بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم وبارك على عبده و رسوله محمد , و على آله وصحبه أجمعين ..
النعيم الموجود في الجنة لا يوصف , عجيب !!
وإذا دخل أهل الجنة الجنة فإنهم يكلمون الله تعالى ويقولون له : ربنا أعطيتنا ما لم تُعطِ أحداً من العالمين ..
فيقول : لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا .. أي شيء أفضلُ من هذا ؟! فيقول : رِضــايْ ..
فلا أسخط عليكم بعده أبدا لن تحصل على نعمةٍ أجَلّ ولا أعظم ولا أحلى من رضوان الله تعالى
فإذا كنتَ أنت ممن رضي الله عنه .. فهنيئاً لك وبارك الله لك في هذه العطيّة
بقي أن نعرف ماذا يجب علينا أن نفعله الآن بعد هذه النعمة العظيمة !
كيف تتعامل مع الله إذا رَضِــي ؟؟!!
في البداية لو سأَلَنا سائل فقال : كيف أعرف هل الله عزّ وجلّ راضي عني أم ليس براضٍ عني ؟!
بعض الناس يربط رضا الله عزّ وجلّ بعطاء الدنيا , فإذا رأوا إنساناً أُعطيَ مالاً أو منصباً , قالوا له :
الله يحبك ..
أعطاكَ كذا وكذا أو إذا رأوا إنساناً مثلاً نجـا من مصيبة .. قالوا فلان نجا بأُعجوبة .. ربنا يحبه ..
ما دخل الدنيا بمحبة الله ورضاه ؟!
لو كانت الدنيا هي علامة الرضا .. لمَا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينام على الحصير ,
ويرقع ثوبه بنفسه ,وتمرُّ عليه ثلاثة أشهر غالب طعامه فيها التمر والماء
إذاً ما هي علامة الرِضا ؟
إذا رأيت الله تعالى يُسَـهِّلُ لك فعل العبادات , وترك المحرمات , وأنّك تزيد في إيمانك وقربك
من الله تعالى ..
فهذا دليلٌ على تزايد رضا الله عنك فالمسألة سهلة بسيطة .. إذا كنتَ على طاعة .. فالله راضٍ عنك ..
ولماذا يغضب عليكِ !؟
ولكن بشرط ! .. أن يكون ذلك مع رجاء وحسن ظن بالله عزّ وجلّ بدون اغترار
كيف بدون اغترار ؟؟
بعض الناس إذا أحسّ بفضل الله عليه ومنّته بالطاعة و الهداية .. بدأ يغتَرّ و يأمن وكأنه قد أُعطي
خطاباً من السماء بأنه من أهل الجنة . فيعتبر نفسه من خواص المسلمين وليس من العوامْ ,
ويرى في نفسه فضلاً وصلاحاً .. ولعلّه لا يتكلم بذلك , لكنّه يحسُّ به ,
هذا كله من العُجب والغرور بالله عزّ وجلّ
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ }
سورة الانفطار : 6
إذاً ما هو المطلوب ؟!
المطلوب أن تنسب الفضل لله وحده .. فهو الذي له المنّة أن وفقكَ للعمل الذي
هو يرضيه سبحانه
إذاً رضا الله هو منّةً من الله علينا وليس جهداً منّا الله تعالى هو الذي أعطانا هذا الرضا ..
فضلاً منه وليس استحقاقاً
قال تعالى: { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواۖقُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمۖ بَلِ اللَّـهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ
هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
سورة الحجرات : 17
قد يقول قائل : ربما أهتم بمعرفة كيفية التعامل مع الله إذا غضِبْ ؛ لأني أخشى عقابه
لكن إذا كان الله قد رضي .. فلماذا أعرف كيف أتعامل معه إذا رضي ؟
ما الذي سأحتاجه الآن ؟؟ أنا لا أحتاج شيئاً .. الله راضي عني
لا , أنت الآن تحتاج أن تكون أكثر دقّـة في التعامل مع الله .. أكثر من ذي قبل ؛ لأن الوصول
إلى الرضا شيء ,والمحافظة عليه شيء آخر
الوصول إلى رضا الله عزّ وجلّ سهل .. ربنا سبحانه يرضى بسرعة ..
لأنه كريم ورحيم .. ولكن الثبات على رضا الله عزّ وجلّ هو الصعب
قال تعالى : { يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ }
سورة إبراهيم : 27
سأضرب لك مثال : شخص لا يعرف الوزير ولم يدخل مكتبه قـطّ ..
فحصلت له ترقية وعينوه مديراً لمكتب الوزير ..
لا شك أنه الآن يريد أن يتعلم ما الذي يحبه الوزير وما الذي لا يحبه .. وما هي أوقاته المناسبة
إذا أردت أن أدخل عليه ,وما هي أوقاته غير المناسبة ..
فإن قال له قائل : انتظر , انتظر .. أنت لم تكن تسأل عن هذه الأمور ولم تكن مهمةً لك في السابق ..
لماذا تحرص عليها الآن ؟!
سيقول له بلا تردد : طبعاً سأهتم بها الآن , أنا حصلت على منصب جديد ولا أريد أن
أخسر هذا المنصب الذي كسبتُهُ !
و لله المثل الأعلى
, نحن أيضاً إذا رضي الله عنّا يجب أن علينا أن نحافظ على هذه المكانة وأن لا نخسرها
حسناً ماذا أفعل ؟
هذا هو سؤالنا .. كيف تتعامل مع الله إذا رضي !؟
أولاً قبل كل شيء , اِرضَ عنه , كما رضيَ هو عنكْ , قال تعالى: { رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }
سورة المائدة : 119
ارضَ بهِ إلهاً لك لا شريك له , فأنت راضٍ بعبوديتهِ وراضٍ بطاعتهِ وراضٍ بأخبارهِ التي حكاها لكْ ,
وراضٍ بدينه
وكتابهِ وبنبيه صلى الله عليه وسلم , إن فعلتَ ذلك سيحدث أمرٌ عظيم .. تدري ماذا سيحدث ؟!
يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من رضي بالله ربا و بالإسلام دينًاوبمحمد نبيًا ورسولا
وجبت له الجنة ) رواه النسائي
يُصبحُ من أهل الجنة .. كن هكذا .. قل : يارب الذي تأمرني فيه أنا راضٍ به ,
الذي تنهاني عنه أنا راضٍ بتركه ,
فالذي يُرضك يُرضيني , والذي تحبه أحبهُ ليس هذا فقط .. بل اِرضَ بما قسمه الله لك ..
ارضَ بجسمك , ارضَ بأبنائك ,ارضَ بالبلد التي تعيش فيها , ارضَ بمستوى معيشتك ؛
إن استطعتَ أن تزيد في الخير افْعَلْ , لكن في النهاية أنت في تمام الرضا عن الله .
وهذا الرضا عمل ولكنه ليس عملاً للجسد , بل هو عملٌ للقلب , وعمل القلب أفضل
وأهم من عمل الجسد وكلاهما مطلوب فإذا بدأ قلبك يطبّق ذلك فستشعر
بإحساس يسمّى السرور بالله
نعم .. ستشعر بالفرح أول ما تطبق هذا الرضا . يقول ابن القيم رحمة الله عليه :
ثمرة الرضا الفرح والسرور بالرب
تبارك وتعالى والرضا عن الله هو طريق يوصل إلى رضا الله تعالى
ولكنه طريق يتميز بأنه مختصر جداً إذا كان غيرك يعمل الكثير لكي يصل إلى الله ,
فإن هذا الباب يوصلك إلى الله بجهدٍ أقل وحسنات أكثر
من لي بمثل سيرك المُدَلّلِ *** تمشي رويداً وتجيء في الأولِ
يقول ابن القيم
إذا أعطى الله العبد القليل من الرزق , ورضي العبد عن ربه بأنه أعطاه فقط القليل ,
فإن الله تعالى بالمقابل سيرضى عن العبد بالقليل من العمل بحيث يعمل العبد أعمالاً
قليلة ويدخل الجنة .
والجزاء من جنس العمل
أمر ثاني في التعامل مع الله عزّ وجلّ , إذا رضي الله عنك فإن أهم تعامل تحرص عليه الآن
, هو أن تصبر علىرضاه , رضا الله عزّ وجلّ يحتاج إلى صبر .. فعليك أن تصبر على أوامرهِ ,
أن تصبر على النواهي , أن تصبر على
أقدار الله المؤلمة , هذا كله يحتاج إلى صبر , والناس في الدنيا يصبرون على أشياء
كثيرة يصبرون على رضا المدير
والمسؤول .. تجد موظف يحضر في كل يوم مبكراً إلى العمل , فقط لكي يُرضي المسؤول
.وينجز الأعمال بسرعة , فقط لكي
يُرضي المسؤول نحن والله من باب أولى أن نصبر على رضا الله تعالى ,
وأن نسرع إلى رضاه
موسى عليه السلام يستعجل بالطاعة ثم يقول: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ }
سورة طه :84
مع أن موسى عليه السلام رسول من أفضل الرسل ولكنه مع هذا يستعجل رضا الله تعالى ,
فحتى لو كان الله راضٍ عنك ,اسَتعجِل رضاه ..فابحث عن الأشياء التي ترضيه وافعلها
بسرعة مثلاً : اذهب إلى أمك أو أبيك وتأكد بأنهما
راضيين عنك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( رضى الرب في رضى الوالد،
وسخط الرب في سخط الوالد )
رواه الترمذي
أيضاً بعد كل أكل وكل شرب احمد الله تعالى .. قل : الحمد لله
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليرضى عند العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ,
أو يشرب الشربة فيحمده عليها )
رواه مسلم
وهكذا .. احرص على أن تحافظ على هذا المكتسب الذي حصلت عليه ,
لأن رضوان الله عزّ وجلّ لا يُعطى لأي أحد , يعني مثلاً لو الملائكة الآن أعطت إنساناً قطعة
أرض في جنة الفردوس الأعلى ..
وهو الآن في الدنيا حصل على قطعة أرض في الجنة ..
هل سيتركها ؟
مستحيل ,, سيحافظ عليها بروحه ودمه حسناً .. رضوان الله تعالى
أفضل من الجنة كلها
هذا كلام الله .. انظر في سورة التوبة عندما ذكر الله نعيم الجنة ماذا
قال في آخر الآية .. قال:
{ وَعَدَ اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ أَكْبَرُۚ ذَٰلِكَ هُوَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ﴿٧٢﴾
وانتهت الآية .. هل لاحظت ؟ رضوان الله أكبر من نعيم الجنة !
تمسّك بهذا الرضوان , لا تترك الشيطان يسحبه من يدك فإنه إذا رأى أن الله تعالى قد رضي عنك ,
أُصيب بغيرة شديدة
واشتعل فيه الغضب والحسد .. لأنه وعد الله من فترة طويلة بأن يُبعد الناس عن الله ,
ويبعدهم عن سبيله , فتركه الله وشأنه ..
تأتي أنت وتفسد عليه خطته !! سينفجر غاضباً, ربنا تعالى يحب ذلك , يحب أن تُغيظ عدوّه
قال تعالى في مدح المؤمنين :{ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَبِهِمُ الْكُفَّارَ } الفتح :29
فلنتعاهد الآن على أن ندخل في رضوان الله تعالى الذي هو منتهى السعادة
موعدنا إن شاء الله .. في الجنة بإذن الله
رابط جاهز للطباعة