الصحبة الطيبة
عضو مميز
- إنضم
- 16 أبريل 2013
- المشاركات
- 199
- النقاط
- 16
- الإقامة
- القاهرة - مصر
- الموقع الالكتروني
- nasrtawfik.blogspot.com
- احفظ من كتاب الله
- اللهم أعينني علي دوام التلاوة والتدبر وحفظ القرآن كاملا
- احب القراءة برواية
- حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- محمد صديق المنشاوي والحصري والسديسي
- الجنس
- أخ وأسرتي
أمة لا تعرف قدر نبيها
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عيده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَ لُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار .
ثم أما بعد : فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة وزكى الله هذه الأنفس ، وشرح الله هذه الصدور وطبتم جميعا أيها الآباء الفضلاء وأيها الأخوة الأعزاء ، وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً وأسال الله العظيم الكريم جل وعلا الذى جمعنا وإياكم فى هذا البيت المبارك على طاعته ، أن يجمعنى وإياكم فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته إنه ولى ذلك والقادر عليه .
أحبتى فى الله :
(( أمة لا تعرف قدر نبيها))
هذا هو عنوان لقاءنا مع حضراتكم فى هذا اليوم الكريم المبارك ونظراً لأن الحديث فى هذا الموضوع ذو شجون فسوف أركز الحديث مع حضراتكم تحت هذا العنوان فى العناصر التالية :
أولا : وإنك لعلى خلق عظيم .
ثانيا : القرآن يربى ويعلم .
ثالثا : الواقع خير شاهد .
وأخيرا : هذا هو الحب أيها المحب .
فأعرنى قلبك وسمعك أيها الحبيب سائلا المولى جل وعلا أن يجعلنى وإياكم جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولى الألباب .
أولا : (( وإنك لعلى خلق عظيم ))
روى الطبرانى عن عبد الله بن سلام بسند رجاله ثقات أن زيد بن سعنه -وهو الحبر الكبير من أحبار يهود - قال : ما من شىء من علامات النبوة إلا وقد عرفته فى وجه محمد حين نظرت إليه إلا إثنتين الأولى : يسبق حلمه جهله ، والثانية : لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً يقول زيد بن سعنه : فخرج رسول الله يوماً من الحجرات مع على بن أبى طالب وإذ برجل من الأعراب يقبل على النبى ويقول يا رسول الله إن قومى فى قرية بنى فلان قد دخلوا الإسلام ولكنهم دخلوا فى الإسلام طمعاً ، فلقد أخبرتهم أنهم إن دخلوا فى الإسلام أتاهم رزقهم رغداً وقد نزلت بهم اليوم شدة وقحط فأخشى أن يخرجوا من الإسلام طمعاً كما دخلوا فى الإسلام طمعاً فإن رأيت أن ترسل إليهم بشىء تغيثهم به فعلت يا رسول الله ، فالتفت الحبيب المصطفى صاحب الخلق إلى على بن أبى طالب وسأله (( هل عندنا شىءٌ من المال ؟)) .
فقال على بن أبى طالب : لا والله يا رسول الله لقد نفذ المال كله .
يقول زيد بن سعنه : فدنوت من محمد وقلت له : يا محمد هل تبيعُنى تمراً معلوماً فى حائط بنى فلان إلى أجلٍ معلوم ، فقال النبى (( نعم أبيعك تمراً معلوماً إلى أجلٍ معلوم لكن لاتسمى حائط بنى فلان )) فوافقت على ذلك ، وأعطيت النبى ثمانين مثقالا من الذهب ، يقول زيد بن سعنه : فأخذها النبى كلها وأعطاها لهذا الأعرابى وقال (( اذهب إلى قومك فأغثهم بهذا المال )) فانطلق الأعرابى
بالمال كله ، ولم يمض غير قليل من الوقت، ورسول الله مع أبى بكر وعمر وعثمان ونفر من أصحابه بعد أن صلى جنازة على صاحب له وأتى إلى جدار ليجلس إليه فى ظله فاقترب منه زيد بن سعنه ونظر إلى النبى بوجه غليظ وأخذ بقميص النبى وردائه وهز الحبر اليهودى رسول الله هزاً عنيفاً وهو يقول له : (( أَدِّ ما عليك من حق ومن دَيْنٍ يا محمد ! ، فوالله ما علمتكم يابنى عبد المطلب إلا مُطلاً فى أداء الحقوق وسداد الديون .
فالتف إليه عمر بن الخطاب وعينه تدور وقال له : يا عدو الله أتقول لرسول الله ما أسمع وتفعل برسول الله ما أرى ؟!! والذى نفسى بيده لولا أنى أخشى فوته وغضبه لضربت رأسك بسيفى هذا .
يقول زيد بن سعنه : وأنا أنظر إلى النبى وإذا بالنبى ينظر إلى فى سكون وهدوء ، ثم التفت المصطفى إلى عمر بن الخطاب وقال له : (( يا عمر لقد كنت أنا وهو فى حاجة إلى غير ذلك ، يا عمر لقد كان من الواجب عليك أن تأمرنى بحسن الأداء وأن تأمره بحسن الطلب .... )) فبهت الحبر أمام هذه الأخلاق السامية ، وأمام هذه الروح الوضيئة العالية من الحبيب المصطفى بأبى هو وأمى .
أتدرون ماذا قال الحبيب صاحب الأخلاق العظيمة ؟
التفت الحبيب إلى عمر رضى الله عنه وقال :
(( يا عمر خذه وأعطه حقه وزده عشرين صاعاً من تمرٍ جزاء ما
روعته !! ))
يقول زيد بن سعنه : فأخذنى عمر بن الخطاب وأعطانى حقى وزادنى عشرين صاعاً من تمر .
فقلت له : ما هذه الزيادة يا عمر ؟!
فقال : أمرنى رسول الله أن أزيدكها جزاء ما روعتك !!
فالتفت الحبر اليهودى إلى عمر وقال : ألا تعرفنى ؟
قال : لا ، قال : أنا زيد بن سعنه .
قال عمر : حبر اليهود ؟! قال : نعم .
فالتفت إليه عمر وقال : فما الذى حملك على أن تقول لرسول الله ما قلت ؟ وعلى أن تفعل برسول الله ما فعلت ؟
فقال زيد : والله يا ابن الخطاب ما من شىء من علامات النبوة إلا وقد عرفته فى وجه رسول الله حين نظرت إليه ولكننى لم أختبر فيه خصلتين من خصال النبوة .
فقال عمر : وما هما ؟
قال حبر اليهود : الأولى : يسبق حلمه جهله ، والثانية : لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً أمـا وقد عرفتها اليوم فى رسول الله فأشهدك يا عمر
أنى : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
أيها الأحبة :
ماذا أقول أمام هذه الأخلاق ؟! وبأى لغة أعلق ؟!
وأنا أسأل الآن وأقول : هل فى لغة البشر ما أستطيع أن أعبر به عن هذه الأخلاق السامقة ؟ ورب الكعبة فلا !!
فلندع المشهد يتألق سمواً وروعةً وجلالاً ولتردد معى أيها المحب للحبيب المصطفى هذه الشهادة العظيمة من خالقه جل وعلا : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) .
وروى ابن اسحاق بسند صحيح مرسلا وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد : أخرجه الطبرانى عن أنس ورجاله رجال الصحيح من حديث عروة بن الزبير أن عمير بن وهب أُسِرَ ولده وهب بن عمير فى غزوة بدر فجلس عمير بن وهب مع صفوان بن أمية وكان على الكفر والشرك ، جلساً إلى جوار الكعبة فتذكرا يوم بدر فقال عمير بن وهب لصفوان بن أمية : والله لولا دَيْنٌ
على وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدى ، لركبت إلى محمد لأقتله ، فإن لى قبلهم علة ، ابنى أسيرٌ فى أيديهم ، فاغتنمها صفوان بن أمية وقال : علىَّ دَيْنُك أنا أقضيه عنك ، وعيالك مع عيالى ، لا أمنع شيئاً عنهم .
فقال له عمير : فاكتم شأنى وشأنك ، قال : أفعل
فانطلق عمير إلى المدينة وقد شحذ سيفه وسَّمه ، فلما أناخ راحلته على باب المسجد رآه الفاروق الملهم عمر بن الخطاب متوشحاً سيفه .
فقال عمر : هذا عدو الله عميرُ بن وهب والله ما جاء إلا لشر .
ثم أخذ عمر بحمالة سيفه فى عنقه فلببَّه بها ثم أدخله على رسول الله
فقال النبى : أرسله يا عمر ، ثم قال : ادن ياعمير ، فدنا من رسول الله ثم قال له رسول الله : ما الذى جاء بك يا عمير ؟
فقال : ابنى أسيرٌ فى أيديكم جئت لتحسنوا فى فدائه .
فقال النبى : أصدقنى يا عمير ، مالذى جاء بك ؟
قال : ما جئت إلا لهذا .
فقال النبى : فما بال السيف فى عنقك ؟
فقال عمير بن وهب : قبحها الله من سيوف ، وهل أغنت عنا شيئاً يوم بدر ؟!
فقال : (( أصدقنى يا عمير مالذى جاء بك ؟ ))
قال عمير : ما جئت إلا لذلك .
فقال النبى : ((بل جلست أنت وصفوان بن أمية فى حجر الكعبة فذكرتما أهل بدر من قريش ، ثم قلت لصفوان : لولا دين علىّ وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدى ، لركبت إلى محمد لأقتله ، فتحمل لك صفوان بدَيِنكَ وعيالك ، على أن تقتلنى ، والله حائل بينك وبين ذلك ...))
الله أكبر
فقال عمير بن وهب : أشهد أنك لرسول الله فوالله هذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ، فوالله إنى لأعلم أنه ما أتاك به إلا الله ، فالحمد لله الذى هدانى للإسلام ، وساقنى هذا المساق ثم شهد شهادة الحق ، فقال رسول الله : (( فقهوا أخاكم فى دينه وأقرؤوه القرآن ، وأطلقوا له أسيره ))
هل فى لغة البشر ما أستطيع أن أعبر عن هذه الأخلاق السامية ؟!
وروى الإمام أحمد بسند صحيح من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أنه قال : لما قسم النبى الغنائم يوم حنين أعطى لقومه من قريش ولسائر العرب ولم يعط الأنصار من الغنائم شيئا حتى وَجَدَ الأنصار فى أنفسهم على رسول الله حتى قال قائلهم : والله لقد لقى رسول الله قومه ، فلما سمع سعد بن عبادة الأنصارى هذه العبارة انطلق إلى الحبيب المصطفى وقال : يا رسول الله بأبى أنت وأمى لقد وَجَدَ الأنصار عليك فى أنفسهم .
فقال النبى : فيما يا سعد ؟
فقال سعد : لأنك قسمت الغنائم وأعطيت قومك من قريش وأعطيت سائر العرب ولم تعط الأنصار .
فقال النبى : ((اجمع لى الأنصار يا سعد )) فجمع سعد بن عبادة الأنصار رضوان الله عليهم وخرج النبى على الأنصار وقام النبى خطيبا فى الأنصار :
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : (( يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالةً فأغناكم الله ، وأعداءً فألّف الله بين قلوبكم ))
فسكت الأنصار فالتفت إليهم نبينا الحبيب المختار وقال :
(( آلا تجيبون يا معشر الأنصار ))
فقالوا : ماذا نقول وبماذا نجيب ؟! المنَّ لله ولرسول الله
فقال الحبيب المصطفى : (( والله لو شئتم لقلتم فصدقتم : جئتنا طريداً فآويناك وعائلاً فواسيناك ، وجئتنا مخذولا فنصرناك ، وجئتنا خائفاً فآمنَّاك))
فقال الأنصار : (( المن لله ورسوله ))
فقال النبى : (( يا معشر الأنصار لقد وجدتم فى أنفسكم علىّ فى لعاعة تألفت بها قلوباً دخلت الإسلام حديثاً ، ووكلتكم أنتم إلى ما منَّ الله عز وجل به عليكم من الإسلام ، يا معشر الأنصار : أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير إلى رحالهم ، وتذهبون أنتم برسول الله إلى رحالكم ، يا معشر الأنصار : والله لو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار : والله لو
لا الهجرة لكنت رجلا من الأنصار ، فاللهم ارحم الأنصار ، وابناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار ))(1) .
فبكى الأنصار رضوان الله عليهم وأرضاهم وارتفعت أصواتهم بالبكاء واخضلت لحاهم وقالوا على لسان رجل واحد لصاحب الأخلاق السامية : رضينا بالله رباً وبرسول الله قسماً ومغنماً .
هل فى لغة البشر ما نستطيع به أن نعبر عن هذه الأخلاق من رسول
الله .
يوم أن قال لهم (( لولا الهجرة لكنت من الأنصار )) ويوم أن كرمهم هذا التكريم ؟!! ورب الكعبة فلا 00 فلتردد معى أيها المسلم هذه الشهادة الذكية التى زكاه بها ربه وخالقه (( وإنك لعلى خلق عظيم )) .
فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ
أغرٌ عليه للنوة خاتمٌ
وضم الإله اسم النبى لإسمه
وشق له من اسمه ليجلَّه
وأنه خير خلق الله كلهم
من نور يلوح ويشهد
إذ قال فى الخمس المؤذنُ أشهد
فذو العرش محمود وهذا محمد
أيها الأحبة : والله الذى لا إله غيره لو ظللت الدهر كله أتحدث عن أخلاق رسول الله ما استطعت ولكن لخصت عائشة الصديقة الحصان الرزان هذا الخلق العظيم فى كلمات محددة فقالت : كان خلقه القرآن .
كان رسول الله قرآنا متحركا بين الناس .. ولقد جمع الله جل وعلا فى شخص الحبيب المصطفى أشخاصاً كثيرة ومتعددة فى آن واحد .
فهو رسول الله من عند الله يتلقى الوحى من السماء ليربط السماء بالأرض بأعظم رباط وأشرف صلة !!
وهو رجل سياسة من طرازٍ فريد ، يقيم أمةٌ ودولةً من فتات متناثر فإذا هى بناء شامخ لا يطاوله بناء تذل الأكاسرة ، وتهين القياصرة ، وتغير مجرى التاريخ فى فترة لا تساوى فى حساب الزمن شيئاً !!
وهو رجل حرب من طراز أوحد ، يقود الجيوش ، ويخطط للمعارك ، ويتخذ غرفةً العمليات عن بعد من أرض المعركة وهذا لم يعلمه التاريخ إلاَّ فى القرن الحالى ، وقام ليختار القادة فاختار قائداً للميمنة وقائداً للميسرة ، بل ولما انفضت الجموع فى حُنَين قام الحبيب المصطفى رافعاً سيفه فى ساحة الوغى وميدان البطولة والشرف ، ذالكم الميدان الذى تصمت فيه الألسنة الطويلة ، وتخطب فيه السيوف والرماح على منابر الرقاب .
وقف الحبيب المصطفى يوم أن انفض الأبطال والقادة ليعلن بأعلى صوته قائلاً : (( أنا النبى لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب )).
(( اللهم نزّل نصرك )) قال البراء : كنا والله إذا احمرَّ البأسُ نتَّقى به وإن الشجاع منا الذى يحاذى به ( يعنى رسول الله) (1)
وهو أب وزوجٌ ورب أسرة كبيرة تحتاج إلى كثيرٍ من النفقات ، من نفقات الفكر .. من نفقات الشعور .. من نفقات التربية .. من نفقات النصح .. فضلا عن نفقات المال .
فيقوم الحبيب المصطفى بهذا الدور على أعلى نسقٍ شهدته الأرض ، وعرفه التاريخ .
وهو إنسانىٌ من طراز فريد كأنه ما خلق ليزيل الدموع ، كأنه ما خلق إلا ليمسح الآلام عن القلوب .. يمنح الناس وقته ، وفكره ، وعقله ، وماله ، ونصحه ، وروحه وشعوره كأنه ما خلق إلا ليسعد الناس فى الدنيا قبل الآخرة .
وهو قبل كل ذلك ، وبعد كل ذلك قائم على أعظم وأشرف دعوة شهدتها الأرض ، أخذت عقله وفكره ، وروحه ، ودمه .
فيقوم المصطفى بهذه الأدوار كلها كأنه ما خلق إلا لكل دورٍ من هذه الأدوار ، ليقوم به على أعلى نسق وأكمل صورة .
فلقد بعث الله نبيه المصطفى قدوةً طيبةً فقال : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21]
والسؤال الآن : هل بعث الله نبيه المصطفى لتكون سيرته قصةً تتُلى فى يوم من أيام شهر ربيع ؟! ما أرخصه من حب !!
ما أرخصه من اتباع وما أرخصه من تقدير !!
أمةٌ والله لا تعرف قدر نبيها !!
هل بعث الله نبيه المصطفى لتكون سيرته قصة تتلى كقصة أبى زيد الهلالى ؟!! وكأننا ما كلفنا أن نحول هذه السيرة فى حياتنا إلى واقع عملى ومنهج حياة .
حاول أعداء الأمة أن يحُولوا بين الأمة وبين رسولها 00 أن يحولوا بين الأمة وبين سيرة النبى العظيم الخاتم لتظل سيرة النبى فى حياة الأمة قصة تُتلى ، وحكاية جميلة ترددها الألسنة ، وقصائد مزوقة ، وكلمات منمقة ، يحتفل بها عِلْيَةُ القوم وسادة الناس .
تحتفل الأمة برسول الله عَبْرَ قصيدة ، أو عَبْرَ أبيات شعرية ، أو عبر خطبة رنانة أو عبر ندوة طنانة ، أو عبر ليلة ماجنة ... ليلة يؤتى فيها براقص يسمونه ( مَدَّاحًا ) يقف هذا الراقص بين جموع تصرخ ، وترقص !!
أليس فى بلادنا من الفقراء من هم فى أمس الحاجة إلى هذا المال .. اتقوا الله يا أيها الناس والله أنه الكذب . إنه الكذب .. إنه الدَّجل .. ينفق فى ليلة من هذه الليالى الآلاف بحجة أننا نحتفل بذكرى رسول الله .. أنحتفل بذكرى رسول الله بالموسيقى والغناء ومزامير الشيطان .. إنه الدَّجل بعينه .. بدعة منكرة لا أصل لها ولا وجود .
والله ما فعل ذلك أبو بكر .. والله ما فعل ذلك عمر .. والله ما فعل ذلك عثمان .. والله ما فعل ذلك علىّ .. إن الإحتفال برسول الله لا يتمثل فى هذه الليالى الساهرة الماجنة التى يختلط فيها الشباب بالفتيات وترتكب فيه جل المحرمات وإنا لله وإنا له راجعون .
أهذا هو الحب لرسول الله ؟!
أهذا هو الحب يا عباد الله ؟!!
أيها الأحبة : لا يعلم قدر رسول الله إلا الله جل وعلا فأنزل الله القرآن ليربى ويعلم أصحابه وليعلم المسلمين من بعدهم كيف يعاملون رسول الله وكيف يوقِّرون رسول الله ؟
وهو عنصرنا الثانى من عناصر هذا اللقاء
(( القرآن يعلم ويربى))
قال الله عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات: 1- 3]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِه
قال ابن عباس رضى الله عنهما : أى لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة .
قال مجاهد : أى لا تفتاتوا على رسول الله حتى يقضى الله على لسان رسوله
قال الضحاك : أى لا تفضوا شيئاً من شرائع دينكم دون الله ورسوله .
قال القرطبى : لا تقدموا قولا ولا فعلا على قول الله وعلى قول وفعل رسول الله فإن من قدم قوله وفعله على قول وفعل رسول الله فإنما قدمه على الله لأن رسول الله إنما يأمر بما أمر الله عز وجل به .
قال الشنقيطى : (( لا تقدموا بين يدى الله ورسوله )) ويدخل فى ذلك دخولا أولياً تشريع مالم يأذن به الله وتحريم مالم يحرمه الله وتحليل مالم يحلله ، إذ لا حلال إلا ما أحله الله على لسان رسوله ولا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله ولا دين إلا ما شرعه الله على لسان رسوله
والسؤال الآن : هل امتثلت الأمة أمر الله فتأدبت مع رسول الله ؟
هل امتثلت الأمة أمر الله فلم تقدم قولها وحكمها وفعلها على حكم وقول وفعل رسول الله ؟
والجواب : لا ، والواقع خير شاهد .
وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء أرجىء الحديث عنه إلى ما بعد جلسة الإستراحة وأقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام :
(( الواقع خير شاهد ))
نعم أيها المسلمون : إن واقع الأمة خير شاهد على أن الأمة لم تمتثل أمر الله وأمر رسوله .
أمة تدعى أنها تحتفل برسول الله فى شهر ربيع فى الوقت الذى نَّحت فيه شريعته وسخرت فيه من سنته !!
هل هذا حب ؟!! هل هذا إحتفال ؟!!
أين السنة ؟! أين شريعة رسول الله ؟!
هل تعلمون أن الأمة الآن قد حكَّمت فى الأموال والأعراض والدماء والفروج القوانين الوضعية الفاجرة الجائرة وعطلت شريعة النبى المصطفى ؟!
إن الأمة قد عطلت كتاب الله !! وعطلت سنة رسول الله !! واستبدلت بالعبير بعراً بالثريا ثرى وبالرحيق المختوم حريقاً محرقاً مدمراً .
أين الأمة من دماء تسفك ؟! وأشلاء تمزق ؟! وأعراض تنتهك ؟! ومقدسات تدنس ؟! وهى تغنى لرسول الله ؟!!!
والله إنها أمة لا تستحى 00 أين الأمة من قول رسول الله :
(( مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثلُ الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى)) (1)
المسلمة فى البوسنة تصرخ ، والمسلمون فى بلاد المسلمين يأكلون عروسة المولد !! المسلمة فى البوسنة ينتهك عرضها ولا زال الكبار يرقصون ويغنون بحب رسول الله !!!
أين أنتم من رسول الله ؟! أين أنتم من محبته ؟!
المسلمة من أربع سنوات تصرخ ، وأخيراً قالت : أيها المسلمون إن عجزتم عن مَدنا بالسلاح فأمدّونا بحبوب منع الحمل حتى لا تعظم المصيبة !! أين المسلمون الراقصون ؟! أين المسلمون الذين يتغنون فى الليل والنهار ؟!! المسلمة فى البوسنة تصرخ وتقول :
أنا لا أريد طعامكم وشرابكم
عرضى يدنس أين شيمتكم
أختاه ... أمتنا التى تدعونها
أودت بها قوميةٌ مشؤومةٌ
إن كنت تنتظرينها فينتهى
فهدى إلى الرحمن كف تضرع
لا تيأسى فأمام قدرة ربنا
فدمى هنا يامسلمون يراق
أما فيكم أبِىُّ قلبه خفاق
صارت على درب الخضوع تساق
وسرى بها نحو الضياع رفاق
نفق من بعده أنفاق
فلسوف يرفع شأنك الخلاق
تتضائل الأنساب والأعراق
يا من احتضنت طفلك فى صدرك ، وضحكت ملء فمك ، وأكلت ملء بطنك لقد أُخِذَ الطفل من أحضان أمه على أرض البوسنة ، بل فى أرض الصومال .
والله الذى لا إله غيره رأيت بعينى على شاشات التلفاز فى أمريكا منظراً يخلع القلب رأيت امرأة صومالية خرجت فى ظل هذه الحرب الطاحنة وخرج معها أبناءها فى صحراء مقفرة ، نفذ الطعام ، ونفذ الشراب ، وسقطت الأم من الإعياء وهى تحمل رضيعها ، وتحمل طفلاً آخراً على ظهرها وأطفالها يجرون ثيابها من خلفها ، تمشىهذه الأم فى الصحراء ونامت وطال نومها فقبض الله روحها وماتت ، وانطلق الأطفال يبحثون عن طعام وشراب ، فلما لم يجد الأطفال طعاماً ولا شراباً انطلق الأطفال يفتشون عن ثدى الأم ، فالتقموا الثدى فلما جف الثدى ولم يعد يعطى لبنا ، انطلق الأطفال يبحثون عن شىءٍ آخر فلم يجدوا ، فانقضوا على لحم أمهم ليأكلوه !!
هذه صورة فى الصومال على مرأى ومسمع من العالم كله .
وفى البوسنة ينتزع الطفل ليشوى ويباع أمام أمه .. طفل يباع أمام أمه !!
أطفالنا ناموا على أحلامهم
أطفالنا بيعوا وأوربا التى تشرى
أين النظام العالمى .. أما له أثرٌ
يا مجلس الأمن الذى فى ظله
أو ما يحركك الذى يجرى لنا
يعفى عن الصرب الذين طغوا
وحشية يقف الخيال أمامها
وعلى لهيب القاذفات آفاقوا
ففيها راجت الأسواق
ألم تنعق به الأبواق
كسر الأمان وضيع الميثاق
أو ما يثرك جُرحنا الدفاق
وتجبروا ويفرد بالعقاب عراق
متضائلاً وتمجها الأذواق
أين الذين يغنون ويرقصون بحب رسول الله ؟!!
أين هم من هذه المآسى المروعة فى الصومال فى الشيشان فى طجكستان ، فى تركستان فى كشمير ، فى الفلبين ، فى كل مكان .
ففى كل بلد على الإسلام دائرة
ذبح وصلب وتقتيل بإخوتنا
يستصرخون ذوى الإيمان عاطفةً
فهل هذه غيرة أم هذه ضعة
ينهد من هولها رضوى وسهلان
كما أعدت لتشفى الحقد نيران
فلم يغثهم بيوم الروع أعوان
للكفر ذكرٌ للإسلام نسيان
وأخيرا :
(( هذا هو الحب أيها المحب ))
فرقٌ كبيٌر بين حبٍ مبنى على الابتداع وحب مبنى على الاتباع .
فالحب الصادق هو الذى يُبنى على الإتباع .. امتثال أمر النبى ، واجتناب نهى النبى .. والوقوف عند حدود النبى .
يقول النبى : (( والذى نفس بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين ))(1)
لا يكتمل الإيمان فى قلبك إلا إذا كان حبك للنبى يفوق حبك لولدك .. لوالدك .. للناس أجمعين ، بل لنفسك التى بين جنبيك .
فليسأل كل منا نفسه الآن :
هل أنا أحب رسول الله أكثر من حبى لولدى ؟
لا تخدع نفسك .. كن صادقاً مع نفسك وابحث عن إجابة دقيقة لهذا السؤال.
هل حب رسول الله فى قلبك يفوق حبك لوالدك ؟!
هل حب رسول الله فى قلبك يفوق حبك لنفسك التى بين جنبيك ؟!
ففى صحيح البخارى عن عبد الله بن هشام قال : كنا مع النبى وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب .
فقال له عمر : يا رسول الله ، لأنت أحبَّ إلىَّ من كل شىء إلا نفسى
فقال النبى ((لا والذى نفسى بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك))
فقال له عمر : والله لأنت أحب إلىّ من نفسى .
فقال النبى : (( الآن يا عمر ))
والمراد أنه لا يكتمل إيمان العبد حتى يكون الرسول أحب إليه من نفسه التى بين جنبيه فضلا عن ماله وأهله وولده .
أحبتى فى الله : إن المحبة الصادقة ليست كلمة تقال باللسان فحسب . فما أسهل الإدعاء ولكن المحبة الحقيقية هى إتباعه واقتفاء أثره وامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، فإن المحب لمن يحب مطيع .
وقد ذكر العلماء علامات لمعرفة محبة النبى نذكر أهمها باختصار من أهم العلامات لمعرفة محبة النبى
* فقد رؤيته أشد من فقد أى شىء آخر فى الدنيا .
بمعنى أنه لوخير بين رؤية النبى إن كان ذلك ممكنا وبين أن يفقد فى سبيل ذلك أى شىء هام من أغراض الدنيا لاختار أن يرى حبيبه .
* يتمنى حضور حياته عليه الصلاة والسلام كى يبذل نفسه وماله دونه .
* يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه .
* ينصر سنته ويذبَّ عن شريعته .
ولقد ضرب الصحابة الكرام أروع الأمثلة لأسمى مراتب الحب لرسول الله واكتفى بهذا المشهد المهيب لهذا الصحابى الجليل الذى يعلمنا درسا فى الحب الصادق ليس له نظير .
ها هو خبيب بن عدى رضى الله عنه يصلبه المشركون فى مكة ويحتشدون حوله فى شماته ظاهرة ويشحذ الرماة رماحهم لتمزيق هذا الجسد الطاهر فى جنون ووحشية فالتفت إليهم خبيب رضى الله عنه قائلاً : دعونى أركع ركعتين ، فتركوه فصلاهما فلما سلم قال : والله لولا أن تقولوا أن ما بى جَزَعٌ لزدت .
ثم قال : اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً
فاقترب منه أبو سفيان قائلا : أيسرُّك أن محمدا عندنا نضرب عنقه وإنك فى أهلك ؟
فقال : لا والله ما يسرُّنى أنى فى أهلى وأن محمد فى مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكةٌ تؤذيه(1) .
بالله هل فى لغة البشر من الكلمات ما نستطيع أن نعبر بها عن مدلول هذا الحب ؟
وجوابى : اللهم لا .. ألا فلندع المشهد بروعته وجلاله يعمل فى القلوب عمله دون تدخل أو تعليق !!
أيها الأحباب هذا هو الحب والحديث عن محبة الصحب الكرام لرسول الله حديث طويل جميل فعلينا أن نراجع أنفسنا بصدق .
أين نحن من هؤلاء الأطهار ؟؟
وهل نخن حقاً محبون للحبيب المصطفى
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعنا بالحبيب المصطفى وأن يسقينا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا حتى نستمتع بالنظر إلى وجه الله جل وعلا .....
من خطب فضيلة الشيخ / محمد حسان
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع