لمسات السّحرِ في ما قيل عن الروائح والعطر (3)

طباعة الموضوع

تسابيح ساجدة

لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
إنضم
16 أكتوبر 2010
المشاركات
8,111
النقاط
38
الإقامة
المعهد
احفظ من كتاب الله
اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
هم كُثر ,,,
الجنس
أخت
لمسات السّحرِ في ما قيل عن الروائح والعطر (3)



تحدثنا في الجزء السابق من "لمسات السّحرِ في ما قيل عن الروائح والعطر" عن الهدي النبوي في استعمال الطِّيب، ثم الطِّيب للنساء من منظور الشرع في سؤال وجواب، فما رأيكِ يا أخيَّة، لو ترافقينني في جولة عطرة لنتعرَّف هذه المرة على:
استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك.

أنتِ وزوجكِ والعطر.

1- استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك:
وجب على المسلمة الغسل بعد انقطاع الحيض، لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة بنت أبي حبيش: «إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلاَةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي»[1]، بل وأوصى باستعمال فرصة من مسك للتطهُّر، وفي ما يلي إطلالة على هذا الهدي النبوي:
روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: « أنَّ امرأةً سَألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن غُسلها من المحيض، فأمرها كيف تغتسل، قال: «خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ، فَتَطَهَّرِي بِهَا» قالت: كيف أتطهَّر؟ قال: «تَطَهَّرِي بِهَا»، قالت: كيف؟ قال: «سُبْحَانَ اللَّهِ، تَطَهَّرِي» فاجْتَبَذْتُهَا إلَيَّ، فقُلتُ: تَتَبَّعِي بها أَثَرَ الدَّمِ»[2].

ويُذكر أن الفرصة هي قطعة من صوف أو قطن، وأمّا (تتبعي بها أثر الدم) أي:نظّفي بها ما بقي من الدم بتتبع أثره بقطعة من قطن عليها مسك.

يقول النووي في شرحه على مسلم موضِّحا استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك: «مستحبٌّ لكل مغتسلة من الحيض أو النفاس سواء ذات الزوج وغيرها وتستعمله بعد الغسل فإن لم تجد مسكا فتستعمل أي طيب وجدت، فإن لم تجد طيبا استحبَّ لها استعمال طين أو نحوه مما يزيل الكراهة -نص عليه أصحابنا- فإن لم تجد شيئا من هذا فالماء كاف لها، لكن إن تركت التطيُّب مع التمكُّن منه كُره لها، وإن لم تتمكَّن فلا كراهة في حقِّها والله أعلم[3].

وليس استخدام المسك عند الطهر تطييبا للمحل ودفعا للرائحة الكريهة فحسب، بل أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن للمسك فعالية في علاج بعض الأمراض الجلدية والتناسلية للإنسان والحيوان المتسببة عن الأحياء الدقيقة الممرضة.

تقول الدكتورة آمنة علي ناصر صديق في بحث قدمته لمؤتمر الإعجاز العلمي بالكويت عام 2006م: «إنَّ الأحياء المجهرية الممرضة تكثر أعدادها في فترة الحيض وقد أظهرت هذه الدراسة تأثير المسك في القضاء على هذه الميكروبات الممرضة وكانت النتيجة ايجابية بدرجة كبيرة»[4].

وتُشير الباحثة أيضا لدراسات أخرى تصبُّ في نفس الاتجاه، فتقول: إن التطهُّر بالمسك لاقتفاء أثر الدم يزيل الجراثيم الضارة بالإضافة إلى أنه يهيئ الظروف الطبيعية لتواجد عصوبات دودرلين التي تكبل نمو الجراثيم الضارة ويقف نشاطها ويحول دون تكاثرها، علاوة على أنها تحوِّل السكر إلى حمض اللبنيك وهو القاتل للجراثيم الضارة خاصة إذا ما اتبعت السنة النبوية الشريفة في التطهُّر بالمسك فهو فضلا عن طيب رائحته قاتل للجراثيم[5].

2- أنتِ وزوجكِ والعطر:
يا أخيّتي الحبيبة، لقد أودع الخالق فيكِ جمالا مكنونا وجاذبية لا تُقاوَم، فقال في محكم تنزيله ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ ﴾ [آل عمران: 14]، وجعل بذلك نفْس الرجل ميّالة لكِ مستأنسة بكِ، ورغّب في الزواج وجعله سبيلا للعفّة وتنظيم العلاقة بين الجنسين، وسدّا منيعا أمام سيل الانحرافات والفتن وما أكثرها!

اعلمي -يرحمك الله- أن الإسلام قد رغّب في الزواج لما يترتَّب عليه من آثار على الأفراد والجماعات على حد سواء، يقول عز وجلّ وهو أصدق القائلين: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، وتتعدّد الحكمة من الزواج فهو فطرة إلهية وسُنّة نبوية ووسيلة لاستمرار الحياة بتكثير النسل والحفاظ على الجنس البشري، وهو أيضا يحفظ الإنسان من الزنا والوقوع في الفاحشة والرذيلة، وذلك بإرواء الغريزة الجنسية وإشباعها.

إن الزوجة الحصيفة الذكية تحاولُ جاهدة إرضاء زوجها، وتحرص على وسامتها وجمالها وإبراز محاسنها ومفاتنها أمام بعلها.

فما محلّ حديثنا عن الطّيب من إرواء هذه الغرائز الطبيعية في الإنسان؟


إنّكِ -يا رعاكِ الله- تحتاجين لمهارة التزيّن والتجمُّل أمام زوجك بالملبس الحسن ونظافة الجسم، وإن تطيّبك يعدّ من أقوى الأسباب التي توجب الألفة والمحبة بينكِ وبين زوجك، فلتعلمي أن اختيارك للعطر في حدّ ذاته فنٌّ وذوق، مثلما تختارين ملابسك وحليّك وما تتزيّنين به، والأوْلى أن تُشركي زوجك في انتقاء العطر، وأن تحافظي على أفضل عطر تشعرين برغبة زوجك به، فالزوج يحبُّ هذا النوع من العطر أو ذاك، ويتحسَّس الروائح الطيّبة يا طيّبة.

لقد أثبتت الدراسات الحديثة[6] مدى تأثير الروائح والزيوت العطرية في الإثارة والنشاط الجنسيين وترسيخهما، وفي منح الجاذبية التي لن يقاومها الزوج، فلا بدَّ أن تعلمي -أختي في الله- أن المهارة الحِسّية أثناء قُربك من زوجك هي من أهم الطرق التي تكسبينه بها، فحياتك الحميمية مع زوجك مبنية على بعض الركائز، وإحساسُ الشمّ أحدها.

إذْ بعد أن يتمّ التقاط الروائح عبر عضو الشم، تعمل الإشارات الكهربية على إيداع جانب من دلالتها في القسم الشمي من المخ وتلك البيانات لا تبقى في أعالي الإدراك خاملة جامدة، بل تحوّل إلى رد فعل ايجابي يوثّق علاقتك بزوجك.

ومن ثمة، فلتعزيز الشعور الرومنسي عند الشريكين ليس أفضل من سحر العطور الأخّاذ، إضافة إلى الزيوت الأساسية الطبيعية ذات الروائح العطرية الأخّاذة، والتي تُستعمل باعتدال وحرص شديد.

ولقد تفطّنت نساءُ العرب إلى هذا الأمر، إذ حكَت العرب[7] أنه بلغ الحارِث بن عَمْرو الكِنْديّ عَن بنت عَوْف بن الكِنْديّ -وهو الذِي يُقال فيه لا أحد يشبه عوفاً جمالا- فطلبها من أبيها، ولمَّا حَان أَن تحمل إليه، دخلت إليها أمّها أمامة لتوصيها فقالت: «يَا بنيَّة إِن الوصيّة لو ترُكت لعقل أو أدب أَو مكرمة وحسب، لتُركت لكِ، ولكن الوصيَّة تذكرة للعاقل ومنبهة للغافل» ثم وصّت ابنتها بالتزام عشر خِصال والحفاظ عليها، فكان ممّا قالته: احفظي مني عشر خِصال تكن لكِ ذِكرا، أما الأولى والثَّانية والثَّالثة وَالرَّابعة فلا تقع عيناهُ منكِ على قبيح ولا يشمّ أَنفه منكِ إِلَّا أطيب ريح، واعلمي أنّ الماء أطيب الطّيب المفقود وأنّ الكحل أحسن الحسن الموجود»، فانظري -يا رعاكِ الله- كيف قدّمت الأم وصيّة مُراعاة الزوج في أمر التطيّب، على ثمانية من الوصايا!

وقالت العرب في أمثالها: «لا عِطْرَ بعد عَرُوس، لا مَخْبَأَ لِعِطْرٍ بَعْدَ عَرُوسٍ »[8]، ويُضرب هذا المثل لمن لا يُدَّخَرُ عنه نَفيس، ولم تختر العرب لا الحليّ ولا الخِضاب ولا أنواع الزينة الأخرى، بل كان العطرُ هو أهمّ ما يميّز العروس.

وفي عصرنا استُحدث علم جديد يُعنى بدراسة تأثير الروائح على نفسية الإنسان وعواطفه وسلوكه، وهو ما يُسمّى بـ (Aromachologie/ Aromachology).

فلتلتفتي أختي الحبيبة للطِّيب وأهميته في حياتكِ، وبهذا تُعينين زوجك على غضِّ بصره وصرف فكره عن غيرك، خصوصا مع ما نراه من مُغريات عبر المجلاّت والفضائيات، وكثرة الفواحش والمنكرات، فما حولكِ أخيّتي يعجّ بكل أنواع المفاتن التي تهيّج المخدّر من المشاعر، فحاولي أن تهيّئي لزوجك أسباب الرّاحة، فيصير اللِّقاء بإلفك ماتعا، فيه كثير من الأنس والروائح الطيّبة يا فاضلة!

ولتعلم الفتاة المسلمة التي لم تلتحق بعد بعش الزوجية، أن الشرع أباح لها التزيّن بين أهلها وبين النساء من حولها، إذْ لم يثبت نهيٌ عن ذلك للمرأة غير المتزوجة[9]، والزينة اسم شامل، بما في ذلك الطيّب، بل هو يُكمّل الزينة ويحقِّقها في أسمى درجاتها.


وللحديث بقيَّة -في الجزء الرابع- إن شاء الله.


[1] صحيح البخاري،1/71.

[2] صحيح البخاري،1/70، وورد في صحيح مسلم: « أن أسماء سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن غُسل المحيض؟ فقال: «تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا، فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا» فقالت أسماء: وكيف تطهَّرُ بها؟ فقال: «سُبْحَانَ اللهِ، تَطَهَّرِينَ بِهَا» فقالت عائشة: كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ» صحيح مسلم، 1/261.


[3] النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1392، 4/14.


[4] آمنة علي ناصر صديق، صور من الإعجاز العلمي لاستخدام المسك كمضاد حيوي للفطريات والخمائر المسببة لبعض الأمراض للإنسان والحيوان والنبات، مؤتمر الإعجاز العلمي بالكويت عام 2006م، مجلة الوعي الإسلامي، الكويت (مجلة الكترونية تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية).

[5] آمنة علي ناصر صديق، صور من الإعجاز العلمي لاستخدام المسك كمضاد حيوي للفطريات والخمائر المسببة لبعض الأمراض للإنسان والحيوان والنبات.

[6] يراجع في هذا الباب:
أحمد توفيق حجازي، موسوعة العطور والعناية بالجمال (رائحة زكية، علاج، وقاية، جمال فاتن) دار أسامة للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2000م، 40.
بيت فرون، بالاشتراك مع: أنطوان فان أمرو نغين وهانر دي فرايز، الرائحة أبجدية الإغواء الغامضة، ط1، كلمة، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، 1413 هـ / 2010 م، 209، 223،226.
وداد لوتاه، سري للغاية، المعاشرة الزوجية : أصول وآداب، 125.
- Jean Ann Graham ,The psychology of fragrance and aromatherapy , Poucher's Perfumes, Cosmetics and Soaps , Hilda Butler , Editor and Consultant to the Cosmetic Industry , KLUWER ACADEMIC PUBLISHERS DORDRECHT / BOSTON / LONDON , 749.


[7] ينظر :أبو هلال العسكري، جمهرة الأمثال، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1 / 572.


[8] ورد أكثر من مورد لهذا المثل من ذلك أن رجلا تزوج امرأة، فأهديت إليه، فوجدها تَفِلة، فقال لها: أين الطيب؟ فقالت: خبأته، فقال لها لا مخبأ لعطر بعد عروس، فذهبت مثَلاً، ينظر: الميداني، مجمع الأمثال، تحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 2 / 211.

[9] ينظر: فتاوى على الدرب لفضيلة الشيخ ابن باز يرحمه الله، إجابة على سؤال: (هل للفتاة غير المتزوجة أن تتزيَّن وتضع على وجهها المكياج إذا كانت لا تخرج ولا تُقابل الرجال الأجانب؟).
المصدر الألوكة​
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى