ابن عامر الشامي
وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
- إنضم
- 20 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 10,237
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المملكة المغربية
- احفظ من كتاب الله
- بين الدفتين
- احب القراءة برواية
- رواية حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- سعود الشريم
- الجنس
- اخ
الإمام أبو عبد الله الهبطي صاحب الوقف الرسمي عند أهل المغرب و"تقييد الوقف" المنسوب إليه ومدى صلته بالشيخ ابن غازي وما قوبل به قديما وحديثا من استحسان أو استهجان.
لعلي في حديثي عن وقف الإمام الهبطي لا أملك جديدا كبير الأهمية أدلي به في موضوع هذا الوقف ومن قيده والشخصية العلمية التي اقترن بها، وذلك بعد أن قتل ذلك بحثا بصفة انفرادية، سواء على يد من قام عنه بدراسة جامعية مستقلة بعنوان "تقييد وقف القرآن الكريم – دراسة وتحقيق"([1])، أم من لدن طائفة من الأقلام التي تعرضت له من حيث قيمته التاريخية ومكانته العلمية في المدرسة المغربية([2])، أم من لدن بعض من توجهوا إلى انتقاده وبيان ضعف مواقفه أو فسادها والدعوة إلى التخلي عنه ووضع بديل له تراعى فيه القواعد والضوابط التي حددها علماء هذا الشأن، على نحو ما جرى في المشرق العربي عند طبع المصاحف المتداولة برواية حفص عن عاصم تحت إشراف عدد من كبار علماء مشيخة القراءات بالأزهر الشريف بمصر.
ولكني مع هذا لا أجدني في سعة من الأمر – وأنا أتحدث عن المدرسة المغربية في قراءة نافع وخصائصها – إذا أنا تجاوزت هذا الموضوع دون أن أوليه نصيبه من الاهتمام مع ما أمسى له من ارتباط مكين بهذه المدرسة من الناحية العملية والتاريخية معا حتى اعتبر "العنوان البارز للمصحف المغربي، والطابع الشخصي لمدرسة نافع المذهب الرسمي للدولة"([3]).
ثم كان أيضا مما حدا بي إلى كتابة هذا الفصل عن هذا الإمام وما يعزى إليه من الوقف ما وقفت عليه في بعض كتابات المتأخرين من إجحاف بحقه بلغ أحيانا إلى حد الإزراء به والوقيعة فيه واتهامه بأنه "لا يعرف النحو"، أو "لم يقرأ المقدمة الأجرومية" "أو أنه" لا يرجع في وقوفه إلى قاعدة من علم العربية أو القراءات أو التفسير" إلخ([4]).
هذا مع شهادة أئمة هذا الشأن له بالحذق في أكثر من فن، ولاسيما في علم النحو كما سيأتي.
وأخرى أيضا هي من باب الإنصاف لصاحب الوقف – ولم أر من تعرض لها فوفاها ما تستحق – وهي عرض الوقوف المتقدة عليه على المصادر التي تهتم بنقل أقوال العلماء في موضوع الوقف والابتداء، وذلك لمعرفة مصادره من جهة، وتمييز ما انفرد به من أوقاف عما شاركه فيه غيره وسبقه إليه، وبالتالي لتتوجه اللائمة إذا توجهت – إليه مع من أخذوا بمثل مذهبه حتى لا يظن ظان أنه اخترع في هذا المجال أقوالا لم يقل بها أحد ممن تقدموه، لاسيما وأن طائفة من تلك الوقوف المنتقدة دل الاستقراء لها على أنه ربما راعى فيها مذهب نافع المروي عنه في وقف التمام، فوافقه فيما روي عنه، بالشخص تارة – كما سيأتي – وبالنوع تارة أخرى، إذ من المعلوم أن لنافع كتابا في الوقف حدد فيه مواضع وقف التمام، وأشار إلى كثير منها المؤلفون في هذا الفن. ثم إني وقفت على بعض الإشارات التي تدل على أن طائفة من تلك الأوقاف المنتقدة ليس هو المسؤول عنها، إذ هناك ما يدل على أن هذا التقييد الذي بين أيدينا قد مر عبر مراحل تعرض خلالها لطائفة من التعديلات أو الإضافات ربما كان بعضها مسؤولا عن طائفة من تلك المواقع التي يتوجه إليها الانتقاد.
وليس معنى هذا أني أدافع عن تلك المواقع وأدعو إلى الإبقاء عليها على حالها، وإنما غرضي أن أبين أن الشيخ في غالب الظن هو بريء من عهدتها إذ لم يكن لها محمل مقبول لا مجال معه لتمحل ولا تكلف، وأن هذا بالتالي يجعلنا نحتاط في الحكم ونترفق في إبداء الملاحظة. ولأن إلقاء الأحكام بلا ضوابط يبتسر البحث وكثيرا ما يفضي إلى غمط الحق والبناء على الأنقاض.
- ترجمة الإمام الهبطي:
وحتى لا أبدأ بتقديم النتائج التي وصلت إليها من خلال ما وقفت عليه حول "تقييد الوقف" وما أحاط به من غموض، أستهل عملي بتقديم تعريف موجز أو كالموجز بالإمام الهبطي الذي يعزى إليه هذا الوقف ويمهر باسمه، وذلك لما هو ملحوظ بشكل غريب في المصادر القريبة من زمنه من أنها لا تكاد تزيد في التعريف به على سطر أو سطرين، ثم جاء بعض من كتبوا عنه ممن تأخروا عن زمنه بكثير فأضافوا بعض المعلومات التي نجدها مجموعة عند صاحب "السلوة"، فتكون من مجموع ذلك قدر لا بأس به يميط بعض الغموض حول التاريخ العلمي لهذا الإمام الذي لم ينصفه هذا التاريخ بوجه عام.
فهذا ابن القاضي لا يزيد في كل من الجذوة والدرة ولقط الفرائد عن قوله فيه – واللفظ له في الجذوة: "محمد بن أبي جمعة الهبطي السماتي([5]) الأستاذ صاحب وقف القرآن العزيز، توفي بمدينة فاس سنة 930"([6]). ويقول في "لقط الفرائد في وفيات سنة 930هـ:
"وفيها توفي الأستاذ محمد بن أبي جمعة الهبطي السماتي صاحب وقف القرآن العزيز بمدينة فاس"([7]).
ويقول صاحب "كفاية المحتاج" و"نيل الابتهاج" معا بلفظ واحد فيهما: "محمد بن أبي جمعة الهبطي عالم فاس، توفي عام 430هـ"([8]).
أما القادري فيفيض نوعا ما في ترجمته فيميز أولا بينه وبين رجلين يشتركان معه في نسبته "الهبطي" ويختلفان معه بالشخص فيقدم تعريفا بهما أولا ثم يقول: "وليس واحد منهما محمد بن أبي جمعة الهبطي الصماتي (ت 930) صاحب "تقييد وقف القرءان العظيم" فإنه:
"محمد بن أبي جمعة الهبطي الصماتي – بالصاد والميم والتاء كما رأيته بخط من يعتمد وصحح عليه – فتوفي هذا بمدينة فاس سنة 930 ثم قال: قاله في الجذوة، وقبره معروف بطالعة فاس قرب الزربطانية وهو ممن أخذ عن ابن غازي، وعنه قيد الوقف، رحم الله الجميع"([9]).
وهكذا انتهينا أخيرا مع القادري (ت 1187) إلى معرفة أنه هو "صاحب تقييد وقف القرآن العظيم"، وأنه أيضا أخذ عن الإمام ابن غازي وعنه قيد الوقف"، وهذه أمور مهمة لنا عودة إلى الإفادة منها.
ونلاحظ إلى الآن أن الهم كان منصرفا إلى تحديد اسمه ونسبه ووفاته ومكان دفنه، ولم يعتن منه بالجانب العلمي عنده إلا بالإشارة العامة في قول صاحبي الكفاية والنيل "عالم فاس"، وإشارة القادري إلى أخذه عن ابن غازي، ولا شك أن هذا تقصير في حق الشيخ لا ينسجم بحال مع هذا الأثر الذي كان له من خلال تصدره من جهة، أو من خلال ما خلفه من هذا التقييد الذي ينسب على كل حال إليه.
وقد حاول صاحب السلوة أن يعوض شيئا من ذلك، لكنه هو أيضا لم يتحدث عن مشيخة الإمام الهبطي ومنزلته في العلم وأثره في العصر ومشاركته في تخريج قراء العصر، واكتفى بطائفة من التحليات التي قد يستفاد منها أنها تعبر عن ذلك إجماليا، ثم تعرض لذكر تقييده المنسوب إليه في وقف القرآن العزيز وساق بعض المعلومات المفيدة حوله، وهذا مجمل ما ذكره من ذلك:
"ومنهم الشيخ الإمام العالم العلامة الهمام الفقيه الأستاذ المقرئ الكبير النحوي الفرضي الشهير الولي الصالح، والعلم الواضح، أبو عبد الله سيدي محمد بن أبي جمعة الهبطي – منسوب لبلاط الهبط – الصماتي الفاسي، صاحب "تقييد وقف القرأن العزيز"، توفي بمدينة فاس سنة 930...
ثم نقل ما ذكره في "كفاية المحتاج" كما ذكرناه آنفا، وتطرق للحديث عن الوقف المقيد عنه مما سنعود إلى الحديث عنه([10]).
ومن استعراض ما تضمنته هذه التراجم نجد أن المعلومات التي فيها لا تكاد تفيد شيئا إلا في معرفة نسب الشيخ وبعض صفاته وتاريخ وفاته ومكانها، ولا تسمي من شيوخه إلا ابن غازي وبشكل عرضي، ولا تذكر من أثره العلمي إلا أنه "قيد عنه الوقف" على قراءتها بضم القاف – كما رأى بعضهم – أو "قيد" بفتح القاف على قراءة ثانية ومؤداها أنه قيده عن شيخه ابن غازي.
أما متى ولد ؟ وعلى من قرأ ؟ وأين تصدر ؟ ومن أخذ عنه من علماء فاس وقرائها ؟ فلا شيء في كتب التراجم، إلا ما ذكره القادري من أخذه عن ابن غازي، ومن هنا كان هذا الاستغراب في محله الذي عبر عنه الأستاذ الحسن وكاك في مقدمة دراسته لـ "تقييد وقف" الهبطي حين قال:
"هذا ومن الغريب أن يكون الشيخ الهبطي مشهورا ومغمورا في آن واحد، كان مشهورا في أوساط قراء المغرب باسمه ووقفه، وكان مغمورا لدى الجميع فيما سوى ذلك، حتى إننا لنجهل الكثير عن شيوخه وتلامذته وآثاره، فلم نكد نسمع من شيوخه أحدا سوى ابن غازي المكناسي، ومن تلامذته أحدا غير ابن عدة الأندلسي والشيخ السنوسي كما يستفاد من الحكاية السابقة بينهما.
"وأما عن آثاره فلم يعرف له إلا هذا التقييد الذي بين أيدينا والذي يعتبر الطابع الشخصي للمدرسة القرآنية بالمغرب والعنوان البارز المميز للمصحف المغربي، عن غيره من المصاحف في العالم الإسلامي"([11])، وإلا "عمدة الفقير في عباد العلي الكبير([12])".
ثم استنتج الأستاذ الدكتور وكاك من وصف صاحب السلوة له بـ "الأستاذ المقرئ" ومن سبب قدوم الشيخ السنوسي عليه بفاس أنه وإن كان يتقن عدة فنون كما تدل عليه باقي التحليات الواردة في ترجمته في "السلوة" فإنه "تخصص في فن القراءات وصناعة الأرداف، وبتلقينها ونشرها ونشر وقفة هذا ملأ حياته العلمية" ثم بنى على ذلك أنه "إذا ثبت لدينا بما تقدم ذكره من أن الشيخ الهبطي كان من أساتذة القراءات والمتفرغين للإقراء في جل أوقاته سهل عليها أن ندرك السب الذي من أجله قلت آثاره ولم تشتهر شيوخه وتلامذته، ذلك السبب هو انصراف أهل "الروايات" المتأخرين عادة عن كل شيء إلى إتقان صناعة الأرداف وما يتصل بها من الأحكام([13])".
ثم وقفت في القسم الأول من "السلوة" أيضا على تحليات أخرى للشيخ الهبطي فيها مزيد من التأكيد على منزلته في القراءة جاء فيها قوله:
"كان عالم فاس في وقته، فقيها نحويا فرضيا، أستاذا مقرئا، عارفا بالقراءات مرجوعا إليها فيها، وكان موصوفا بالخير والفلاح، والبركة والصلاح، ذا أحوال عجيبة، وأسرار غريبة، أخذ عن الشيخ ابن غازي وغيره"([14]).
مكانة الإمام الهبطي في القراءة وعلومها ومشاركته لابن غازي في شيخه الكبير وأعلام تلامذته:
ولقد وقفت في فهرسة الإمام المنجور وفي طائفة من المؤلفات في القراءة على إشارات مفيدة في هذا الباب تكشف بعض الغموض عن جانب من جوانب شخصية الإمام الهبطي ومكانته العلمية لم أر من نبه عليها، وأهم هذه الإشارات:
أ- أخذه عن الإمام أبي عبد الله الصغير شيخ أبي عبد الله بن غازي، وقد جاء ذلك في سياق إجازة الإمام أبي العباس المنجور بما في فهرسته لملك عصره أبي العباس أحمد المنصور السعدي ابن محمد الشيخ المهدي" حيث قال بعد أن سمى له ما أجازه به وسمى من أخذ عنهم وذكر شيوخهم من أصحاب ابن غازي والدقون والهبطي والحباك: "وأخذ شيخ الجماعة أبو عبد الله ابن غازي عن الإمام الحافظ أبي عبد الله القوري اللخمي والأستاذ الكبير أبي عبد الله الصغير الأوربي النيجي، وغيرهما ممن احتوت عليه فهرسته، لكن هذان عمدته.
"والدقون والهبطي عن الأستاذ الصغير، والحباك عن الأستاذ الصالح أبي داود سليمان بويعربين([15])عن الأستاذ الصغير، وهو عن أبي الحسن الورنتاجي الشهير بالوهري وعن أبي العباس الفيلالي وغيرهما"([16]).
وهذه الإشارة كما لا يخفى مفتاح جديد للدخول في بحث مصادر الهبطي على الأقل سواء في القراءة وعلومها أم في "تقييد الوقف" المنسوب إليه.
فأما فيما يتعلق بالقراءة فتجعله هذه الإشارة المفيدة مشاركا لابن غازي في أهم شيخ له في القراءات وبذلك يستوي سنده معه من طريقه، بل ربما فاقه من حيث الأهمية بالنسبة لمن أخذوا عنه بعد موت ابن غازي، لأن روايته عنه علت لتأخر وفاته عن وفاته بأزيد من عشر سنين، وإن كان قد بقي بعده جماعة ممن رووا عن الصغير كأبي العباس أحمد بن محمد الحباك الذي تقدم في أصحاب ابن غازي أنه (ت سنة 938هـ)، وكيحيى ابن عبـــد الله بن بكـــار المحمـدي الذي تقدم في أصحـاب الصـغير أنه عـاش إلى سنة 956هـ.
وأما الجانب الأكثر قيمة في هذه الإشارة فهو يتعلق بـ "تقييد الوقف"، إذ تجعل عمله في هذا التقييد ليس نابعا من فراغ، وإنما هو إما محاكاة لعمل تقدمه، أو معارضة له، أو تعديل فيه.
وذلك لما نعرفه من وجود تقييد آخر للوقف قيد عن أبي عبد الله الصغير، ونسخته الخطية التي لا نعرف لها ثانية ما تزال محفوظة في الخزانة الناصرية بتمكروت تحت الرقم 1657 وتحت هذا العنوان "تقييد وقف القرآن عن الأستاذ محمد بن الحسين الملقب بالصغير"([17]).
ولما كان أبو عبد الله الصغير النيجي قد توفي سنة 887هـ كما تقدم في ترجمته فمعنى ذلك أن فكرة تقييد وقف شامل للقرآن الكريم قديمة في الزمن، وربما تعود إلى منتصف المائة التاسعة، وإذا كان الأمر كذلك فربما كان كل من الهبطي وابن غازي معا وعامة من أخذوا عن الصغير قد اطلعوا عليها في حينها، هذا إذا لم يكونوا قد شاركوا فيها إما بطريق الأداء على منوالها أثناء قراءتهم على الشيخ، وأما باستخراج ذلك من وقفات الشيخ التي كان يتحراها أثناء الأداء، هذا إن لم يكن ذلك قد أخذ مكانه في الألواح على يده ووضعت له بعض العلامات الدالة عليه إما كلمة "صه" أو غيرها([18]).
وحينئذ وبناء على هذه الاحتمالات فلن يكون الشيخ ابن غازي ومترجمنا هنا أبو عبد الله الهبطي بعيدين عن هذا العمل إما إسهاما فيه في صورته الأولى وإما عدولا عنه أو تعديلا فيه في صور لاحقة ربما كان أهمها وآخرها التقييد الذي في الأيدي الآن بعد أن مر هو أيضا بمراحل مشابهة كما سياتي.
وإذا صح لنا هذا بناء على ما تقدم، فإنه لا يبقى لأحد مستند في دفع أن يكون الهبطي قد قيد هذا الوقف عن ابن غازي، أو على الأقل في صورته الأولى قبل أن ينظر فيه الشيخ فيجري عليه من التعديل ما يراه مناسبا، ويكون العمل بذلك قد تكامل فيه تعاون الشيخين معا لإنجازه في صورته التي قيدت عن المتأخر منهما في الوفاة وهو الشيخ الهبطي، وربما فعلا ذلك كله على سبيل التعديل لوقف شيخهما الذي كان في الغالب صاحب أول تجربة في هذا المجال.
ويشهد لذلك ويقويه ما ذكره الشيخ الدكتور وكاك في بحثه من أنه اطلع بعد سنتين من كتابة بحثه في مكتبة الزاوية الناصرية على وقفية منسوبة إلى الشيخ محمد الصغير شيخ ابن غازي قال:
"وقد قابلت بينها وبين تقييد الشيخ الهبطي فلاحظت أنها تختلف مع تقييد الهبطي في خمسمائة موضع، قال: "ووجود هذه الوقفية يفيدنا أن المغاربة كانوا من قبل الهبطي يعرفون أنواعا أخرى من تقييد وقف القرآن الكريم"([19]).
ب – أما الإشارة الثانية المهمة أيضا في إدراك منزلة أبي عبد الله الهبطي العلمية فقد جاءت في سياق ذكر أبي العباس المنجور لمشيخته، وذلك في ترجمة أبي القاسم بن محمد بن إبراهيم - صاحب ابن غازي - الذي قال عنه المنجور - كما تقدم -: "كان من الأساتيد المعتبرين، عارفا بعلوم القرآن أداء ورسما وتفسيرا ممتعا من الكتب العلمية التفسير والحديث والعربية وغير ذلك مما جمعه صهره: والد زوجته الأستاذ الكبير، ذو النحو الغزير، الفقيه الفرضي، أبو عبد الله الهبطي، وهي إعانة كبيرة على الطلب"([20]).
فرجل له مثل هذه الخزانة المتنوعة الغنية يصهر إلى مثل هذا الأستاذ البارع في القراءات وعلومها ويوصف بـ "الأستاذ الكبير ذي النحو الغزير... إلخ" هل من المقبول أن يعتبر في زمنه نكرة من النكرات، فضلا عن أن يوصم لدى بعض من كتبوا عن التقييد المنسوب إليه في وقف القرآن الكريم بالجهل بمبادئ العربية ولم يقرا المقدمة الأجرومية([21]) ؟
إنه إذن بشهادة الإمام المنجور (928-995هـ) "الأستاذ الكبير ذو النحو الغزير، الفقيه الفرضي"، هذه التحليات الأربع التي التزم بوصفه بها في مواضع عديدة من فهرسته([22])، وذلك منه يدل على أنها ليست من قبيل المجازفة والنعوت الجاهزة التي اعتاد المؤلفون إرسالها بغير قيد ولا سند من واقع حال كثير ممن يترجمون.
ج- أما الإشارة الثالثة الدالة على رسوخ قدمه في الفن واعتبار علماء هذا الشأن لمذاهبه في قضايا القراءة وعلومها فتتعلق بالنقول التي نجدها عند طائفة من الأئمة في مسائل من خلافيات الرسم والضبط، وربما كانت له في ذلك رسائل صغيرة أو مقيدات أثرت عنه ذهب بها الزمان كما ذهب بكثير من آثار علماء العصر – فمن ذلك مجموعة من النقول عنه وقفت عليها على حاشية "تقييد على ضبط الخراز" من شرح أبي زيد عبد الرحمن القصري الشهير بالخباز وبالفرمي - الآنف الذكر في شراح تفصيل عقد الدرر لابن غازي - ([23])، فقد جاء فيه عند قول الخراز:
فضبط ما حقق بالصفراء
نقط وما سهل بالحمراء
قوله: قال الهبطي: "قوله "فضبط ما حقق بالصفراء"، أي: فصورة ما حقق بالصفراء، وأما الضبط حقيقة فهو كناية عن شكل الحرف".
وقال في تعليق آخر في التقييد نفسه: "قال الهبطي – رحمه الله -: "النقط في "موجلا" وما في معناه عبارة عن الحركة لا عن الهمز، بدليل نصهم على جعل النقطة في "أؤنبئكم" أمام الواو، إذ لو كانت عبارة عن الهمز لكان على الواو، إذ المضموم غير ألف، والهمز يكون فوقه، نحو "يكلؤكم"و"سنقرئك"([24]).
- ووقفت على نحو من هذا في اهتمامه بالرسم ومسائل الخلاف فيه في التقييد الآنف الذكر الذي قيده محمد بن العربي الكومي المعروف بالغماري عن أستاذه وشيخه أبي عبد الله بن مجبر صاحب ابن غازي بفاس جاء فيه قوله عند قول الخراز: "ما جاء من أعرافها لمربما..................:
"وأما الآخر وهو "بضاعة مزجاية" فذكر عن الأستاذ أبي عبد الله الهبطي – رحمه الله – أنه كان يقول بإثباته كالأول، فيثبت الطرفين وبحذف ما عداهما"([25]).
- ووقفت على طرف من مباحثه في الفن أيضا عند الإمام أبي زيد بن القاضي في فرش الحروف من "الفجر الساطع" عند قول ابن بري: "وإنما النسي ورش أبدله.....قال ابن القاضي:
"وجدت في بعض التقاييد: "وأما النسي فيفرق بينه وبين "بالسوء" و "النبيء" قال الهبطي: "النسي لورش بالوقص والشد، وليس كذلك "بالسوء" و"النبي"([26]) لأن النسي مبدل في الحالتين بخلافهما فإنهما في الوصل خاصة، و"النسي" لقالون عقص، وكذلك "أوزعني"، ولورش وقص، قال: نصوا عليه ولم أره – انتهى([27]).
أفلا تدُلُّ هذه النقول في موضوعي الرسم والضبط على إمامة للشيخ الهبطي في الفن؟ ثم ألا يدل اعتماد مثل ابن مجبر له وهو غالبا من تلامذته، ثم من بعده كأبي زيد الفرمي الخباز والغماري وابن القاضي – على مكانة من التحقيق والحذق مشهود له بها من لدن أهل هذه الصناعة ؟ أو ليس أهل مكة أدرى بشعابها كما يقول المثل ؟
د- الإشارة الرابعة تتعلق بأخذ عدد من المبرزين من أصحاب ابن غازي عنه:
ودلالتها على إمامته ومكانته واضحة، لأنهم إن كانوا قد أخذوا القراءة أو العربية أو غير ذلك مما كان مبرزا فيه مع وجود ابن غازي بالحضرة فهذا دليل ساطع على نبله وعلو كعبه. وإن كان أخذهم عنه بعده مع جلالة أقدارهم وتلقيهم عنه للقراءات السبع وعلومها ولعامة علوم الرواية وإجازتهم بذلك كما تقدم فهو أعظم دلالة على ما ذكرناه له، ومن استعراض أسمائهم كما ذكرهم الإمام أبو العباس المنجور نجد أنهم الصفوة المعتبرة من رجال مدرسة ابن غازي، فمنهم:
1- عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم الدكالي: أحد الحاملين لإجازة ابن غازي بما في فهرسته مع إخوته الثلاثة كما تقدم، ذكره المنجور وذكر أخذه عن والده وعن الشيخ ابن غازي "وعن غيرهما كالأستاذ النحوي الفقيه الفرضي أبي عبد الله بن أبي جمعة الهبطي..."([28]).
2- عبد الواحد بن أحمد بن يحيى الونشريسي: ذكر المنجور أيضا أخذه عن والده وابن غازي وغيرهما "كالأستاذ النحوي الفقيه الفرضي أبي عبد الله بن أبي جمعة الهبطي..."([29]).
3- علي بن عيسى أبو الحسن الراشدي الأستاذ النحوي: ذكره أيضا وذكر أخذه عن ابن غازي وعن معاصريه من الأساتيذ كالأستاذ الدقون والأستاذ الهبطي والأستاد الحباك..."([30]).
4- أبو القاسم بن محمد بن إبراهيم أحد أكابر أصحاب ابن غازي من الأربعة الذي سماهم في إجازته، ومن طريقه عنه يسند القراءات من طريق ابن غازي من المتأخرين.
ذكر أبو العباس المنجور أنه كان صهرا للشيخ أبي عبد الله الهبطي على ابنته، وأنه كان ممتعا بسبب ذلك بالخزانة الغنية التي كانت في هذا البيت مما كان عونا له على الطلب، كما ذكر أنه أخذ عن شيخ الجماعة الإمام أبي عبد الله بن غازي وعن الفقيه الأستاذ النحوي الفرضي أبي عبد الله محمد الهبطي وعن غيرهما"([31]).
5- محمد بن علي بن عدة أبو عبد الله العدي الأندلسي: ذكره المنجور أيضا وذكر أخذه عن ابن غازي وعن أبي العباس الدقون، "وعن الأستاذ النحوي الفقيه الفرضي أبي عبد الله الهبطي"([32]).
أمع أخذ أمثال هؤلاء الأعلام عنه يكون مثل أبي عبد الله الهبطي نكرة من النكرات؟ أم يبقى هناك مجال لاتهامه بقصر الباع في العلم أو ضعف المنة في العربية ؟.
لقد تعمدت الاسترسال في هذا البيان لأوكد إن كان الأمر يحتاج إلى تأكيد على أن الرجل كان من أعلام هذا الشأن، وممن تعقد عليهم الخناصر فيه كما يقال، إلا أن التقييد المنسوب إليه قد اكتنفته ظروف لا يمكن الجزم معها بنسبة كل ما فيه إليه، وخاصة تلك المواقف التي اتخذها بعض المتأخرين ذريعة إلى الوقيعة فيه. وهو إلى جانب ذلك مسبوق إلى أكثرها مما لا تتوجه معه اللائمة إليه وحده إن توجهت.
ولنا عند هذه النقطة وقفة خاصة يقتضيها إنصاف الرجل، وتتعلق بمحاولة الإجابة عن السؤال التالي:
هل كان الإمام الهبطي، وهو بصدد تقييد الوقف المأخوذ عنه يراعي مذهب الإمام نافع في وقف التمام ويعود إلى المصادر المعتمدة عند أهل هذا الفن؟ وبمعنى آخر هل كان الهبطي مسبوقا إلى طائفة من المواقف التي انتقدت عليه؟ أم أنه جاء فيها ببدع من القول ليس هناك من تقدمه إليه ؟
([1]) الإشارة إلى الدراسة القيمة التي قام بها الأستاذ الدكتور الحسن وكاك بهذا العنوان تحت إشراف شيخنا الأستاذ الدكتور التهامي الراجي الهاشمي، وتقدم بها للحصول على دكتوراة السلك الثالث من دار الحديث الحسنية بالرباط، ثم طبع ذلك في كتاب هو من مصادرنا في هذه الدراسة وإن كنت قد كتبت عن الوقف قبل طبع الكتاب.
([2]) نشرت بحوث كثيرة عنه في مجلة دعوة الحق منها عدد بقلم الأستاذ سعيد أعراب.
([3]) سعيد أعراب دعوة الحق العدد 273 ص 156 السنة 1989.
([4]) هذه الأحكام الجاهزة سيأتي ذكرها.
([5]) فيها جميعا بالسين وسيأتي تصويب القادري لكتابته بالصاد.
([6]) جذوة الاقتباس 1/321 ترجمة 333. ودرة الحجال 2/152 ترجمة 627.
([7]) لقط الفرائد 290 (ألف سنة من الوفيات).
([8]) كفاية المحتاج، ونقله عنه في السلوة 2/67 والنيل 335.
([9]) نشر المثاني 1/35.
([10]) سلوة الأنفاس 2/67-68.
([11]) أشار إلى كتاب "الحركة الفكرية بالمغرب أيام السعديين" للدكتور محمد حجي ص 140.
([12]) أشار إلى أنه مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم 2008 د ضمن مجموع.
([13]) تقييد وقف القرآن الكريم للشيخ محمد بن أبي جمعة الهبطي – مقدمة الدراسة للدكتور وكاك 20-21.
([14]) سلوة الأنفاس 1/268.
([15]) في فهرس المنجور "بويقربين" وقال (كذا) والصحيح ما اثبتناه، وقد تقدم التعريف به.
([16]) فهرس أحمد المنجور 17.
([17]) عرف به الأستاذ محمد المنوني في (دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية) ص 105 وقال: "غير مذكور المؤلف".
([18]) يمكن الرجوع إلى بحث تطورات العلامة التي يشار بها إلى موضع الوقف في "تقييد وقف القرآن الكريم" المطبوع للدكتور الحسن وكاك 38-170 .
([19]) تقييد وقف القرآن الكريم 95.
([20]) فهرس أحمد المنجور 65.
([21]) سيأتي بعض هذه المغامز عند صاحب "منحة الرؤوف المعطي".
([22]) يمكن الرجوع في فهرس المنجور إلى الصفحات 12 – (مرتين) 13-14-15-17-إلخ.
([23]) تقدم ذكر هذا التقييد في الأعمال العلمية التي قامت على مورد الظمآن وذيله عمدة البيان في الضبط، وهو من الذخائر التي كانت محفوظة في بعض الزوايا الصوفية بآسفي وقفت عليه في مجموع عتيق بيد شاب يدعى توفيق بين المؤذن بآسفي وعليه آثار تحبيس على زاوية قديمة. ومعه شرح على الأجرومية مؤرخ بعام 1000 هـ.
([24]) تقييد على الضبط من شرح أبي زيد القصري الشهير بالفرمي.
([25]) تقدم ذكر التقييد في ترجمة أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مجبر المساري.
([26]) يعني "لأمارة السوء إلا ما رحم ربي" وقوله تعالى "لا تدخلوا بيوت النبيء إلا أن يؤذن لكم" وقوله "إن وهبت نفسها للنبيء إن أراد النبيء" – الأولى في يوسف، والباقي في سورة الأحزاب، وذلك في رواية قالون في قراءته لها بالإبدال مع الإدغام.
([27]) الفجر الساطع (فرش الحروف).
([28]) فهرس أحمد المنجور 12-56.
([29]) المصدر نفس 42.
([30]) 15-87-88.
([31]) نفسه 13-65.
([32]) نفسه 14-66.
قراءة الامام نافع عند المغاربة للشيخ عبد الهادي حميتو المجلد الرابع
يتبع......
لعلي في حديثي عن وقف الإمام الهبطي لا أملك جديدا كبير الأهمية أدلي به في موضوع هذا الوقف ومن قيده والشخصية العلمية التي اقترن بها، وذلك بعد أن قتل ذلك بحثا بصفة انفرادية، سواء على يد من قام عنه بدراسة جامعية مستقلة بعنوان "تقييد وقف القرآن الكريم – دراسة وتحقيق"([1])، أم من لدن طائفة من الأقلام التي تعرضت له من حيث قيمته التاريخية ومكانته العلمية في المدرسة المغربية([2])، أم من لدن بعض من توجهوا إلى انتقاده وبيان ضعف مواقفه أو فسادها والدعوة إلى التخلي عنه ووضع بديل له تراعى فيه القواعد والضوابط التي حددها علماء هذا الشأن، على نحو ما جرى في المشرق العربي عند طبع المصاحف المتداولة برواية حفص عن عاصم تحت إشراف عدد من كبار علماء مشيخة القراءات بالأزهر الشريف بمصر.
ولكني مع هذا لا أجدني في سعة من الأمر – وأنا أتحدث عن المدرسة المغربية في قراءة نافع وخصائصها – إذا أنا تجاوزت هذا الموضوع دون أن أوليه نصيبه من الاهتمام مع ما أمسى له من ارتباط مكين بهذه المدرسة من الناحية العملية والتاريخية معا حتى اعتبر "العنوان البارز للمصحف المغربي، والطابع الشخصي لمدرسة نافع المذهب الرسمي للدولة"([3]).
ثم كان أيضا مما حدا بي إلى كتابة هذا الفصل عن هذا الإمام وما يعزى إليه من الوقف ما وقفت عليه في بعض كتابات المتأخرين من إجحاف بحقه بلغ أحيانا إلى حد الإزراء به والوقيعة فيه واتهامه بأنه "لا يعرف النحو"، أو "لم يقرأ المقدمة الأجرومية" "أو أنه" لا يرجع في وقوفه إلى قاعدة من علم العربية أو القراءات أو التفسير" إلخ([4]).
هذا مع شهادة أئمة هذا الشأن له بالحذق في أكثر من فن، ولاسيما في علم النحو كما سيأتي.
وأخرى أيضا هي من باب الإنصاف لصاحب الوقف – ولم أر من تعرض لها فوفاها ما تستحق – وهي عرض الوقوف المتقدة عليه على المصادر التي تهتم بنقل أقوال العلماء في موضوع الوقف والابتداء، وذلك لمعرفة مصادره من جهة، وتمييز ما انفرد به من أوقاف عما شاركه فيه غيره وسبقه إليه، وبالتالي لتتوجه اللائمة إذا توجهت – إليه مع من أخذوا بمثل مذهبه حتى لا يظن ظان أنه اخترع في هذا المجال أقوالا لم يقل بها أحد ممن تقدموه، لاسيما وأن طائفة من تلك الوقوف المنتقدة دل الاستقراء لها على أنه ربما راعى فيها مذهب نافع المروي عنه في وقف التمام، فوافقه فيما روي عنه، بالشخص تارة – كما سيأتي – وبالنوع تارة أخرى، إذ من المعلوم أن لنافع كتابا في الوقف حدد فيه مواضع وقف التمام، وأشار إلى كثير منها المؤلفون في هذا الفن. ثم إني وقفت على بعض الإشارات التي تدل على أن طائفة من تلك الأوقاف المنتقدة ليس هو المسؤول عنها، إذ هناك ما يدل على أن هذا التقييد الذي بين أيدينا قد مر عبر مراحل تعرض خلالها لطائفة من التعديلات أو الإضافات ربما كان بعضها مسؤولا عن طائفة من تلك المواقع التي يتوجه إليها الانتقاد.
وليس معنى هذا أني أدافع عن تلك المواقع وأدعو إلى الإبقاء عليها على حالها، وإنما غرضي أن أبين أن الشيخ في غالب الظن هو بريء من عهدتها إذ لم يكن لها محمل مقبول لا مجال معه لتمحل ولا تكلف، وأن هذا بالتالي يجعلنا نحتاط في الحكم ونترفق في إبداء الملاحظة. ولأن إلقاء الأحكام بلا ضوابط يبتسر البحث وكثيرا ما يفضي إلى غمط الحق والبناء على الأنقاض.
- ترجمة الإمام الهبطي:
وحتى لا أبدأ بتقديم النتائج التي وصلت إليها من خلال ما وقفت عليه حول "تقييد الوقف" وما أحاط به من غموض، أستهل عملي بتقديم تعريف موجز أو كالموجز بالإمام الهبطي الذي يعزى إليه هذا الوقف ويمهر باسمه، وذلك لما هو ملحوظ بشكل غريب في المصادر القريبة من زمنه من أنها لا تكاد تزيد في التعريف به على سطر أو سطرين، ثم جاء بعض من كتبوا عنه ممن تأخروا عن زمنه بكثير فأضافوا بعض المعلومات التي نجدها مجموعة عند صاحب "السلوة"، فتكون من مجموع ذلك قدر لا بأس به يميط بعض الغموض حول التاريخ العلمي لهذا الإمام الذي لم ينصفه هذا التاريخ بوجه عام.
فهذا ابن القاضي لا يزيد في كل من الجذوة والدرة ولقط الفرائد عن قوله فيه – واللفظ له في الجذوة: "محمد بن أبي جمعة الهبطي السماتي([5]) الأستاذ صاحب وقف القرآن العزيز، توفي بمدينة فاس سنة 930"([6]). ويقول في "لقط الفرائد في وفيات سنة 930هـ:
"وفيها توفي الأستاذ محمد بن أبي جمعة الهبطي السماتي صاحب وقف القرآن العزيز بمدينة فاس"([7]).
ويقول صاحب "كفاية المحتاج" و"نيل الابتهاج" معا بلفظ واحد فيهما: "محمد بن أبي جمعة الهبطي عالم فاس، توفي عام 430هـ"([8]).
أما القادري فيفيض نوعا ما في ترجمته فيميز أولا بينه وبين رجلين يشتركان معه في نسبته "الهبطي" ويختلفان معه بالشخص فيقدم تعريفا بهما أولا ثم يقول: "وليس واحد منهما محمد بن أبي جمعة الهبطي الصماتي (ت 930) صاحب "تقييد وقف القرءان العظيم" فإنه:
"محمد بن أبي جمعة الهبطي الصماتي – بالصاد والميم والتاء كما رأيته بخط من يعتمد وصحح عليه – فتوفي هذا بمدينة فاس سنة 930 ثم قال: قاله في الجذوة، وقبره معروف بطالعة فاس قرب الزربطانية وهو ممن أخذ عن ابن غازي، وعنه قيد الوقف، رحم الله الجميع"([9]).
وهكذا انتهينا أخيرا مع القادري (ت 1187) إلى معرفة أنه هو "صاحب تقييد وقف القرآن العظيم"، وأنه أيضا أخذ عن الإمام ابن غازي وعنه قيد الوقف"، وهذه أمور مهمة لنا عودة إلى الإفادة منها.
ونلاحظ إلى الآن أن الهم كان منصرفا إلى تحديد اسمه ونسبه ووفاته ومكان دفنه، ولم يعتن منه بالجانب العلمي عنده إلا بالإشارة العامة في قول صاحبي الكفاية والنيل "عالم فاس"، وإشارة القادري إلى أخذه عن ابن غازي، ولا شك أن هذا تقصير في حق الشيخ لا ينسجم بحال مع هذا الأثر الذي كان له من خلال تصدره من جهة، أو من خلال ما خلفه من هذا التقييد الذي ينسب على كل حال إليه.
وقد حاول صاحب السلوة أن يعوض شيئا من ذلك، لكنه هو أيضا لم يتحدث عن مشيخة الإمام الهبطي ومنزلته في العلم وأثره في العصر ومشاركته في تخريج قراء العصر، واكتفى بطائفة من التحليات التي قد يستفاد منها أنها تعبر عن ذلك إجماليا، ثم تعرض لذكر تقييده المنسوب إليه في وقف القرآن العزيز وساق بعض المعلومات المفيدة حوله، وهذا مجمل ما ذكره من ذلك:
"ومنهم الشيخ الإمام العالم العلامة الهمام الفقيه الأستاذ المقرئ الكبير النحوي الفرضي الشهير الولي الصالح، والعلم الواضح، أبو عبد الله سيدي محمد بن أبي جمعة الهبطي – منسوب لبلاط الهبط – الصماتي الفاسي، صاحب "تقييد وقف القرأن العزيز"، توفي بمدينة فاس سنة 930...
ثم نقل ما ذكره في "كفاية المحتاج" كما ذكرناه آنفا، وتطرق للحديث عن الوقف المقيد عنه مما سنعود إلى الحديث عنه([10]).
ومن استعراض ما تضمنته هذه التراجم نجد أن المعلومات التي فيها لا تكاد تفيد شيئا إلا في معرفة نسب الشيخ وبعض صفاته وتاريخ وفاته ومكانها، ولا تسمي من شيوخه إلا ابن غازي وبشكل عرضي، ولا تذكر من أثره العلمي إلا أنه "قيد عنه الوقف" على قراءتها بضم القاف – كما رأى بعضهم – أو "قيد" بفتح القاف على قراءة ثانية ومؤداها أنه قيده عن شيخه ابن غازي.
أما متى ولد ؟ وعلى من قرأ ؟ وأين تصدر ؟ ومن أخذ عنه من علماء فاس وقرائها ؟ فلا شيء في كتب التراجم، إلا ما ذكره القادري من أخذه عن ابن غازي، ومن هنا كان هذا الاستغراب في محله الذي عبر عنه الأستاذ الحسن وكاك في مقدمة دراسته لـ "تقييد وقف" الهبطي حين قال:
"هذا ومن الغريب أن يكون الشيخ الهبطي مشهورا ومغمورا في آن واحد، كان مشهورا في أوساط قراء المغرب باسمه ووقفه، وكان مغمورا لدى الجميع فيما سوى ذلك، حتى إننا لنجهل الكثير عن شيوخه وتلامذته وآثاره، فلم نكد نسمع من شيوخه أحدا سوى ابن غازي المكناسي، ومن تلامذته أحدا غير ابن عدة الأندلسي والشيخ السنوسي كما يستفاد من الحكاية السابقة بينهما.
"وأما عن آثاره فلم يعرف له إلا هذا التقييد الذي بين أيدينا والذي يعتبر الطابع الشخصي للمدرسة القرآنية بالمغرب والعنوان البارز المميز للمصحف المغربي، عن غيره من المصاحف في العالم الإسلامي"([11])، وإلا "عمدة الفقير في عباد العلي الكبير([12])".
ثم استنتج الأستاذ الدكتور وكاك من وصف صاحب السلوة له بـ "الأستاذ المقرئ" ومن سبب قدوم الشيخ السنوسي عليه بفاس أنه وإن كان يتقن عدة فنون كما تدل عليه باقي التحليات الواردة في ترجمته في "السلوة" فإنه "تخصص في فن القراءات وصناعة الأرداف، وبتلقينها ونشرها ونشر وقفة هذا ملأ حياته العلمية" ثم بنى على ذلك أنه "إذا ثبت لدينا بما تقدم ذكره من أن الشيخ الهبطي كان من أساتذة القراءات والمتفرغين للإقراء في جل أوقاته سهل عليها أن ندرك السب الذي من أجله قلت آثاره ولم تشتهر شيوخه وتلامذته، ذلك السبب هو انصراف أهل "الروايات" المتأخرين عادة عن كل شيء إلى إتقان صناعة الأرداف وما يتصل بها من الأحكام([13])".
ثم وقفت في القسم الأول من "السلوة" أيضا على تحليات أخرى للشيخ الهبطي فيها مزيد من التأكيد على منزلته في القراءة جاء فيها قوله:
"كان عالم فاس في وقته، فقيها نحويا فرضيا، أستاذا مقرئا، عارفا بالقراءات مرجوعا إليها فيها، وكان موصوفا بالخير والفلاح، والبركة والصلاح، ذا أحوال عجيبة، وأسرار غريبة، أخذ عن الشيخ ابن غازي وغيره"([14]).
مكانة الإمام الهبطي في القراءة وعلومها ومشاركته لابن غازي في شيخه الكبير وأعلام تلامذته:
ولقد وقفت في فهرسة الإمام المنجور وفي طائفة من المؤلفات في القراءة على إشارات مفيدة في هذا الباب تكشف بعض الغموض عن جانب من جوانب شخصية الإمام الهبطي ومكانته العلمية لم أر من نبه عليها، وأهم هذه الإشارات:
أ- أخذه عن الإمام أبي عبد الله الصغير شيخ أبي عبد الله بن غازي، وقد جاء ذلك في سياق إجازة الإمام أبي العباس المنجور بما في فهرسته لملك عصره أبي العباس أحمد المنصور السعدي ابن محمد الشيخ المهدي" حيث قال بعد أن سمى له ما أجازه به وسمى من أخذ عنهم وذكر شيوخهم من أصحاب ابن غازي والدقون والهبطي والحباك: "وأخذ شيخ الجماعة أبو عبد الله ابن غازي عن الإمام الحافظ أبي عبد الله القوري اللخمي والأستاذ الكبير أبي عبد الله الصغير الأوربي النيجي، وغيرهما ممن احتوت عليه فهرسته، لكن هذان عمدته.
"والدقون والهبطي عن الأستاذ الصغير، والحباك عن الأستاذ الصالح أبي داود سليمان بويعربين([15])عن الأستاذ الصغير، وهو عن أبي الحسن الورنتاجي الشهير بالوهري وعن أبي العباس الفيلالي وغيرهما"([16]).
وهذه الإشارة كما لا يخفى مفتاح جديد للدخول في بحث مصادر الهبطي على الأقل سواء في القراءة وعلومها أم في "تقييد الوقف" المنسوب إليه.
فأما فيما يتعلق بالقراءة فتجعله هذه الإشارة المفيدة مشاركا لابن غازي في أهم شيخ له في القراءات وبذلك يستوي سنده معه من طريقه، بل ربما فاقه من حيث الأهمية بالنسبة لمن أخذوا عنه بعد موت ابن غازي، لأن روايته عنه علت لتأخر وفاته عن وفاته بأزيد من عشر سنين، وإن كان قد بقي بعده جماعة ممن رووا عن الصغير كأبي العباس أحمد بن محمد الحباك الذي تقدم في أصحاب ابن غازي أنه (ت سنة 938هـ)، وكيحيى ابن عبـــد الله بن بكـــار المحمـدي الذي تقدم في أصحـاب الصـغير أنه عـاش إلى سنة 956هـ.
وأما الجانب الأكثر قيمة في هذه الإشارة فهو يتعلق بـ "تقييد الوقف"، إذ تجعل عمله في هذا التقييد ليس نابعا من فراغ، وإنما هو إما محاكاة لعمل تقدمه، أو معارضة له، أو تعديل فيه.
وذلك لما نعرفه من وجود تقييد آخر للوقف قيد عن أبي عبد الله الصغير، ونسخته الخطية التي لا نعرف لها ثانية ما تزال محفوظة في الخزانة الناصرية بتمكروت تحت الرقم 1657 وتحت هذا العنوان "تقييد وقف القرآن عن الأستاذ محمد بن الحسين الملقب بالصغير"([17]).
ولما كان أبو عبد الله الصغير النيجي قد توفي سنة 887هـ كما تقدم في ترجمته فمعنى ذلك أن فكرة تقييد وقف شامل للقرآن الكريم قديمة في الزمن، وربما تعود إلى منتصف المائة التاسعة، وإذا كان الأمر كذلك فربما كان كل من الهبطي وابن غازي معا وعامة من أخذوا عن الصغير قد اطلعوا عليها في حينها، هذا إذا لم يكونوا قد شاركوا فيها إما بطريق الأداء على منوالها أثناء قراءتهم على الشيخ، وأما باستخراج ذلك من وقفات الشيخ التي كان يتحراها أثناء الأداء، هذا إن لم يكن ذلك قد أخذ مكانه في الألواح على يده ووضعت له بعض العلامات الدالة عليه إما كلمة "صه" أو غيرها([18]).
وحينئذ وبناء على هذه الاحتمالات فلن يكون الشيخ ابن غازي ومترجمنا هنا أبو عبد الله الهبطي بعيدين عن هذا العمل إما إسهاما فيه في صورته الأولى وإما عدولا عنه أو تعديلا فيه في صور لاحقة ربما كان أهمها وآخرها التقييد الذي في الأيدي الآن بعد أن مر هو أيضا بمراحل مشابهة كما سياتي.
وإذا صح لنا هذا بناء على ما تقدم، فإنه لا يبقى لأحد مستند في دفع أن يكون الهبطي قد قيد هذا الوقف عن ابن غازي، أو على الأقل في صورته الأولى قبل أن ينظر فيه الشيخ فيجري عليه من التعديل ما يراه مناسبا، ويكون العمل بذلك قد تكامل فيه تعاون الشيخين معا لإنجازه في صورته التي قيدت عن المتأخر منهما في الوفاة وهو الشيخ الهبطي، وربما فعلا ذلك كله على سبيل التعديل لوقف شيخهما الذي كان في الغالب صاحب أول تجربة في هذا المجال.
ويشهد لذلك ويقويه ما ذكره الشيخ الدكتور وكاك في بحثه من أنه اطلع بعد سنتين من كتابة بحثه في مكتبة الزاوية الناصرية على وقفية منسوبة إلى الشيخ محمد الصغير شيخ ابن غازي قال:
"وقد قابلت بينها وبين تقييد الشيخ الهبطي فلاحظت أنها تختلف مع تقييد الهبطي في خمسمائة موضع، قال: "ووجود هذه الوقفية يفيدنا أن المغاربة كانوا من قبل الهبطي يعرفون أنواعا أخرى من تقييد وقف القرآن الكريم"([19]).
ب – أما الإشارة الثانية المهمة أيضا في إدراك منزلة أبي عبد الله الهبطي العلمية فقد جاءت في سياق ذكر أبي العباس المنجور لمشيخته، وذلك في ترجمة أبي القاسم بن محمد بن إبراهيم - صاحب ابن غازي - الذي قال عنه المنجور - كما تقدم -: "كان من الأساتيد المعتبرين، عارفا بعلوم القرآن أداء ورسما وتفسيرا ممتعا من الكتب العلمية التفسير والحديث والعربية وغير ذلك مما جمعه صهره: والد زوجته الأستاذ الكبير، ذو النحو الغزير، الفقيه الفرضي، أبو عبد الله الهبطي، وهي إعانة كبيرة على الطلب"([20]).
فرجل له مثل هذه الخزانة المتنوعة الغنية يصهر إلى مثل هذا الأستاذ البارع في القراءات وعلومها ويوصف بـ "الأستاذ الكبير ذي النحو الغزير... إلخ" هل من المقبول أن يعتبر في زمنه نكرة من النكرات، فضلا عن أن يوصم لدى بعض من كتبوا عن التقييد المنسوب إليه في وقف القرآن الكريم بالجهل بمبادئ العربية ولم يقرا المقدمة الأجرومية([21]) ؟
إنه إذن بشهادة الإمام المنجور (928-995هـ) "الأستاذ الكبير ذو النحو الغزير، الفقيه الفرضي"، هذه التحليات الأربع التي التزم بوصفه بها في مواضع عديدة من فهرسته([22])، وذلك منه يدل على أنها ليست من قبيل المجازفة والنعوت الجاهزة التي اعتاد المؤلفون إرسالها بغير قيد ولا سند من واقع حال كثير ممن يترجمون.
ج- أما الإشارة الثالثة الدالة على رسوخ قدمه في الفن واعتبار علماء هذا الشأن لمذاهبه في قضايا القراءة وعلومها فتتعلق بالنقول التي نجدها عند طائفة من الأئمة في مسائل من خلافيات الرسم والضبط، وربما كانت له في ذلك رسائل صغيرة أو مقيدات أثرت عنه ذهب بها الزمان كما ذهب بكثير من آثار علماء العصر – فمن ذلك مجموعة من النقول عنه وقفت عليها على حاشية "تقييد على ضبط الخراز" من شرح أبي زيد عبد الرحمن القصري الشهير بالخباز وبالفرمي - الآنف الذكر في شراح تفصيل عقد الدرر لابن غازي - ([23])، فقد جاء فيه عند قول الخراز:
فضبط ما حقق بالصفراء
نقط وما سهل بالحمراء
قوله: قال الهبطي: "قوله "فضبط ما حقق بالصفراء"، أي: فصورة ما حقق بالصفراء، وأما الضبط حقيقة فهو كناية عن شكل الحرف".
وقال في تعليق آخر في التقييد نفسه: "قال الهبطي – رحمه الله -: "النقط في "موجلا" وما في معناه عبارة عن الحركة لا عن الهمز، بدليل نصهم على جعل النقطة في "أؤنبئكم" أمام الواو، إذ لو كانت عبارة عن الهمز لكان على الواو، إذ المضموم غير ألف، والهمز يكون فوقه، نحو "يكلؤكم"و"سنقرئك"([24]).
- ووقفت على نحو من هذا في اهتمامه بالرسم ومسائل الخلاف فيه في التقييد الآنف الذكر الذي قيده محمد بن العربي الكومي المعروف بالغماري عن أستاذه وشيخه أبي عبد الله بن مجبر صاحب ابن غازي بفاس جاء فيه قوله عند قول الخراز: "ما جاء من أعرافها لمربما..................:
"وأما الآخر وهو "بضاعة مزجاية" فذكر عن الأستاذ أبي عبد الله الهبطي – رحمه الله – أنه كان يقول بإثباته كالأول، فيثبت الطرفين وبحذف ما عداهما"([25]).
- ووقفت على طرف من مباحثه في الفن أيضا عند الإمام أبي زيد بن القاضي في فرش الحروف من "الفجر الساطع" عند قول ابن بري: "وإنما النسي ورش أبدله.....قال ابن القاضي:
"وجدت في بعض التقاييد: "وأما النسي فيفرق بينه وبين "بالسوء" و "النبيء" قال الهبطي: "النسي لورش بالوقص والشد، وليس كذلك "بالسوء" و"النبي"([26]) لأن النسي مبدل في الحالتين بخلافهما فإنهما في الوصل خاصة، و"النسي" لقالون عقص، وكذلك "أوزعني"، ولورش وقص، قال: نصوا عليه ولم أره – انتهى([27]).
أفلا تدُلُّ هذه النقول في موضوعي الرسم والضبط على إمامة للشيخ الهبطي في الفن؟ ثم ألا يدل اعتماد مثل ابن مجبر له وهو غالبا من تلامذته، ثم من بعده كأبي زيد الفرمي الخباز والغماري وابن القاضي – على مكانة من التحقيق والحذق مشهود له بها من لدن أهل هذه الصناعة ؟ أو ليس أهل مكة أدرى بشعابها كما يقول المثل ؟
د- الإشارة الرابعة تتعلق بأخذ عدد من المبرزين من أصحاب ابن غازي عنه:
ودلالتها على إمامته ومكانته واضحة، لأنهم إن كانوا قد أخذوا القراءة أو العربية أو غير ذلك مما كان مبرزا فيه مع وجود ابن غازي بالحضرة فهذا دليل ساطع على نبله وعلو كعبه. وإن كان أخذهم عنه بعده مع جلالة أقدارهم وتلقيهم عنه للقراءات السبع وعلومها ولعامة علوم الرواية وإجازتهم بذلك كما تقدم فهو أعظم دلالة على ما ذكرناه له، ومن استعراض أسمائهم كما ذكرهم الإمام أبو العباس المنجور نجد أنهم الصفوة المعتبرة من رجال مدرسة ابن غازي، فمنهم:
1- عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم الدكالي: أحد الحاملين لإجازة ابن غازي بما في فهرسته مع إخوته الثلاثة كما تقدم، ذكره المنجور وذكر أخذه عن والده وعن الشيخ ابن غازي "وعن غيرهما كالأستاذ النحوي الفقيه الفرضي أبي عبد الله بن أبي جمعة الهبطي..."([28]).
2- عبد الواحد بن أحمد بن يحيى الونشريسي: ذكر المنجور أيضا أخذه عن والده وابن غازي وغيرهما "كالأستاذ النحوي الفقيه الفرضي أبي عبد الله بن أبي جمعة الهبطي..."([29]).
3- علي بن عيسى أبو الحسن الراشدي الأستاذ النحوي: ذكره أيضا وذكر أخذه عن ابن غازي وعن معاصريه من الأساتيذ كالأستاذ الدقون والأستاذ الهبطي والأستاد الحباك..."([30]).
4- أبو القاسم بن محمد بن إبراهيم أحد أكابر أصحاب ابن غازي من الأربعة الذي سماهم في إجازته، ومن طريقه عنه يسند القراءات من طريق ابن غازي من المتأخرين.
ذكر أبو العباس المنجور أنه كان صهرا للشيخ أبي عبد الله الهبطي على ابنته، وأنه كان ممتعا بسبب ذلك بالخزانة الغنية التي كانت في هذا البيت مما كان عونا له على الطلب، كما ذكر أنه أخذ عن شيخ الجماعة الإمام أبي عبد الله بن غازي وعن الفقيه الأستاذ النحوي الفرضي أبي عبد الله محمد الهبطي وعن غيرهما"([31]).
5- محمد بن علي بن عدة أبو عبد الله العدي الأندلسي: ذكره المنجور أيضا وذكر أخذه عن ابن غازي وعن أبي العباس الدقون، "وعن الأستاذ النحوي الفقيه الفرضي أبي عبد الله الهبطي"([32]).
أمع أخذ أمثال هؤلاء الأعلام عنه يكون مثل أبي عبد الله الهبطي نكرة من النكرات؟ أم يبقى هناك مجال لاتهامه بقصر الباع في العلم أو ضعف المنة في العربية ؟.
لقد تعمدت الاسترسال في هذا البيان لأوكد إن كان الأمر يحتاج إلى تأكيد على أن الرجل كان من أعلام هذا الشأن، وممن تعقد عليهم الخناصر فيه كما يقال، إلا أن التقييد المنسوب إليه قد اكتنفته ظروف لا يمكن الجزم معها بنسبة كل ما فيه إليه، وخاصة تلك المواقف التي اتخذها بعض المتأخرين ذريعة إلى الوقيعة فيه. وهو إلى جانب ذلك مسبوق إلى أكثرها مما لا تتوجه معه اللائمة إليه وحده إن توجهت.
ولنا عند هذه النقطة وقفة خاصة يقتضيها إنصاف الرجل، وتتعلق بمحاولة الإجابة عن السؤال التالي:
هل كان الإمام الهبطي، وهو بصدد تقييد الوقف المأخوذ عنه يراعي مذهب الإمام نافع في وقف التمام ويعود إلى المصادر المعتمدة عند أهل هذا الفن؟ وبمعنى آخر هل كان الهبطي مسبوقا إلى طائفة من المواقف التي انتقدت عليه؟ أم أنه جاء فيها ببدع من القول ليس هناك من تقدمه إليه ؟
([1]) الإشارة إلى الدراسة القيمة التي قام بها الأستاذ الدكتور الحسن وكاك بهذا العنوان تحت إشراف شيخنا الأستاذ الدكتور التهامي الراجي الهاشمي، وتقدم بها للحصول على دكتوراة السلك الثالث من دار الحديث الحسنية بالرباط، ثم طبع ذلك في كتاب هو من مصادرنا في هذه الدراسة وإن كنت قد كتبت عن الوقف قبل طبع الكتاب.
([2]) نشرت بحوث كثيرة عنه في مجلة دعوة الحق منها عدد بقلم الأستاذ سعيد أعراب.
([3]) سعيد أعراب دعوة الحق العدد 273 ص 156 السنة 1989.
([4]) هذه الأحكام الجاهزة سيأتي ذكرها.
([5]) فيها جميعا بالسين وسيأتي تصويب القادري لكتابته بالصاد.
([6]) جذوة الاقتباس 1/321 ترجمة 333. ودرة الحجال 2/152 ترجمة 627.
([7]) لقط الفرائد 290 (ألف سنة من الوفيات).
([8]) كفاية المحتاج، ونقله عنه في السلوة 2/67 والنيل 335.
([9]) نشر المثاني 1/35.
([10]) سلوة الأنفاس 2/67-68.
([11]) أشار إلى كتاب "الحركة الفكرية بالمغرب أيام السعديين" للدكتور محمد حجي ص 140.
([12]) أشار إلى أنه مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم 2008 د ضمن مجموع.
([13]) تقييد وقف القرآن الكريم للشيخ محمد بن أبي جمعة الهبطي – مقدمة الدراسة للدكتور وكاك 20-21.
([14]) سلوة الأنفاس 1/268.
([15]) في فهرس المنجور "بويقربين" وقال (كذا) والصحيح ما اثبتناه، وقد تقدم التعريف به.
([16]) فهرس أحمد المنجور 17.
([17]) عرف به الأستاذ محمد المنوني في (دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية) ص 105 وقال: "غير مذكور المؤلف".
([18]) يمكن الرجوع إلى بحث تطورات العلامة التي يشار بها إلى موضع الوقف في "تقييد وقف القرآن الكريم" المطبوع للدكتور الحسن وكاك 38-170 .
([19]) تقييد وقف القرآن الكريم 95.
([20]) فهرس أحمد المنجور 65.
([21]) سيأتي بعض هذه المغامز عند صاحب "منحة الرؤوف المعطي".
([22]) يمكن الرجوع في فهرس المنجور إلى الصفحات 12 – (مرتين) 13-14-15-17-إلخ.
([23]) تقدم ذكر هذا التقييد في الأعمال العلمية التي قامت على مورد الظمآن وذيله عمدة البيان في الضبط، وهو من الذخائر التي كانت محفوظة في بعض الزوايا الصوفية بآسفي وقفت عليه في مجموع عتيق بيد شاب يدعى توفيق بين المؤذن بآسفي وعليه آثار تحبيس على زاوية قديمة. ومعه شرح على الأجرومية مؤرخ بعام 1000 هـ.
([24]) تقييد على الضبط من شرح أبي زيد القصري الشهير بالفرمي.
([25]) تقدم ذكر التقييد في ترجمة أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مجبر المساري.
([26]) يعني "لأمارة السوء إلا ما رحم ربي" وقوله تعالى "لا تدخلوا بيوت النبيء إلا أن يؤذن لكم" وقوله "إن وهبت نفسها للنبيء إن أراد النبيء" – الأولى في يوسف، والباقي في سورة الأحزاب، وذلك في رواية قالون في قراءته لها بالإبدال مع الإدغام.
([27]) الفجر الساطع (فرش الحروف).
([28]) فهرس أحمد المنجور 12-56.
([29]) المصدر نفس 42.
([30]) 15-87-88.
([31]) نفسه 13-65.
([32]) نفسه 14-66.
قراءة الامام نافع عند المغاربة للشيخ عبد الهادي حميتو المجلد الرابع
يتبع......
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع