كتاب الحدود

طباعة الموضوع

الصحبة الطيبة

عضو مميز
إنضم
16 أبريل 2013
المشاركات
199
النقاط
16
الإقامة
القاهرة - مصر
الموقع الالكتروني
nasrtawfik.blogspot.com
احفظ من كتاب الله
اللهم أعينني علي دوام التلاوة والتدبر وحفظ القرآن كاملا
احب القراءة برواية
حفص عن عاصم
القارئ المفضل
محمد صديق المنشاوي والحصري والسديسي
الجنس
أخ وأسرتي
تيسير العلام شرح عمدة الأحكام
كتابُ الحُدُود 2/139- 2/166

الحدود: جمع (حَد) وأصل الحد، المنع، وهو ما يحجز بين شيئين، فمنع اختلاطهما، ومنه أخذ معنى هذا.
وأما الحدود - اصطلاحا- فهي عقوبات مقدرة شرعاً لتمنع من الوقوع، في مثل ما ارتكب من المعاصي.
والحدود ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع العلماء في الجملة، ويقتضيها القياس الصحيح، فهي جزاء لما انتهكه العاصي من محارم الله تعالى.
حكمتها التشريعية:
لها حكم جليلة، ومعان سامية، وأهداف كريمة.
ولذا ينبغي إقامتها، لداعي التأديب والتطهير والمعالجة، لا لغرض التشفي والانتقام، لتحصل البركة والمصلحة، فهي نعمة من الله تعالى كبيرة على خلقه.
فهي للمحدود طهرة عن إثم المعصية، وكفارة عن عقابها الأخروي.
وهي له ولغيره رادعة وزاجرة عن الوقوع في المعاصي.
وهي مانعة وحاجزة من انتشار الشرور والفساد في الأرض.
فهي أمان وضمان للجمهور على دمائهم، وأعراضهم، وأموالهم.
وبإقامتها يصلح الكون، وتعمر الأرض، ويسود الهدوء والسكون، وتتم النعمة بانقماع أهل الشر والفساد.
وبتركها والعياذ بالله ينتشر الشر ويكثر الفساد، فيحصل من الفضائح والقبائح، ما معه يكون بطن الأرض خيرا من ظهرها.
ولا شك أنها من حكمة الله تعالى ورحمته. والله عزيز حكيم.
على أن الشارع الرحيم حين شرع الحدود، سبقت رحمته فيها عقابه.
فعفا عن الصغار، وذاهبي العقول. والذين فعلوا لجهل بحقيقتها.
وصعب أيضا ثبوتها، فاشترط في الزنا أربعة رجال عدول، يشهدون بصريح وقوع الفاحشة، أو اعترافاً من الزاني بلا إكراه وبقاء منه على اعترافه حتى يقام عليه الحد.
(2/139)
________________________________________
وفي السرقة لا قطع إلا بالثبوت التام، وانتفاء للشبهة، وتمام لشروط القطع. إلى غير ذلك مما هو مذكور في بابه.
وأمر بدرء الحدود بالشبهات، كل هذا لتكون توبة العبد بينه وبين نفسه. والله غفور رحيم.
الحديث الأول
عَنْ أنس بن مَالِك رَضي الله عَنْهُ قَالَ: قدِم نَاس مِنْ عكل أوْ عَرينةَ- فَاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَأمَرَ لَهُم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاح، وأمَرهم أن يَشربُوا مِنْ أبوالها وَألبَانِهَا، فَانطَلَقوا.
فَلَما صَحُّوا، قَتَلُوا رَاعِي النبيِّ صلى الله عليه وسلم واستا قوا النَّعَمَ.
فَجَاءَ الْخَبرُ في أوَّلِ النَّهَار ، فبعَثَ في آثارِهِمْ، فَلما ارْتَفَعَ النَّهَارُ، جيءَ بِهِمْ فأمَرَ بِهِمْ فقطعت أيديهمْ وأرجلهم مِن خِلافِ وَسُمرَت أعينهم، وَتُرِكُوا في الحَرةِ يستسقُون فَلا يُسقَون.
قالَ أبو قلابَةَ: فَهؤلاءِ سَرَقُوا وَقتلُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ، وَحَارَبُوا الله وَرَسُولَهُ. أخرجه الجماعة.
اجتويت البِلاد: إذَا كَرِهتَهَا، وَإنْ كانَتْ مُوَافِقِةً. وَاستوْبَأتَهَا: إذَا لَم تُوَافِقْكَ.
الغريب:
عُكْل : بضم العين المهملة وسكون الكاف [قبيلة عدنا نية].
عُرَيْنة : بضم العين، وفتح الراء وسكون التحتية وفتح النون [قبيلة قحطا نية].
اجتووا المدينة : بالجيم الساكنة، وفتح التاء الفوقية، وفتح الواو أيضا، وضم الثانية. وهي فاعل: كرهوها لداء أصابهم في أجوافهم، يقال له: [الجوى] فاشتق منه هذا الفعل.
بلقاح : بكسر اللام، بعدها قاف، وبعد الألف حاء. جمع (لقحة) وهي الناقة الحلوب.
النَّعم : بفتح النون والعين، واحد الأنعام، وهي الإبل.
آثارهم : بالمد، جمع أثر
من خلاف : فتقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى.
سُمرت أعينهم : بضم السين وكسر الميم مبنى للمجهول، أي كُحلَتْ أعينهم بمسامير محماة بالنار.
الحَرَّة : بفتح الحاء والراء المشددة، هي الأرض التي تعلوها حجارة سود، وهي أرض خارج المدينة.
(2/140)
________________________________________
قلابة : بكسر القاف، هو عبد الله الجرمي.
المعنى الإجمالي:
قدم أناس إلى المدينة من البادية فأسلموا، وحين اختلف عليهم الجَو والمناخ، مرضوا، فضاقت أنفسهم بالمقام في المدينة.
فطيب الأديان والأبدان، عرف داءهم ودواءهم، فأمرهم أن يعودوا إلى ما ألفته أجسامهم، فيذهبوا إلى حيث الهواء الطلق، ويشربوا من ألبان الإبل وأبوا لها ففعلوا.
فلما صَحُّوا، طَغَوْا وَبَغَوْا، فقتلوا الراعي الذي مع الإبل بِسَمْلِ عينه، وارتدوا عن الإسلام، وهربوا بالإبل التي منحوا ألبانها.
فجاء خبرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إليهم من جاء بهم.
فلما أقدموا على هذه القبائح العظيمة التي هي كما قال أبو قلابة :- السرقة والخيانة ، والقتل، والكفر بالله تعالى، ومحاربة الله ورسوله بقطع الطريق، فكان نكالهم عظيما، وتعزيرهم بليغا، فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف،
وفضخت أعينهم بالمسامير المحماة، وألقوا في الحرة يطلبون الماء فلا يسقون، فما زالوا في هذا العذاب حتى ماتوا.
فهكذا جزاء من حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادا، وكفراً بأنعم اللَه، ليرتدع من خبثت نيته، فأراد أن يفعل مثل فعله.
ما يستفاد من الحديث:
1- هذا العقاب الذي صبه النبي صلى الله عليه وسلم على هؤلاء المفسدين، عقاب شديد ومثلة.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة، وقد أمر أيضا بإحسان القتل والذبح.
فمن أجل هذا اختلف العلماء في حكم هؤلاء.
فبعضهم يرى أنه منسوخ بالنهي عن المثلة. وهؤلاء محتاجون إلى بيان تاريخ ناسخه، ولا بيان.
وبعضهم قال: هذا الحكم قبل أن تنزل الحدود.
وقال ابن سيرين: وفيه نظر، فإن قصتهم متأخرة.
وبعضهم قال: لم يسمل أعينهم، وإنما هم بها، وفيه نظر أيضا، فقد صح: [أنه سمل] [وأنه سمر أعينهم].
وأجابوا بغيرِ ذلك، وكلها أجوبة، لا تستقيم لأصحابها.
والذي أرى: أن هذه العقوبة من باب التعزير.
(2/141)
________________________________________
والتعزير: هو التأديب، ومرجعه إلى اجتهاد الإمام ونظره، فقد يكون خفيفا، وقد يكون شديداً، فيؤدب بالعقاب والتأنيب، ويؤدب بالحبس، ويؤدب بما يراه من الجلد، ويؤدب بالقتل، ويؤدب بأخذ المال. وكلها لها سند من السنة الحكيمة.
وهؤلاء الأعراب عملوا أعمالا شنيعة، دلت على فساد قلوبهم وخُبْثِ طَوِيتهم.
فقد ارتدوا عن الإسلام، وجزاء المرتد القتل وقتلوا الراعي القائم بخدمتهم، وسملوا عينيه بغير حق. وسرقوا الإبل التي هي لعامة المسلمين، فهذا غلول وسرقة وخيانة. وحاربوا اللّه ورسوله، بقطع الطريق، والإفساد في الأرض، وكفروا نعمة الله تعالى- وهي العافية بعد المرض، والسمن بعد الهزال. فكانوا بهذا مستحقين لعذاب يقابل فعلهم ليردع من لم يدخل الإيمان قلبه من الجفاة.
أما حديث النهى عن المثلة، والأمر بإحسان القتلة والذبحة ونحو ذلك، فهو باق في حال من لم يرتكب مثل هذه الجرائم العظام. والله الموفق وهو العليم الحكيم. وقد سمل هؤلاء عيني الراعي ورموه في الشمس حتى مات عطشاً ففعل بهم النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك قصاصا، وقد مر بنا أن مذهب كثير من العلماء هو قتل الجافي بمثل ما قتل به لقوله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} وسيأتي حديث الصحيحين "ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة".
2- في الحديث مشروعية التداوي وفعل الأسباب، وأن من العلاج، الرجوع إلى ما ألفته الأبدان، من المأكل، والمشرب والجو، والابتعاد عن الأراضي الموبوءة، والأهوية الرديئة.
3- طهارة أبوال الإبل، ووجهته أن التداوي بالنجس والمحرم لا يجوز.
ولو فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم في ضربها للضرورة، فإنه لم يأمرهم بغسل أفواههم وأوانيهم. و (تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز) ويقاس على الإبل ، سائر الحيوانات المباحة الأكل.
الحديث الثاني
(2/142)
________________________________________
عن عُبَيْد الله بن عُتْبَةَ بن مَسْعُود عَنْ أبي هريرة وَزَيد بنِ خَالِد الْجهَني رَضي الله عَنْهُمَا: أنَّهُمَا قالا: إنَّ رجلا مِن الأعراب أتَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ: يا رسول الله، أنْشُدُكَ الله إلا قَضَيْتَ بَيْنَنا بكتاب الله.
فَقَالَ الْخصم الآخر - وَهُوَ أفْقَه مِنْهُ :- نَعَمْ، فَاقْض بَينَنَا بِكِتابِ الله و ائذن لي. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "قُل".
فقال:إن ابني كانَ عَسِيفاً عَلى هذَا، فزَنَى بامْرَأتِهِ، وَإنَي أخبرت أنَّ عَلى ابني الرَّجم، فَافْتَدَيت ِمنْهُ بمائة شَاة وَوَلِيدَةٍ ، فسألت أهل الْعِلمِ فَأخبرونِي أنَّ ما عَلى ابني جلدُ مِائةٍ وتَغْرِيبُ عَام، وأنَ عَلى امْرَأةِ هذَا الرجمُ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لأقْضِيَنَّ بَينكُمَا بِكِتَابِ الله، الولِيدَةُ وَالغنم ُ رَّد عَلَيكَ، وَعَلى ابنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْريبُ عَام، وَأنَّ عَلى امرأةِ هذا الرجْمُ، واغدُ يا أنيس - لِرَجُل من أسْلَم- إلَى امْرَأةِ هذَا، فَإنِ اعْترفَتْ فارْجُمهَا"
فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْترَفَت.
فَأمَرَ بِهَا رَسولُ اللَه صلى الله عليه وسلم فرجِمَتْ.
العَسِيفُ: الأجِيرُ.
الغريب:
أنشدك اللّه : بفتح الهمزة وسكون النون، وضم الشين والدال، أي أسألك بالله.
عسيفا : بفتح العين وكسر السين المهملة، وهو الأجر. مشتق من العسف، وهو الجور.
أنيس : بضم الهمزة وفتح النون، آخره سين مهملة، مصغر. وهو ابن الضحاك الأسلمي.
ما يستفاد من الحديث:
1- جفاء الأعراب، لبعدهم عن العلم والأحكام والآداب، حيث ناشد من لا ينطق عن الهوى أن لا يحكم إلا بكتاب الله تعالى.
2- حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، حيث لم يعنفه على سوء أدبه معه.
3- أن حدَّ الزاني المحصن، الرجم بالحجارة حتى يموت.
والمحصن: هو من جامع في نكاح صحيح، وهو حر مكلف.
(2/143)
________________________________________
4- أن حد الزاني الذي لم يحصن، مائة جلدة، وتغريب عام.
5- أنه لا يجوز أخذ العِوَض لتعطيل الحدود، وإن أخذت فهو من أكل الأموال بالباطل.
6- أن من أقدم على محرم، جهلا أو نسيانا، لا يؤدب. بل يعلَّم. فهذا افتدى الحدَّ عن ابنه بمائة شاة ووليدة، ظانًّا إباحته وفائدته. فلم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أعلمه بالحكم، وردَ عليه شياهه ووليدته.
7- وفى الحديث، قاعدة فرعية عامهَ وهى: " أن من فعل شيئا لظنه وجود سببه، فتبين عدم وجود السبب، فإن فله لاغ لا يُعتد به، ويرجع بما ترتب على ظنه الذي لم يتحقق.
8- قال الحافظ ابن حجر: والحق أن الإذن بالتصرف مقيد بالعقود الصحيحة. قال ابن دقيق العيد: فما أخذ بالمعاوضة الفاسدة يجب رده ولا يملك.
9- أنه يجوز التوكيل في إثبات الحدود واستيفائها.
10- أن الحدود مرجعها الإمام الأعظم أو نائبه، ولا يجوز لأحد استيفاؤها غيرهم.
11- استدل بالحديث أنه يكفى لثبوت الحد وإقامته، الاعتراف مرة واحدة، ويأتي الخلاف في ذلك، إن شاء الله تعالى.
12- قال (ابن القيم) في حكمة جلد الزاني: (وأما الزاني فإنه يزني بجميع بدنه، والتلذذ بقضاء الشهوة يعم البدن).
13- والحكمة في رجم المحصن وجلد غير المحصن، أن الأول قد تمت عليه النعمة بالزوجة، فإقدامه، على الزنا يُعَدُّ دليلا على أن الشر متأصل في نفسه، وأن علاجه عن تركه صعب ، وأنه ليس له عذر في الإقدام عليه.
وأما غير المحصن، فلعل داعي الشهوة غلبه على ذلك، فخفف عنه الحد، مراعاة لحاله وعذره.
14- القسم لتأييد صحة المسائل المهمة.
وقد أمر الله تعالى نبيه في كتابه أن يقسم ثلاث مرات على أن البعث حق.
15- فيه دليل على صحة استفتاء أهل العلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفيما بعده، وعلى جواز سؤال المفضول مع وجود من هو أفضل منه.
16- في الحدث، حُسْنُ الأدب مع أهل الفضل والعلم والكبار، وأن ذلك من الفقه.
الحديث الثالث
(2/144)
________________________________________
عَنْ عبيد الله بن عَبْد الله بنِ عتبة بْنِ مسْعُودٍ عن أبي هريرة وَزَيِد ابن خالد الْجُهَنِي رَضِي الله عَنهمَا قَالا: سُئلَ النبُّي صلى الله عليه وسلم عَنِ الأمة إذَا زَنتْ وَلم تحصن؟ .
قالَ: "إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم ولو بضفير".
قال ابن شهاب: (ولا أدري، أبعد الثالثة أو الرابعة) والضفير الحبل.
المعنى الإجمالي
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن حد الأمة إذا زنت ولم تحصن، بحيث لم توطأ في نكاح.
فأخبر صلى الله عليه وسلم: أن عليها الجلد، وجلدها نصف ما على الحرة من الحد، فيكون خمسين جلدة.
ثم إذا زنت ثانية، تُجْلَدُ خمسين جلدة أيضا لعلها ترتدع عن الفاحشة.
فإذا زنت الثالثة ولم يردعها الحد ولم تتب إلى الله تعالى وتخشى الفضيحة حينئذ، فاجلدوها الحد وبيعوها، ولو بأقل ثمن وهو الحبل الرخيص، لأنه لا خير في بقائها، وليس في استقامتها رجاء قريب وبعدها أولى من قربها، لئلا تكون سبب شر في البيت الذي تقيم فيه.
ما يستفاد من الحديث:
1- حد الأمة إذا زنت ولم تحصن، الجلد، وهو نصف ما على الحرة.
والحرة حدها مائة جلدة وتغريب عام، فيكون حدُّ الأمة خمسين جلدة ولا تغرب، لأن تغريبها يضر بسيدها، وربما أغراها بمعاودة الفاحشة.
2- أنه إذا تكرر منها الزنى وحدتْ ولم يردعها الجلد فَلْتُبَع ولو بأرخص ثمن، لأنه لا خِير في بقائها، ولا فائدة في تأديبها.
3- أن الزنا عيب في الرقيق، فإذا لم يعلم به المشترى فله الخيار في رده.
4- أن للسيد إقامة الحد في الجلد خاصة على رقيقه.
أما في القتل والقطع، فإقامته إلى الإمام.
وغير الرقيق، لا يقيم عليه الحد إلا الإمام، سواء في الجلد أو في غيره.
وهذا هو مذهب جهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة، مالك، والشافعي وأحمد.
الحديث الرابع
(2/145)
________________________________________
عَنْ أبي هُرَيرةَ رَضيَ الله عَنْهُ: أنَّهُ قَالَ: أتَى رَجل مِن المسلِمِينَ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم وَهُوَ في المسجدِ، فَنَاداهُ: فَقَالَ يا رسول الله ، إنِّي زَنَيْتُ. فَأعرضَ عَنْهُ. فتنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَقَالَ: يا رسول اللَه إنِّي زَنَيْتُ، فَأعْرَضَ عَنْهُ. حَتى ثنى ذلِكَ عَلَيهِ أربَعَ مَرَّات.
فلما شَهدَ عَلى نفْسِهِ أربَع شهَادَاتٍ ، دَعَاهُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أبِك جُنُون" ؟ قالَ: لا. قَالَ: "فَهَل أحصنت؟" قال: نعم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا به فارجموه".
الحديث الخامس
قال ابن شهاب: فأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: كنت فيمن رجمه، فرجمناه بالمصلى.
فلما أذلقَتْه(1) الحجارة هرب، فأدركناه بالحرَّة فرجمناه.
الرَّجل هو، ماعز بن مالك. وروى قصته، جابر ابن سمرة وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، وبريدة بن الحصيب الأسلمي(2).
المعنى الإجمالي:
أتى ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فناداه واعترف على نفسه بالزنا.
فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لعله يرجع فيتوب فيما بينه وبين الله.
ولكن قد جاء غاضبا على نفسه، جازما محلى تطهيرها بالحد، فقصده من تلقاء وجهه مرة أخرى، فاعترف بالزنا أيضا.
فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم أيضا، حتى شهد على نفسه بالزنا أربع مرات.
حينئذ استثبت النبي صلى الله عليه وسلم عن حاله، فسأله: هل به من جنون؟ قال: لا، وسأل أهله عن عقله، فأثنوا عليه خيرا.
ثم سأله: هل هو محصن أم بكر لا يجب عليه الرجم ؟ فأخبره أنه محصن.
وسأله: لعله لم يأت ما يوجب الحد، من لمس أو تقبيل. فصرح بحقيقة الزنا.
__________
(1) أذلقته بالذال المعجمة وبالقاف، أصابته بحدها فأجهدته وأوجعته.
(2) ما في الحديث من زيادات، من الصحيحين. كملنا بها القصة هذا الحديث وشروط الحد.
(2/146)
________________________________________
فلما استثبت صلى الله عليه وسلم من كل ذلك، وتحقق من وجوب إقامة الحد، أمر أصحابه أن يذهبوا به فيرجموه.
فخرجوا به إلى بقيع الغرقد - وهو مصلى الجنائز- فرجموه.
فلما أحس بحر الحجارة، طلبت النفس البشرية النجاة، ورغبت في الفرار من الموت فهرب.
فأدركوه بالحرة، فأجهزوا عليه حتى مات. رحمه الله، ورضي عنه.
ما يستفاد من الحديث:
1- أن الزنا يثبت بالإقرار كما يثبت بالشهادة، ويأتي: هل يكفي الإقرار مرة، أم لابد من الإقرار أربع مرات كما في هذا الحديث؟.
2- أن المجنون لا يعتبر إقراره ، ولا يثبت عليه الحد ، لأن اشرط الحد التكليف.
3- أنه يجب على القاضي والمفتي ، فالتثبت في الأحكام ، والسؤال بالتفضيل عما يجب الاستفسار عنه ، مما يغير الحكم في المسألة.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأل المقر- هنا- عن عمله ، حتى تبين له أنه فعل حقيقة الزنا.
وسأل أهله عن عقله ، وأعرض عنه حتى كرر الإقرار، وستثبت منه . قال في فتح الباري: فقد بالغ صلى الله عليه وسلم في الاستثبات غاية المبالغة، وهذا وقع بعد إقراره أربع مرات فهو يؤكد اشتراط العد، لأن هذا الاستثبات العجيب وقع بعده.
4- أن حد المحصن الزاني رجمه بالحجارة حتى يموت، ولا يحفر له عند الرجم.
5- أنه لا يشرط في إقامة الحد، حضور الإمام أو نائبه.
والأولى حضور أحدهما ليؤمن الحيف والتلاعب بحدود الله تعالى.
6- جواز إقامة الحدود في مصلى الجنائز.
وكانوا في الأول ، يجعلون للصلاة على الجنائز مصلّى خاصا .
7- أن الحد كفارة للمعصية التي أقيم الحد لها، وهم إجماع .
وقد جاء صريحا في قوله عليه الصلاة والسلام: "من فعل شيئا من ذلك ، فعوقب في الدنيا ، فهو كفارته" .
8- وأن إثم المعاصي يسقط بالتوبة النصوح، وهو إجماع المسلمين أيضاً.
9- إعراض الإمام والحاكم عن المقر على نفسه بالزنا، لعله فعل ما لا يوجب الحد، فظنه موجبا، والحدود تدرأ بالشبهات.
(2/147)
________________________________________
10- هذه المنقبة العظيمة لماعز، رضي الله عنه، إذ جاء بنفسه، غضبا لله تعالى، وتطهيرا لها مع وجود الإعراض عنه، وتلقينه ما يسقط عنه الحد.
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء: هل يشترط تكرار الإقرار بالزنا أربع مرات، أولا ؟.
ذهب الإمام أحمد، وجمهور العلماء، ومنهم الحكم، وابن أبي ليلى، والحنفية: إلى أنه لا بد من الإقرار أربع مرات، مستدلين بهذا الحديث الذي معنا. فإنه لم يقم النبي صلى الله عليه وسلم على (ماعز) الحد إلا بعد أن شهد على نفسه أربع مرات. وقياسا على الشهادة بالزنا، فلا يقبل إلا أربعة شهود.
ولا يشترط أن تكون الإقرارات في مجالس، خلافا للحنفية.
وذهب مالك، والشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر: إلى أنه يكفي لإقامة الحد إقرار واحد لحديث "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها" ولم يذكر إقرارات أربعة.
ورجم صلى الله عليه وسلم الجهنية، وإنما اعترفت مرة واحدة.
وأجابوا عن حديث ماعز، بأن الروايات في عدد الإقرارات مضطربة.
فجاء أربع مرات، وجاء مرتين، أو ثلاثا.
وأما القياس فلا يستقيم، لأن الإقرار في المال لابد فيه من عدلين، ولو أقر على نفسه مرة واحدة كفت إجماعا. والله أعلم.
الحديث السادس
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له: أنَّ امرأة منهم ورجلاً زنيا.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تجدون في التوراة في شأن الرجم"
فقالوا: نفضحهم ويجلدون.
قال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها.
فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها.
فقال له عبد الله بن سلام: (ارفع يدك) فرفع يده فإذا فيها آية الرجم.
فقال: صدق يا محمد.
فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرُجِما.
قال: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة(1) يَقِيهَا الحجارة.
__________
(1) ينحني، وينكب عليها.
(2/148)
________________________________________
قال رضي الله عنه: الذي وضع يده على آية الرجم هو عبد اله بن صوريا.
الغريب:
عبد الله بن سلام : بتخفيف اللام، ابن الحارث الإسرائيلي، عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وشهد له بالجنة، وهو من علماء بني إسرائيل في التوراة والأحكام.
يجنأ على المرأة : بفتح الياء التحتية وسكون الجيم، بعدها نون مفتوحة، بعدها همزة، أي يميل عليها وينكب.
قال ابن فارس: [هو العطف على الشيء والحنو عليه].
صوريا : بضم الصاد، بعدها واو مخففة، ثم راء مكسورة، ثم ياء فألف.
المعنى الإجمالي:
زنا يهودي بيهودية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان اليهود يعلمون أن نبينا صلى الله عليه وسلم نبي حقا، ويعلمون أن شريعته جاءت باليسر والسماح، وفك الآصار والأغلال.
فجاءوا إليه بهذين اليهوديين الزانيين، ليحكم فيهما، لعل عنده حكما أخف مما عندهم في التوراة، فيكون لهم معذرة عند الله في عدم إقامة ما في التوراة من الحد.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم عالما بحكم الزاني المحصن في التوراة، إما عن طريق الوحي، أو من أحد علماء اليهود الذين أسلموا.
فسألهم صلى الله عليه وسلم عن شأن الرجم في التوراة، متحدِّياَ ومبينا لهم أن القرآن والتوراة متفقان على هذا الحكم، فحاولوا التبديل والتغير على طريقتهم، فقالوا: نفضح الزناة ونجلدهم.
وكان عبد الله بن سلام - الذي عنده علم الكتاب- حاضرا فقال: كذبتم. فيها آية الرجم.
فجاءوا بالتوراة، فنشروها ليبحثوا عن آية الرجم
فوضع عبد الله بن صوريا، يده على تلك الآية، وقرأ ما قبلها وما بعدها.
فقال عبد اللّه بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فوجدوا آية الرجم كما هي في الشريعة المحمدية.
فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرجما عملا بقوله تعالى: "و أنِ احكم بَينهُمْ بما أنزل الله" فكان من شدة شفقة الرجل على المرأة، أنه ذكرها في تلك الحال الشديدة ، فأخذ يقيها الحجارة بنفسه.
ما يستفاد من الحديث:
(2/149)
________________________________________
1- وجوب حد الذمي إذا زنى، وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه.
2- أن الإحصان ليس من شرطه الإسلام. وهو مذهب الشافعي وأحمد.
فإذا وطئ الكافر في نكاح صحيح في شرعه، فهو محصن، تجرى عليه أحكام المسلمين المحصنين، إذا ترافعوا إلينا.
3- أن شريعتنا حاكمة على غيرها من الشرائع، وناسخة لها.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن حكم التوراة في الرجم، ليقيم عليهم الحجة من كتابهم الذي أنكروا أن يكون فيه رجم المحصن، وليبيِّن لهم أن كتب الله متفقة على هذا الحكم الخالد، الذي فيه ردع المفسدين.
4- أن حدَّ المحصن، إذا زنا، الرجم بالحجارة حتى يموت.
5- أن اليهود أهل تغيير وتبديل لكتاب اللّه الذي أنزله عليهم، تبعاً لأهوائهم وأغراضهم ومادِّيَّتِهمْ.
6- أن الكفار مخاطبون بالأحكام الفرعية، ومعاقبون عليها.
الحديث السابع
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن رجلا - أو قال: امرءا- اطَّلع عليك بغير إذنك، فحذفته بحصاةٍ ففقأت عينه، ما كان عليك جناح" .
الغريب :
حذفته : بالحاء والخاء وخطأ القرطبي رواية الحاء وجزم النووي أنه بالخاء المعجمة، ومعناها: رميته.
فقأت عينه : أفسدتها.
جناح : إثم.
المعنى الإجمالي:
للإنسان حرمة عظيمة ومقام كبير، وقد حظر الله تعالى ماله وعرضه ودمه.
ولكنه إذا اعتدى على غيره، زالت حرمته، وصَغُر مقامه، إذ أهان نفسه وقلل خطره.
فإذا اطلع على أحد بغير إذنه من وراء بابه أو من فوق جداره أو غيِر ذلك ففقأ عينه، فليس على هذا الفاقئ إثم ولا قصاص، لأنه أسقط حرمته، وأرخص عضوه، بجنايتها بالاطلاع على بيوت الناس و عوراتهم.
فهذا من باب القصاص، لا من باب المدافعة، فتكون بالأسهل فالأسهل.
ما يؤخذ من الحديث:
1- تحريم الاطلاع على أحوال الناس في منازلهم، والنظر إليهم والاستماع إِلى كلامهم.
2- سقوط حرمة من فعل ذلك، وإهدار العضو الذي يطلع به على أحوالهم.
(2/150)
________________________________________
3- أن لصاحب البيت أن يفقأ عينه وليس عليه إثم ولا قصاص
4- ظاهر الحديث أن صاحب الدار لا يحتاج إلى إنذاره، ويؤيد ذلك ما أخرجه البخاري في عدة أبواب من صحيحه "أن رجلا اطلع في حجر باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ صلى الله عليه وسلم مشقصا وجاء يختل الناظر بالمشقص" (فهذا من أبواب القصاص)، لأن باب مدافعة الصائل هي التي تكون بالأسهل ثم الأصعب.
باب حدِّ السَّرقة
الأصل في القطع، الكتاب، والسنة، والإجماع والقياس قال تعالى: {وَالسارق وَالسارقَةُ فَاقْطَعُوا أيدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كسَبَا نكالاً منَ الله وَالله عَزيزٌحَكِيم}.
والسنة، ما يأتي من الأحاديث.
وأجمع عليه العلماء، استناداً إلى هذه النصوص.
والقياس والحكمة تقتضي إقامة الحدود كلها كما أمر الله تعالى، حفظا للأنفس والأعراض والأموال.
ولذا نرى البلاد التي عملت بحدود الله ونفذت حدوده، استتب فيها الأمن ولو كانت ضعيفة العُدة.
ونرى الفوضى، وقتل الأنفس، وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال، في البلاد التي حكمت القوانين ( رحمة بالجناة المعتدين، من جهلهم بالرحمة وموضعها، ولو كانت قوية متمدينة. فمضت حياتها ما بين صلب ونهب.
الحديث الأول
عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ رَضيَ اللّه عَنْهُمَا: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَطَعَ مِجَنّ قِيمَتُهُ ثَلاَثة درَاهِمَ.
وفي لفظ: ثَمَنُهُ- ثَلاثَةُ درَاهِمَ.
الحديث الثاني
عَنْ عَاِئشَةَ رَضي اللّه عَنْهَا: أنَّهَا سَمِعَتْ رَسولَ اللّه يَقُولُ: "تُقْطَعُ الْيَدُ في رُبْعِ دِينَار فَصَاعِداً".
الغريب:
القطع: يراد به الأمر بالقطع.
قيمته: ما تنتهي إليه الرغبة من الثمن.
الثمن: ما يقابل به المبيع.
المجن: بكسر الميم وفتح الجيم، بعدها نون مشددة، هو الترس الذي يتقى به وقع السيف مأخوذ من الاجتنان والاختفاء، لأن الفارس يختفي به، وكسرت ميمه، لأنه اسم آلة.
المعنى الإجمالي:
(2/151)
________________________________________
أمن الله عز وجل دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، بكل ما يكفل ردع المفسدين المعتدين.
فكان أن جعل عقوبة السارق ( الذي أخذ المال من حرزه على وجه الاختفاء، قطع العضو الذي تناول به المال المسروق، ليكفر القطع ذنبه.
وليرتدع هو وغيره عن الطرق الدنيئة، وينصرفوا إلى اكتساب المال من الطرق الشرعية الكريمة"، فيكثر العمل، و تستخرج الثمار فيعمر الكون وتعز النفوس.
ومن حكمته تعالى، أن جعل النصاب الذي تقطع فيه اليد، ما يعادل ربع دينار من الذهب، حماية للأموال، وصيانة للحياة، ليستتب الأمن، وتطمئن النفوس، وينشر الناس أموالهم للكسب والاستثمار.
ما يستفاد من الحديث:
1- قطع يد السارق، والمراد بالسارق[الذي يأخذ المال من حرزه على وجه الاختفاء ]وليس منه الغاصب و المنتهب و المختلس.
قال القاضي عياض رحمه اللّه: (صان اللّه الأموال بإيجاب القطع على السارق، ولم يجعل ذلك في غير السرقة، كالاختلاس، والانتهاب، والغصب، لان ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالاستدعاء إلى ولاة الأمر، وتسهل إقامة البينة عليه، بخلاف السرقة، فإنه تندر إقامة البينة عليها، فعظم أمرها، واشتدت عقوبتها، ليكون أبلغ في الزجر عنها.
وقد أجع المسلمون على قطع السارق في الجملة.
2- في الحديثين، أن نصاب القطع ربع دينار من الذهب " أو ما قيمته ثلاثة دراهم من الفضة، ويأتي- قريبا- مذاهب العلماء في بيان النصاب.
3- قال ابن دقيق العيد: القيمة والثمن مختلفان في الحقيقة، فلو اختلفت القيمة والثمن الذي اشتراه به مالكه لم تعتبر إلا القيمة.
4- للعلماء شروط في قطع يد السارق، تقدم بعضها:
وأهم الباقي أن يكون المسروق من حرز مثله، والحرز يختلف باختلاف الأموال والبلدان والحكام.
ومرجع الحرز، العُرْفُ. فلا قطع في سرقة من غير حرز مثلها.
(2/152)
________________________________________
وأن تنتفي الشبهة، فلا قطع من مال له فيه شبهة، كسرقة الابن من أبيه، أو الأب من ابنه، والفقير من غلة وقف على الفقراء، أو من مال له في شركة، وأن تثبت السرقة إما بإقرار من السارق معتبر، أو شاهدين عد لين.
5- لهذا الحكم السامي، حكمته التشريعية العظمى.
فالحدود كلها- على وجه العموم- رحمة ونعمة. فإن في المجموعة البشرية أفراد، أشْرِبَتْ نفوسهم حبَّ الأذى، وإقلاق الناس، وإفزاعهم في أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وأنه إذا لم يجعل لهؤلاء المجرمين رادع من التأديب والعقوبة، اضطربت الأحوال، وخاف الناس، وتقطعت السبل
ومن رحمته تعالى، أن جعل عقوبات تناسب هذه الجرائم ليرتدع بها المجرم وليكف عن الجرائم من يحاول غشيانها.
ومن ذلك قطع يد السارق.
فهذا المعتدى الذي ترك ما أباح اللّه تعالى له، واستحسنه الناس من المكاسب الشريفة، التي تعود عليه وعلى مجتمعه بالصالح العام، فأقدم على أموال الناس بغير حق، وأفزعهم وأخافهم، يناسبه في العقوبة أن تقطع يده، لأنها الآلة الوحيدة [ لعملية الإجرام].
ولكنا- مع الأسف- ابتلينا بهذه الطوائف المتزندقة، التي عشقت القوانين الأوروبية الآثمة، تلك القوانين التي لم تحجز المجرمين عن إفسادهم في الأرض، وإخافة الأبرياء في بيوتهم وسبلهم.
عشقوا تلك القوانين التي حاولت إصلاح المجرمين المفسدة بغير ما أنزل الله تعالى عليهم، من
العلاجات الشافية لهم، ولمن في قلبه مرض من أمثالهم، فلم تفلح، بل زادت عندهم الجرائم
والمفاسد. لأن عقابهم وعلاجهم السجن، مهما عظمت المعصية، وكبر الإجرام.
والسجن يلذ لكثير من المفسدين العاطلين، الذين يجدون فيه الطعام والشراب، وفي خارجه الجوع والبطالة.
وبالتجارب وجدنا حكومتنا [السعودية] وفقها الله، لما حكمت- ولله الحمد- بالشرع الشريف، خفت عندها أعمال الإجرام، لاسيما سلب الأموال.
(2/153)
________________________________________
بينما غيرها من الأمم القوية، تعج بالمنكرات، وعصابات المجرمين، وقطاع الطرق والمهاجمين. أعاد الله المسلمين إلى حظيرة دينهم، والعمل بما فيه من الخير والبركة.
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في قدر النصاب الذي تقطع فيه يد السارق.
فذهب الظاهرية: إلى أنه في القليل والكثير، مستدلين بقول الله تعالى {وَالسارِقُ وَالسًارِقَةُ فَاقطَعُوا أيْديَهُمَا} وهى مطلقة في سرقة القليل و الكثير.
وبما أخرجه البخاري من حديث أ بي هريرة قال صلى الله عليه وسلم : "لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده".
وذهب جمهور العلماء: إلى أنه لابد في القطع من نصاب السرقة مستدلين الأحاديث الصحيحة في تحديد النصاب.
وأجابوا عن أدلة الظاهرية بأن الآية مطلقة في جنس المسروق وقدره، و الحديث بيان لها.
وأما حديث البيضة والحبل، فالمراد بذلك بيان سخف وضعف عقل السارق وخساسته ودناءته، فإنه يخاطر بقطع يده للأشياء الحقيرة التافهة.
فهذا التعبير نوع من أنواع البلاغة، فيه التنفير، والتبشيع، وتصوير عمل المعاصي بالصورة المكروهة المستقبحة.
ثم اختلف الجمهور في تحديد قدر النصاب الذي يقطع فيه، على أموال كثيرة، نذكر منها القوي.
فذهب مالك، وأحمد و إسحاق: إلى أن النصاب ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو عَرَض تبلغ قيمته أحدهما.
وذهب الشافعي إلى أن النصاب ربع دينار ذهبا، أو ما قيمته ربع دينار من الفضة أو العروض، وبه قال كثير من العلماء، منهم عائشة، و عمر بن عبد العزيز، و الأوزعي، والليث، وأبو ثور.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه، وسفيان الثوري: إلى أن النصاب عشرة دراهم مضروبة أو ما يعادلها من ذهب أو عروض.
استدل الإمام أحمد، ومالك، بما رواه أحمد ومسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا ".
وكان ربع الدينار يومئذ، ثلاثة دراهم، والدينار اثني عشر درهما. رواه أحمد عن ابن عمر.
(2/154)
________________________________________
وكما في حديث الباب عن ابن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم "قطع في مجن قيمته ثلاثة در ا هم".
واستدل الشافعي والجمهور بالحديث السابق " لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا " فإنه جعل الذهب أصلاً يرجع إليه في النصاب.
ولا ينافي حديث ابن عمر، فإن قيمة الدراهم الثلاثة في ذلك الوقت ربع دينار، لأن صرف الدينار اثنا عشر درهماً.
واستدل أبو حنيفة واتباعه، بما ثبت في الصحيحين من أنه صلى الله عليه وسلم قطع في مجن، وقد اختلف في قيمة هذه المجن، حتى جاء بما أخرجه البيهقى والطحاوي من حديث ابن عباس. أنه كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم.
وهذه الرواية وإن خالفت ما في الصحيحين من أن قيمته ثلاثة دراهم، فالواجب الاحتياط فيما يستباح به قطع العضو المحرم، فيجب الأخذ به وهو الأكثر.
وبما أخرجه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لاَ قطع إلا في عشرة دراهم " وضعف العلماء هذا الحديث.
واختلف العلماء في حقيقة اليد التي تقطع على أقوال: وأصحها، ما ذهب إليه الجمهور، بل نقل فيه الإجماع، من أنها الكف التي تبتدئ من الكوع، فالآية الكريمة ذكرت قطع اليد، واليد عند الإطلاق هي الكف فقط، ومع هذا فقد بينتها السنة، فإن الله تعالى قال: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} والنبي صلىالله عليه وسلم مسح على كفيه فقط. ثم إن الجمهور ذهبوا إلى أن أول ما يقطع اليد اليمنى وبه قرأ ابن مسعود {فاقطعوا أيمانهما} فإن سرق ثانيا قطعت الرجل اليسرى، ثم إن سرق قطعت اليد اليسرى، ثم إن سرق فالرجل اليمنى، هذا عند الجمهور. وذكروا أدلتهم في المطولات.
باب في إنكار الشفاعة في الحدود (1) والنهي عنها
الحديث الأول
__________
(1) وضعت هذه الترجمة لهذا الحديث لأنها المقصود لأعظم منه، ولأهميتها والحاجة إلى معرفتها. اهـ- شارح.
(2/155)
________________________________________
عَنْ عَاِئشَةَ رَضي اللّه عَنْهَا: إنَّ قُرَيْشاً أهَمَّهُمْ شَأنُ الْمَخْزُومِيَّة التي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمَ فِيهَا رَسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم؟.
فَقَالوا: وَمَنْ يَجْتَرِئ عَلَيْهِ إلا أسَامَةُ بْنُ زَيد حِبُّ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه وسلم؟.
فَكَلَّمَهُ أسَامَةُ، فَقَالَ " أَتَشفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللّه "؟.
ثُم قَامَ فاختَطَبَ، فَقَالَ: " إنَّمَا أهلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أنَّهم كَانُوا إذَا سَرقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكَوهُ، وَإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَأيْمُ اللّه، لَوْ أنَّ فَاطِمَةَ بِنْت مُحَمَّدٍ سرَقتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا".
وفي لفظ: كَانَت امْرأةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتجْحَدُهُ، فَأمَرَ النبيُ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ يَدِهَا.
الغريب:
أهمهم: جلب لهم هما، أو صيرهم ذوي هم.
المخزومية: هي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد، بنت أخي أبي سلمة. وبنو مخزوم أحد أفخاذ قريش، وهم من أشراف تلك القبيلة الشريفة فيسمونهم ريحانة قريش.
من يكلم؟:. أي من يشفع فيها بترك قطع يدها.
حِبُ رسول اللّه: بكسر الحاء، أي محبوبة.
وأيم الله: بفتح الهمزة وكسرها وضم الميم، وهو اسم مفرد، ولذا فإن همزته همزة قطع وإعرابه هنا: إنه مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف تقديره: قسمي، أو يميني.
المعنى الإجمالي:
كانت امرأة من بنى مخزوم تستعير المتاع من الناس احتيالاً، ثم تجحده.
فاستعارت مرةً حُلِيًا فجحدته، فوُجِدَ عندها، وبلغ أمرها النبي صلى الله عليه وسلم فعزم على تنفيذ حد الله تعالى بقطع يدها، وكانت ذات شرف، ومن أسرة عريقة في قريش.
فاهتمت قريش بها وبهذا الحكم الذي سينفذ فيها، وتشاوروا فيمن يجعلونه واسطة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليكلمه في خلاصها، فلم يروا أولى من أسامة بن زيد، فإنه المقرب المحبوب للنبي صلى الله عليه وسلم. فكلمه أسامة.
(2/156)
________________________________________
فغضب منه صلى الله عليه وسلم و قال له - منكراً عليه:- "أتشفع في حدًّ من حدود الله"؟
ثم قام خطيبا في الناس ليبين لهم خطورة مثل هذه الشفاعة التي تعطل بها حدود الله، ولأن الموضوع يهم الكثير منهم، فأخبرهم أن سبب هلاك من قبلنا في دينهم وفي دنياهم: أنهم يقيمون الحدود على الضعفاء والفقراء، ويتركون الأقوياء والأغنياء، فتعم فيهم الفوضى وينتشر الشر والفساد، فيحق عليهم غضب الله وعقابه.
ثم أقسم صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق- لو وقع هذا الفعل من سيدة نساء العالمين ابنته فاطمة- أعاذها الله من ذلك- لنفذ فيها حكم اللّه تعالى. صلى الله عليه وسلم .
ما يستفاد من الحديث:
1- تحريم !الشفاعة في الحدود، والإنكار على الشافع، وذلك قبل أن تبلغ الحاكم. قال ابن دقيق العيد: وفي الحديث دليل على امتناع الشفاعة في الحد بعد بلوغه السلطان، وفيه تعظيم أمر المحاباة للأشراف في حقوق اللّه تعالى.
قلت في تقييد ذلك بـ ( قبل بلوغها الحاكم ) ليس مأخوذا من هذا الحديث الذي معنا، وإنما يؤخذ من نصوص أخر، مثل ما أخرجه أصحاب السنن، وأحمد، عن صفوان بن أمية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما أمر بقطع الذي سر ق رداء ه فشفع فيه: هلا كان ذلك قبل أن تأتيني به؟.
أما قبل بلوغ الحاكم، فهل يرفعه أو يتركه؟.
الأولى أن ينظر في ذلك إلى ما يترتب على ذلك من المصالح أو المفاسد.
فإن كان ليس من أهل الشر والأذى، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال"أقيلوا ذوى الهيئات زلاَّتهم".
فإن كان يترتب عليه شيء من المفاسد فمثل هذا، الأحسن عدم رفعه.
وإن كان في تركه مفسدة، وهو من أهل الأذى ونحو دْلك من دواعي الرفع، فالأولى رفعه.
2- أن جاحد العاريَة حكمه حكم السارق، فيقطع. ويأتي الخلاف فيه
3- وجوب العدل والمساواة بين الناس، سواء منهم الغني أو الفقر، والشريف أو الوضيع، في الأحكام والحدود، وفيما هم مشتركون فيه.
(2/157)
________________________________________
4- أن إقامة الحدود على الضعفاء وتعطيلها في حق الأقوياء، سبب الهلاك والدمار، و شقاوة الدارين.
5- القَسَمُ في الأمور الهامة، لتأكيدها وتأييدها.
6- جواز المبالغة في الكلام، والتشبيه والتمثيل. لتوضيح الحق وتبيينه و تأكيده.
7- منقبة كبرى لأسامة، إذ لم يروا أولى منه للشفاعة عند الني صلى الله عليه وسلم وقد وقعت الحادثة في فتح مكة.
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في جاحد العارية: هل يقطع أو لا؟
فذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة، أبو حنيفة، ومالك والشافعي: إلى أنه لا يقطع، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها من أصحابه الخِرَقِي، وأبو الخطاب، و (ابن قدامه) صاحب الشرح الكبير، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا قطع على خائن".
وأجابوا عن حديث الباب بأنها ذكرت بجحد العارية للتعريف، لا لأنها قطعت من أجله، وقد قطعت لأجل السرقة، ولذا وردت لفظة [السرقة] في الحديث.
وأجابوا بغير ذلك، ولكنها أجوبة غير ناهضة.
والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أنه يقطع، وهو المذهب.
قال عبد اللّه بن الإمام أحمد: سألت أبى فقلت له: تذهب إلى هذا الحديث؟
فقال: لا أعلم شيئاً يدفعه.
وبهذا القول، قال إسحاق، والظاهرية، وانتصر له ابن حزم.
واستدلوا بهذا الحديث الذي جاء في قصة المخزومية، وجعلوا حديث "لا قطع على خائن " مخصصا بغير خائن العارية لحديث الباب.
والمعنى الموجود في السارق موجود مثله في جاحد العارية، بل. الأخير أعظم، لأنه لا يمكن التحرز منه.
والمعُيِرُ مُحْسِن، والجاحد ير يد قطع الإحسان والمعروف بين الناس، فهو مسيء من جهات.
تنبيه:
بإجماع العلماء أن الغاصب والمختلس والمنتهب لا يقطعون، وليس ذلك لأنهم غير مجرمين أو مفسدين، بل هم آثمون ويجب عليهم التعزير، وقد يكون تعزيرهم بليغاً ويجب عليهم ردّ ما أخذوه.
وإنما لم يقطعوا، لما نقلناه في أول الباب عن القاضي عياض ولِحكَمٍ أيضاً، لا يعلمها إلا الذي شرع للناس، ما يصلح حالهم.
(2/158)
________________________________________
بَابُ حد الخمْر
للخمر- في اللغةَ ثلاثة معان:
1- الستر والتغطية، ومنه: اختمرت المرأة إذا غطت رأسها ووجهها بالخمار.
2- والمخالطة: ومنه قول كثير عزة:
هنيئا مريئا غير داء مخامر....... أي: مخالط.
3- والإدراك، ومنه قولهم: خمرت العجين(1) وهو أن تتركه حتى يبلغ وقت إدراكه.
فمن هذه المعانيْ الثلاثة أخذ اسم الخمرة، لأنها تُغطى العقل وتستره، ولأنها تخالط العقل، ولأنها تترك حتى تدرك وتستوى.
وتعريفها- شرعاً: أنها اسم لكل ما خامر العقل وغطَاه من أي نوع من
الأشربة لحديث "كل مسكر خمر وكل خمر حرام".
وهو محرم بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.
أما الكتاب، فقوله تعالى: {يَا آُيَّهَا الذِينَ آمَنُوا إنَمَا الْخمر وَالْميسِرُ والأنْصَابُ والأزْلامُ رِجْس مِنْ عَمَل الشيطَانِ فَاجَتَنِبُوهُ لعلَّكم تفلحون} فقرنه مع عبادة الأصنام، التي هي الشرك الأكبر بالله تعالى.
وأما السنة: فأحاديث كثيرة، منها ما رواه مسلم: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام" وأجمعت الأمة على تحريمها.
حكمة تحريمها التشريعية: لا يحتمل المقام هنا ذكر ما علمناه ووقفنا عليه من المفاسد، التي تجرها وتسببها ويكفيك قوله تعالى: {إنَّمَا يُريدُ الشيطَانُ أنْ يُوقِعَ بَينَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ في الخَمْرِ وَالميسِرِ وَيَصُدَّ كم عَنْ ذِكْرِ اللّه وَعَن الصلاةِ فَهَلْ أنتمْ مُنْتَهُون ؟} فذكر أنه سبب في كل شر، وعائق عن كل خير.
وقال صلى اللهعليه وسلم : " الخمر أم الخبائث " فجعلها أما وأساسا لكل شر وخُبْثٍ .
أما مضرتها الدينية، والأخلاقية، والعقلية، فهي مما لا يحتاج إلى بيان وتفصيل.
وأما مضرتها البدنية، فقد أجمع عليها الأطباء لأنهم وجدوها سببا في كثير من الأمراض الخطيرة المستعصية.
لهذا حرمها الشارع الحكيم، وإنَ ما تجره هذه الجريمة المنكرة من المفاسد و الشرور ليطول عَدُّه، ويصعب حَصْرُه.
__________
(1) لا يزال هذا اللفظ مستعملا لهذا المعنى- اهـ- شارح.
(2/159)
________________________________________
ولو لم يكن فيها إلا ذهاب العقل لكفى سببا للتحريم فكيف يشرب المرء تلك الآثَمة التي تزيل عقله، فيكون بحال يضحك منها الصبيان، ويتصرف تصرف المجانين.
فَدَاء هذا بعض أمراضه، كيف يرضاه عاقل لنفسه؟!
و لِعظَمِ خطرها، وكثرة ضررها، حاربتها الحكومات في (الولايات المتحدة) و غيرها.
ولكن كثيرا من الناس لا يعقلون، فتجدهم يتهافتون عليها، فيذْهِبُونَ بها عقولهم، وأديانهم، و أعراضهم، وأموالهم، و شيمتهم، و صحتهم. فإنا لله وإنا إليه راجعون
الحديث الأول
عن أنسَ بْنِ مَالِك رضيَ اللّه عَنْهُ: أنَّ النَّبيَّ صَلَّي اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّم أتي بِرَجُلِ قدْ شَرِبَ الَخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَريِدِةٍ نَحْوَ أربعين.
قالَ: وَفَعَلَهُ أبُو بَكْر، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ، اسْتَشَارَ النَّاسَ، فقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : " أخَفُّ الُحْدُودِ، ثَماَنُونَ ". فَأمَرَ به عمر رضي اللّه عَنْهُ(1).
المعنى الإجمالي:
شرب رجل الخمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فجلده بجريدة من سعف النخل نحو أربعين جلدة.
وجلد أبو بكر رضي الله عنه شارب خمر في خلافته مثل جلد النبي صلى الله عليه وسلم .
فلما جاءت خلافة عمر، وكثرت الفتوحات، واختلط المسلمون بغيرهم، كثر شربهم لها.
فاستشار علماء الصحابة في الحد الذي يطبقه عليهم ليردعهم كعادته في الأمور الهامة، والمسائل الاجتهادية.
فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعله مثل أخف الحدود، ثمانين. وهو حد القاذف، فجعله عمر ثمانين جلدة.
ما يستفاد من الحديث:
1- ثبوت الحد في الخمر، وهو مذهب عامة العلماء.
2- أن حده على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نحو أربعين جلدة، وتبعه أبو بكر على هذا.
3- أن عمر- بعد استشارة الصحابة- جعله ثمانين.
__________
(1) قال عبد الحق في جمعه بين الصحيحين: لم يخرج البخاري مشورة عمر ولا فتوى عبد الرحمن بن عوف .
(2/160)
________________________________________
4- الاجتهاد في المسائل ومشاورة العلماء عليها، وهذا دأب أهل الحق وطالبي الصواب.
أما الاستبداد، فعمل المعجبين بأنفسهم، المتكبرين الذين لا يريدون الحقائق.
اختلاق العلماء:
اختلف العلماء في حد الخمر: هل هو ثمانون جلدة، أو أربعون، وما بين الأربعين والثمانيِن يكون من باب التعزير إن رأى الحاكم الزيادة و إلا اقتصر على الأربعين؟.
ذهب الأئمة أحمد، ومالك، وأبو حنيفة، والثوري، ومن تبعهم من العلماء: إلى أن الحد ثمانون، ودليلهم على ذلك إجماع الصحابة، لما استشارهم عمر فقال عبد الرحمن بن عوف: (اجعله كأخف الحدود ثمانين) فجعله.
وذهب الشافعي إلى أن الحد أربعون، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها جملة من أصحابه، منهم أبو بكر، وشيخ الإسلام (ابن تيميةَ) و(ابن القيم) وشيخنا (عبد الرحمن بن سعدى) رحمهم الله تعالى.
قال شيخ الإسلام( ابن تيميه) فيما نقل عنه في الاختيارات:
(والصحيح في حد الخمر إحدى الروايتين الموافقة لمذهب الشافعي وغيره أن الزيادة على الأربعين إلى الثمانين ليست واجبة على الإطلاق بل يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام، كما جوزنا له الاجتهاد في صفة الضرب فيه).
وقال في المغنى (ولا ينعقد الإجماع على ما خالف فعل النبي ِ، وأبي بكر وعليّ، فتحمل الزيادة من عمر على أنها تعزيز، يجوز فعلها إذا رآه الإمام ).
ويقصد بهذا، الرد على من قال: إن الثمانين كانت بإجماع من الصحابة.
وقد أجمعت الأمة على أن الشارب إذا سكر بأي نوع من الأنواع المسكرة، فعليه الحد، وأجمعت أيضا على أنه من شرب عصير العنب المتخمر، فعليه الحد، ولو لم يسكر شاربه.
(2/161)
________________________________________
وذهب جماهير العلماء من السلف و الخلف: إلى أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، من أي نوع من أنواع المسكرات، و يستوي أن تكون من عصير العنب، أو التمر، أو الحنطة، أو الشعير، أو غير ذلك. وهو مروى عن عمر، وعلى، وابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وسعد بن أبى وقاص، وأبي بن كعب، وأنس، وعائشة رضى الله عنهم.
وبه قال عطاء، ومجاهد، و طاوس، والقاسم بن محمد، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز.
وهو مذهب الأئمة الثلاثة: أحمد، والشافعي، ومالك، وأتباعهم، وذهب إليه أبو ثور، وإسحاق.
وأما أهل الكوفة فيرون أن الأشربة المسكرة من غير عصير العنب لا يحد شاربها ما لم تبلغ حد الإسكار.
أما مع الإسكار فقد تقدم أن الإجماع على إقامة الحد.
وليس لهؤلاء من الأدلة إلا أن اسم الخمر حقيقة لا يطلق- عندهم- إلا على عصير العنب أما غيره فيلحق به مجازا.
واستدلوا على مذهبهم بأحاديث.
قال العلماء- ومنهم الأثرم، وابن المنذر: إنها معلولة ضعيفة.
وأما أدلة جماهير الأمة، على أن كل مسكر خمر، يحرم قليله وكثيره. فمن الكتاب العزيز، والسنة الصحيحة، واللغة الفصيحة.
فأما الكتاب، فعمم تحريم الخمر، ونهى عنه.
والخمر:- ما خامر العقل وغطاه من أي نوع.
و أما السنة فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " وقال صلى الله عليه وسلم " ما أسكر كثيره فقليله حرام " رواه أبو داود والأثرم.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه [ نزل تحريم الخمر و هي من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة ، والشعير والخمر ما خامر العقل] متفق عليه.
وأما اللغة، فقد قال صاحب القاموس (الخمر : ما أسكر من عصير العنب، أو هو عامَ) والعموم أصح لأنها حرمت وما بالمدينة خمر عنب، وكان شرابهم البسر والتمر ).
وقال الخطابي :(زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب، فيقال لهم: إن الصحابة الذين سموا غيرِ المتخذ من العنب خمرا، عرب فصحاء. ولو لم يكن هذا الاسم صحيحا، لما أطلقوه).
(2/162)
________________________________________
ومن أحسن ما ينقل من كلام ا لعلماء في هذه المسألة، ما قاله القرطبي: (الأحاديث الواردة عن أنس وغيره- على صحتها وكثرتها- تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إ لا من العنب، وما كان من غيرهْ لا يسمى خمرا و لا يتناوله اسم الخمر.
وهو قول مخالف للغة العرب، وللسنة الصحيحة، وللصحابة، لأنهم- لما نزل تحريم الخمر- فهموا من الأمر بالاجتناب، تحريم كل ما يسكر.
ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره. بل سووا بينهما، وحرموا كل ما يسكر نوعه.
ولم يتوقفوا، ولم يستفصلوا ولم يشكل عليهم شيء من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب، رهم أهل اللسان، وبلغتهم نزل القرآن
فلو كان عندهم تردد، لتوقفوا عن الإراقة حتى يستفصلوا ويتحققوا التحريم.
ثم ساق القرطبي الأثر المتقدم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وهذا كلام جيد، يقطع شبهة المخالف، والله الموفق.
بَابُ التعزير (1)
التعزير- لغة- هو مصدر (عزَّر) وأصل العز ر: المنع، فأخذ منه، لأنه يمنع من الوقوع في المعصية.
وشرعاً:- التأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة، كالاستمتاع من المرأة بما دون الفرج، أو السرقة من غيرِ حرز، والقذف بغير الزنا، والمعاصي التي لم يقدر لها حدود، هي الكثرة الغالبة.
أما ما فيه حدّ مقدر من الشارع، فهو القليل المحصور، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على مقدار هذه العقوبة والخلاف فيه.
أما حكمته التشريعية:- فهو من جملة الحدود التي تقدم الكلام في فوائدها ومنافعها.
وحكمه ثابت، في الكتاب، والسنة، والإجماع. ونصوصه كثيرة مشهورة.
الحديث الأول
عَنْ أبي بُرْدَةَ هانئ بْنِ نِيَار البلويِّ رَضي الله عَنْهُ: أنَّهُ سَمِع رَسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
" لا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرَةِ أسْوَاطٍ إلا في حَدٍّ مِنْ حدود اللّه".
__________
(1) وضعت هذه الترجمة، لأنها المقصودة من هذا الحديث- اهـ- شارح.
(2/163)
________________________________________
المعنى الإجمالي:
يراد بحدود الله تعالى، أوامره و نواهيه. فهذه لها عقوبات رادعة عنها، إما مقدرة، كالزنا والقذف أو غيره مقدرة، كالإفطار في نهار رمضان، ومنع الزكاة، و غير ذلك من قِبَلِ المحرمات، أو ترك الواجبات.
وهناك تأديبات و تعزيرات للنساء و الصبيان، لغير معصية الله..
وإنما تفعل لتقويمهم وتهذيبهم. فهذه لا يزايد فيها على عشرة أسواط، ماداموا لم يتركوا واجبا من دينهم، أو يفعلوا محرما عليهم من ربهم.
ما يستفاد من الحديث:
1- أن حدود اللّه تعالى، التي أمر بها، أو نهى عنها، لها عقوبات تردع عنها، إما مقدرة من الشارع، أو راجع وتقديرها إلى المصلحة التي يراها الحاكم . وهى أنواع كما يأتي.
2- أن تأديب الصبيان و النساء والخدم ونحوهم، يكون خفيفا بقدر التوجيه والتخويف، فلا يزاد فيه على عشرة أسواط
والأولى تهذيبهم بدون الضرب، بل بالتوجيه، والتعليم، والإرشاد، والتشويق، فهو أدعى للقبول واللطف في التعليم.
والأحوال في هذا المقام تختلف كثيراً، فينبغي فعل الأصلح.
3- ظاهر هذا الحديث تحريم الزيادة على عشرة أسواط، لأن الحديث جاء بصيغة النَهْي ويقتضي التحريم.
اختلاق العلماء:
اختلاف العلماء في المراد من معنى قوله " إلا في حَدٍّ من حدود الله " فذهب بعضهم: إلى أن المراد (بالحدود) هي التي قدرت عقوباتها شرعاً كحد الزنا، والقذف، والسرقة، والقصاص في النفس، وما دونها من الأطراف والجروح.
فعلى هذا، يكون ما عداها من المعاصي، هو الذي عقوبة مرتكبه التعزير، وهو من عشرة أسواط فأدنى، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد.
على أن الأصحاب يريدون بالتعزير المقدر، لمن كان قد فعل المعصية.
أما المقيم عليها، فيُعزَّر حتى يُقلع عنها، ولذا قال شيخ الإسلام:(والذين قدروا التعزير من أصحابنا، إنما هو فيما إذا كان تعزيرا على ما مضى من فعل أو ترك.
(2/164)
________________________________________
فإن كان تعزيرا لأجل ترك ما هو فاعل له، فهو بمنزلة قتل المرتد والحربي، وقتال الباغي. وهذا تعزير ليس يقدر، بل ينتهي إلى القتل، كما في الصائل لأخذ المال، يجوز أن يمنع ولو بالقتل) وله بقية.
وعنه أن كل معصية لها مثل المقدر، لا يبلغ بها حدًا المقدَر، كأن يزني بجارية له فيها شرك، فيجلد مائة سوط إلا واحداً.
ومذهب أبي حنيفة، و الشافعي: أنه لا يبلغ بالتعزير، الحدود المقدرة.
وذهب بعض العلماء: إلى أن معنى قوله "إلا في حد من حدود الله" أن المراد بحدود الله، أوامره ونواهيه، وأنه مادام التعزير لأجل ارتكاب معصية بترك واجب أو فعل محرم، فيبلغ به الحد الذي يراه الإمام رادعاً وزاجراً من ارتكابه والعودة إليه، وذلك يختلف باختلاف المكان والزمان، وباختلاف الأشخاص، وباختلاف المعصية.
فللأزمنة: والأمكنة، حكم بالتحفيف أ والتشديد في عقوبة العصاة، وكذلك الأشخاص، لكل منهم أدبه اللائق والكافي لردعه.
فبعضهم يكفيه التوبيخ، وبعضهم الضرب والجلد. وبعضهم الحبس. وبعضهم أخذ المال.
والذين يندر أن تقع منهم المعاصي _ وهم ذوو الهيئات _ فينبغي التجاوز عنهم.
وبعضهم مجاهرون معاندون، فينبغي النكاية بهم.
والمعاصي تختلف في عِظَمِها وخفتها.
فينبغي للحاكم ملاحظة الأحوال، و الظروف، والملابسات، ليكون على بصيرة من أمره، ولتكون تعزيرا ته وتأديباته واقعة مواقعها، وافية بمقصودها، وهو راجع إ إلى رأي الحاكم، فقد يكون بالتوبيخ، وقد يكون بالهجر، وقد يكون بالجلد، وقد يكون بالحبس، وقد يكون بأخذ المال، وقد يكون بالقتل.
وكل هذه العقوبات، لها أصل في الشرع. وإليك كلام العلماء في هذا الباب.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى- فيمن شرب خمراً في نهار رمضان، أو أتى شيئاً نحو هذا-: (أقيم عليه الحد وغلظ عليه، مثل الذي يقتل في الحرم، ودية وثلث دية)
وقال أيضاً: (إذا أتت المرأة المرأة، تعاقبان وتؤدًبان).
(2/165)
________________________________________
وقال أيضاً- فيمن طعن على الصحابة-: (إنه قد وجب على السلطان عقوبته، فإن تاب وإلا أعاد العقوبة).
وقد أطال الناقل عن شيخ الإسلام في " الاختيارات " في هذا الباب فنجتزئ من ذلك بفقرات تُبيِّن رأيه، وتنير الطريق في هذه المسألة.
قال رحمه اللَه: (وقد يكون التعزير بالعزل والنَّيْلِ من عِرْضِه، مثل أن يقال: يا ظالم، يا معتدى، وبإقامته من المجلس).
وقال: (والتعزير بالمال سائغ، إتلافاً، وأخذا، وهو جار على أصل أحمد، لأنه لم يختلف أصحابه أن العقوبات في الأموال غير منسوخة كلها).
وقول الشيخ أبى محمد المقدسى (ابن قدامه): (ولا يجوز أخذ مال المعزر)، إشارة منه إلى ما يفعله الولاة الظلمة.
و قال: (ويملك السلطان تعزير من ثبت عنده أنه كتم الخبر الواجب.كما يملك تعزير المقر إقراراً مجهولا حتى يفسره، أو من كتم الإقرار).
وقد يكون التعزير بتركه المستحب كما يعزر العاطس الذي لم يحمد اللّه، (بترك تشميته).
وقال :( وأفتيت أميرا مقدماً على عسكر كبير في الحربية، فإذا نهبوا أموال المسلمين ولم ينز جروا إلا بالقتل، أن يقتل من يَكفون بقتله ولو أنهم عشرة إذ هو من باب دفع الصائل).
وقال (ابن القيم ): (الصواب أن المراد بالحدود هنا، الحقوق التي هي أوامر الله ونواهييه. وهي المرادة بقوله تعالى: {وَمَنْ يتعدَّ حُدودَ اللّه فأولئكَ هُمُ الظالمون} وفي أخرى (فَقَدْ ظَلَمَ نَفسَهُ) وقال:{تِلْكَ حُدُوُد الله فلا تَقرَبُوها} فلا يزاد على الجلدات العشر، في التأديبات التي لا تتعلق بمعِصية، كتأديب الأب ولده الصغير).
وقال أبو يوسف- صاحب أبي حنيفة-: (التعزير على قدر عظم الذنب
وصغره، على قدر ما يرى الحاكم من احتمال المضروب، فيما بينه وبين أقل من ثمانين).
وقال الإمام مالك رحمه اللّه تعالى: (التعزير على قدر الجرم. فإن كان جرمه أعظم من القذف، ضُرِبَ مَائة أو أكثر).
(2/166)
________________________________________
وقال أبو ثور: (التعزير على قدر الجناية وتسرعِ الفاعل في الشر، وعلى قدر ما يكون أنكل وأبلغ في الأدب، وإن جاوز التعزير الحد، إذا كان الجرم عظيما، مثل أن يقتل الرجل عبده، أو يقطع منه شيئاً، أو يعاقبه عقوبة يسرف فيها، فتكون العقوبة فيه على قدر ذلك. وما يراه الإمام إذا كان عدلا مأمو نا).
وقال شيخنا (عبد الرحمن بن سعدى) رحمه الله تعالى: و (الصحيح جواز الزيادة في التعزير على عشر جلدات بحسب المصلحة والزجر). فهذه أقوال الأئمة وآراؤهم في التعزير رحمهم اللّه تعالى.
والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم : (لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إلا في حَد من حدود الله) : أن المراد به المعصية، وأن الذي لا يزاد على ذلك، تأديب الصغير، والزوجة، والخادم، و نحوهم في غير معصية.
فوائد منقوله عن شيخ الإسلام:
الأولى: كان عمر بن الخطاب يكرر التعزير في الفعل إذا اشتمل على أنواع من المحرمات فكان يعرز في اليوم الأول مائة، وفي الثاني مائة، وفي الثالث مائة، يفرق التعزير لئلا يفضى إلى فساد بعض الأعضاء.
الثانية: الذي عنده مماليك وغلمان يجب عليه أن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. وإذا كان قادرا على عقوبتهم فينبغي له أن يعزرهم على ذلك إذا لم يؤدوا الواجبات ويتركوا المحرمات.
الثالثة: الاستمناء باليد حرام عند جمهور العلماء، وهو أصح القولين في مذهب أحمد، وفي القول الآخر هو مكروه غير محرم، وأكثرهم لا يبيحونه لخوف العنت... ونقل عن طائفة من الصحابة والتابعين أنهم رخصوا فيه للضرورة، مثل أن يخشى الزنا، فلا يعصم منه إلا به، ومثل إن لم يفعله أن يمرض، وهذا قول أحمد وغيره وأما بدون الضرورة فما علمت أحدا أرخص فيه. والله. أعلم .
14
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى