أبو منار عصام
مشرف
- إنضم
- 23 يونيو 2011
- المشاركات
- 2,069
- النقاط
- 38
- الإقامة
- مصر
- احفظ من كتاب الله
- القرآن كاملا
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- الشيخ محمود خليل الحصري
- الجنس
- أخ
بسم الله الرحمن الرحيم
لَمَحاتٌ مُضيئَةٌ في طُفُولَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
بقلم الدكتور مصطفى محمد عبد الفتاح/سورية ـ إدلب
حين نقف في محرابِ سيرة النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم تأخذنا ملامح العبقرية في شخصيته الإنسانية المميزة، وتأسر ألبابَنا المظاهر الفريدة التي جعلته أهلاً لِحَمْلِ أعظم رسالة في التاريخ البشري.
وإذا أردنا تتبُّع منابع تلك المظاهر الفريدة في شخصيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فلا بد من العودة إلى طفولته، لنقرأ بعض اللمحات المضيئة التي أسست لسيرة مميزة منذ نعومة الأظفار.
1ـ ارتبط مولد النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بحدث تاريخي تؤرخ به العرب؛ فقد ولد في عام الفيل، وهو العام الذي حمى الله به بيتَه الحرام، وأَعَزَّ قريشاً بين العرب، فكان ذلك الحدث هو البيئة الزمنية التي احتضنت ميلاد النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لتكون نقطة انعطاف في حياة قومه وتاريخهم، ولزيادة اهتمام المحيط العربي بمكة وأهلها، حتى يكون ذلك المحيط على أهبة الاستعداد لسماع أنباء الدعوة الجديدة.
2ـ اليتم الذي رافق طفولة النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: فقد توفي أبوه قبل أن يولد، وتوفيت أمه بالأبواء بين مكة والمدينة وهو ابن ست سنين، وتوفي جده وهو ابن ثماني سنين؛ فكان لهذا اليتم الثلاثي المتتابع أثر عظيم في نفسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، أدى إلى رقة نفسه، وشعوره الدائم بضعف الضعفاء، وأسس في نفس النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لصفة الرحمة في شخصيته الفريدة.
3ـ بركة النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في طفولته: حسبُنا ما تحدثت به مرضعته حليمة السعدية حين أتت لتلتمسَ رضيعاً من مكة؛ فقد وصفت حال قبيلتها فقالت:"وهي في سنةٍ شهباء لَمْ تُبقِ لنا شيئاً، فخرجتُ على أَتانٍ لي قَمْراءَ مَعَنا شَارِفٌ لَنا والله ما تَبِضُّ بِقَطرة، وما ننامُ لَيْلَنا أجمع منْ صَبِيِّنا الذي مَعَنا مِنْ بُكائِهِ منَ الجوع، ما في ثَديي ما يُغنيهِ، وما في شَارِفِنا ما يُغَدِّيه".
ثم حين أخذت الطفل الرضيع مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم تغيرت حالها؛ "قالت: فلما أخذتُه رجعتُ به إلى رحلي، فلما وضعتُه في حِجْري أقبل عليه ثدياي بما شاءَ من لبن، فشربَ حتى رَوِيَ، وشربَ معهُ أخوهُ حتى روي، ثم ناما، وما كنا ننامُ معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارِفِنا تلك فإذا إِنَّها لَحافِلٌ فَحَلَبَ منها ما شرب، وشربتُ معه حتى انتهينا رِيّاً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة، قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة لقد أخذتِ نسمةً مباركة، قالت: فقلت: والله إني لأرجو ذلك، قالت: ثم خرجنا وركبتُ أتاني وحملتُه عليها معي، فوالله لقطعتُ بِالرَّكْبِ، ما يقدر عليها شيء من حُمُرِهِمْ".
وتغير شأن أسرتها في مضارب قومها؛ "قالت: ثم قَدمنا منازلَنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضاً من أرض الله أَجْدَبَ منها، فكانتْ غَنَمي تروحُ عَلَيَّ حين قدمنا به معنا شِباعاً لُبَّناً، فنحلبُ ونشربُ، ... ، فَلَمْ نزلْ نَتَعَرَّفُ منَ الله الزيادةَ والخيرَ حتى مضتْ سَنَتَاهُ".
4ـ عناية الله به وتعهده: في طفولة النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الكثير من المواقف التي بدت فيها عناية الله به وتخصيصه دون غيره بهذه العناية، منها حادثة شق الصدر؛ تقول حليمة السعدية: "فوالله إنه ـ بعد مقدمنا بشهر ـ مع أخيه لَفي بُهْم لنا خلف بيوتنا إذ أتانا أخوه يشتد، فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه، فهما يسوطانه، قالت: فخرجنا أنا وأبوه نحوه، فوجدناه قائماً منتقعاً وجهه، قالت: فالتزمته والتزمه أبوه، فقلنا له: ما لك يا بني؟ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني وشقا بطني، فالتمسا فيه شيئاً لا أدري ما هو".
ومن عناية الله بالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في طفولته أنه كما قالت مرضعته: "كان يشب شباباً لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً"، فكان هذا الإعداد البدني لتحمُّلِ أعباء الدعوة في سنين صعبة ستمر بالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حين يُكَلَّفُ بالرسالة لاحقاً.
5ـ حسن التربية والأدب: فقد كان النَّبِيّ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم محفوفاً بعناية الله منذ طفولته حتى لا تصيبه ملوثات الجاهلية، فهو لا يمكن أن يتعرى كما يتعرى الغلمان أثناء اللعب؛ قال عليه الصلاة والسلام: "لقد رأيتُني في غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان، كلنا قد تعرى وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة؛ فإني لأُقبلُ معهم كذلك وأُدْبِر إذ لَكَمني لاكِمٌ ما أراه لكمةً وجيعة؛ ثم قال: شُدَّ عليك إزارك، قال: فأخذتُهُ وشددته عليّ، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي، وإزاري عَلَيَّ من بين أصحابي".
ومن حسن الأدب الذي أحاط بطفولته؛ التأدب بأخلاق العرب وبلغتهم: قال عليه الصلاة والسلام: "أنا أَعْرَبُكُم؛ أنا قُرَشِيّ وَاسْتُرْضِعْتُ في بني سعدِ بنِ بَكر".
وقد أَلَمَّت به ظروف رعي الغنم التي تؤدي بصاحبها إلى حسن التربية وتعلم السياسة والرحمة والصبر على الخلائق: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "ما من نبي إلا وقد رعى الغنم"، قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: "وأنا".
6ـ ظهور علامات النبوة في طفولة النَّبِيّ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: فمنذ الحمل به ظهرت تلك العلامات الفريدة؛ قالت آمنة بنت وهب أم النَّبِيّ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام، ثم حملت به، فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يده بالأرض، رافع رأسه إلى السماء".
ومن علامات النبوة ما علمه أهل الكتاب حين ولد؛ قال حسان بن ثابت: "والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين، أو ثمان، أعقل كل ما سمعت؛ إذ سمعت يهودياً يصرخ بأعلى صوته على أُطُمِهِ بيثرب: يا معشر يهود، حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك مالك!! قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به".
ومن علامات النبوة التي سجلها التاريخ ما رآه بحيرى الراهب فيه مما يجده في علوم النصارى وكتبهم حين قدم به عمه أبو طالب إلى الشام ليرافقه في التجارة وهو طفل؛ فقد رأى الغمامة تظله، وفروع الشجر تجتمع لتظله، ورأى علامات النبوة فيه، فنصح أبا طالب أن يرجع بالطفل قبل أن يتعرف إليه اليهود فيصله أذاهم.
7ـ قوة الشخصية وعدم الانسياق وراء رأي الجموع: فقد رُوِيَ أن بحيرى الراهب سأل الطفل مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم باللات والعزى، فقال له الطفل المبارك: "لا تسألني باللات والعزى شيئاً فوالله ما أبغضت شيئاً قط بغضهما".
ومن قوة شخصيته واستقلاله أنه كان لعبد المطلب فِراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا بُنَيّ؛ فوالله إن له لشأناً، ثم يجلسه عليه، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع.
فهذه بعض لمحات مضيئة في سيرة طفولة النَّبِيّ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وهي لمحات لا تحيط بتلك الطفولة المميزة التي أنتجت شخصية كانت عظيمة الخُلُق، ورحمةً للعالمين.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع