الصحبة الطيبة
عضو مميز
- إنضم
- 16 أبريل 2013
- المشاركات
- 199
- النقاط
- 16
- الإقامة
- القاهرة - مصر
- الموقع الالكتروني
- nasrtawfik.blogspot.com
- احفظ من كتاب الله
- اللهم أعينني علي دوام التلاوة والتدبر وحفظ القرآن كاملا
- احب القراءة برواية
- حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- محمد صديق المنشاوي والحصري والسديسي
- الجنس
- أخ وأسرتي
كيف نفهم القرآن
هل استنفد القرآن أغراضه؟ هكذا يتساءل الشباب، ويضيفون: لقد قام القرآن بدور كبير قبل أربعة عشر قرنا من الزمن، فهل يستطيع أن يقوم بدور تغييري في هذا العصر أيضا، أم أنه قد تغير، وانتهى مفعوله؟
الحقيقة أن القرآن لم يتغير، ولم يستنفد أغراضه، فالقرآن لا يزال الكتاب الإلهي الذي هبط لإنقاذ البشرية، وهو يستطيع أن يقوم بدور كبير في البناء الحضاري - في الوقت الراهن.
ولكن الذي تغير هو المسلمون. إن طريقة تعامل الأمة مع القرآن، وكيفية تلقيها لمفاهيمه تختلف اليوم بشكل جذري عما كانت عليه بالأمس. لقد كان المسلمون الأولون يفهمون القرآن كتابا للحياة، ومنهجا للتطبيق والتنفيذ، وأما المسلمون اليوم فهم يتعاملون مع القرآن بشكل معاكس تماما1.
وهل يتحمل القرآن ذنوب أتباعه ؟
والآن..
لنلاحظ كيف يفهم المسلمون - اليوم - القرآن الكريم، وكيف يتعاملون معه. والجواب: لقد عانت أمتنا - منذ أمد بعيد - مشاكل كثيرة في تعاملها مع القرآن الكريم، ولا زالت رواسب تلك المشاكل موجودة حتى الآن، فلننظر ماذا كانت تلك المشاكل.
1 - تحجيم التعامل
ويعني ذلك أن الأمة أخذت تحصر الاستفادة من القرآن في مجالات محدودة، فالبعض اتخذ القرآن طريقاً للكسب وبابا للأرزاق. والبعض الآخر اعتبره وسيلة للعلاج فحسب، فإذا ضعف بصره، أو وجعت أسنانه، أو آلمته أمعاؤه، هرول إلى القرآن ليتلو آيات معينة منه حتى ترتفع بسببها هذه الأسقام، وأما في غير هذه الحالة فلا شأن له بالقرآن. وهنالك مجموعات أخرى لا تفتح القرآن إلا عند الاستخارة أو حين السفر، أو عندما يموت أحد الأقارب، وليس أكثر من ذلك.
ومن الواضح أننا لا ننتقد هنا الاستفادة من القرآن في هذه المجالات، وإنما ننتقد تحديد الاستفادة منه ضمن هذه الإطارات.
إن القرآن كتاب حياة، يقول الله سبحانه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُم))، ولذلك فإنه يجب الانتفاع من القرآن في كل مجالات الحياة، وليس في مجال أومجالين.
2 -التلاوة السطحية للقرآن
إن أمتنا تقرأ القرآن، وتستمع إلى تلاوته ولكن كحروف بلا معنى ،وكلمات بلا مفهوم، ومن هنا فإنها لا تعمل بالقرآن كما هو مطلوب، لأنها لا تفهم القرآن، والفهم هو المقدمة الطبيعية للعمل بالشيء، بينما كان المسلمون الأولون لا يقرؤون آية حتى يتفكروا في أبعادها المختلفة، وحتى يعوها بشكل كامل.
إن على من يقرأ القرآن أن يستثير عقله به، ويفقه ما وراءه من أبعاد كامنة، وإلا فسينطبق عليه حديث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قال عن بعض الآيات: "ويل لمن لاكها بين لحييه /وهما عظمتا الفم/ ثم لم يتدبرها."
3 - الاهتمامات الثانوية
ولأن أمتنا أهملت فهم "لباب" القرآن اندفعت في طريق البحث عن القشور، فأخذوا يصرفون جهودهم على قضائي ثانوية، كان الأحرى بهم أن يصرفوها في مجالات أكثر تأثيراً وفائدة. فهذا أحدهم يقضي آمداً طويلة من عمره لكي يجيب على الأسئلة التالية:
كم هي عدد كلمات القرآن؟
وكم هي حروفه؟
وكم تكرر حرف الألف؟
وكم تكرر حرف الباء؟
وكم تكرر حرف التاء؟
وهكذا إلى آخر حروف الهجاء.
والله يعمل كم من الجهود صرفت في سبيل معرفة هذه القضية، خصوصاً وأنها لم تتم في العصر الحديث حيث يسرت العقول الإلكترونية الأمر، بل تمت في عصور ماضية.
ثم نجد أن كثيراً من الدراسات التي كتبت حول القرآن لا تتناول إلا القضايا الهامشية، فمثلا في 123 كتاباً أُلف حول القرآن الكريم تجد أن 36 منها تتحدث حول قضايا شكلية، مثلا: عدد آيات القرآن، والجمع والتثنية، طبقات القرّاء، نقط القرآن، الرومي والمعرب في القرآن.. الخ 2. وهذا يعني أن حوالي ثلث الجهود والطاقات صرفت في قضايا جانبية.
ومثال آخر للاهتمامات الثانوية حين قراءة القرآن: الاهتمام بأشخاص القصص القرآنية، وبقضايا هامشية في حياتهم تُنسي الفرد القضايا الهامة والعبر التي هي الهدف من ذكر القصة.
4 - الفهم التجزيئي للقرآن
ويعني ذلك: فهم القرآن بشكل تفكيكي ينفصل بعضه عن البعض الآخر. وبعبارة أخرى: فهم كل آية قرآنية وكأنها عالم مستقل قائم بذاته من دون ربطها بالآيات الأخرى، وقد يترتب على ذلك نتائج خطيرة سوف نشرحها في الفصل الثاني - بإذن الله.
5 - الفهم المصلحي للقرآن
ويعني ذلك:
أ - فهم آيات القرآن بشكل يكرس مصالح الفرد في الحياة، ويبرر أهواءه وشهواته.
ب- الاقتصار على جانب معين من قيم القرآن وإهمال سائر الجوانب التي تتطلب من الإنسان - العطاء والتضحية - مثلاً: يفهم القرآن في جانبه الذي يتحدث عن العبادة فحسب، لأن العبادة هي عادة درج عليها، ولا تكلفه كثيراً، ولكنه لا يفهم القرآن في جوانبه السلوكية والعملية والجهادية، لأن ذلك يكلفه مصالحه وأنانياته.
6 - الفهم الميت للقرآن
ويتم ذلك بفصل القرآن عن الواقع المُعاش، وربطه بقضايا ميتا فيزيقية أو قصص تاريخية لا تؤثر في الواقع القائم شيئا.
7 - الفهم بديلا عن العمل
إن القرآن الكريم صراط وطريق، وذلك يعني أن على الفرد أن يعبر من خلال القرآن إلى العمل بالقرآن، ومن هنا كانت الطلائع المسلمة في عصور الرسالة الأولى تفهم القرآن طريقاً للعمل، ومنهاجاً للمسير. ولكن أجيالنا الحاضرة تفهم القرآن هدفاً بذاته وليس وسيلة للعمل به، وهكذا، لم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه - كما تنبأ بذلك الإمام علي (عليه السلام) من ذي قبل.
هذه هي أهم المشاكل التي عانت منها الأمة في تعاملها مع القرآن، وهذه المشاكل هي التي سبب سقوط أمتنا في الحضيض.
وعلينا الآن أن ننفض عن أنفسنا غبار الماضي، ونبدأ في تعاملٍ جديد مع القرآن كما أراده الله سبحانه منا حتى يغير الله ما بنا، ويأخذ بأيدينا إلى القمة.
ونأمل أن يكون هذا الكتاب - الذي يتضمن تصورات أولية في كيفية فهم القرآن الكريم - خطوة إلى فهم القرآن بشكل آخر، والتعامل معه بشكل جديد، والله الموفق المستعان.
القرآن حروف بلا معان
في طليعة المشاكل التي تعاني منها قطاعات واسعة من أمتنا في تعاملها مع القرآن: "القراءة السطحية" لهذا الكتاب المجيد. إنها تتعامل مع القرآن كحروف وكلمات ميتة، وليس كمفاهيم تنبض بالحركة والحياة. إنها تستمع إلى القرآن، وتتلوا آياته ولكن كتمائم سحرية، وطلسمات غيبية، لا يكاد أحد يفهم منها شيئاً. وبذلك أصبح القرآن حروف بلا معان، وكلمات بلا مفاهيم.
والسؤال - الآن - هو: كيف أصبحت هذه القطاعات هكذا؟ وما هي العوامل الكامنة وراء ذلك؟ والجواب:
1. تشوش الرؤية، فقد ترسخت في أذهان الكثيرين فكرة تعالي القرآن عن الإدراك البشري: "إنه كتاب الله، وهل تستطيع ذرة تافهة في الوجود اسمها: الإنسان، أن تصل إلي تلك القمة الرفيعة؟" ولقد تطرف البعض في هذا الاتجاه حتى قال: "إن القرآن كله متشابه بالنسبة إلينا، ولا يجوز لنا أن نتكلم في محكمه." وعندما سأله بعض الحاضرين: "ماذا تقول في قل هو الله أحد؟ هل هذه أيضا تعتبرها آية متشابهة؟" أجاب بأن الأحد ما معناه؟ وما اشتقاقه؟ وما الفرق بينه وبين الواحد، وأطال الكلام في مثل هذا1.
وهذا يعني أن قوله تعالى: ((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ))، أو قوله: ((وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)) أو قوله: ((وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى))، وأمثال هذه الآيات هي آيات متشابهة، لا يحق لأحد - أي أحد - أن يحاول فهمها، أو أن يتكلم بها.
2. لقد لعب عدم الاستعداد النفسي للتعمق الفكري دوراً ما في هذا المجال (بالنسبة إلى بعض الأجيال المعاصرة). إنها تبحث عن "سندويشة" طازجة تستطيع أن تتناولها بسهولة، وأما القضايا الفكرية المعمقة، فهي لا تود كثيراً البحث فيها. إنه عصر السرعة، أليس كذلك؟
ولكن فات لهؤلاء أن السطحية في الرؤية والتفكير قد تُرضي شهوات الإنسان، ولكنها كثيراً ما توقعه في أخطاء قاتلة، وفاتهم كذلك أن الملاحظة الدقيقة والتفكير العميق هما الخطوة الأولى التي لا غنى عنها في أية مسيرة حضارية. ولذلك نجد أن عالماً قد يقضي من عمره عشرين عاماً أو أكثر وهو يراقب أمراً قد يبدوا تافها لنا، ولكنه يخرج من ذلك بنتائج هامة وكبيرة.
3. ولا ننسى هنا الأثر الذي تركه ابتعاد الجيل المعاصر عن اللغة العربية الأصيلة، فقد ساهم هذا العامل في عدم فهم هذا الجيل لبعض الآيات القرآنية، لأنه لم يعرف المدلول الحقيقي لبعض الكلمات والجمل القرآنية مما جعله يجهل معنى الآيات التي تضمنت تلك الكلمات والجمل.
التدبر أم التحجر
يجوز لنا التدبر في القرآن؟ لكي نجيب على هذا السؤال لابد أن نعود إلى مصادر الإسلام النقية، ونستخرج منهل الإجابة الحاسمة.
(1)
عندما نلقي نظرة سريعة على القرآن الكريم نجد فيه دعوة صريحة إلى التدبر في آياته:
1. في البداية يؤكد القرآن أن الهدف من نزوله هو أن يتدبر الناس فيه، فيقول: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ))1، ذلك لأن من الطبيعي أن يعتبر التدبر الهدف المبدئي لنزول القرآن.
2. وفي سبيل الوصول إلى هذه الغاية جعل الله القرآن كتاباً ميسراً للفهم، وفي هذا ا لمجال يقول القرآن(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر))2 ولأهمية هذا الأمر يكرر القرآن هذه الآية الكريمة في سورة القمر أربع مرات. ويقول أيضاً: ((فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون))3، ويقول: ((فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا))4.
3. والقرآن ليس فقط يدعو الناس إلى التدبر في آياته، وإنما يطلب منهم أن يمارسوا التدبر العميق أيضاً، كما نفهم من قوله سبحانه: ((أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا))5، قال العلامة الطباطبائي في الميزان:
الآيةُ تحضيضٌ في صورة الاستفهام. والتدبر هو أخْذ الشيء بعد الشيء، وهو في مورد الآية: التأمل في الآية عقيب الآية، أو التأمل بعد التأمل في الآية /الواحدة/، لكن لمّا كان الغرض بيان أنّ القرآن لا اختلاف فيه، وذلك إنما يكون بين أزْيَد من آية واحدة، كان المعنى الأول – أعني : التأمل في الآية عقيب الآية - هو العمدة، وإن كان ذلك لا ينفي المعنى الثاني أيضاً
فالمراد ترغيبهم أن يتدبروا في الآيات القرآنية، ويراجعوا في كل حكم نازل أو حكمة مبينة أو قصة أو عظة أو غير ذلك في جميع الآيات المرتبطة به مما نزلت مكيتها ومدنيتها ومحكمها ومتشابهها، ويضموا البعض إلى البعض حتى يظهر لهم أنه لا اختلاف بينها.
فالآيات يصدق قديمها حديثها، ويشهد بعضها على بعض، من غير أن يكون بينها أي اختلاف مفروض - لا اختلاف التناقض: بأن ينفي بعضها بعضاً أو يتدافعا، ولا اختلاف التفاوت: بأن تتفاوت الآيتان من حيث تشابه البيان أو متانة المعاني والمقاصد. فارتفاع هذه الاختلافات من القرآن يهديهم إلى أنه كتاب منزل من الله، وليس من عند غيره .
وإذا لاحظنا:
أ. أن هذه الآية نزلت في المنافقين والمترددين، كما يظهر من الآيات السابقة.
ب. أنها تدعو هؤلاء إلى التدبر في القرآن حتى يطمئنوا بأنه من عند الله، ويزول بذلك نفاقهم وترددهم.
ج. أن كشف عدم الاختلاف وعدم التناقض بين الآيات القرآنية المختلفة يحتاج إلى تدبر عميق، وتأمل كبير.
إذا لاحظنا ذلك لوجدنا أن القرآن يفتح للناس أبواب "التدبر الذاتي" في قضايا عميقة من القضايا القرآنية، وليس هذا فقط، بل وأنه يدعوهم إلى ذلك.
4. ثم يؤكد القرآن: أن هناك "أقفالا" معينة تغلق قلوب البشر، وتصرفهم عن التدبر في آياته، ويقول(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا))7. ولكن ما هي هذه القلوب ؟ إنها أقفال الجهل والهوى والتهرب من المسؤوليات الثقيلة9. وكما كانت هذه الأقفال قديماً، فهي موجودة حديثاً، ولكن بصور حديثة، وأشخاص جدد، وشعارات جديدة. وعلينا أن نحطم هذه الأقفال، ونفتح قلوبنا أمام نور الله المضيء عن طريق التدبر في الآيات القرآنية الكريمة10.
(2)
وعندما نعود إلى الروايات نجدها تؤكد المعنى ذاته11:
أ. فهي تأمر بالتأمل بالقرآن الكريم، من أجل استخراج معارفه وكنوزه الدفينة. ففي الحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "أعربوا القرآن (أي أحكموا إعراب الكلمات والجمل) والتمسوا غرائبه(أي تأملوا فيه، وتفهموا معانيه الغريبة)." وفي الكافي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) أنه قال: "آيات القرآن خزائن، فكلما فتحت خزينة ينبغي لك أن تنظر ما فيها."
ب. ومن أجل ذلك ورد الأمر بترتيل القرآن لأنه أقرب إلى التركيز والتأمل، فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى ((وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)): "بينه تبيينا ولا تهذه هذ الشعر، ولا تنثره نثر الرمل، ولكن أفزعوا قلوبكم القاسية، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة."12 فالهذ: سرعة القراءة، ونثر الرمل هو التباطي فيها بحيث لا ترتبط كلماتها، والتدبر في كلمات القراءة هو التأمل في الآيات، والتدبر في كلمات الله. وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "((وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)) قف عند وعده ووعيده، وتفكر في أمثاله ومواعظه."
ج. وتعطينا الروايات نماذج عملية في هذا المجال، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "كان أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) يقرأ أحدهم القرآن في شهر واحد أو اقل، إنَّ القرآن لا يُقرأ هذرمة، ولكن يرتل ترتيلا، فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها واسأل الله الجنة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها وتعوذ بالله من النار." وفي حديث آخر أن الإمام الرضا (عليه السلام) كان يقرأ القرآن في فترة غير قصيرة، وعندما سُئل عن ذلك أجاب: "ما مررت بسورة إلا فكرت في مكيتها ومدنيتها وعامّها وخاصها وناسخها ومنسوخها…" الخ.
د. ونجد في بعض الروايات دعوة ضمنية إلى التدبر في آيات القرآن، واستنباط الأحكام والقيم الإسلامية منها - لمن كان من أهله. فعن الكافي والتهذيب والاستبصار، عن عبد مولى آل سام، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):" عثرت، فانقطع ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة13، فكيف أصنع بالوضوء؟" قال (عليه السلام): "يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل. قال الله عز وجل ((مَا جَعَل عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج)) امسح عليه."14 والمفهوم من قول الإمام "يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل" هو أن الأمر لا يحتاج إلى السؤال، علماً بأن الحكم يحتاج إلى تأمل، ذلك لأن الآية الكريمة تدل على عدم وجوب مسح الرجل مباشرة لأنه حرج، فيدور الأمر - في النظرة الأولية - بين:
سقوط المسح رأساً، وبين بقائه، ولكن مع سقوط شرط (مباشرة الماسح للممسوح).
إذن، فالآية بظاهرها لا تدل على لزوم المسح على المرارة، ولكن التأمل الدقيق يقضي بأن المسح (بما هو مسح) لا حرج فيه، إنما الموجب للحرج هو اشتراط المباشرة في المسح. إذن، فالمنفي في الآية الكريمة هو المسح المباشر وليس أصل المسح، ولذلك فالمفروض في هذه الحالة المسح على الإصبع المغطاة15.
وهنا يجد بنا أن نشير إلى كلمة "وأشباهه" في قول الإمام: "يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل،" فالإمام (عليه السلام) لم يقصر الحكم على هذه الآية الكريمة، وإنما سحب الحكم إلى كافة الآيات القرآنية المشابهة، وهكذا نجد أن الإمام (عليه السلام) يدعو أصحابه إلى التأمل في الآيات القرآنية، واستنباط المفاهيم والأحكام الدقيقة منها. هذا كله بالإضافة إلى:
1. أن القرآن هو رسالة الله إلى الإنسان، كما قال الله سبحانه:
((شَهْر رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاس))16
((هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ))17
ومن الطبيعي أن تكون الرسالة متناسبة مع فهم المُرسَل إليه.
2. القرآن يصدر خطاباته - عادة - بكلمة ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) أو ((يَا أَيُّهَا الذِّينَ آمَنُوا))، أو ما أشبه، وليس صحيحاً أن يوجِّه أحدٌ الخطاب لمن لا يفهم من كلماته شيئاً.
3. القرآن نزل حجة على الرسالة، وقد تحدى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) البشر أن يأتوا بسورة من مثله، ومعنى ذلك أن العرب كانوا يفهمون القرآن من ظواهره، ولو كان القرآن من قبيل الألغاز لم تصح مطالبتهم بمعارضته، ولم يثبت إعجازه لأنهم ما كانوا يستطيعون فهمه.
4. لقد استوعب المسلمون الأولون معاني كثير من الآيات، وفهموها بمجرد نزولها عليهم، باستثناء آيات معينة سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها، ولم يتعاملوا يوماً مع آيات القرآن تعاملهم مع الأحاجي والألغاز.
وفي ختام هذا الفصل ينبغي أن أشير إلى نقطة هامة وهي: أن الاستنباط من آيات الأحكام ونحوها يتوقف على "خِبروية" معينة، لا تحصل إلا ببلوغ الإنسان مرحلة "الاجتهاد،" فالتدبر في هذه الآيات يكون وقفاً على المجتهدين بالطبع، أما التدبر في الآيات الأخرى فهو أمر مفتوح لغيرهم أيضاً، وسنفصل الكلام في هذه النقطة في البحوث القادمة بإذن الله.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع