الصحبة الطيبة
عضو مميز
- إنضم
- 16 أبريل 2013
- المشاركات
- 199
- النقاط
- 16
- الإقامة
- القاهرة - مصر
- الموقع الالكتروني
- nasrtawfik.blogspot.com
- احفظ من كتاب الله
- اللهم أعينني علي دوام التلاوة والتدبر وحفظ القرآن كاملا
- احب القراءة برواية
- حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- محمد صديق المنشاوي والحصري والسديسي
- الجنس
- أخ وأسرتي
الحديث الأول
عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ أَبي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ : " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوُله ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا ، أَو امْرأَةٍ يَنْكِحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : أهمية النية الصالحة ، وعظم فضلها حيث أن جميع الأعمال مدارها على النية .
الفائدة الثانية : الناس يختلفون في قبول العمل وعدم قبوله ، وعظم الثواب والأجر ونقصانه بناء على اختلافهم في صدق النية وصلاحها أو فسادها ، وكمالها أونقصانها .
الفائدة الثالثة : مدار الثواب في الأعمال عند الله سبحانه مرتبط بالنية الصالحة وليس مجرد الفعل ، ومن هنا لم ينتفع المنافقون بأعمالهم وذلك لذهاب نيتهم الصالحة أو نقصانها .
الفائدة الرابعة : فوائد النية بالنسبة للأعمال : ـ
أ ـ تميز العبادة من العادة : مثل تميز غسل الجنابة عن غسل التبرد والتنظف .
ب ـ تميز العبادات بعضها من بعض : مثل تميز صلاة الظهر عن صلاة العصر .
ج ـ تميز المقصود بالعمل أهو الله وحده أم لا ؟
الفائدة الخامسة : بالنية الصالحة تتحول المباحات إلى مستحبات يثاب عليها الإنسان ، فمن جلس مع غيره وسامره وآنسه من غير باطل فيثاب على هذا المباح إن قصد مؤانسة أخيه المسلم وإدخال السرور عليه وهكذا .
الفائدة السادسة : يدل الحديث على وجوب تعاهد النية والعناية بها ومعالجتها .
الفائدة السابعة : النية الصادقة لابد لها أن تكون على سنة نبوية حتى تقبل عند الله ، قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } قال : أخلصه وأصوبه ، وقال إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصا لم يقبل ، حتى يكون خالصاً صواباً ، قال : والخالص إذا كان لله وحده والصواب إذا كان على السنة .أ.هـ
الفائدة الثامنة : النية الصادقة هي شهادة أن لا إله إلا الله ، والسنة النبوية التي يكون عليها العمل هي شهادة أن محمداً رسول الله .
الفائدة التاسعة : الحديث يتكلم عن قضية النية فقط وأهميتها ولم يقصد به أن النية تكفي عن العمل حيث لم يرد ذكر له ولفظ الحديث وسبب وروده يؤيد ذلك .
الفائدة العاشرة : من أساليب التعليم : ذكر قاعدة ثم ذكر مثال يوضحها .
ففي هذا الحديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة وهي : " إنما الأعمال بالنيات " ثم ذكر لهامثالاً يوضحها وهو " الهجرة " .
الفائدة الحادية عشرة : قال ابن المبارك : رب عمل كبير تصغره النية . أ.هـ
ودلالة ذلك من الحديث أن الرجل الذي هاجر قد عمل عملاً من أجل الأعمال وهو الهجرة ، لكن صغر العمل وذهب أجره لفساد نيته .
الفائدة الثانية عشرة : أشد ملهيات الدنيا ومنقصات الدين الشهوة ، ولذلك خصها النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر فقال " أو امرأة ينكحها " مع أنها داخلة في قوله " ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها " ففيه الإرشاد للحذر منها على وجه الخصوص .
الفائدة الثالثة عشر : الوساوس والخواطر والواردات التي ترد على النية لا تؤثر عليها مالم تغير أصل النية ، فالنية الفاسدة هي النية التي أصل عقدها ومنشئها وبدايتها لغير الله أو أن صاحبها غير نيته بعد أن كانت صالحة وصرفها عن أصلها .
ولذلك قال في شأن النية الفاسدة الباطلة " ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها " فأصل نيته إرادة الدنيا " لدنيا " ومن عرف هذا الأصل سلم من شبهات الوساوس وخواطر النفس بإذن الله سبحانه .
الفائدة الرابعة عشر : دل الحديث على أن إخلاص النية لله ، وإرادة العمل وجه الله سهل المنال بإذن الله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب بهذا الحديث الأعرابي في باديته ، والعامي والجاهل ولم يخص أناساً دون غيرهم .
لكن الشأن الصعب تصفية النية من الشوائب وكمالها وقوتها وصدقها وهذا موطن التفاضل ومن عرف هذه سهل عليه أن يحقق أصل النية ويسعى في كمالها لا كما يعتقد البعض أن تحقيق النية من الصعوبة بمكان ولا يستطيع عليه إلا القليل من الناس .
الحديث الثاني
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيضاً قَال : بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ذَاتَ يَوْمٍ إَذْ طَلَعَ عَلَيْناَ رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثّياب شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنا أحَدٌ حَتى جَلَسَ إلَى النبِي فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفيْهِ عَلَى فَخِذِيْهِ وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَم ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : " الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إلَه إلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله ، وَتُقِيْمَ الصَّلاَة ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ البيْتَ إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً "
قَالَ : صَدَقْتَ . فَعجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ ، قَالَ : فَأَخْبِرِنيْ عَنِ الإِيْمَانِ ، قَالَ : " أَنْ تُؤمِنَ بِالله ، وَمَلاِئكَتِه ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَالْيَومِ الآَخِر ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ "
قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ فَأخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ ، قَالَ : " أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " .
قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ ، قَالَ : " مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " قَالَ : فَأخْبِرْنِيْ عَنْ أَمَارَاتِها ، قَالَ :" أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وَأَنْ تَرى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِي البُنْيَانِ " ثْمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثتُ مَلِيَّاً ثُمَّ قَالَ : " يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ " قُلْتُ اللهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ قَالَ :" فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلَّمُكُمْ دِيْنَكُمْ " رواه مسلم .
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : أهمية الحديث تتمثل في أنه صلى الله عليه وسلم ذكر فيه مراتب الدين ، ففي آخره قال صلى الله عليه وسلم " أتاكم جبريل يعلمكم أمور دينكم "
الفائدة الثانية : من أساليب التعليم : أسلوب السؤال والجواب .
الفائدة الثالثة : آداب طلب العلم تسبق طلب العلم ، ولذلك تأدب جبريل في جلسته ثم سأل .
الفائدة الرابعة : دل على أدب المتعلم بين يدي معلمه ، وهذا له دور على مدى استفادته منه .
الفائدة الخامسة : بياض الثياب والعناية بالشعر ليست من الكبر في شيء .
الفائدة السادسة : السؤال من مفاتيح العلم ، فمن استحى منه أو استكبر عنه لا ينال العلم .
الفائدة السابعة : حضور مجالس الذكر والحرص عليها لما فيها من الفائدة التي قد تفوت .
الفائدة الثامنة : اليقظة والانتباه في مجلس العلم تفيد في حفظه ونشره ، ولذلك حفظ عمر الأسئلة بأجوبتها .
الفائدة التاسعة : إذا كان السؤال عاماً ، فالأفضل أن تقتصر الإجابة على أهم المهمات ، فالسؤال عن الإسلام وخصاله سؤال عام يدخل تحته أعمال الجوارح كلها ، لكنه اقتصر على أهم المهمات وهي الأركان .
الفائدة العاشرة : إذا اجتمع الإسلام والإيمان في نص واحد فيفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة ، ويفسر الإيمان بالأعمال الباطنة ، كما دل عليه منطوق حديث الباب.
الفائدة الحادية عشرة : الدين ليس على درجة واحدة بل مراتب بعضها فوق بعض ، فالإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان .
الفائدة الثانية عشرة : زرع روح التنافس والحث على علو الهمة عندما ذكر النبي أن الإحسان على درجتين إحداهما أكمل من الأخرى .
الفائدة الثالثة عشر : إذا تحقق القلب بالإيمان انقادت الجوارح لأعمال الإسلام ، ولذلك قال المحققون من أهل العلم :" كل مؤمن مسلم " فالمؤمن المقصود به من حقق الإيمان الباطن ، فإن جوارحه تنقاد فيعمل .
الفائدة الرابعة عشر : مراقبة الله في العبادة أعلى مراتب الإحسان وهي أن يعبد الإنسان ربه كأنه يراه ، وهذا يورث من الخشية والصدق والإخلاص الشيء العظيم .
الفائدة الخامسة عشر : إذا فاتت الدرجة السابقة فعلى الإنسان أن يستشعر رؤية الله له ولعمله واطلاعه وهي أن يعبد ربه الذي يراه سبحانه .
الفائدة السادسة عشر : رحمة الله سبحانه ويتمثل هذا بتنوع أدلة هدايته للناس فأحياناً : ـ
وحي مباشر على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحياناً يرسل جبريل عليه السلام ، وأحياناً على صورة أعرابي ، وأحياناً على صورة دحية الكلبي رضي الله عنه وهكذا .
الفائدة السابعة عشر : أدلة وجوب الصلاة تأتي دائماً بلفظ " تقيم " وليس بلفظ " تؤدي " مثلاً ، وهذا أمر مقصود لأن القصد من الصلاة أن تكون صلاة لا اعوجاج فيها قائمة بجميع أركانها وواجباتها وسننها حتى تؤتي ثمارها .
الفائدة الثامنة عشر : قول الشخص " لا أعلم " لا ينقص من قدره .
الفائدة التاسعة عشر : إذا سئل الإنسان عن شيء لا يعلمه فيجهر بقول " لا أعلم " ولو كان في مجلس كبير كما حدث لعمر رضي الله عنه فلم يكن وحده حيث قال في أول الحديث " بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم " ولم يمنعه هذا من قول " لا أعلم " .
الفائدة العشرون : أهل السنة والجماعة يخصون جبريل عليه السلام بمحبة من بين الملائكة الكرام لأنه : ـ
أ ـ ينقل الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{ (193) سورة الشعراء .
ب ـ ثناء الله عليه سبحانه {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ـ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ـ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ{ .
ج ـ مواقفه مع المؤمنين في المعارك ضد الكفار .
د ـ حرصه على تعليم المسلمين دينهم " أتاكم جبريل يعلمكم أمور دينكم " .
الفائدة الحادية والعشرون : النبي صلى الله عليه وسلم على منزلته العظيمة إلاّ أن الله لم يطلعه على ما شاء سبحانه من أمور الغيب وحجب عنه أشياء اختص بها كعلم الساعة " مالمسؤل عنها بأعلم من السائل " فمن ادعى علم النبي صلى الله عليه وسلم للمغيبات فضلاً عن تصرفه بما لا يقدر عليه إلا الله فقد كذب وافترى .
الحديث الثالث
عَنْ أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: " بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البِيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ "
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : أهمية هذه الأركان الخمسة حيث بني عليها دين الإسلام .
الفائدة الثانية : خطورة من فرط فيها .
الفائدة الثالثة : خصال الإسلام تختلف من حيث الأهمية الشرعية ، فبعضها أركان للبناء وهي الخمس وبعضها مستحبات تتم البناء وهكذا .
الفائدة الرابعة : الشهادتان مرتبطتان مع بعضهما البعض لا تكفي إحداهما عن الأخرى فأصبحا ركناً واحداً .
الفائدة الخامسة : الإسلام دين كامل لا يقبل الزيادة ولا النقصان لقوله " بني الإسلام " فقد بني واكتمل البناء .
الفائدة السادسة : أمانة الصحابة ودقتهم في نقل الأحاديث ففي رواية أن رجلاً قال " صوم رمضان والحج " فقال ابن عمر رضي الله عنه " حج البيت وصوم رمضان هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن لم يقدموا جملة قبل أخرى مع أن المعنى لا يتغير .
الفائدة السابعة : تشريف النبي صلى الله عليه وسلم حيث جمع بين مقامي العبودية والرسالة " عبده ورسوله "
الحديث الرابع
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوْقُ : " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِيْ بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِيْنَ يَوْمَاً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُوْنُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُوْنُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ،ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيَنفُخُ فِيْهِ الرٌّوْحَ،وَيَؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيْدٌ. فَوَالله الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُوْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَايَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا "
رواه البخاري ومسلم.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : منزلة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحابه حيث يمدحونه بعبارات الثناء التي تدل على المحبة " الصادق والمصدوق " .
الفائدة الثانية : فقه ابن مسعود رضي الله عنه لأنه أتى بجملة تناسب الحديث فقال " الصادق والمصدوق " . لأنه مضمون الحديث غيبي لا يرى ولا يعلم إلاّ عن طريق الوحي .
الفائدة الثالثة : عظمة المولى وقدرته ، من النطفة يخلق علقة ومنها مضغة ومنها بشراً سوياً .
الفائدة الرابعة : رحمته سبحانه وحفظه حيث يحفظ تلك النطفة إلى أن تكون علقة ثم يحفظها من كل ما يفسدها إلى أن تكون مضغة ثم يحفظها ويرعاها إلى أن تكون خلقاً آخر .
الفائدة الخامسة : الحديث علاج للكبر فالإنسان الذي تكبر على أوامر ربه سبحانه كان أوله نطفة ، ولولا الله لم تكن علقة ولا مضغة ولا لحماً فكيف يتكبر بعد ذلك ؟!.
الفائدة السادسة : الحث على شكر العبد لربه على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ، فمن تأمل في هذه النعم دله ذلك على شكر مولاه .
الفائدة السابعة : يربى الإنسان على التفكر في نفسه ، قال تعالى : {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ { (21) سورة الذاريات .
الفائدة الثامنة : التسليم للأمور الغيبية التي ثبت فيها النص ، فنؤمن بأن الملك ينفخ الروح ، ويكتب تلك الكلمات .
الفائدة التاسعة :عظمة علم الله الذي يأمر الملك بكتب الأربع كلمات ، رغم أن هذا المخلوق لم يخرج من بطن أمه فسبحان من علم متى يخرج ؟ وماذا سيعمل ؟ وكم يعيش ؟ وماذا سيختم له ؟ والله بكل شيء عليم .
الفائدة العاشرة : يبعث الراحة والطمأنينة في مسألة الرزق لأنها كتبت وفرغ منها فلا يحزن المؤمن لفوات رزق لأنه فات لعدم كتابة الله له .
الفائدة الحادية عشرة : يربي في المسلم الشجاعة لأنه الأجل محدود فلا يتقدم ساعة ولا يتأخر كما قال علي رضي الله عنه أي يومي من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر
الفائدة الثانية عشرة : الحث على بر الوالدين خاصة الأم فكل قضايا حديث الباب من النطفة ثم العلقة ثم المضغة ثم إرسال الملك وكتابته ـ كل ذلك يكون في بطن الأم ـ " يجمع في بطن أمه " .
الفائدة الثالثة عشر : طاعة الملائكة لربهم " فيرسل الملك " .
الفائدة الرابعة عشر : دل على أن العبرة بالخواتيم فلا يغتر بظاهر العمل حتى ينظر بما يختم له .
الفائدة الخامسة عشر : الإيمان بالقضاء والقدر .
الفائدة السادسة عشر : الخوف من سوء الخاتمة قال ابن رجب رحمه الله : فقال بعض السلف : ما أبكى العيون ما أبكاها الكتاب السابق ، وقال سفيان لبعض الصالحين : هل أبكاك قط علم الله فيك ؟ فقال له ذلك الرجل : تركني لأفرح أبداً . وكان سفيان يشتد قلقه من السوابق والخواتيم ، فكان يبكي ويقول : أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا ، ويبكي ويقول : أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت ، وقال مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضاً على لحيته ويقول : يارب قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار ففي أي الدارين منزل مالك ؟! أ.هـ
الفائدة السابعة عشر : هذا الحديث يربي في النفس خوفها من النفاق الأصغر والأكبر ومن الكفر .
الفائدة الثامنة عشر : يزرع المحاسبة والعناية بأمور النفس الباطنة خوفاً من أن تبتلى بمعصية خفية تقود إلى سوء الخاتمة قال ابن رجب (رحمه الله)" دسائس السوء الخفية توجب سوء الخاتمة " أ.هـ
الفائدة التاسعة عشر : دل على أن الشخص له إرادة ومشيئة واختيار لأنه أضاف العمل له فقال " إن أحدكم ليعمل " وهذه المشيئة والاختيار لا تخرج من مشيئة الله سبحانه المحيطة بكل شيء .
الفائدة العشرون : يجب سؤال الله الثبات وألّا يزيغ القلب عن الهدى كما هي حاله صلى الله عليه وسلم فكان كثيراً ما يقول في دعائه " اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك " .
الفائدة الحادية والعشرون : الحرص على أعمال أهل السعادة والثبات عليها والصبر والمجاهدة إلى أن يموت على ذلك فإن الإنسان ميسر لما خلق له .
الفائدة الثانية والعشرون : أحكام الدنيا معلقة بالأعمال الظاهرة دون الدخول في النيات ، فمن كان ظاهره الإسلام حكم له به فقد قال صلى الله عليه وسلم " فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة " وقال " وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار " .
الفائدة الثالثة والعشرون : حكمة الله ونفاذ أمره سبحانه لقوله صلى الله عليه وسلم " حتى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيدخلها " .
الحديث الخامس
عَنْ أُمِّ المُؤمِنِينَ أُمِّ عَبْدِ اللهِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : " مَنْ أَحْدَثَ فِيْ أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم " مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ "
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: كمال الشريعة فلا تحتاج إلى زيادة .
الفائدة الثانية: كل عمل ليس عليه أمر الشريعة فهو مردود .
الفائدة الثالثة: جميع شؤون الحياة يجب أن تكون تحت حكم الشريعة سواءً عبادات أو معاملات ، لقوله " كل أمر "
الفائدة الرابعة: من أتى بعبادة لم تأمر بها الشريعة فقد أحدث في الدين ما ليس منه .
الفائدة الخامسة: الحديث أصل في رد جميع البدع لقوله " فهو رد " .
الفائدة السادسة: البدعة لا دليل عليها لقوله " ليس عليه أمرنا " .
الفائدة السابعة: المؤمن لا يبتدع لكنه يتبع .
الفائدة الثامنة: البدعة هي احداث في الدين ما ليس منه بدليل أول الحديث .
الفائدة التاسعة: الحديث أصل في طلب الدليل وإتباعه بعد ثبوته .
الفائدة العاشرة: في أمور العبادة لا يحكم العقل بل لابد من الدليل وهو المراد بقوله " أمرنا " .
الفائدة الحادية عشرة: فيه حث ضمني على طلب العلم حتى يعرف أمر الله ودليله .
الفائدة الثانية عشرة: دل على أن منشأ جميع البدع الجهل بالأدلة .
الحديث السادس
عَنْ أَبِيْ عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِ بْنِ بِشِيْر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: ( إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُوْرٌ مُشْتَبِهَات لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاس،ِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرأَ لِدِيْنِهِ وعِرْضِه، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ. أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً . أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ )
رواه البخاري ومسلم .
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : أمور الشرع وما أحله وما حرمه واضح بين ، فليست شريعة الإسلام غامضة لا يفهمها إلّا الخواص ، كلا فقد أنزلت بكلام عربي مبين ، وهذا في الجملة دون التفصيل .
الفائدة الثانية : الحلال الخالص واضح بين من أراده عرفه .
الفائدة الثالثة : الحرام الخالص واضح بين لا يجهله أحد .
الفائدة الرابعة : هناك أمور مشتبهة لا يعلمها كثير من الناس فيجب الحذر .
الفائدة الخامسة : فيه فضل العلم ، حيث أن العالم تصبح الأشياء كلها عنده بينه " الحرام والحلال والمشتبه " .
الفائدة السادسة : تفاضل الناس في العلم فقد يكون الأمر فيه شبهة عند شخص لكنه واضح عند آخر .
الفائدة السابعة : من ترك الشبهات فقد برَّأ دينه من الهمز وعرضه من كلام الناس .
الفائدة الثامنة : الحث على أن يبتعد الإنسان عن مواطن التهمة حتى لا يعرض عرضه للنيل منه .
الفائدة التاسعة : براءة الدين من الخدش والعرض من الكلا م أمر مقصود في الشريعة لقوله " فقد استبرأ لدينه وعرضه " .
الفائدة العاشرة : المكروهات والإصرار عليها يقود إلى المحرمات فقد قال " ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام " .
الفائدة الحادية عشرة : من أساليب التعليم : ضرب المثال كما قال صلى الله عليه وسلم " كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه " .
الفائدة الثانية عشرة : بيان الشريعة لجميع أمور الحياة الحلال والحرام والمشتبه ، فما مات النبي صلى الله عليه وسلم إلّا وقد أوضح كل شيء وبينه .
الفائدة الثالثة عشر : حدود حرمات الله هي محارمه التي حرمها على الناس .
الفائدة الرابعة عشر : يدل الحديث على أن دائرة الحلال أوسع من دائرة الحرام في الشريعة الإسلامية فالمحرم فقط الحمى وأما بعده فحلال .
الفائدة الخامسة عشر : قوة الله وجبروته سبحانه ولهذا جعل لنفسه حمى ، وحمى الملوك على قدر قوتهم والله سبحانه ملك الملوك .
الفائدة السادسة عشر : بصلاح القلب يصلح الجسد فيعمل الصالحات ويسابق في الخيرات قال ابن رجب " صلاح حركات العبد بجوارحه واجتنابه المحرمات واتقائه الشبهات " .
الفائدة السابعة عشر : بفساد القلب يفسد الجسد فيعمل المنكرات والسيئات .
الفائدة الثامنة عشر : دل على أهمية القلب وأنه ملك والأعضاء الجنود .
الفائدة التاسعة عشر : فيه حث على مراقبة القلب وإصلاحه والعناية به ، لأنه أهم الأعضاء في الإنسان .
الفائدة العشرون : دل على أن القلب يصلح ويفسد .
الفائدة الحادية والعشرون : فيه التماس عذر لمن أخطأ من أهل العلم في مسألة من المشتبهات لقوله " وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس " فمن أخطأ فهو معذور لأنه الأمر أصلاً مشتبه .
الفائدة الثانية والعشرون : اتقاء الشبهات نابع من صلاح القلب ولهذا ذكر القلب في الحديث .
الفائدة الثالثة والعشرون : الوقوع في الشبهات ثم المحرمات نابع من فساد القلب .
الفائدة الرابعة والعشرون : الحرص على براءة الدين أهم من الحرص على براءة العرض ولهذا قدمت في الحديث "فقد استبرأ لدينه وعرضه" .
الفائدة الخامسة والعشرون : أكل الحلال الخالص والحرص على ذلك له أثر على الإيمان والقلب . وسئل الإمام أحمد رحمه الله عما يلين القلب فقال : " أكل الحلال " ومن تأمل الحديث وجد في أوله الحلال والحرام وفي آخره صلاح القلب وفساده .
الفائدة السادسة والعشرون : الحديث أصل في سد الذرائع ، وأنه ينبغي للإنسان أن يترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس .
الفائدة السابعة والعشرون : يؤصل الحديث عند المؤمن باب الورع وهو ترك ما قد يضر في الآخرة .
الحديث السابع
عَنْ أَبِيْ رُقَيَّةَ تَمِيْم بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: )الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ يَارَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: للهِ، ولكتابه، ولِرَسُوْلِهِ، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَعَامَّتِهِمْ( رواه مسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : صيغة الحديث تدل على أهمية الحديث .
الفائدة الثانية : ينشر الأخوة بين المجتمع الإسلامي حيث يقوم على التناصح وعدم الغش .
الفائدة الثالثة : بين الحديث أن النصيحة في الدين عامة ولا تقتصر على بيان العيوب فقط .
الفائدة الرابعة : شمل الحديث جميع ما يحيط بالشخص من علاقات : ـ
أولاً : مع ربه : وتشمل علاقته مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم .
ثانياً : مع المخلوقين : وتشمل علاقته مع ولاة أمره ومع عامة المسلمين .
الفائدة الخامسة : النصيحة بالمفهوم الشرعي يجب أن تشمل جميع شؤون الحياة سواء العبادات أو العادات " لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم " .
الفائدة السادسة : يوجب الصدق في تعامل المسلم مع ربه ، والصدق في تعامله مع المخلوقين
الفائدة السابعة : يربي المسلم على إعطاء كل ذي حق حقه من غير أن يطغى جانب على آخر ، فحق لله وحق لرسوله وحق لولاة الأمور وحق لإخوانه من المسلمين .
الفائدة الثامنة : يطرد الغش بجميع صوره ودقائق تفاصيله ، لأن هذا مقتضى النصيحة .
الفائدة التاسعة : يورث المراقبة وهي من أجل أعمال القلوب ، حيث يجعل الشخص ناصحاً في حال سره لأنه يراقب الله سبحانه وتعالى ولهذا لن يغش ولو خلا عن الرقيب البشري .
الفائدة العاشرة : الحديث في صياغته ترتيب الأولويات حيث بدأ بالأهم فالمهم " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم " .
الفائدة الحادية عشرة : يدل على أن المجتمع الإسلامي مجتمع متناصح فيما بينه ، سواء في معاملاته أو علاقاته وجميع شؤونه .
الفائدة الثانية عشرة : من أعظم النصيحة للمسلمين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن ترك المنكر غش يخالف النصيحة المأمور بها في الحديث.
الحديث الثامن
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ وَيُقِيْمُوْا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهَمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى) رواه البخاري ومسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : وظيفة الدعاة أنهم مبلغون عن الله كما هي حال النبي صلى الله عليه وسلم " أمرت " فهو مأمور بأمر ربه لا من عند نفسه .
الفائدة الثانية : الإستجابه لله سبحانه ، حيث أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم فاستجاب .
الفائدة الثالثة : الجهاد شرع لإقامة دين الله في الأرض وأن يعبد الله ويوحد لا لمجرد الإنتقام ولا للعلو في الأرض والسيادة بل حتى يكون الدين كله لله " حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " .
الفائدة الرابعة : لأن الغاية من الجهاد دخول الناس في الإسلام لذلك تسبق الجهاد الدعوة لله سبحانه ، وعلى هذا كانت سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة خلفائه من بعده فقد كانوا يدعون الناس فإن أبوا فالجزية فإن أبوا فالقتال .
الفائدة الخامسة : لا يتوقف الجهاد إلّا إذا دخل الناس جميعاً في دين الله ، ولهذا فإن الجهاد الشرعي ماضٍ إلى قيام الساعة لأنه لا يزال الكفار في الأرض .
الفائدة السادسة : دل الحديث على أن الحكم على الناس في الدنيا يكون على ظواهرهم بدون الدخول في نياتهم ، ولهذا علق النبي صلى الله عليه وسلم عصمة الدم والمال على النطق بالشهادة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكلها أفعال ظاهرة ولم يتعرض للنية بشيء .
الفائدة السابعة : الأصل في الإنسان إذا نطق بالشهادتين وصلى وزكى أنه مسلم معصوم الدم والمال إلّا بحق الإسلام .
الفائدة الثامنة : الإسلام واضح المعالم محدد الأهداف ، فمن دخل في الإسلام ونطق بالشهادتين وأدى ما عليه أصبح مسلماً وليس الإسلام في ذلك دين غامض غير محدد الأهداف بل يعرف حدود الإسلام العامي الكافر الذي يدعي الإسلام .
الفائدة التاسعة : النفس والمال أحد الضروريات التي جاء الإسلام بحفظها .
الفائدة العاشرة : نيات الناس ترجع لله سبحانه وتعالى يحاسبهم عليها كما قال {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ{ (9) سورة الطارق ، وقال في الحديث "وحسابهم على الله " فالله أعلم بصدق الصادق ونفاق المنافق وكل يجزى بنيته في الآخرة .
الفائدة الحادية عشرة : الحديث له أهمية خاصة أيام الفتن ، فإذا ادلهمت الخطوب ، واقبلت المحن ، فليتمسك بهذا الحديث فإنه له نجاة بإذن الله ، فمن ظهر منه الإسلام قبل منه وأرجعت نيته إلى الله وحسابه عند ربه .
الفائدة الثانية عشرة : دليل لمذهب أهل السنة والجماعة في أن الأعمال من الإيمان ، حيث علق العصمة على النطق بالشهادتين وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكلها من أعمال الجوارح .
الفائدة الثالثة عشر : عظمة الإعتداء على الأنفس والأموال فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك الإعتداء عليها ما دام أن صاحبها عصم نفسه ولهذا قال " عصموا مني " أي لا أستطيع النيل منها ، فمن اعتدى بعد ذلك فقد ظلم نفسه .
الفائدة الرابعة عشر : هذا الحديث يحدد ضابط لجهاد الطلب في حال قدرة المسلمين وهو الدعوة إلى الله .
الفائدة الخامسة عشر : دليل على أن الإسلام لا يسعى للسيادة والملك والتسلط والجبروت ، فالأرض كلها لله سبحانه بل يسعى لغاية عظيمة وهدف سامٍ هو دخول الناس في دين الله وعبادتهم له وذلهم وخضوعهم لعظمته .
وهذا كله بخلاف ما تقوم عليه المجتمعات الكافرة في زماننا هذا من مقاتلة للتسلط وللملك وللثروات وللدنيا ، وهذا يربي الفخر والعزة لأهل الإسلام بدينهم
الحديث التاسع
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: ( مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ) رواه البخاري ومسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : حفظ الشريعة لأفرادها حيث أن الله لم ينه إلّا عما فيه مضرة فأمر باجتناب جميع المنهيات وبدون استثناء .
الفائدة الثانية : يسر الشريعة وسماحتها حيث أن الله أمر بأن يأتي الإنسان ما يستطيعه من المأمورات دون ما لا يستطيعه .
الفائدة الثالثة : على المسلم أن يطيع فيترك المنهيات ويفعل ما يستطيع من المأمورات بدون تعنت أو جدال أو مخاصمة في الشرع .
الفائدة الرابعة : دل على أن دائرة المنهيات في الشريعة الإسلامية أقل ولذلك أمرنا باجتنابها جميعها أما المأمورات لكثرتها فلا يستطيع الإنسان الإتيان بها جميعاً فيأتي بما يستطيع .
الفائدة الخامسة : يورث الحديث محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ومحبة دينه حيث لم يكلفنا الله فوق طاقتنا ولم يأمرنا بما لم نستطع " فأتوا منه ما استطعتم " .
الفائدة السادسة : يربي في المسلم العمل وترك الكلام ، فالمسلم يفعل ما يستطيع من المأمورات ويترك المنهيات ويجتنب التعنت وكثرة الأسئلة التي لا تغني .
الفائدة السابعة : الجدال في دين الله وكثرة الأسئلة التعنتيه وترك العمل يورث الهلاك حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم علل هلاك من مضى من الأمم بكثرة الأسئلة والاختلاف على الأنبياء عن طريق المجادلة والمخاصمة .
الفائدة الثامنة : رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وخوفه عليها ولذلك كثيرا ما يذكر لهم سبب هلاك الأمم قبلهم ليحذرهم فصلى الله عليه وسلم ، وقد وصفه الله بقوله (بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَّحِيمٌ) (128) سورة التوبة .
الفائدة التاسعة : فيه بيان لشرف هذه الأمة على الأمم قبلها حيث أنها استسلمت لأوامر الله ولم تخاصم نبيها ولم تختلف عليه بخلاف الأمم من قبلها كما بينه الحديث .
الفائدة العاشرة : النهي عن كثرة الأسئلة التي لا تورث العمل وإنما يتخذها صاحبها ذريعة في التواني والكسل .
الفائدة الحادية عشرة : فيه ذم الاختلاف خاصة في الدين لقوله " إنما أهلك الذين من قبلكم ... اختلافهم على أنبيائهم " .
الفائدة الثانية عشرة : فيه إشارة إلى أن المنهيات لا تترك فقط وإنما يؤمر المسلم بالابتعاد عنها وعن الأسباب المؤدية إليها قبل ذلك لبلاء يقع فيها ، وهذا المفهوم من كلمة " فاجتنبوه " لأنه يعني البعد بخلاف الترك فإنه يعني التخلي ويؤيد ذلك قوله تعالى {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى } (32) سورة الإسراء ، فقد نهى عن مقاربة الزنا ويلزم من ذلك الابتعاد عن كل ما يؤدي إليه .
الفائدة الثالثة عشر : الأصل ترك جميع ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم سواءً نهي تنزيه وكراهة أو نهي تحريم .
الفائدة الرابعة عشر : الأصل فعل ما يستطيع من الأوامر سواءً أمر استحباب أو إيجاب .
الفائدة الخامسة عشر : يربي الحديث في النفس تعظيم حرمات الله لأنه نهى عن جميع المنهيات ولم يترك منها شيء ، فلولا ان المنهيات عظيمة لم ينه عنا بهذا النهي الذي لم يستثن منها شيء .
الحديث العاشر
عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : (إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبَاً وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِيْنَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِيْنَ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً ) (المؤمنون : الآية51) ، وَقَالَ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) (البقرة : الآية172) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيْلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء،ِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ،وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لذلك) رواه مسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : إثبات صفة الكمال لله سبحانه وتعالى .
الفائدة الثانية : من صفات الله أنه طيب سبحانه والمعنى أنه " طاهر مقدس منزه عن النقائص والعيوب كلها "
الفائدة الثالثة : يجب العناية بالأقوال والأفعال وإزالة كل ما يشوبها حتى تكون طيبه يتقبلها الله .
الفائدة الرابعة : لا يتقبل الله من الأعمال إلّا ما كان طاهراً سليماً .
الفائدة الخامسة : تربية المسلم على أن يكون طيباً في قلبه ولسانه وجسده .
الفائدة السادسة : أكل الحلال وعمل الصالحات أمر الله بها جميع الناس والأنبياء وغيرهم .
الفائدة السابعة : أكل الحلال يعين على عمل الصالحات ولهذا قرن الله بينهما .
الفائدة الثامنة : أكل الحلال يعين على إجابة الدعاء كما يفهم من الحديث .
الفائدة التاسعة : أكل الحرام يمنع إجابة الدعاء كما هو منطوق الحديث " فأنى يستجاب له " .
الفائدة العاشرة : السفر ومشقته مظنة إجابة الدعاء لظاهر حديث الباب .
الفائدة الحادية عشرة : صدق الإلتجاء والإلحاح والفاقة لله سبحانه تؤثر أعظم الأثر على استجابة الدعاء ، ولما كان المسافر الذي يطيل السفر وقد تشعثت حاله يدعو باضطرار وإلحاح أثر هذا على إجابة الدعاء .
الفائدة الثانية عشرة : رفع الأيدي من سنن الدعاء لقوله " يمد يديه إلى السماء " وفعله صلى الله عليه وسلم يؤيد هذا .
الفائدة الثالثة عشر : فيه إثبات العلو لله سبحانه لقوله " يرفع يديه إلى السماء " .
الفائدة الرابعة عشر : من سنن الدعاء تكرار ألفاظ النداء " اللهم اللهم " " يا رب يا رب " " يا الله يا الله " ثم يسأل حاجته وهو نوع من الإلحاح .
الفائدة الخامسة عشر : أكل الحرام يورث التمادي فيه فمن أكل الحرام واستمر فإنه بعد ذلك سيكون ملبسه حرام ومشربه حرام وسيتغذى بالحرام.
الفائدة السادسة عشر : شكر النعم يكون بعمل الصالحات فقد قال الله للمؤمنين {وَاشْكُرُواْ لِلّهِ } (172) سورة البقرة وبين الشكر في حق المرسلين فقال {وَاعْمَلُوا صَالِحًا } (51) سورة المؤمنون ، والله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين .
الفائدة السابعة عشر : ذكر في الحديث أربعة أمور في شأن الدعاء : ـ
أ ـ السفر : وهو مظنة الإنكسار كما تقدم .
ب ـ حصول التبذل في اللباس والهيئة من غير تكلف ذلك وتقصده وهذا مظنة طهارة القلب من الكبر .
ج ـ رفع اليدين إلى السماء : وهذا مشعر بالسؤال والاستعطاء من العبد الفقير إلى مولاه الغني .
د ـ الإلحاح بتكرار لفظ الربوبية : وهو مشعر بصدق اللجوء إلى الله .
فهذه الأشياء تؤثر في استجابة الدعاء ، ومدارها يقوم على الذلة والانكسار بين يدي الله .
الفائدة الثامنة عشر : يجب على المؤمن أن يطالع منّة الله عليه وتفضله عليه بالرزق ، ولهذا أضاف الرزق لنفسه فقال {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } (172) سورة البقرة .
الفائدة التاسعة عشر : كمال الإنسان في الإيمان وبلوغه درجة الولاية لا يسقط التكاليف وترك الأعمال بل يوجب الإجتهاد في العمل ولذلك أمر الله المرسلين ـ مع كمال إيمانهم وعلو درجة ولايتهم ـ أمرهم بالعمل فقال : {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا } .
الفائدة العشرون : الكسب الطيب هو الكسب الحلال .
الفائدة الحادية والعشرون : من غنى الله سبحانه عن الناس أنه لا يتقبل إلّا ما كان طيباً طاهراً كما قال في الحديث الآخر " أنا أغنى الأغنياء عن الشرك من أشرك معي غيري تركته وشركه " فمن كمال غناه أنه لا يقبل ما لم يكن خالصاً لهر سبحانه .
الحديث الحادي عشر
عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ أبِي طالبٍ سِبْطِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَيْحَانَتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَفِظْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيْبُكَ) رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : الحديث أصل في ترك الشبهات والورع .
الفائدة الثانية : الحلال المحض لا يجوز تركه ورعاً لأنه لا ريبة فيه .
الفائدة الثالثة : الحرام المحض يجب تركه من باب أولى لأن حرمته لا ريب فيها بل يقين .
الفائدة الرابعة : يربي المؤمن على ترك الريب ومواطن الشبه .
الفائدة الخامسة : المؤمن التقي لا يرتاح ويطمئن إلّا إلى الحلال المحض ، وأما الفاجر فلا تصيبه ريبه في الحرام فضلاً عن الشبهات .
الفائدة السادسة : الحديث قاعدة فيمن احتار بين أمرين أحدهما شاك فيه والآخر عنده يقين ، فينبغي أن يفعل اليقين .
الفائدة السابعة : الحديث مكمل لمعنى حديث النعمان بن بشير السابق ، فمن وقع في الريبة كان كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه .
الفائدة الثامنة : الحديث عام في كل ما يصيب المسلم وليس في جانب الطعام فقط ، فمن شك هل يجمع الصلاتين أم لا ؟له أحقيه الجميع أم لا؟ وعنده ريبة في الجمع فلا يجمع لأن ترك الجمع لا ريبة فيه وهكذا .
الحديث الثاني عشر
عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيْهِ) حديثٌ حسنٌ، رواه الترمذي وغيره هكذا.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : يدل على تفاوت الناس في الإسلام فمن حسن إلى أحسن وهكذا .
الفائدة الثانية : يحث على ترقي الإنسان إلى تحسين إسلامه قدر استطاعته .
الفائدة الثالثة : فيه حفظ لخصوصيات الغير ، فيقطع ما تميل إليه النفس من التطلع والبحث في شؤون الغير لأنها لا تعنيه .
الفائدة الرابعة : على الإنسان أن ينشغل بنفسه وما يعنيها وإصلاحها ويترك شؤون الناس التي تعنيهم .
الفائدة الخامسة : من كمال إسلام المسلم أن يترك ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال .
الفائدة السادسة : فيه تربية على علو الهمة حيث قال في أول الحديث " من حسن إسلام المرء " فكأنه قال هناك منازل عالية في الإسلام ثم بينها ليتسابق الناس إليها .
الفائدة السابعة : يربي في الإنسان الحرص على ما فيه فائدة له وترك ما لا فائدة لأنه لا يعنيه فلا يحصل من ورائه إلّا التعب وضياع العمر وذهاب حسن الإسلام .
الفائدة الثامنة : ترك ما لا يعني من الأقوال يدخل فيه حفظ اللسان عن الباطل واللغو وما لا فائدة فيه .
الفائدة التاسعة : ترك ما لا يعني من الأفعال يدخل فيه ترك المحرمات والمكروهات والمشتبهات وفضول المباحات التي لا تقربه إلى الله سبحانه لأنها ليست مما يوليه المؤمن عنايته وحرصه .
الفائدة العاشرة : فيه تربية للمسلم على حفظ وقته بدل أن يضيع فيما لا يعنيه أمره ، فتجده مغتنماً للحظاته وليس لديه وقت ، للبحث في شؤون الغير .
الفائدة الحادية عشرة : معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أعطي جوامع الكلم لأن الحديث ذم الإنشغال بأمور كثيره جداً كلها داخله تحت جملته تلك صلى الله عليه وسلم.
الحديث الثالث عشر
عَنْ أَبِيْ حَمْزَة أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ خَادِمِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيْهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري ومسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : يخص الحديث علاقة المسلم مع إخوانه ويحددها .
الفائدة الثانية : يزرع الأخوة الحقه بين المسلمين سواءً في لفظه لقوله " أخيه " أو في معناه .
الفائدة الثالثة : محبة الخير للغير من علامات كمال الإيمان ، فمن أحب الخير والنفع عامة لجميع المسلمين فقد كمل إيمانه لظاهر الحديث .
الفائد الرابعة : تمني الضر لغيره من المسلمين علامة نقص في إيمانه ، فليسرع وليستدرك نفسه قبل أن يتفاقم الأمر وينتشر ويجلب أمراض الحسد والغل والحقد .
الفائدة الخامسة : من علاج الحسد إذا انتشر في المجتمع أن يحب الواحد لغيره من الخير ما يحب لنفسه .
الفائدة السادسة : الحديث يؤيد حديث تميم الداري مرفوعاً " الدين النصيحة " فمن النصيحة لعامة المسلمين تمني الخير لهم .
الفائدة السابعة : فيه بيان ميزة وخصوصية للمجتمع الإسلامي دون غيره ، وهي محبة الخير للغير كما يحبه لنفسه تماما.
الفائدة الثامنة : يدل على أن تمني الخير للنفس من طبيعة النفس ولا حرج في ذلك إن كان ذلك الخير يقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، ولهذا قال " ما يحب لنفسه ".
الفائدة التاسعة : محبة الخير للغير أمر يجب أن يستمر عليه الإنسان طيلة حياته وهذا المفهوم من صيغة الفعل المضارع " يحب ، ويؤمن " لأن المضارع يفيد الحال والإستمرار في المستقبل.
الفائدة العاشرة : الحديث يشمل جميع المؤمنين ، فيجب أن تحب لهم الخير حتى أؤلئك الذين بينك وبينهم عداوات شخصية ومخاصمات دنيوية ولهذا جاء لفظ الحديث عاماً دون استثناء.
الفائدة الحادية عشرة : الحديث يدخل في صورة محبة الهداية والاستقامة على أمر الله لمن لم يهتد من أهل المعاصي ، فيتمنى لهم الهداية والخير وعمل الصالحات .
الفائدة الثانية عشرة : دليل لمذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص فمن أحب للمسلمين الخير كمل إيمانه ومن فاته هذه نقص إيمانه على قدر تلك الخصلة ، كما هو مفهوم الحديث .
الحديث الرابع عشر
عنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِيْ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّاركُ لِدِيْنِهِ المُفَارِقُ للجمَاعَةِ) رواه البخاري ومسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : الأصل عصمة دم المسلم .
الفائدة الثانية : دم المسلم لا يباح بالشبهات بل لابد من يقين كامل في الزنا وهو ثيب أو قتل نفساً عمداً من غير شبهة أو ترك دين الإسلام .
الفائدة الثالثة : الأصل في المجتمع المسلم الإسلام حتى يثبت خلاف ذلك .
الفائدة الرابعة : الحديث لم يدل على أن فعل هذه الأشياء بمجردها يبيح الدم لأي أحد أراد إقامة الحد عليه ، بل الحديث مقرر قاعدة في الدماء أما تطبيقها فلولي أمر المسلمين أو من يقوم مقامه ، بدليل سيرة الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح فلم يثبت أن أحدهم قتل زانياً ثيباً أو قاتلاً لنفس بل كان ذلك يرجع لولي الأمر ، وحتى لا تعم الفوضى في المجتمع الإسلامي .
الفائدة الخامسة : الحديث ينفي الأخذ بمجرد التهمة بل لابد من اليقين الثابت ووجود الشروط وانتفاء الموانع .
الفائدة السادسة : الثلاثة المذكوره في الحديث تبيح الدم وهي : ـ
أ ـ الزنا بعد إحصان . ب ـ قتل النفس بغير حق . ج ـ الردة عن دين الله .
الفائدة السابعة : فيه بيان عظم هذه الذنوب على وجه الخصوص لأنها استثنيت من القاعدة وأبيح لأجلها الدم .
الفائدة الثامنة : الدين يأمر بالجماعة وينهى عن الفرقة ولذلك قال : " التارك لدينه المفارق للجماعة " فمن ترك دينه فقد فارق الجماعة لأن الدين هو الجماعة .
الفائدة التاسعة : حفظ النفس أحد الضروريات الخمس التي جاء الشرع بحفظها .
الفائدة العاشرة : الحديث ذكرت فيه ثلاث من الضروريات الخمس : ـ
أ ـ حفظ الأعراض " الثيب الزاني " حيث شرعت هذه العقوبه حفظاً للأعراض .
ب ـ حفظ النفس " النفس بالنفس " حيث شرعت هذه العقوبة حفظاً للأنفس .
ج ـ حفظ الدين " التارك لدينه المفارق للجماعة " حيث شرعت هذه العقوبة حفظاً للدين .
الحديث الخامس عشر
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرَاً أَو لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) رواه البخاري ومسلم.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : دليل لمذهب أهل السنة والجماعة في أن الأعمال من الإيمان ولذلك ربط بين الأعمال مع الإيمان بالله واليوم الآخر .
الفائدة الثانية : المؤمن لا يتكلم إلّا بخير أو يصمت عن لغو وباطل .
الفائدة الثالثة : فيه توجيه وإرشاد للكلام من عدمة ، فمن الإيمان أن يتكلم إن كان الكلام خيراً ومن الإيمان أن يسكت إن كان السكوت خيراً.
الفائدة الرابعة : الشريعة تحرص على كل ما فيه فائدة حتى الكلام أو السكوت .
الفائدة الخامسة : دليل على وجوب حفظ اللسان ليس عن الحرام فقط بل عن كل ما لا فائدة من ورائه .
الفائدة السادسة : الحديث يشمل حقوق الله وحقوق الناس : ـ
ـ فالكلام بالخير والصمت عن غيره من حقوق الله .
ـ وإكرام الضيف والجار من حقوق الناس .
فالإسلام يربي أهله على إعطاء الحقوق وعلى تنوعها .
الفائدة السابعة : يدل على أن قول الخير أو الصمت عن الشر وإكرام الجار والضيف من الإيمان .
الفائدة الثامنة : الإسلام يحارب البخل ولذلك كررت كلمة " فليكرم " مرتين في الحديث لأن البخل يجمع الصفات عديدة كحب الدنيا وسوء الظن بالله والشح .
الفائدة التاسعة : هذا الحديث فيه دعوة لحسن الأخلاق فإكرام الجار يكون بذلك .
الفائدة العاشرة : الإكرام يشمل صوراً عديدة منها : ـ
السلام ـ الإحسان ـ البذل ـ التقدير ـ الاحترام ـ حفظ غيبته ـ ستر عورته ـ النصح ـ عدم أذيته ـ الزيارة ـ العفو ـ المشي في حاجته ـ إدخال السرور عليه ـ القيام بواجبه ، فكلها دخلت في كلمة " إكرام " .
الفائدة الحادية عشرة : الإسلام يقوي الروابط بين أهله وأتباعه ، فرابطة أخوة الإسلام ثم القرابة والنسب ثم الجار ثم الضيافة .
وهذا ليصبح المجتمع الإسلامي ، مجتمعاً قوياً من الداخل يصعب اختراق صفوفه وشق عصاهم ، فتندحر فتنة الشيطان بالتفريق بينهم وفتنة الأعداء في الوصول لهم .
الفائدة الثانية عشرة : الإسلام يربط همة أتباعه بالجائزة العظمى وهي تحقق الإيمان ، فلم تكن الجائزة لمن قال خيراً أو أكرم جاره وضيفه ، جائزة دنيوية لأن همة المؤمن أعلى من ذلك بل الجائزة هي " الإيمان بالله واليوم الآخر " .
الفائدة الثالثة عشر : في تعليق الناس بالإيمان بالله واليوم الآخر تأصيل لمنزلة مراقبة الله في قلوبهم .
الفائدة الرابعة عشر : قول الخير أفضل من الصمت عن الشر لأن قول الخير يتعدى بنفسه ، بخلاف الصمت لا يتعدى ، ولهذا والله أعلم بدأ فيه فقال : " فليقل خيراً أو ليصمت " .
الحديث السادس عشر
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : أَوصِنِيْ، قَال : لاَ تَغْضَبْ. رواه البخاري
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : على الإنسان أن يطلب الوصية ممن يكون أهلاً لها ، ولذلك طلب الرجل الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم .
الفائدة الثانية : صيغة السؤال تدل على أهمية الحديث لأن الرجل بادر فطلب الوصية ، ثم إن لفظ الوصية بحد ذاته يتضمن نصيحة جامعة نافعة وفي لفظ الترمذي " يا رسول الله علمني شيئاً ولا تكثر علي " .
الفائدة الثالثة : ينبغي في حال النصيحة اختيار الكلمات المختصرة التي تناسب الحال ، لأن ذلك أنفع ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجل .
الفائدة الرابعة : صيغة ترديد السؤال وترديد الجواب تدل على خطورة الغضب .
الفائدة الخامسة : لفظ الحديث أطلق ولم يقيد " لا تغضب " ولم يذكر الأشياء التي لا يغضب فيها ، والذي يظهر أن هذا الإطلاق مقصود وذلك حتى يشمل جميع أمور الحياة فلا يغضب من زوجته ولا أولاده ولا تعامله ولا جيرانه ولا تجارته ولا غير ذلك .
الفائدة السادسة : في الحديث دعوة لحسن الأخلاق ، وذلك أنه لا تفسد الأخلاق بمثلما تفسد بالغضب ، قيل لابن المبارك : اجمع لنا حسن الخلق في كلمة قال : " لا تغضب " .
الفائدة السابعة : الشريعة تدعو لأن يتحكم الشخص بعاطفته فيجعلها تحت سلطان الشرع وحتى في حال الغضب الذي قد لا يملك الإنسان نفسه .
الفائدة الثامنة : يدل الحديث على أن الغضب لا يحل المشاكل ولا ييسر الأمور بل يزيد تعقيدها ، ولو كان الغضب حلاً لأوصى به صلى الله عليه وسلم .
الفائدة التاسعة : قوله " لا تغضب " تحتمل معنيين : ـ
الأول : جاهد نفسك لئلا يقع الغضب أصلاً .
الثاني : أمسك نفسك إذا وقع الغضب فلا تقع في فعل تندم عليه .
وظاهر الحديث يتوجه للمعنى الأول لأنه خطوة للثاني فإن لم يقع الغضب أصلاً فهذا أفضل .
الفائدة العاشرة:يدل الحديث على أن الغضب يمكن التخلص منه ولو كان من صفات الشخص الذاتية ، فلو لم يمكن التخلص منه لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عنه .
الحديث السابع عشر
عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ. فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَهُ) رواه مسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : دليل على رحمة الله سبحانه ولأجل ذلك كتب الإحسان على كل شيء وهذا يورث محبته سبحانه .
الفائدة الثانية : فيه سماحة الشريعة ويسرها حيث بنيت على الإحسان والإتقان .
الفائدة الثالثة : قوله " كتب " تدل على وجوب الإحسان .
الفائدة الرابعة : الإحسان فيه معنى الإتقان ، فالإحسان في الذبيحة إتقانها بحيث لا تطول فتتعذب . وكذلك الإحسان في كل شيء إتقانه بحسبه .
الفائدة الخامسة : يجب الإحسان إلى الذبيحة بحد شفرته وسرعة إنجازها .
الفائدة السادسة : من أساليب التعليم : ذكر قاعدة ثم ضرب مثال لها أو مثالين . فالقاعدة في الحديث " إن الله كتب الإحسان على كل شيء " .
والمثالان هما " إذا قتلتم فأحسنوا القتله ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحه " .
الحديث الثامن عشر
عَنْ أَبِيْ ذَرٍّ جُنْدُبِ بنِ جُنَادَةَ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذِ بِنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وفي بعض النسخ: حسنٌ صحيح.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : يجمع الحديث ثلاثة حقوق : ـ
ـ الحق الأول : حق الله في قوله " اتق الله " .
ـ الحق الثاني : حق النفس في قوله " واتبع السيئة الحسنة تمحها " .
ـ الحق الثالث : حق الناس في قوله " وخالق الناس بخلق حسن " .
الفائدة الثانية : تقوى الله ليس لها زمن تتقيد به وتقف عنده بل عند الإنسان المؤمن تجب في كل اللحظات .
الفائدة الثالثة : قوله " اتق الله حيثما كنت " تأصيل لمراقبة الله سبحانه في السر والعلن .
الفائدة الرابعة : الشريعة تحرص على أن يوجد عند الشخص رادع وزاجر من نفسه تحول بينه وبين المحرمات وهي " تقوى الله " .
الفائدة الخامسة : ظاهر الحديث أن تقوى الإنسان لا تعصمه من وجود زلات سرعان ما يتبصر فيها المتقي ويرجع إلى حالٍ أفضل من حال قبل الذنب وهذا الظاهر يؤخذ من قوله " وأتبع السيئة الحسنة تمحها " بعد قوله " اتق الله حيثما كنت " .
الفائدة السادسة : بيان رحمة الله سبحانه بعبادة ، وذلك بفتح أبواب لمحو السيئات ومنها الاستغفار ومنها فعل الحسنات كما في الحديث .
الفائدة السابعة : فيه حث على مجاهدة النفس فمن فعل سيئة فليتبعها بحسنة فإن عاد للذنب فعل الحسنة وهكذا .
الفائدة الثامنة : على الإنسان أن لا يستسلم للذنوب فمن أذنب فلايعني سقوطه وإبعاده أو أنه يرضى بما هو عليه بل يحاول التخلص ويفعل الخير ويتوب ويرجع إلى ربه وفي ذلك رفع للمعنوية وشحذ للهمة .
الفائدة التاسعة : فضل فعل الحسنات والصالحات أنه يرفع الدرجات ويكفر السيئات .
الفائدة العاشرة : يربي الحديث في المسلم الخوف والرجاء ، فتقوى الله تربي في المسلم الخوف ، وفتح باب التوبة . وتكفير السيئات يربي في المسلم الرجاء وهما منزلتان عظيمتان من منازل أعمال القلوب .
الفائدة الحادية عشرة : يسعى الإسلام لتربية أهله على زوال العداوات بينهم وهو المقصود من قوله " وخالق الناس بخلق حسن " .
الفائدة الثانية عشرة : تقوى الله تشمل القيام بحقوق الله وحقوق الناس ولذلك قال في الحديث " وخالق الناس بخلق حسن " قال ابن رجب رحمه الله : " وإنما أفرده بالذكر للحاجة إلى بيانه فإن كثيراً من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحقوق الله دون حقوق عباده فنص له الأمر بحسن العشرة للناس " .
الفائدة الثالثة عشر : يربي في النفس المبادرة في الفعل وألّا يكون الشخص تبعاً لغيره ، ولذلك أمره أن يبادر في فعل الحسنة وأن يبادر في معاملة الناس بخلق حسن .
الفائدة الرابعة عشر : الأخلاق الحسنة في الشريعة تبذل مطلقاً سواءً أحسن الناس إليك أو أساءوا ولذلك لم يقيدها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها لا تبذل إلّا لمن أحسن إليك بل جعلها عامة فقال : " وخالق الناس " أي جميعاً من أحسن ومن أساء .
الفائدة الخامسة عشر : بدلالة الحديث فإن أهل الإسلام أولى بالأخلاق الحسنة من غيرهم من الأمم ، وأهل السنة والجماعة على وجه الخصوص أولى من غيرهم من الطوائف .
الحديث التاسع عشر
عَنْ أَبِي عَبَّاسٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم يَومَاً فَقَالَ: (يَا غُلاَمُ إِنّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللهَ يَحفَظك، احْفَظِ اللهَ تَجِدهُ تُجَاهَكَ، إِذَاَ سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَاَ اسْتَعَنتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ، وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَك، وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضروك إلا بشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفعَت الأَقْلامُ، وَجَفّتِ الصُّحُفُ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح - وفي رواية - غير الترمذي: ( اِحفظِ اللهَ تَجٍدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْكَ في الشّدةِ، وَاعْلَم أن مَا أَخطأكَ لَمْ يَكُن لِيُصيبكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُن لِيُخطِئكَ، وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً)
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : فيه حث على التواضع لإردافه صلى الله عليه وسلم خلفه ولم يستأثر بالدابة دون غيره .
الفائدة الثانية : فيه دلالة على اللين والملاطفة لاختيار ابن عباس الشاب الصغير رضي الله عنهما ، بل ومحادثته في الطريق وتوصيته ، وصدق الله إذ وصفه بقوله : {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } (159) سورة آل عمران
الفائدة الثالثة : الاهتمام بتربية الصغار وهذا واضح من ظاهر الحديث .
الفائدة الرابعة : اختيار الجمل القصيرة في حال تعليم الصغار ليكون أسهل في الحفظ .
الفائدة الخامسة : بذل العلم للكبير والصغير لكن على قدر ما ينتفع به المتلقي ، ولا يأنف الإنسان الذي آتاه الله علماً من تعليمه للصغار أو من هو دوناً منه .
الفائدة السادسة : ينبغي أن يذكر مقدمة مناسبة قبل التعليم تشوق المستمع لما يقال ، كما فعل صلى الله عليه وسلم في رواية هذا الحديث حيث قال " أعلمك كلمات ينفعك الله بهن " ، لأن ابن عباس رضي الله عنهما إذا سمع ذلك شحذ همته ليحفظهن ويعمل بهن .
الفائدة السابعة : استغلال الوقت بما يفيد ففي حال ركوب ابن عباس رضي الله عنهما خلف النبي صلى الله عليه وسلم حرص صلى الله عليه وسلم أن يقطع الوقت بما يفيد من تعليم أو تذكير .
الفائدة الثامنة : فيه الاهتمام بأمر العقيدة ، فهذه الكلمات جميعها من أمور العقيدة .
الفائدة التاسعة : الجزاء من جنس العمل ، فمن حفظ الله حفظه الله ، ومن استعان بالله أعانه سبحانه .
الفائدة العاشرة : من تعلم هذه الكلمات انتفع بإذن الله لقوله صلى الله عليه وسلم " أعلمك كلمات ينفعك الله بهن " فهذا يعطي أهمية للحديث .
الفائدة الحادية عشرة : يربي الحديث الاعتماد على الله سبحانه والتعلق به ورجاءه دون غيره .
الفائدة الثانية عشرة : يقرر الحديث الأعمال القلبية من التوكل والاستعانة والتعلق والخوف والرجاء لأنها حياة الإنسان وأصل العقيدة .
الفائدة الثالثة عشر : من أراد حفظ الله من المكروهات والشرور والضرر فإضافة للأسباب المادية على الإنسان أن يحفظ أوامر الله .
الفائدة الرابعة عشر : من يحفظ أوامر الله يحصل على ثمرتين عظيمتين : ـ
الثمرة الأولى : يحفظه الله من كل مكروه لقوله في جواب الشرط " يحفظك " .
الثمرة الثانية : يعينه الله في أموره المستقبليه ويجلب له الخير لقوله " احفظ الله تجده تجاهك " .
الفائدة الخامسة عشر : فيه تفسير لمعية الله الخاصة لعبادة المؤمنين كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ، وهذه المعية الخاصة في قوله " تجاهك " " أمامك " " يحفظك " " يعرفك في الشدة " .
الفائدة السادسة عشر : صلاح الدنيا والآخرة للشخص على قدر حفظه لحدود الله ، ولذلك قال في الحديث " احفظ الله يحفظك " وأطلق ولم يقيد الحفظ في المال أو الولد أو الصحة أو الدين ، وهذا الإطلاق حتى يشمل جميع ذلك .
الفائدة السابعة عشر : إثبات اسم الله " الشكور " حيث أن من معانيه أنه يشكر العبد على أعماله فيعينه عليها أولاً ثم يتقبلها منه ثانياً ثم يجزيه عليها في الدنيا والآخرة فمن جزائه في الدنيا أنه يحفظ العبد وييسره له كل عسير وهذا من شكره سبحانه وتعالى لعبده .
الفائدة الثامنة عشر : التوجه والسؤال والحاجة لا تنزل إلّا بالله وحده ، فهو الذي يعطي ويمنع " إذا سألت فاسأل الله " .
الفائدة التاسعة عشر : قوله " إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله " مرادف لقوله " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }(5) سورة الفاتحة فإن السؤال عبادة لله .
الفائدة العشرون : جاء النص على السؤال دون غيره " إذا سألت فاسأل الله " لأن السؤال يجمع مقامات عالية منها : ـ
الذل والافتقار والتوجه والمسكنة والخروج من الحول والقوة وإنزال الفاقة بالمسؤول وإحسان الظن به ، واتهام النفس بالقصور ، ومعرفة قدرها وأنها لا تملك ضراً ولا نفعاً .
الفائدة الحادية والعشرون : من إحسان الله سبحانه أنه ييسر العبادة للشخص ثم يعينه عليها ثم يجازيه بها والشخص لا حول له ولا قوة إلّا بإعانة المولى سبحانه فله الفضل اولا وأخرا .
الفائدة الثانية والعشرون : يدل الحديث على أن الشخص ضعيف لا يملك لنفسه حولاً ولا قوة ، حتى إعانته نفسه على ما يريد لا يقدر عليه إلّا بإعانة المولى سبحانه .
الفائدة الثالثة والعشرون : من أهداف الحديث تقرير مسألتين عظيمتين : ـ
الأولى : فقر الإنسان لربه ، وأنه لا غنى له عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك وقطع الرجاء بالمخلوقين .
الثانية : غنى الله عن جميع المخلوقين وكماله بذاته سبحانه .
الفائدة الرابعة والعشرون : الكلمات التي تعلمها ابن عباس رضي الله عنهما تربي القوة والشجاعة في النفس ، فمن نزّل مسألته بالله دون غيره واستعان به وحده ، وعلم أن ما أصابه لا يخطؤه وما أخطأه لا يصيبه أصبح قوياً في حجته ودعوته وسائر حياته .
الفائدة الخامسة والعشرون : المؤمن الصادق يعبد الله في كل أحيانه ، الرخاء والشدة ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما فقال " تعرّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة " ، وليس كحال المشركين الذي قال الله عنهم {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } (65) سورة العنكبوت.
الفائدة السادسة والعشرون : الاستعانة من أعمال القلوب التي يجب صرفها لله ، ومن صرفها لغير الله فقد أشرك وخذل لأن من استعان بغير الله وكله الله إليه فلا يستطيع نفعه ، بل يضره لفوات إعانة الله عنه ولذلك قال " وإذا استعنت فاستعن بالله " .
الفائدة السابعة والعشرون : يؤصل الحديث الإيمان بالقضاء والقدر ، وهذا الركن السادس من أركان الإيمان .
الفائدة الثامنة والعشرون : قوله " إلّا بشئ كتبه الله لك " وقوله " إلّا بشئ كتبه الله عليك " لا يعارض العمل ولا يدل على ترك العمل ، بدليل أول الحديث " إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله " فسؤال الله والاستعانة به هي من عمل الشخص يجازيه الله بها .
الفائدة التاسعة والعشرون : الحديث يشمل أعمال الجوارح وأعمال القلوب ، فالسؤال والدعاء من أعمال الجوارح ، والاستعانة من أعمال القلوب ، وكلا الأمرين من أركان الإيمان .
الفائدة الثلاثون : يقرر الحديث الرضا بأقدار الله ، وهي منزلة أعلى من منزلة الصبر .
الفائدة الحادية والثلاثون : يقرر الحديث اليقين بالله سبحانه وأفعاله .
الفائدة الثانية والثلاثون : تقرير لمذهب أهل السنة والجماعة أن مشيئة الله هي النافذه ، وترجع مشيئة العبد إليها .
الفائدة الثالثة والثلاثون : يربي عظمة الله سبحانه في قلوب المؤمنين ، فمن تأمل قدرته الباهرة ، ومشيئته النافذه وأن ماشاء كان وما لم يشاء لم يكن عرف ذلك .
الفائدة الرابعة والثلاثون : النصرمع الصبر ، وهذا في جميع الأمور فمن صبر وصابر على مجاهدة نفسه وجهاد العدو وعبادة ربه وعلى حياته انتصر بإذن الله .
الفائدة الخامسة والثلاثون : الاستعجال والجزع لا يأتي بالنصر ، وهذا من مفهوم الحديث لأنه علق النصر بالصبر .
الفائدة السادسة والثلاثون : إذا اشتد الأمر وزاد الكرب ، وانغلقت جميع الأبواب ، كان هذا بإذن الله دليل على الفرج لقوله " وأن الفرج مع الكرب " .
الفائدة السابعة والثلاثون : الحديث يربي في النفوس عدم اليأس من روح الله ، وفرجه ، وحسن الظن به حتى لو اشتد الأمر لأن الفرج لا يأتي إلّا بعد الكرب .
الفائدة الثامنة والثلاثون : قوله " واعلم أن الفرج مع الكرب " عام في جميع شؤون الحياة ، ففيه بشارة لمن أصابه هم وغم وتراكمت عليه الأحزان أن فرج الله قريب .
الفائدة التاسعة والثلاثون : قال ابن رجب رحمه الله : " ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب واليسر بالعسر أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين وتعلق قلبه بالله وحده وهذا هو حقيقة التوكل " أ.هـ .
الفائدة الأربعون : يدل ظاهر الحديث على أن حال الدنيا يدور بين عسر يتبعه يسر ، وكرب يتبعه فرج حيث خلق الله الدنيا على نكد وعدم صفو ، فمن عرف حالها لم يطمئن لها .
الحديث العشرون
عَنْ أَبيْ مَسْعُوْدٍ عُقبَة بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ البَدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ مِمَّا أَدرَكَ النَاسُ مِن كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذا لَم تَستَحْيِ فاصْنَعْ مَا شِئتَ) رواه البخاري.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : مما يدل على أهمية الحديث قوله " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى " حيث يستفاد فائدتان : ـ
الأولى : أنه من كلام الأنبياء المتقدمين .
الثاني : تواتره على الناس وانتقاله من جيل إلى جيل إلى أن وصل لهذه الأمة، والناس لا يتناقلون عبر هذه الأجيال الطويلة إلّا شيئاً مهماً .
الفائدة الثانية : يرشد الحديث لضبط سلوك الإنسان وتصرفاته .
الفائدة الثالثة : يربي في النفس المسلمة خلق الحياء ، فيكون الحياء رادعاً له عن كثير من التصرفات القبيحة .
الفائدة الرابعة : الحث على الحياء والتحذير من ذهابه موروث حتى عند الأمم الماضية .
الفائدة الخامسة : من لم يكن عنده حياء يتحلى به جاهر بالقبائح والفضائح .
الفائدة السادسة : لا يسمى حياءً إذا تعارض مع أمر من أمور الشريعة ، لأن الذي حث على الحياء هو الذي أمر بذلك الأمر فلا يتعارضان .
الحديث الحادي والعشرون
عَنِ أَبيْ عَمْرٍو، وَقِيْلَ،أَبيْ عمْرَةَ سُفْيَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُوْلَ اللهِ قُلْ لِيْ فِي الإِسْلامِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدَاً غَيْرَكَ؟ قَالَ: "قُلْ آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ استَقِمْ"
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : أهمية الحديث تتجلى من خلال صيغة السؤال " لا أسأل عنه أحداً غيرك " فهذا يدل على أن الجواب سيكون جامعاً مانعاً .
الفائدة الثانية : يدل على الحرص على طلب العلم وهذا ظاهر من صيغة السؤال ، فهي تدل على حب وشغف لمعرفة الجواب .
الفائدة الثالثة : ينبغي لطالب العلم أن يحرص على السؤال المختصر الهام الذي يجمع فوائد عدة ، وهذا ما فعله سفيان بن عبد الله رضي الله عنه في سؤاله حيث كان مختصراً هاماً ، إجابته تجمع فوائد عديدة .
الفائدة الرابعة : السؤال مفتاح العلم ، فعلى طالب العلم ألّا يستحي من سؤاله .
الفائدة الخامسة : طالب العلم يجب أن يكون ذكياً في اختيار سؤاله ، خاصة إن كانت فرصة الجواب لا تتهيأ في كل الأحيان ، ولذلك فإن سؤال سفيان رضي الله عنه من هذا النوع الذكي الذي يختلف عن أسئلة الناس .
الفائدة السادسة : قوله " آمنت بالله ثم استقم " مرادف لقوله تعالى{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (13) سورة الأحقاف .
الفائدة السابعة : جمع في الحديث أركان الإيمان عند أهل السنة والجماعة وهي : ـ
قول اللسان : لقوله " قل آمنت بالله " .
اعتقاد الجنان : لقوله " آمنت بالله " .
عمل الجوارح : لقوله " استقم " .
الفائدة الثامنة : الإيمان قول يصدقه عمل ، فلم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " قل آمنت بالله " حتى أردف بها وصيته لسفيان رضي الله عنه بقوله " ثم استقم " فيصدق قوله بالإيمان بفعل وعمل ظاهر .
الفائدة التاسعة : قوله " استقم " تحمل في مضمونها المجاهدة ، فلا تأتي الاستقامة على دين الله إلّا بعد مكابدة وصبر ومصابره .
الفائدة العاشرة : يجب على الإنسان أن يستقيم على دين الله من غير اعوجاج ولا انحراف ، ويشمل ذلك فعل الطاعات وترك المنهيات .
الفائدة الحادية عشرة : الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم .
الفائدة الثانية عشرة : جمع الحديث الدين كله ، لأن الاستقامة هي فعل الطاعات كلها من واجبات ومستحبات ، وترك المنهيات كلها من محرمات ومكروهات وهذا هو الدين الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم .
الفائدة الثالثة عشر : الإستقامة قرنت في القرآن مع الاستغفار في قوله : {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ{ (6) سورة فصلت . وهذا دليل على أن الاستقامة الحقيقية الكاملة لا يستطيعها كل أحد " فلا بد من تقصير فيجبر ذلك الاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الإستقامة " .
الفائدة الرابعة عشر : لا يقر الحديث مجرد الإقرار بالإيمان والانتساب إلى منهج أهل السنة ما لم يكن معه استقامة تصدقه وتحفظه وترشده ، استقامة في القلب والجوارح ، فإن لم تكن استقامة فمجرد الانتساب لا يكفي ، كما أوضحه صلى الله عليه وسلم لسفيان رضي الله عنه .
الحديث الثاني والعشرون
عَنْ أَبيْ عَبْدِ اللهِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَرَأَيتَ إِذا صَلَّيْتُ المَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضانَ، وَأَحلَلتُ الحَلاَلَ، وَحَرَّمْتُ الحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلى ذَلِكَ شَيئاً أَدخُلُ الجَنَّة ؟ قَالَ: نَعَمْ"رواه مسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : تفاوت الناس في الإيمان ، فمنهم من يحرص على المقامات العليا ، ومنهم من يكون أقل ، فأحياناً يسأل السائل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال ؟ وأحياناً بما دون ذلك ، وهذا يؤكد مذهب أهل السنة والجماعة في أن الإيمان يزيد وينقص وأهله يتفاضلون فيه .
الفائدة الثانية : طالب العلم ينبغي أن ينتبه للأسئلة التي تعرض على الشيخ ويحضر لها ذهنه وقلبه ولو كانت من غيره ، فلابد أن يجد فيها فائدة .
الفائدة الثالثة : يجوز الاقتصار على الفرائض من المكتوبات ورمضان والزكاة وغيرها ، لكن المقام العالي أن يجمع الشخص النوافل .
الفائدة الرابعة : فيه فضيلة الفرائض لدرجة أن من اقتصر عليها وداوم تدخله الجنة بفضل الله ورحمته .
الفائدة الخامسة : على العالم أن يراعي حال الناس ، فلا يلزم الناس بحالة واحدة ويهمل الفوارق بينهم بل عليه أن يوجه ويرشد على حسب حال السائل ، ولذلك السائل في حديث الباب لم يوبخه النبي صلى الله عليه وسلم ويلزمه النوافل بل رضي منه الفرائض لأنها تناسب حاله ، وفي بعض الروايات أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يخفى مراعاة حال الأعراب .
الفائدة السادسة : من الفقه ألا يقنط العالم الناس من رحمة ربه سبحانه وتعالى .
الفائدة السابعة : تيسير الشريعة الإسلامية على أهلها فلم تشدد عليهم ولم تطالبهم بالتنطع والانقطاع والرهبانية بل رضيت منهم الحرص على الفرائض وفعل الحلال وترك الحرام .
الفائدة الثامنة : الحديث دليل لمذهب أهل السنة والجماعة على أن الأعمال من الإيمان .
الفائدة التاسعة : قول السائل " ولم أزد على ذلك شيء " معناه لم أفعل النوافل بل أكتفي من الصلاة بالمكتوبه ومن الصيام برمضان وهكذا ، وليس المراد أني لا أعمل بشيء من الشريعة غير الصلاة والصيام بدليل قوله " وأحللت الحلال وحرمت الحرام " .
الفائدة العاشرة : التحليل والتحريم لله سبحانه فقط لأنه الحكم سبحانه له الحكم وهو أحكم الحاكمين .
الفائدة الحادية عشرة : دل الحديث على أن تحليل الحلال باعتقاد حله سواءً فعله أو لم يفعله ، وتحريم الحرام باعتقاد حرمته واجتنابه وتركه .
الحديث الثالث والعشرون
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الحَارِثِ بنِ عَاصِم الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: )الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيْمَانِ، والحَمْدُ للهِ تَمْلأُ الميزانَ، وسُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ - أَو تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَو عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا (رواه مسلم.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : فيه فضيلة الوضوء وأهميته لأنه المراد بقوله " الطهور " لروايات الحديث الآخرى .
الفائدة الثانية : دليل لمذهب أهل السنة أن الأعمال من الإيمان حيث اعتبر الوضوء شطر الإيمان .
الفائدة الثالثة : التطهر بمعناه العام من الإيمان ، فيدخل فيه الوضوء والغسل والطهارة من الذنوب سواءً بحديث الباب أو غيره من الأحاديث .
الفائدة الرابعة : لا يحافظ على الوضوء إلّا مؤمن مراقب لربه ، محتسب لصلاته ، حريص على العناية بها ، ولهذا كان الطهور شطر الإيمان ، أما من تهاون به فاته فضل الإسباغ ، وكان دليلاً على قدر الصلاة في قلبه .
الفائدة الخامسة : فيه فضل التحميد لله وأنه يملأ ميزان العبد يوم القيامة .
الفائدة السادسة : لرفع همة المؤمن ينبغي أن يعلق قلبه بالآخرة وثقل الميزان والجنة لأنها أمور معتبرة لديه ولذلك نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن التحميد يملأ ميزان العبد .
الفائدة السابعة : التحميد أفضل من التسبيح لأن التحميد إثبات المحامد كلها لله سبحانه ، بخلاف التسبيح فهو تنزيه الله عن النقائص والعيوب ولهذا يأتي التحيمد مفرداً بينما التسبيح الغالب أن يأتي مقروناً بغيره كالتحميد فتقول : " سبحان والله وبحمده " ولا يعني هذا نقص التسبيح لكن يعني كمال التحميد .
الفائدة الثامنة : الحمد فيه اعتراف بفضل الله سبحانه ومدح له ، ويتضمن نقص النفس لأنها لا تملك شيئاً تحمد فيه وتمدح لأجله .
الفائدة التاسعة : فيه فضل التسبيح وأنه يملأ ما بين السماء والأرض .
الفائدة العاشرة : فيه فضيلة الصلاة وأنها نور لصاحبها في الدنيا والآخرة .
الفائدة الحادية عشرة : قوله " الصلاة نور " دليل على أنه على قدر صلاته وإتمامها وخشوعها تكون قوة ذلك النور ، نسأل الله أن يتم نورنا ، فمن تم نور صلاته نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر وكانت حجابه عن النار ، ونور الله بصيرته ، ومن نقص نور صلاته نقص منه بقدر ذلك .
الفائدة الثانية عشرة : فيه فضيلة الصدقه وأنها علامة من علامات الإيمان .
الفائدة الثالثة عشر : النفس تحب المال بطبعها فمن خالف هوى نفسه وأنفق وتصدق كان ذلك برهانُ على إيمانه ولذلك قال " والصدقة برهان " .
الفائدة الرابعة عشر : فيه فضيلة الصبر وأنه ضياء للمسلم .
الفائدة الخامسة عشر : قوله " والصبر ضياء " يدل على أن الصبر لابد فيه من الحرارة وإكراه النفس لأن الضياء نور فيه حرارة بخلاف النور فهو مجرد الإشراق .
الفائدة السادسة عشر : الصبر بأنواعه الثلاثة فيه حبس للنفس ومشقة سواءً :
ـ الصبر على طاعة الله .
ـ الصبر على معصية الله .
ـ الصبر على أقدار الله
الفائدة السابعة عشر : الصبر على ما فيه من المشقة والشدة إلّا أن عاقبته نور وفرج وهذا مدلول قوله " ضياء " ففيه بشارة للصابر .
الفائدة الثامنة عشر : في بعض نسخ صحيح مسلم " والصيام ضياء " وهذا يدل على ما يأتي : ـ
الأول : المشقه التي تحدث في الصيام من حرارة في الجوف والجوع والعطش
الثاني : فضل الصيام وأنه ضياء للإنسان عند الله سبحانه وتعالى .
الفائدة التاسعة عشر : عظم شأن القرآن حيث جعله أحد مظلتين لا ثالث لهما وهما " حجة لك أو عليك " ، فمن قرأه وأقام حدوده كان حجة له وإلّا كان حجةعليه لوضوحه وبيانه وسلامته من اللبس والزلل .
الفائدة العشرون : الناس في الدنيا يسعون ويعملون إما لفكاك رقابهم من النار أو لإهلاكها .
الفائدة الحادية والعشرون : فضل من باع نفسه لله سبحانه واشترى جنة عرضها السماوات والأرض ، فهذا الذي أعتق نفسه .
الفائدة الثانية والعشرون : خسارة من ضيع أوامر الله وانتهك حرماته ، فهذا الذي أوبق نفسه وأهلكها .
الفائدة الثالثة والعشرون : فيه حث على العمل والعبادة لله سبحانه وتعالى والحرص على اعتاق النفس من النار في قوله " فبائع نفسه فمعتقها " أما مجرد الكسل والتواني والعجز والأماني فلا يأتي بخير .
الفائدة الرابعة والعشرون : الحديث دليل على أن الشخص له إرادة واختيار ، بها يختار اعتاق النفس من النار أو يرضى بإهلاكها .
الفائدة الخامسة والعشرون : الحديث دليل على أن الأعمال تنسب للفاعل ، فهو الذي يعتق نفسه ، وهو الذي يهلك نفسه وهذا مذهب أهل السنة والجماعة .
الفائدة السادسة والعشرون : هناك مناسبة ظاهرة بين نهاية الحديث مع أوله فبعد أن ذكر جملة من الأعمال من الطهور والتحميد والتسبيح والصلاة والصدقة والصبر والقرآن ذكر أن من عمل هذه الأعمال أعتق نفسه ومن تركها وتهاون أهلك نفسه .
الفائدة السابعة والعشرون : قوله " فبائع نفسه فمعتقها " يؤيد الحديث الآخر " وأصدقها ـ يعني الأسماء ـ حارث وهمام " فلابد للإنسان من حرث وعمل وهم وإرادة بها يتحرك ، ثم بعد ذلك قد يكون حرثه وعمله في اعتاق نفسه ، وقد يكون في إهلاكها أما أن يوجد شخص بدون عمل ولا إرادة فلا يكون .
الحديث الرابع والعشرون
عَنْ أَبي ذرٍّ الغِفَارْي رضي الله عنه عَن النبي صلى الله عليه وسلم فيمَا يَرْويه عَنْ رَبِّهِ عزَّ وجل أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِيْ إِنِّيْ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِيْ وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمَاً فَلا تَظَالَمُوْا، يَا عِبَادِيْ كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُوْنِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِيْ كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فاَسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِيْ كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُوْنِيْ أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِيْ إِنَّكُمْ تُخْطِئُوْنَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوْبَ جَمِيْعَاً فَاسْتَغْفِرُوْنِيْ أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِيْ إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوْا ضَرِّيْ فَتَضُرُّوْنِيْ وَلَنْ تَبْلُغُوْا نَفْعِيْ فَتَنْفَعُوْنِيْ، يَا عِبَادِيْ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوْا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فَيْ مُلْكِيْ شَيْئَاً. يَا عِبَادِيْ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوْا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِيْ شَيْئَاً، يَا عِبَادِيْ لَوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوْا فِيْ صَعِيْدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوْنِيْ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِيْ إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إَذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِيْ إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيْهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيْكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرَاً فَليَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) رواه مسلم.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : يربي في نفس المسلم رحمة الله سبحانه وتعالى وهذا ظاهر في جميع ألفاظ الحديث .
الفائدة الثانية : يورث الحياء من الله سبحانه ، فمع غناه الكامل وعظمته إلّا أنه ينادي عباده بنداء لطيف لدعائه وعبادته واستغفاره .
الفائدة الثالثة : يزيد من محبته سبحانه في القلوب المؤمنة فمن لم يزد محبة لله بعد هذا الحديث فليتهم قلبه لأن جميع ألفاظ الحديث ومعانيه تزكي المحبة في القلب وتحركها .
الفائدة الرابعة : يتوجه النداء في قوله " ياعبادي " إلى جميع البشر مؤمنهم وكافرهم ، إنسهم وجنهم ، فكلهم عباد لله عبوديه عامة .
الفائدة الخامسة : الله يحب المدح ولذلك مدح نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، وحتى الصفات المنفية عن الله كالنوم والسنة والموت تتضمن مدحاً فلا ينام سبحانه لكماله ولا يموت لقيوميته وحياته سبحانه ، وهذا الحديث كله مدح لله فهو أهل للمدح .
الفائدة السادسة : يربي في النفس المؤمنة الافتقار إلى الله والتذلل له والمسكنة وتمام الحاجة إليه .
الفائدة السابعة : يدل على غنى الله سبحانه عن جميع خلقه ، فهو غني بذاته .
الفائدة الثامنة : مذهب أهل السنة والجماعة أن الله حرم الظلم على نفسه سبحانه مع قدرته عليه ، ولكنه حرمه فضلاً منه وجوداً وكرماً ، فهو قادر عليه سبحانه إذ لو لم يكن قادراً لم يكن في تحريمه الظلم على نفسه مدحاً ، إذا كيف يمدح نفسه بشيء لا يقدر عليه ؟! .
الفائدة التاسعة : يدل الحديث على تحريم الظلم بجميع صوره وأشكاله بين الناس ، وصيغة الحديث تدل على الترهيب منه حيث جعله الله على نفسه محرماً ثم حرمه على الناس ، فما جزاء من تعدى بعد ذلك وظلم ؟! .
الفائدة العاشرة : من الظلم الذي حرمه الله الشرك به ودعاء غيره والالتجاء إلى أحد سواه ، وانتهاك حرماته والتعدي على حدوده .
الفائدة الحادية عشرة : يدل الحديث على أن الهداية بيد الله يعطيها من يشاء بفضله ، ويمنعها من يشاء بعدله ، ولذلك قال " فاستهدوني " فتطلب من عنده .
الفائدة الثانية عشرة : دل الحديث على أن الإنسان لولا إعانة الله لضل السبيل ولا يملك دلالة لنفسه وإرشاداً لها " يا عبادي كلكم ضال " .
الفائدة الثالثة عشر : قوله " كلكم ضال إلّا من هديته " فيه بيان لفضل الرسل لأن الله هدى بهم الناس وأخرجهم من الظلمات إلى النور يبلغون دين الله وهداه ونوره .
الفائدة الرابعة عشر : يدل الحديث على حاجة الإنسان إلى الهداية في كل لحظات حياته ، قال ابن تيمية رحمه الله : " والذنوب من لوازم النفس وهو محتاج إلى الهداية كل لحظة ، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب " أ. هـ .
وقال رحمه الله أيضاً موضحاً ذلك " ولهذا أمرنا الله أن نستهديه فقال " فاستهدوني " وأما السؤال من يقول فقد هداهم للإيمان فلا حاجة لهم إلى الهدى وجواب من يجيب بأن المطلوب دوام الهداية فكلام من لا يعرف حال الإنسان وما أمر به فإن الصراط المستقيم حقيقته : أن تفعل كل وقت ما أمرت به في ذلك الوقت من علم وعمل ولا تفعل ما نهيت عنه وعلى أن يحصل له إرادة جازمة لفعل المأمور وكراهة جازمة لترك المحظور ، وهذا العلم المفصل والإرادة المفصلة لا يتصور أن يحصل للعبد في وقت واحد ، بل كل وقت يحتاج أن يجعل الله في قلبه من العلوم والإرادات ما يهوى به في ذلك الوقت" أ .هـ .
الفائدة الخامسة عشر : الله في الحديث أمر بالدعاء ووعد بالإجابة فقال " فاستهدوني أهدكم " وقال " فاستطعموني أطعمكم " وقال " فاستكسوني أكسكم " وهذا يربي في الأنفس اليقين بوعد الله سبحانه .
الفائدة السادسة عشر : الطعام والرزق على وجه العموم كله من عند الله سبحانه ، لا يملك أحد منه شيء ، وهذا يوجب اليقين بما قسم الله ، والرضاء به ، وسؤال الله الرزق .
الفائدة السابعة عشر : في قوله " كلكم جائع إلّا من أطعمته " بيان لقمة فقر الإنسان وحاجته ، وحوله وقوته من دون الله سبحانه حيث لا يملك أن يطعم نفسه فضلاً أن يهديها وهذا ظاهر، كذلك في قوله " كلكم عار إلّا من كسوته " حيث لا يملك الإنسان أن يكسي عريه ، فسبحان الغني .
الفائدة الثامنة عشر : فيه بيان لمنة الله على جميع خلقه وتفضله عليهم في الأكل والشرب واللباس والهداية ولا حدود لذلك فله الحمد .
الفائدة التاسعة عشر : يربي التفكر في حياة الإنسان نفسه ، في طعامه وشرابه ولباسه ، فمن تفكر فيها وكيف أتته ؟ ومن ساقها إليها ؟ قاده ذلك إلى شكرها والاعتراف بفضل المنعم بها .
الفائدة العشرون : سبحان من علم خطايا الإنسان كلها وأحصاها لا يغيب عليه شيئ منها ، ولا تخفى عليه خافيه " يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار " .
الفائدة الحادية والعشرون : قوله " تخطئون بالليل والنهار " يربي مراقبة الله في قلب المسلم حيث علم الله ذنوبه وعدها ، ومن راقب الله نهى النفس عن الهوى .
الفائدة الثانية والعشرون : فيه عظم حلم الله سبحانه حيث تأتيه المعاصي والذنوب والخطايا من الخلق بالليل والنهار ومع ذلك لم يعاجلهم بعقوبة .
الفائدة الثالثة والعشرون : قوله " وأنا أغفر الذنوب جميعاً " يزيد من منزلة الرجاء عند المؤمن .
الفائدة الرابعة والعشرون : الحديث يدل على عظمته سبحانه المطلقة ، وهذا ظاهر في قوله "لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" .
الفائدة الخامسة والعشرون : الله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره إذا استغفر صاحبه ولو كان الشرك لقوله " وأنا أغفر الذنوب جميعا " .
الفائدة السادسة والعشرون : فيه تربية للناس على الاستغفار والإكثار منه ومداومته لفرط الحاجة إليه لقوله " فاستغفروني أغفر لكم " .
الفائدة السابعة والعشرون : دل على أن العبد محتاج إلى الله سبحانه في أمور الدنيا من سد جوع وعطش ولباس ، ومحتاج إليه في أمور الآخرة من هداية ومغفرة ذنوب .
الفائدة الثامنة والعشرون : الطاعات لا تنفع إلا أصحابها ، ولا تضر إلا إياهم ، أما الله فلا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين " يا عبادي لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني " .
الفائدة التاسعة والعشرون : كرمه سبحانه وتعالى في رزق الخلق جميعاً وجلب المنافع ودفع المضار مع أن منهم الكافر والعاصي والطائع الذي قصر في طاعته .
الفائدة الثلاثون : قوله " قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي شيئاً مرادف لقوله {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } (21) سورة الحجر
الفائدة الحادية والثلاثون : الثواب والعقاب يكون على الأعمال ويتجاوز الله عن السيئات ويعفو عمن يشاء ، ويدخل الجنة من يشاء بفضله .
الفائدة الثانية والثلاثون : على الإنسان أن يرجع سبب ما يصيبه من خير إلى الله سبحانه ، وما يصيبه من شر إلى نفسه ويتهمها في ذلك كما قال " {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِك َ} (79) سورة النساء وقد قال في حديث الباب " إنما هي أعمالكم " .
الفائدة الثالثة والثلاثون : في قوله " فاستهدوني أهدكم " مع قوله " إنما هي أعمالكم " تأصيل لمذهب أهل السنة والجماعة في باب القدر أن الهداية بيد الله يؤتيها الله من يشاء ، والعبد له قدره واختيار وعمله ينسب له .
الفائدة الرابعة والثلاثون : في الحديث أن الله سبحانه يحصي جميع الأعمال لقوله " أحصيها لكم " فنسأل الله أن يتجاوز عنا .
الفائدة الخامسة والثلاثون : جمع الحديث أعمال القلوب الثلاثة : ـ
الأولى : المحبة وهذا في جميع ألفاظ الحديث فإنها تزيد من محبة الله .
الثانية : الرجاء وهذا في قوله " وأنا أغفر الذنوب جميعا " .
الثالث : الخوف وهذا في قوله " إنما هي أعمالكم أحصيها لكم " .
الفائدة السادسة والثلاثون : دخول الجنة يكون بفضل الله ورحمته وليس بمجرد الأعمال ، ولهذا قال في الحديث " فمن وجد خيراً فليحمد لله " أي يحمده لأن الخير بفضل الله لا بمجرد العمل .
الفائدة السابعة والثلاثون : يربي في قلب المسلم محاسبة نفسه وأعماله .
الفائدة الثامنة والثلاثون : يدل على أن الجن مكلفون بعبادة الله سبحانه كالأنس وسيحاسبهم الله سبحانه .
الفائدة التاسعة والثلاثون : يجمع الحديث عدداً كبيراً من أعمال القلوب ويزيدها مثل : التوكل والاستعانة والمحاسبة والصدق والإخلاص والتعلق والخوف والمحبة والرجاء... وغيرذلك كلها اهتم بها الحديث لأنها من الإيمان .
الفائدة الأربعون : أرزاق البشر جميعاً والدنيا والأموال وكل ما في الكون لا ينقص مما عند الله شيء ، فسبحان من لا تغيضه نفقة ولا ينقص ما عنده ، لقوله " ما نقص مما عندي شيئا " .
الفائدة الحادية والأربعون : التقوى والفجور محلها القلب ولذلك قال " على أتقى قلب رجل واحد منكم " وقال " على أفجر قلب رجل واحد منكم " فعلى الإنسان أن يهتم بقلبه ويراعي حاله وتقواه ويزيل أمراضه .
الحديث الخامس والعشرون
عَنْ أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه أَيضَاً أَنَّ أُنَاسَاً مِنْ أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالوا للنَّبي صلى الله عليه وسلم يَارَسُولَ الله: ذَهَبَ أَهلُ الدثورِ بِالأُجورِ، يُصَلُّوْنَ كَمَا نُصَلِّيْ، وَيَصُوْمُوْنَ كَمَا نَصُوْمُ، وَيَتَصَدَّقُوْنَ بفُضُوْلِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: (أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُوْنَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيْحَةٍ صَدَقَة وَكُلِّ تَكْبِيْرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحْمَيْدَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَهْلِيْلَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بالِمَعْرُوْفٍ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَفِيْ بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَيَأْتِيْ أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُوْنُ لَهُ فِيْهَا أَجْرٌ؟ قَالَ:أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فَيْ حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فَي الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
الفوائد التربوية:
الفائدة الأولى : فيه التسابق في فعل الخيرات والتنافس فيها لا في أمور الدنيا.
الفائدة الثانية: بيان لحال الصحابة رضي الله عنهم ورفعة همتهم، وما كان يشغلهم ويدور في خواطرهم، حيث كان الهم الأكبر لدى الواحد منهم ألا يسبقه أحد في فعل الصالحات.
الفائدة الثالثة: الصحابة كانوا يحزنون إذا تعذر على الواحد منهم عمل من أعمال الخير كما وصفهم الله بقوله ( وعلى الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ). التوبة 92
الفائدة الرابعة: إحسان الظن بالمسلمين حيث قال الصحابة عن إخوانهم الأغنياء "ذهبوا بالأجور" فأحسنوا الظن بهم وبأن الله تقبلها منهم، وهذا كله لصفاء قلوبهم من الغل والحقد والحسد.
الفائدة الخامسة: من آتاه الله فضلاً من عنده مال أو غيره فليسخره في طاعة الله وإلا فإنه لم يستفد من ذلك الفضل فأغنياء الصحابة أنفقوا مما آتاهم الله فسبقوا غيرهم ممن لا مال له.
الفائدة السادسة: تنافس الصحابة وتسابقهم خالٍ عن الغل والحسد، بل مجرد غبطة على ما آتاه الله من فضله لبعضهم دون البعض، ولذلك لم يجرحوهم أو يسبوهم أو يتمنوا زوال ما عندهم.
الفائدة السابعة: دل الحديث على أن الشخص إذا كان لا يستطيع فعل شيء يذهب إلى باب آخر من أبواب الخير، فلما كان فقراء الصحابة لا يجدون ما يتصدقون به دلهم النبي صلى الله عليه وسلم على أبواب أخرى من العبادة من التسبيح والتحميد وغيره.
الفائدة الثامنة: المسلم الأصل أن ينوع العبادات من صلاة وصيام وإنفاق وغير ذلك حتى يفوز بقبول الله سبحانه، لأنه لا يعلم أي أعماله تقبل.
الفائدة التاسعة: دل على تنوع شعب الإيمان وتعددها مما يجعل الشخص مشغولا طوال عمره في تحصيلها وتتبعها.
الفائدة العاشرة: جميع أنواع فعل المعروف صدقة من ذكر الله وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وغير ذلك.
الفائدة الحادية عشر: اتيان الرجل شهوته له بها صدقة إذا احتسبها عند الله.
الفائدة الثانية عشر: فعل الشهوات البديهية يأخذ حكم اتيان الرجل زوجته مثل : الأكل والشرب والنوم وطلب الرزق الحلال وغير ذلك كلها للإنسان المسلم فيها أجر عند الله.
الفائدة الثالثة عشر: فيه بيان لكرم الله سبحانه على عباده في فتحه أبواب الخيرات والعبادات.
الفائدة الرابعة عشر: كرامة المسلم عند الله حيث جعل حتى في أمور الفطرة له أجر فيها.
الفائدة الخامسة عشر: دليل لمن يحتج بالقياس وهم الجمهور من أهل العلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاس أجر إتيان الزوجة على وزر من فعل الحرام.
الفائدة السادسة عشر: عفة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة حيث أنهم ذكروا كنايات عن الشهوة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " وفي بضع أحدكم صدقه" وقوله صلى الله عليه وسلم كذلك " وضعها في حرام" وقال الصحابة " يأتي أحدنا شهوته" فكنوا في مثل هذه الألفاظ ولم يصرحوا لكمال عفتهم.
الفائدة السابعة عشر: الصدقة تكون بغير مال كما هو صريح الحديث.
الفائدة الثامنة عشر: على العالم أن يفتح ويعدد أبواب الخير على الناس حتى يعمل كل واحد بما يستطيع فعله ولذلك نوَّع النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة أبواب الخير ما بين صدقه وذكر وأمر بمعروف.
الفائدة التاسعة عشر: على العالِم أن يسّهل فعل الخير للناس ولا يضع بينهم وبينه حواجز ، بل يجعل فعل الخير أقرب لهم من كل قريب كما فعل صلى الله عليه وسلم مع فقراء الصحابة.
الفائدة العشرون: يربي الحديث في نفس المسلم حفظ الوقت، فما دام أن التهليل والتكبير والتحميد والذكر عامة صدقة، بل كل فعل خير صدقة فإن ذلك يجعل المسلم حريصاً على ألا يصرف وقته إلا في فعل الصدقات.
الفائدة الحادية والعشرون: الحديث يجدد النية في قلب المؤمن ، فإتيان الزوجة والإنفاق على الأهل وطلب الرزق تكتب للإنسان صدقات إذا نواها واحتسبها عند الله، فهذا يجعل المؤمن مجدداً لنيته مع مرور الوقت.
الحديث السادس والعشرون
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلُّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيْهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِيْنُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُ لَهُ عَلَيْهَا أَو تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيْهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيْطُ الأَذى عَنِ الطَّرِيْقِ صَدَقَةٌ"رواه البخاري ومسلم.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : وجوب شكر نعم الله التي في الإنسان ذاته لقوله " على كل سلامى من الناس صدقة" أي كل عظم من عظام الإنسان يحتاج إلى شكر لله بصدقة لأنه ركبه وأتمه وأنعم به.
الفائدة الثانية: التفكر في النفس من سمات المؤمنين كما قال تعالى " وفي أنفسكم أفلا تبصرون" الذاريات21.
الفائدة الثالثة: أفضل الصدقات ماكان متعديا نفعه مثل : أن تعدل بين اثنين وأن تحمل متاع أخيك أو تعينه على حمله وإماطة الأذى عن الطريق.
الفائدة الرابعة: على المسلم ألا يحتقر أي عمل يحتسبه عند الله سبحانه، ولذلك في حديث أبي هريرة مجرد رفع متاع إنسان على دابته وإعانته على ذلك وإماطة الأذى عن الطريق يعتبر صدقة وهما عملان قد يحتقرهما الشخص قبل سماع الحديث.
الفائدة الخامسة: حديث أبي ذر رضي الله عنه السابق أغلب الأعمال التي ذكرت فيه تتناول علاقة الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى من ذكر وتهليل وتحميد وأمر بمعروف ونهي عن منكر، أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأغلب الأعمال في علاقة الإنسان مع إخوانه المسلمين ومع مجتمعه، فهما حديثان يكمل أحدهما الآخر.
الفائدة السادسة: يربي في النفس التواضع حيث يحمل المسلم متاع أخيه ويحمله على دابته ويميط الأذى، فهذا كله يطرد الكبر من القلب.
الفائدة السابعة: يربي جانب الأخوة بين المسلمين في تعاونهم وتعاضدهم وتآخيهم لقوله" وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه".
الفائدة الثامنة: شكر النعم يكون بتسخيرها في طاعة الله كما قال الله آمراً آل داوود " اعملوا آل داوود شكرا " سبأ 13.
الفائدة التاسعة: فيه فضل الإصلاح بين الناس وأنه صدقة للمسلم.
الفائدة العاشرة: المسلم طيب لا يخرج من لسانه إلا الكلمة الطيبة من سلام وذكر ودعوة وقرآن وغير ذلك وكل هذا من الصدقة.
الفائدة الحادية عشر: فيه فضل المشي إلى الصلاة، خاصة إن كان المسجد بعيد فكل خطوة صدقة.
الفائدة الثانية عشر: الحديث يحث المسلم على الاستمرار في الأعمال الصالحة في كل الأيام لا يقف عند حد، ولا يمل منها، وذلك لقوله " كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل .....، وذكر أنواع الأعمال الصالحة".
الفائدة الثالثة عشر: يدل الحديث على أن المسلم نافع مبارك في جميع أحواله، فإن كان لوحده ذكر الله فكان له بذلك صدقة ، وإن التقى مع غيره من المسلمين أعانهم وأحسن صحبتهم، وإن كان في طريق أماط الأذى فكان له بالجميع صدقة.
الفائدة الرابعة عشر: ينبغي للإنسان أن يستغل أمور حياته الاعتيادية ليكسب من ورائها صدقات، فمن ضروريات الحياة أن يخالط الإنسان غيره، ويذهب لطلب رزقه، ويسافر، فعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويبذل السلام ويميط الأذى ويعين المسلمين ويعطي الكلمة الطيبة فكل ذلك يكتبه الله له.
الفائدة الخامسة عشر: الإسلام يعود المسلم على المسؤولية عن كل ما يكون حوله فهو مسؤول عن أخيه المسلم وحاجاته ومسؤول عن الطريق فيميط ما فيه من أذى ومسؤول عن المتخاصمين فيسعى للإصلاح بينهم فالإسلام لا يربي الناس على الأنانية وحب الذات فقط.
الفائدة السادسة عشر: المجتمع الإسلامي لا يرضى بوجود المخاصمات والتناحر بين أفراده بل يصلح بينهم فإن عجز شخص عن الإصلاح شارك غيره وهكذا حتى يلتئم الصف ويتوحد الشمل ولذلك جعل الإصلاح بين الاثنين صدقة حتى يشارك الناس كلهم في هذه الصدقة.
الفائدة السابعة عشر: الكلمة الطيبة بمفهومها العام هي التي ليس فيها أذى لغيره من المسلمين، فله بها صدقة.
الفائدة الثامنة عشر: الحديث يجعل المسلم مشارك متفاعل في قضايا مجتمعه من إصلاح أو نظافة أو تقديم خدمة فليس متوانياً أو مسوفاً أو كسولاً اتكالا على غيره انعزالياً عما حوله.
الحديث السابع والعشرون
عن النواس بن سمعان رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس )) رواه مسلم. وعن وابصة بن معبد رضى الله عنه ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( جئت تسأل عن البر و الإثم ؟ )) قلت : نعم ؛ قال : (( استفت قلبك ؛ البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن اليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك )).
قال الشيخ - رحمه الله - حديث حسن ، رويناه في مسندي الإمام أحمد بن حنبل ، و الدارمي بإسناد حسن .
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: فيه فضل حسن الخلق وأنه البر.
الفائدة الثانية: الأخلاق تختلف في الحسن، وكلما كان الخلق حسناً كلما كان أعظم في البر.
الفائدة الثالثة: البر عليه نور يعرفه كل أحد، والإثم يسبب شكاً وقلقاً.
الفائدة الرابعة: الشريعة في مجملها واضحة بينه من حيث البر والإثم بحيث لا يلتبس الحق بالباطل.
الفائدة الخامسة: الله فطر عباده على معرفة الحق والسكون إليه وقبوله، والنفرة من ضده وذلك في الجملة، ولهذا قال في الحديث "البر ما اطمأنت إليه النفس".
الفائدة السادسة: دل على أن النفس تطمئن للخير والبر، ولذلك يصلح لها ولحياتها.
الفائدة السابعة: من علامات البر ارتياح النفس له واطمئنانها به وسكونها إليه في داخلها، وهذا الأمر إذا كان من البر فيسبب راحة للضمير.
الفائدة الثامنة: من علامات الإثم أنه يسبب حرجاً للنفس وضيقاً لها.
الفائدة التاسعة: البر لا يُستحى من فعله في خلوات الإنسان وفي المجتمعات العامة بخلاف الإثم فإن فعله في الخلوة يسبب الحرج والضيق وفعله في العلانية يستحى منه، ولهذا قال عن الإثم "ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" كما في رواية.
الفائدة العاشرة: الحديث أصل في باب الورع.
الفائدة الحادية عشر: البر يشمل القيام بحقوق الله، والقيام بحقوق الخلق، ويدل على ذلك اختلاف الروايتين في تفسير البر فقال - في الرواية الأولى "البر حسن الخلق" وهذا القيام بحقوق الخلق.
- وفي الرواية الثانية " البر ما اطمأنت إليه النفس" وهذا القيام بحقوق الله، لأنه فيما بين الإنسان وبين ربه.
الفائدة الثانية عشر: يدل على أن الإنسان لا يفعل مثلما يفعل سائر الناس سواء كان الفعل حلالاً أو حراماً، بل يتأنى ويستفت أهل العلم، فإن لم يجد نظر في ذلك الفعل أي العلامات تنطبق عليه، علامات البر أم الإثم؟ وهذا يعرف أحياناً من خلال المصالح المترتبة عليه والمفاسد وهكذا.
الفائدة الثالثة عشر: يدل على أن الإنسان في فتواه قد يجانب الصواب، ومع ذلك لم يحكم بتأثيمه او انتقاصه ما دام بذل وسعه واجتهد، ولهذا قال " وإن أفتاك الناس وأفتوك".
الفائدة الرابعة عشر: الطاعات تجلب السعادة للمؤمن لأنها من البر الذي تطمئن إليه النفس.
الفائدة الخامسة عشر: المعاصي والذنوب تجلب الشقاء للإنسان لأنها من الإثم الذي يتردد في الصدر ويسبب الحرج والضيق.
الفائدة السادسة عشر: دل على أن الإكثار من أعمال البر والخير يزيد النفس طمأنينة وسكوناً وانشراحاً.
الحديث الثامن والعشرون
عَن أَبي نَجِيحٍ العربَاضِ بنِ سَاريَةَ رضي الله عنه قَالَ: وَعَظَنا رَسُولُ اللهِ مَوعِظَةً وَجِلَت مِنهَا القُلُوبُ وَذَرَفَت مِنهَا العُيون . فَقُلْنَا: يَارَسُولَ اللهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوصِنَا، قَالَ: (أُوْصِيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عز وجل وَالسَّمعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافَاً كَثِيرَاً؛ فَعَلَيكُمْ بِسُنَّتِيْ وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المّهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فإنَّ كلّ مُحدثةٍ بدعة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: ينبغي للإنسان أن يستمع المواعظ بين فترة وأخرى لأنها نافعة للقلب.
الفائدة الثانية: على الإمام وطالب العلم والعالم أن يتعاهدوا الناس بالمواعظ كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم مع الصحابة رضي الله عنهم.
الفائدة الثالثة: الموعظة يجب أن تكون بليغة قوية تؤدي هدفها ولذلك على الإنسان أن يختار ألفاظها ويحسن قصدها لعل الله أن ينفع بها.
الفائدة الرابعة: فيه بيان لعلاقة القلب مع الجوارح فمتى تأثر القلب وخشع تأثرت العيون فذرفت وبكت من خشية الله.
الفائدة الخامسة: فقه الصحابي العرباض بن سارية رضي الله عنه حيث قدم قوله " وجبت منها القلوب " على قوله "ذرفت منها العيون" لأن القلب هو الأصل.
الفائدة السادسة : خشية الصحابة رضي الله عنهم لربهم سبحانه، فبسماعهم المواعظ تذرف عيونهم وتوجل قلوبهم.
الفائدة السابعة: البكاء في مجالس الوعظ والذكر إذا غلب على الإنسان لا يكون رياءً، كما بكى الصحابة رضي الله عنهم في حديث الباب.
الفائدة الثامنة: الكلام النافع هو الذي يخالط القلب فيؤثر عليه لصدق قائله وإخلاصه في نصحه.
الفائدة التاسعة: فهم الصحابة وفطنتهم لما قال صلى الله عليهوسلم ، ولذلك قالوا " يا رسول الله كأنها موعظة مودع" ففهموا من خلال الألفاظ أنها وصية مودع ، وهذا الفهم يحصل بالتركيز والإنتباه، أما السهو والغفلة أثناء الوعظ فتضيع الفائدة على صاحبها.
الفائدة العاشرة: يشرع للمسلم أن يطلب الوصية من غيره، ويجب على الآخر أن ينصح له في وصيته ولا يغشه فيها.
الفائدة الحادية عشر: على الإنسان أن يتحرى أهل العلم والفضل ويطلب منهم النصيحة لأن نصيحتهم ووصيتهم أفضل من غيرهم.
الفائدة الثانية عشر: أعظم الوصية على الإطلاق الوصية بتقوى الله لأنها تعني فعل الطاعات وترك المنهيات، فهي الدين بكامله.
الفائدة الثالثة عشر: دل على وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين، حيث أكد ذلك بقوله" وإن تأمر عليكم عبد" .
الفائدة الرابعة عشر: السمع والطاعة لولي أمر المسلمين من تقوى لله سبحانه وتعالى، فيطاع عبادة لله ولذلك ذكر صلى الله عليه وسلم السمع والطاعة بعد قوله " أوصيكم بتقوى الله".
الفائدة الخامسة عشر: ضابط طاعة ولي أمر المسلمين ما كان في حدود تقوى الله سبحانه، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهذا الضابط والقيد يؤخذ من الربط بين قوله صلى الله عليه وسلم " أوصيكم بتقوى الله" مع قوله صلى الله عليه وسلم " والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد" .
الفائدة السادسة عشر: الحديث يعالج تفرق وشق الصف وذلك بالإجتماع على تقوى الله وعلى إمام واحد.
الفائدة السابعة عشر: يعتبر الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنه من يعش منكم فسيرى إختلافاً كثيراً " وهذا ما حدث بعد وفاته بزمن من تفرق ووجود اختلاف.
الفائدة الثامنة عشر: كلما زاد البعد عن الرسالة النبوية كلما زاد الإختلاف لغلبة الجهل" فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً".
الفائدة التاسعة عشر: ذكر في الحديث علاجاً للفتن والافتراق والاختلاف بين المسلمين، ويتلخص العلاج في أمور:-
الأولى: تقوى الله "أوصيكم بتقوى الله"
الثانية: السمع والطاعة " والسمع والطاعة"
الثالثة: التمسك بالسنة " فعليكم بسنتي".
الرابع: هجر البدع " وإياكم ومحدثات الأمور".
الفائدة العشرون: دل على حجية سنة الخلفاء الراشدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليها " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ".
الفائدة الحادية والعشرون : فيه تزكية للخلفاء الأربعة رضي الله عنهم أجمعين لقوله " الراشدين المهديين"
الفائدة الثانية والعشرون: في الحديث التشديد على التمسك بالسنة وذلك:-
- لقوله " فعليكم بسنتي": ففيها أمر.
- ولقوله " عضوا عليها": فلفظ العض يدل على التمسك في معناه
- ولقوله " النواجذ" وهي الأضراس وهي أقوى الأسنان، فيشعر ذلك بقوة التمسك.
الفائدة الثالثة والعشرون: في الحديث التشديد على هجر البدع، وذلك:-
- لقوله "إياكم ": وهي كلمة تحذير.
- ولقوله " كل " : وهي من ألفاظ العموم وقد أضيفت لما بعدها "بدعة" فاجتمع صيغتان للعموم "كل" والإضافة.
- ولقوله " ضلالة ": وهي وصف لجميع البدع بالضلال، وهذا من الذم والتحذير.
الفائدة الرابعة والعشرون: فيه بيان تام لتعريف البدعة حيث ذكرها بعد قوله " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء" فدل على أن كل ما ليس بسنة عنهم فهو بدعة.
الفائدة الخامسة والعشرون : فيه بيان لحكم جميع البدع وأنها لا تجوز حيث وصفها جميعاً بالضلالة.
الفائدة السادسة والعشرون : البدعة لا يستحسن منها شيء أبداً لأنها ضلالة، فلا يغتر الإنسان بتحسين من حسنها أو زعم فيها مصالح ليست في غيرها.
الحديث التاسع والعشرون
عَن مُعَاذ بن جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلتُ يَا رَسُولَ الله أَخبِرنِي بِعَمَلٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعدني منٍ النار قَالَ: (لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيْمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيْرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئَا، وَتُقِيْمُ الصَّلاة، وَتُؤتِي الزَّكَاة، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيْئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ تَلا : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ: (يَعْلَمُونْ) [السجدة:16-17] ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ قُلْتُ: بَلَى يَارَسُولَ اللهِ، قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ وَذروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخبِرُكَ بِملاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ:بَلَى يَارَسُولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. قُلْتُ يَانَبِيَّ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَامُعَاذُ. وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: التأكيد على أهمية السؤال في طلب العلم وقد مضى في الأحاديث السابقة.
الفائدة الثانية: الإنسان يسأل عن ما يريد ولو كان أمر عظيما.
الفائدة الثالثة: طالب العلم يسأل عما يخصه من الأسئلة النافعة، ولذلك الصحابي قال "اخبرني".
الفائدة الرابعة: السؤال يورد للعمل بالجواب ولذلك قال " أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار".
الفائدة الخامسة: المعلم ينبغي أن يمدح صاحب السؤال الجيد تشجيعاً له على سؤاله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لما سئل السؤال لقد سألت عن عظيم.
الفائدة السادسة: المعلم يستعمل بعض الأساليب في تربيته مثل:-
- التشجيع " لقد سألت عن عظيم ".
- التشويق " وإنه ليسير على من يسره الله له " مع قوله قبل ذلك " عظيم".
الفائدة السابعة: أهمية الحديث، ويظهر هذا من صيغة السؤال "أخبرني عن عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار" ومن بداية الجواب "لقد سألت عن عظيم" ولذلك جعله الإمام النووي رحمه الله من الأحاديث الأربعين لأنه يجمع أصولاً عديدة.
الفائدة الثامنة: التوفيق كله بيد الله ومن عنده سبحانه يرزقه من يشاء ويمنعه ممن يشاء ولذلك قال " وإنه ليسير على من يسره الله له" وهذا يوجب الإلتجاء إليه سبحانه وطلبها منه وبذل الوسع في ذلك.
الفائدة التاسعة: من فضائل أركان الإسلام أنها تدخل الجنة وتباعد عن النار.
الفائدة العاشرة: دل الحديث على أن الأعمال من الإيمان.
الفائدة الحادية عشر: تفسير الشهادتين العملي هو " تعبد الله لا تشرك به شيئا" بحيث تصرف جميع أنواع العبادة لله وحده.
الفائدة الثانية عشر: فيه نشر العلم لقوله " ألا أدلك على أبواب الخير ....".
الفائدة الثالثة عشر: العالم عليه أن يزيد في الجواب إن رأى الفائدة في ذلك، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث حيث زاد على الجواب.
الفائدة الرابعة عشر: الداعية عليه أن يختار الأسلوب الأمثل لنشر الخير بين الناس ودلالتهم عليه وتحبيبهم إليه، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " ألا أدلك على أبواب الخير؟" فجمع عدة أساليب كالتحضيض والحث والاستفهام والتشويق.
الفائدة الخامسة عشر: فيه فضل الصوم وأنه حماية عن الشهوات والمحرمات وعلاج لها، ولذلك قال " الصوم جنة" وأطلق ولم يقيده.
الفائدة السادسة عشر: فيه فضل الصدقة وأنها تطفئ الخطيئة.
الفائدة السابعة عشر: الأعمال الصالحة تكفر الأعمال السيئة، فمن زلت به القدم في فعل محرم فليتبعه بحسنة.
الفائدة الثامنة عشر: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة بمنزلة الماء الذي فيه الحياة والنماء، والصدقة كذلك فيها نماء للمال وتطهير له ولصاحبه من آفات الذنوب.
الفائدة التاسعة عشر: جعل النبي صلى الله عليهوسلمآ الخطيئة بمنزلة النار التي تحرق وتدمر، والخطيئة كذلك على صاحبها.
الفائدة العشرون: فيه فضل صلاة الليل على النهار وأنها تطفئ الخطيئة.
الفائدة الحادية والعشرون: على المسلم أن ينوع العبادات ما بين صلاة وصيام وصدقة ونوافل حتى يفوز بجميع الفضائل التي ذكرت في الحديث.
الفائدة الثانية والعشرون: الحديث فيه حث على الإكثار من أعمال السر التي لا يطلع عليها إلا الله كالصيام والصدقة والصلاة في جوف الليل، وذلك لأنها أدعى للقبول والإخلاص والصدق.
الفائدة الثالثة والعشرون: فيه الاستشهاد من القرآن أثناء الكلمة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
الفائدة الرابعة والعشرون: السنة تفسر القرآن، فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم قوله " تتجافى جنوبهم عن المضاجع" بأنها صلاة الرجل في جوف الليل.
الفائدة الخامسة والعشرون: فيه فضل الصلاة والجهاد في الإسلام ولذلك كانتا عمود الأمر وذروة سنامه.
الفائدة السادسة والعشرون: يدل على علو منزلة الجهاد ومرتبته "وذروة سنامه الجهاد" فأعلى الشيء سنامه وأعلى السنام ذروته والجهاد وكذلك.
الفائدة السابعة والعشرون: فيه بيان خطر اللسان على الإنسان.
الفائدة الثامنة والعشرون: فيه فضيلة امساك اللسان عن الخوض فيما لا ينبغي الخوض فيه.
الفائدة التاسعة والعشرون: أصل الخير كله كف اللسان لقوله " ألا أخبرك بملاك ذلك كله".
الفائدة الثلاثون: من أساليب التعليم : الإشارة أو التعليم المباشر. كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم لسانه بيده وفي رواية " فأشار إلى لسانه".
الفائدة الحادية والثلاثون: دل على أن أكثر أسباب دخول النار هو اللسان فيجب الحذر منه.
الفائدة الثانية والثلاون: الشريعة تربي اصحابها على العمل والفعل دون الكلام الذي لا معنى له ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أول الحديث أعمال كثيرة من الإيمان وختم الحديث بالتحذير من اللسان ويقصد مفاسده.
الفائدة الثالثة والثلاثون: يربي الحديث المسلم على محاسبة لسانه قبل النطق بأي عبارة هل تقوده إلى النار على وجهه أم لا ؟
الفائدة الرابعة والثلاثون: العالم يراعي الفروق بين التلاميذ، ولهذا لما كان السائل هنا معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو طالب علم شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أكثر له في الجواب وأوسع لعلمه بحاجته لذلك، ولما يكون السائل أعرابياً مثلاً يعطيه النبي صلى الله عليه وسلم جواباً يناسبه، وهذا من العلم بحال التلاميذ.
الفائدة الخامسة والثلاثون: الانسان يوم القيامة يحصد ما زرع في الدنيا، يؤخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم " حصائد ألسنتهم" فليقم الإنسان على زرعه اليوم وليتعاهده وليصلح منه حتى يكون الحصاد يوم القيامة ثمراً ناضجاً.
الحديث الثلاثون
عَنْ أَبِيْ ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ جُرثُومِ بنِ نَاشِرٍ رضي الله عنه عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودَاً فَلا تَعْتَدُوهَا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْهَا) حديث حسن رواه الدارقطني وغيره
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: دل الحديث على كمال الشريعة الإسلامية من جميع النواحي ولذلك تناسب جميع الأجيال على مر السنين، ومختلف العصور.
الفائدة الثانية: يدل على سهولة الشريعة الإسلامية، وأنها خالية من أمور تعجيزية بل هي باختصار فرائض تؤدي ومحرمات تترك.
الفائدة الثالثة: دل الحديث على أن الايجاب والتحريم كله من عند الله، فإذا استشعر المسلم ذلك صعب عليه القول على الله بلا علم، وتبين له خطر الفتوى.
الفائدة الرابعة: فيه بيان رحمة الله سبحانه بعبادة لقوله " وسكت عن أشياء رحمة بكم ".
الفائدة الخامسة: تنزيه الله سبحانه عن النسيان وكل صفة نقص وذم في حقه سبحانه.
الفائدة السادسة: النهي عن تتبع الدقائق وأن يكلف الإنسان نفسه ما لم يكلفه الله سبحانه، فيجوز للإنسان أن يشتري سلعة من البائع من غير أن يسأله من أين أتى بها؟ أو يستحلفه أنها له!!، ويجوز للإنسان أن يأكل المباحات وجميع الطيبات من غير تعمق وغلو في أصلها ومنشأها وما لم ينزل الله به سلطان.
الفائدة السابعة: المباحات في شريعة الإسلام أكثر بكثير من المنهيات ولذلك لم تذكر في الحديث لكبر حجمها، بل كل ما لم يكن منهياً عنه فهو مباح.
الحديث الحادي والثلاثون
عَنْ أَبي العَباس سَعدِ بنِ سَهلٍ السَّاعِدي رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله: دُلَّني عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمَلتُهُ أَحَبَّني اللهُ، وَأَحبَّني النَاسُ ؟ فَقَالَ: (ازهَد في الدُّنيَا يُحِبَّكَ اللهُ ، وازهَد فيمَا عِندَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ) حديث حسن رواه ابن ماجة وغيره بأسانيد حسنة.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: يجب على المؤمن أن يسعى لأن يكون محبوباً عند الله وعند الناس.
الفائدة الثانية: البحث عن محبة الناس لا يناقض محبة الله ولا يعارضها فإن المسلم طيب محبوب عند الله ومحبوب عند الناس وفي المجتمع.
الفائدة الثالثة: دل على أن الزهد في الدنيا يجلب محبة الله.
الفائدة الرابعة: دل على أن الزهد في ما عند الناس يجلب محبة الناس.
الفائدة الخامسة: الزهد من أعمال القلب كما قاله أحمد رحمه الله.
الفائدة السادسة: من أراد معرفة الزهد الحقيقي في الدنيا فلينظر إلى زهده صلى الله عليه وسلم فإنه يجد أن حقيقة الزهد ألا يتعلق قلبه بالدنيا فيحبها ولا يعارض هذا طلب الرزق فيها والإدخار من المال والطعام كما كانت حياته صلى الله عليه وسلم.
الفائدة السابعة: الزهد فيما عند الناس يقتضي عدم تعلق القلب بما في أيدي الناس وقطع النفس من النظر لهم والتطلع لما عندهم ومداهنتهم في دين الله رجاء ما في أيديهم ولا يمنع هذا المبايعة والمتاجرة معهم والكسب وغير ذلك.
الفائدة الثامنة: دل على أن من تعلق بالدنيا وقدمها لم يحبه الله، لأنه سيقدم الدنيا على أمر الله.
الفائدة التاسعة: دل على أن الناس يكرهون من طلب منهم وسألهم ما في أيديهم، وهذا مستقر في فطر الناس وقلوبهم.
الفائدة العاشرة : من زهد في الدنيا تعلق بما عند الله لأن القلب لا بد له من متعلق يتعلق به ويثق به ويطمئن إليه ولهذا من زهد في الدنيا أحبه الله.
الفائدة الحادية عشر : الحديث بيَّن حقيقة الناس وأنهم يحبون ما في أيديهم ويبغضون من سألهم إياه، ويسعون لمصالحهم ولو على حساب دين غيرهم، ولا يؤدون الحقوق الواجبة منهم، هذه حالهم فمن عرفها كيف يتعلق بهم ويرجوهم ويقدم طاعتهم على طاعة الله؟!!
الحديث الثاني والثلاثون :
عن أبي سعيد - سعد بن مالك ابن سنان- رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { لاضرر ولا ضرار } حديث حسن، رواه ابن ماجه والدار قطني وغيرهما.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: دليل على رفع الحرج في الشريعة الإسلامية.
الفائدة الثانية: يدل على يسر الإسلام وسهولة أحكامه.
الفائدة الثالثة: يحرم الإضرار بالغير بجميع الصور والأشكال، ولذلك أطلق الضرر في الحديث ولم يقيد بقيد.
الفائدة الرابعة: أحكام الإسلام الشرعية وتكاليفه لا ضرر فيها.
الفائدة الخامسة: من مقاصد الإسلام منع الضرر قبل وقوعه ورفعه بعد وقوعه.
الفائدة السادسة: يربي في النفس عدم حب الذات ولو على حساب غيره من الناس.
الفائدة السابعة: يدل المسلم على مراعاة غيره من الناس واحترامهم في جميع أمور الحياة وشؤونها.
الفائدة الثامنة: يزرع الألفة بين المسلمين والمحبة والأخوة لأنه ينفي الضرر بجميعه.
الفائدة التاسعة: يعتبر الحديث قاعدة عامة فكل أمر كان فيه ضرر فيحرم شرعاً.
الحديث الثالث والثلاثون
عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدعوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَال قَومٍ وَدِمَاءهُمْ، وَلَكِنِ البَينَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمينُ عَلَى مَن أَنكَر" حديث حسن رواه البيهقي هكذا بعضه في الصحيحين.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: يدل الحديث على أن أحكام الشريعة معللة أي لها علة وحكمه، فالبينة قررت في الشريعة حتى لا يدّعي رجال دماء رجال وأموالهم.
الفائدة الثانية: يدل أيضاً على أن الله حكيم بعباده خبير بهم شرع لهم من الأحكام ما يناسبهم ويتناسب مع طبيعتهم.
الفائدة الثالثة: قد يوجد من الناس من لا رادع عنده ولا تقوى فيدّعي دماء أناس وأموالهم.
الفائدة الرابعة: يربي الناس على وجوب التثبت حتى في صغائر الأمور.
الفائدة الخامسة: يقيد الحديث إطلاق التهم على الناس ورواج الشائعات بوجود البينة، فمن وجد بينه فله الحق في الإدعاء، أما بمجرد الظن فلا يبيح للإنسان الدعوى.
الفائدة السادسة: دل على أن كل دعوى لا دليل عليها لا تقبل.
الفائدة السابعة: الأصل براءة الإنسان المسلم من كل تهمة ونقيصة حتى تثبت بينة.
الفائدة الثامنة: القاضي يحكم بما ظهر له من الأمر ببينه أو يمين، ولا يأثم إن بذل وسعه واجتهد لكنه خالف حقيقة الأمر وباطنه.
الفائدة التاسعة: الحديث أصل في باب القضاء.
الفائدة العاشرة: الشرع يوازن بين الحفاظ على حرمات المسلمين ولذلك حرم مجرد إطلاق التهم، وبين إيصال الحقوق لهم ولذلك أوجب البينة، وهذا هو العدل الذي أمر الله به.
الفائدة الحادية عشر: الشرع يربي الناس على تعظيم الله ومراقبته ولذلك اكتفى من المدعى عليه بمجرد اليمين لأن المسلم يعظم الله والحلف به، فلديه الرضا بأن يغرم شريطة ألاّ يحلف بالله كاذباً.
الفائدة الثانية عشر: الحديث يربي المسلم على الرضا بالحلف بالله، فالمدعي إذا لم يكن له بينة وحلف المدعي عليه فعليه أن يرضى تعظيماً لليمين.
الحديث الرابع والثلاثون
عَنْ أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعتُ رِسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: (مَن رَأى مِنكُم مُنكَرَاً فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِقَلبِه وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ) رواه مسلم.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: يربي الحديث جميع المسلمين على تحمل المسؤولية، وأن كل شخص منهم يعنيه أمر غيره ومجتمعه ولذلك قال "من رأى منكم منكراً فليغيره".
الفائدة الثانية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الجميع لصيغة العموم في الحديث " من " لكن يقيد على حسب الإستطاعة والقدر لقوله " فإن لم يستطع" حيث علق الأمر على الإستطاعة.
الفائدة الثالثة: يربي المجتمع على معالجة الأخطاء التي يرونها وألاّ يقف الشخص حائراً كأن الأمر لا يعنيه.
الفائدة الرابعة: يدل على أن المنكرات تقع في المجتمع الإسلامي لكن يجب ألاّ تقر وتصبح مألوفة.
الفائدة الخامسة: تغيير المنكر على درجات مختلفة وليس درجة واحدة.
الفائدة السادسة : إذا لم يستطع المسلم أمراً من الأمور فعليه أن يحث عن أمر آخر يقدر عليه ولذلك قال في الحديث " فإن لم يستطع" مرتين في الحديث.
الفائدة السابعة: درجات تغيير المنكر دليل على أن الله لا يكلف الإنسان إلاّ ما يستطيع، أما ما كان خارجاً عن قدرته فلا يطالب شرعاً به.
الفائدة الثامنة: يدل الحديث على أن الإيمان يزيد وينقص فمن أنكر بقلبه ليس كمن قدر على تغييره.
الفائدة التاسعة: قوله " من رأى " يدل على أن المنكر مشاهد ومظاهر، أما إن أسره صاحبه وأخفاه فلا يجوز التصنت والتتبع إلاّ إن دلت (القرائن) والشواهد فيكون في حكم الظاهر.
الفائدة العاشرة: قوله "فبقلبه" يدل على أن المنكر لا يرضى به ولا يقر ولو بالقلب الذي لا يطلع عليه إلاّ الله.
الفائدة الحادية عشر: الحديث دليل على أن القلب له عمل في الإيمان، فمن عمله إنكار المنكر وعدم الرضا به.
الحديث الخامس والثلاثون
عَنْ أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَحَاسَدوا، وَلاَتَنَاجَشوا، وَلاَ تَبَاغَضوا، وَلاَ تَدَابَروا، وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ، وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَاً، المُسلِمُ أَخو المُسلم، لاَ يَظلِمهُ، وَلاَ يَخذُلُهُ، وَلا يكْذِبُهُ، وَلايَحْقِرُهُ، التَّقوَى هَاهُنَا - وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاَثَ مَراتٍ - بِحَسْبِ امرىء مِن الشَّر أَن يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ، كُلُّ المُسِلمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَام دَمُهُ وَمَالُه وَعِرضُه) رواه مسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: الحديث يربي المجتمع المسلم على الأخوة الشرعية .
الفائدة الثانية: الأخوة الشرعية الحقيقية هي التي لا تباغض فيها ولا تحاسد ولا تقاطع.
الفائدة الثالثة: دل على أن الأخوة بين المسلمين وجمع الكلمة أمر مقصود من مقاصد الشريعة.
الفائدة الرابعة: الشرع يحرم كل ما من شأنه خدش الأخوة من حسد وتقاطع وغيره.
الفائدة الخامسة: المعاملات الدنيوية من بيع وشراء ونكاح يجب أن يراعى فيها جانب الأخوة ولذلك حرم الشرع بيع المسلم على بيع أخيه وشراؤه ونكاحه على أخيه المسلم لما يتسبب ذلك من قطع للمودة وزرع للبغضاء.
الفائدة السادسة: دل على وجوب النصح للمسلم وصفاء القلب له.
الفائدة السابعة: يحرم ظلم المسلم لأخيه وخذلانه له والكذب عليه واحتقاره، لأنها جميعاً تخالف معنى الأخوة الشرعية .
الفائدة الثامنة: تربية النفس على الأخوة الشرعية يعالج الكبر الذي هو غمط الناس واحتقارهم، فإذا نظر إليهم على أنهم أخوة له فيجب عليه محبتهم ونصرتهم ذهب عنه بإذن الله الكبر.
الفائدة التاسعة: الميزان في الإسلام ميزان التقوى، والتفاضل يكون بينهم على أساسها، وليس لأي أمر من أمور الدنيا، ولذلك قال " التقوى ها هنا".
الفائدة العاشرة: محل التقوى في القلب وتظهر آثارها على الجوارح، ولهذا أشار إلى صدره عندما ذكر التقوى.
الفائدة الحادية عشر: بيّن الحديث خطر احتقار المسلم لأخيه المسلم، لأنه ينافي المحبة الواجبة له إضافة إلى أنه نوع من الكبر وقد حرمه الله.
الفائدة الثانية عشر: الإسلام لا يقيم لأمور الدنيا من مال وجاه أي اعتبار في حال التفاضل بين المسلمين، لأنها من فضل الله يؤتيه الله من يشاء، فلا يغتر الإنسان بما آتاه الله وإنما الإعتبار للتقوى فليحاسب الإنسان نفسه عنها.
الفائدة الثالثة عشر: دل على من أعطي من الدنيا لا يدل على فضله عند الله، وإنما الفضل لمن أعطي من أمور الآخرة من التقوى والعمل الصالح.
الفائدة الرابعة عشر: يحرم الإعتداء على المسلمين سواء بمالهم أو أعراضهم أو دمائهم وأنفسهم.
الفائدة الخامسة عشر: يجب حفظ غيبة الأخ المسلم في حال غيابه خاصة، فلا يستغل غيابه ويستبيح عرضه بل يجب حفظ عرضه في غيبته كما في حال حضوره.
الفائدة السادسة عشر: الحديث يقتضي إيصال النفع للأخ المسلم.
الفائدة السابعة عشر: تقوى الله تقتضي حفظ حقوق الأخوة الإسلامية، ولذلك نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله " التقوى ها هنا " وذكر قبلها وبعدها شيئاً من الحقوق الإسلامية.
الحديث السادس والثلاثون
عَنْ أَبي هُرَيرَة رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: )مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِن كُربَةً مِن كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كرَبِ يَوم القيامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ على مُعسرٍ يَسَّرَ الله عَلَيهِ في الدُّنيَا والآخِرَة، وَمَنْ سَتَرَ مُسلِمَاً سَتَرَهُ الله في الدُّنيَا وَالآخِرَة، وَاللهُ في عَونِ العَبدِ مَا كَانَ العَبدُ في عَونِ أخيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَريقَاً يَلتَمِسُ فيهِ عِلمَاً سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طَريقَاً إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِنْ بيوتِ اللهِ يَتلونَ كِتابِ اللهِ وَيتَدارَسونهَ بَينَهُم إِلا نَزَلَت عَلَيهُم السَّكينَة وَغَشيَتهم الرَّحمَة وحَفَتهُمُ المَلائِكة وَذَكَرهُم اللهُ فيمَن عِندَهُ،وَمَنْ بَطَّأ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بهِ نَسَبُهُ (رواه مسلم بهذا اللفظ
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: الحث على المسارعة في تنفيس الكرب وتيسير العسير والستر على المسلمين.
الفائدة الثانية: الجزاء من جنس العمل.
الفائدة الثالثة: قوله " من نفَّس " : التنفيس: التخفيف، فيدل على أن المسلم عليه أن يسعى في تخفيف الكرب عن المسلمين ولو لم تزل الكربة بكاملها.
الفائدة الرابعة: جاء في رواية " من نفَّس" وفي رواية " من فرَّج" فتدل الروايتان على أن المسلم عليه أن يسعى إما لتفريج الكربة فإن لم يستطيع فتنفيسها وتخفيفها على أقل تقدير.
الفائدة الخامسة: من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، وكلما أكثر العبد في تنفيس الكرب عن المؤمنين نفّس الله عنه كرباً كثيرة يوم القيامة، ففي ظاهر الحديث حث على التكثير من السعي في تفريج الكرب.
الفائدة السادسة: يقتضي الحديث تفقد المسلمين من حيث الحوائج والكرب والإعسار، فيكون المؤمن حي القلب تجاه إخوانه يسمع أخبارهم، ويتفقد حوائجهم.
الفائدة السابعة: يربي المجتمع على المحبة والأخوة بينهم، فإن مساعدة المحتاج وتفريج الكربات من الإيمان.
الفائدة الثامنة: فيه فضل تنفيس الكربات والتيسير على المعسر والستر على المسلم.
الفائدة التاسعة: الحديث تفسير عملي لقوله صلى الله عليه وسلم " الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" فمعونة الأخ تقتضي تفقد حوائجه ومساعدته وتفريج كربته.
الفائدة العاشرة: من أراد معونة الله وتوفيقه فليسع في إعانة غيره من المسلمين لأن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
الفائدة الحادية عشرة: يبين الحديث حياة المجتمع المسلم بين أفراده، الغني يساعد الفقير، الجار يسعى لكسب مودة جاره والموسر يوسع على المعسر، بخلاف المجتمع الغربي اليوم، الوالد لا يعرف ابنه فضلاً عن جاره، الحي الواحد متفكك، الواحد منهم يسعى ويكدح ويتفانى لكن لنفسه فقط، ولا يعرف إلاَّ نفسه، فالحمد لله الذي فضلنا بالإسلام.
الفائدة الثانية عشرة: فيه الحث على طلب العلم،لقوله صلى الله عليه وسلم " ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما " .
الفائدة الثالثة عشر: فيه تربية لطالب العلم على سلوك الطرق الموصلة للعلم، والسفر، والغربة لأجله.
الفائدة الرابعة عشر: طلب العلم الشرعي يوصل للجنة، لأن العلم النافع يورث العمل الصالح.
الفائدة الخامسة عشر: في الحديث الحث على الجليس الصالح الذي يجتمع معه لتدارس كتاب الله.
الفائدة السادسة عشر: فيه الحرص على تتبع حلق العلم ومجالس الذكر لما فيها من الخير العظيم، فمن حضر مجلس علم أو حلقة ذكر ثم تركها فقد حرم نفسه.
الفائدة السابعة عشر: فيه أن المسجد ليس خاصاً بالصلاة، بل تعقد فيه مجالس العلم وحلق الذكر وحفظ القرآن وتدارس العلم لقوله " في بيت من بيوت الله " فينبغي للأئمة أن يجعلوا المساجد والجوامع مجالس علم وذكر.
الفائدة الثامنة عشر: فضل مجالس الذكر وتدارس العلم حيث تنزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة وتحفهم الملائكة ويذكرهم الله فيمن عنده.
الفائدة التاسعة عشر: المنهج السليم لقراءة القرآن وحفظه هو تلاوته ومن ثم تدارسه ومعرفة معانيه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم".
الفائدة العشرون: تلاوة القرآن وتدارسه يورث السكينة والطمأنينة لقوله " إلاَّ نزلت عليهم السكينة ".
الفائدة الحادية والعشرون: المسارعة في الإسلام تكون بالعمل لا بالنسب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ".
الفائدة الثانية والعشرون: التفاضل بين أهل الإسلام بالنسب غير معتبر شرعاً أبداً فلا يقدم ولا يؤخر عند الله، ولهذا كان التفاخر بالنسب من أمور الجاهلية التي حرمها الله.
الفائدة الثالثة والعشرون: الحديث يدل على أن المسلم عليه ألاَّ يتبع عثرة أخيه المسلم وسقطته ومن ثم ينشرها ويشهرها، بل يسترها.
الفائدة الرابعة والعشرون: دل على أن من ذكر الله ذكره الله في الملأ الأعلى.
الفائدة الخامسة والعشرون: جزاء الله أعظم من عمل العبد، وهذا من فضله سبحانه فالعبد يعمل العمل الصغير فيتقبله الله ثم يجازيه الجزاء الأعظم.
الحديث السابع والثلاثون
عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم فِيْمَا يَرْوِيْهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ إِلىَ أَضْعَاف كَثِيْرَةٍ. وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صَحِيْحَيهِمَا .
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: فيه دليل لمذهب أهل السنة والجماعة على أن الله كتب الحسنات والسيئات على الإنسان وقدرها وشاءها، لقوله " إن الله كتب الحسنات " .
الفائدة الثانية: رحمة الله سبحانه بعباده.
الفائدة الثالثة: فيه حث على النية الصادقة في فعل الخيرات، فمن همّ بحسنة كتبها الله ولو لم يعملها الشخص فيكون المسلم ما بين عمل صالح ونية صادقة.
الفائدة الرابعة: العمل الصالح يضاعفه الله إلى عشر حسنات ثم إلى سبعمائة ضعف ثم إلى أضعاف كثيرة.
الفائدة الخامسة: الهم بالحسنة يكتبه الله لصاحبه.
الفائدة السادسة: فعل الحسنة بعد الهم بها أفضل من مجرد الهم، ففرق بين حسنة يكتبها الله حسنة واحدة وبين أن تضاعف إلى أضعاف كثيرة.
الفائدة السابعة: فيه لطف الله سبحانه وتعالى بعباده كما ذكره النووي رحمه الله.
الفائدة الثامنة: الترغيب من أساليب الدعوة إلى الله.
الفائدة التاسعة: يربي في المؤمن جانب الرجاء وهو من أعمال القلوب، لأنه يورث حسن الظن بالله ويقود للعمل.
الفائدة العاشرة: لا تعارض بين أن الله كتب السيئات على الإنسان وبين أنه يعاقبه عليها، لقوله " فعملها " فنسب العمل للإنسان نفسه مع إرادته واختياره وبيان الله له أعظم بيان لفضل الحسنات وما أعده الله لمن عمل حسنة، فمن ترك بعد ذلك وذهب للسيئات باختياره فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه.
الفائدة الحادية عشرة: فيه إطلاع الله على مجرد هم الإنسان ومن باب أولى أعماله، فسبحان من لا تخفى عليه خافيه.
الفائدة الثانية عشرة: يزيد في جانب الحياء عند المؤمن لأن الله مطلع على سريرته بل وعمله السيئات، فمن استحضر هذا زاد حياؤه من الله سبحانه.
الفائدة الثالثة عشر: من فضّل السيئات وعملها بعد هذا الحديث فقد فرّط أعظم تفريط، وقامت عليه الحجة.
الفائدة الرابعة عشر: يدل على كمال غنى الله سبحانه وتعالى، فإنه يجازي بالهم بالحسنة وبمضاعفة الحسنة ولا ينقص مما عنده شيئاً.
الفائدة الخامسة عشر: يوجب الحديث شكر المولى سبحانه وتعالى على صفاته العظيمة كما قال النووي رحمه الله: "فلله الحمد والمنة سبحانه لا يحصي ثناء عليه" أ.هـ.
الفائدة السادسة عشر: يكتب الله الحسنات والسيئات التي يعملها الإنسان حتى تقام الحجة عليه من نفسه وتحقيقاً لكمال العدل فلا يظن من عمل السيئات ونسيها أنها غابت وفاتت ونسيت بل كتبها الله وحفظها إن لم يتدارك نفسه بتوبة.
الفائدة السابعة عشر: يربي في المسلم الخوف من الله لقوله " فمن هم بسيئة فلم يعملها " أي خوفاً من الله، والخوف من مقامات القلوب.
الفائدة الثامنة عشر: فيه فضل الخوف من الله ومراقبته سبحانه، فقد كتب لمن ترك السيئة ـ خوفاً من الله ـ كتبها له حسنة فهذا الذي يورثه الخوف من الله سبحانه ومطالعته ومراقبته.
الفائدة التاسعة عشر: الإنسان مع بيان فضل الله قد يغلبه هواه ونفسه والشيطان فيقع في الذنب، لكن من فضل الله ورحمته أنه يكتبها عليه سيئة واحدة، فإن تاب تاب الله عليه.
الحديث الثامن والثلاثون
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ) رواه البخاري
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: فيه الوعيد الشديد لمن آذى عبداً من عباد الله الصادقين حيث توعده الله بقوله " فقد آذنته بالحرب " .
الفائدة الثانية: فيه الحث على أن يكون الشخص من أولياء الله حتى يحصل له هذا الفضل.
الفائدة الثالثة: يدل على منزلة الإنسان المؤمن الصادق عند ربه، وأنها منزلة عالية حيث ينتقم الله له إن أوذي.
الفائدة الرابعة: الولاية لله تختلف على حسب زيادة الإيمان والتقوى في القلب، لأنها مأخوذة من الولي بسكون اللام وهو القرب، ولا شك أن القرب إلى الله يختلف بإختلاف الطاعات، فعلى هذا كلما كان الشخص أكثر إيماناً وأشد صدقاً وأعلى إخلاصاً كلما ارتفعت درجة ولايته.
الفائدة الخامسة: فيه محبة الله لأوليائه حيث ينتصر لهم إذا مسوا بسوء.
الفائدة السادسة: يدل على عظيم غضب الله وشدته لكمال قوته سبحانه.
الفائدة السابعة: دل على أن تقصد إيذاء المؤمنين معصية من المعاصي وكبيرة من كبائر الذنوب لأن الله رتب عليها الحرب.
الفائدة الثامنة: الحديث يبعث الطمأنينة والراحة للمؤمن لأن الله تكفل بالإنتقام له، والمطلوب منه فقط رعاية إيمانه وزيادته حتى ترتفع درجة ولايته فيكون المؤمن إذا ابتلي مشغولاً بالحفاظ على إيمانه وزيادته غير ناظر إلى عدوه لأن الله تكفل فيه.
الفائدة التاسعة: دل الحديث على أن الفرائض أعلى من النوافل جميعاً لقوله " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه " .
الفائدة العاشرة: قوله " وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل" فيه تفسير لمعنى الولي، وأن من أدى الفرائض ثم أتبعها بالنوافل حصل على ولاية الله وكلما كان حرصه على ذلك أكمل كلما كانت درجة ولايته أعلى إلى أن يصل إلى درجة الحديث وهي الإحسان.
الفائدة الحادية عشرة: فيه رد على الصوفية الذين يزعمون أن الولي منزلة من بلغها سقطت عنه التكاليف، فمن تأمل الحديث وجد ان من بلغ مرتبة الولاية فعليه أن يزداد حفاظاً على الفرائض والنوافل.
الفائدة الثانية عشرة: الله يحب الطاعات وعلى رأسها الفرائض لقوله " وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه " .
الفائدة الثالثة عشر: أداء النوافل يحتاج إلى استمرار ومحافظة ومداومة حتى يرتقي الشخص إلى درجة أكمل ولهذا قال " ولا يزال " وهي كلمة تدل على الإستمرارية.
الفائدة الرابعة عشر: يدل على أن النوافل مما يتقرب بها إلى الله، لا كما ينظر إليها بعض الناس اليوم أنه لا يأثم تاركها فنظروا إلى الإثم وعدمه وفاتهم أنها مما يقرب إلى الله.
الفائدة الخامسة عشر: للنوافل فائدتان مذكورتان في الحديث:
الأولى: أنها تقرب إلى الله في المنزلة، ولهذا قال " ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل ".
الثانية: تورث محبة الله سبحانه للعبد لقوله " حتى أحبه ".
الفائدة السادسة عشر: فيه إثبات صفة المحبة لله سبحانه وتعالى.
الفائدة السابعة عشر: الحديث فتح الباب أمام المسلم ليعمل ما يستطيع من النوافل وأنواع العبادات، ولهذا أطلق النوافل ولم يقيدها بقيد.
الفائدة الثامنة عشر: العبودية لله هي حقيقة الولاية ولهذا كرر كلمة " عبدي " مرتين.
الفائدة التاسعة عشر: الحديث يربي المسلم على العمل الصالح ليلتمس محبة الله لقوله " ولا يزال عبدي يتقرب " وهذا هو شأن المسلم في حياته يصرفها في طاعة الله ومرضاته.
الفائدة العشرون: فيه كرم الله سبحانه حيث يعين المؤمن على العمل الصالح ثم يقبله منه ويحبه لأجله فله الفضل أولاً وآخراً.
الفائدة الحادية والعشرون: في الحديث بيان لتوفيق الله لمن أحبه أيما توفيق، فقد حاز الفلاح كله.
الفائدة الثانية والعشرون: ثمرات محبة الله للعبد تتجلى في أمور:-
أولاً:- يوفقه الله في سمعه فلا يسمع إلاّ ما يحبه الله.
ثانياً:- يوفقه الله في بصره فلا ينظر إلى الحرام، بل يطيع الله في عينيه.
ثالثاً:- يوفقه الله في يده فلا يتصرف إلاَّ بما يحب الله ويهجر ما نهى الله عنه.
رابعاً:- يوفقه الله في رجله فلا تخطو إلاَّ لما يرضاه الله.
خامساً:- يستجاب دعاؤه، حيث أكدَّ ذلك باللام والنون فقال " لأعطينَّه " .
سادساً:- يعيذه الله من كل سوء، حيث أكدّ الله ذلك باللام والنون فقال " لأعيذنه ". نسأل الله الكريم من فضله.
الفائدة الثالثة والعشرون: الطاعات إذا فعلها الإنسان ثم استمر عليها تطرد من قلبه أي محبة غير الله.
الفائدة الرابعة والعشرون: في الحديث تربية لأهل الطاعة والأولياء أن ما حصل لهم من الطاعات والبعد عن السيئات إنما هو بفضل الله حيث أحبهم فيطرد هذا الكبر والعجب من القلب ولا يترك للشيطان مدخل.
الفائدة الخامسة والعشرون: يدل الحديث على أن من وقع في المعاصي واستمر فيها نقصت محبة الله له، وهذا من شؤم المعصية.
الفائدة السادسة والعشرون: قوله " ولئن سألني لأعطينَّه ولئن استعاذ بي لأعيذنَّه " رد على أهل الإلحاد والحلول الذين فهموا من قوله " كنت سمعه وبصره ويده ورجله " عقيدة الحلول الباطلة. فقد قال " لئن سألني " فأثبت سائل وهو العبد ومسؤول وهو الله.
الفائدة السابعة والعشرون: قوله " كنت سمعه الذي يسمع به ... الحديث " هذا تفسير لمعية الله الخاصة بعباده المؤمنين وأوليائه الصادقين.
الفائدة الثامنة والعشرون: دل الحديث على أن أساس الطاعة وأصلها محبة الله في القلب، فمن أحب الله أطاعه، فإن قويت محبته زادت طاعته.
الفائدة التاسعة والعشرون: دل الحديث على أن أساس المعاصي وأصلها محبة غيرالله من هوى أو نفس أو دنيا، فمن أحب غير الله نقص من طاعته لله على قدر محبته لذلك الغير، فإن زادت محبته لغير الله وقع في الشرك، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم " تعبس عبد الدينار" فعبوديته له على قدر محبته له.
الفائدة الثلاثون: قوله " يكره الموت " يدل على أن الجزع من الموت وعدم محبته لا إثم فيه، لأن الكلام في الحديث عن المؤمن.
الفائدة الحادية والثلاثون: قوله " أكره مساءته " يدل على شدة الموت وصعوبة نزوله ولهذا سماها الله " مساءة " أي يحصل له سوء فيه، فنسأل الله أن يهون علينا سكرته.
الفائدة الثانية والثلاثون: المراد بالتردد هنا أن الله كتب الموت على الناس جميعاً والمؤمن يكره الموت لما فيه من شدة وكرب، فالله كتبه على الناس ومع ذلك يكره سبحانه ما يسيء المؤمن فسمى ذلك تردداً.
الحديث التاسع والثلاثون
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: (إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: فيه كرم الله سبحانه وتعالى وعظيم عفوه، حيث تجاوز عن تلك الأمور.
الفائدة الثانية: ظاهر لفظ الحديث في قوله " أمتي " يدل على أن ذلك من خصائص هذه الأمة المحمدية.
الفائدة الثالثة: دل على أن الخطأ والنسيان والإكراه معفو عنها متجاوز عن الإثم فيها.
الفائدة الرابعة: الحديث يؤيد قوله تعالى " لا يكلف الله نفساً إلاَّ وسعها " البقرة (286)
الفائدة الخامسة: دل على الفرق بين الخطأ والنسيان:-
فالخطأ: أن يقصد بفعله شيئاً فيصادف فعله غير ما قصده، كأن يقصد أن يقتل كافر فصادف قتله مسلماً .
والنسيان: أن يكون ذاكراً الشيء فينساه عند الفعل.
الفائدة السادسة: استثنى أهل العلم بالإجماع من الإكراه إذا أكره على قتل مسلم، لنصوص أخرى، وفي هذا عظمة دم المسلم.
الفائدة السابعة: المراد من قوله " تجاوز " يعني عن الإثم، لكن قد يضمن أحياناً ويعيد الفعل أحياناً على حسب الفعل فمن نسي الوضوء وصلى فلا إثم عليه لكن عليه الإعادة وهكذا.
الفائدة الثامنة: فيه سهولة الشريعة الإسلامية وتيسير الله لها.
الحديث الأربعون
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمنْكبيَّ فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُوْلُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ. وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لمَوْتِكَ..رواه البخاري.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا.
الفائدة الثانية: حديث الباب يضبط تعامل المؤمن مع الدنيا، فينظر لها على أنها ممر لا مقر.
الفائدة الثالثة: يبين منزلة الدنيا عند المؤمن وأنها أقل شأناً من أن يتعلق بها أو يصرف لها همه وهمته بل يسخرها في طاعة الله.
الفائدة الرابعة: لا يدل الحديث على ترك الرزق وتحريم ملذات الدنيا، بدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال هذه الوصية وصحابته الكرام الذين طبقوها فقد تاجروا وعملوا وتلذذوا بالحلال مما يدل على أن المراد بالحديث عدم التعلق بحيث تصده عن طاعة ربه.
الفائدة الخامسة: يدل الحديث على أن النصيحة تبذل أحياناً بدون سؤال وطلب، فقد أسدى النبي صلى الله عليه وسلم هذه النصيحة لابن عمر رضي الله عنهما بدون سؤال وطلب منه، وهذا هو شأن المؤمن.
الفائدة السادسة: يربي الحديث المسلم على أن يزول من ذهنه الخلود في هذه الدنيا كما هو حال الرجل الغريب الذي يمر ببلد فإنه جعل في قرارة ذهنه أنه لن يستقر فيها.
الفائدة السابعة: قوله " غريب " إشارة إلى أننا في هذه الدنيا على سفر للدار الآخرة.
الفائدة الثامنة: من لوازم الغربة للرجل الغريب ما يلي:-
أ - عدم الاستقرار في البلد الذي يمر عليه، وكذلك المؤمن لا يستقر في الدنيا.
ب - رضاؤه بالقليل من المتاع، وهذا هو حال المؤمن التقي مع متاع الدنيا فيرضى بالقليل منه.
ج - الغريب لا ينافس أهل البلد في دنياهم وبنائهم وأموالهم وشؤونهم لأن همته متعلقة بما أمامه من طريق، وكذلك المؤمن لا ينافس الناس في دنياهم بل همه معلق بالآخرة والاستعداد لما أمامه.
د - استعداده للسفر في أي لحظة أو ساعة، وكذلك أيضاً المؤمن مستعد للقاء ربه متى شاء الله سبحانه.
هـ - الغريب لا يأسف ويحزن لفوات شيء من دنيا الناس في ذلك البلد لأنها لا تعنيه وكذلك المؤمن لا يأسف ويحزن لفوات شيء من أمور الدنيا حزناً يقطعه عن عمله وآخرته.
وـ الغريب لا يطمئن ويرتاح حتى تنقطع غربته بالوصول لما يريد، والمؤمن لا يرتاح ولا يطمئن حتى يوصله الله بفضله لدار كرامته.
ز- الغريب يجعل إقامته في ذلك البلد عوناً له على قطع سفره، فيتزود فيه من الماء والطعام والراحة ليواصل سيره، وكذلك المؤمن يجعل الدنيا عوناً له على سفره للدار الآخرة فيتزود بالأعمال الصالحة لتعينه على سفره.
الفائدة التاسعة: قوله " غريب أو عابر سبيل " يشتركان في عدم الإستقرار والإستيطان والإستعداد للرحيل.
الفائدة العاشرة: الحديث يربي المؤمن على التطلع للآخرة والنظر والاستعداد لها.
الفائدة الحادية عشر: يبين الحديث مدة الدنيا بالنسبة للآخرة وأنها كإقامة غريب في غربته مقارنة بإستيطانه في بلده أو استراحة عابر سبيل مقارنة بمدة إقامته عند أهله.
الفائدة الثانية عشر: يدل الحديث بمفهومه على خسارة من باع دنياه بدينه، لأنه باع فانٍ زائل بباقٍ دائم.
الفائدة الثالثة عشر: قول ابن عمر رضي الله عنهما " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء " تفسير لحديث الباب، وتطبيق عملي للحديث.
الفائدة الرابعة عشر: الحديث لا ينفي طلب الرزق والتزود من الدنيا كما أن الغريب في حال غربته لا يقطعه ذلك عن التزود والأكل والرزق.
الفائدة الخامسة عشر: وصف الغربة في الحديث يدل على أمرين:-
الأول: ينفي العجب والكبر والبطر والفخر لأن الغريب كذلك.
الثاني: يوحي اللفظ بالمسكنة والذلة الجزئية.
وكِلا الأمرين يجب أن يتحلى بهما المؤمن، فينفي الكبر والبطر والفخر، ويلبس لباس العبودية والفقر والذلة لله سبحانه وتعالى.
الحديث الحادي والأربعون
عَنْ أَبِيْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بِنِ عمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَيُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَواهُ تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ"حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الحُجَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: دل الحديث على أن من جعل هواه يتبع دين الله وشرعه فقد استكمل الإيمان.
الفائدة الثانية: دل على أن الهوى يحتاج إلى مجاهدة حتى يتبع شرع الله .
الفائدة الثالثة: طاعة الهوى تصرف عن دين الله.
الفائدة الرابعة: المؤمن يجعل هواه على حسب الشريعة، وأما ناقص الإيمان يقدم طاعة الهوى أحياناً، وأما المنافق والكافر فيحرف الشريعة على حسب هواه ورغبته.
الفائدة الخامسة: الحديث يربي المسلم على محاسبة نفسه وهواه هل هي تتبع الشرع أم لا ؟
الفائدة السادسة: يدل على خطورة الهوى، لأنه إن لم يكن تبع الشرع فإنه ينقص الإيمان وقد يزيد النقص إلى درجة خطيرة جداً.
الفائدة السابعة: المسلم مستسلم لأمر الله سواءً وافق هواه أم لا؟
الفائدة الثامنة: المؤمن يحب الله وأوامره، ويعظم نواهيه، وهذا معنى أن يجعل هواه تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
الفائدة التاسعة: يدل الحديث على أن المؤمن لا يبحث عما يشتهي هواه، لكن يبحث عن طاعة الله ثم يفعلها.
الفائدة العاشرة: يربي النفس على المجاهدة، لأن الهوى هو أمل النفس ومرادها ومبتغاها، ولأجل ذلك يحتاج إلى جهد ومجاهدة وإيمان حتى يكون تبعاً للشرع.
الفائدة الحادية عشرة : يربي المسلم على طلب الشرع والدليل ولو خالف هواه، فالمؤمن يبحث عن الدليل فإن صح عمل فيه ولو كانت نفسه وهواه ينازعه لأنه جعل هواه تبعاً لدين الله.
الحديث الثاني والأربعون
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: "يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ، يَا ابْنَ آَدَمَ لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استَغْفَرْتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِيْ بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقِيْتَنِيْ لاَ تُشْرِك بِيْ شَيْئَاً لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً"رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحَيْحٌ.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: الحديث أصل في باب التوبة والحث عليها.
الفائدة الثانية: يربي المسلم على إحسان الظن بربه سبحانه وتعالى لأن الله عند ظن عبده به.
الفائدة الثالثة: فيه لطف الله سبحانه وتعالى في مناداته لعبده وقربة منه.
الفائدة الرابعة: فيه بيان سعة رحمة الله وعظيم مغفرته.
الفائدة الخامسة: يربي جانب الرجاء في قلب المؤمن.
الفائدة السادسة: الله يغفر كل شيء إذا تاب الإنسان لربه بما في ذلك الشرك.
الفائدة السابعة: يدل على أن الله سبحانه وتعالى إذا أعطى عبده المؤمن وغفر له لا ينقص ذلك مما عنده لقوله " ولا أبالي ".
الفائدة الثامنة: يدل الحديث على أن الدعاء يجب أن يكون معه رجاء بالله أنه يستجيب ويسمع وينصر ويعطي ولذلك قَرَن في الحديث بين الدعاء والرجاء فقال " إنك ما دعوتني ورجوتني ".
الفائدة التاسعة: يدل الحديث على أن الإنسان إذا تلبس بالمعاصي والذنوب والخطايا ينبغي ألاَّ يمنعه ذلك من الدعاء بل إنه أحوج ما يكون إلى الدعاء، ويدل على ذلك في الحديث قوله " على ما كان منك ".
الفائدة العاشرة: بين الحديث أسباب مغفرة الذنوب والخطايا، وهي ما يلي:-
1- الدعاء لقوله " ما دعوتني ".
2- الرجاء لله سبحانه لقوله " ورجوتني ".
3- الاستغفار في جميع الأوقات لقوله " ثم استغفرتني غفرت لك ".
4- التوحيد لقوله " ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً ".
الفائدة الحادية عشرة: دل على أن الإستغفار إذا تقبله الله غفر الله لصاحبه ولو كانت ذنوبه عنان السماء.
الفائدة الثانية عشر: الحديث يفتح باب الأمل للمسرف على نفسه بالمعاصي، ولذلك جميع ألفاظ الحديث تدل على ذلك:-
قوله " على ما كان منك ولا أبالي " وقوله " لو بلغت ذنوبك عنان السماء " وقوله " لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ".
وكلها ألفاظ موجهة للمسرف على نفسه بالذنوب وغيره من باب أولى.
الفائدة الثالثة عشر: الإسلام لا يكبت النفس ويحطمها ولذلك عالج المذنب والمخطئ بفتح الأمل له وفتح باب المغفرة.
الفائدة الرابعة عشر: الحديث يربي الإنسان والناس جميعاً على التعلق بالله ورجائه والإنطراح بين يديه.
الفائدة الخامسة عشر: الحديث يبين ضعف الإنسان وكثرة ذنوبه، وعظم الله وسعة رحمته.
الفائدة السادسة عشر: دل الحديث على أن الإنسان لا غنى له عن ربه طرفه عين، فيحتاج إعانته ومغفرته وتوفيقه وهداه.
الفائدة السابعة عشر: فيه فضل التوحيد حيث يغفر الله لصاحبه ذنوبه وخطاياه لما قام بقلبه من توحيد الله وإخلاص العبادة له.
الفائدة الثامنة عشر: من تأمل الحديث وجد أنه يربي جانب الحياء من الله، فإذا تامل المؤمن ألفاظ الحديث وأن الله ينادي عباده، وفتح لهم باب المغفرة مع أنهم هم المحتاجون له، ومع ذلك يذنبون، لا شك أن ذلك يورث المؤمن الحياء من الله سبحانه وتعالى.
[/size]
عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ أَبي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ : " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوُله ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا ، أَو امْرأَةٍ يَنْكِحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : أهمية النية الصالحة ، وعظم فضلها حيث أن جميع الأعمال مدارها على النية .
الفائدة الثانية : الناس يختلفون في قبول العمل وعدم قبوله ، وعظم الثواب والأجر ونقصانه بناء على اختلافهم في صدق النية وصلاحها أو فسادها ، وكمالها أونقصانها .
الفائدة الثالثة : مدار الثواب في الأعمال عند الله سبحانه مرتبط بالنية الصالحة وليس مجرد الفعل ، ومن هنا لم ينتفع المنافقون بأعمالهم وذلك لذهاب نيتهم الصالحة أو نقصانها .
الفائدة الرابعة : فوائد النية بالنسبة للأعمال : ـ
أ ـ تميز العبادة من العادة : مثل تميز غسل الجنابة عن غسل التبرد والتنظف .
ب ـ تميز العبادات بعضها من بعض : مثل تميز صلاة الظهر عن صلاة العصر .
ج ـ تميز المقصود بالعمل أهو الله وحده أم لا ؟
الفائدة الخامسة : بالنية الصالحة تتحول المباحات إلى مستحبات يثاب عليها الإنسان ، فمن جلس مع غيره وسامره وآنسه من غير باطل فيثاب على هذا المباح إن قصد مؤانسة أخيه المسلم وإدخال السرور عليه وهكذا .
الفائدة السادسة : يدل الحديث على وجوب تعاهد النية والعناية بها ومعالجتها .
الفائدة السابعة : النية الصادقة لابد لها أن تكون على سنة نبوية حتى تقبل عند الله ، قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } قال : أخلصه وأصوبه ، وقال إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصا لم يقبل ، حتى يكون خالصاً صواباً ، قال : والخالص إذا كان لله وحده والصواب إذا كان على السنة .أ.هـ
الفائدة الثامنة : النية الصادقة هي شهادة أن لا إله إلا الله ، والسنة النبوية التي يكون عليها العمل هي شهادة أن محمداً رسول الله .
الفائدة التاسعة : الحديث يتكلم عن قضية النية فقط وأهميتها ولم يقصد به أن النية تكفي عن العمل حيث لم يرد ذكر له ولفظ الحديث وسبب وروده يؤيد ذلك .
الفائدة العاشرة : من أساليب التعليم : ذكر قاعدة ثم ذكر مثال يوضحها .
ففي هذا الحديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة وهي : " إنما الأعمال بالنيات " ثم ذكر لهامثالاً يوضحها وهو " الهجرة " .
الفائدة الحادية عشرة : قال ابن المبارك : رب عمل كبير تصغره النية . أ.هـ
ودلالة ذلك من الحديث أن الرجل الذي هاجر قد عمل عملاً من أجل الأعمال وهو الهجرة ، لكن صغر العمل وذهب أجره لفساد نيته .
الفائدة الثانية عشرة : أشد ملهيات الدنيا ومنقصات الدين الشهوة ، ولذلك خصها النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر فقال " أو امرأة ينكحها " مع أنها داخلة في قوله " ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها " ففيه الإرشاد للحذر منها على وجه الخصوص .
الفائدة الثالثة عشر : الوساوس والخواطر والواردات التي ترد على النية لا تؤثر عليها مالم تغير أصل النية ، فالنية الفاسدة هي النية التي أصل عقدها ومنشئها وبدايتها لغير الله أو أن صاحبها غير نيته بعد أن كانت صالحة وصرفها عن أصلها .
ولذلك قال في شأن النية الفاسدة الباطلة " ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها " فأصل نيته إرادة الدنيا " لدنيا " ومن عرف هذا الأصل سلم من شبهات الوساوس وخواطر النفس بإذن الله سبحانه .
الفائدة الرابعة عشر : دل الحديث على أن إخلاص النية لله ، وإرادة العمل وجه الله سهل المنال بإذن الله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب بهذا الحديث الأعرابي في باديته ، والعامي والجاهل ولم يخص أناساً دون غيرهم .
لكن الشأن الصعب تصفية النية من الشوائب وكمالها وقوتها وصدقها وهذا موطن التفاضل ومن عرف هذه سهل عليه أن يحقق أصل النية ويسعى في كمالها لا كما يعتقد البعض أن تحقيق النية من الصعوبة بمكان ولا يستطيع عليه إلا القليل من الناس .
الحديث الثاني
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيضاً قَال : بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ذَاتَ يَوْمٍ إَذْ طَلَعَ عَلَيْناَ رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثّياب شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنا أحَدٌ حَتى جَلَسَ إلَى النبِي فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفيْهِ عَلَى فَخِذِيْهِ وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَم ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : " الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إلَه إلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله ، وَتُقِيْمَ الصَّلاَة ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ البيْتَ إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً "
قَالَ : صَدَقْتَ . فَعجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ ، قَالَ : فَأَخْبِرِنيْ عَنِ الإِيْمَانِ ، قَالَ : " أَنْ تُؤمِنَ بِالله ، وَمَلاِئكَتِه ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَالْيَومِ الآَخِر ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ "
قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ فَأخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ ، قَالَ : " أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " .
قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ ، قَالَ : " مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " قَالَ : فَأخْبِرْنِيْ عَنْ أَمَارَاتِها ، قَالَ :" أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وَأَنْ تَرى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِي البُنْيَانِ " ثْمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثتُ مَلِيَّاً ثُمَّ قَالَ : " يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ " قُلْتُ اللهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ قَالَ :" فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلَّمُكُمْ دِيْنَكُمْ " رواه مسلم .
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : أهمية الحديث تتمثل في أنه صلى الله عليه وسلم ذكر فيه مراتب الدين ، ففي آخره قال صلى الله عليه وسلم " أتاكم جبريل يعلمكم أمور دينكم "
الفائدة الثانية : من أساليب التعليم : أسلوب السؤال والجواب .
الفائدة الثالثة : آداب طلب العلم تسبق طلب العلم ، ولذلك تأدب جبريل في جلسته ثم سأل .
الفائدة الرابعة : دل على أدب المتعلم بين يدي معلمه ، وهذا له دور على مدى استفادته منه .
الفائدة الخامسة : بياض الثياب والعناية بالشعر ليست من الكبر في شيء .
الفائدة السادسة : السؤال من مفاتيح العلم ، فمن استحى منه أو استكبر عنه لا ينال العلم .
الفائدة السابعة : حضور مجالس الذكر والحرص عليها لما فيها من الفائدة التي قد تفوت .
الفائدة الثامنة : اليقظة والانتباه في مجلس العلم تفيد في حفظه ونشره ، ولذلك حفظ عمر الأسئلة بأجوبتها .
الفائدة التاسعة : إذا كان السؤال عاماً ، فالأفضل أن تقتصر الإجابة على أهم المهمات ، فالسؤال عن الإسلام وخصاله سؤال عام يدخل تحته أعمال الجوارح كلها ، لكنه اقتصر على أهم المهمات وهي الأركان .
الفائدة العاشرة : إذا اجتمع الإسلام والإيمان في نص واحد فيفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة ، ويفسر الإيمان بالأعمال الباطنة ، كما دل عليه منطوق حديث الباب.
الفائدة الحادية عشرة : الدين ليس على درجة واحدة بل مراتب بعضها فوق بعض ، فالإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان .
الفائدة الثانية عشرة : زرع روح التنافس والحث على علو الهمة عندما ذكر النبي أن الإحسان على درجتين إحداهما أكمل من الأخرى .
الفائدة الثالثة عشر : إذا تحقق القلب بالإيمان انقادت الجوارح لأعمال الإسلام ، ولذلك قال المحققون من أهل العلم :" كل مؤمن مسلم " فالمؤمن المقصود به من حقق الإيمان الباطن ، فإن جوارحه تنقاد فيعمل .
الفائدة الرابعة عشر : مراقبة الله في العبادة أعلى مراتب الإحسان وهي أن يعبد الإنسان ربه كأنه يراه ، وهذا يورث من الخشية والصدق والإخلاص الشيء العظيم .
الفائدة الخامسة عشر : إذا فاتت الدرجة السابقة فعلى الإنسان أن يستشعر رؤية الله له ولعمله واطلاعه وهي أن يعبد ربه الذي يراه سبحانه .
الفائدة السادسة عشر : رحمة الله سبحانه ويتمثل هذا بتنوع أدلة هدايته للناس فأحياناً : ـ
وحي مباشر على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحياناً يرسل جبريل عليه السلام ، وأحياناً على صورة أعرابي ، وأحياناً على صورة دحية الكلبي رضي الله عنه وهكذا .
الفائدة السابعة عشر : أدلة وجوب الصلاة تأتي دائماً بلفظ " تقيم " وليس بلفظ " تؤدي " مثلاً ، وهذا أمر مقصود لأن القصد من الصلاة أن تكون صلاة لا اعوجاج فيها قائمة بجميع أركانها وواجباتها وسننها حتى تؤتي ثمارها .
الفائدة الثامنة عشر : قول الشخص " لا أعلم " لا ينقص من قدره .
الفائدة التاسعة عشر : إذا سئل الإنسان عن شيء لا يعلمه فيجهر بقول " لا أعلم " ولو كان في مجلس كبير كما حدث لعمر رضي الله عنه فلم يكن وحده حيث قال في أول الحديث " بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم " ولم يمنعه هذا من قول " لا أعلم " .
الفائدة العشرون : أهل السنة والجماعة يخصون جبريل عليه السلام بمحبة من بين الملائكة الكرام لأنه : ـ
أ ـ ينقل الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{ (193) سورة الشعراء .
ب ـ ثناء الله عليه سبحانه {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ـ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ـ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ{ .
ج ـ مواقفه مع المؤمنين في المعارك ضد الكفار .
د ـ حرصه على تعليم المسلمين دينهم " أتاكم جبريل يعلمكم أمور دينكم " .
الفائدة الحادية والعشرون : النبي صلى الله عليه وسلم على منزلته العظيمة إلاّ أن الله لم يطلعه على ما شاء سبحانه من أمور الغيب وحجب عنه أشياء اختص بها كعلم الساعة " مالمسؤل عنها بأعلم من السائل " فمن ادعى علم النبي صلى الله عليه وسلم للمغيبات فضلاً عن تصرفه بما لا يقدر عليه إلا الله فقد كذب وافترى .
الحديث الثالث
عَنْ أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: " بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البِيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ "
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : أهمية هذه الأركان الخمسة حيث بني عليها دين الإسلام .
الفائدة الثانية : خطورة من فرط فيها .
الفائدة الثالثة : خصال الإسلام تختلف من حيث الأهمية الشرعية ، فبعضها أركان للبناء وهي الخمس وبعضها مستحبات تتم البناء وهكذا .
الفائدة الرابعة : الشهادتان مرتبطتان مع بعضهما البعض لا تكفي إحداهما عن الأخرى فأصبحا ركناً واحداً .
الفائدة الخامسة : الإسلام دين كامل لا يقبل الزيادة ولا النقصان لقوله " بني الإسلام " فقد بني واكتمل البناء .
الفائدة السادسة : أمانة الصحابة ودقتهم في نقل الأحاديث ففي رواية أن رجلاً قال " صوم رمضان والحج " فقال ابن عمر رضي الله عنه " حج البيت وصوم رمضان هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن لم يقدموا جملة قبل أخرى مع أن المعنى لا يتغير .
الفائدة السابعة : تشريف النبي صلى الله عليه وسلم حيث جمع بين مقامي العبودية والرسالة " عبده ورسوله "
الحديث الرابع
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوْقُ : " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِيْ بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِيْنَ يَوْمَاً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُوْنُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُوْنُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ،ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيَنفُخُ فِيْهِ الرٌّوْحَ،وَيَؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيْدٌ. فَوَالله الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُوْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَايَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا "
رواه البخاري ومسلم.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : منزلة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحابه حيث يمدحونه بعبارات الثناء التي تدل على المحبة " الصادق والمصدوق " .
الفائدة الثانية : فقه ابن مسعود رضي الله عنه لأنه أتى بجملة تناسب الحديث فقال " الصادق والمصدوق " . لأنه مضمون الحديث غيبي لا يرى ولا يعلم إلاّ عن طريق الوحي .
الفائدة الثالثة : عظمة المولى وقدرته ، من النطفة يخلق علقة ومنها مضغة ومنها بشراً سوياً .
الفائدة الرابعة : رحمته سبحانه وحفظه حيث يحفظ تلك النطفة إلى أن تكون علقة ثم يحفظها من كل ما يفسدها إلى أن تكون مضغة ثم يحفظها ويرعاها إلى أن تكون خلقاً آخر .
الفائدة الخامسة : الحديث علاج للكبر فالإنسان الذي تكبر على أوامر ربه سبحانه كان أوله نطفة ، ولولا الله لم تكن علقة ولا مضغة ولا لحماً فكيف يتكبر بعد ذلك ؟!.
الفائدة السادسة : الحث على شكر العبد لربه على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ، فمن تأمل في هذه النعم دله ذلك على شكر مولاه .
الفائدة السابعة : يربى الإنسان على التفكر في نفسه ، قال تعالى : {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ { (21) سورة الذاريات .
الفائدة الثامنة : التسليم للأمور الغيبية التي ثبت فيها النص ، فنؤمن بأن الملك ينفخ الروح ، ويكتب تلك الكلمات .
الفائدة التاسعة :عظمة علم الله الذي يأمر الملك بكتب الأربع كلمات ، رغم أن هذا المخلوق لم يخرج من بطن أمه فسبحان من علم متى يخرج ؟ وماذا سيعمل ؟ وكم يعيش ؟ وماذا سيختم له ؟ والله بكل شيء عليم .
الفائدة العاشرة : يبعث الراحة والطمأنينة في مسألة الرزق لأنها كتبت وفرغ منها فلا يحزن المؤمن لفوات رزق لأنه فات لعدم كتابة الله له .
الفائدة الحادية عشرة : يربي في المسلم الشجاعة لأنه الأجل محدود فلا يتقدم ساعة ولا يتأخر كما قال علي رضي الله عنه أي يومي من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر
الفائدة الثانية عشرة : الحث على بر الوالدين خاصة الأم فكل قضايا حديث الباب من النطفة ثم العلقة ثم المضغة ثم إرسال الملك وكتابته ـ كل ذلك يكون في بطن الأم ـ " يجمع في بطن أمه " .
الفائدة الثالثة عشر : طاعة الملائكة لربهم " فيرسل الملك " .
الفائدة الرابعة عشر : دل على أن العبرة بالخواتيم فلا يغتر بظاهر العمل حتى ينظر بما يختم له .
الفائدة الخامسة عشر : الإيمان بالقضاء والقدر .
الفائدة السادسة عشر : الخوف من سوء الخاتمة قال ابن رجب رحمه الله : فقال بعض السلف : ما أبكى العيون ما أبكاها الكتاب السابق ، وقال سفيان لبعض الصالحين : هل أبكاك قط علم الله فيك ؟ فقال له ذلك الرجل : تركني لأفرح أبداً . وكان سفيان يشتد قلقه من السوابق والخواتيم ، فكان يبكي ويقول : أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا ، ويبكي ويقول : أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت ، وقال مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضاً على لحيته ويقول : يارب قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار ففي أي الدارين منزل مالك ؟! أ.هـ
الفائدة السابعة عشر : هذا الحديث يربي في النفس خوفها من النفاق الأصغر والأكبر ومن الكفر .
الفائدة الثامنة عشر : يزرع المحاسبة والعناية بأمور النفس الباطنة خوفاً من أن تبتلى بمعصية خفية تقود إلى سوء الخاتمة قال ابن رجب (رحمه الله)" دسائس السوء الخفية توجب سوء الخاتمة " أ.هـ
الفائدة التاسعة عشر : دل على أن الشخص له إرادة ومشيئة واختيار لأنه أضاف العمل له فقال " إن أحدكم ليعمل " وهذه المشيئة والاختيار لا تخرج من مشيئة الله سبحانه المحيطة بكل شيء .
الفائدة العشرون : يجب سؤال الله الثبات وألّا يزيغ القلب عن الهدى كما هي حاله صلى الله عليه وسلم فكان كثيراً ما يقول في دعائه " اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك " .
الفائدة الحادية والعشرون : الحرص على أعمال أهل السعادة والثبات عليها والصبر والمجاهدة إلى أن يموت على ذلك فإن الإنسان ميسر لما خلق له .
الفائدة الثانية والعشرون : أحكام الدنيا معلقة بالأعمال الظاهرة دون الدخول في النيات ، فمن كان ظاهره الإسلام حكم له به فقد قال صلى الله عليه وسلم " فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة " وقال " وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار " .
الفائدة الثالثة والعشرون : حكمة الله ونفاذ أمره سبحانه لقوله صلى الله عليه وسلم " حتى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيدخلها " .
الحديث الخامس
عَنْ أُمِّ المُؤمِنِينَ أُمِّ عَبْدِ اللهِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : " مَنْ أَحْدَثَ فِيْ أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم " مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ "
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: كمال الشريعة فلا تحتاج إلى زيادة .
الفائدة الثانية: كل عمل ليس عليه أمر الشريعة فهو مردود .
الفائدة الثالثة: جميع شؤون الحياة يجب أن تكون تحت حكم الشريعة سواءً عبادات أو معاملات ، لقوله " كل أمر "
الفائدة الرابعة: من أتى بعبادة لم تأمر بها الشريعة فقد أحدث في الدين ما ليس منه .
الفائدة الخامسة: الحديث أصل في رد جميع البدع لقوله " فهو رد " .
الفائدة السادسة: البدعة لا دليل عليها لقوله " ليس عليه أمرنا " .
الفائدة السابعة: المؤمن لا يبتدع لكنه يتبع .
الفائدة الثامنة: البدعة هي احداث في الدين ما ليس منه بدليل أول الحديث .
الفائدة التاسعة: الحديث أصل في طلب الدليل وإتباعه بعد ثبوته .
الفائدة العاشرة: في أمور العبادة لا يحكم العقل بل لابد من الدليل وهو المراد بقوله " أمرنا " .
الفائدة الحادية عشرة: فيه حث ضمني على طلب العلم حتى يعرف أمر الله ودليله .
الفائدة الثانية عشرة: دل على أن منشأ جميع البدع الجهل بالأدلة .
الحديث السادس
عَنْ أَبِيْ عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِ بْنِ بِشِيْر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: ( إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُوْرٌ مُشْتَبِهَات لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاس،ِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرأَ لِدِيْنِهِ وعِرْضِه، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ. أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً . أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ )
رواه البخاري ومسلم .
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : أمور الشرع وما أحله وما حرمه واضح بين ، فليست شريعة الإسلام غامضة لا يفهمها إلّا الخواص ، كلا فقد أنزلت بكلام عربي مبين ، وهذا في الجملة دون التفصيل .
الفائدة الثانية : الحلال الخالص واضح بين من أراده عرفه .
الفائدة الثالثة : الحرام الخالص واضح بين لا يجهله أحد .
الفائدة الرابعة : هناك أمور مشتبهة لا يعلمها كثير من الناس فيجب الحذر .
الفائدة الخامسة : فيه فضل العلم ، حيث أن العالم تصبح الأشياء كلها عنده بينه " الحرام والحلال والمشتبه " .
الفائدة السادسة : تفاضل الناس في العلم فقد يكون الأمر فيه شبهة عند شخص لكنه واضح عند آخر .
الفائدة السابعة : من ترك الشبهات فقد برَّأ دينه من الهمز وعرضه من كلام الناس .
الفائدة الثامنة : الحث على أن يبتعد الإنسان عن مواطن التهمة حتى لا يعرض عرضه للنيل منه .
الفائدة التاسعة : براءة الدين من الخدش والعرض من الكلا م أمر مقصود في الشريعة لقوله " فقد استبرأ لدينه وعرضه " .
الفائدة العاشرة : المكروهات والإصرار عليها يقود إلى المحرمات فقد قال " ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام " .
الفائدة الحادية عشرة : من أساليب التعليم : ضرب المثال كما قال صلى الله عليه وسلم " كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه " .
الفائدة الثانية عشرة : بيان الشريعة لجميع أمور الحياة الحلال والحرام والمشتبه ، فما مات النبي صلى الله عليه وسلم إلّا وقد أوضح كل شيء وبينه .
الفائدة الثالثة عشر : حدود حرمات الله هي محارمه التي حرمها على الناس .
الفائدة الرابعة عشر : يدل الحديث على أن دائرة الحلال أوسع من دائرة الحرام في الشريعة الإسلامية فالمحرم فقط الحمى وأما بعده فحلال .
الفائدة الخامسة عشر : قوة الله وجبروته سبحانه ولهذا جعل لنفسه حمى ، وحمى الملوك على قدر قوتهم والله سبحانه ملك الملوك .
الفائدة السادسة عشر : بصلاح القلب يصلح الجسد فيعمل الصالحات ويسابق في الخيرات قال ابن رجب " صلاح حركات العبد بجوارحه واجتنابه المحرمات واتقائه الشبهات " .
الفائدة السابعة عشر : بفساد القلب يفسد الجسد فيعمل المنكرات والسيئات .
الفائدة الثامنة عشر : دل على أهمية القلب وأنه ملك والأعضاء الجنود .
الفائدة التاسعة عشر : فيه حث على مراقبة القلب وإصلاحه والعناية به ، لأنه أهم الأعضاء في الإنسان .
الفائدة العشرون : دل على أن القلب يصلح ويفسد .
الفائدة الحادية والعشرون : فيه التماس عذر لمن أخطأ من أهل العلم في مسألة من المشتبهات لقوله " وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس " فمن أخطأ فهو معذور لأنه الأمر أصلاً مشتبه .
الفائدة الثانية والعشرون : اتقاء الشبهات نابع من صلاح القلب ولهذا ذكر القلب في الحديث .
الفائدة الثالثة والعشرون : الوقوع في الشبهات ثم المحرمات نابع من فساد القلب .
الفائدة الرابعة والعشرون : الحرص على براءة الدين أهم من الحرص على براءة العرض ولهذا قدمت في الحديث "فقد استبرأ لدينه وعرضه" .
الفائدة الخامسة والعشرون : أكل الحلال الخالص والحرص على ذلك له أثر على الإيمان والقلب . وسئل الإمام أحمد رحمه الله عما يلين القلب فقال : " أكل الحلال " ومن تأمل الحديث وجد في أوله الحلال والحرام وفي آخره صلاح القلب وفساده .
الفائدة السادسة والعشرون : الحديث أصل في سد الذرائع ، وأنه ينبغي للإنسان أن يترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس .
الفائدة السابعة والعشرون : يؤصل الحديث عند المؤمن باب الورع وهو ترك ما قد يضر في الآخرة .
الحديث السابع
عَنْ أَبِيْ رُقَيَّةَ تَمِيْم بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: )الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ يَارَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: للهِ، ولكتابه، ولِرَسُوْلِهِ، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَعَامَّتِهِمْ( رواه مسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : صيغة الحديث تدل على أهمية الحديث .
الفائدة الثانية : ينشر الأخوة بين المجتمع الإسلامي حيث يقوم على التناصح وعدم الغش .
الفائدة الثالثة : بين الحديث أن النصيحة في الدين عامة ولا تقتصر على بيان العيوب فقط .
الفائدة الرابعة : شمل الحديث جميع ما يحيط بالشخص من علاقات : ـ
أولاً : مع ربه : وتشمل علاقته مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم .
ثانياً : مع المخلوقين : وتشمل علاقته مع ولاة أمره ومع عامة المسلمين .
الفائدة الخامسة : النصيحة بالمفهوم الشرعي يجب أن تشمل جميع شؤون الحياة سواء العبادات أو العادات " لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم " .
الفائدة السادسة : يوجب الصدق في تعامل المسلم مع ربه ، والصدق في تعامله مع المخلوقين
الفائدة السابعة : يربي المسلم على إعطاء كل ذي حق حقه من غير أن يطغى جانب على آخر ، فحق لله وحق لرسوله وحق لولاة الأمور وحق لإخوانه من المسلمين .
الفائدة الثامنة : يطرد الغش بجميع صوره ودقائق تفاصيله ، لأن هذا مقتضى النصيحة .
الفائدة التاسعة : يورث المراقبة وهي من أجل أعمال القلوب ، حيث يجعل الشخص ناصحاً في حال سره لأنه يراقب الله سبحانه وتعالى ولهذا لن يغش ولو خلا عن الرقيب البشري .
الفائدة العاشرة : الحديث في صياغته ترتيب الأولويات حيث بدأ بالأهم فالمهم " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم " .
الفائدة الحادية عشرة : يدل على أن المجتمع الإسلامي مجتمع متناصح فيما بينه ، سواء في معاملاته أو علاقاته وجميع شؤونه .
الفائدة الثانية عشرة : من أعظم النصيحة للمسلمين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن ترك المنكر غش يخالف النصيحة المأمور بها في الحديث.
الحديث الثامن
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ وَيُقِيْمُوْا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهَمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى) رواه البخاري ومسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : وظيفة الدعاة أنهم مبلغون عن الله كما هي حال النبي صلى الله عليه وسلم " أمرت " فهو مأمور بأمر ربه لا من عند نفسه .
الفائدة الثانية : الإستجابه لله سبحانه ، حيث أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم فاستجاب .
الفائدة الثالثة : الجهاد شرع لإقامة دين الله في الأرض وأن يعبد الله ويوحد لا لمجرد الإنتقام ولا للعلو في الأرض والسيادة بل حتى يكون الدين كله لله " حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " .
الفائدة الرابعة : لأن الغاية من الجهاد دخول الناس في الإسلام لذلك تسبق الجهاد الدعوة لله سبحانه ، وعلى هذا كانت سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة خلفائه من بعده فقد كانوا يدعون الناس فإن أبوا فالجزية فإن أبوا فالقتال .
الفائدة الخامسة : لا يتوقف الجهاد إلّا إذا دخل الناس جميعاً في دين الله ، ولهذا فإن الجهاد الشرعي ماضٍ إلى قيام الساعة لأنه لا يزال الكفار في الأرض .
الفائدة السادسة : دل الحديث على أن الحكم على الناس في الدنيا يكون على ظواهرهم بدون الدخول في نياتهم ، ولهذا علق النبي صلى الله عليه وسلم عصمة الدم والمال على النطق بالشهادة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكلها أفعال ظاهرة ولم يتعرض للنية بشيء .
الفائدة السابعة : الأصل في الإنسان إذا نطق بالشهادتين وصلى وزكى أنه مسلم معصوم الدم والمال إلّا بحق الإسلام .
الفائدة الثامنة : الإسلام واضح المعالم محدد الأهداف ، فمن دخل في الإسلام ونطق بالشهادتين وأدى ما عليه أصبح مسلماً وليس الإسلام في ذلك دين غامض غير محدد الأهداف بل يعرف حدود الإسلام العامي الكافر الذي يدعي الإسلام .
الفائدة التاسعة : النفس والمال أحد الضروريات التي جاء الإسلام بحفظها .
الفائدة العاشرة : نيات الناس ترجع لله سبحانه وتعالى يحاسبهم عليها كما قال {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ{ (9) سورة الطارق ، وقال في الحديث "وحسابهم على الله " فالله أعلم بصدق الصادق ونفاق المنافق وكل يجزى بنيته في الآخرة .
الفائدة الحادية عشرة : الحديث له أهمية خاصة أيام الفتن ، فإذا ادلهمت الخطوب ، واقبلت المحن ، فليتمسك بهذا الحديث فإنه له نجاة بإذن الله ، فمن ظهر منه الإسلام قبل منه وأرجعت نيته إلى الله وحسابه عند ربه .
الفائدة الثانية عشرة : دليل لمذهب أهل السنة والجماعة في أن الأعمال من الإيمان ، حيث علق العصمة على النطق بالشهادتين وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكلها من أعمال الجوارح .
الفائدة الثالثة عشر : عظمة الإعتداء على الأنفس والأموال فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك الإعتداء عليها ما دام أن صاحبها عصم نفسه ولهذا قال " عصموا مني " أي لا أستطيع النيل منها ، فمن اعتدى بعد ذلك فقد ظلم نفسه .
الفائدة الرابعة عشر : هذا الحديث يحدد ضابط لجهاد الطلب في حال قدرة المسلمين وهو الدعوة إلى الله .
الفائدة الخامسة عشر : دليل على أن الإسلام لا يسعى للسيادة والملك والتسلط والجبروت ، فالأرض كلها لله سبحانه بل يسعى لغاية عظيمة وهدف سامٍ هو دخول الناس في دين الله وعبادتهم له وذلهم وخضوعهم لعظمته .
وهذا كله بخلاف ما تقوم عليه المجتمعات الكافرة في زماننا هذا من مقاتلة للتسلط وللملك وللثروات وللدنيا ، وهذا يربي الفخر والعزة لأهل الإسلام بدينهم
الحديث التاسع
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: ( مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ) رواه البخاري ومسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : حفظ الشريعة لأفرادها حيث أن الله لم ينه إلّا عما فيه مضرة فأمر باجتناب جميع المنهيات وبدون استثناء .
الفائدة الثانية : يسر الشريعة وسماحتها حيث أن الله أمر بأن يأتي الإنسان ما يستطيعه من المأمورات دون ما لا يستطيعه .
الفائدة الثالثة : على المسلم أن يطيع فيترك المنهيات ويفعل ما يستطيع من المأمورات بدون تعنت أو جدال أو مخاصمة في الشرع .
الفائدة الرابعة : دل على أن دائرة المنهيات في الشريعة الإسلامية أقل ولذلك أمرنا باجتنابها جميعها أما المأمورات لكثرتها فلا يستطيع الإنسان الإتيان بها جميعاً فيأتي بما يستطيع .
الفائدة الخامسة : يورث الحديث محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ومحبة دينه حيث لم يكلفنا الله فوق طاقتنا ولم يأمرنا بما لم نستطع " فأتوا منه ما استطعتم " .
الفائدة السادسة : يربي في المسلم العمل وترك الكلام ، فالمسلم يفعل ما يستطيع من المأمورات ويترك المنهيات ويجتنب التعنت وكثرة الأسئلة التي لا تغني .
الفائدة السابعة : الجدال في دين الله وكثرة الأسئلة التعنتيه وترك العمل يورث الهلاك حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم علل هلاك من مضى من الأمم بكثرة الأسئلة والاختلاف على الأنبياء عن طريق المجادلة والمخاصمة .
الفائدة الثامنة : رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وخوفه عليها ولذلك كثيرا ما يذكر لهم سبب هلاك الأمم قبلهم ليحذرهم فصلى الله عليه وسلم ، وقد وصفه الله بقوله (بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَّحِيمٌ) (128) سورة التوبة .
الفائدة التاسعة : فيه بيان لشرف هذه الأمة على الأمم قبلها حيث أنها استسلمت لأوامر الله ولم تخاصم نبيها ولم تختلف عليه بخلاف الأمم من قبلها كما بينه الحديث .
الفائدة العاشرة : النهي عن كثرة الأسئلة التي لا تورث العمل وإنما يتخذها صاحبها ذريعة في التواني والكسل .
الفائدة الحادية عشرة : فيه ذم الاختلاف خاصة في الدين لقوله " إنما أهلك الذين من قبلكم ... اختلافهم على أنبيائهم " .
الفائدة الثانية عشرة : فيه إشارة إلى أن المنهيات لا تترك فقط وإنما يؤمر المسلم بالابتعاد عنها وعن الأسباب المؤدية إليها قبل ذلك لبلاء يقع فيها ، وهذا المفهوم من كلمة " فاجتنبوه " لأنه يعني البعد بخلاف الترك فإنه يعني التخلي ويؤيد ذلك قوله تعالى {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى } (32) سورة الإسراء ، فقد نهى عن مقاربة الزنا ويلزم من ذلك الابتعاد عن كل ما يؤدي إليه .
الفائدة الثالثة عشر : الأصل ترك جميع ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم سواءً نهي تنزيه وكراهة أو نهي تحريم .
الفائدة الرابعة عشر : الأصل فعل ما يستطيع من الأوامر سواءً أمر استحباب أو إيجاب .
الفائدة الخامسة عشر : يربي الحديث في النفس تعظيم حرمات الله لأنه نهى عن جميع المنهيات ولم يترك منها شيء ، فلولا ان المنهيات عظيمة لم ينه عنا بهذا النهي الذي لم يستثن منها شيء .
الحديث العاشر
عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : (إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبَاً وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِيْنَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِيْنَ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً ) (المؤمنون : الآية51) ، وَقَالَ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) (البقرة : الآية172) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيْلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء،ِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ،وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لذلك) رواه مسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : إثبات صفة الكمال لله سبحانه وتعالى .
الفائدة الثانية : من صفات الله أنه طيب سبحانه والمعنى أنه " طاهر مقدس منزه عن النقائص والعيوب كلها "
الفائدة الثالثة : يجب العناية بالأقوال والأفعال وإزالة كل ما يشوبها حتى تكون طيبه يتقبلها الله .
الفائدة الرابعة : لا يتقبل الله من الأعمال إلّا ما كان طاهراً سليماً .
الفائدة الخامسة : تربية المسلم على أن يكون طيباً في قلبه ولسانه وجسده .
الفائدة السادسة : أكل الحلال وعمل الصالحات أمر الله بها جميع الناس والأنبياء وغيرهم .
الفائدة السابعة : أكل الحلال يعين على عمل الصالحات ولهذا قرن الله بينهما .
الفائدة الثامنة : أكل الحلال يعين على إجابة الدعاء كما يفهم من الحديث .
الفائدة التاسعة : أكل الحرام يمنع إجابة الدعاء كما هو منطوق الحديث " فأنى يستجاب له " .
الفائدة العاشرة : السفر ومشقته مظنة إجابة الدعاء لظاهر حديث الباب .
الفائدة الحادية عشرة : صدق الإلتجاء والإلحاح والفاقة لله سبحانه تؤثر أعظم الأثر على استجابة الدعاء ، ولما كان المسافر الذي يطيل السفر وقد تشعثت حاله يدعو باضطرار وإلحاح أثر هذا على إجابة الدعاء .
الفائدة الثانية عشرة : رفع الأيدي من سنن الدعاء لقوله " يمد يديه إلى السماء " وفعله صلى الله عليه وسلم يؤيد هذا .
الفائدة الثالثة عشر : فيه إثبات العلو لله سبحانه لقوله " يرفع يديه إلى السماء " .
الفائدة الرابعة عشر : من سنن الدعاء تكرار ألفاظ النداء " اللهم اللهم " " يا رب يا رب " " يا الله يا الله " ثم يسأل حاجته وهو نوع من الإلحاح .
الفائدة الخامسة عشر : أكل الحرام يورث التمادي فيه فمن أكل الحرام واستمر فإنه بعد ذلك سيكون ملبسه حرام ومشربه حرام وسيتغذى بالحرام.
الفائدة السادسة عشر : شكر النعم يكون بعمل الصالحات فقد قال الله للمؤمنين {وَاشْكُرُواْ لِلّهِ } (172) سورة البقرة وبين الشكر في حق المرسلين فقال {وَاعْمَلُوا صَالِحًا } (51) سورة المؤمنون ، والله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين .
الفائدة السابعة عشر : ذكر في الحديث أربعة أمور في شأن الدعاء : ـ
أ ـ السفر : وهو مظنة الإنكسار كما تقدم .
ب ـ حصول التبذل في اللباس والهيئة من غير تكلف ذلك وتقصده وهذا مظنة طهارة القلب من الكبر .
ج ـ رفع اليدين إلى السماء : وهذا مشعر بالسؤال والاستعطاء من العبد الفقير إلى مولاه الغني .
د ـ الإلحاح بتكرار لفظ الربوبية : وهو مشعر بصدق اللجوء إلى الله .
فهذه الأشياء تؤثر في استجابة الدعاء ، ومدارها يقوم على الذلة والانكسار بين يدي الله .
الفائدة الثامنة عشر : يجب على المؤمن أن يطالع منّة الله عليه وتفضله عليه بالرزق ، ولهذا أضاف الرزق لنفسه فقال {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } (172) سورة البقرة .
الفائدة التاسعة عشر : كمال الإنسان في الإيمان وبلوغه درجة الولاية لا يسقط التكاليف وترك الأعمال بل يوجب الإجتهاد في العمل ولذلك أمر الله المرسلين ـ مع كمال إيمانهم وعلو درجة ولايتهم ـ أمرهم بالعمل فقال : {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا } .
الفائدة العشرون : الكسب الطيب هو الكسب الحلال .
الفائدة الحادية والعشرون : من غنى الله سبحانه عن الناس أنه لا يتقبل إلّا ما كان طيباً طاهراً كما قال في الحديث الآخر " أنا أغنى الأغنياء عن الشرك من أشرك معي غيري تركته وشركه " فمن كمال غناه أنه لا يقبل ما لم يكن خالصاً لهر سبحانه .
الحديث الحادي عشر
عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ أبِي طالبٍ سِبْطِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَيْحَانَتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَفِظْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيْبُكَ) رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : الحديث أصل في ترك الشبهات والورع .
الفائدة الثانية : الحلال المحض لا يجوز تركه ورعاً لأنه لا ريبة فيه .
الفائدة الثالثة : الحرام المحض يجب تركه من باب أولى لأن حرمته لا ريب فيها بل يقين .
الفائدة الرابعة : يربي المؤمن على ترك الريب ومواطن الشبه .
الفائدة الخامسة : المؤمن التقي لا يرتاح ويطمئن إلّا إلى الحلال المحض ، وأما الفاجر فلا تصيبه ريبه في الحرام فضلاً عن الشبهات .
الفائدة السادسة : الحديث قاعدة فيمن احتار بين أمرين أحدهما شاك فيه والآخر عنده يقين ، فينبغي أن يفعل اليقين .
الفائدة السابعة : الحديث مكمل لمعنى حديث النعمان بن بشير السابق ، فمن وقع في الريبة كان كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه .
الفائدة الثامنة : الحديث عام في كل ما يصيب المسلم وليس في جانب الطعام فقط ، فمن شك هل يجمع الصلاتين أم لا ؟له أحقيه الجميع أم لا؟ وعنده ريبة في الجمع فلا يجمع لأن ترك الجمع لا ريبة فيه وهكذا .
الحديث الثاني عشر
عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيْهِ) حديثٌ حسنٌ، رواه الترمذي وغيره هكذا.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : يدل على تفاوت الناس في الإسلام فمن حسن إلى أحسن وهكذا .
الفائدة الثانية : يحث على ترقي الإنسان إلى تحسين إسلامه قدر استطاعته .
الفائدة الثالثة : فيه حفظ لخصوصيات الغير ، فيقطع ما تميل إليه النفس من التطلع والبحث في شؤون الغير لأنها لا تعنيه .
الفائدة الرابعة : على الإنسان أن ينشغل بنفسه وما يعنيها وإصلاحها ويترك شؤون الناس التي تعنيهم .
الفائدة الخامسة : من كمال إسلام المسلم أن يترك ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال .
الفائدة السادسة : فيه تربية على علو الهمة حيث قال في أول الحديث " من حسن إسلام المرء " فكأنه قال هناك منازل عالية في الإسلام ثم بينها ليتسابق الناس إليها .
الفائدة السابعة : يربي في الإنسان الحرص على ما فيه فائدة له وترك ما لا فائدة لأنه لا يعنيه فلا يحصل من ورائه إلّا التعب وضياع العمر وذهاب حسن الإسلام .
الفائدة الثامنة : ترك ما لا يعني من الأقوال يدخل فيه حفظ اللسان عن الباطل واللغو وما لا فائدة فيه .
الفائدة التاسعة : ترك ما لا يعني من الأفعال يدخل فيه ترك المحرمات والمكروهات والمشتبهات وفضول المباحات التي لا تقربه إلى الله سبحانه لأنها ليست مما يوليه المؤمن عنايته وحرصه .
الفائدة العاشرة : فيه تربية للمسلم على حفظ وقته بدل أن يضيع فيما لا يعنيه أمره ، فتجده مغتنماً للحظاته وليس لديه وقت ، للبحث في شؤون الغير .
الفائدة الحادية عشرة : معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أعطي جوامع الكلم لأن الحديث ذم الإنشغال بأمور كثيره جداً كلها داخله تحت جملته تلك صلى الله عليه وسلم.
الحديث الثالث عشر
عَنْ أَبِيْ حَمْزَة أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ خَادِمِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيْهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري ومسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : يخص الحديث علاقة المسلم مع إخوانه ويحددها .
الفائدة الثانية : يزرع الأخوة الحقه بين المسلمين سواءً في لفظه لقوله " أخيه " أو في معناه .
الفائدة الثالثة : محبة الخير للغير من علامات كمال الإيمان ، فمن أحب الخير والنفع عامة لجميع المسلمين فقد كمل إيمانه لظاهر الحديث .
الفائد الرابعة : تمني الضر لغيره من المسلمين علامة نقص في إيمانه ، فليسرع وليستدرك نفسه قبل أن يتفاقم الأمر وينتشر ويجلب أمراض الحسد والغل والحقد .
الفائدة الخامسة : من علاج الحسد إذا انتشر في المجتمع أن يحب الواحد لغيره من الخير ما يحب لنفسه .
الفائدة السادسة : الحديث يؤيد حديث تميم الداري مرفوعاً " الدين النصيحة " فمن النصيحة لعامة المسلمين تمني الخير لهم .
الفائدة السابعة : فيه بيان ميزة وخصوصية للمجتمع الإسلامي دون غيره ، وهي محبة الخير للغير كما يحبه لنفسه تماما.
الفائدة الثامنة : يدل على أن تمني الخير للنفس من طبيعة النفس ولا حرج في ذلك إن كان ذلك الخير يقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، ولهذا قال " ما يحب لنفسه ".
الفائدة التاسعة : محبة الخير للغير أمر يجب أن يستمر عليه الإنسان طيلة حياته وهذا المفهوم من صيغة الفعل المضارع " يحب ، ويؤمن " لأن المضارع يفيد الحال والإستمرار في المستقبل.
الفائدة العاشرة : الحديث يشمل جميع المؤمنين ، فيجب أن تحب لهم الخير حتى أؤلئك الذين بينك وبينهم عداوات شخصية ومخاصمات دنيوية ولهذا جاء لفظ الحديث عاماً دون استثناء.
الفائدة الحادية عشرة : الحديث يدخل في صورة محبة الهداية والاستقامة على أمر الله لمن لم يهتد من أهل المعاصي ، فيتمنى لهم الهداية والخير وعمل الصالحات .
الفائدة الثانية عشرة : دليل لمذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص فمن أحب للمسلمين الخير كمل إيمانه ومن فاته هذه نقص إيمانه على قدر تلك الخصلة ، كما هو مفهوم الحديث .
الحديث الرابع عشر
عنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِيْ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّاركُ لِدِيْنِهِ المُفَارِقُ للجمَاعَةِ) رواه البخاري ومسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : الأصل عصمة دم المسلم .
الفائدة الثانية : دم المسلم لا يباح بالشبهات بل لابد من يقين كامل في الزنا وهو ثيب أو قتل نفساً عمداً من غير شبهة أو ترك دين الإسلام .
الفائدة الثالثة : الأصل في المجتمع المسلم الإسلام حتى يثبت خلاف ذلك .
الفائدة الرابعة : الحديث لم يدل على أن فعل هذه الأشياء بمجردها يبيح الدم لأي أحد أراد إقامة الحد عليه ، بل الحديث مقرر قاعدة في الدماء أما تطبيقها فلولي أمر المسلمين أو من يقوم مقامه ، بدليل سيرة الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح فلم يثبت أن أحدهم قتل زانياً ثيباً أو قاتلاً لنفس بل كان ذلك يرجع لولي الأمر ، وحتى لا تعم الفوضى في المجتمع الإسلامي .
الفائدة الخامسة : الحديث ينفي الأخذ بمجرد التهمة بل لابد من اليقين الثابت ووجود الشروط وانتفاء الموانع .
الفائدة السادسة : الثلاثة المذكوره في الحديث تبيح الدم وهي : ـ
أ ـ الزنا بعد إحصان . ب ـ قتل النفس بغير حق . ج ـ الردة عن دين الله .
الفائدة السابعة : فيه بيان عظم هذه الذنوب على وجه الخصوص لأنها استثنيت من القاعدة وأبيح لأجلها الدم .
الفائدة الثامنة : الدين يأمر بالجماعة وينهى عن الفرقة ولذلك قال : " التارك لدينه المفارق للجماعة " فمن ترك دينه فقد فارق الجماعة لأن الدين هو الجماعة .
الفائدة التاسعة : حفظ النفس أحد الضروريات الخمس التي جاء الشرع بحفظها .
الفائدة العاشرة : الحديث ذكرت فيه ثلاث من الضروريات الخمس : ـ
أ ـ حفظ الأعراض " الثيب الزاني " حيث شرعت هذه العقوبه حفظاً للأعراض .
ب ـ حفظ النفس " النفس بالنفس " حيث شرعت هذه العقوبة حفظاً للأنفس .
ج ـ حفظ الدين " التارك لدينه المفارق للجماعة " حيث شرعت هذه العقوبة حفظاً للدين .
الحديث الخامس عشر
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرَاً أَو لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) رواه البخاري ومسلم.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : دليل لمذهب أهل السنة والجماعة في أن الأعمال من الإيمان ولذلك ربط بين الأعمال مع الإيمان بالله واليوم الآخر .
الفائدة الثانية : المؤمن لا يتكلم إلّا بخير أو يصمت عن لغو وباطل .
الفائدة الثالثة : فيه توجيه وإرشاد للكلام من عدمة ، فمن الإيمان أن يتكلم إن كان الكلام خيراً ومن الإيمان أن يسكت إن كان السكوت خيراً.
الفائدة الرابعة : الشريعة تحرص على كل ما فيه فائدة حتى الكلام أو السكوت .
الفائدة الخامسة : دليل على وجوب حفظ اللسان ليس عن الحرام فقط بل عن كل ما لا فائدة من ورائه .
الفائدة السادسة : الحديث يشمل حقوق الله وحقوق الناس : ـ
ـ فالكلام بالخير والصمت عن غيره من حقوق الله .
ـ وإكرام الضيف والجار من حقوق الناس .
فالإسلام يربي أهله على إعطاء الحقوق وعلى تنوعها .
الفائدة السابعة : يدل على أن قول الخير أو الصمت عن الشر وإكرام الجار والضيف من الإيمان .
الفائدة الثامنة : الإسلام يحارب البخل ولذلك كررت كلمة " فليكرم " مرتين في الحديث لأن البخل يجمع الصفات عديدة كحب الدنيا وسوء الظن بالله والشح .
الفائدة التاسعة : هذا الحديث فيه دعوة لحسن الأخلاق فإكرام الجار يكون بذلك .
الفائدة العاشرة : الإكرام يشمل صوراً عديدة منها : ـ
السلام ـ الإحسان ـ البذل ـ التقدير ـ الاحترام ـ حفظ غيبته ـ ستر عورته ـ النصح ـ عدم أذيته ـ الزيارة ـ العفو ـ المشي في حاجته ـ إدخال السرور عليه ـ القيام بواجبه ، فكلها دخلت في كلمة " إكرام " .
الفائدة الحادية عشرة : الإسلام يقوي الروابط بين أهله وأتباعه ، فرابطة أخوة الإسلام ثم القرابة والنسب ثم الجار ثم الضيافة .
وهذا ليصبح المجتمع الإسلامي ، مجتمعاً قوياً من الداخل يصعب اختراق صفوفه وشق عصاهم ، فتندحر فتنة الشيطان بالتفريق بينهم وفتنة الأعداء في الوصول لهم .
الفائدة الثانية عشرة : الإسلام يربط همة أتباعه بالجائزة العظمى وهي تحقق الإيمان ، فلم تكن الجائزة لمن قال خيراً أو أكرم جاره وضيفه ، جائزة دنيوية لأن همة المؤمن أعلى من ذلك بل الجائزة هي " الإيمان بالله واليوم الآخر " .
الفائدة الثالثة عشر : في تعليق الناس بالإيمان بالله واليوم الآخر تأصيل لمنزلة مراقبة الله في قلوبهم .
الفائدة الرابعة عشر : قول الخير أفضل من الصمت عن الشر لأن قول الخير يتعدى بنفسه ، بخلاف الصمت لا يتعدى ، ولهذا والله أعلم بدأ فيه فقال : " فليقل خيراً أو ليصمت " .
الحديث السادس عشر
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : أَوصِنِيْ، قَال : لاَ تَغْضَبْ. رواه البخاري
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : على الإنسان أن يطلب الوصية ممن يكون أهلاً لها ، ولذلك طلب الرجل الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم .
الفائدة الثانية : صيغة السؤال تدل على أهمية الحديث لأن الرجل بادر فطلب الوصية ، ثم إن لفظ الوصية بحد ذاته يتضمن نصيحة جامعة نافعة وفي لفظ الترمذي " يا رسول الله علمني شيئاً ولا تكثر علي " .
الفائدة الثالثة : ينبغي في حال النصيحة اختيار الكلمات المختصرة التي تناسب الحال ، لأن ذلك أنفع ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجل .
الفائدة الرابعة : صيغة ترديد السؤال وترديد الجواب تدل على خطورة الغضب .
الفائدة الخامسة : لفظ الحديث أطلق ولم يقيد " لا تغضب " ولم يذكر الأشياء التي لا يغضب فيها ، والذي يظهر أن هذا الإطلاق مقصود وذلك حتى يشمل جميع أمور الحياة فلا يغضب من زوجته ولا أولاده ولا تعامله ولا جيرانه ولا تجارته ولا غير ذلك .
الفائدة السادسة : في الحديث دعوة لحسن الأخلاق ، وذلك أنه لا تفسد الأخلاق بمثلما تفسد بالغضب ، قيل لابن المبارك : اجمع لنا حسن الخلق في كلمة قال : " لا تغضب " .
الفائدة السابعة : الشريعة تدعو لأن يتحكم الشخص بعاطفته فيجعلها تحت سلطان الشرع وحتى في حال الغضب الذي قد لا يملك الإنسان نفسه .
الفائدة الثامنة : يدل الحديث على أن الغضب لا يحل المشاكل ولا ييسر الأمور بل يزيد تعقيدها ، ولو كان الغضب حلاً لأوصى به صلى الله عليه وسلم .
الفائدة التاسعة : قوله " لا تغضب " تحتمل معنيين : ـ
الأول : جاهد نفسك لئلا يقع الغضب أصلاً .
الثاني : أمسك نفسك إذا وقع الغضب فلا تقع في فعل تندم عليه .
وظاهر الحديث يتوجه للمعنى الأول لأنه خطوة للثاني فإن لم يقع الغضب أصلاً فهذا أفضل .
الفائدة العاشرة:يدل الحديث على أن الغضب يمكن التخلص منه ولو كان من صفات الشخص الذاتية ، فلو لم يمكن التخلص منه لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عنه .
الحديث السابع عشر
عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ. فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَهُ) رواه مسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : دليل على رحمة الله سبحانه ولأجل ذلك كتب الإحسان على كل شيء وهذا يورث محبته سبحانه .
الفائدة الثانية : فيه سماحة الشريعة ويسرها حيث بنيت على الإحسان والإتقان .
الفائدة الثالثة : قوله " كتب " تدل على وجوب الإحسان .
الفائدة الرابعة : الإحسان فيه معنى الإتقان ، فالإحسان في الذبيحة إتقانها بحيث لا تطول فتتعذب . وكذلك الإحسان في كل شيء إتقانه بحسبه .
الفائدة الخامسة : يجب الإحسان إلى الذبيحة بحد شفرته وسرعة إنجازها .
الفائدة السادسة : من أساليب التعليم : ذكر قاعدة ثم ضرب مثال لها أو مثالين . فالقاعدة في الحديث " إن الله كتب الإحسان على كل شيء " .
والمثالان هما " إذا قتلتم فأحسنوا القتله ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحه " .
الحديث الثامن عشر
عَنْ أَبِيْ ذَرٍّ جُنْدُبِ بنِ جُنَادَةَ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذِ بِنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وفي بعض النسخ: حسنٌ صحيح.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : يجمع الحديث ثلاثة حقوق : ـ
ـ الحق الأول : حق الله في قوله " اتق الله " .
ـ الحق الثاني : حق النفس في قوله " واتبع السيئة الحسنة تمحها " .
ـ الحق الثالث : حق الناس في قوله " وخالق الناس بخلق حسن " .
الفائدة الثانية : تقوى الله ليس لها زمن تتقيد به وتقف عنده بل عند الإنسان المؤمن تجب في كل اللحظات .
الفائدة الثالثة : قوله " اتق الله حيثما كنت " تأصيل لمراقبة الله سبحانه في السر والعلن .
الفائدة الرابعة : الشريعة تحرص على أن يوجد عند الشخص رادع وزاجر من نفسه تحول بينه وبين المحرمات وهي " تقوى الله " .
الفائدة الخامسة : ظاهر الحديث أن تقوى الإنسان لا تعصمه من وجود زلات سرعان ما يتبصر فيها المتقي ويرجع إلى حالٍ أفضل من حال قبل الذنب وهذا الظاهر يؤخذ من قوله " وأتبع السيئة الحسنة تمحها " بعد قوله " اتق الله حيثما كنت " .
الفائدة السادسة : بيان رحمة الله سبحانه بعبادة ، وذلك بفتح أبواب لمحو السيئات ومنها الاستغفار ومنها فعل الحسنات كما في الحديث .
الفائدة السابعة : فيه حث على مجاهدة النفس فمن فعل سيئة فليتبعها بحسنة فإن عاد للذنب فعل الحسنة وهكذا .
الفائدة الثامنة : على الإنسان أن لا يستسلم للذنوب فمن أذنب فلايعني سقوطه وإبعاده أو أنه يرضى بما هو عليه بل يحاول التخلص ويفعل الخير ويتوب ويرجع إلى ربه وفي ذلك رفع للمعنوية وشحذ للهمة .
الفائدة التاسعة : فضل فعل الحسنات والصالحات أنه يرفع الدرجات ويكفر السيئات .
الفائدة العاشرة : يربي الحديث في المسلم الخوف والرجاء ، فتقوى الله تربي في المسلم الخوف ، وفتح باب التوبة . وتكفير السيئات يربي في المسلم الرجاء وهما منزلتان عظيمتان من منازل أعمال القلوب .
الفائدة الحادية عشرة : يسعى الإسلام لتربية أهله على زوال العداوات بينهم وهو المقصود من قوله " وخالق الناس بخلق حسن " .
الفائدة الثانية عشرة : تقوى الله تشمل القيام بحقوق الله وحقوق الناس ولذلك قال في الحديث " وخالق الناس بخلق حسن " قال ابن رجب رحمه الله : " وإنما أفرده بالذكر للحاجة إلى بيانه فإن كثيراً من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحقوق الله دون حقوق عباده فنص له الأمر بحسن العشرة للناس " .
الفائدة الثالثة عشر : يربي في النفس المبادرة في الفعل وألّا يكون الشخص تبعاً لغيره ، ولذلك أمره أن يبادر في فعل الحسنة وأن يبادر في معاملة الناس بخلق حسن .
الفائدة الرابعة عشر : الأخلاق الحسنة في الشريعة تبذل مطلقاً سواءً أحسن الناس إليك أو أساءوا ولذلك لم يقيدها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها لا تبذل إلّا لمن أحسن إليك بل جعلها عامة فقال : " وخالق الناس " أي جميعاً من أحسن ومن أساء .
الفائدة الخامسة عشر : بدلالة الحديث فإن أهل الإسلام أولى بالأخلاق الحسنة من غيرهم من الأمم ، وأهل السنة والجماعة على وجه الخصوص أولى من غيرهم من الطوائف .
الحديث التاسع عشر
عَنْ أَبِي عَبَّاسٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم يَومَاً فَقَالَ: (يَا غُلاَمُ إِنّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللهَ يَحفَظك، احْفَظِ اللهَ تَجِدهُ تُجَاهَكَ، إِذَاَ سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَاَ اسْتَعَنتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ، وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَك، وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضروك إلا بشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفعَت الأَقْلامُ، وَجَفّتِ الصُّحُفُ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح - وفي رواية - غير الترمذي: ( اِحفظِ اللهَ تَجٍدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْكَ في الشّدةِ، وَاعْلَم أن مَا أَخطأكَ لَمْ يَكُن لِيُصيبكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُن لِيُخطِئكَ، وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً)
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : فيه حث على التواضع لإردافه صلى الله عليه وسلم خلفه ولم يستأثر بالدابة دون غيره .
الفائدة الثانية : فيه دلالة على اللين والملاطفة لاختيار ابن عباس الشاب الصغير رضي الله عنهما ، بل ومحادثته في الطريق وتوصيته ، وصدق الله إذ وصفه بقوله : {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } (159) سورة آل عمران
الفائدة الثالثة : الاهتمام بتربية الصغار وهذا واضح من ظاهر الحديث .
الفائدة الرابعة : اختيار الجمل القصيرة في حال تعليم الصغار ليكون أسهل في الحفظ .
الفائدة الخامسة : بذل العلم للكبير والصغير لكن على قدر ما ينتفع به المتلقي ، ولا يأنف الإنسان الذي آتاه الله علماً من تعليمه للصغار أو من هو دوناً منه .
الفائدة السادسة : ينبغي أن يذكر مقدمة مناسبة قبل التعليم تشوق المستمع لما يقال ، كما فعل صلى الله عليه وسلم في رواية هذا الحديث حيث قال " أعلمك كلمات ينفعك الله بهن " ، لأن ابن عباس رضي الله عنهما إذا سمع ذلك شحذ همته ليحفظهن ويعمل بهن .
الفائدة السابعة : استغلال الوقت بما يفيد ففي حال ركوب ابن عباس رضي الله عنهما خلف النبي صلى الله عليه وسلم حرص صلى الله عليه وسلم أن يقطع الوقت بما يفيد من تعليم أو تذكير .
الفائدة الثامنة : فيه الاهتمام بأمر العقيدة ، فهذه الكلمات جميعها من أمور العقيدة .
الفائدة التاسعة : الجزاء من جنس العمل ، فمن حفظ الله حفظه الله ، ومن استعان بالله أعانه سبحانه .
الفائدة العاشرة : من تعلم هذه الكلمات انتفع بإذن الله لقوله صلى الله عليه وسلم " أعلمك كلمات ينفعك الله بهن " فهذا يعطي أهمية للحديث .
الفائدة الحادية عشرة : يربي الحديث الاعتماد على الله سبحانه والتعلق به ورجاءه دون غيره .
الفائدة الثانية عشرة : يقرر الحديث الأعمال القلبية من التوكل والاستعانة والتعلق والخوف والرجاء لأنها حياة الإنسان وأصل العقيدة .
الفائدة الثالثة عشر : من أراد حفظ الله من المكروهات والشرور والضرر فإضافة للأسباب المادية على الإنسان أن يحفظ أوامر الله .
الفائدة الرابعة عشر : من يحفظ أوامر الله يحصل على ثمرتين عظيمتين : ـ
الثمرة الأولى : يحفظه الله من كل مكروه لقوله في جواب الشرط " يحفظك " .
الثمرة الثانية : يعينه الله في أموره المستقبليه ويجلب له الخير لقوله " احفظ الله تجده تجاهك " .
الفائدة الخامسة عشر : فيه تفسير لمعية الله الخاصة لعبادة المؤمنين كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ، وهذه المعية الخاصة في قوله " تجاهك " " أمامك " " يحفظك " " يعرفك في الشدة " .
الفائدة السادسة عشر : صلاح الدنيا والآخرة للشخص على قدر حفظه لحدود الله ، ولذلك قال في الحديث " احفظ الله يحفظك " وأطلق ولم يقيد الحفظ في المال أو الولد أو الصحة أو الدين ، وهذا الإطلاق حتى يشمل جميع ذلك .
الفائدة السابعة عشر : إثبات اسم الله " الشكور " حيث أن من معانيه أنه يشكر العبد على أعماله فيعينه عليها أولاً ثم يتقبلها منه ثانياً ثم يجزيه عليها في الدنيا والآخرة فمن جزائه في الدنيا أنه يحفظ العبد وييسره له كل عسير وهذا من شكره سبحانه وتعالى لعبده .
الفائدة الثامنة عشر : التوجه والسؤال والحاجة لا تنزل إلّا بالله وحده ، فهو الذي يعطي ويمنع " إذا سألت فاسأل الله " .
الفائدة التاسعة عشر : قوله " إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله " مرادف لقوله " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }(5) سورة الفاتحة فإن السؤال عبادة لله .
الفائدة العشرون : جاء النص على السؤال دون غيره " إذا سألت فاسأل الله " لأن السؤال يجمع مقامات عالية منها : ـ
الذل والافتقار والتوجه والمسكنة والخروج من الحول والقوة وإنزال الفاقة بالمسؤول وإحسان الظن به ، واتهام النفس بالقصور ، ومعرفة قدرها وأنها لا تملك ضراً ولا نفعاً .
الفائدة الحادية والعشرون : من إحسان الله سبحانه أنه ييسر العبادة للشخص ثم يعينه عليها ثم يجازيه بها والشخص لا حول له ولا قوة إلّا بإعانة المولى سبحانه فله الفضل اولا وأخرا .
الفائدة الثانية والعشرون : يدل الحديث على أن الشخص ضعيف لا يملك لنفسه حولاً ولا قوة ، حتى إعانته نفسه على ما يريد لا يقدر عليه إلّا بإعانة المولى سبحانه .
الفائدة الثالثة والعشرون : من أهداف الحديث تقرير مسألتين عظيمتين : ـ
الأولى : فقر الإنسان لربه ، وأنه لا غنى له عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك وقطع الرجاء بالمخلوقين .
الثانية : غنى الله عن جميع المخلوقين وكماله بذاته سبحانه .
الفائدة الرابعة والعشرون : الكلمات التي تعلمها ابن عباس رضي الله عنهما تربي القوة والشجاعة في النفس ، فمن نزّل مسألته بالله دون غيره واستعان به وحده ، وعلم أن ما أصابه لا يخطؤه وما أخطأه لا يصيبه أصبح قوياً في حجته ودعوته وسائر حياته .
الفائدة الخامسة والعشرون : المؤمن الصادق يعبد الله في كل أحيانه ، الرخاء والشدة ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما فقال " تعرّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة " ، وليس كحال المشركين الذي قال الله عنهم {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } (65) سورة العنكبوت.
الفائدة السادسة والعشرون : الاستعانة من أعمال القلوب التي يجب صرفها لله ، ومن صرفها لغير الله فقد أشرك وخذل لأن من استعان بغير الله وكله الله إليه فلا يستطيع نفعه ، بل يضره لفوات إعانة الله عنه ولذلك قال " وإذا استعنت فاستعن بالله " .
الفائدة السابعة والعشرون : يؤصل الحديث الإيمان بالقضاء والقدر ، وهذا الركن السادس من أركان الإيمان .
الفائدة الثامنة والعشرون : قوله " إلّا بشئ كتبه الله لك " وقوله " إلّا بشئ كتبه الله عليك " لا يعارض العمل ولا يدل على ترك العمل ، بدليل أول الحديث " إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله " فسؤال الله والاستعانة به هي من عمل الشخص يجازيه الله بها .
الفائدة التاسعة والعشرون : الحديث يشمل أعمال الجوارح وأعمال القلوب ، فالسؤال والدعاء من أعمال الجوارح ، والاستعانة من أعمال القلوب ، وكلا الأمرين من أركان الإيمان .
الفائدة الثلاثون : يقرر الحديث الرضا بأقدار الله ، وهي منزلة أعلى من منزلة الصبر .
الفائدة الحادية والثلاثون : يقرر الحديث اليقين بالله سبحانه وأفعاله .
الفائدة الثانية والثلاثون : تقرير لمذهب أهل السنة والجماعة أن مشيئة الله هي النافذه ، وترجع مشيئة العبد إليها .
الفائدة الثالثة والثلاثون : يربي عظمة الله سبحانه في قلوب المؤمنين ، فمن تأمل قدرته الباهرة ، ومشيئته النافذه وأن ماشاء كان وما لم يشاء لم يكن عرف ذلك .
الفائدة الرابعة والثلاثون : النصرمع الصبر ، وهذا في جميع الأمور فمن صبر وصابر على مجاهدة نفسه وجهاد العدو وعبادة ربه وعلى حياته انتصر بإذن الله .
الفائدة الخامسة والثلاثون : الاستعجال والجزع لا يأتي بالنصر ، وهذا من مفهوم الحديث لأنه علق النصر بالصبر .
الفائدة السادسة والثلاثون : إذا اشتد الأمر وزاد الكرب ، وانغلقت جميع الأبواب ، كان هذا بإذن الله دليل على الفرج لقوله " وأن الفرج مع الكرب " .
الفائدة السابعة والثلاثون : الحديث يربي في النفوس عدم اليأس من روح الله ، وفرجه ، وحسن الظن به حتى لو اشتد الأمر لأن الفرج لا يأتي إلّا بعد الكرب .
الفائدة الثامنة والثلاثون : قوله " واعلم أن الفرج مع الكرب " عام في جميع شؤون الحياة ، ففيه بشارة لمن أصابه هم وغم وتراكمت عليه الأحزان أن فرج الله قريب .
الفائدة التاسعة والثلاثون : قال ابن رجب رحمه الله : " ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب واليسر بالعسر أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين وتعلق قلبه بالله وحده وهذا هو حقيقة التوكل " أ.هـ .
الفائدة الأربعون : يدل ظاهر الحديث على أن حال الدنيا يدور بين عسر يتبعه يسر ، وكرب يتبعه فرج حيث خلق الله الدنيا على نكد وعدم صفو ، فمن عرف حالها لم يطمئن لها .
الحديث العشرون
عَنْ أَبيْ مَسْعُوْدٍ عُقبَة بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ البَدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ مِمَّا أَدرَكَ النَاسُ مِن كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذا لَم تَستَحْيِ فاصْنَعْ مَا شِئتَ) رواه البخاري.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : مما يدل على أهمية الحديث قوله " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى " حيث يستفاد فائدتان : ـ
الأولى : أنه من كلام الأنبياء المتقدمين .
الثاني : تواتره على الناس وانتقاله من جيل إلى جيل إلى أن وصل لهذه الأمة، والناس لا يتناقلون عبر هذه الأجيال الطويلة إلّا شيئاً مهماً .
الفائدة الثانية : يرشد الحديث لضبط سلوك الإنسان وتصرفاته .
الفائدة الثالثة : يربي في النفس المسلمة خلق الحياء ، فيكون الحياء رادعاً له عن كثير من التصرفات القبيحة .
الفائدة الرابعة : الحث على الحياء والتحذير من ذهابه موروث حتى عند الأمم الماضية .
الفائدة الخامسة : من لم يكن عنده حياء يتحلى به جاهر بالقبائح والفضائح .
الفائدة السادسة : لا يسمى حياءً إذا تعارض مع أمر من أمور الشريعة ، لأن الذي حث على الحياء هو الذي أمر بذلك الأمر فلا يتعارضان .
الحديث الحادي والعشرون
عَنِ أَبيْ عَمْرٍو، وَقِيْلَ،أَبيْ عمْرَةَ سُفْيَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُوْلَ اللهِ قُلْ لِيْ فِي الإِسْلامِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدَاً غَيْرَكَ؟ قَالَ: "قُلْ آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ استَقِمْ"
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : أهمية الحديث تتجلى من خلال صيغة السؤال " لا أسأل عنه أحداً غيرك " فهذا يدل على أن الجواب سيكون جامعاً مانعاً .
الفائدة الثانية : يدل على الحرص على طلب العلم وهذا ظاهر من صيغة السؤال ، فهي تدل على حب وشغف لمعرفة الجواب .
الفائدة الثالثة : ينبغي لطالب العلم أن يحرص على السؤال المختصر الهام الذي يجمع فوائد عدة ، وهذا ما فعله سفيان بن عبد الله رضي الله عنه في سؤاله حيث كان مختصراً هاماً ، إجابته تجمع فوائد عديدة .
الفائدة الرابعة : السؤال مفتاح العلم ، فعلى طالب العلم ألّا يستحي من سؤاله .
الفائدة الخامسة : طالب العلم يجب أن يكون ذكياً في اختيار سؤاله ، خاصة إن كانت فرصة الجواب لا تتهيأ في كل الأحيان ، ولذلك فإن سؤال سفيان رضي الله عنه من هذا النوع الذكي الذي يختلف عن أسئلة الناس .
الفائدة السادسة : قوله " آمنت بالله ثم استقم " مرادف لقوله تعالى{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (13) سورة الأحقاف .
الفائدة السابعة : جمع في الحديث أركان الإيمان عند أهل السنة والجماعة وهي : ـ
قول اللسان : لقوله " قل آمنت بالله " .
اعتقاد الجنان : لقوله " آمنت بالله " .
عمل الجوارح : لقوله " استقم " .
الفائدة الثامنة : الإيمان قول يصدقه عمل ، فلم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " قل آمنت بالله " حتى أردف بها وصيته لسفيان رضي الله عنه بقوله " ثم استقم " فيصدق قوله بالإيمان بفعل وعمل ظاهر .
الفائدة التاسعة : قوله " استقم " تحمل في مضمونها المجاهدة ، فلا تأتي الاستقامة على دين الله إلّا بعد مكابدة وصبر ومصابره .
الفائدة العاشرة : يجب على الإنسان أن يستقيم على دين الله من غير اعوجاج ولا انحراف ، ويشمل ذلك فعل الطاعات وترك المنهيات .
الفائدة الحادية عشرة : الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم .
الفائدة الثانية عشرة : جمع الحديث الدين كله ، لأن الاستقامة هي فعل الطاعات كلها من واجبات ومستحبات ، وترك المنهيات كلها من محرمات ومكروهات وهذا هو الدين الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم .
الفائدة الثالثة عشر : الإستقامة قرنت في القرآن مع الاستغفار في قوله : {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ{ (6) سورة فصلت . وهذا دليل على أن الاستقامة الحقيقية الكاملة لا يستطيعها كل أحد " فلا بد من تقصير فيجبر ذلك الاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الإستقامة " .
الفائدة الرابعة عشر : لا يقر الحديث مجرد الإقرار بالإيمان والانتساب إلى منهج أهل السنة ما لم يكن معه استقامة تصدقه وتحفظه وترشده ، استقامة في القلب والجوارح ، فإن لم تكن استقامة فمجرد الانتساب لا يكفي ، كما أوضحه صلى الله عليه وسلم لسفيان رضي الله عنه .
الحديث الثاني والعشرون
عَنْ أَبيْ عَبْدِ اللهِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَرَأَيتَ إِذا صَلَّيْتُ المَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضانَ، وَأَحلَلتُ الحَلاَلَ، وَحَرَّمْتُ الحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلى ذَلِكَ شَيئاً أَدخُلُ الجَنَّة ؟ قَالَ: نَعَمْ"رواه مسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : تفاوت الناس في الإيمان ، فمنهم من يحرص على المقامات العليا ، ومنهم من يكون أقل ، فأحياناً يسأل السائل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال ؟ وأحياناً بما دون ذلك ، وهذا يؤكد مذهب أهل السنة والجماعة في أن الإيمان يزيد وينقص وأهله يتفاضلون فيه .
الفائدة الثانية : طالب العلم ينبغي أن ينتبه للأسئلة التي تعرض على الشيخ ويحضر لها ذهنه وقلبه ولو كانت من غيره ، فلابد أن يجد فيها فائدة .
الفائدة الثالثة : يجوز الاقتصار على الفرائض من المكتوبات ورمضان والزكاة وغيرها ، لكن المقام العالي أن يجمع الشخص النوافل .
الفائدة الرابعة : فيه فضيلة الفرائض لدرجة أن من اقتصر عليها وداوم تدخله الجنة بفضل الله ورحمته .
الفائدة الخامسة : على العالم أن يراعي حال الناس ، فلا يلزم الناس بحالة واحدة ويهمل الفوارق بينهم بل عليه أن يوجه ويرشد على حسب حال السائل ، ولذلك السائل في حديث الباب لم يوبخه النبي صلى الله عليه وسلم ويلزمه النوافل بل رضي منه الفرائض لأنها تناسب حاله ، وفي بعض الروايات أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يخفى مراعاة حال الأعراب .
الفائدة السادسة : من الفقه ألا يقنط العالم الناس من رحمة ربه سبحانه وتعالى .
الفائدة السابعة : تيسير الشريعة الإسلامية على أهلها فلم تشدد عليهم ولم تطالبهم بالتنطع والانقطاع والرهبانية بل رضيت منهم الحرص على الفرائض وفعل الحلال وترك الحرام .
الفائدة الثامنة : الحديث دليل لمذهب أهل السنة والجماعة على أن الأعمال من الإيمان .
الفائدة التاسعة : قول السائل " ولم أزد على ذلك شيء " معناه لم أفعل النوافل بل أكتفي من الصلاة بالمكتوبه ومن الصيام برمضان وهكذا ، وليس المراد أني لا أعمل بشيء من الشريعة غير الصلاة والصيام بدليل قوله " وأحللت الحلال وحرمت الحرام " .
الفائدة العاشرة : التحليل والتحريم لله سبحانه فقط لأنه الحكم سبحانه له الحكم وهو أحكم الحاكمين .
الفائدة الحادية عشرة : دل الحديث على أن تحليل الحلال باعتقاد حله سواءً فعله أو لم يفعله ، وتحريم الحرام باعتقاد حرمته واجتنابه وتركه .
الحديث الثالث والعشرون
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الحَارِثِ بنِ عَاصِم الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: )الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيْمَانِ، والحَمْدُ للهِ تَمْلأُ الميزانَ، وسُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ - أَو تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَو عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا (رواه مسلم.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : فيه فضيلة الوضوء وأهميته لأنه المراد بقوله " الطهور " لروايات الحديث الآخرى .
الفائدة الثانية : دليل لمذهب أهل السنة أن الأعمال من الإيمان حيث اعتبر الوضوء شطر الإيمان .
الفائدة الثالثة : التطهر بمعناه العام من الإيمان ، فيدخل فيه الوضوء والغسل والطهارة من الذنوب سواءً بحديث الباب أو غيره من الأحاديث .
الفائدة الرابعة : لا يحافظ على الوضوء إلّا مؤمن مراقب لربه ، محتسب لصلاته ، حريص على العناية بها ، ولهذا كان الطهور شطر الإيمان ، أما من تهاون به فاته فضل الإسباغ ، وكان دليلاً على قدر الصلاة في قلبه .
الفائدة الخامسة : فيه فضل التحميد لله وأنه يملأ ميزان العبد يوم القيامة .
الفائدة السادسة : لرفع همة المؤمن ينبغي أن يعلق قلبه بالآخرة وثقل الميزان والجنة لأنها أمور معتبرة لديه ولذلك نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن التحميد يملأ ميزان العبد .
الفائدة السابعة : التحميد أفضل من التسبيح لأن التحميد إثبات المحامد كلها لله سبحانه ، بخلاف التسبيح فهو تنزيه الله عن النقائص والعيوب ولهذا يأتي التحيمد مفرداً بينما التسبيح الغالب أن يأتي مقروناً بغيره كالتحميد فتقول : " سبحان والله وبحمده " ولا يعني هذا نقص التسبيح لكن يعني كمال التحميد .
الفائدة الثامنة : الحمد فيه اعتراف بفضل الله سبحانه ومدح له ، ويتضمن نقص النفس لأنها لا تملك شيئاً تحمد فيه وتمدح لأجله .
الفائدة التاسعة : فيه فضل التسبيح وأنه يملأ ما بين السماء والأرض .
الفائدة العاشرة : فيه فضيلة الصلاة وأنها نور لصاحبها في الدنيا والآخرة .
الفائدة الحادية عشرة : قوله " الصلاة نور " دليل على أنه على قدر صلاته وإتمامها وخشوعها تكون قوة ذلك النور ، نسأل الله أن يتم نورنا ، فمن تم نور صلاته نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر وكانت حجابه عن النار ، ونور الله بصيرته ، ومن نقص نور صلاته نقص منه بقدر ذلك .
الفائدة الثانية عشرة : فيه فضيلة الصدقه وأنها علامة من علامات الإيمان .
الفائدة الثالثة عشر : النفس تحب المال بطبعها فمن خالف هوى نفسه وأنفق وتصدق كان ذلك برهانُ على إيمانه ولذلك قال " والصدقة برهان " .
الفائدة الرابعة عشر : فيه فضيلة الصبر وأنه ضياء للمسلم .
الفائدة الخامسة عشر : قوله " والصبر ضياء " يدل على أن الصبر لابد فيه من الحرارة وإكراه النفس لأن الضياء نور فيه حرارة بخلاف النور فهو مجرد الإشراق .
الفائدة السادسة عشر : الصبر بأنواعه الثلاثة فيه حبس للنفس ومشقة سواءً :
ـ الصبر على طاعة الله .
ـ الصبر على معصية الله .
ـ الصبر على أقدار الله
الفائدة السابعة عشر : الصبر على ما فيه من المشقة والشدة إلّا أن عاقبته نور وفرج وهذا مدلول قوله " ضياء " ففيه بشارة للصابر .
الفائدة الثامنة عشر : في بعض نسخ صحيح مسلم " والصيام ضياء " وهذا يدل على ما يأتي : ـ
الأول : المشقه التي تحدث في الصيام من حرارة في الجوف والجوع والعطش
الثاني : فضل الصيام وأنه ضياء للإنسان عند الله سبحانه وتعالى .
الفائدة التاسعة عشر : عظم شأن القرآن حيث جعله أحد مظلتين لا ثالث لهما وهما " حجة لك أو عليك " ، فمن قرأه وأقام حدوده كان حجة له وإلّا كان حجةعليه لوضوحه وبيانه وسلامته من اللبس والزلل .
الفائدة العشرون : الناس في الدنيا يسعون ويعملون إما لفكاك رقابهم من النار أو لإهلاكها .
الفائدة الحادية والعشرون : فضل من باع نفسه لله سبحانه واشترى جنة عرضها السماوات والأرض ، فهذا الذي أعتق نفسه .
الفائدة الثانية والعشرون : خسارة من ضيع أوامر الله وانتهك حرماته ، فهذا الذي أوبق نفسه وأهلكها .
الفائدة الثالثة والعشرون : فيه حث على العمل والعبادة لله سبحانه وتعالى والحرص على اعتاق النفس من النار في قوله " فبائع نفسه فمعتقها " أما مجرد الكسل والتواني والعجز والأماني فلا يأتي بخير .
الفائدة الرابعة والعشرون : الحديث دليل على أن الشخص له إرادة واختيار ، بها يختار اعتاق النفس من النار أو يرضى بإهلاكها .
الفائدة الخامسة والعشرون : الحديث دليل على أن الأعمال تنسب للفاعل ، فهو الذي يعتق نفسه ، وهو الذي يهلك نفسه وهذا مذهب أهل السنة والجماعة .
الفائدة السادسة والعشرون : هناك مناسبة ظاهرة بين نهاية الحديث مع أوله فبعد أن ذكر جملة من الأعمال من الطهور والتحميد والتسبيح والصلاة والصدقة والصبر والقرآن ذكر أن من عمل هذه الأعمال أعتق نفسه ومن تركها وتهاون أهلك نفسه .
الفائدة السابعة والعشرون : قوله " فبائع نفسه فمعتقها " يؤيد الحديث الآخر " وأصدقها ـ يعني الأسماء ـ حارث وهمام " فلابد للإنسان من حرث وعمل وهم وإرادة بها يتحرك ، ثم بعد ذلك قد يكون حرثه وعمله في اعتاق نفسه ، وقد يكون في إهلاكها أما أن يوجد شخص بدون عمل ولا إرادة فلا يكون .
الحديث الرابع والعشرون
عَنْ أَبي ذرٍّ الغِفَارْي رضي الله عنه عَن النبي صلى الله عليه وسلم فيمَا يَرْويه عَنْ رَبِّهِ عزَّ وجل أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِيْ إِنِّيْ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِيْ وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمَاً فَلا تَظَالَمُوْا، يَا عِبَادِيْ كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُوْنِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِيْ كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فاَسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِيْ كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُوْنِيْ أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِيْ إِنَّكُمْ تُخْطِئُوْنَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوْبَ جَمِيْعَاً فَاسْتَغْفِرُوْنِيْ أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِيْ إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوْا ضَرِّيْ فَتَضُرُّوْنِيْ وَلَنْ تَبْلُغُوْا نَفْعِيْ فَتَنْفَعُوْنِيْ، يَا عِبَادِيْ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوْا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فَيْ مُلْكِيْ شَيْئَاً. يَا عِبَادِيْ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوْا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِيْ شَيْئَاً، يَا عِبَادِيْ لَوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوْا فِيْ صَعِيْدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوْنِيْ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِيْ إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إَذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِيْ إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيْهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيْكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرَاً فَليَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) رواه مسلم.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : يربي في نفس المسلم رحمة الله سبحانه وتعالى وهذا ظاهر في جميع ألفاظ الحديث .
الفائدة الثانية : يورث الحياء من الله سبحانه ، فمع غناه الكامل وعظمته إلّا أنه ينادي عباده بنداء لطيف لدعائه وعبادته واستغفاره .
الفائدة الثالثة : يزيد من محبته سبحانه في القلوب المؤمنة فمن لم يزد محبة لله بعد هذا الحديث فليتهم قلبه لأن جميع ألفاظ الحديث ومعانيه تزكي المحبة في القلب وتحركها .
الفائدة الرابعة : يتوجه النداء في قوله " ياعبادي " إلى جميع البشر مؤمنهم وكافرهم ، إنسهم وجنهم ، فكلهم عباد لله عبوديه عامة .
الفائدة الخامسة : الله يحب المدح ولذلك مدح نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، وحتى الصفات المنفية عن الله كالنوم والسنة والموت تتضمن مدحاً فلا ينام سبحانه لكماله ولا يموت لقيوميته وحياته سبحانه ، وهذا الحديث كله مدح لله فهو أهل للمدح .
الفائدة السادسة : يربي في النفس المؤمنة الافتقار إلى الله والتذلل له والمسكنة وتمام الحاجة إليه .
الفائدة السابعة : يدل على غنى الله سبحانه عن جميع خلقه ، فهو غني بذاته .
الفائدة الثامنة : مذهب أهل السنة والجماعة أن الله حرم الظلم على نفسه سبحانه مع قدرته عليه ، ولكنه حرمه فضلاً منه وجوداً وكرماً ، فهو قادر عليه سبحانه إذ لو لم يكن قادراً لم يكن في تحريمه الظلم على نفسه مدحاً ، إذا كيف يمدح نفسه بشيء لا يقدر عليه ؟! .
الفائدة التاسعة : يدل الحديث على تحريم الظلم بجميع صوره وأشكاله بين الناس ، وصيغة الحديث تدل على الترهيب منه حيث جعله الله على نفسه محرماً ثم حرمه على الناس ، فما جزاء من تعدى بعد ذلك وظلم ؟! .
الفائدة العاشرة : من الظلم الذي حرمه الله الشرك به ودعاء غيره والالتجاء إلى أحد سواه ، وانتهاك حرماته والتعدي على حدوده .
الفائدة الحادية عشرة : يدل الحديث على أن الهداية بيد الله يعطيها من يشاء بفضله ، ويمنعها من يشاء بعدله ، ولذلك قال " فاستهدوني " فتطلب من عنده .
الفائدة الثانية عشرة : دل الحديث على أن الإنسان لولا إعانة الله لضل السبيل ولا يملك دلالة لنفسه وإرشاداً لها " يا عبادي كلكم ضال " .
الفائدة الثالثة عشر : قوله " كلكم ضال إلّا من هديته " فيه بيان لفضل الرسل لأن الله هدى بهم الناس وأخرجهم من الظلمات إلى النور يبلغون دين الله وهداه ونوره .
الفائدة الرابعة عشر : يدل الحديث على حاجة الإنسان إلى الهداية في كل لحظات حياته ، قال ابن تيمية رحمه الله : " والذنوب من لوازم النفس وهو محتاج إلى الهداية كل لحظة ، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب " أ. هـ .
وقال رحمه الله أيضاً موضحاً ذلك " ولهذا أمرنا الله أن نستهديه فقال " فاستهدوني " وأما السؤال من يقول فقد هداهم للإيمان فلا حاجة لهم إلى الهدى وجواب من يجيب بأن المطلوب دوام الهداية فكلام من لا يعرف حال الإنسان وما أمر به فإن الصراط المستقيم حقيقته : أن تفعل كل وقت ما أمرت به في ذلك الوقت من علم وعمل ولا تفعل ما نهيت عنه وعلى أن يحصل له إرادة جازمة لفعل المأمور وكراهة جازمة لترك المحظور ، وهذا العلم المفصل والإرادة المفصلة لا يتصور أن يحصل للعبد في وقت واحد ، بل كل وقت يحتاج أن يجعل الله في قلبه من العلوم والإرادات ما يهوى به في ذلك الوقت" أ .هـ .
الفائدة الخامسة عشر : الله في الحديث أمر بالدعاء ووعد بالإجابة فقال " فاستهدوني أهدكم " وقال " فاستطعموني أطعمكم " وقال " فاستكسوني أكسكم " وهذا يربي في الأنفس اليقين بوعد الله سبحانه .
الفائدة السادسة عشر : الطعام والرزق على وجه العموم كله من عند الله سبحانه ، لا يملك أحد منه شيء ، وهذا يوجب اليقين بما قسم الله ، والرضاء به ، وسؤال الله الرزق .
الفائدة السابعة عشر : في قوله " كلكم جائع إلّا من أطعمته " بيان لقمة فقر الإنسان وحاجته ، وحوله وقوته من دون الله سبحانه حيث لا يملك أن يطعم نفسه فضلاً أن يهديها وهذا ظاهر، كذلك في قوله " كلكم عار إلّا من كسوته " حيث لا يملك الإنسان أن يكسي عريه ، فسبحان الغني .
الفائدة الثامنة عشر : فيه بيان لمنة الله على جميع خلقه وتفضله عليهم في الأكل والشرب واللباس والهداية ولا حدود لذلك فله الحمد .
الفائدة التاسعة عشر : يربي التفكر في حياة الإنسان نفسه ، في طعامه وشرابه ولباسه ، فمن تفكر فيها وكيف أتته ؟ ومن ساقها إليها ؟ قاده ذلك إلى شكرها والاعتراف بفضل المنعم بها .
الفائدة العشرون : سبحان من علم خطايا الإنسان كلها وأحصاها لا يغيب عليه شيئ منها ، ولا تخفى عليه خافيه " يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار " .
الفائدة الحادية والعشرون : قوله " تخطئون بالليل والنهار " يربي مراقبة الله في قلب المسلم حيث علم الله ذنوبه وعدها ، ومن راقب الله نهى النفس عن الهوى .
الفائدة الثانية والعشرون : فيه عظم حلم الله سبحانه حيث تأتيه المعاصي والذنوب والخطايا من الخلق بالليل والنهار ومع ذلك لم يعاجلهم بعقوبة .
الفائدة الثالثة والعشرون : قوله " وأنا أغفر الذنوب جميعاً " يزيد من منزلة الرجاء عند المؤمن .
الفائدة الرابعة والعشرون : الحديث يدل على عظمته سبحانه المطلقة ، وهذا ظاهر في قوله "لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" .
الفائدة الخامسة والعشرون : الله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره إذا استغفر صاحبه ولو كان الشرك لقوله " وأنا أغفر الذنوب جميعا " .
الفائدة السادسة والعشرون : فيه تربية للناس على الاستغفار والإكثار منه ومداومته لفرط الحاجة إليه لقوله " فاستغفروني أغفر لكم " .
الفائدة السابعة والعشرون : دل على أن العبد محتاج إلى الله سبحانه في أمور الدنيا من سد جوع وعطش ولباس ، ومحتاج إليه في أمور الآخرة من هداية ومغفرة ذنوب .
الفائدة الثامنة والعشرون : الطاعات لا تنفع إلا أصحابها ، ولا تضر إلا إياهم ، أما الله فلا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين " يا عبادي لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني " .
الفائدة التاسعة والعشرون : كرمه سبحانه وتعالى في رزق الخلق جميعاً وجلب المنافع ودفع المضار مع أن منهم الكافر والعاصي والطائع الذي قصر في طاعته .
الفائدة الثلاثون : قوله " قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي شيئاً مرادف لقوله {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } (21) سورة الحجر
الفائدة الحادية والثلاثون : الثواب والعقاب يكون على الأعمال ويتجاوز الله عن السيئات ويعفو عمن يشاء ، ويدخل الجنة من يشاء بفضله .
الفائدة الثانية والثلاثون : على الإنسان أن يرجع سبب ما يصيبه من خير إلى الله سبحانه ، وما يصيبه من شر إلى نفسه ويتهمها في ذلك كما قال " {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِك َ} (79) سورة النساء وقد قال في حديث الباب " إنما هي أعمالكم " .
الفائدة الثالثة والثلاثون : في قوله " فاستهدوني أهدكم " مع قوله " إنما هي أعمالكم " تأصيل لمذهب أهل السنة والجماعة في باب القدر أن الهداية بيد الله يؤتيها الله من يشاء ، والعبد له قدره واختيار وعمله ينسب له .
الفائدة الرابعة والثلاثون : في الحديث أن الله سبحانه يحصي جميع الأعمال لقوله " أحصيها لكم " فنسأل الله أن يتجاوز عنا .
الفائدة الخامسة والثلاثون : جمع الحديث أعمال القلوب الثلاثة : ـ
الأولى : المحبة وهذا في جميع ألفاظ الحديث فإنها تزيد من محبة الله .
الثانية : الرجاء وهذا في قوله " وأنا أغفر الذنوب جميعا " .
الثالث : الخوف وهذا في قوله " إنما هي أعمالكم أحصيها لكم " .
الفائدة السادسة والثلاثون : دخول الجنة يكون بفضل الله ورحمته وليس بمجرد الأعمال ، ولهذا قال في الحديث " فمن وجد خيراً فليحمد لله " أي يحمده لأن الخير بفضل الله لا بمجرد العمل .
الفائدة السابعة والثلاثون : يربي في قلب المسلم محاسبة نفسه وأعماله .
الفائدة الثامنة والثلاثون : يدل على أن الجن مكلفون بعبادة الله سبحانه كالأنس وسيحاسبهم الله سبحانه .
الفائدة التاسعة والثلاثون : يجمع الحديث عدداً كبيراً من أعمال القلوب ويزيدها مثل : التوكل والاستعانة والمحاسبة والصدق والإخلاص والتعلق والخوف والمحبة والرجاء... وغيرذلك كلها اهتم بها الحديث لأنها من الإيمان .
الفائدة الأربعون : أرزاق البشر جميعاً والدنيا والأموال وكل ما في الكون لا ينقص مما عند الله شيء ، فسبحان من لا تغيضه نفقة ولا ينقص ما عنده ، لقوله " ما نقص مما عندي شيئا " .
الفائدة الحادية والأربعون : التقوى والفجور محلها القلب ولذلك قال " على أتقى قلب رجل واحد منكم " وقال " على أفجر قلب رجل واحد منكم " فعلى الإنسان أن يهتم بقلبه ويراعي حاله وتقواه ويزيل أمراضه .
الحديث الخامس والعشرون
عَنْ أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه أَيضَاً أَنَّ أُنَاسَاً مِنْ أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالوا للنَّبي صلى الله عليه وسلم يَارَسُولَ الله: ذَهَبَ أَهلُ الدثورِ بِالأُجورِ، يُصَلُّوْنَ كَمَا نُصَلِّيْ، وَيَصُوْمُوْنَ كَمَا نَصُوْمُ، وَيَتَصَدَّقُوْنَ بفُضُوْلِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: (أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُوْنَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيْحَةٍ صَدَقَة وَكُلِّ تَكْبِيْرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحْمَيْدَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَهْلِيْلَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بالِمَعْرُوْفٍ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَفِيْ بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَيَأْتِيْ أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُوْنُ لَهُ فِيْهَا أَجْرٌ؟ قَالَ:أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فَيْ حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فَي الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
الفوائد التربوية:
الفائدة الأولى : فيه التسابق في فعل الخيرات والتنافس فيها لا في أمور الدنيا.
الفائدة الثانية: بيان لحال الصحابة رضي الله عنهم ورفعة همتهم، وما كان يشغلهم ويدور في خواطرهم، حيث كان الهم الأكبر لدى الواحد منهم ألا يسبقه أحد في فعل الصالحات.
الفائدة الثالثة: الصحابة كانوا يحزنون إذا تعذر على الواحد منهم عمل من أعمال الخير كما وصفهم الله بقوله ( وعلى الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ). التوبة 92
الفائدة الرابعة: إحسان الظن بالمسلمين حيث قال الصحابة عن إخوانهم الأغنياء "ذهبوا بالأجور" فأحسنوا الظن بهم وبأن الله تقبلها منهم، وهذا كله لصفاء قلوبهم من الغل والحقد والحسد.
الفائدة الخامسة: من آتاه الله فضلاً من عنده مال أو غيره فليسخره في طاعة الله وإلا فإنه لم يستفد من ذلك الفضل فأغنياء الصحابة أنفقوا مما آتاهم الله فسبقوا غيرهم ممن لا مال له.
الفائدة السادسة: تنافس الصحابة وتسابقهم خالٍ عن الغل والحسد، بل مجرد غبطة على ما آتاه الله من فضله لبعضهم دون البعض، ولذلك لم يجرحوهم أو يسبوهم أو يتمنوا زوال ما عندهم.
الفائدة السابعة: دل الحديث على أن الشخص إذا كان لا يستطيع فعل شيء يذهب إلى باب آخر من أبواب الخير، فلما كان فقراء الصحابة لا يجدون ما يتصدقون به دلهم النبي صلى الله عليه وسلم على أبواب أخرى من العبادة من التسبيح والتحميد وغيره.
الفائدة الثامنة: المسلم الأصل أن ينوع العبادات من صلاة وصيام وإنفاق وغير ذلك حتى يفوز بقبول الله سبحانه، لأنه لا يعلم أي أعماله تقبل.
الفائدة التاسعة: دل على تنوع شعب الإيمان وتعددها مما يجعل الشخص مشغولا طوال عمره في تحصيلها وتتبعها.
الفائدة العاشرة: جميع أنواع فعل المعروف صدقة من ذكر الله وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وغير ذلك.
الفائدة الحادية عشر: اتيان الرجل شهوته له بها صدقة إذا احتسبها عند الله.
الفائدة الثانية عشر: فعل الشهوات البديهية يأخذ حكم اتيان الرجل زوجته مثل : الأكل والشرب والنوم وطلب الرزق الحلال وغير ذلك كلها للإنسان المسلم فيها أجر عند الله.
الفائدة الثالثة عشر: فيه بيان لكرم الله سبحانه على عباده في فتحه أبواب الخيرات والعبادات.
الفائدة الرابعة عشر: كرامة المسلم عند الله حيث جعل حتى في أمور الفطرة له أجر فيها.
الفائدة الخامسة عشر: دليل لمن يحتج بالقياس وهم الجمهور من أهل العلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاس أجر إتيان الزوجة على وزر من فعل الحرام.
الفائدة السادسة عشر: عفة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة حيث أنهم ذكروا كنايات عن الشهوة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " وفي بضع أحدكم صدقه" وقوله صلى الله عليه وسلم كذلك " وضعها في حرام" وقال الصحابة " يأتي أحدنا شهوته" فكنوا في مثل هذه الألفاظ ولم يصرحوا لكمال عفتهم.
الفائدة السابعة عشر: الصدقة تكون بغير مال كما هو صريح الحديث.
الفائدة الثامنة عشر: على العالم أن يفتح ويعدد أبواب الخير على الناس حتى يعمل كل واحد بما يستطيع فعله ولذلك نوَّع النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة أبواب الخير ما بين صدقه وذكر وأمر بمعروف.
الفائدة التاسعة عشر: على العالِم أن يسّهل فعل الخير للناس ولا يضع بينهم وبينه حواجز ، بل يجعل فعل الخير أقرب لهم من كل قريب كما فعل صلى الله عليه وسلم مع فقراء الصحابة.
الفائدة العشرون: يربي الحديث في نفس المسلم حفظ الوقت، فما دام أن التهليل والتكبير والتحميد والذكر عامة صدقة، بل كل فعل خير صدقة فإن ذلك يجعل المسلم حريصاً على ألا يصرف وقته إلا في فعل الصدقات.
الفائدة الحادية والعشرون: الحديث يجدد النية في قلب المؤمن ، فإتيان الزوجة والإنفاق على الأهل وطلب الرزق تكتب للإنسان صدقات إذا نواها واحتسبها عند الله، فهذا يجعل المؤمن مجدداً لنيته مع مرور الوقت.
الحديث السادس والعشرون
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلُّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيْهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِيْنُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُ لَهُ عَلَيْهَا أَو تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيْهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيْطُ الأَذى عَنِ الطَّرِيْقِ صَدَقَةٌ"رواه البخاري ومسلم.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى : وجوب شكر نعم الله التي في الإنسان ذاته لقوله " على كل سلامى من الناس صدقة" أي كل عظم من عظام الإنسان يحتاج إلى شكر لله بصدقة لأنه ركبه وأتمه وأنعم به.
الفائدة الثانية: التفكر في النفس من سمات المؤمنين كما قال تعالى " وفي أنفسكم أفلا تبصرون" الذاريات21.
الفائدة الثالثة: أفضل الصدقات ماكان متعديا نفعه مثل : أن تعدل بين اثنين وأن تحمل متاع أخيك أو تعينه على حمله وإماطة الأذى عن الطريق.
الفائدة الرابعة: على المسلم ألا يحتقر أي عمل يحتسبه عند الله سبحانه، ولذلك في حديث أبي هريرة مجرد رفع متاع إنسان على دابته وإعانته على ذلك وإماطة الأذى عن الطريق يعتبر صدقة وهما عملان قد يحتقرهما الشخص قبل سماع الحديث.
الفائدة الخامسة: حديث أبي ذر رضي الله عنه السابق أغلب الأعمال التي ذكرت فيه تتناول علاقة الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى من ذكر وتهليل وتحميد وأمر بمعروف ونهي عن منكر، أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأغلب الأعمال في علاقة الإنسان مع إخوانه المسلمين ومع مجتمعه، فهما حديثان يكمل أحدهما الآخر.
الفائدة السادسة: يربي في النفس التواضع حيث يحمل المسلم متاع أخيه ويحمله على دابته ويميط الأذى، فهذا كله يطرد الكبر من القلب.
الفائدة السابعة: يربي جانب الأخوة بين المسلمين في تعاونهم وتعاضدهم وتآخيهم لقوله" وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه".
الفائدة الثامنة: شكر النعم يكون بتسخيرها في طاعة الله كما قال الله آمراً آل داوود " اعملوا آل داوود شكرا " سبأ 13.
الفائدة التاسعة: فيه فضل الإصلاح بين الناس وأنه صدقة للمسلم.
الفائدة العاشرة: المسلم طيب لا يخرج من لسانه إلا الكلمة الطيبة من سلام وذكر ودعوة وقرآن وغير ذلك وكل هذا من الصدقة.
الفائدة الحادية عشر: فيه فضل المشي إلى الصلاة، خاصة إن كان المسجد بعيد فكل خطوة صدقة.
الفائدة الثانية عشر: الحديث يحث المسلم على الاستمرار في الأعمال الصالحة في كل الأيام لا يقف عند حد، ولا يمل منها، وذلك لقوله " كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل .....، وذكر أنواع الأعمال الصالحة".
الفائدة الثالثة عشر: يدل الحديث على أن المسلم نافع مبارك في جميع أحواله، فإن كان لوحده ذكر الله فكان له بذلك صدقة ، وإن التقى مع غيره من المسلمين أعانهم وأحسن صحبتهم، وإن كان في طريق أماط الأذى فكان له بالجميع صدقة.
الفائدة الرابعة عشر: ينبغي للإنسان أن يستغل أمور حياته الاعتيادية ليكسب من ورائها صدقات، فمن ضروريات الحياة أن يخالط الإنسان غيره، ويذهب لطلب رزقه، ويسافر، فعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويبذل السلام ويميط الأذى ويعين المسلمين ويعطي الكلمة الطيبة فكل ذلك يكتبه الله له.
الفائدة الخامسة عشر: الإسلام يعود المسلم على المسؤولية عن كل ما يكون حوله فهو مسؤول عن أخيه المسلم وحاجاته ومسؤول عن الطريق فيميط ما فيه من أذى ومسؤول عن المتخاصمين فيسعى للإصلاح بينهم فالإسلام لا يربي الناس على الأنانية وحب الذات فقط.
الفائدة السادسة عشر: المجتمع الإسلامي لا يرضى بوجود المخاصمات والتناحر بين أفراده بل يصلح بينهم فإن عجز شخص عن الإصلاح شارك غيره وهكذا حتى يلتئم الصف ويتوحد الشمل ولذلك جعل الإصلاح بين الاثنين صدقة حتى يشارك الناس كلهم في هذه الصدقة.
الفائدة السابعة عشر: الكلمة الطيبة بمفهومها العام هي التي ليس فيها أذى لغيره من المسلمين، فله بها صدقة.
الفائدة الثامنة عشر: الحديث يجعل المسلم مشارك متفاعل في قضايا مجتمعه من إصلاح أو نظافة أو تقديم خدمة فليس متوانياً أو مسوفاً أو كسولاً اتكالا على غيره انعزالياً عما حوله.
الحديث السابع والعشرون
عن النواس بن سمعان رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس )) رواه مسلم. وعن وابصة بن معبد رضى الله عنه ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( جئت تسأل عن البر و الإثم ؟ )) قلت : نعم ؛ قال : (( استفت قلبك ؛ البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن اليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك )).
قال الشيخ - رحمه الله - حديث حسن ، رويناه في مسندي الإمام أحمد بن حنبل ، و الدارمي بإسناد حسن .
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: فيه فضل حسن الخلق وأنه البر.
الفائدة الثانية: الأخلاق تختلف في الحسن، وكلما كان الخلق حسناً كلما كان أعظم في البر.
الفائدة الثالثة: البر عليه نور يعرفه كل أحد، والإثم يسبب شكاً وقلقاً.
الفائدة الرابعة: الشريعة في مجملها واضحة بينه من حيث البر والإثم بحيث لا يلتبس الحق بالباطل.
الفائدة الخامسة: الله فطر عباده على معرفة الحق والسكون إليه وقبوله، والنفرة من ضده وذلك في الجملة، ولهذا قال في الحديث "البر ما اطمأنت إليه النفس".
الفائدة السادسة: دل على أن النفس تطمئن للخير والبر، ولذلك يصلح لها ولحياتها.
الفائدة السابعة: من علامات البر ارتياح النفس له واطمئنانها به وسكونها إليه في داخلها، وهذا الأمر إذا كان من البر فيسبب راحة للضمير.
الفائدة الثامنة: من علامات الإثم أنه يسبب حرجاً للنفس وضيقاً لها.
الفائدة التاسعة: البر لا يُستحى من فعله في خلوات الإنسان وفي المجتمعات العامة بخلاف الإثم فإن فعله في الخلوة يسبب الحرج والضيق وفعله في العلانية يستحى منه، ولهذا قال عن الإثم "ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" كما في رواية.
الفائدة العاشرة: الحديث أصل في باب الورع.
الفائدة الحادية عشر: البر يشمل القيام بحقوق الله، والقيام بحقوق الخلق، ويدل على ذلك اختلاف الروايتين في تفسير البر فقال - في الرواية الأولى "البر حسن الخلق" وهذا القيام بحقوق الخلق.
- وفي الرواية الثانية " البر ما اطمأنت إليه النفس" وهذا القيام بحقوق الله، لأنه فيما بين الإنسان وبين ربه.
الفائدة الثانية عشر: يدل على أن الإنسان لا يفعل مثلما يفعل سائر الناس سواء كان الفعل حلالاً أو حراماً، بل يتأنى ويستفت أهل العلم، فإن لم يجد نظر في ذلك الفعل أي العلامات تنطبق عليه، علامات البر أم الإثم؟ وهذا يعرف أحياناً من خلال المصالح المترتبة عليه والمفاسد وهكذا.
الفائدة الثالثة عشر: يدل على أن الإنسان في فتواه قد يجانب الصواب، ومع ذلك لم يحكم بتأثيمه او انتقاصه ما دام بذل وسعه واجتهد، ولهذا قال " وإن أفتاك الناس وأفتوك".
الفائدة الرابعة عشر: الطاعات تجلب السعادة للمؤمن لأنها من البر الذي تطمئن إليه النفس.
الفائدة الخامسة عشر: المعاصي والذنوب تجلب الشقاء للإنسان لأنها من الإثم الذي يتردد في الصدر ويسبب الحرج والضيق.
الفائدة السادسة عشر: دل على أن الإكثار من أعمال البر والخير يزيد النفس طمأنينة وسكوناً وانشراحاً.
الحديث الثامن والعشرون
عَن أَبي نَجِيحٍ العربَاضِ بنِ سَاريَةَ رضي الله عنه قَالَ: وَعَظَنا رَسُولُ اللهِ مَوعِظَةً وَجِلَت مِنهَا القُلُوبُ وَذَرَفَت مِنهَا العُيون . فَقُلْنَا: يَارَسُولَ اللهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوصِنَا، قَالَ: (أُوْصِيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عز وجل وَالسَّمعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافَاً كَثِيرَاً؛ فَعَلَيكُمْ بِسُنَّتِيْ وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المّهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فإنَّ كلّ مُحدثةٍ بدعة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: ينبغي للإنسان أن يستمع المواعظ بين فترة وأخرى لأنها نافعة للقلب.
الفائدة الثانية: على الإمام وطالب العلم والعالم أن يتعاهدوا الناس بالمواعظ كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم مع الصحابة رضي الله عنهم.
الفائدة الثالثة: الموعظة يجب أن تكون بليغة قوية تؤدي هدفها ولذلك على الإنسان أن يختار ألفاظها ويحسن قصدها لعل الله أن ينفع بها.
الفائدة الرابعة: فيه بيان لعلاقة القلب مع الجوارح فمتى تأثر القلب وخشع تأثرت العيون فذرفت وبكت من خشية الله.
الفائدة الخامسة: فقه الصحابي العرباض بن سارية رضي الله عنه حيث قدم قوله " وجبت منها القلوب " على قوله "ذرفت منها العيون" لأن القلب هو الأصل.
الفائدة السادسة : خشية الصحابة رضي الله عنهم لربهم سبحانه، فبسماعهم المواعظ تذرف عيونهم وتوجل قلوبهم.
الفائدة السابعة: البكاء في مجالس الوعظ والذكر إذا غلب على الإنسان لا يكون رياءً، كما بكى الصحابة رضي الله عنهم في حديث الباب.
الفائدة الثامنة: الكلام النافع هو الذي يخالط القلب فيؤثر عليه لصدق قائله وإخلاصه في نصحه.
الفائدة التاسعة: فهم الصحابة وفطنتهم لما قال صلى الله عليهوسلم ، ولذلك قالوا " يا رسول الله كأنها موعظة مودع" ففهموا من خلال الألفاظ أنها وصية مودع ، وهذا الفهم يحصل بالتركيز والإنتباه، أما السهو والغفلة أثناء الوعظ فتضيع الفائدة على صاحبها.
الفائدة العاشرة: يشرع للمسلم أن يطلب الوصية من غيره، ويجب على الآخر أن ينصح له في وصيته ولا يغشه فيها.
الفائدة الحادية عشر: على الإنسان أن يتحرى أهل العلم والفضل ويطلب منهم النصيحة لأن نصيحتهم ووصيتهم أفضل من غيرهم.
الفائدة الثانية عشر: أعظم الوصية على الإطلاق الوصية بتقوى الله لأنها تعني فعل الطاعات وترك المنهيات، فهي الدين بكامله.
الفائدة الثالثة عشر: دل على وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين، حيث أكد ذلك بقوله" وإن تأمر عليكم عبد" .
الفائدة الرابعة عشر: السمع والطاعة لولي أمر المسلمين من تقوى لله سبحانه وتعالى، فيطاع عبادة لله ولذلك ذكر صلى الله عليه وسلم السمع والطاعة بعد قوله " أوصيكم بتقوى الله".
الفائدة الخامسة عشر: ضابط طاعة ولي أمر المسلمين ما كان في حدود تقوى الله سبحانه، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهذا الضابط والقيد يؤخذ من الربط بين قوله صلى الله عليه وسلم " أوصيكم بتقوى الله" مع قوله صلى الله عليه وسلم " والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد" .
الفائدة السادسة عشر: الحديث يعالج تفرق وشق الصف وذلك بالإجتماع على تقوى الله وعلى إمام واحد.
الفائدة السابعة عشر: يعتبر الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنه من يعش منكم فسيرى إختلافاً كثيراً " وهذا ما حدث بعد وفاته بزمن من تفرق ووجود اختلاف.
الفائدة الثامنة عشر: كلما زاد البعد عن الرسالة النبوية كلما زاد الإختلاف لغلبة الجهل" فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً".
الفائدة التاسعة عشر: ذكر في الحديث علاجاً للفتن والافتراق والاختلاف بين المسلمين، ويتلخص العلاج في أمور:-
الأولى: تقوى الله "أوصيكم بتقوى الله"
الثانية: السمع والطاعة " والسمع والطاعة"
الثالثة: التمسك بالسنة " فعليكم بسنتي".
الرابع: هجر البدع " وإياكم ومحدثات الأمور".
الفائدة العشرون: دل على حجية سنة الخلفاء الراشدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليها " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ".
الفائدة الحادية والعشرون : فيه تزكية للخلفاء الأربعة رضي الله عنهم أجمعين لقوله " الراشدين المهديين"
الفائدة الثانية والعشرون: في الحديث التشديد على التمسك بالسنة وذلك:-
- لقوله " فعليكم بسنتي": ففيها أمر.
- ولقوله " عضوا عليها": فلفظ العض يدل على التمسك في معناه
- ولقوله " النواجذ" وهي الأضراس وهي أقوى الأسنان، فيشعر ذلك بقوة التمسك.
الفائدة الثالثة والعشرون: في الحديث التشديد على هجر البدع، وذلك:-
- لقوله "إياكم ": وهي كلمة تحذير.
- ولقوله " كل " : وهي من ألفاظ العموم وقد أضيفت لما بعدها "بدعة" فاجتمع صيغتان للعموم "كل" والإضافة.
- ولقوله " ضلالة ": وهي وصف لجميع البدع بالضلال، وهذا من الذم والتحذير.
الفائدة الرابعة والعشرون: فيه بيان تام لتعريف البدعة حيث ذكرها بعد قوله " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء" فدل على أن كل ما ليس بسنة عنهم فهو بدعة.
الفائدة الخامسة والعشرون : فيه بيان لحكم جميع البدع وأنها لا تجوز حيث وصفها جميعاً بالضلالة.
الفائدة السادسة والعشرون : البدعة لا يستحسن منها شيء أبداً لأنها ضلالة، فلا يغتر الإنسان بتحسين من حسنها أو زعم فيها مصالح ليست في غيرها.
الحديث التاسع والعشرون
عَن مُعَاذ بن جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلتُ يَا رَسُولَ الله أَخبِرنِي بِعَمَلٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعدني منٍ النار قَالَ: (لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيْمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيْرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئَا، وَتُقِيْمُ الصَّلاة، وَتُؤتِي الزَّكَاة، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيْئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ تَلا : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ: (يَعْلَمُونْ) [السجدة:16-17] ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ قُلْتُ: بَلَى يَارَسُولَ اللهِ، قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ وَذروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخبِرُكَ بِملاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ:بَلَى يَارَسُولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. قُلْتُ يَانَبِيَّ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَامُعَاذُ. وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: التأكيد على أهمية السؤال في طلب العلم وقد مضى في الأحاديث السابقة.
الفائدة الثانية: الإنسان يسأل عن ما يريد ولو كان أمر عظيما.
الفائدة الثالثة: طالب العلم يسأل عما يخصه من الأسئلة النافعة، ولذلك الصحابي قال "اخبرني".
الفائدة الرابعة: السؤال يورد للعمل بالجواب ولذلك قال " أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار".
الفائدة الخامسة: المعلم ينبغي أن يمدح صاحب السؤال الجيد تشجيعاً له على سؤاله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لما سئل السؤال لقد سألت عن عظيم.
الفائدة السادسة: المعلم يستعمل بعض الأساليب في تربيته مثل:-
- التشجيع " لقد سألت عن عظيم ".
- التشويق " وإنه ليسير على من يسره الله له " مع قوله قبل ذلك " عظيم".
الفائدة السابعة: أهمية الحديث، ويظهر هذا من صيغة السؤال "أخبرني عن عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار" ومن بداية الجواب "لقد سألت عن عظيم" ولذلك جعله الإمام النووي رحمه الله من الأحاديث الأربعين لأنه يجمع أصولاً عديدة.
الفائدة الثامنة: التوفيق كله بيد الله ومن عنده سبحانه يرزقه من يشاء ويمنعه ممن يشاء ولذلك قال " وإنه ليسير على من يسره الله له" وهذا يوجب الإلتجاء إليه سبحانه وطلبها منه وبذل الوسع في ذلك.
الفائدة التاسعة: من فضائل أركان الإسلام أنها تدخل الجنة وتباعد عن النار.
الفائدة العاشرة: دل الحديث على أن الأعمال من الإيمان.
الفائدة الحادية عشر: تفسير الشهادتين العملي هو " تعبد الله لا تشرك به شيئا" بحيث تصرف جميع أنواع العبادة لله وحده.
الفائدة الثانية عشر: فيه نشر العلم لقوله " ألا أدلك على أبواب الخير ....".
الفائدة الثالثة عشر: العالم عليه أن يزيد في الجواب إن رأى الفائدة في ذلك، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث حيث زاد على الجواب.
الفائدة الرابعة عشر: الداعية عليه أن يختار الأسلوب الأمثل لنشر الخير بين الناس ودلالتهم عليه وتحبيبهم إليه، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " ألا أدلك على أبواب الخير؟" فجمع عدة أساليب كالتحضيض والحث والاستفهام والتشويق.
الفائدة الخامسة عشر: فيه فضل الصوم وأنه حماية عن الشهوات والمحرمات وعلاج لها، ولذلك قال " الصوم جنة" وأطلق ولم يقيده.
الفائدة السادسة عشر: فيه فضل الصدقة وأنها تطفئ الخطيئة.
الفائدة السابعة عشر: الأعمال الصالحة تكفر الأعمال السيئة، فمن زلت به القدم في فعل محرم فليتبعه بحسنة.
الفائدة الثامنة عشر: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة بمنزلة الماء الذي فيه الحياة والنماء، والصدقة كذلك فيها نماء للمال وتطهير له ولصاحبه من آفات الذنوب.
الفائدة التاسعة عشر: جعل النبي صلى الله عليهوسلمآ الخطيئة بمنزلة النار التي تحرق وتدمر، والخطيئة كذلك على صاحبها.
الفائدة العشرون: فيه فضل صلاة الليل على النهار وأنها تطفئ الخطيئة.
الفائدة الحادية والعشرون: على المسلم أن ينوع العبادات ما بين صلاة وصيام وصدقة ونوافل حتى يفوز بجميع الفضائل التي ذكرت في الحديث.
الفائدة الثانية والعشرون: الحديث فيه حث على الإكثار من أعمال السر التي لا يطلع عليها إلا الله كالصيام والصدقة والصلاة في جوف الليل، وذلك لأنها أدعى للقبول والإخلاص والصدق.
الفائدة الثالثة والعشرون: فيه الاستشهاد من القرآن أثناء الكلمة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
الفائدة الرابعة والعشرون: السنة تفسر القرآن، فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم قوله " تتجافى جنوبهم عن المضاجع" بأنها صلاة الرجل في جوف الليل.
الفائدة الخامسة والعشرون: فيه فضل الصلاة والجهاد في الإسلام ولذلك كانتا عمود الأمر وذروة سنامه.
الفائدة السادسة والعشرون: يدل على علو منزلة الجهاد ومرتبته "وذروة سنامه الجهاد" فأعلى الشيء سنامه وأعلى السنام ذروته والجهاد وكذلك.
الفائدة السابعة والعشرون: فيه بيان خطر اللسان على الإنسان.
الفائدة الثامنة والعشرون: فيه فضيلة امساك اللسان عن الخوض فيما لا ينبغي الخوض فيه.
الفائدة التاسعة والعشرون: أصل الخير كله كف اللسان لقوله " ألا أخبرك بملاك ذلك كله".
الفائدة الثلاثون: من أساليب التعليم : الإشارة أو التعليم المباشر. كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم لسانه بيده وفي رواية " فأشار إلى لسانه".
الفائدة الحادية والثلاثون: دل على أن أكثر أسباب دخول النار هو اللسان فيجب الحذر منه.
الفائدة الثانية والثلاون: الشريعة تربي اصحابها على العمل والفعل دون الكلام الذي لا معنى له ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أول الحديث أعمال كثيرة من الإيمان وختم الحديث بالتحذير من اللسان ويقصد مفاسده.
الفائدة الثالثة والثلاثون: يربي الحديث المسلم على محاسبة لسانه قبل النطق بأي عبارة هل تقوده إلى النار على وجهه أم لا ؟
الفائدة الرابعة والثلاثون: العالم يراعي الفروق بين التلاميذ، ولهذا لما كان السائل هنا معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو طالب علم شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أكثر له في الجواب وأوسع لعلمه بحاجته لذلك، ولما يكون السائل أعرابياً مثلاً يعطيه النبي صلى الله عليه وسلم جواباً يناسبه، وهذا من العلم بحال التلاميذ.
الفائدة الخامسة والثلاثون: الانسان يوم القيامة يحصد ما زرع في الدنيا، يؤخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم " حصائد ألسنتهم" فليقم الإنسان على زرعه اليوم وليتعاهده وليصلح منه حتى يكون الحصاد يوم القيامة ثمراً ناضجاً.
الحديث الثلاثون
عَنْ أَبِيْ ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ جُرثُومِ بنِ نَاشِرٍ رضي الله عنه عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودَاً فَلا تَعْتَدُوهَا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْهَا) حديث حسن رواه الدارقطني وغيره
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: دل الحديث على كمال الشريعة الإسلامية من جميع النواحي ولذلك تناسب جميع الأجيال على مر السنين، ومختلف العصور.
الفائدة الثانية: يدل على سهولة الشريعة الإسلامية، وأنها خالية من أمور تعجيزية بل هي باختصار فرائض تؤدي ومحرمات تترك.
الفائدة الثالثة: دل الحديث على أن الايجاب والتحريم كله من عند الله، فإذا استشعر المسلم ذلك صعب عليه القول على الله بلا علم، وتبين له خطر الفتوى.
الفائدة الرابعة: فيه بيان رحمة الله سبحانه بعبادة لقوله " وسكت عن أشياء رحمة بكم ".
الفائدة الخامسة: تنزيه الله سبحانه عن النسيان وكل صفة نقص وذم في حقه سبحانه.
الفائدة السادسة: النهي عن تتبع الدقائق وأن يكلف الإنسان نفسه ما لم يكلفه الله سبحانه، فيجوز للإنسان أن يشتري سلعة من البائع من غير أن يسأله من أين أتى بها؟ أو يستحلفه أنها له!!، ويجوز للإنسان أن يأكل المباحات وجميع الطيبات من غير تعمق وغلو في أصلها ومنشأها وما لم ينزل الله به سلطان.
الفائدة السابعة: المباحات في شريعة الإسلام أكثر بكثير من المنهيات ولذلك لم تذكر في الحديث لكبر حجمها، بل كل ما لم يكن منهياً عنه فهو مباح.
الحديث الحادي والثلاثون
عَنْ أَبي العَباس سَعدِ بنِ سَهلٍ السَّاعِدي رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله: دُلَّني عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمَلتُهُ أَحَبَّني اللهُ، وَأَحبَّني النَاسُ ؟ فَقَالَ: (ازهَد في الدُّنيَا يُحِبَّكَ اللهُ ، وازهَد فيمَا عِندَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ) حديث حسن رواه ابن ماجة وغيره بأسانيد حسنة.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: يجب على المؤمن أن يسعى لأن يكون محبوباً عند الله وعند الناس.
الفائدة الثانية: البحث عن محبة الناس لا يناقض محبة الله ولا يعارضها فإن المسلم طيب محبوب عند الله ومحبوب عند الناس وفي المجتمع.
الفائدة الثالثة: دل على أن الزهد في الدنيا يجلب محبة الله.
الفائدة الرابعة: دل على أن الزهد في ما عند الناس يجلب محبة الناس.
الفائدة الخامسة: الزهد من أعمال القلب كما قاله أحمد رحمه الله.
الفائدة السادسة: من أراد معرفة الزهد الحقيقي في الدنيا فلينظر إلى زهده صلى الله عليه وسلم فإنه يجد أن حقيقة الزهد ألا يتعلق قلبه بالدنيا فيحبها ولا يعارض هذا طلب الرزق فيها والإدخار من المال والطعام كما كانت حياته صلى الله عليه وسلم.
الفائدة السابعة: الزهد فيما عند الناس يقتضي عدم تعلق القلب بما في أيدي الناس وقطع النفس من النظر لهم والتطلع لما عندهم ومداهنتهم في دين الله رجاء ما في أيديهم ولا يمنع هذا المبايعة والمتاجرة معهم والكسب وغير ذلك.
الفائدة الثامنة: دل على أن من تعلق بالدنيا وقدمها لم يحبه الله، لأنه سيقدم الدنيا على أمر الله.
الفائدة التاسعة: دل على أن الناس يكرهون من طلب منهم وسألهم ما في أيديهم، وهذا مستقر في فطر الناس وقلوبهم.
الفائدة العاشرة : من زهد في الدنيا تعلق بما عند الله لأن القلب لا بد له من متعلق يتعلق به ويثق به ويطمئن إليه ولهذا من زهد في الدنيا أحبه الله.
الفائدة الحادية عشر : الحديث بيَّن حقيقة الناس وأنهم يحبون ما في أيديهم ويبغضون من سألهم إياه، ويسعون لمصالحهم ولو على حساب دين غيرهم، ولا يؤدون الحقوق الواجبة منهم، هذه حالهم فمن عرفها كيف يتعلق بهم ويرجوهم ويقدم طاعتهم على طاعة الله؟!!
الحديث الثاني والثلاثون :
عن أبي سعيد - سعد بن مالك ابن سنان- رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { لاضرر ولا ضرار } حديث حسن، رواه ابن ماجه والدار قطني وغيرهما.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: دليل على رفع الحرج في الشريعة الإسلامية.
الفائدة الثانية: يدل على يسر الإسلام وسهولة أحكامه.
الفائدة الثالثة: يحرم الإضرار بالغير بجميع الصور والأشكال، ولذلك أطلق الضرر في الحديث ولم يقيد بقيد.
الفائدة الرابعة: أحكام الإسلام الشرعية وتكاليفه لا ضرر فيها.
الفائدة الخامسة: من مقاصد الإسلام منع الضرر قبل وقوعه ورفعه بعد وقوعه.
الفائدة السادسة: يربي في النفس عدم حب الذات ولو على حساب غيره من الناس.
الفائدة السابعة: يدل المسلم على مراعاة غيره من الناس واحترامهم في جميع أمور الحياة وشؤونها.
الفائدة الثامنة: يزرع الألفة بين المسلمين والمحبة والأخوة لأنه ينفي الضرر بجميعه.
الفائدة التاسعة: يعتبر الحديث قاعدة عامة فكل أمر كان فيه ضرر فيحرم شرعاً.
الحديث الثالث والثلاثون
عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدعوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَال قَومٍ وَدِمَاءهُمْ، وَلَكِنِ البَينَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمينُ عَلَى مَن أَنكَر" حديث حسن رواه البيهقي هكذا بعضه في الصحيحين.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: يدل الحديث على أن أحكام الشريعة معللة أي لها علة وحكمه، فالبينة قررت في الشريعة حتى لا يدّعي رجال دماء رجال وأموالهم.
الفائدة الثانية: يدل أيضاً على أن الله حكيم بعباده خبير بهم شرع لهم من الأحكام ما يناسبهم ويتناسب مع طبيعتهم.
الفائدة الثالثة: قد يوجد من الناس من لا رادع عنده ولا تقوى فيدّعي دماء أناس وأموالهم.
الفائدة الرابعة: يربي الناس على وجوب التثبت حتى في صغائر الأمور.
الفائدة الخامسة: يقيد الحديث إطلاق التهم على الناس ورواج الشائعات بوجود البينة، فمن وجد بينه فله الحق في الإدعاء، أما بمجرد الظن فلا يبيح للإنسان الدعوى.
الفائدة السادسة: دل على أن كل دعوى لا دليل عليها لا تقبل.
الفائدة السابعة: الأصل براءة الإنسان المسلم من كل تهمة ونقيصة حتى تثبت بينة.
الفائدة الثامنة: القاضي يحكم بما ظهر له من الأمر ببينه أو يمين، ولا يأثم إن بذل وسعه واجتهد لكنه خالف حقيقة الأمر وباطنه.
الفائدة التاسعة: الحديث أصل في باب القضاء.
الفائدة العاشرة: الشرع يوازن بين الحفاظ على حرمات المسلمين ولذلك حرم مجرد إطلاق التهم، وبين إيصال الحقوق لهم ولذلك أوجب البينة، وهذا هو العدل الذي أمر الله به.
الفائدة الحادية عشر: الشرع يربي الناس على تعظيم الله ومراقبته ولذلك اكتفى من المدعى عليه بمجرد اليمين لأن المسلم يعظم الله والحلف به، فلديه الرضا بأن يغرم شريطة ألاّ يحلف بالله كاذباً.
الفائدة الثانية عشر: الحديث يربي المسلم على الرضا بالحلف بالله، فالمدعي إذا لم يكن له بينة وحلف المدعي عليه فعليه أن يرضى تعظيماً لليمين.
الحديث الرابع والثلاثون
عَنْ أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعتُ رِسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: (مَن رَأى مِنكُم مُنكَرَاً فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِقَلبِه وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ) رواه مسلم.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: يربي الحديث جميع المسلمين على تحمل المسؤولية، وأن كل شخص منهم يعنيه أمر غيره ومجتمعه ولذلك قال "من رأى منكم منكراً فليغيره".
الفائدة الثانية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الجميع لصيغة العموم في الحديث " من " لكن يقيد على حسب الإستطاعة والقدر لقوله " فإن لم يستطع" حيث علق الأمر على الإستطاعة.
الفائدة الثالثة: يربي المجتمع على معالجة الأخطاء التي يرونها وألاّ يقف الشخص حائراً كأن الأمر لا يعنيه.
الفائدة الرابعة: يدل على أن المنكرات تقع في المجتمع الإسلامي لكن يجب ألاّ تقر وتصبح مألوفة.
الفائدة الخامسة: تغيير المنكر على درجات مختلفة وليس درجة واحدة.
الفائدة السادسة : إذا لم يستطع المسلم أمراً من الأمور فعليه أن يحث عن أمر آخر يقدر عليه ولذلك قال في الحديث " فإن لم يستطع" مرتين في الحديث.
الفائدة السابعة: درجات تغيير المنكر دليل على أن الله لا يكلف الإنسان إلاّ ما يستطيع، أما ما كان خارجاً عن قدرته فلا يطالب شرعاً به.
الفائدة الثامنة: يدل الحديث على أن الإيمان يزيد وينقص فمن أنكر بقلبه ليس كمن قدر على تغييره.
الفائدة التاسعة: قوله " من رأى " يدل على أن المنكر مشاهد ومظاهر، أما إن أسره صاحبه وأخفاه فلا يجوز التصنت والتتبع إلاّ إن دلت (القرائن) والشواهد فيكون في حكم الظاهر.
الفائدة العاشرة: قوله "فبقلبه" يدل على أن المنكر لا يرضى به ولا يقر ولو بالقلب الذي لا يطلع عليه إلاّ الله.
الفائدة الحادية عشر: الحديث دليل على أن القلب له عمل في الإيمان، فمن عمله إنكار المنكر وعدم الرضا به.
الحديث الخامس والثلاثون
عَنْ أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَحَاسَدوا، وَلاَتَنَاجَشوا، وَلاَ تَبَاغَضوا، وَلاَ تَدَابَروا، وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ، وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَاً، المُسلِمُ أَخو المُسلم، لاَ يَظلِمهُ، وَلاَ يَخذُلُهُ، وَلا يكْذِبُهُ، وَلايَحْقِرُهُ، التَّقوَى هَاهُنَا - وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاَثَ مَراتٍ - بِحَسْبِ امرىء مِن الشَّر أَن يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ، كُلُّ المُسِلمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَام دَمُهُ وَمَالُه وَعِرضُه) رواه مسلم
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: الحديث يربي المجتمع المسلم على الأخوة الشرعية .
الفائدة الثانية: الأخوة الشرعية الحقيقية هي التي لا تباغض فيها ولا تحاسد ولا تقاطع.
الفائدة الثالثة: دل على أن الأخوة بين المسلمين وجمع الكلمة أمر مقصود من مقاصد الشريعة.
الفائدة الرابعة: الشرع يحرم كل ما من شأنه خدش الأخوة من حسد وتقاطع وغيره.
الفائدة الخامسة: المعاملات الدنيوية من بيع وشراء ونكاح يجب أن يراعى فيها جانب الأخوة ولذلك حرم الشرع بيع المسلم على بيع أخيه وشراؤه ونكاحه على أخيه المسلم لما يتسبب ذلك من قطع للمودة وزرع للبغضاء.
الفائدة السادسة: دل على وجوب النصح للمسلم وصفاء القلب له.
الفائدة السابعة: يحرم ظلم المسلم لأخيه وخذلانه له والكذب عليه واحتقاره، لأنها جميعاً تخالف معنى الأخوة الشرعية .
الفائدة الثامنة: تربية النفس على الأخوة الشرعية يعالج الكبر الذي هو غمط الناس واحتقارهم، فإذا نظر إليهم على أنهم أخوة له فيجب عليه محبتهم ونصرتهم ذهب عنه بإذن الله الكبر.
الفائدة التاسعة: الميزان في الإسلام ميزان التقوى، والتفاضل يكون بينهم على أساسها، وليس لأي أمر من أمور الدنيا، ولذلك قال " التقوى ها هنا".
الفائدة العاشرة: محل التقوى في القلب وتظهر آثارها على الجوارح، ولهذا أشار إلى صدره عندما ذكر التقوى.
الفائدة الحادية عشر: بيّن الحديث خطر احتقار المسلم لأخيه المسلم، لأنه ينافي المحبة الواجبة له إضافة إلى أنه نوع من الكبر وقد حرمه الله.
الفائدة الثانية عشر: الإسلام لا يقيم لأمور الدنيا من مال وجاه أي اعتبار في حال التفاضل بين المسلمين، لأنها من فضل الله يؤتيه الله من يشاء، فلا يغتر الإنسان بما آتاه الله وإنما الإعتبار للتقوى فليحاسب الإنسان نفسه عنها.
الفائدة الثالثة عشر: دل على من أعطي من الدنيا لا يدل على فضله عند الله، وإنما الفضل لمن أعطي من أمور الآخرة من التقوى والعمل الصالح.
الفائدة الرابعة عشر: يحرم الإعتداء على المسلمين سواء بمالهم أو أعراضهم أو دمائهم وأنفسهم.
الفائدة الخامسة عشر: يجب حفظ غيبة الأخ المسلم في حال غيابه خاصة، فلا يستغل غيابه ويستبيح عرضه بل يجب حفظ عرضه في غيبته كما في حال حضوره.
الفائدة السادسة عشر: الحديث يقتضي إيصال النفع للأخ المسلم.
الفائدة السابعة عشر: تقوى الله تقتضي حفظ حقوق الأخوة الإسلامية، ولذلك نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله " التقوى ها هنا " وذكر قبلها وبعدها شيئاً من الحقوق الإسلامية.
الحديث السادس والثلاثون
عَنْ أَبي هُرَيرَة رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: )مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِن كُربَةً مِن كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كرَبِ يَوم القيامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ على مُعسرٍ يَسَّرَ الله عَلَيهِ في الدُّنيَا والآخِرَة، وَمَنْ سَتَرَ مُسلِمَاً سَتَرَهُ الله في الدُّنيَا وَالآخِرَة، وَاللهُ في عَونِ العَبدِ مَا كَانَ العَبدُ في عَونِ أخيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَريقَاً يَلتَمِسُ فيهِ عِلمَاً سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طَريقَاً إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِنْ بيوتِ اللهِ يَتلونَ كِتابِ اللهِ وَيتَدارَسونهَ بَينَهُم إِلا نَزَلَت عَلَيهُم السَّكينَة وَغَشيَتهم الرَّحمَة وحَفَتهُمُ المَلائِكة وَذَكَرهُم اللهُ فيمَن عِندَهُ،وَمَنْ بَطَّأ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بهِ نَسَبُهُ (رواه مسلم بهذا اللفظ
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: الحث على المسارعة في تنفيس الكرب وتيسير العسير والستر على المسلمين.
الفائدة الثانية: الجزاء من جنس العمل.
الفائدة الثالثة: قوله " من نفَّس " : التنفيس: التخفيف، فيدل على أن المسلم عليه أن يسعى في تخفيف الكرب عن المسلمين ولو لم تزل الكربة بكاملها.
الفائدة الرابعة: جاء في رواية " من نفَّس" وفي رواية " من فرَّج" فتدل الروايتان على أن المسلم عليه أن يسعى إما لتفريج الكربة فإن لم يستطيع فتنفيسها وتخفيفها على أقل تقدير.
الفائدة الخامسة: من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، وكلما أكثر العبد في تنفيس الكرب عن المؤمنين نفّس الله عنه كرباً كثيرة يوم القيامة، ففي ظاهر الحديث حث على التكثير من السعي في تفريج الكرب.
الفائدة السادسة: يقتضي الحديث تفقد المسلمين من حيث الحوائج والكرب والإعسار، فيكون المؤمن حي القلب تجاه إخوانه يسمع أخبارهم، ويتفقد حوائجهم.
الفائدة السابعة: يربي المجتمع على المحبة والأخوة بينهم، فإن مساعدة المحتاج وتفريج الكربات من الإيمان.
الفائدة الثامنة: فيه فضل تنفيس الكربات والتيسير على المعسر والستر على المسلم.
الفائدة التاسعة: الحديث تفسير عملي لقوله صلى الله عليه وسلم " الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" فمعونة الأخ تقتضي تفقد حوائجه ومساعدته وتفريج كربته.
الفائدة العاشرة: من أراد معونة الله وتوفيقه فليسع في إعانة غيره من المسلمين لأن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
الفائدة الحادية عشرة: يبين الحديث حياة المجتمع المسلم بين أفراده، الغني يساعد الفقير، الجار يسعى لكسب مودة جاره والموسر يوسع على المعسر، بخلاف المجتمع الغربي اليوم، الوالد لا يعرف ابنه فضلاً عن جاره، الحي الواحد متفكك، الواحد منهم يسعى ويكدح ويتفانى لكن لنفسه فقط، ولا يعرف إلاَّ نفسه، فالحمد لله الذي فضلنا بالإسلام.
الفائدة الثانية عشرة: فيه الحث على طلب العلم،لقوله صلى الله عليه وسلم " ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما " .
الفائدة الثالثة عشر: فيه تربية لطالب العلم على سلوك الطرق الموصلة للعلم، والسفر، والغربة لأجله.
الفائدة الرابعة عشر: طلب العلم الشرعي يوصل للجنة، لأن العلم النافع يورث العمل الصالح.
الفائدة الخامسة عشر: في الحديث الحث على الجليس الصالح الذي يجتمع معه لتدارس كتاب الله.
الفائدة السادسة عشر: فيه الحرص على تتبع حلق العلم ومجالس الذكر لما فيها من الخير العظيم، فمن حضر مجلس علم أو حلقة ذكر ثم تركها فقد حرم نفسه.
الفائدة السابعة عشر: فيه أن المسجد ليس خاصاً بالصلاة، بل تعقد فيه مجالس العلم وحلق الذكر وحفظ القرآن وتدارس العلم لقوله " في بيت من بيوت الله " فينبغي للأئمة أن يجعلوا المساجد والجوامع مجالس علم وذكر.
الفائدة الثامنة عشر: فضل مجالس الذكر وتدارس العلم حيث تنزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة وتحفهم الملائكة ويذكرهم الله فيمن عنده.
الفائدة التاسعة عشر: المنهج السليم لقراءة القرآن وحفظه هو تلاوته ومن ثم تدارسه ومعرفة معانيه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم".
الفائدة العشرون: تلاوة القرآن وتدارسه يورث السكينة والطمأنينة لقوله " إلاَّ نزلت عليهم السكينة ".
الفائدة الحادية والعشرون: المسارعة في الإسلام تكون بالعمل لا بالنسب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ".
الفائدة الثانية والعشرون: التفاضل بين أهل الإسلام بالنسب غير معتبر شرعاً أبداً فلا يقدم ولا يؤخر عند الله، ولهذا كان التفاخر بالنسب من أمور الجاهلية التي حرمها الله.
الفائدة الثالثة والعشرون: الحديث يدل على أن المسلم عليه ألاَّ يتبع عثرة أخيه المسلم وسقطته ومن ثم ينشرها ويشهرها، بل يسترها.
الفائدة الرابعة والعشرون: دل على أن من ذكر الله ذكره الله في الملأ الأعلى.
الفائدة الخامسة والعشرون: جزاء الله أعظم من عمل العبد، وهذا من فضله سبحانه فالعبد يعمل العمل الصغير فيتقبله الله ثم يجازيه الجزاء الأعظم.
الحديث السابع والثلاثون
عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم فِيْمَا يَرْوِيْهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ إِلىَ أَضْعَاف كَثِيْرَةٍ. وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صَحِيْحَيهِمَا .
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: فيه دليل لمذهب أهل السنة والجماعة على أن الله كتب الحسنات والسيئات على الإنسان وقدرها وشاءها، لقوله " إن الله كتب الحسنات " .
الفائدة الثانية: رحمة الله سبحانه بعباده.
الفائدة الثالثة: فيه حث على النية الصادقة في فعل الخيرات، فمن همّ بحسنة كتبها الله ولو لم يعملها الشخص فيكون المسلم ما بين عمل صالح ونية صادقة.
الفائدة الرابعة: العمل الصالح يضاعفه الله إلى عشر حسنات ثم إلى سبعمائة ضعف ثم إلى أضعاف كثيرة.
الفائدة الخامسة: الهم بالحسنة يكتبه الله لصاحبه.
الفائدة السادسة: فعل الحسنة بعد الهم بها أفضل من مجرد الهم، ففرق بين حسنة يكتبها الله حسنة واحدة وبين أن تضاعف إلى أضعاف كثيرة.
الفائدة السابعة: فيه لطف الله سبحانه وتعالى بعباده كما ذكره النووي رحمه الله.
الفائدة الثامنة: الترغيب من أساليب الدعوة إلى الله.
الفائدة التاسعة: يربي في المؤمن جانب الرجاء وهو من أعمال القلوب، لأنه يورث حسن الظن بالله ويقود للعمل.
الفائدة العاشرة: لا تعارض بين أن الله كتب السيئات على الإنسان وبين أنه يعاقبه عليها، لقوله " فعملها " فنسب العمل للإنسان نفسه مع إرادته واختياره وبيان الله له أعظم بيان لفضل الحسنات وما أعده الله لمن عمل حسنة، فمن ترك بعد ذلك وذهب للسيئات باختياره فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه.
الفائدة الحادية عشرة: فيه إطلاع الله على مجرد هم الإنسان ومن باب أولى أعماله، فسبحان من لا تخفى عليه خافيه.
الفائدة الثانية عشرة: يزيد في جانب الحياء عند المؤمن لأن الله مطلع على سريرته بل وعمله السيئات، فمن استحضر هذا زاد حياؤه من الله سبحانه.
الفائدة الثالثة عشر: من فضّل السيئات وعملها بعد هذا الحديث فقد فرّط أعظم تفريط، وقامت عليه الحجة.
الفائدة الرابعة عشر: يدل على كمال غنى الله سبحانه وتعالى، فإنه يجازي بالهم بالحسنة وبمضاعفة الحسنة ولا ينقص مما عنده شيئاً.
الفائدة الخامسة عشر: يوجب الحديث شكر المولى سبحانه وتعالى على صفاته العظيمة كما قال النووي رحمه الله: "فلله الحمد والمنة سبحانه لا يحصي ثناء عليه" أ.هـ.
الفائدة السادسة عشر: يكتب الله الحسنات والسيئات التي يعملها الإنسان حتى تقام الحجة عليه من نفسه وتحقيقاً لكمال العدل فلا يظن من عمل السيئات ونسيها أنها غابت وفاتت ونسيت بل كتبها الله وحفظها إن لم يتدارك نفسه بتوبة.
الفائدة السابعة عشر: يربي في المسلم الخوف من الله لقوله " فمن هم بسيئة فلم يعملها " أي خوفاً من الله، والخوف من مقامات القلوب.
الفائدة الثامنة عشر: فيه فضل الخوف من الله ومراقبته سبحانه، فقد كتب لمن ترك السيئة ـ خوفاً من الله ـ كتبها له حسنة فهذا الذي يورثه الخوف من الله سبحانه ومطالعته ومراقبته.
الفائدة التاسعة عشر: الإنسان مع بيان فضل الله قد يغلبه هواه ونفسه والشيطان فيقع في الذنب، لكن من فضل الله ورحمته أنه يكتبها عليه سيئة واحدة، فإن تاب تاب الله عليه.
الحديث الثامن والثلاثون
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ) رواه البخاري
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: فيه الوعيد الشديد لمن آذى عبداً من عباد الله الصادقين حيث توعده الله بقوله " فقد آذنته بالحرب " .
الفائدة الثانية: فيه الحث على أن يكون الشخص من أولياء الله حتى يحصل له هذا الفضل.
الفائدة الثالثة: يدل على منزلة الإنسان المؤمن الصادق عند ربه، وأنها منزلة عالية حيث ينتقم الله له إن أوذي.
الفائدة الرابعة: الولاية لله تختلف على حسب زيادة الإيمان والتقوى في القلب، لأنها مأخوذة من الولي بسكون اللام وهو القرب، ولا شك أن القرب إلى الله يختلف بإختلاف الطاعات، فعلى هذا كلما كان الشخص أكثر إيماناً وأشد صدقاً وأعلى إخلاصاً كلما ارتفعت درجة ولايته.
الفائدة الخامسة: فيه محبة الله لأوليائه حيث ينتصر لهم إذا مسوا بسوء.
الفائدة السادسة: يدل على عظيم غضب الله وشدته لكمال قوته سبحانه.
الفائدة السابعة: دل على أن تقصد إيذاء المؤمنين معصية من المعاصي وكبيرة من كبائر الذنوب لأن الله رتب عليها الحرب.
الفائدة الثامنة: الحديث يبعث الطمأنينة والراحة للمؤمن لأن الله تكفل بالإنتقام له، والمطلوب منه فقط رعاية إيمانه وزيادته حتى ترتفع درجة ولايته فيكون المؤمن إذا ابتلي مشغولاً بالحفاظ على إيمانه وزيادته غير ناظر إلى عدوه لأن الله تكفل فيه.
الفائدة التاسعة: دل الحديث على أن الفرائض أعلى من النوافل جميعاً لقوله " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه " .
الفائدة العاشرة: قوله " وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل" فيه تفسير لمعنى الولي، وأن من أدى الفرائض ثم أتبعها بالنوافل حصل على ولاية الله وكلما كان حرصه على ذلك أكمل كلما كانت درجة ولايته أعلى إلى أن يصل إلى درجة الحديث وهي الإحسان.
الفائدة الحادية عشرة: فيه رد على الصوفية الذين يزعمون أن الولي منزلة من بلغها سقطت عنه التكاليف، فمن تأمل الحديث وجد ان من بلغ مرتبة الولاية فعليه أن يزداد حفاظاً على الفرائض والنوافل.
الفائدة الثانية عشرة: الله يحب الطاعات وعلى رأسها الفرائض لقوله " وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه " .
الفائدة الثالثة عشر: أداء النوافل يحتاج إلى استمرار ومحافظة ومداومة حتى يرتقي الشخص إلى درجة أكمل ولهذا قال " ولا يزال " وهي كلمة تدل على الإستمرارية.
الفائدة الرابعة عشر: يدل على أن النوافل مما يتقرب بها إلى الله، لا كما ينظر إليها بعض الناس اليوم أنه لا يأثم تاركها فنظروا إلى الإثم وعدمه وفاتهم أنها مما يقرب إلى الله.
الفائدة الخامسة عشر: للنوافل فائدتان مذكورتان في الحديث:
الأولى: أنها تقرب إلى الله في المنزلة، ولهذا قال " ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل ".
الثانية: تورث محبة الله سبحانه للعبد لقوله " حتى أحبه ".
الفائدة السادسة عشر: فيه إثبات صفة المحبة لله سبحانه وتعالى.
الفائدة السابعة عشر: الحديث فتح الباب أمام المسلم ليعمل ما يستطيع من النوافل وأنواع العبادات، ولهذا أطلق النوافل ولم يقيدها بقيد.
الفائدة الثامنة عشر: العبودية لله هي حقيقة الولاية ولهذا كرر كلمة " عبدي " مرتين.
الفائدة التاسعة عشر: الحديث يربي المسلم على العمل الصالح ليلتمس محبة الله لقوله " ولا يزال عبدي يتقرب " وهذا هو شأن المسلم في حياته يصرفها في طاعة الله ومرضاته.
الفائدة العشرون: فيه كرم الله سبحانه حيث يعين المؤمن على العمل الصالح ثم يقبله منه ويحبه لأجله فله الفضل أولاً وآخراً.
الفائدة الحادية والعشرون: في الحديث بيان لتوفيق الله لمن أحبه أيما توفيق، فقد حاز الفلاح كله.
الفائدة الثانية والعشرون: ثمرات محبة الله للعبد تتجلى في أمور:-
أولاً:- يوفقه الله في سمعه فلا يسمع إلاّ ما يحبه الله.
ثانياً:- يوفقه الله في بصره فلا ينظر إلى الحرام، بل يطيع الله في عينيه.
ثالثاً:- يوفقه الله في يده فلا يتصرف إلاَّ بما يحب الله ويهجر ما نهى الله عنه.
رابعاً:- يوفقه الله في رجله فلا تخطو إلاَّ لما يرضاه الله.
خامساً:- يستجاب دعاؤه، حيث أكدَّ ذلك باللام والنون فقال " لأعطينَّه " .
سادساً:- يعيذه الله من كل سوء، حيث أكدّ الله ذلك باللام والنون فقال " لأعيذنه ". نسأل الله الكريم من فضله.
الفائدة الثالثة والعشرون: الطاعات إذا فعلها الإنسان ثم استمر عليها تطرد من قلبه أي محبة غير الله.
الفائدة الرابعة والعشرون: في الحديث تربية لأهل الطاعة والأولياء أن ما حصل لهم من الطاعات والبعد عن السيئات إنما هو بفضل الله حيث أحبهم فيطرد هذا الكبر والعجب من القلب ولا يترك للشيطان مدخل.
الفائدة الخامسة والعشرون: يدل الحديث على أن من وقع في المعاصي واستمر فيها نقصت محبة الله له، وهذا من شؤم المعصية.
الفائدة السادسة والعشرون: قوله " ولئن سألني لأعطينَّه ولئن استعاذ بي لأعيذنَّه " رد على أهل الإلحاد والحلول الذين فهموا من قوله " كنت سمعه وبصره ويده ورجله " عقيدة الحلول الباطلة. فقد قال " لئن سألني " فأثبت سائل وهو العبد ومسؤول وهو الله.
الفائدة السابعة والعشرون: قوله " كنت سمعه الذي يسمع به ... الحديث " هذا تفسير لمعية الله الخاصة بعباده المؤمنين وأوليائه الصادقين.
الفائدة الثامنة والعشرون: دل الحديث على أن أساس الطاعة وأصلها محبة الله في القلب، فمن أحب الله أطاعه، فإن قويت محبته زادت طاعته.
الفائدة التاسعة والعشرون: دل الحديث على أن أساس المعاصي وأصلها محبة غيرالله من هوى أو نفس أو دنيا، فمن أحب غير الله نقص من طاعته لله على قدر محبته لذلك الغير، فإن زادت محبته لغير الله وقع في الشرك، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم " تعبس عبد الدينار" فعبوديته له على قدر محبته له.
الفائدة الثلاثون: قوله " يكره الموت " يدل على أن الجزع من الموت وعدم محبته لا إثم فيه، لأن الكلام في الحديث عن المؤمن.
الفائدة الحادية والثلاثون: قوله " أكره مساءته " يدل على شدة الموت وصعوبة نزوله ولهذا سماها الله " مساءة " أي يحصل له سوء فيه، فنسأل الله أن يهون علينا سكرته.
الفائدة الثانية والثلاثون: المراد بالتردد هنا أن الله كتب الموت على الناس جميعاً والمؤمن يكره الموت لما فيه من شدة وكرب، فالله كتبه على الناس ومع ذلك يكره سبحانه ما يسيء المؤمن فسمى ذلك تردداً.
الحديث التاسع والثلاثون
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: (إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: فيه كرم الله سبحانه وتعالى وعظيم عفوه، حيث تجاوز عن تلك الأمور.
الفائدة الثانية: ظاهر لفظ الحديث في قوله " أمتي " يدل على أن ذلك من خصائص هذه الأمة المحمدية.
الفائدة الثالثة: دل على أن الخطأ والنسيان والإكراه معفو عنها متجاوز عن الإثم فيها.
الفائدة الرابعة: الحديث يؤيد قوله تعالى " لا يكلف الله نفساً إلاَّ وسعها " البقرة (286)
الفائدة الخامسة: دل على الفرق بين الخطأ والنسيان:-
فالخطأ: أن يقصد بفعله شيئاً فيصادف فعله غير ما قصده، كأن يقصد أن يقتل كافر فصادف قتله مسلماً .
والنسيان: أن يكون ذاكراً الشيء فينساه عند الفعل.
الفائدة السادسة: استثنى أهل العلم بالإجماع من الإكراه إذا أكره على قتل مسلم، لنصوص أخرى، وفي هذا عظمة دم المسلم.
الفائدة السابعة: المراد من قوله " تجاوز " يعني عن الإثم، لكن قد يضمن أحياناً ويعيد الفعل أحياناً على حسب الفعل فمن نسي الوضوء وصلى فلا إثم عليه لكن عليه الإعادة وهكذا.
الفائدة الثامنة: فيه سهولة الشريعة الإسلامية وتيسير الله لها.
الحديث الأربعون
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمنْكبيَّ فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُوْلُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ. وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لمَوْتِكَ..رواه البخاري.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا.
الفائدة الثانية: حديث الباب يضبط تعامل المؤمن مع الدنيا، فينظر لها على أنها ممر لا مقر.
الفائدة الثالثة: يبين منزلة الدنيا عند المؤمن وأنها أقل شأناً من أن يتعلق بها أو يصرف لها همه وهمته بل يسخرها في طاعة الله.
الفائدة الرابعة: لا يدل الحديث على ترك الرزق وتحريم ملذات الدنيا، بدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال هذه الوصية وصحابته الكرام الذين طبقوها فقد تاجروا وعملوا وتلذذوا بالحلال مما يدل على أن المراد بالحديث عدم التعلق بحيث تصده عن طاعة ربه.
الفائدة الخامسة: يدل الحديث على أن النصيحة تبذل أحياناً بدون سؤال وطلب، فقد أسدى النبي صلى الله عليه وسلم هذه النصيحة لابن عمر رضي الله عنهما بدون سؤال وطلب منه، وهذا هو شأن المؤمن.
الفائدة السادسة: يربي الحديث المسلم على أن يزول من ذهنه الخلود في هذه الدنيا كما هو حال الرجل الغريب الذي يمر ببلد فإنه جعل في قرارة ذهنه أنه لن يستقر فيها.
الفائدة السابعة: قوله " غريب " إشارة إلى أننا في هذه الدنيا على سفر للدار الآخرة.
الفائدة الثامنة: من لوازم الغربة للرجل الغريب ما يلي:-
أ - عدم الاستقرار في البلد الذي يمر عليه، وكذلك المؤمن لا يستقر في الدنيا.
ب - رضاؤه بالقليل من المتاع، وهذا هو حال المؤمن التقي مع متاع الدنيا فيرضى بالقليل منه.
ج - الغريب لا ينافس أهل البلد في دنياهم وبنائهم وأموالهم وشؤونهم لأن همته متعلقة بما أمامه من طريق، وكذلك المؤمن لا ينافس الناس في دنياهم بل همه معلق بالآخرة والاستعداد لما أمامه.
د - استعداده للسفر في أي لحظة أو ساعة، وكذلك أيضاً المؤمن مستعد للقاء ربه متى شاء الله سبحانه.
هـ - الغريب لا يأسف ويحزن لفوات شيء من دنيا الناس في ذلك البلد لأنها لا تعنيه وكذلك المؤمن لا يأسف ويحزن لفوات شيء من أمور الدنيا حزناً يقطعه عن عمله وآخرته.
وـ الغريب لا يطمئن ويرتاح حتى تنقطع غربته بالوصول لما يريد، والمؤمن لا يرتاح ولا يطمئن حتى يوصله الله بفضله لدار كرامته.
ز- الغريب يجعل إقامته في ذلك البلد عوناً له على قطع سفره، فيتزود فيه من الماء والطعام والراحة ليواصل سيره، وكذلك المؤمن يجعل الدنيا عوناً له على سفره للدار الآخرة فيتزود بالأعمال الصالحة لتعينه على سفره.
الفائدة التاسعة: قوله " غريب أو عابر سبيل " يشتركان في عدم الإستقرار والإستيطان والإستعداد للرحيل.
الفائدة العاشرة: الحديث يربي المؤمن على التطلع للآخرة والنظر والاستعداد لها.
الفائدة الحادية عشر: يبين الحديث مدة الدنيا بالنسبة للآخرة وأنها كإقامة غريب في غربته مقارنة بإستيطانه في بلده أو استراحة عابر سبيل مقارنة بمدة إقامته عند أهله.
الفائدة الثانية عشر: يدل الحديث بمفهومه على خسارة من باع دنياه بدينه، لأنه باع فانٍ زائل بباقٍ دائم.
الفائدة الثالثة عشر: قول ابن عمر رضي الله عنهما " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء " تفسير لحديث الباب، وتطبيق عملي للحديث.
الفائدة الرابعة عشر: الحديث لا ينفي طلب الرزق والتزود من الدنيا كما أن الغريب في حال غربته لا يقطعه ذلك عن التزود والأكل والرزق.
الفائدة الخامسة عشر: وصف الغربة في الحديث يدل على أمرين:-
الأول: ينفي العجب والكبر والبطر والفخر لأن الغريب كذلك.
الثاني: يوحي اللفظ بالمسكنة والذلة الجزئية.
وكِلا الأمرين يجب أن يتحلى بهما المؤمن، فينفي الكبر والبطر والفخر، ويلبس لباس العبودية والفقر والذلة لله سبحانه وتعالى.
الحديث الحادي والأربعون
عَنْ أَبِيْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بِنِ عمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَيُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَواهُ تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ"حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الحُجَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: دل الحديث على أن من جعل هواه يتبع دين الله وشرعه فقد استكمل الإيمان.
الفائدة الثانية: دل على أن الهوى يحتاج إلى مجاهدة حتى يتبع شرع الله .
الفائدة الثالثة: طاعة الهوى تصرف عن دين الله.
الفائدة الرابعة: المؤمن يجعل هواه على حسب الشريعة، وأما ناقص الإيمان يقدم طاعة الهوى أحياناً، وأما المنافق والكافر فيحرف الشريعة على حسب هواه ورغبته.
الفائدة الخامسة: الحديث يربي المسلم على محاسبة نفسه وهواه هل هي تتبع الشرع أم لا ؟
الفائدة السادسة: يدل على خطورة الهوى، لأنه إن لم يكن تبع الشرع فإنه ينقص الإيمان وقد يزيد النقص إلى درجة خطيرة جداً.
الفائدة السابعة: المسلم مستسلم لأمر الله سواءً وافق هواه أم لا؟
الفائدة الثامنة: المؤمن يحب الله وأوامره، ويعظم نواهيه، وهذا معنى أن يجعل هواه تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
الفائدة التاسعة: يدل الحديث على أن المؤمن لا يبحث عما يشتهي هواه، لكن يبحث عن طاعة الله ثم يفعلها.
الفائدة العاشرة: يربي النفس على المجاهدة، لأن الهوى هو أمل النفس ومرادها ومبتغاها، ولأجل ذلك يحتاج إلى جهد ومجاهدة وإيمان حتى يكون تبعاً للشرع.
الفائدة الحادية عشرة : يربي المسلم على طلب الشرع والدليل ولو خالف هواه، فالمؤمن يبحث عن الدليل فإن صح عمل فيه ولو كانت نفسه وهواه ينازعه لأنه جعل هواه تبعاً لدين الله.
الحديث الثاني والأربعون
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: "يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ، يَا ابْنَ آَدَمَ لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استَغْفَرْتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِيْ بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقِيْتَنِيْ لاَ تُشْرِك بِيْ شَيْئَاً لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً"رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحَيْحٌ.
الفوائد التربوية :
الفائدة الأولى: الحديث أصل في باب التوبة والحث عليها.
الفائدة الثانية: يربي المسلم على إحسان الظن بربه سبحانه وتعالى لأن الله عند ظن عبده به.
الفائدة الثالثة: فيه لطف الله سبحانه وتعالى في مناداته لعبده وقربة منه.
الفائدة الرابعة: فيه بيان سعة رحمة الله وعظيم مغفرته.
الفائدة الخامسة: يربي جانب الرجاء في قلب المؤمن.
الفائدة السادسة: الله يغفر كل شيء إذا تاب الإنسان لربه بما في ذلك الشرك.
الفائدة السابعة: يدل على أن الله سبحانه وتعالى إذا أعطى عبده المؤمن وغفر له لا ينقص ذلك مما عنده لقوله " ولا أبالي ".
الفائدة الثامنة: يدل الحديث على أن الدعاء يجب أن يكون معه رجاء بالله أنه يستجيب ويسمع وينصر ويعطي ولذلك قَرَن في الحديث بين الدعاء والرجاء فقال " إنك ما دعوتني ورجوتني ".
الفائدة التاسعة: يدل الحديث على أن الإنسان إذا تلبس بالمعاصي والذنوب والخطايا ينبغي ألاَّ يمنعه ذلك من الدعاء بل إنه أحوج ما يكون إلى الدعاء، ويدل على ذلك في الحديث قوله " على ما كان منك ".
الفائدة العاشرة: بين الحديث أسباب مغفرة الذنوب والخطايا، وهي ما يلي:-
1- الدعاء لقوله " ما دعوتني ".
2- الرجاء لله سبحانه لقوله " ورجوتني ".
3- الاستغفار في جميع الأوقات لقوله " ثم استغفرتني غفرت لك ".
4- التوحيد لقوله " ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً ".
الفائدة الحادية عشرة: دل على أن الإستغفار إذا تقبله الله غفر الله لصاحبه ولو كانت ذنوبه عنان السماء.
الفائدة الثانية عشر: الحديث يفتح باب الأمل للمسرف على نفسه بالمعاصي، ولذلك جميع ألفاظ الحديث تدل على ذلك:-
قوله " على ما كان منك ولا أبالي " وقوله " لو بلغت ذنوبك عنان السماء " وقوله " لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ".
وكلها ألفاظ موجهة للمسرف على نفسه بالذنوب وغيره من باب أولى.
الفائدة الثالثة عشر: الإسلام لا يكبت النفس ويحطمها ولذلك عالج المذنب والمخطئ بفتح الأمل له وفتح باب المغفرة.
الفائدة الرابعة عشر: الحديث يربي الإنسان والناس جميعاً على التعلق بالله ورجائه والإنطراح بين يديه.
الفائدة الخامسة عشر: الحديث يبين ضعف الإنسان وكثرة ذنوبه، وعظم الله وسعة رحمته.
الفائدة السادسة عشر: دل الحديث على أن الإنسان لا غنى له عن ربه طرفه عين، فيحتاج إعانته ومغفرته وتوفيقه وهداه.
الفائدة السابعة عشر: فيه فضل التوحيد حيث يغفر الله لصاحبه ذنوبه وخطاياه لما قام بقلبه من توحيد الله وإخلاص العبادة له.
الفائدة الثامنة عشر: من تأمل الحديث وجد أنه يربي جانب الحياء من الله، فإذا تامل المؤمن ألفاظ الحديث وأن الله ينادي عباده، وفتح لهم باب المغفرة مع أنهم هم المحتاجون له، ومع ذلك يذنبون، لا شك أن ذلك يورث المؤمن الحياء من الله سبحانه وتعالى.
[/size]
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع