إليكم يا شباب الإسلام (4)

طباعة الموضوع
إنضم
4 يناير 2012
المشاركات
587
النقاط
18
الإقامة
الفيوم
الموقع الالكتروني
www.alfayyumy.com
احفظ من كتاب الله
كاملا بحمد الله
احب القراءة برواية
عاصم
القارئ المفضل
المنشاوي
الجنس
أخ
إليكم يا شباب الإسلام (4)


الفهم الشمولي الصحيح للإسلام


أهمية الفهم الصحيح للإسلام وخطر الانحراف عنه:
أيُّها الشباب:
اعلموا أنَّ الفهم الشمولِيَّ الصحيح للإسلام أمرٌ ضروري ورئيسيٌّ في صحَّة المنهج وسلامتِه واستقامته؛ لأنَّ الإسلام دينُ الله تعالى وشريعته، ولأنَّه الدِّين الباقي إلى يوم القيامة، ولأنَّ الله تعالى وعَد الأُمَّة الإسلامية إذا استقامت على منهج الله وشريعته وحُكمِه - أن يُمكِّنها في الأرض، ويرفع شأنَها، ويؤتيها خيريَّتَها.
ومِن هنا نعلم أنَّ الانحراف عن الفهم الصَّحيح لمنهج الإسلام لن يوصل إلى ذلك النَّصر المنشود، ولن يؤدِّي إلى ذلك التمكين الموعود، ولو بقي الدُّعاة في دعوتهم عشراتِ السِّنين؛ لأنَّهم ما أحسنوا فَهْمَ الإسلام، وما أحسنوا تبليغ رسالته الصحيحة الكاملة للعالَمين، فحينَها لن يقوم نصرٌ ولا تَمكين ولا حكم شرعي؛ لأنَّ قاعدة الإسلام مشوَّهة ومنقوصة، وفيها من البِدَع والأهواء الشيءُ الكثير، والتي يستحيل معَها قيامُ دولةٍ ومُجتمع إسلاميٍّ صحيح.
ونحن يا شباب الإسلام إذا رجَعنا إلى عصر الصَّحابة - رضي الله عنهم - وجدنا أنَّ أول انحرافٍ عن منهج الإسلام في التاريخ الإسلامي من جماعة وفرقة الخوارج، تلك الفئة التي خرجَتْ على الخُلَفاء الرَّاشدين، وكفَّرَت سيِّدَنا عليًّا - رضي الله عنه - وزعمَتْ أنه لا يحكم بما أنزل الله في كتابه، حتَّى قام إليهم عبدُالله بن عبَّاس - رضي الله عنهما - يُجادِلُهم بالحُسنى ويُناظِرهم؛ لعلَّهم يرجعون، فعاد فريقٌ، وضلَّ آخرون.
ثُمَّ توالَت الفِرَق في الظُّهور والخروج والانحراف، حتَّى ظهر رؤوس أهل البدع والأهواء من القدريَّة، والشِّيعة، والمعتزلة، والمرجئة، والصوفية، وغيرهم كثير.
وظهرت بظهور هذه الفرق انحرافاتٌ وفِتَن في الإسلام لم تكن لها أصولٌ ولا جذور؛ كالقول بِخَلق القرآن، الذي امتُحِن فيه عددٌ من أهل العلم، حتَّى عُذِّب من أجل هذا القول الإمامُ أحمد بن حنبل الشيباني - رحمه الله - إلا أنَّ الله أكرمه بالثَّبات على الحقِّ، والصَّبر على الابتلاء والفتنة، فكان خيرًا للمسلمين، ثُمَّ توالَتْ بِدَع المرجئة والمعتزلة والأشاعرة، وكذلك بدع الصُّوفية، وما أكثرها!
فالصُّوفية مثلاً: وقعَتفي تعظيم شيوخ طُرقِهم وأقطابِهم، وقالوا: هم الأولياء فحَسْبُ، وهم الأقطاب والأبدال، حتَّى صرَفوا لهم في قبورهم العباداتِ الشرعيةَ التي لا تكون إلاَّ لله تعالى وحْده لا شريكَ له، وكذلك وصفهم بتدبيرِ الكون مع الله تعالى، وتصريف أمورِ الخلْق، ونظرهم في المقادير، فيأخذون عن شيوخهم كلَّ ما صدَر عنهم؛ حقًّا كان، أو باطلاً، ولا يردُّون ذلك إلى الشريعة والنُّصوص من الكِتاب والسُّنة كما فعَل الشِّيعة تمامًا مع أئمَّتهم، بل ويأمر هؤلاء باتِّباع الطُّرق الصوفيَّة، والاقتداء بشُيوخها، وتقليدهم، فصاروا مقلِّدين لهم بلا هدايةٍ من الله ورسوله.
واعتمدوا كثيرًا على ما سمَّوْه الكشْف والإلْهام من الرُّؤى والأحلام، وأنَّ هذا الكشْف ممَّا اطَّلع عليه الأولياءُ بعِلمهم للغيْب، وأنَّها حقٌّ، كأنَّها رؤيا الأنبياء والرُّسل، وجعلوها مصادِمةً للقرآن والسُّنة، مُضاهِيةً لها كالحُجَّة والبُرهان، وما أجلَّ قولَ الشافعيِّ - رحمه الله تعالى -: "كلُّ شيءٍ خالَف أمْرَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سقَط، ولا يقوم معه رأيٌ ولا قياس؛ فإنَّ الله قطَع العذرَ بقول رسولِ الله، فليس لأحدٍ معه أمرٌ ولا نَهْي، غير ما أمَر به ونَهَى عنه"[1]!
والشِّيعة أيضًا خاصَّة الروافض: أساؤوا فهم الواقعِ وفهْمَ النصوص، وغالَوْا في حبِّ عليٍّ وآلِ البيت - رضي الله عنهم - حتى تعدَّوا حدود الله تعالى ورسولِه وشريعته، والشِّيعة الأُوَل لَرُبَّما يتأوَّل لهم البعضُ بسوء الفَهْم لِنُصوص الكتاب والسنَّة، إلاَّ أنَّ شيعة زمانِنا لا يَتأوَّل لهم بذلك إلاَّ العوامُّ والجهَلةُ منهم ومِن عامَّتهم، أمَّا علماؤُهم وأئمَّتهم الَّذين يزعمون فيهم العِصْمةَ والرِّفعة، والتنَزُّه عن الصغائر والكبائر معًا، فلا يقال فيهم ذلك.
فعوام الشِّيعة وسوقتهم وجهَلتُهم قد يُعذَرون بجهلهم وعدَمِ علمهم بما يَشتمل عليه مذهبُ الشيعة الإماميَّة - الَّذي ينتسبون إليه - مِن كُفرٍ بواح.
أمَّا علماؤُهم وأئمَّتهم فكيف يُتأوَّل لهم، وكيف يُعذَرون في إقامتهم على هذا الكُفر، ودعوتِهم إليه، بعد أن طفحَتْ به كتُب علماءِ مذهبهم قديمًا وحديثًا، وهم على علمٍ صحيحٍ بِما وقعوا فيه من التَّحريف والتَّأويل الباطل، بل وإنشاء النُّصوص والأدلَّة المزعومة - من كتُب أئمَّتهم وعلمائهم - على صحَّة مذهبهم الباطل في جملته، وتكفيرِهم وسبِّهم لأصحاب النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم، ورضي الله عنهم جميعًا - وبل وتفسيراتِهم الباطلة لِنُصوص الكتاب والسنَّة، بل والمناقِضة لها أشدَّ التَّناقض في حقِّ علي - رضي الله عنه - وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم جميعًا؟
وقد جاء في كتاب "الكافي" من كتب الشِّيعة الرَّوافض؛ عن جعفرِ بن محمَّد الصَّادق قولُه: "عندنا مصحف فاطمة - عليها السَّلام - وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟! مصحفٌ فيه مِثلُ قرآنِكم هذا ثلاثَ مرَّات، والله ما فيه من قرآنِكم حرفٌ واحد"[2].
وقال نعمة الله الجزائري: "الأخْبار مستفيضة، بل مُتواتِرة، وتدلُّ بصريحِها على وقوع التَّحريف في القرآن كلامًا ومادَّةً وإعرابًا"[3].
الطريق إلى الإسلام:
إذًا عليكم يا شبابَ الإسلام؛ أن تُدرِكوا أهميةَ الفَهْم الصَّحيح للإسلام، ومدى الحاجة الشرعيَّة إليه، ولعلَّ قائلاً يقول من شبابنا: وما الطَّريق إذًا إلى الإسلام في وسط هذا الكمِّ الهائل من أهل الفِرَق والبدع المختلفة؟ وهذه الجماعات المتنافرة في السَّاحة الإسلامية اليوم؟ وكيف نصل إلى المنهج الصحيح للإسلام كما كان في عهد النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وصحابته؟
ونحن نقول لكم أيها الشباب:
إن الطريق الصحيح إلى الإسلام يبدأمن "العودة إلى شريعة الإسلام الغرَّاء"، وتَحكيمِها في كل شؤون حياتنا، وفق الكتاب والسُّنة ومنهج وفهمِ سلَفِ الأُمَّة، وتربية الناس عليها من جديدٍ، صافيةً نقيَّة بعيدًا عن سوء الفهم لها، وعن مؤامرات التشكيك والنَّيْل منها.
ولن يتحقق للأمة هذا إلا بعدة أمور مهمَّة، وهي:
الأول: تحقيق الاعتِصام والاتِّباع للكتاب والسُّنة وفق منهج السَّلف:
يجب عليكم يا شبابَ الإسلام أوَّلاً؛ أن تعلموا وتعتقدوا بدايةً بوجوب العودة إلى منهج الإسلام الصَّحيح، والمتمثِّلة في الكتاب والسُّنة بفهم سلَف الأمة، لماذا؟
لأنَّ العودة إلى لزوم هَدْيِ الكتاب والسُّنة، والاعتصام بهما، في كلِّ مجالات الحياة ليست تطوُّعًا ولا نفلاً كلاَّ، بل هذه العودة فرضٌ على كلِّ مسلم مكلَّف، بالغٍ عاقل، سواء أكان رجلاً أو امرأة.
ولنكن على يقينٍ كامل، وثقةٍ مؤكَّدة بأنه لا عِزَّ لأُمَّتِنا ولا نصر لها ولا كرامة إلاَّ بِهذه البداية، وإلا بِهذه العودة الجادَّة إلى الله - سبحانه - وإلى رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولْنَعلم أنَّه لن يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ بما صلح به أوَّلها، فلْنُسرع الخُطى بالعودة إلى القرآن والسُّنة، وإلى الاستجابة لأحكامها؛ فإنَّ فيهما الخيرَ والهداية لنا إن أردنا ذلك؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ﴾ [طه: 123 - 125].
ثم إنَّ الكتاب والسُّنة أصلان كبيران لِهذا الدِّين؛ لأنَّهما ركنٌ من أركان الإيمان، فمَن كفر بالكتاب أو بالسُّنة فقد كفر بالإسلام كُلِّه، فعلى كلِّ مسلم أن يؤمن بالكتاب والسُّنة، وأن يعظِّمَهما، ويُجِلَّهما ويخدمهما؛ قال - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].
كما أنَّه يجب على كلِّ مسلم الإذعانُ لله ورسوله، والاعتقادُ بوجوب التزامِ الكتاب والسُّنة، ووجوب مُتابعة النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما قال - تعالى -: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].
ومِن هنا فإنَّ الواجب على المسلم - رجلاً كان أو امرأة - أن يعلم العِلمَ اليقينِيَّ بوجوب أنْ يتقيَّد - في كلِّ حركة من حركاته، وسكنةٍ من سكناته، ونفَسٍ من أنفاسه - بالكتاب والسنَّة التي جاء بها النبيُّ المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد حضَّتْ نصوصٌ كثيرة في الكتاب والسنة على وُجُوب الالتزام بِهما، وهي واضحة ومعلومة، قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103].
ثم إنَّ تَحقيق الاتِّباع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لوازم الإيمان والمَحبَّة؛ لأنَّه إذا تحقَّق المسلمُ بتوحيد المعبود سبحانه، فيجب عليه أن يتحقَّق بتوحيد المتبوع وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنَّ مُتابعة الرسول أمرٌ افترضه علينا ربُّنا في كتابه، فقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 7].
وما أجَلَّ في هذا المقامِ من ذِكْر كلام شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - حيث قال: "فإنَّ أهلالحقِّ والسُّنة لا يكون متبوعُهم إلاَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى، إنْ هُو إلاَّ وحيٌ يوحَى؛ فهو الذي يجب تصديقُه في كلِّ ما أخبَر، وطاعتُه في كلِّ ما أمَر، وليست هذه المَنْزلة لغيره من الأئمَّة، بل كلُّ أحدٍ من الناس يُؤخَذ من قوله ويُترك إلاَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم؛ فمن جعل شخصًا من الأشخاص غيرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحبَّه ووافقه، كان من أهل السُّنة والجماعة، ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة - كما يوجد ذلك في الطَّوائف من أتباع أئمَّة في الكلام في الدِّين وغير ذلك - كان من أهل البدع والضَّلال والتفرُّق"[4].
وهذا هو ما دلَّ عليه صريحُ القرآن وصحيح السُّنة؛ فمِن ذلك قولُ الله تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، وقولُ الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((افترقَت اليهود...)) إلى قوله: ((ما أنا عليه وأصحابي))، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((اتَّبِعوا ولا تبتدعوا، فقد كُفِيتم، كلُّ بدعة ضلالة))[5].
الثاني:الفَهم الصحيح للإسلام:
لأنَّ إعادة المفاهيم الصحيحة الحقيقيَّة للإسلام تعني الشَّيء الكثير؛ إنَّها تعني أن يَفهم الناس حقيقةَ كلمة التوحيد وما اشتملَت عليه من معانٍ ومقتضيات ضبَطَها أهلُ العلم، وأنَّها قولٌ واعتقاد وعمَل، وأنَّها دينٌ ودنيا، وأنَّها عبادات وأخلاق، وأنها معاملاتٌ وآداب، وأنَّها سياسات واقتصاد، وأنَّها ثقافة وعلوم.
وإنَّها تعني أنَّ الحكم لله وحده لا للقوانين الغربيَّة ولا الوضعية، وإنَّها تعني أنَّ الحياة كلها لله وحده، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].
وإنَّها تعني أن تَثِق الأُمَّة بِمَنهج الله تعالى وصلاحيته الخالدة على مرِّ الزمان والعصور، وأنَّ منهج الله لن يصل إليه عقلٌ بشَرِيٌّ في رُقيِّه ومثاليَّتِه وكماله، فتعمل الأُمَّة وتعمر وتبني وتُصلح ما أفسدَتْه في أيَّامها الأخيرة، وإنَّها تعني أن تفهم الأُمَّة غايتها في هذه الحياة الدُّنيا، وأنَّهم دُعاةٌ لله وحده، وعبوديَّته وحده، لا شريك له.
كما تعني إعادةَ دفَّة القيادة إلى رجالِها وفرسانِها، الذي ساسوا الدُّنيا بالعدل والحقِّ، ونشروا فيها الأمن والسَّلام، كما ذكرَتْ كتب التاريخ أنَّ سعدَ بن أبي وقَّاص أرسل ربعيَّ بن عامرٍ رسولاً إلى رستم قائدِ الجيوش الفارسيةِ وأميرهم، فدخل عليه وقد زيَّنوا مجلسه بالنَّمارق والزرابيِّ والحرير، وأظهر اليواقيت واللآلئ الثَّمينة العظيمة على الجدران وعلى تاجه، وغير ذلك من الأمتعة الثَّمينة، وقد جلس على سريرٍ من ذهَب.
ودخل ربعيٌّ بثيابٍ صفيقة، وترس، وفرس قصيرة، ولَم يزَلْ راكِبَها حتَّى داس بها على طرَفِ البساط، ثم نزل، وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبَل، عليه سِلاحُه ودِرعه، وبَيضته على رأسه، فقالوا له: ضع سلاحك، فقال: إنِّي لَم آتِكم، وإنَّما جئتُكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا، وإلاَّ رجَعْت، فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل يتوكَّأ على رمحه فوق النَّمارق، فخرق عامَّتَها، فقالوا له: ما جاء بكم؟ فقال: "الله ابتعَثنا؛ لِنُخرج مَن شاء مِن عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدُّنيا إلى سعتها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام"[6].
كما أنَّ الفهم الصحيح للإسلام يعني الوقوفَ أمام المذاهب والفِرَق التي دبَّت فيها البِدَعُ والأهواء وفي مقدَّمِتها الشِّيعة والصُّوفية وأصحاب المدرسة العقلانيَّة والخوارج، الذين أسْهَموا كثيرًا في تشويه صورة الإسلام الصحيحة، كما كانت في عهد النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضي الله عنهم - جميعًا.
والمنهج السَّلفي تصدَّى لكثيرٍ من انْحِرافاتهم وبِدَعِهم التي شوَّهوا بها صورة الإسلام الصحيحة، وأزاح الشُّبهات التي تعلَّقوا بها، وهم مع ذلك لا يزالون يُخالِفون منهجَ الكِتاب والسُّنة ومنهج السَّلَف، بل ويتصدَّون لهم بالعداء والتنقيص، ولكن هيهاتَ هيهات.
فالله تعالى يأبى إلاَّ أن يُظهِر الحقَّ والدِّين، وإن طال الزمان وتشعَّبَت الفِتَن، كما أخبر بذلك النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - قال: سمعتُ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يزال مِن أُمَّتِي أمَّة قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم مَن كذبَهم، ولا من خذَلَهم، حتَّى يأتي أمرُ الله وهم على ذلك)).
وفي لفظ: ((ولا تزال عصابة))، وفي لفظ: ((ولا تزال طائفة))؛ وهو في الصحيحين.
كما أنَّ الفهم الصحيح للإسلام يعني حصر مصدر التلقِّي بعيدًا عن هذه الفرق والمذاهب المخالِفة لِمَنهج أهل السُّنة والجماعة، فالاستدلال الصحيح لا بُدَّ أن ينبني على منهجٍ صحيح، لا لبس فيه ولا غموض، ولا تشبيه فيه ولا تأويل يُخالف ولا تَعطيل.
وهذا الحصر في منهج التلقي يعني ثلاثةَ أمور ضروريَّة:
الأوَّل: تعظيم نصوص الوحيَيْن الكتاب والسُّنة.
والثانِي: الاستدلال بالأحاديث الصحيحة الثابتة في السُّنة النبوية.
والثالث: الفهم الصحيح لهذه النُّصوص.
وهذه الثلاثة لا تراها مُجتمعةً إلاَّ في منهج أهل السُّنة والجماعة المتبعين لها، القائمين بما فيها، دون إفراطٍ ولا تفريط، ولا جَوْرٍ ولا تأويل باطل، فهم أسعد الخلق بالأدلَّة الشرعية منهجًا وشريعة وأخلاقًا.
كما أنَّ الفهم الصحيح للإسلام يقطع شوطًا طويلاً من التربية والإعداد لجيل النَّصر والتمكين؛ لأنَّه يَقضي في سرعةٍ كبيرة على كلِّ خلل عقَدِيٍّ أو تعبُّدي أو سلوكيٍّ وأخلاقي، فالإنسان إنَّما تَصْدُر أعماله على وفق ما لديه في نفسه وقلبه وعقله من اعتقاداتٍ وتصوُّرات حول المنهج الإسلاميِّ أو غيره.
فإذا فهم الإسلام الفهم الصحيح الذي لا يعتريه النَّقص ولا البدع، ولا خالطَتْه الأهواء ولا الانحرافات، فعِندها لا نَحتاج الجهدَ الكبير الذي يأخذه من يحتاج في تربيته إلى اقتلاعِ ما يَحمل سلفًا من مقرَّرات واعتقادات وتصوُّرات تُخالف المنهج الإسلامي الصحيح، وعندها تكون الأمة الإسلامية التي تريد التمكين والنصر، في حالةٍ تؤهِّلُها لِهَذا الوعد الربَّاني النَّبويِّ بإقامة الدِّين واستخلافهم لقيادة العالَمِ مِن جديد، ونَشْرِ رسالة الإسلام والسَّلام، والأمن والأمان، ولكنَّها السُّنن!
الثالث:شمولية الإسلام:
فالعودة للإسلام تعني كلَّ الإسلام، فليس للإنسان أن يقف من الإسلام موقفَ الانتقاء والاختيار؛ فيأخُذَ ما يشاء، ويدَع ما يشاء، ويَقبل ما يشاء، ويَرُدَّ ما يشاء، كلاَّ، إنَّما الإسلام يُؤخَذ كلُّه جملةً واحدة، بلا تبعيض، ولا تفريقٍ بين أصوله وشرائعه وأحكامه، كما قال تعالى: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 85].
وقال تعالى أيضًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208]؛ أيْ: في الإسلام جميعًا.
لأنَّ الإسلام دينٌ شامل كامِل، لكلِّ مناحي الحياة البشرية، وفيه السَّعادة لِمَن سلك الطريق إليه، وأذعن له، وآمن به، فهو دينُ عقيدةٍ وإيمان، ودينُ معاملاتٍ وأخلاق، ودينُ سياسات واقتصاد، ودينُ ثقافةٍ وعلوم، ودين دنيا وآخرة، ليس فيه نقصٌ في أيِّ جوانبه، وليس في قصورٌ في أحكامه وتشريعاته، وليس فيه تغليبٌ لِجانبٍ على جانب.
كلاَّ؛ إنه دينُ الشُّمولية الواسعة، والوسَطِيَّة الهادية، والعقيدة الصَّحيحة، والعبادة المُزَكية، والأخلاق الكاملة، فمن أراد السعادة استمسك بِحَبله، واعتصم بمنهاجه كما أخبر سبحانه بقوله: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123]، وقولِه تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].
ولقد ضرب الصحابةُ الكرام - رضي الله عنهم، وهم سلف الأمة وصدرُها الأوَّلُ - المثلَ الأعلى في فهمِهم الصحيح، وحُسن أخذِهم للإسلام، فكانوا لا يفرِّقون بين فرضٍ ونفل وتطوُّع - يعني في الامتثال والعمل،وكانوا يتلقَّون جميعَ أحكام الإسلام المفروضة والمسنونة على حدٍّ سواء.
والمتأمِّلُ في سِيَرِهم وأحوالهم، يجد من اهتمامهم بقيام الليل والتِّلاوة والذِّكر وصلاة الجماعة والجهاد، ما لا يسَعُه أن يفرِّق به بين الأمرين، وهذا حقيقةً مِن كمال اتِّباعهم لله ورسوله، وشمولية التلقِّي الصحيح للإسلام وشريعته.
لقد استطاعت المذاهب الغربيَّةُ والعلمانيةُ اليومَ أن تؤثِّر على كثيرٍ من شباب المُسلمين، بِما تَحمله من هدْمٍ صريحٍ للدِّين الإسلامي؛ لأصولِه وثوابته، والعمل على فصل عقيدة الإسلام وتشريعاته عن قيادة الحُكم والسِّياسة والاقتصاد، وحصر هذا الدِّين في المساجد والصَّلاة والتِّلاوة والذِّكر فحَسْبُ، وحاولَتْ إقناعَ الجماهير بعدم صلاحية الإسلامِ لِهذا الزَّمان، فتأثَّر الكثيرُ، ووقعوا في الشَّرَك الذي نُصِب للأُمَّة كلِّها.
وكان من آثار ذلك:
عَزْلُ الدِّين عن القيادة والسُّلطان والحكم، وإصدار التشريعات التي تحكم الأمَّة الإسلامية من مصادرها الأصلية الكتاب والسُّنة، والإجماع والقياس، وتمَّ بالفعل إلغاءُ الخلافة الإسلاميَّة نهائيًّا من تركيا، وتمَّ قطع الصِّلة بها مع الإسلام والعالم الإسلامي، حتى قال العميل "مصطفى كمال": "نحن لا نريد شرعًا فيه "قالوا" و"قالوا"، ولكن نريد شرعًا فيه قلنا ونقول"[7].
كما تم إهمال العلوم الشرعية المستمَدَّة من الكتاب والسُّنة في كل مجالات التربية والثقافة، وجعلها في الدرجة الدُّنيا في ذيل القائمة، مع الإعلاء من شأن الثقافات المُخالفة لِهذا المنهج الإسلاميِّ وإجلال أصحابها، والنفخ الدائم فيهم، وجعلهم في مثابة الفاتحين والمجدِّدين.
وفي الجانب الأخلاقيِّ فتَحوا الطَّريق أمام نشر الفساد وتدمير مقوِّمات المُجتمع المسلم، ونشر ثقافة العري والتبَرُّج والإباحيَّة، من خلال المُجون والسُّقوط، ودُور السينما والمسارح، وغير ذلك من وسائل الإعلام؛ المكتوبة، والمقروءة، والمسموعة، والمرئيَّة، على حدٍّ سواء.
والعمل على اختلاق قضايا مزعومة للمرأة، والضَّرب على هذا المنوال، إلى غير ذلك من الآثار والبلايا التي نزلت في جسد أمَّة الإسلام والتوحيد، والتي عملت مدرسةُ العلمانيَّة وجنودُها من خلالها على تخريب العقل المسلم، وتخريب العقيدة والأخلاق في قلوب الأُمَّة، ولكن أنَّى لهم ذلك، والله غالب على أمرِه مهما طال الزَّمان[8].
فالواجب على دُعاة الإسلام إحياءُ مَعالِم الإسلام ومعانيها الصَّحيحة الشاملة في القلوب؛ بدءًا من الجانب العَقَدِيِّ، والتعبُّدي، والتشريعي، والأخلاقي وغيرها، حتى تنبنِيَ دعوة الإسلام من جديد في نفوس شباب المسلمين، وحتَّى تُتِمَّ الدعوةُ مسيرتَها إلى حيث يَشاء الله تعالى لها.
__________________
[1] "الأم" للشافعي: (2/ 250).
[2] "الكافي"، (ج/ 1239).
[3] "الأنوار النُّعمانية": (ج2 / 357).
[4] "مجموع الفتاوى"، (ج3/ 346).
[5] "كتاب الزهد"، لوكيع بن الجراح، باب: من قال: البلاء موكَّلٌ بالقول.
[6] "البداية والنهاية" (ج7/ 40).
[7] "الإسلام والخلافة"، علي الخربوطلي (285).
[8] للاستزادة حول موضوع العلمانية يُراجَع كتاب "العلمانية" للشيخ سفر الحوالي.


نشر بالألوكة
من كتاب إليكم يا شباب الإسلام
تأليف
أبو شهاب الدين عاطف بن عبد المعز السلمي الفيومي



يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 

إدارة المعهد

لا إله إلا الله
إنضم
30 ديسمبر 2010
المشاركات
1,683
النقاط
38
الإقامة
بلجيكا
احب القراءة برواية
ورش عن نافع عن طريق الازرق
القارئ المفضل
عبد الجليل خالد-القزابري
الجنس
أخ
الثاني:الفَهم الصحيح للإسلام:
لأنَّ إعادة المفاهيم الصحيحة الحقيقيَّة للإسلام تعني الشَّيء الكثير؛ إنَّها تعني أن يَفهم الناس حقيقةَ كلمة التوحيد وما اشتملَت عليه من معانٍ ومقتضيات ضبَطَها أهلُ العلم، وأنَّها قولٌ واعتقاد وعمَل، وأنَّها دينٌ ودنيا، وأنَّها عبادات وأخلاق، وأنها معاملاتٌ وآداب، وأنَّها سياسات واقتصاد، وأنَّها ثقافة وعلوم.
وإنَّها تعني أنَّ الحكم لله وحده لا للقوانين الغربيَّة ولا الوضعية، وإنَّها تعني أنَّ الحياة كلها لله وحده، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].


ماشاء موضوغ قيم جدا ويحتاج الى القراءة مرارا وتكرار

بوركتم اينما حللتم وسدد المولى تعالى خطاكم واجزل لكم العطاء

 
أعلى