الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
القسم العام
الركن العام
جســـر التعــــب
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="تسابيح ساجدة" data-source="post: 51444" data-attributes="member: 47"><p style="text-align: center"><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px"><span style="color: #0000ff">جســـر التعــــب</span></span></span></p> <p style="text-align: center"></p> <p style="text-align: center"></p> <p style="text-align: center"></p> <p style="text-align: center"></p><p></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px"><span style="color: #800000">إبراهيم بن عمر السكران</span></span></span></p><p> </p><p> </p><p> </p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">الحمد لله وبعد،، </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">إذا أخذت تتصفح (مفكرة المهام) الصغيرة أمامك، أو استخرجت من درج مكتبك أوراقاً عتيقة كنت قد رسمت فيها لنفسك (خططاً) علمية ودعوية، أو حتى مهنية، سيثور مع غبار هذه الأوراق شيء من الحزن وستشعر أنك ما زلت في أدنى الوادي، بينما طموحاتك وأمنياتك وأحلامك مازالت هي الأخرى تعانق السحاب! وليس إلى وصلها سبيل بعد.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">فكيف إذا حرث المرء ذهنه وتذكر طموحاً أجمل من هذه الطموحات كلها، كطموح المرء أن يرافق محمداً –صلى الله عليه وسلم- في قصور الفردوس، فيعيش مستقبله السرمدي مع تلك الكوكبة الراقية.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px"><span style="color: #0000ff">ما السبب ياترى أن تلك الأحلام والخطط الجميلة، ركضت فوقها السنوات بحوافرها، حتى بهت حبرها؛ ولم تتحقق بعد؟ </span></span></span></p><p> </p><p><span style="font-size: 22px"><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="color: #ff0000">الحقيقة أن تفسير الإخفاق، وتعثر الخطط والطموحات</span>، له عوامل كثيرة، دلت على بعضها النصوص الشرعية، ودلت على بعضها الخبرة البشرية الهائلة اليوم في علوم الإدارة والتخطيط والنجاح، وخصوصاً المعرفة الإدارية المبرهنة تجريبياً/إمبيريقياً.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">ولكن ثمة عاملٌ له في نفسي حفاوةٌ خاصة، عامل يفسر كثيراً من فشل الطموحات والأحلام.. هذا العامل بكل اختصار: هو أن الخطط فوق الصخور والأرجل ما زالت ناعمة ما حفيت بعد.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">مازال في كثير من النفوس وهم مطمور أنه يمكن أن يبلغ المرء المجد وهو لم يكابد المشاق ويلعق الصبِر.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">لقد ركّب الله في هذه الحياة أن (معالي الأمور) التي نص عليها القرآن، كالرسوخ في العلم، وإظهار الهدى ودين الحق على الدين كله، والتمكين في الأرض، وإصلاح الأمة، ونحوها من المطالب الكبرى لا تحصل للمرء وهو مستكملٌ راحته وطعامه وشرابه ونومه وأوقات استرخائه.. هذه حقيقة دلّ عليها الشرع وصرخت بها تجارب الحياة.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">إذا كان المرء ينام حتى تُجهرك أشعة الحمرة في عينيه، ويبسط خوان الطعام كلما اشتهى، ويخصص الأوقات الطويلة للقهوة والشاي والعصائر والفطائر، ولا يسمح لنفسه بأن تتنازل عن أي فرصة فسحة أو مسامرات مع أصحابه، ولا يستطيع كبح جماح تصفح الانترنت أن يسرق ساعاته، إذا كان المرء كذلك .. ومازال يرجو أن تتحقق يوماً ما خططه العلمية والدعوية والإصلاحية فمثل هذا الشخص قد استأصل عقله، وزرع بدلاً منه مصباح علاء الدين! </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">معالي الأمور، والطموحات الكبرى، في العلم والتعليم والتأليف والإصلاح والتغيير والنهضة بالأمة؛ لا تكشف وجهها لك، حتى تمسح العرق عن جبينك بيدٍ ترتعش من العناء.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">كنت أتحدث مرةً مع أحد أقراني الناشطين في ميدان (التربية الدعوية)، فقال لي: ماوجهة نظرك في أكبر مشكلة تهدد المحاضن التربوية مع هذه المتغيرات والتحديات الفكرية الجديدة؟ فقلت له بقناعة تحفر أخاديدها في عقلي: صدقني يا أبا فلان، دع عنك كل هذه الانحرافات الفكرية، فليست بشيء، أخطر مشكلة تهدد التربية الدعوية (نقص الجدية). </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">في بيئةٍ يغلب عليها ضجيج اللهو وخفة المرح وقهقهات الفكاهة .. أتُراها يمكن أن تنتج مُسنَداً أو مدونةً أو مَعْلَمةً أو معجماً؟! منطق الحياة يأبى ذلك.. والعلم خلقه الله ثميناً لا يُجلب في الأسواق المخفضة.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">سل من شئت من أهل العلم المبدعين، ونقّب في السيرة الذاتية لمن يأسرك تدفقه بالعلوم.. وستجد في كل هذه الشخصيات أن المتضرر الأكبر في حياتهم هو النوم والطعام والشراب والترفيه.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">خططنا في شواهق الجبال .. ومازالت أقدامنا غضة طرية! بل .. ونتوهم أنه في يومٍ من الأيام ستهبط النتائج بلا مقدمات.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-size: 22px"><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="color: #0000ff">خذ مثلاً ..</span> ما أكثر ما تجد عند طلاب العلم والباحثين (مسوّدة كتاب أو مؤلَّف) لم يتجاوز تقسيم الموضوع والعناصر، وبعض الشواهد والنصوص والملاحظات المهمة، وتسري عليه السنون، تزاور الشمس عن يمينه وشماله.. ولم ير النور بعد، ولا أظنه سيراها .. طالما أن فضول النوم، وفضول الطعام والشراب، وفضول الترفيه، وفضول الخلطة، وفضول الحديث والكلام، وفضول النظر، قد استكملت أوقاتها وأخذت نصيبها غير منقوص.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وهكذا تجد في عزم كثير من الناس شُعباً من الخير والإنجاز والإنتاج.. لكنها لم تتجاوز بعد مرحلة (المشروع).. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">بل خذ أمراً من شؤون الدنيا ذاتها .. ما أكثر ما تجد شاباً يحدث نفسه، وأهله، وأصدقاءه؛ عن عزمه على البدء بمشروع تجاري في غضون "الأيام القادمة".. ومع ذلك تمضي السنوات ومازالت هذه "الأيام القادمة" التي يحدثك عنها لم تأت بعد! لأنه لم يستطع التخلي عن حصص الترفيه والراحة والسهرات من برنامجه اليومي! </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">لما كان الإمام مسلم بن الحجاج يصنف كتابه "الصحيح" الذي هو أحد مفاخر هذه الأمة، وبلغ -رحمه الله- أحاديث الصلاة، وبلغ منها تحديداً أحاديث مواقيت الصلاة، جاء لحديث عبد الله بن عمرو المشهور في تحديد أوقات الصلاة، وكان هذا الحديث جاء بروايات متفرعة متعددة، فرتبها ترتيباً حسناً استوعب اختلاف الطرق فيها عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو، فلما رأى رحمه الله صنيعه هذا أراد أن يوصل رسالة لقارئ كتابه أن هذه النتيجة الحديثية التي توصل إليها في حديث عبد الله بن عمرو لم تأت إلا بالعناء المضني، فأخرج بعدها أثراً عن الإمام الحافظ يحي بن أبي كثير (ت129هـ) يقول فيه: </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">(حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، قال أخبرنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، قال: سمعت أبي يقول: "لا يستطاع العلم براحة الجسم" )[صحيح مسلم:612]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وموطن العجب هاهنا أن الإمام مسلم لا يخرج في كتابه إلا أحاديث مرفوعة عن النبي –صلى الله عليه وسلم، هذا شرطه في الكتاب من حيث الأصل، فكيف روى هذا الأثر عن إمام من صغار التابعين، يتحدث فيه عن التعب في العلم، ووضعه بين أحاديث الصلاة؟ </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px"><span style="color: #0000ff">يقول القاضي عياض (ت 544هـ) في كتابه إكمال المعلم: </span></span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">(فكثيرٌ من يسأل عن ذكره هذا الخبر فى هذا الموضع وليس منه، ولا هو من حديث النبى -صلى الله عليه وسلم- ولا من شرط الكتاب ، فقال لنا بعض شيوخنا: إن مسلماً رحمه الله أعجبه ما ذكر فى الباب، وعرف مقدار ما تعب فى تحصيله وجمعه من ذلك، فأدخل بينها هذا الخبر تنبيهاً على هذا، وأنه لم يحصِّل ما ذكر إلا بعد مشقة وتعب فى الطلب، وهو بيِّن، والله أعلم)[القاضي عياض، إكمال المعلم: 2/577]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">واضح جداً أن هذه العبارة التي قالها الإمام يحي بن أبي كثير (لا يستطاع العلم براحة الجسم) أنها كانت ذات وقعٌ في نفس الإمام مسلم، وكأنه كان يستحضرها بشكل خاص، فالعبارات التي تهيج النفس على الجلد والدأب والمثابرة في العلم كثيرة، لكنه اختار من بين هذه النصوص عبارة الإمام يحي بن أبي كثير هذه (لا يستطاع العلم براحة الجسم) لأن لها في نفسه أثراً أقرب إلى روحه. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">ومن تأمل في ضخامة العلم، وقصر العمر، وكثرة متطلبات الحياة؛ أدرك حقاً أن عبارة الإمام يحي بن كثير هذه (لا يستطاع العلم براحة الجسم) أنها: لم تخرج من طرف الذهن.. ولم تكتب بحبر الأدب.. وإنما حفرت حروفها بإزميل التجارب.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">ما أكثر ما رأيتُ عالماً شاباً بزّ أقرانه يتدفق بالأسانيد والمسائل، أو رأيت عملاً علمياً رصيناً صار أصلاً في بابه .. إلا قلت في نفسي: رحم الله يحي بن أبي كثير حين قال (لا يستطاع العلم براحة الجسم). </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وهذا التعب الذي يجب تحمله ومكابدته لا يختص بمطلب دون مطلب، بل هو عام في (الكمالات الإنسانية) كلها، كما يقول ابن القيم (الكمالات كلها لا تُنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب)[ابن القيم، مفتاح دار السعادة، 2/895، طبعة مجمع الفقه]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وأعظم المتعبين ثمرةً أولئك الذين أنفقوا تعبهم باتجاه المستقبل الأبدي، وقد قال ابن القيم رحمه الله (هيهات ما وصل القوم إلى المنزل إلا بعد مواصلة السرى، ولا عبروا إلى مقر الراحة إلا على جسر التعب)[ابن القيم، بدائع الفوائد، 3/1187، طبعة مجمع الفقه]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">ومن المهم أن يلاحظ المرء (حكمة الله) في هذه العلاقة بين (التعب والإنجاز) كما أشار لذلك ابن القيم حين شرح مسائل القدر الكوني وحكمة الله فيه فقال: </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">(يوضحه الوجه الحادي والعشرون: أنه قد استقرت حكمته سبحانه أن السعادة والنعيم والراحة لا يوصل إليها إلا على جسر المشقة والتعب، ولا يُدخل إليها إلا من باب المكاره والصبر وتحمل المشاق)[ابن القيم، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ص448، طبعة دار التراث]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وهذه العلاقة بين <span style="color: #ff0000">(التعب والإنجاز)</span> ليست معنى شرعياً يختص بالأمم التي بلغها الوحي، بل هو معنى تستنتجه العقول فور معاركتها الحياة .. وأول من رأيته نبّه على تواطؤ الثقافات على هذا المعنى بعبارة بديعة جداً، الإمام الحافظ الزاهد أبو إسحاق إبراهيم الحربي (285هـ)، صاحب الكتاب المشهور تاريخياً عن (غريب الحديث)، وهو من تلاميذ أحمد بن حنبل، حيث نقل عنه ابن تيمية عبارة تهز النفوس مما فيها من البلاغة وهيبة المعنى، حيث يقول ابن تيمية: </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">(قال إبراهيم الحربي: "أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم" )[ابن تيمية، قاعدة في المحبة مطبوعة ضمن جامع الرسائل، 2/393، تحقيق رشاد سالم] </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وروى هذه العبارة الخطيب البغدادي في تاريخه عن إبراهيم الحربي بصيغة مختلفة قليلاً، وتحدث فيها ابراهيم الحربي بأمور عن نفسه في غاية العجب، ليس في كونه يتحمل المشاقّ فقط، بل في معنى أدق، وهو كونه لا يأبه بها ولا يلتفت إليها، حيث جاء في تاريخ الخطيب: </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">(أجمع عقلاء كل أمة أنه من لم يجرِ مع القدر لم يتهنّأ بعيشه، كان يكون قميصي أنظف قميص وإزاري أوسخ إزار، ما حدثت نفسي أنهما يستويان قط، وفرد عقبي مقطوع، وفرد عقبي الآخر صحيح، أمشي بهما وأدور بغداد كلها، هذا الجانب وذلك الجانب، لا أحدث نفسي أني أصلحها، وما شكوت إلى أمي، ولا إلى أختي، ولا إلي امرأتي، ولا إلي بناتي قط: حُمّى وجدتها، الرجل هو الذي يدخل غمّه على نفسه، ولا يَغُمّ عياله، كان بي شقيقة خمساً وأربعين سنة ما أخبرت بها أحداً قط، وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين، إن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت، وإلا بقيت جائعاً عطشان إلى الليلة الثانية)[الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 6/522، طبعة بشار]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وبكل صراحة فإن مثل هذا النمط من الاشتغال بالمطالب العالية والإعراض التام عن الالتفات للمشاق والتعب؛ نمط استثنائي لا أظن يطيقه إلا النوادر في التاريخ.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وهذه العبارة لإبراهيم الحربي شاع معناها في من جاء بعده من أهل العلم، فتتابعوا على تأكيد تجريبية وعقلانية هذا المعنى، وتداوله بين الأمم، حتى قال ابن القيم في تأثر واضح بعبارة إبراهيم الحربي: </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">(العقلاء قاطبة متفقون على استحسان إتعاب النفوس في تحصيل كمالاتها، وكل من كان أتعب في تحصيل ذلك؛ كان أحسن حالا وأرفع قدرا)[ابن القيم، شفاء العليل، ص449، طبعة دار التراث]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">إذا كنت في مسجد حيكم تدور تتحفظ متناً من متون العلم .. أو كانت المراجعُ منشورةٌ بين يديك، مطويةٌ زواياها، وقد غصصت في منتصف البحث .. أو كنت واقفاً في مهمة دعوية تراوح بين قدميك .. ثم داهمك النعاس، أو تلقيت رسالة من أصدقائك تعرض عليك مشروع نزهة .. فبالله عليك تذكّر قول إبراهيم الحربي (أجمع عقلاء كل أمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم) وسترى كيف تتراقص همتك مجدداً وتقبل على شأنك.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">ولا يقتصر التعب والجهد في الوصول إلى أعلى مطلب وهو الجنة والسلامة من النار، أو المطالب الشريفة كالعلم والإيمان وإطعام المساكين والإصلاح المجتمعي، بل حتى اللذائذ الدنيوية التي يطلبها الناس كالمال والصيت والمنصب الخ، فإنها أيضاً تتطلب العبور على جسر التعب، كما قال ابن تيمية: </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">(لذات الدنيا لا تُنال غالباً إلا بنوع من التعب)[ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ص20/146]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">والحقيقة أن هذا التعب الذي تتطلبه المعالي من أعظم ما يعين النفس على تحمله أن يستحضر المرء الثمرة، وأن يستدعي في ذهنه حسن العاقبة، فإن الجدوى والمكتسب تهوّن على النفس تحمل المشاق والتعب، كما يقول ابن الجوزي في استعارة مكثفة: </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">(تلمّح فجر الأجر يهُن ظلام التكليف)[ابن الجوزي، المدهش، ص295، طبعة الكتب العلمية]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">حسناً .. هذه العلاقة بين <span style="color: #ff0000">(التعب والنجاح)</span>، هل جاءت الإشارة إليها في القرآن والسنة النبوية؟ </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">نعم، جاءت إشارات كثيرة لهذه العلاقة، من أهمها ذلك التصوير النبوي الأخاذ إذ قال -صلى الله عليه وسلم- في جملة مكثفة بيانية جميلة: </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">(حُفّت الجنة بالمكاره)[صحيح مسلم:2822] </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">فالجنة لا يوصل إليها إلا بمكابدة ما تكرهه النفوس من ترك الهوى والشهوات.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وفي تصوير نبوي آخر في غاية الجمال الأدبي رسم النبي –صلى الله عليه وسلم- مشهد المؤمن وهو يتحمل الكلفة والجهد بقوله: </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">(الدنيا سجن المؤمن)[صحيح مسلم:2956]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وإذا قارنت بين تصوير القرآن لأهل الجنة، وتصوير القرآن لأهل النار؛ تلاحظ كيف يذكر القرآن أن أهل الجنة ازدحموا فوق جسور التعب في الدنيا، وأهل النار استرسلوا مع الراحة والنزوة.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">تأمل –مثلاً- كيف يذكر الله تقليل أهل الجنة لنومهم في الدنيا وسهرهم في عبادة الله، كما قال الله <span style="color: #008000"><span style="color: darkorchid">(إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)</span> </span>[الذاريات:16-17]. وقول الله عن قلة نوم سادات الصحابة <span style="color: #008000"><span style="color: darkorchid">(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)</span> </span>[المزمل:20] وقول الله لنبيه <span style="color: #008000"><span style="color: darkorchid">(قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا)</span> </span>[المزمل:2]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">بالله عليك أعد تأمل هذه الآيات <span style="color: darkorchid">"قليلاً من الليل ما يهجعون"، "قم الليل إلا قليلا"</span> ونحوها، وقارن ذلك بوسائدنا التي تقوست من نوم الليل والنهار.. </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">إنها المعالي تحتاج المكابدة.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وفي مقابل أهل الجنة، قارن نمط معيشة أهل النار لما كانوا في الدنيا وكيف يصورها القرآن؟ يقول الله عن أهل الشمال <span style="color: darkorchid">(إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ)</span>[الواقعة:45]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">ولذلك فإن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة استقبلتهم الملائكة بالتهاني والترحيب بألفاظ تشير إلى هذا المعنى كما قال الله: </span></span></p><p><span style="font-size: 22px"><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="color: #008000"><span style="color: darkorchid">(وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)</span> </span>[الرعد:23-24]. </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">فلاحظ كيف جعلت الملائكة العبارة الترحيبية "بما صبرتم" بما يشير لأمور تخالف الراحة حملوا أنفسهم عليها.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">ومن أعظم مصادر معرفة هذه المعنى تدبر أخبار وقصص الأنبياء في القرآن، وما عانوه مع أممهم، انظر –مثلاً- كيف لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وكيف كان يستثمر كل الأوقات الممكنة في دعوتهم كقول نوح صلى الله عليه وسلم <span style="color: #008000">(<span style="color: darkorchid">قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا)</span> </span>[سورة نوح:5] </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وقوله أيضاً<span style="color: #008000"> <span style="color: darkorchid">(ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا)</span> </span>[سورة نوح:8-9]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وفوق هؤلاء كلهم العناء والأهوال التي كابدها سيد ولد آدم محمد –صلى الله عليه وسلم- حتى مكّن الله له، ولخص ابن القيم جزءاً من المشهد بقوله: </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">(وكما دخل رسول -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- إلى مكة ذلك المدخل العظيم، بعد أن أخرجه الكفار ذلك المخرج، ونصره ذلك النصر العزيز، بعد أن قاسى مع أعداء الله ما قاساه..، وبالجملة: فالغايات الحميدة فى خبايا الأسباب المكروهة الشاقة)[ابن القيم، إغاثة اللهفان، ص2/817، طبعة مجمع الفقه]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وبسبب تجريبية وعقلانية هذا المعنى، وكون الناس يدركونه من مجالدة كبَد الدنيا، فقد تنافس الشعراء في تجسيد هذا المعنى في أبيات سائرة، ومن ذلك قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي(ت 231هـ) في قصيدته الشهيرة في فتح عمورية: </span></span></p><p style="text-align: center"><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px"><span style="color: #0000ff">(بَصُرت بالراحة الكبرى فلم ترها ** تُنال إلا على جسر من التعبِ) </span></span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">[ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، ص1/49، طبعة دار الكتاب] </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">بل إن أبا تمام قابل مقابلة بديعة بين نوعين من النوم، لا يحصل أحدهما إلا بهجر الآخر! كما قال: </span></span></p><p style="text-align: center"><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px"><span style="color: #0000ff">(ولم تُعطِني الأيام نوماً مُسكّناً ** أَلَذُّ به؛ إلا بنوم مشرّد)</span></span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">[ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، ص1/245، طبعة دار الكتاب] </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">فحتى النوم الهانئ لا يحصل للمرء إلا بساعات أخرى يعاني فيها هجر النوم! وأقرب صورةٍ لهذا الذي ذكره أبو تمام هي صورة (النوم بعد الإنجاز) فإن له مذاقاً لا يعدله نوم البطالة العمر كله.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">ثم جاء المتنبي (ت354هـ) بعد أبي تمام، ونحت هذا المعنى في صورٍ متعددة في منتهى البراعة الأدبية، حيث أشار المتنبي أن هذه المشاقّ وألوان التعب والعناء هي التي أصلاً صنعت الفروق بين الناس في المجد والمعالي، وإلا لاستووا، كما يقول المتنبي: </span></span></p><p style="text-align: center"><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px"><span style="color: #0000ff">(لولا المشقة ساد الناس كلهم ** الجود يُفقِر، والإقدام قتّالُ) </span></span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">[ديوان المتنبي، ص490، طبعة دار بيروت]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وأقام المتنبي في بيت من عيون الشعر علاقة عكسٍ وتضاد بين النفس والبدن، وأن النفس إذا كانت همتها عالية أتعبت البدن، وإذا انخفضت الهمة ارتاح البدن!، كما يقول المتنبي: </span></span></p><p style="text-align: center"><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px"><span style="color: #0000ff">(وإذا كانت النفوس كباراً ** تعبت في مُرادها الأجسامُ) </span></span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">[ديوان المتنبي، ص261، طبعة دار بيروت]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وفي بيت آخر نسج المتنبي هذا المعنى بتشبيه أخاذ، وهو أنه برغم أن النحل يدافع عن بيوته بلسع من يقترب منه فإن الناس تغامر لتجني العسل والتمتع بحلاوته، وهكذا طموحات الحياة، كما يقول المتنبي: </span></span></p><p style="text-align: center"><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px"><span style="color: #0000ff">(تريدين لقيان المعالي رخيصة ** ولابد دون الشهد من إبر النحل) </span></span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">[ديوان المتنبي، ص518، طبعة دار بيروت]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وشواهد هذا العلاقة بين (التعب والنجاح) لا يمكن حصرها، في النصوص الشرعية والأدبية، وفي ثقافات الأمم الأخرى، ولكن تبقّى فقط احتراز من لبس في الفهم قد يقع لبعض الناس، أو قد يتساءل عنه البعض، وهو: هل هذا يعني أن الإنسان يبحث عن التعب والنصب؟ أليس هذا يخالف تيسير الإسلام وأن المشقة تجلب التيسير؟ </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وهذا سؤال مهم، ولكشف مكمن الإشكال فيه يجب التمييز بين مستويين للمشقة دلت عليهما النصوص: أولهما (المشقة المعتادة التبعية) والثاني (المشقة المقصودة بالأصالة). </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">فأما المشقة المعتادة التبعية، أي التي تكون تابعة للعبادة، ولازمة لها، ولا يمكن التخلص منها؛ فهذه يحمد للإنسان أن يتحملها ويجاهد نفسه عليها، ويكون الأجر على قدر مصلحة العبادة ومنفعتها. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وأما المشقة المقصودة بالأصالة، فهي مشقة منفصلة عن العبادة، يتكلف الإنسان وجودها، ويستدعيها، فليست في مصلحة العمل ولا منفعته، وهي مشقة خارجية عن أصل العبادة، فهي قدر زائد، فهذه مشقة مذمومة لا يحمد للمرء أن يستدعيها ويتكلفها. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وقد دلت على هذا التقسيم النصوص، فـ(المشقة المعتادة التبعية) المحمود تحملها كقوله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة في العمرة (أجرك على قدر نصبك)[الصحيحين]. فنص النبي على ربط الأجر بحجم التعب الذي يكون في مصلحة العبادة ومنفعتها. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وذكر الله الأجر على "التعب والجوع والعطش"، ثلاثتها في قوله تعالى: </span></span></p><p><span style="font-size: 22px"><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="color: darkorchid">(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ)</span>[التوبة:120]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">بل حتى تعب تلاوة القرآن الذي يحصل لمن يعانون صعوبات لغوية له أجر خاص، كما قال صلى الله عليه وسلم (والذى يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق؛ له أجران)[مسلم:1898]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وأما التعب والنصب الذي يتكلفه الإنسان ويستدعيه، وليس في مصلحة العبادة ومنفعتها، فيكون قدراً زائداً على ما تحتاجه العبادة؛ فهذا مذموم، وجاءت فيه نصوص، ومن ذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم- (رأى شيخاً يُهادى بين ابنيه، فقال: "ما بال هذا؟" قالوا: نذر أن يمشي، قال: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني" ، وأمره أن يركب)[البخاري: 1865]. </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">فهذه مشقة يتكلفها المرء، وليست تابعةً للعبادة، أو لازمة لها، فهي غير محمودة. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">ومثل هذا حديث عروة بن مضرس المشهور، وهو من أصول المناسك، وفيه أنه قال: </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">(أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالموقف، يعني بجمع، قلت: جئت يا رسول الله من جبل طيء، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات، قبل ذلك ليلا أو نهارا، فقد تم حجه، وقضى تفثه)[أبو داود: 1950]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">فإذا ضم الباحث جواب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لعروة بن مضرس، إلى جواب رسول الله لعائشة؛ استبان له أن النصب والتعب المحمود ما كان معتاداً تابعاً للعبادة لازماً لها، دون ماكان خارجاً عنها متكلفاً. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px"><span style="color: #0000ff">وقد نبّه كثير من أهل العلم على هذا التمييز، كما قال أبو العباس ابن تيمية: </span></span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">(فكثيراً ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصودٌ من العمل، ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب، هذا في شرعنا الذي رُفِعت عنا فيه الآصار والأغلال، ولم يجعل علينا فيه حرج، ولا أريد بنا فيه العسر، وأما في شرع من قبلنا قد تكون المشقة مطلوبة منهم)[ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ص 10/622]. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وهذا التمييز بين مستويات المشقة هو تنبيه احترازي فقط لدفع لبس محتمل، وليس من أصل موضوعنا، وإنما أصل الموضوع أنني صرت أرى في نفسي، وفي كثير من إخواني من حولي؛ أننا نفكر ونخطط لأحلام وأمنيات وطموحات كبرى في العلم والدعوة والإصلاح والنهضة بالأمة، ولكن الحال التي نعيشها وما فيها من الرفاه واستكمال الراحة، وفضول النوم، وفضول الحديث والكلام، وفضول الطعام والشراب، وفضول الترفيه، لا تتناسق مع هذه الطموحات الكبرى، وأخشى إن لم نبادر عاجلاً بالصعود إلى جسر التعب أن نصطدم يوماً بتصرم العمر دون تحقق شيء من تلك الطموحات، وما أقسى خيبة نهاية النفق.. </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">اللهم ارحم الإمام يحي بن أبي كثير إذ قال (<span style="color: red">لا يستطاع العلم براحة الجسم</span>) </span></span></p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وارحم يا ألله إبراهيم الحربي إذ قال (<span style="color: blue">أجمع عقلاء كل أمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم</span>). </span></span></p><p> </p><p><span style="font-family: 'comic sans ms'"><span style="font-size: 22px">وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآل وصحبه،، </span></span></p></blockquote><p></p>
[QUOTE="تسابيح ساجدة, post: 51444, member: 47"] [center][font=comic sans ms][size=6][color=#0000ff]جســـر التعــــب[/color][/size][/font] [font=comic sans ms][size=6][color=#0000ff][/color][/size][/font] [font=comic sans ms][size=6][color=#0000ff][/color][/size][/font] [font=comic sans ms][size=6][color=#0000ff][/color][/size][/font] [font=comic sans ms][size=6][color=#0000ff][/color][/size][/font] [/center] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6][color=#800000]إبراهيم بن عمر السكران[/color][/size][/font] [font=comic sans ms][size=6][color=#800000][/color][/size][/font] [font=comic sans ms][size=6][color=#800000][/color][/size][/font] [font=comic sans ms][size=6][color=#800000][/color][/size][/font] [font=comic sans ms][size=6][color=#800000][/color][/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]الحمد لله وبعد،، [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]إذا أخذت تتصفح (مفكرة المهام) الصغيرة أمامك، أو استخرجت من درج مكتبك أوراقاً عتيقة كنت قد رسمت فيها لنفسك (خططاً) علمية ودعوية، أو حتى مهنية، سيثور مع غبار هذه الأوراق شيء من الحزن وستشعر أنك ما زلت في أدنى الوادي، بينما طموحاتك وأمنياتك وأحلامك مازالت هي الأخرى تعانق السحاب! وليس إلى وصلها سبيل بعد.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]فكيف إذا حرث المرء ذهنه وتذكر طموحاً أجمل من هذه الطموحات كلها، كطموح المرء أن يرافق محمداً –صلى الله عليه وسلم- في قصور الفردوس، فيعيش مستقبله السرمدي مع تلك الكوكبة الراقية.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6][color=#0000ff]ما السبب ياترى أن تلك الأحلام والخطط الجميلة، ركضت فوقها السنوات بحوافرها، حتى بهت حبرها؛ ولم تتحقق بعد؟ [/color][/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [size=6][font=comic sans ms][color=#ff0000]الحقيقة أن تفسير الإخفاق، وتعثر الخطط والطموحات[/color]، له عوامل كثيرة، دلت على بعضها النصوص الشرعية، ودلت على بعضها الخبرة البشرية الهائلة اليوم في علوم الإدارة والتخطيط والنجاح، وخصوصاً المعرفة الإدارية المبرهنة تجريبياً/إمبيريقياً.. [/font][/size] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]ولكن ثمة عاملٌ له في نفسي حفاوةٌ خاصة، عامل يفسر كثيراً من فشل الطموحات والأحلام.. هذا العامل بكل اختصار: هو أن الخطط فوق الصخور والأرجل ما زالت ناعمة ما حفيت بعد.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]مازال في كثير من النفوس وهم مطمور أنه يمكن أن يبلغ المرء المجد وهو لم يكابد المشاق ويلعق الصبِر.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]لقد ركّب الله في هذه الحياة أن (معالي الأمور) التي نص عليها القرآن، كالرسوخ في العلم، وإظهار الهدى ودين الحق على الدين كله، والتمكين في الأرض، وإصلاح الأمة، ونحوها من المطالب الكبرى لا تحصل للمرء وهو مستكملٌ راحته وطعامه وشرابه ونومه وأوقات استرخائه.. هذه حقيقة دلّ عليها الشرع وصرخت بها تجارب الحياة.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]إذا كان المرء ينام حتى تُجهرك أشعة الحمرة في عينيه، ويبسط خوان الطعام كلما اشتهى، ويخصص الأوقات الطويلة للقهوة والشاي والعصائر والفطائر، ولا يسمح لنفسه بأن تتنازل عن أي فرصة فسحة أو مسامرات مع أصحابه، ولا يستطيع كبح جماح تصفح الانترنت أن يسرق ساعاته، إذا كان المرء كذلك .. ومازال يرجو أن تتحقق يوماً ما خططه العلمية والدعوية والإصلاحية فمثل هذا الشخص قد استأصل عقله، وزرع بدلاً منه مصباح علاء الدين! [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]معالي الأمور، والطموحات الكبرى، في العلم والتعليم والتأليف والإصلاح والتغيير والنهضة بالأمة؛ لا تكشف وجهها لك، حتى تمسح العرق عن جبينك بيدٍ ترتعش من العناء.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]كنت أتحدث مرةً مع أحد أقراني الناشطين في ميدان (التربية الدعوية)، فقال لي: ماوجهة نظرك في أكبر مشكلة تهدد المحاضن التربوية مع هذه المتغيرات والتحديات الفكرية الجديدة؟ فقلت له بقناعة تحفر أخاديدها في عقلي: صدقني يا أبا فلان، دع عنك كل هذه الانحرافات الفكرية، فليست بشيء، أخطر مشكلة تهدد التربية الدعوية (نقص الجدية). [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]في بيئةٍ يغلب عليها ضجيج اللهو وخفة المرح وقهقهات الفكاهة .. أتُراها يمكن أن تنتج مُسنَداً أو مدونةً أو مَعْلَمةً أو معجماً؟! منطق الحياة يأبى ذلك.. والعلم خلقه الله ثميناً لا يُجلب في الأسواق المخفضة.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]سل من شئت من أهل العلم المبدعين، ونقّب في السيرة الذاتية لمن يأسرك تدفقه بالعلوم.. وستجد في كل هذه الشخصيات أن المتضرر الأكبر في حياتهم هو النوم والطعام والشراب والترفيه.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]خططنا في شواهق الجبال .. ومازالت أقدامنا غضة طرية! بل .. ونتوهم أنه في يومٍ من الأيام ستهبط النتائج بلا مقدمات.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [size=6][font=comic sans ms][color=#0000ff]خذ مثلاً ..[/color] ما أكثر ما تجد عند طلاب العلم والباحثين (مسوّدة كتاب أو مؤلَّف) لم يتجاوز تقسيم الموضوع والعناصر، وبعض الشواهد والنصوص والملاحظات المهمة، وتسري عليه السنون، تزاور الشمس عن يمينه وشماله.. ولم ير النور بعد، ولا أظنه سيراها .. طالما أن فضول النوم، وفضول الطعام والشراب، وفضول الترفيه، وفضول الخلطة، وفضول الحديث والكلام، وفضول النظر، قد استكملت أوقاتها وأخذت نصيبها غير منقوص.. [/font][/size] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وهكذا تجد في عزم كثير من الناس شُعباً من الخير والإنجاز والإنتاج.. لكنها لم تتجاوز بعد مرحلة (المشروع).. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]بل خذ أمراً من شؤون الدنيا ذاتها .. ما أكثر ما تجد شاباً يحدث نفسه، وأهله، وأصدقاءه؛ عن عزمه على البدء بمشروع تجاري في غضون "الأيام القادمة".. ومع ذلك تمضي السنوات ومازالت هذه "الأيام القادمة" التي يحدثك عنها لم تأت بعد! لأنه لم يستطع التخلي عن حصص الترفيه والراحة والسهرات من برنامجه اليومي! [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]لما كان الإمام مسلم بن الحجاج يصنف كتابه "الصحيح" الذي هو أحد مفاخر هذه الأمة، وبلغ -رحمه الله- أحاديث الصلاة، وبلغ منها تحديداً أحاديث مواقيت الصلاة، جاء لحديث عبد الله بن عمرو المشهور في تحديد أوقات الصلاة، وكان هذا الحديث جاء بروايات متفرعة متعددة، فرتبها ترتيباً حسناً استوعب اختلاف الطرق فيها عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو، فلما رأى رحمه الله صنيعه هذا أراد أن يوصل رسالة لقارئ كتابه أن هذه النتيجة الحديثية التي توصل إليها في حديث عبد الله بن عمرو لم تأت إلا بالعناء المضني، فأخرج بعدها أثراً عن الإمام الحافظ يحي بن أبي كثير (ت129هـ) يقول فيه: [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6](حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، قال أخبرنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، قال: سمعت أبي يقول: "لا يستطاع العلم براحة الجسم" )[صحيح مسلم:612]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وموطن العجب هاهنا أن الإمام مسلم لا يخرج في كتابه إلا أحاديث مرفوعة عن النبي –صلى الله عليه وسلم، هذا شرطه في الكتاب من حيث الأصل، فكيف روى هذا الأثر عن إمام من صغار التابعين، يتحدث فيه عن التعب في العلم، ووضعه بين أحاديث الصلاة؟ [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6][color=#0000ff]يقول القاضي عياض (ت 544هـ) في كتابه إكمال المعلم: [/color][/size][/font] [font=comic sans ms][size=6](فكثيرٌ من يسأل عن ذكره هذا الخبر فى هذا الموضع وليس منه، ولا هو من حديث النبى -صلى الله عليه وسلم- ولا من شرط الكتاب ، فقال لنا بعض شيوخنا: إن مسلماً رحمه الله أعجبه ما ذكر فى الباب، وعرف مقدار ما تعب فى تحصيله وجمعه من ذلك، فأدخل بينها هذا الخبر تنبيهاً على هذا، وأنه لم يحصِّل ما ذكر إلا بعد مشقة وتعب فى الطلب، وهو بيِّن، والله أعلم)[القاضي عياض، إكمال المعلم: 2/577]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]واضح جداً أن هذه العبارة التي قالها الإمام يحي بن أبي كثير (لا يستطاع العلم براحة الجسم) أنها كانت ذات وقعٌ في نفس الإمام مسلم، وكأنه كان يستحضرها بشكل خاص، فالعبارات التي تهيج النفس على الجلد والدأب والمثابرة في العلم كثيرة، لكنه اختار من بين هذه النصوص عبارة الإمام يحي بن أبي كثير هذه (لا يستطاع العلم براحة الجسم) لأن لها في نفسه أثراً أقرب إلى روحه. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]ومن تأمل في ضخامة العلم، وقصر العمر، وكثرة متطلبات الحياة؛ أدرك حقاً أن عبارة الإمام يحي بن كثير هذه (لا يستطاع العلم براحة الجسم) أنها: لم تخرج من طرف الذهن.. ولم تكتب بحبر الأدب.. وإنما حفرت حروفها بإزميل التجارب.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]ما أكثر ما رأيتُ عالماً شاباً بزّ أقرانه يتدفق بالأسانيد والمسائل، أو رأيت عملاً علمياً رصيناً صار أصلاً في بابه .. إلا قلت في نفسي: رحم الله يحي بن أبي كثير حين قال (لا يستطاع العلم براحة الجسم). [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وهذا التعب الذي يجب تحمله ومكابدته لا يختص بمطلب دون مطلب، بل هو عام في (الكمالات الإنسانية) كلها، كما يقول ابن القيم (الكمالات كلها لا تُنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب)[ابن القيم، مفتاح دار السعادة، 2/895، طبعة مجمع الفقه]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وأعظم المتعبين ثمرةً أولئك الذين أنفقوا تعبهم باتجاه المستقبل الأبدي، وقد قال ابن القيم رحمه الله (هيهات ما وصل القوم إلى المنزل إلا بعد مواصلة السرى، ولا عبروا إلى مقر الراحة إلا على جسر التعب)[ابن القيم، بدائع الفوائد، 3/1187، طبعة مجمع الفقه]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]ومن المهم أن يلاحظ المرء (حكمة الله) في هذه العلاقة بين (التعب والإنجاز) كما أشار لذلك ابن القيم حين شرح مسائل القدر الكوني وحكمة الله فيه فقال: [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6](يوضحه الوجه الحادي والعشرون: أنه قد استقرت حكمته سبحانه أن السعادة والنعيم والراحة لا يوصل إليها إلا على جسر المشقة والتعب، ولا يُدخل إليها إلا من باب المكاره والصبر وتحمل المشاق)[ابن القيم، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ص448، طبعة دار التراث]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وهذه العلاقة بين [color=#ff0000](التعب والإنجاز)[/color] ليست معنى شرعياً يختص بالأمم التي بلغها الوحي، بل هو معنى تستنتجه العقول فور معاركتها الحياة .. وأول من رأيته نبّه على تواطؤ الثقافات على هذا المعنى بعبارة بديعة جداً، الإمام الحافظ الزاهد أبو إسحاق إبراهيم الحربي (285هـ)، صاحب الكتاب المشهور تاريخياً عن (غريب الحديث)، وهو من تلاميذ أحمد بن حنبل، حيث نقل عنه ابن تيمية عبارة تهز النفوس مما فيها من البلاغة وهيبة المعنى، حيث يقول ابن تيمية: [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6](قال إبراهيم الحربي: "أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم" )[ابن تيمية، قاعدة في المحبة مطبوعة ضمن جامع الرسائل، 2/393، تحقيق رشاد سالم] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وروى هذه العبارة الخطيب البغدادي في تاريخه عن إبراهيم الحربي بصيغة مختلفة قليلاً، وتحدث فيها ابراهيم الحربي بأمور عن نفسه في غاية العجب، ليس في كونه يتحمل المشاقّ فقط، بل في معنى أدق، وهو كونه لا يأبه بها ولا يلتفت إليها، حيث جاء في تاريخ الخطيب: [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6](أجمع عقلاء كل أمة أنه من لم يجرِ مع القدر لم يتهنّأ بعيشه، كان يكون قميصي أنظف قميص وإزاري أوسخ إزار، ما حدثت نفسي أنهما يستويان قط، وفرد عقبي مقطوع، وفرد عقبي الآخر صحيح، أمشي بهما وأدور بغداد كلها، هذا الجانب وذلك الجانب، لا أحدث نفسي أني أصلحها، وما شكوت إلى أمي، ولا إلى أختي، ولا إلي امرأتي، ولا إلي بناتي قط: حُمّى وجدتها، الرجل هو الذي يدخل غمّه على نفسه، ولا يَغُمّ عياله، كان بي شقيقة خمساً وأربعين سنة ما أخبرت بها أحداً قط، وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين، إن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت، وإلا بقيت جائعاً عطشان إلى الليلة الثانية)[الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 6/522، طبعة بشار]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وبكل صراحة فإن مثل هذا النمط من الاشتغال بالمطالب العالية والإعراض التام عن الالتفات للمشاق والتعب؛ نمط استثنائي لا أظن يطيقه إلا النوادر في التاريخ.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وهذه العبارة لإبراهيم الحربي شاع معناها في من جاء بعده من أهل العلم، فتتابعوا على تأكيد تجريبية وعقلانية هذا المعنى، وتداوله بين الأمم، حتى قال ابن القيم في تأثر واضح بعبارة إبراهيم الحربي: [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6](العقلاء قاطبة متفقون على استحسان إتعاب النفوس في تحصيل كمالاتها، وكل من كان أتعب في تحصيل ذلك؛ كان أحسن حالا وأرفع قدرا)[ابن القيم، شفاء العليل، ص449، طبعة دار التراث]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]إذا كنت في مسجد حيكم تدور تتحفظ متناً من متون العلم .. أو كانت المراجعُ منشورةٌ بين يديك، مطويةٌ زواياها، وقد غصصت في منتصف البحث .. أو كنت واقفاً في مهمة دعوية تراوح بين قدميك .. ثم داهمك النعاس، أو تلقيت رسالة من أصدقائك تعرض عليك مشروع نزهة .. فبالله عليك تذكّر قول إبراهيم الحربي (أجمع عقلاء كل أمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم) وسترى كيف تتراقص همتك مجدداً وتقبل على شأنك.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]ولا يقتصر التعب والجهد في الوصول إلى أعلى مطلب وهو الجنة والسلامة من النار، أو المطالب الشريفة كالعلم والإيمان وإطعام المساكين والإصلاح المجتمعي، بل حتى اللذائذ الدنيوية التي يطلبها الناس كالمال والصيت والمنصب الخ، فإنها أيضاً تتطلب العبور على جسر التعب، كما قال ابن تيمية: [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6](لذات الدنيا لا تُنال غالباً إلا بنوع من التعب)[ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ص20/146]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]والحقيقة أن هذا التعب الذي تتطلبه المعالي من أعظم ما يعين النفس على تحمله أن يستحضر المرء الثمرة، وأن يستدعي في ذهنه حسن العاقبة، فإن الجدوى والمكتسب تهوّن على النفس تحمل المشاق والتعب، كما يقول ابن الجوزي في استعارة مكثفة: [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6](تلمّح فجر الأجر يهُن ظلام التكليف)[ابن الجوزي، المدهش، ص295، طبعة الكتب العلمية]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]حسناً .. هذه العلاقة بين [color=#ff0000](التعب والنجاح)[/color]، هل جاءت الإشارة إليها في القرآن والسنة النبوية؟ [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]نعم، جاءت إشارات كثيرة لهذه العلاقة، من أهمها ذلك التصوير النبوي الأخاذ إذ قال -صلى الله عليه وسلم- في جملة مكثفة بيانية جميلة: [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6](حُفّت الجنة بالمكاره)[صحيح مسلم:2822] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]فالجنة لا يوصل إليها إلا بمكابدة ما تكرهه النفوس من ترك الهوى والشهوات.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وفي تصوير نبوي آخر في غاية الجمال الأدبي رسم النبي –صلى الله عليه وسلم- مشهد المؤمن وهو يتحمل الكلفة والجهد بقوله: [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6](الدنيا سجن المؤمن)[صحيح مسلم:2956]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وإذا قارنت بين تصوير القرآن لأهل الجنة، وتصوير القرآن لأهل النار؛ تلاحظ كيف يذكر القرآن أن أهل الجنة ازدحموا فوق جسور التعب في الدنيا، وأهل النار استرسلوا مع الراحة والنزوة.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]تأمل –مثلاً- كيف يذكر الله تقليل أهل الجنة لنومهم في الدنيا وسهرهم في عبادة الله، كما قال الله [color=#008000][color=darkorchid](إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)[/color] [/color][الذاريات:16-17]. وقول الله عن قلة نوم سادات الصحابة [color=#008000][color=darkorchid](إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)[/color] [/color][المزمل:20] وقول الله لنبيه [color=#008000][color=darkorchid](قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا)[/color] [/color][المزمل:2]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]بالله عليك أعد تأمل هذه الآيات [color=darkorchid]"قليلاً من الليل ما يهجعون"، "قم الليل إلا قليلا"[/color] ونحوها، وقارن ذلك بوسائدنا التي تقوست من نوم الليل والنهار.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]إنها المعالي تحتاج المكابدة.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وفي مقابل أهل الجنة، قارن نمط معيشة أهل النار لما كانوا في الدنيا وكيف يصورها القرآن؟ يقول الله عن أهل الشمال[color=#008000] [/color][color=darkorchid](إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ)[/color][الواقعة:45]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]ولذلك فإن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة استقبلتهم الملائكة بالتهاني والترحيب بألفاظ تشير إلى هذا المعنى كما قال الله: [/size][/font] [size=6][font=comic sans ms][color=#008000][color=darkorchid](وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[/color] [/color][الرعد:23-24]. [/font][/size] [font=comic sans ms][size=6]فلاحظ كيف جعلت الملائكة العبارة الترحيبية "بما صبرتم" بما يشير لأمور تخالف الراحة حملوا أنفسهم عليها.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]ومن أعظم مصادر معرفة هذه المعنى تدبر أخبار وقصص الأنبياء في القرآن، وما عانوه مع أممهم، انظر –مثلاً- كيف لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وكيف كان يستثمر كل الأوقات الممكنة في دعوتهم كقول نوح صلى الله عليه وسلم [color=#008000]([color=darkorchid]قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا)[/color] [/color][سورة نوح:5] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وقوله أيضاً[color=#008000] [color=darkorchid](ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا)[/color] [/color][سورة نوح:8-9]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وفوق هؤلاء كلهم العناء والأهوال التي كابدها سيد ولد آدم محمد –صلى الله عليه وسلم- حتى مكّن الله له، ولخص ابن القيم جزءاً من المشهد بقوله: [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6](وكما دخل رسول -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- إلى مكة ذلك المدخل العظيم، بعد أن أخرجه الكفار ذلك المخرج، ونصره ذلك النصر العزيز، بعد أن قاسى مع أعداء الله ما قاساه..، وبالجملة: فالغايات الحميدة فى خبايا الأسباب المكروهة الشاقة)[ابن القيم، إغاثة اللهفان، ص2/817، طبعة مجمع الفقه]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وبسبب تجريبية وعقلانية هذا المعنى، وكون الناس يدركونه من مجالدة كبَد الدنيا، فقد تنافس الشعراء في تجسيد هذا المعنى في أبيات سائرة، ومن ذلك قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي(ت 231هـ) في قصيدته الشهيرة في فتح عمورية: [/size][/font] [center][font=comic sans ms][size=6][color=#0000ff](بَصُرت بالراحة الكبرى فلم ترها ** تُنال إلا على جسر من التعبِ) [/color][/size][/font][/center] [font=comic sans ms][size=6][ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، ص1/49، طبعة دار الكتاب] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]بل إن أبا تمام قابل مقابلة بديعة بين نوعين من النوم، لا يحصل أحدهما إلا بهجر الآخر! كما قال: [/size][/font] [center][font=comic sans ms][size=6][color=#0000ff](ولم تُعطِني الأيام نوماً مُسكّناً ** أَلَذُّ به؛ إلا بنوم مشرّد)[/color][/size][/font][/center] [font=comic sans ms][size=6][ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، ص1/245، طبعة دار الكتاب] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]فحتى النوم الهانئ لا يحصل للمرء إلا بساعات أخرى يعاني فيها هجر النوم! وأقرب صورةٍ لهذا الذي ذكره أبو تمام هي صورة (النوم بعد الإنجاز) فإن له مذاقاً لا يعدله نوم البطالة العمر كله.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]ثم جاء المتنبي (ت354هـ) بعد أبي تمام، ونحت هذا المعنى في صورٍ متعددة في منتهى البراعة الأدبية، حيث أشار المتنبي أن هذه المشاقّ وألوان التعب والعناء هي التي أصلاً صنعت الفروق بين الناس في المجد والمعالي، وإلا لاستووا، كما يقول المتنبي: [/size][/font] [center][font=comic sans ms][size=6][color=#0000ff](لولا المشقة ساد الناس كلهم ** الجود يُفقِر، والإقدام قتّالُ) [/color][/size][/font][/center] [font=comic sans ms][size=6][ديوان المتنبي، ص490، طبعة دار بيروت]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وأقام المتنبي في بيت من عيون الشعر علاقة عكسٍ وتضاد بين النفس والبدن، وأن النفس إذا كانت همتها عالية أتعبت البدن، وإذا انخفضت الهمة ارتاح البدن!، كما يقول المتنبي: [/size][/font] [center][font=comic sans ms][size=6][color=#0000ff](وإذا كانت النفوس كباراً ** تعبت في مُرادها الأجسامُ) [/color][/size][/font][/center] [font=comic sans ms][size=6][ديوان المتنبي، ص261، طبعة دار بيروت]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وفي بيت آخر نسج المتنبي هذا المعنى بتشبيه أخاذ، وهو أنه برغم أن النحل يدافع عن بيوته بلسع من يقترب منه فإن الناس تغامر لتجني العسل والتمتع بحلاوته، وهكذا طموحات الحياة، كما يقول المتنبي: [/size][/font] [center][font=comic sans ms][size=6][color=#0000ff](تريدين لقيان المعالي رخيصة ** ولابد دون الشهد من إبر النحل) [/color][/size][/font][/center] [font=comic sans ms][size=6][ديوان المتنبي، ص518، طبعة دار بيروت]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وشواهد هذا العلاقة بين (التعب والنجاح) لا يمكن حصرها، في النصوص الشرعية والأدبية، وفي ثقافات الأمم الأخرى، ولكن تبقّى فقط احتراز من لبس في الفهم قد يقع لبعض الناس، أو قد يتساءل عنه البعض، وهو: هل هذا يعني أن الإنسان يبحث عن التعب والنصب؟ أليس هذا يخالف تيسير الإسلام وأن المشقة تجلب التيسير؟ [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وهذا سؤال مهم، ولكشف مكمن الإشكال فيه يجب التمييز بين مستويين للمشقة دلت عليهما النصوص: أولهما (المشقة المعتادة التبعية) والثاني (المشقة المقصودة بالأصالة). [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]فأما المشقة المعتادة التبعية، أي التي تكون تابعة للعبادة، ولازمة لها، ولا يمكن التخلص منها؛ فهذه يحمد للإنسان أن يتحملها ويجاهد نفسه عليها، ويكون الأجر على قدر مصلحة العبادة ومنفعتها. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وأما المشقة المقصودة بالأصالة، فهي مشقة منفصلة عن العبادة، يتكلف الإنسان وجودها، ويستدعيها، فليست في مصلحة العمل ولا منفعته، وهي مشقة خارجية عن أصل العبادة، فهي قدر زائد، فهذه مشقة مذمومة لا يحمد للمرء أن يستدعيها ويتكلفها. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وقد دلت على هذا التقسيم النصوص، فـ(المشقة المعتادة التبعية) المحمود تحملها كقوله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة في العمرة (أجرك على قدر نصبك)[الصحيحين]. فنص النبي على ربط الأجر بحجم التعب الذي يكون في مصلحة العبادة ومنفعتها. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وذكر الله الأجر على "التعب والجوع والعطش"، ثلاثتها في قوله تعالى: [/size][/font] [size=6][font=comic sans ms][color=darkorchid](ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ)[/color][التوبة:120]. [/font][/size] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]بل حتى تعب تلاوة القرآن الذي يحصل لمن يعانون صعوبات لغوية له أجر خاص، كما قال صلى الله عليه وسلم (والذى يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق؛ له أجران)[مسلم:1898]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وأما التعب والنصب الذي يتكلفه الإنسان ويستدعيه، وليس في مصلحة العبادة ومنفعتها، فيكون قدراً زائداً على ما تحتاجه العبادة؛ فهذا مذموم، وجاءت فيه نصوص، ومن ذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم- (رأى شيخاً يُهادى بين ابنيه، فقال: "ما بال هذا؟" قالوا: نذر أن يمشي، قال: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني" ، وأمره أن يركب)[البخاري: 1865]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]فهذه مشقة يتكلفها المرء، وليست تابعةً للعبادة، أو لازمة لها، فهي غير محمودة. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]ومثل هذا حديث عروة بن مضرس المشهور، وهو من أصول المناسك، وفيه أنه قال: [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6](أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالموقف، يعني بجمع، قلت: جئت يا رسول الله من جبل طيء، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات، قبل ذلك ليلا أو نهارا، فقد تم حجه، وقضى تفثه)[أبو داود: 1950]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]فإذا ضم الباحث جواب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لعروة بن مضرس، إلى جواب رسول الله لعائشة؛ استبان له أن النصب والتعب المحمود ما كان معتاداً تابعاً للعبادة لازماً لها، دون ماكان خارجاً عنها متكلفاً. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6][color=#0000ff]وقد نبّه كثير من أهل العلم على هذا التمييز، كما قال أبو العباس ابن تيمية: [/color][/size][/font] [font=comic sans ms][size=6](فكثيراً ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصودٌ من العمل، ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب، هذا في شرعنا الذي رُفِعت عنا فيه الآصار والأغلال، ولم يجعل علينا فيه حرج، ولا أريد بنا فيه العسر، وأما في شرع من قبلنا قد تكون المشقة مطلوبة منهم)[ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ص 10/622]. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وهذا التمييز بين مستويات المشقة هو تنبيه احترازي فقط لدفع لبس محتمل، وليس من أصل موضوعنا، وإنما أصل الموضوع أنني صرت أرى في نفسي، وفي كثير من إخواني من حولي؛ أننا نفكر ونخطط لأحلام وأمنيات وطموحات كبرى في العلم والدعوة والإصلاح والنهضة بالأمة، ولكن الحال التي نعيشها وما فيها من الرفاه واستكمال الراحة، وفضول النوم، وفضول الحديث والكلام، وفضول الطعام والشراب، وفضول الترفيه، لا تتناسق مع هذه الطموحات الكبرى، وأخشى إن لم نبادر عاجلاً بالصعود إلى جسر التعب أن نصطدم يوماً بتصرم العمر دون تحقق شيء من تلك الطموحات، وما أقسى خيبة نهاية النفق.. [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]اللهم ارحم الإمام يحي بن أبي كثير إذ قال ([color=red]لا يستطاع العلم براحة الجسم[/color]) [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وارحم يا ألله إبراهيم الحربي إذ قال ([color=blue]أجمع عقلاء كل أمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم[/color]). [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6]وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآل وصحبه،، [/size][/font] [font=comic sans ms][size=6] [/size][/font] [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
القسم العام
الركن العام
جســـر التعــــب