الشيخ عاطف الفيومي
شيخ فاضل
- إنضم
- 4 يناير 2012
- المشاركات
- 587
- النقاط
- 18
- الإقامة
- الفيوم
- الموقع الالكتروني
- www.alfayyumy.com
- احفظ من كتاب الله
- كاملا بحمد الله
- احب القراءة برواية
- عاصم
- القارئ المفضل
- المنشاوي
- الجنس
- أخ
إليكم يا شباب الإسلام (6)
حصر مصدر التلقي والاستدلال
ومِمَّا لا بد منه أيضًا - يا شباب الإسلام - في صحة المنهج وسلامته: حصْرُ وضبط مصدرِ التلقِّي والاستدلال.
وأعني بهذا - يا شباب الإسلام -: أن يتحقَّق المسلم في منهجه ومتابعته وَفْق الكتاب والسُّنة، ومنهج وفَهْم سلف الأمة الصالح، في عقيدته وتوحيده، وفي عباداته ومعاملاته، وفي أخلاقه وسلوكه، وفي كلِّ شؤونه وأحواله.
ونعني بحصر وضبط مصدر التلقي أمرين:
الأوَّل: حصر مصدر التلقِّي والاستدلال والتربية في الكتاب والسُّنة:
بمعنى: أن يكونَ مصدَرُ ثقافتكم وفهمِكم، ومصدر منهجكم وعقيدتكم، وعبادتكم وأخلاقكم؛ هو الكتابَ والسُّنة، فلا نتلقَّف ثقافة مخالِفةً لشريعتنا من شرق أو غرب، ولا نتلقف ثقافة مشوبة بالبدع والأهواء، من فِرَق وأحزاب مختلفة، كما قال تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 123 - 126].
وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 7].
وقال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].
وقد روى البخاريُّ عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "أحسَنُ الحديث كتاب الله، وأحسن الهَدْي هدي محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشر الأمور مُحْدثاتها، وإنَّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بِمُعجزين".
وروى التِّرمذي عن المقدام بن معد يكرب، رفعَه: ((ألاَ هل عسى رجل يَبْلُغه الحديث عنِّي، وهو متَّكئٌ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله؛ فما وجدنا فيه حلالاً استحلَلْناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرَّمناه، وإن ما حرَّم رسول الله كما حرَّم الله)).
ولأبي داود: ((ألاَ وإنِّي أُوتِيتُ الكتاب ومثله معه، ألاَ يوشك رجل شبعان على أريكته...))؛ الحديث.
وفي خُطبة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "حجَّة الوداع" حثٌّ على التمسك بالكتاب والسنة؛ حيث قال: ((وقد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلُّوا أبدًا أمرًا بيِّنًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه))؛ رواه مالك.
بل إن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - غضب من أحد أصحابه يومًا، وقال له كلامًا شديدًا؛ لأنَّه قرأ مصدرًا آخر غير القرآن الهادي، والسُّنة الراشدة، ففي الحديث عن جابر، عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين أتاه عمر فقال: إنا نسمع أحاديث مِن يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: ((أمتهوِّكون أنتم كما تهوَّكَت اليهود والنصارى؟! لقد جئتُكم بها بيضاء نقيَّة، ولو كان موسى حيًّا ما وَسِعَه إلا اتِّباعي))؛ رواه أحمد والبيهقيُّ في كتاب "شُعَب الإيمان"، وحسَّنَه الألباني.
وفي رواية أخرى عن جابر بن عبدالله؛ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتى النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكتابٍ أصابه من بعض الكتب، قال: فغضِب وقال: ((أمتهوِّكون فيها يا ابن الخطَّاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتُكم بها بيضاء نقيَّة)).
إذًا عليكم أن تعلموا أنَّ في حصر وضبط مصدرِ التلقِّي والتربية على الكتاب والسنة؛ تصحيحًا للمسار، وضبطًا للمنهج؛ ذلك أن الشباب اليوم يرى واقع الأمة الإسلاميَّةِ الأليمَ، ويرى تشتُّتَ الجهود، ويرى تكالب الأمم والأعداء علينا من كلِّ حدب، كما أنه يرى حوله عددًا من الأفكار والاتجاهات، والفِرَق والجماعات، والمناهج والتصوُّرات، ويرى أيضًا التناقض في قواعد التربية والتوجيه، ووسائل التربية والتعليم.
فيقع الكثير منهم في شكٍّ وحيرة، واضطرابٍ في المنهج والتصوُّر، وتتعثَّر أقدامه، وتتأخَّر خطواته، وتَضْطرب اتِّجاهاته وأفكاره؛ وذلك لأنَّه لا يملك في نفسه منهجًا صحيحًا، يرشده ويقوِّمه، ولا يملك من العلم والإيمان والعقيدة رصيدًا كافيًا، يعرفه بغايته ورسالته، ومن هنا تزِلُّ قدمه، وتضطرب أفكاره، وتضيع منه معالِمُ الطريق الصَّحيح، إلى منهج الإسلام.
فلا سبيل اليومَ - أيُّها الشباب - إلى تصحيح مسار الأمة الإسلامية، وبناءِ الجيل المسلم من جديد، ودَفْعِ تكالب الأمم الكافرة عنَّا، إلاَّ أن نأخذ منهج الإسلام مِن مصدره الأوَّل الصحيح، وأصله الأصيل، وأعني بذلك "الكتاب، والسُّنة".
الثاني: مُوافقة منهج وفهم السلف الصالح:
ومعنى هذا: أن التلقِّي من الكتاب والسُّنة يكون وفق منهج وفهم السَّلف الصالح؛ انطلاقًا من الصحابة - رضي الله عنهم - ثم التابعين وتابعيهم بإحسانٍ، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في "مجموع الفتاوى": "أحقُّ الناس بأن تكون هي الفرقةَ الناجية "أهل الحديث والسُّنة"، الذين ليس لهم مَتْبوع يتعصَّبون له إلاَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمُهم تمييزًا بين صحيحِها وسقيمها، وأئمَّتُهم فقهاء فيها "وأهل" معرفةٍ بمعانيها، واتِّباعًا لها، تصديقًا وعملاً، وحبًّا، وموالاةً لمن والاها، ومعاداةً لمن عاداها، الذين يَرْوُون المقالات المُجْملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة؛ فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتةً فيما جاء به الرَّسول؛ بل يجعلون ما بُعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه"[1].
فلا يكفينا اليومَ متابعةُ الكتاب والسُّنة دون ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم؛ وذلك لعدَّة أمور مهمة:
أوَّلاً: لأن كل الفِرَق المنسوبة للإسلام اليوم تحتجُّ علينا بالكتاب والسنة، فإذا أردتَ تأصيل منهجٍ أو ردَّ بدعة أو مخالفةٍ ليس لها من الأدلة والنصوص ما يشهد لها أو يثبت شرعيتها، وجدنا هنا أصحابها يُوردون لنا من الأدلَّة وعمومياتها ما يُثبت صحَّة طريقتهم ومنهجهم في الدَّعوة إلى الله تعالى، أو يثبت صحَّة مذهبهم ومعتقداتهم التي يريدون لها أتباعًا وأنصارًا.
إذًا لا بدَّ من حُكْم فصل يَحْسم مسار الدعوة ومنهجها، ويقوِّم مسيرتها، إنَّه - ولا ريب - مسلك الصحابة - رضي الله عنهم - ومن تبِعَهم في القرون المفضَّلة الأولى، وهذا كما ذكرنا من قبل له من الشواهد والأدلة والبراهين من نصوص القرآن والسُّنة الكثير والكثير.
وحسْبُنا أن نورد هنا عدة منها:
أما الأدلة من القرآن والسُّنة فمنها ما يلي:
• فقد أوجب القرآنُ اتِّباعَ الصحابة - رضوان الله عليهم - ولزومَ طريقتهم، وتوعَّد مَن يخالف سبيلهم بالعذاب الأليم، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾[النساء: 117]، فهل كان المؤمنون عند نزول هذه الآية الكريمة إلاَّ هم؟ وقد دلَّت الآية على وجوب متابعة سبيل المؤمنين، والحذر من الوقوع في الوعيد لمخالفة هذا السبيل الذي سلَكوه.
ولِهذا جعلَهم النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -الميزان الحقَّ حين وقوع الفِتَن والافتراق في أمته كما جاء في الحديث المحفوظ المشهور؛ حديث الافتراق الذي وقعت فيه الأمم، والذي يقول فيه النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقةً، وافترقت النَّصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)) قيل: مَن هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي))، وفي بعض الروايات: ((هي الجماعة))؛ رواه أبو داود، والتِّرمذي، وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيحٌ على شرط مُسْلم، وكذلك قوله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].
• وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137].
هذا دليل صريحٌ في أن الذي كان عليه الصحابة - رضوان الله عليهم - هو الهُدَى والحقُّ، ومن اهتدى به فإنه على هُدًى، وعلى صراطٍ مستقيم، فالصحابة هم المعنِيُّون بما في الآية أولاً، ثم من سار على درْبِهم، واقتدى بهم من بعدهم ثانيًا.
• وتزكية النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لهم حيث قال: ((خير الناس قَرْنِي، ثم الذين يَلُونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قومٌ تسبق شهادةُ أحدِهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه))؛ متفق عليه، فهذه الآيات والأحاديث دليلٌ على أنَّهم على هدى وخير، وأنَّهم أهلٌ للاقتداء والاتِّباع.
•وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: "اتَّبِعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفِيتم، كل بدعة ضلالة"[2].
•وقال الأوزاعيُّ: "اصبر نفْسَك على السُّنة، وقِفْ حيث وقفَ القوم، وقُل بما قالوا، وكُفَّ عما كَفُّوا عنه، واسلك سبيل سلَفِك الصالح؛ فإنه يسَعُك ما وسِعَهم"[3].
•وكان الحسن البصريُّ في مجلس، فذُكِر أصحاب محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم -فقال: "إنَّهم كانوا أبَرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقَها عِلمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، قومًا اختارهم الله لصحبة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم؛ فإنَّهم - ورَبِّ الكعبة - على الهدى المستقيم"[4].
ثانيًا: لأنَّ الطريق إلى وحدة الأمة الإسلامية، والوقوف أمام المدِّ الجارف من كيد أعدائها، وتربُّصهم بها، وكذلك عصمتها من البدع والأهواء الناشئة من الفرق والجماعات، إنَّما يكون - هذا الطريق إلى الوحدة - حول الأصول والثوابت العاصمة من التفرُّق والتشرذم في شريعة الإسلام، وهذا أمر مقرَّر شرعًا وعقلاً؛ فالأصول في شريعتنا متَّفق عليها بين أهل السنة والجماعة، ولا خلاف فيها، وإلاَّ صار تفرقًا مذمومًا.
فأمَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -متفقة على أن اتِّباع الصحابة من الأصول الثابتة بنصوص الوحيَيْن المعصومين؛ الكتاب والسُّنة كما أسلفنا آنفًا، كما أنَّ عمدة نقل الشريعة موقوفٌ عليهم؛ فهم الذين نقلوا لنا القرآن بالقراءات المتواترة الثابتة الصحيحة، وهم الذين علَّموها ونشروها بين الخلق، وكذلك هم الذين كانوا أوَّلَ من تكلم بعد النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في بيان وتفسير كلام الله تعالى؛ من أمثال سيدنا عبدالله بن عباس، وابن مسعود - رضي الله عنهما - ووقفوا على بيان أسراره، وآدابه، وشريعته.
ثالثًا: لأنَّ الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ ليسوا مَعْدودين من أصحاب الفرق والمذاهب، ولا حتى الجماعات؛ لأنَّهم في الأصل هم الأمَّة،هم كلهم حِزْب واحد، سَمَّاه الله تعالى في كتابه: ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ﴾ [المجادلة: 22]، وجعَلهم - سبحانه وتعالى - ضِدًّا وندًّا لحزب وعسكر الشَّيطان، وعسكر الجاهلية الشركيَّة إلى يوم القيامة؛ فالمؤمنون كلُّهم حزب واحد؛ إنَّه حزب الله تعالى، ويَدٌ واحدة، وجماعة واحدة، كما ورَد أن "المسلمين أمَّة من دون الناس"، فهم الجماعة المقصودة في الأحاديث النبويَّة، وهم يدٌ على من سِواهم من الناس، فلا يعدُّ الصحابة فرقةً من الفرق، ولا جماعة من الجماعات إلاَّ أنَّهم جماعة المسلمين، وقائدهم ومعلِّمُهم نبيُّنا محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وإن أولى الناس بهذا الاتِّباع هم أهل السُّنة والجماعة الذين تميَّزوا عن سائر فِرَق أهل البدع والأهواء،فأهل السُّنة اليوم هم في خندق حقيقيٍّ كبير، وحربٍ ومكايد مختلفة المشارب،فأهل الكُفر أعداءٌ لهم، وأصحاب الفرق والضَّلالات والبدع كذلك أعداءٌ لهم.
بل وهناك من جِلْدتهم من هم أعداء لهم! وباسم الكتاب والسُّنة يتكلمون، والعلمانيُّون والمنافقون أعداءٌ لهم، وهكذاوقف الكلُّ لهم بالمرصاد يناصبهم العداء، ويكيد لهم الحقد والمكر.
قاعدتان في الفرق والجماعات:
وهنا - أيُّها الشباب - نبيِّن هاتين القاعدتين اللَّتين طالما نبَّهتُ عليهما كثيرًا، وهما في الأصل يهدمان كلَّ الفرق والمذاهب التي خالفَتْ سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين، ومنهجهم إلى يوم القيامة، جملة أو تفصيلاً، في طريقة ومنهج التلقِّي والاستدلال:
القاعدة الأولى: أن كلَّ فرقة من الفرق، وجماعةٍ من الجماعات - اليومَ - لها بدايةُ مَنْشأ وتأسيس، ولها تاريخٌ، ومؤسِّسٌ صاغ لها المنهج والتصوُّرات، ووضع لها الأصول والقواعد، وجمع لها الأدلَّة والشواهد لإثبات صحَّة مذهبه وطريقته، كما فَهِم هو من الإسلام.
وأهلُ السُّنة والجماعة ومن سار على طريقهم ليسوا كذلك.
فالخوارج لهم مبدأٌ وتاريخ، وكذلك المعتزلة والرافضة، والجهميَّة والقدرية، والأشاعرة والصوفيَّة المنحرفة والمبتدعة، كل هذه الفِرَق لها مؤسِّس، وتاريخٌ نشأَتْ فيه في مسيرة دعوة الإسلام الكبيرة.
حتَّى الجماعات الدعويَّة المعاصرة فيها وَجْهُ شبَهٍ بتلك القاعدة أيضًا، كالإخوان والتَّبليغ، والجماعة الإسلامية، وغيرها، مع فارق التوجُّه بينهم وبين فرق أهل الضلال والبدع السابق ذِكْرُهم، في كثيرٍ من المسائل والفروع، إلاَّ أن لهم بدايةً ومنشأً، وهذا ما أردتُ بيانه هنا، والتأكيد عليه.
أمَّا الصحابةُ فليسوا كذلك، ولا هم من أهل هذا الطريق؛ لأنَّهم وقفوا عند قوله تعالى: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7].
فليس الصحابةُ جماعةً، وليس لها فكرٌ ومنشأٌ ومؤسِّس، إنَّما هم جماعة المسلمين التي لا تَقْبل التفرُّق داخل صفوفها، إنَّهم أهل الإسلام الذي أقاموا شريعته حقَّ إقامته، وإنما هم أتباع النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -وهم المسلمون حقًّا وصدقًا.
القاعدة الثانية: أنَّ أصحاب الفرق والمذاهب لا يجعلون الدَّليل والنصَّ مذهبهم، يسيرون معه حيث سار، ويقفون معه حيث يقف، كلاَّ، بل هم على خلاف ذلك.
فهم يجتهدون ويُؤوِّلون، ويجمعون من الأقوال والآراء ما يرَوْن أنه الحقُّ والصواب، ثم يَجْمعون له من الأدلَّة والشواهد والنصوص ما يؤيِّد قولَهم ومذهبهم، ولو خالفوا فيه الكتاب والسُّنة! وهذا جليٌّ واضح، ولهذا لا يتغيَّرون عن أقوالهم، ولا أقوال أئمَّتِهم وأدلتهم، ولو طال بهم الزَّمان، إلاَّ أن يرَوْا في ذلك قوَّة ومصلحة لهم، فهم على قاعدة "تَمَذْهب ثم استدِلَّ".
وهذا - ولا ريب - مُخالف لما كان عليه الصحابة والسَّلف - رضي الله عنهم - فلقد نقل عن الأئمَّة الأربعة قولهم: "إذا خالف قولي أو مذهبي الحديثَ الصحيح، فاضربوا بقولي عُرْضَ الحائط"، فجعلوا الحديث والدليل هو عُمدتَهم ومذهبهم، إذا صحَّت النِّسبة فيه والسَّند، فساروا مع الدليل، ولهذا كان للإمام الشافعي - رحمه الله - مَذْهبان؛ القديم في العراق، والجديد في مصر، وجمع فيه كتابه "الأُمَّ" المشهور المعروف، والإمام أحمد كان له في المسألة قولان، وربما ثلاثة، وكثيرٌ على هذا الطريق من الأئمة والعلماء.
فيا أيها السالكون:
هذا هو طريق الدعوة إلى الله؛ المنهاج واضح، والطريق لائح،والحادي صائح، فهل أنتم متَّحِدون؟ وهل أنتم حقًّا في الإسلام راغبون؟ فإن كان الجواب: نعم، فلِمَ الاختلاف والتناحر؟ ولم الصياح والتشاجر؟! فهل أنتم معتصمون؟
[1] "مجموع الفتاوى": (ج3/ 346).
[2] "كتاب الزهد": لوكيع بن الجراح باب: من قال البلاء موكل بالقول.
[3] "الشريعة": الآجري.
[4] "الشريعة": الآجري.
من كتاب إليكم يا شباب الإسلام
تأليف
أبو شهاب الدين عاطف بن عبد المعز السلمي الفيومي
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/32934/#ixzz24pIggLxs
حصر مصدر التلقي والاستدلال
ومِمَّا لا بد منه أيضًا - يا شباب الإسلام - في صحة المنهج وسلامته: حصْرُ وضبط مصدرِ التلقِّي والاستدلال.
وأعني بهذا - يا شباب الإسلام -: أن يتحقَّق المسلم في منهجه ومتابعته وَفْق الكتاب والسُّنة، ومنهج وفَهْم سلف الأمة الصالح، في عقيدته وتوحيده، وفي عباداته ومعاملاته، وفي أخلاقه وسلوكه، وفي كلِّ شؤونه وأحواله.
ونعني بحصر وضبط مصدر التلقي أمرين:
الأوَّل: حصر مصدر التلقِّي والاستدلال والتربية في الكتاب والسُّنة:
بمعنى: أن يكونَ مصدَرُ ثقافتكم وفهمِكم، ومصدر منهجكم وعقيدتكم، وعبادتكم وأخلاقكم؛ هو الكتابَ والسُّنة، فلا نتلقَّف ثقافة مخالِفةً لشريعتنا من شرق أو غرب، ولا نتلقف ثقافة مشوبة بالبدع والأهواء، من فِرَق وأحزاب مختلفة، كما قال تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 123 - 126].
وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 7].
وقال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].
وقد روى البخاريُّ عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "أحسَنُ الحديث كتاب الله، وأحسن الهَدْي هدي محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشر الأمور مُحْدثاتها، وإنَّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بِمُعجزين".
وروى التِّرمذي عن المقدام بن معد يكرب، رفعَه: ((ألاَ هل عسى رجل يَبْلُغه الحديث عنِّي، وهو متَّكئٌ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله؛ فما وجدنا فيه حلالاً استحلَلْناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرَّمناه، وإن ما حرَّم رسول الله كما حرَّم الله)).
ولأبي داود: ((ألاَ وإنِّي أُوتِيتُ الكتاب ومثله معه، ألاَ يوشك رجل شبعان على أريكته...))؛ الحديث.
وفي خُطبة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "حجَّة الوداع" حثٌّ على التمسك بالكتاب والسنة؛ حيث قال: ((وقد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلُّوا أبدًا أمرًا بيِّنًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه))؛ رواه مالك.
بل إن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - غضب من أحد أصحابه يومًا، وقال له كلامًا شديدًا؛ لأنَّه قرأ مصدرًا آخر غير القرآن الهادي، والسُّنة الراشدة، ففي الحديث عن جابر، عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين أتاه عمر فقال: إنا نسمع أحاديث مِن يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: ((أمتهوِّكون أنتم كما تهوَّكَت اليهود والنصارى؟! لقد جئتُكم بها بيضاء نقيَّة، ولو كان موسى حيًّا ما وَسِعَه إلا اتِّباعي))؛ رواه أحمد والبيهقيُّ في كتاب "شُعَب الإيمان"، وحسَّنَه الألباني.
وفي رواية أخرى عن جابر بن عبدالله؛ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتى النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكتابٍ أصابه من بعض الكتب، قال: فغضِب وقال: ((أمتهوِّكون فيها يا ابن الخطَّاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتُكم بها بيضاء نقيَّة)).
إذًا عليكم أن تعلموا أنَّ في حصر وضبط مصدرِ التلقِّي والتربية على الكتاب والسنة؛ تصحيحًا للمسار، وضبطًا للمنهج؛ ذلك أن الشباب اليوم يرى واقع الأمة الإسلاميَّةِ الأليمَ، ويرى تشتُّتَ الجهود، ويرى تكالب الأمم والأعداء علينا من كلِّ حدب، كما أنه يرى حوله عددًا من الأفكار والاتجاهات، والفِرَق والجماعات، والمناهج والتصوُّرات، ويرى أيضًا التناقض في قواعد التربية والتوجيه، ووسائل التربية والتعليم.
فيقع الكثير منهم في شكٍّ وحيرة، واضطرابٍ في المنهج والتصوُّر، وتتعثَّر أقدامه، وتتأخَّر خطواته، وتَضْطرب اتِّجاهاته وأفكاره؛ وذلك لأنَّه لا يملك في نفسه منهجًا صحيحًا، يرشده ويقوِّمه، ولا يملك من العلم والإيمان والعقيدة رصيدًا كافيًا، يعرفه بغايته ورسالته، ومن هنا تزِلُّ قدمه، وتضطرب أفكاره، وتضيع منه معالِمُ الطريق الصَّحيح، إلى منهج الإسلام.
فلا سبيل اليومَ - أيُّها الشباب - إلى تصحيح مسار الأمة الإسلامية، وبناءِ الجيل المسلم من جديد، ودَفْعِ تكالب الأمم الكافرة عنَّا، إلاَّ أن نأخذ منهج الإسلام مِن مصدره الأوَّل الصحيح، وأصله الأصيل، وأعني بذلك "الكتاب، والسُّنة".
الثاني: مُوافقة منهج وفهم السلف الصالح:
ومعنى هذا: أن التلقِّي من الكتاب والسُّنة يكون وفق منهج وفهم السَّلف الصالح؛ انطلاقًا من الصحابة - رضي الله عنهم - ثم التابعين وتابعيهم بإحسانٍ، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في "مجموع الفتاوى": "أحقُّ الناس بأن تكون هي الفرقةَ الناجية "أهل الحديث والسُّنة"، الذين ليس لهم مَتْبوع يتعصَّبون له إلاَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمُهم تمييزًا بين صحيحِها وسقيمها، وأئمَّتُهم فقهاء فيها "وأهل" معرفةٍ بمعانيها، واتِّباعًا لها، تصديقًا وعملاً، وحبًّا، وموالاةً لمن والاها، ومعاداةً لمن عاداها، الذين يَرْوُون المقالات المُجْملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة؛ فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتةً فيما جاء به الرَّسول؛ بل يجعلون ما بُعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه"[1].
فلا يكفينا اليومَ متابعةُ الكتاب والسُّنة دون ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم؛ وذلك لعدَّة أمور مهمة:
أوَّلاً: لأن كل الفِرَق المنسوبة للإسلام اليوم تحتجُّ علينا بالكتاب والسنة، فإذا أردتَ تأصيل منهجٍ أو ردَّ بدعة أو مخالفةٍ ليس لها من الأدلة والنصوص ما يشهد لها أو يثبت شرعيتها، وجدنا هنا أصحابها يُوردون لنا من الأدلَّة وعمومياتها ما يُثبت صحَّة طريقتهم ومنهجهم في الدَّعوة إلى الله تعالى، أو يثبت صحَّة مذهبهم ومعتقداتهم التي يريدون لها أتباعًا وأنصارًا.
إذًا لا بدَّ من حُكْم فصل يَحْسم مسار الدعوة ومنهجها، ويقوِّم مسيرتها، إنَّه - ولا ريب - مسلك الصحابة - رضي الله عنهم - ومن تبِعَهم في القرون المفضَّلة الأولى، وهذا كما ذكرنا من قبل له من الشواهد والأدلة والبراهين من نصوص القرآن والسُّنة الكثير والكثير.
وحسْبُنا أن نورد هنا عدة منها:
أما الأدلة من القرآن والسُّنة فمنها ما يلي:
• فقد أوجب القرآنُ اتِّباعَ الصحابة - رضوان الله عليهم - ولزومَ طريقتهم، وتوعَّد مَن يخالف سبيلهم بالعذاب الأليم، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾[النساء: 117]، فهل كان المؤمنون عند نزول هذه الآية الكريمة إلاَّ هم؟ وقد دلَّت الآية على وجوب متابعة سبيل المؤمنين، والحذر من الوقوع في الوعيد لمخالفة هذا السبيل الذي سلَكوه.
ولِهذا جعلَهم النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -الميزان الحقَّ حين وقوع الفِتَن والافتراق في أمته كما جاء في الحديث المحفوظ المشهور؛ حديث الافتراق الذي وقعت فيه الأمم، والذي يقول فيه النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقةً، وافترقت النَّصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)) قيل: مَن هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي))، وفي بعض الروايات: ((هي الجماعة))؛ رواه أبو داود، والتِّرمذي، وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيحٌ على شرط مُسْلم، وكذلك قوله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].
• وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137].
هذا دليل صريحٌ في أن الذي كان عليه الصحابة - رضوان الله عليهم - هو الهُدَى والحقُّ، ومن اهتدى به فإنه على هُدًى، وعلى صراطٍ مستقيم، فالصحابة هم المعنِيُّون بما في الآية أولاً، ثم من سار على درْبِهم، واقتدى بهم من بعدهم ثانيًا.
• وتزكية النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لهم حيث قال: ((خير الناس قَرْنِي، ثم الذين يَلُونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قومٌ تسبق شهادةُ أحدِهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه))؛ متفق عليه، فهذه الآيات والأحاديث دليلٌ على أنَّهم على هدى وخير، وأنَّهم أهلٌ للاقتداء والاتِّباع.
•وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: "اتَّبِعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفِيتم، كل بدعة ضلالة"[2].
•وقال الأوزاعيُّ: "اصبر نفْسَك على السُّنة، وقِفْ حيث وقفَ القوم، وقُل بما قالوا، وكُفَّ عما كَفُّوا عنه، واسلك سبيل سلَفِك الصالح؛ فإنه يسَعُك ما وسِعَهم"[3].
•وكان الحسن البصريُّ في مجلس، فذُكِر أصحاب محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم -فقال: "إنَّهم كانوا أبَرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقَها عِلمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، قومًا اختارهم الله لصحبة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم؛ فإنَّهم - ورَبِّ الكعبة - على الهدى المستقيم"[4].
ثانيًا: لأنَّ الطريق إلى وحدة الأمة الإسلامية، والوقوف أمام المدِّ الجارف من كيد أعدائها، وتربُّصهم بها، وكذلك عصمتها من البدع والأهواء الناشئة من الفرق والجماعات، إنَّما يكون - هذا الطريق إلى الوحدة - حول الأصول والثوابت العاصمة من التفرُّق والتشرذم في شريعة الإسلام، وهذا أمر مقرَّر شرعًا وعقلاً؛ فالأصول في شريعتنا متَّفق عليها بين أهل السنة والجماعة، ولا خلاف فيها، وإلاَّ صار تفرقًا مذمومًا.
فأمَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -متفقة على أن اتِّباع الصحابة من الأصول الثابتة بنصوص الوحيَيْن المعصومين؛ الكتاب والسُّنة كما أسلفنا آنفًا، كما أنَّ عمدة نقل الشريعة موقوفٌ عليهم؛ فهم الذين نقلوا لنا القرآن بالقراءات المتواترة الثابتة الصحيحة، وهم الذين علَّموها ونشروها بين الخلق، وكذلك هم الذين كانوا أوَّلَ من تكلم بعد النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في بيان وتفسير كلام الله تعالى؛ من أمثال سيدنا عبدالله بن عباس، وابن مسعود - رضي الله عنهما - ووقفوا على بيان أسراره، وآدابه، وشريعته.
ثالثًا: لأنَّ الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ ليسوا مَعْدودين من أصحاب الفرق والمذاهب، ولا حتى الجماعات؛ لأنَّهم في الأصل هم الأمَّة،هم كلهم حِزْب واحد، سَمَّاه الله تعالى في كتابه: ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ﴾ [المجادلة: 22]، وجعَلهم - سبحانه وتعالى - ضِدًّا وندًّا لحزب وعسكر الشَّيطان، وعسكر الجاهلية الشركيَّة إلى يوم القيامة؛ فالمؤمنون كلُّهم حزب واحد؛ إنَّه حزب الله تعالى، ويَدٌ واحدة، وجماعة واحدة، كما ورَد أن "المسلمين أمَّة من دون الناس"، فهم الجماعة المقصودة في الأحاديث النبويَّة، وهم يدٌ على من سِواهم من الناس، فلا يعدُّ الصحابة فرقةً من الفرق، ولا جماعة من الجماعات إلاَّ أنَّهم جماعة المسلمين، وقائدهم ومعلِّمُهم نبيُّنا محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وإن أولى الناس بهذا الاتِّباع هم أهل السُّنة والجماعة الذين تميَّزوا عن سائر فِرَق أهل البدع والأهواء،فأهل السُّنة اليوم هم في خندق حقيقيٍّ كبير، وحربٍ ومكايد مختلفة المشارب،فأهل الكُفر أعداءٌ لهم، وأصحاب الفرق والضَّلالات والبدع كذلك أعداءٌ لهم.
بل وهناك من جِلْدتهم من هم أعداء لهم! وباسم الكتاب والسُّنة يتكلمون، والعلمانيُّون والمنافقون أعداءٌ لهم، وهكذاوقف الكلُّ لهم بالمرصاد يناصبهم العداء، ويكيد لهم الحقد والمكر.
قاعدتان في الفرق والجماعات:
وهنا - أيُّها الشباب - نبيِّن هاتين القاعدتين اللَّتين طالما نبَّهتُ عليهما كثيرًا، وهما في الأصل يهدمان كلَّ الفرق والمذاهب التي خالفَتْ سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين، ومنهجهم إلى يوم القيامة، جملة أو تفصيلاً، في طريقة ومنهج التلقِّي والاستدلال:
القاعدة الأولى: أن كلَّ فرقة من الفرق، وجماعةٍ من الجماعات - اليومَ - لها بدايةُ مَنْشأ وتأسيس، ولها تاريخٌ، ومؤسِّسٌ صاغ لها المنهج والتصوُّرات، ووضع لها الأصول والقواعد، وجمع لها الأدلَّة والشواهد لإثبات صحَّة مذهبه وطريقته، كما فَهِم هو من الإسلام.
وأهلُ السُّنة والجماعة ومن سار على طريقهم ليسوا كذلك.
فالخوارج لهم مبدأٌ وتاريخ، وكذلك المعتزلة والرافضة، والجهميَّة والقدرية، والأشاعرة والصوفيَّة المنحرفة والمبتدعة، كل هذه الفِرَق لها مؤسِّس، وتاريخٌ نشأَتْ فيه في مسيرة دعوة الإسلام الكبيرة.
حتَّى الجماعات الدعويَّة المعاصرة فيها وَجْهُ شبَهٍ بتلك القاعدة أيضًا، كالإخوان والتَّبليغ، والجماعة الإسلامية، وغيرها، مع فارق التوجُّه بينهم وبين فرق أهل الضلال والبدع السابق ذِكْرُهم، في كثيرٍ من المسائل والفروع، إلاَّ أن لهم بدايةً ومنشأً، وهذا ما أردتُ بيانه هنا، والتأكيد عليه.
أمَّا الصحابةُ فليسوا كذلك، ولا هم من أهل هذا الطريق؛ لأنَّهم وقفوا عند قوله تعالى: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7].
فليس الصحابةُ جماعةً، وليس لها فكرٌ ومنشأٌ ومؤسِّس، إنَّما هم جماعة المسلمين التي لا تَقْبل التفرُّق داخل صفوفها، إنَّهم أهل الإسلام الذي أقاموا شريعته حقَّ إقامته، وإنما هم أتباع النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -وهم المسلمون حقًّا وصدقًا.
القاعدة الثانية: أنَّ أصحاب الفرق والمذاهب لا يجعلون الدَّليل والنصَّ مذهبهم، يسيرون معه حيث سار، ويقفون معه حيث يقف، كلاَّ، بل هم على خلاف ذلك.
فهم يجتهدون ويُؤوِّلون، ويجمعون من الأقوال والآراء ما يرَوْن أنه الحقُّ والصواب، ثم يَجْمعون له من الأدلَّة والشواهد والنصوص ما يؤيِّد قولَهم ومذهبهم، ولو خالفوا فيه الكتاب والسُّنة! وهذا جليٌّ واضح، ولهذا لا يتغيَّرون عن أقوالهم، ولا أقوال أئمَّتِهم وأدلتهم، ولو طال بهم الزَّمان، إلاَّ أن يرَوْا في ذلك قوَّة ومصلحة لهم، فهم على قاعدة "تَمَذْهب ثم استدِلَّ".
وهذا - ولا ريب - مُخالف لما كان عليه الصحابة والسَّلف - رضي الله عنهم - فلقد نقل عن الأئمَّة الأربعة قولهم: "إذا خالف قولي أو مذهبي الحديثَ الصحيح، فاضربوا بقولي عُرْضَ الحائط"، فجعلوا الحديث والدليل هو عُمدتَهم ومذهبهم، إذا صحَّت النِّسبة فيه والسَّند، فساروا مع الدليل، ولهذا كان للإمام الشافعي - رحمه الله - مَذْهبان؛ القديم في العراق، والجديد في مصر، وجمع فيه كتابه "الأُمَّ" المشهور المعروف، والإمام أحمد كان له في المسألة قولان، وربما ثلاثة، وكثيرٌ على هذا الطريق من الأئمة والعلماء.
فيا أيها السالكون:
هذا هو طريق الدعوة إلى الله؛ المنهاج واضح، والطريق لائح،والحادي صائح، فهل أنتم متَّحِدون؟ وهل أنتم حقًّا في الإسلام راغبون؟ فإن كان الجواب: نعم، فلِمَ الاختلاف والتناحر؟ ولم الصياح والتشاجر؟! فهل أنتم معتصمون؟
[1] "مجموع الفتاوى": (ج3/ 346).
[2] "كتاب الزهد": لوكيع بن الجراح باب: من قال البلاء موكل بالقول.
[3] "الشريعة": الآجري.
[4] "الشريعة": الآجري.
من كتاب إليكم يا شباب الإسلام
تأليف
أبو شهاب الدين عاطف بن عبد المعز السلمي الفيومي
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/32934/#ixzz24pIggLxs
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع