنبياء معهم منهج الله ، هناك أشياء مسموح أن تفعلها ، وهناك أشياء ممنوع أن تفعلها ، لذلك مع النبي منهج ، وهذا المنهج يحد من حرية الإنسان ، فردُّ الفعل الطبيعي التكذيب :
( سورة الرعد الآية : 43 ) .
فلابد من أن يشهد الله بأنبيائه ورسله أن هؤلاء هم رسل الله عز وجل ، من هنا كانت المعجزة ، فالإسراء والمعراج أمرٌ غير مألوف عادة ، ولكنه مقبول عقلاً ، لأن :
لكن بحسب قوانين الأرض هو غير مألوف ، غير مألوف أن ينطلق النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس ، ثم يعرج إلى السماء ، ويعود ، ولا يزال فراشه ساخناً ، هذا غير مألوف ، لذلك قال تعالى :
? سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ? .
العقل بحاجة للوحي
لذلك إذا اعتمد الإنسان على عقله فقط ، ولم يعتمد على وحي السماء فقد لا يصدق المعجزات ، لكن يجب أن نعلم جميعاً أن هذا العقل الذي أودعه الله في الإنسان هو كهذه العين تماماً ، لا قيمة لها من دون ضوء يتوسط بينها وبين المرئي ، وكذلك العقل لا قيمة له من دون وحي يستنير به ، فحاجة العين إلى الضوء كحاجة العقل إلى الوحي ، أو حاجة العقل إلى الوحي كحاجة العين إلى الضوء .
إذاً المعجزات مهمتها أن تعتقد أن النتيجة لا يخلقها السبب ، ولكن السبب يرافق النتيجة ، والذي يخلق النتائج هو الله ، لذلك قال علماء العقيدة : عندها لا بها ، يعني عند إرادة الله أن يفعل هذا الدواء فعله ، لا أن الدواء وحده يفعل فعله .
الإسراء والمعراج كانت لمواساة النبي
شيء آخر ، لماذا عانى النبي صلى الله عليه و سلم ما عان قبل الإسراء والمعراج ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قدوة لنا ، قدوة في السراء وفي الضراء ، قدوة في تصديق الناس ، وفي تكذيبهم ، هم كذبوه ، ثم صدقوه ، كان فقيراً ، وكان غنياً ، أصابه المرض ، عانى من بعض زوجاته ، مات بعض أبنائه ، لولا أن النبي e بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر .
أيها الإخوة ، وقعت حادثة الإسراء والمعراج بعد هذه الغمر من المآسي والأحزان ، والحزن خلاّق ، والحزن يصنع الرجال ، وهؤلاء الذين ربوا في النعيم ، وألفوا النعيم ، هؤلاء لا يملكون مقاومة للشدائد إطلاقاً ، وإن ملكوا مقاومة فمقاومتهم هشة ، لا تصمد لا أمام ضغوط الحياة ، ولا أمام إغراءاتها ، لكن الله سبحانه وتعالى يربي عباده المؤمنين ، فالسراء ضروري ، والضراء ضروري ، والله عز وجل يذيقنا من رحمته ، ويمتحننا أحياناً ، فلذلك بعد هذه الغمرة من المآسي والأحزان والشدائد المتلاحقة كان ذلك تسلية لنفس النبي صلى الله عليه و سلم ، ومواساة له ، وتكريماً ، وتشريفاً ، تماماً أيها الإخوة كيف أن الإنسان يمشي في الصحراء ، والصحراء حارة ، والسير فيها شاق ، لكن بعد حين يصل إلى واحة ، والواحة ظل نخلة ، وغدير ماء ، فيستريح ، ومن سياسة الله جل جلاله مع عباده المؤمنين أنه تأتيهم بعد الشدائد واحات يستريحون فيها .
أحيانا يتجلى الله عز وجل عليك بالسرور ، يكون فيك تعب سابق ، وهموم ، وضغوط ، وامتحانات ، وابتلاءات ، لأن الله رب العالمين ، وهو الحكيم ، وهو الذي يحب عباده ، فيريحهم أحياناً ، هذه واحات في طريق الصحراء .
الإسراء والمعراج ثابتان بالكتاب و السنة
أيها الإخوة ، إن الإسراء والمعراج حادثتان متلازمتان ومترادفتان ، وهما ثابتان في نص القرآن الكريم ، الإسراء والمعراج ، الإسراء من مكة إلى بيت المقدس ، والمعراج من بيت المقدس إلى سدرة المنتهى ، وقد وردت هاتان الحادثتان فضلاً عن أنها وردت في بعض آيات القرآن الكريم ، وردت أيضاً في السنة النبوية الصحيحة ، في صحيح البخاري ، فلقد نص الكتاب العزيز على أن معجزة الإسراء قد تمت ليلاً حين تم انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف بأرض فلسطين ، والآية التي تلوتها عليكم مرات عديدة :
? سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ? .
أما المعراج فهو انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا ، وتجواله في ملكوت الله تعالى .
( سورة النجم ) .
أكبر كلمة تدل على الله آياتُه ، وآيات الله عز وجل قد تكون كونية ، وهي خَلقه ، وقد تكون قرآنية ، وهي كلامه ، وقد تكون تكوينية ، وهي أفعاله ، إذاً المعراج انتقال النبي صلى الله عليه وسلم وتجواله في السماوات وفي ملكوت الله تعالى في رحلة تجاوز حدود التصور المادي ، وتصل إلى حدود الإعجاز الإلهي .
</B></I>
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع