من ذكرياتي مع الألباني للشيخ بو خبزة

طباعة الموضوع

طالب الماهر

مدير عام
إنضم
15 مارس 2012
المشاركات
946
النقاط
16
الإقامة
غرف الماهر الصوتية
الموقع الالكتروني
www.qoranona.com
احفظ من كتاب الله
.
احب القراءة برواية
ورش عن نافع من طريق الأزرق
القارئ المفضل
المنشاوي - الحصري
الجنس
أخ
من ذكرياتي مع الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله
بقلم الشيخ العلامة الفقيه أبي أويس محمد بن الأمين بو خبزة الحسني
قرأها وقدم لها د. جمال عَزُّون


الحمدُ لله ربّ العالمين، والصّلاةُ والسّلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:
فإنَّ تراجم العلماء مجال خصب يستفيد منه الدَّارسون شتّى الفوائد، وقد حفِظت لنا كتبُ السّير والتّراجم والتّاريخ وغيرها أخبارَ عدد هائل لا يكاد يُحصى من تراجم أهل العلم على اختلاف تخصُّصاتهم، واعتمد المترجِمون على مصادرَ عدَّة في صياغة التّرجمة، يأتي في مقدمتها التراجم الذّاتيّة التي يتحدّث فيها العَلَمُ عن حياته الشّخصيّة والعلميّة، يلي ذلك - فيما أحسب - كتابةُ أقرب النّاس للعَلَم كالولد والأخ والقريب ونحوهم مِمَّن أتيحت لهم المخالطةُ والمعرفة الدّقيقة بحكم النّسب والقرابة.

ويقارِبُ ذلك ما يكتبُه المعاصرون للمترجَم مثل أصحابه وتلاميذه ونحوهم مِمّن تكثر مجالستُهم للعَلَم، وتتيسّر لهم الكتابةُ الدّقيقةُ عن أحواله وأخباره. وثمّة نوعٌ من مصادر التّرجمة تتمثّل في الذّكريات والمشاهدات التي يحتفظ بها من يُتاح له لقاء عابر أو سماع عاجل، ولا تخلو هذه من أخبار علميّة وشواردَ أدبيّة لها قيمتُها في صياغة التّرجمة، وأحسب أنّ ما كتبه الشّيخ الفقيه أبو أويس محمّد بو خبزة الحسني التطواني المغربي يُعَدُّ وثيقةً هامّةً تمثّل رأي أحد المغاربة المعجبين بالمحدّث العلاّمة الشّيخ محمّد ناصر الدّين الألبانيّ رحمه الله، الذي طار صيتُه في الآفاق، وبلغت مصنّفاته الحافلة مشارقَ الأرض ومغاربها.
وشيخُنا أبو خبزة الحسني عالمٌ فقيهٌ أديبٌ خطيبٌ معتنٍ بالحديث النّبوي وبارع في قراءة المخطوطات، ولد عام 1351هـ - 1932م بتطوان[1]، وقد بلغ من العمر حال كتابته هذه الذّكريات عن الشّيخ الألبانيّ سبعين عاماً، ممّا يضفي عليها قيمة علميّة؛ إذ دبّجها عالمٌ عُمِّر هذه السّنين الطّويلة.

وكنتُ قد طلبتُ منه - حفظه الله وأطال في عمره - في خطاب سابق كتابةَ ما يحضُره من ذكريات مع العلاّمة الألباني فتكرّم - رعاه الله - وأجابني إلى ذلك بما تراه أخي القارئ في هذه الذّكريات التي مرّ على كتابتها سبعُ سنوات[2].




من ذكرياتي





مع الشّيخ ناصر الألباني رحمه الله




الحمد لله!



عرفتُه - طيّب الله ثراه - قبل أن ألقاه فيما بعد السّبعين وثلاث مئة وألف بقراءتي لكتابه "حجاب المرأة المسلمة" الطّبعة المصريّة الأولى بتقديم محبّ الدّين الخطيب، الذي وجدتُّ فيه نَفَساً جديداً غير مألوفٍ عندنا، ومنهجاً توثيقيّاً لم أعرفه إلاّ في صورةٍ قاصرةٍ عند الشّيخ أحمد شاكر المصري، وبعد سفر شيخي أبي الفيض أحمد بن الصّدّيق الغُماري إلى مصر وسُورية كتب إليَّ يخبرني بلقائه للشّيخ ناصر بالمكتبة الظّاهريّة - وقد أشار إلى هذا اللّقاء في كتابه "تحذير السّاجد" أعني الشّيخ ناصراً - ويثني عليه وعلى اطّلاعه النّادر، وتمكّنه من علوم الحديث، كما كرّر هذا الثّناء بأوفرَ منه في كتاب آخر، وأشار الشّيخ ناصر إلى هذا الثّناء والتّقريظ في أوّل الجزء الثّالث أو الرّابع[3] من سلسلته في الأحاديث الضّعيفة.









كما عرفتُ الشّيخ قبل لقائه بواسطة مقالاته التي كان ينشرها بمجلّة التّمدّن الإسلاميّ[4] التي كانت تصدر بدمشق، وكانت تصل إلى تِطوان بحكم المبادلة الصّحافية مع صاحب مجلّة "الأنيس" التي كانت تصدر بتطوان، وكنتُ على صلةٍ به وبأحد أصدقائه الذي كان يأتيني بها كلّما وصلتْ، فأجد فيها ابتداءَ الشّيخ في نشر "سلسلة الأحاديث الصّحيحة" مع أجوبته لأسئلة حديثيّة، وتحقيقه لبعض البحوث بنَفَسِه ومنهجه المتميّز المشار إليه.


وفي سنة 1382 حججتُ برّاً مع جماعةٍ من أهل تطوان منهم الفقيه القاضي الشّيخ أحمد بن تاوَيْت رحمه الله، وفي إحدى اللّيالي ونحن بالمدينة النّبويّة تأخّر الفقيهُ عن الرّجوع إلى البيت إلى ما بعد منتصف اللّيل، فسألتُه عن السّبب، فحكى لي عن احتفال بختم الدّراسة بالجامعة الإسلاميّة وكانت في أوّل عهدها، وجاء في حديثه ذِكْرُ الشّيخ ناصر وإقبال الطّلبة عليه، فلَفَتَ نظري اسمُه، وذكرتُه، وأخبرتُ الفقيه بمعرفتي بعلم الرّجل وإعجابي بتحقيقه ورغبتي الملحّة في لقياه، فأخبرني بأنّه يصلّي باستمرار بالحرم، فذهبتُ معه من الغد لصلاة العشاء بالحرم، وبعد الفراغ لقيناه بباب عبد المجيد، فسلّمتُ عليه وتعرّفتُ إليه، فأخَذَنا بسيّارته إلى بيته بناحية البقيع حيث سهِرتُ معه ساعاتٍ مشهودةً كان لها أحسنُ الأثر في حياتي، وناولني خلالَها من مؤلّفاته وكانت في طبعاتها الأولى: صفة الصّلاة، وصلاة التّراويح، وصلاة العيد في المصلّى، وتسديد الإصابة، وفهرسة كتب الحديث بالظّاهريّة الذي طبع منتخبُه، واستأذنتُه في الرّواية فأذن، وأخبرني بأنّه لا يعُدُّها ذات فائدةٍ أعني الإجازة بأنواعها، وأنّ العبرة عنده بالدّراية والبحث والتّحقيق، وأخبرني أنّه لا إجازة له إلاّ من الشّيخ راغب الطّبّاخ الحلبي الذي أجازه دون طلب منه، وتناولتُ مع الشّيخ أحاديثَ شتّى؛ منها:


أنّه سألني عن الغُماريّين فأخبرتُه - وأنا من أعرَف النّاس بهم لمصاهرتي لهم - بتأييد الشّيخ أحمد لابن تيمية وابن القيّم في معتقدهما السّلفي، فسُرّ بذلك إلاّ أنّه سألني عن عمل الشّيخ في كتابه "مطابقة الاختراعات العصريّة" حيث يحتجُّ بالموضوعات والواهيات وهو يعرفُها، فأخبرتُه بانتهاجه مسلَك من يُحيل على السّند وهو يذكر الأحاديث بأسانيدها، وردّ الشّيخ ناصر هذه الفكرة بقوّة، كما أشار إلى حَلِفِ الشّيخ أحمد على أنّ مراد الله من الآيات النّازلة في المنافقين في أوائل سورة البقرة هم الوطنيّون العصريّون، فلم أدرِ ما أقول إلاّ أنّني قلتُ له بأنّه مسبوقٌ ببعض هذا من يوسف النّبهاني.


وسأل الشّيخ ناصر عن زعم الشّيخ أحمد بأنّ جمال عبد النّاصر وأصحابه هم المبشّر بهم في حديث "لا تزال طائفةٌ من أمّتي"، وأنّ الزّعيم المغربي فلاناً هو المعنيُّ بحديث "وكان زعيمُ القوم أرذلَهم"[5]، فكان جوابي أنّ ذلك كان من الشّيخ ردَّ جميلٍ؛ لأنّ الثّورة المصريّة آوته وحمته بعد لجوئه إليها من المغرب.


وبعد سنواتٍ كثيرة زارنا الشّيخ ناصر في تطوان وطنجة مرّتين أملى في إحداهما ترجمته موسّعةً نُشر ملخّصها في جريدة "النّور" التي تصدر بتطوان، وأطلعتُه على بعض النّوادر بخزانة تطوان، وكنتُ يومئذ مسؤولاً عنها، وصوّرتُ له بعض الرّسائل.


وبعد سنواتٍ من هذه الزّيارة اعتمرتُ سنة 1404، وفي رجوعي عرّجتُ على دمشق واتّصلتُ بولده الأخ عبد اللّطيف، وسألتُه عنه فأخبرني بأنّه خرج من دمشق فارّاً بدينه وأنّه استقرّ الآن بعَمّان، ودلّني على عنوانه، فذهبتُ إليه، واهتديتُ لمنزله الجديد الذي شارك في بنائه بنفسه، فرحّب بي وأخبرني أنّه قدم يومَه من الإمارات، وأنّه أُجريت له عمليّة جراحيّة، وأنّه متعبٌ، ولولا معرفتُه ورغبتُه في الاجتماع ما سمح به، ولأنّه مُراقَبٌ، فجالستُه رحمه الله ساعةً أعُدُّها من أبرك ساعات العمر، وأهدى إليَّ الجزء الرّابع من "السّلسلة الصّحيحة"، وكان حديثَ الصّدور وفي تجليد فاخر، وكتب الإهداء بخطّه[6]، فاستأذنتُه في الرّواية مناولةً فقال: وما معنى الإهداء لأهل العلم إلاّ ذلك؟ ونزل بي من منزله بأعلى جبل الهملان إلى المسجد الحسيني بسيّارته التي انطلق بها في سرعة بالغة.


وممّا أفدتُّه منه قولُه: إنّ المسلمين كانوا وما زالوا يعانون أزمة عقيدة وقد أضيفت إليها أزمةُ أخلاقٍ، وهما أزمتان حادّتان خطيرتان لا تطيب الحياةُ معهما[7].


وأذكر من شواهد ورع الشّيخ وتوقّفه أنّه في الزّيارة الأولى لتطوان مررنا على حيّ تِجاري وفيه دكّان لبيع الطُّيوب والعطور، فوقف على بعض أنواعها التي تُقَصَّرُ بالمغرب وأُعجب به وسأل عن ثمنها وخرجنا، ثمّ جلسنا مع بعض الإخوان في دكّانه، فلحقنا بعضُ من كان معنا مِمّن حضر وقوفَ الشّيخ على العطور، وناول الشّيخَ قارورةً من ذلك العطر الذي أعجبه فأبى أن يأخذه، فرغب الرّجلُ إليه أن يعده هديّةً فأبى.


وكان بلغني أنّ بعض دَجاجلة طنجة زار دمشق مع مريديه وفي نيّته أن يرزأ الشّيخَ بعضَ مالِه، فذهب إلى منزل الشّيخ وأمر مريديه أن يخلعوا المسابح من أعناقهم لأنّ الشّيخ وهّابيٌّ لا يقبل هذا، ففعلوا ودخلوا على الشّيخ وتذاكروا ونافقوه بالتّقيّة، ثمّ طلب منه شيخُهم الدّجّال القرمطيّ أن يُسْلِفَه نحو أربع مئة ليرة دَيْناً مردوداً لأنّهم نفدت نفقتهُم، فأسلفهم الشّيخُ وزار المغرب مرّتين ولم يأته الدّجّالُ حتّى للسّلام عليه والاعتذار، بل أضرب عن الزّيارة والسّؤال، فلذلك سألتُ الشّيخ بتطوان: هل زارك فلانٌ بطنجة وردَّ عليكَ مالَك الذي أسلفتَه؟ فأجاب بالنّفي وأنّه لم يسأل عنه وهو بطنجة حتّى لا يحرجه. فانظر إلى أخلاق هذا الوهّابيّ كما يلمزونه، وأخلاق هذا القطب الصّوفيّ كما يدّعي؟!


وممّا سمعتُه منه رحمه الله وأثابه أنّه لمّا لقي الشّيخَ أحمد بن الصّدّيق بظاهريّة دمشق وتذاكرا، وكان الشّيخُ ناصر يأتيه بنوادر المخطوطات الحديثيّة التي لم يرها الشّيخُ الغماريُّ وربّما لم يسمع بكثير منها، وفيها أعلاقٌ بخطوط مؤلّفيها أو سُمعت على كبار الحفّاظ، وفي أثناء المذاكرة والمناقشة احتدَّ الغُماريُّ وصاح، وكان في خُلُقه حدّةٌ، خصوصاً إذا نُوقش في معتقده وحدة الوجود والقائلين بها، وهو من الغُلاة في هذا الباب، فردّ عليه الشّيخ ناصر بهدوءٍ: كيف تفعل هذا يا شيخ أحمد وأنتَ عربيٌّ وشريفٌ هاشميٌّ كما تقول، وأنا عجميٌّ ومع هذا أحتفظ بهدوئي وأدبي؟!


وبالجملة فذكرياتي مع الشّيخ ناصر الدّين بحقٍّ طويلةٌ ولا أذكر السّاعة منها إلاّ هذا.


وأذكر أنّ الشّيخ أبا إسحاق الحويني المصري - وهو من أنجب وألمع تلاميذ الشّيخ - لم يسألني هذا السّؤال وقد زرتُه بكفر الشّيخ منذ نحو سنة ونصف وأضافني وأكرمني وأهداني كتابه "تنبيه الهاجد"[8] فأخبرتهُ - وأنا معه بمكتبته العامرة - أنَّ لي روايةً عن كبار مشايخ المغرب المعاصرين، وعن شيخنا معاً الشّيخ ناصر، فرغب حفظه الله في الإجازة فكتبتُها له مجلساً في دفتر له كبير.


وعلى كلّ حال فمن المعلوم أنّ زمن الرّواية انقضى على رأس الثّلاث مئة، وأنّ السّنّة جُمعت ولم يبق منها شيءٌ مجهولاً، وأنّ مقصود الرّواية بالإجازة إنّما هو التّبرّكُ بربط الاتّصال بأولئك العلماء وأصولهم الحديثيّة، تقليدٌ علميٌّ جرى به العملُ منذ قرونٍ، فمن تبنّاه وحرَص عليه بحسن نيّةٍ فقد أحسن، وأولى وأحقُّ بالعناية منه: حفظُ المتون والتّفقّه فيها والاستنباط بشروطه بعد نقد الأسانيد والبحث عن العلل وما يتعلّق بذلك، وهذا مجالٌ فسيحٌ جدّا تنقطع الأعمارُ دون استقصائه؛ ولذلك أشهدُ بمنتهى الصّدق والنّزاهة - والله على ما أقول وكيلٌ - أنّني ما رأيتُ فيمن لقيتُ من العلماء - وهم كثير - وأخذتُ عنهم مثل الشّيخ محمّد ناصر الدّين محمّد بن نوح نجاتي الألباني الأرناؤوطيّ في علمه وإخلاصه واطّلاعه على علوم الحديث ودقائقه، وإنصافه في البحث والمناظرة، علاوةً على سلوكٍ أشبه بسلوك السّلف الصّالح، أقول هذا ولا أزكّي على الله أحداً.


وسائرُ من عرفتُ من المشايخ لا يخرجون عن صنفين: فقهاء مقلّدين متصوّفين غارقين إلى أذقانهم في البدع، لا يَطمَعُ في الاستفادة منهم مَنْ يناقشهم في مصائبهم، ويحاول تنبيههم على ما هم عليه من انحراف وضلال، وعلماء مُحدّثين مقلّدين يترسّمون خُطا من سبقهم دون بحث ولا تجديد، على اتِّضاعٍ في السّلوك، وانحراف في العقيدة، وتورّط في السّياسة واكتواء بنارها، وهؤلاء مشايخي وهم كبار علماء الحديث بالمغرب في العصر الحديث أَجَلُّهم وأعلمُهم وأتقنُهم الشّيخُ أحمد بن الصّدّيق، ولكنّه صوفيٌّ أسيرُ بدع؛ وحدة الوجود، والقول باكتساب النّبوّة، والدّفاع عن إيمان فرعون ... إلخ القائمة السّوداء التي يَبْصُقُ عليها العلم والإيمان والتّاريخ.


يليه الشّيخ عبد الحيّ الكتّاني، وهو صوفيٌّ غريقٌ صاحب طريقةٍ، وموقفُه من الملك محمّد الخامس شهيرٌ. وابنُ خالته الشّيخ عبد الحفيظ الفهري وهو أعدلُهم سلوكاً أنفقَ من عمره ربعَه في التّاريخ لفروع الشّاذليّة، وهي طريقةٌ صوفيّةٌ بالمغرب. وهذا أخونا الكبير الشّيخ محمّد المنوني[9] وفضائلُه جمّةٌ، وقد تدبّجتُ معه، وهو كتَّانيُّ الطّريقة؛ يتهيّبُ الكلامَ فيها وانتقادَ أصحابها لفرط اعتقاده. وهكذا يَفْتِكُ سلطانُ البيئة بالمغرب بسلامة العقول والأديان، ولله في خلقه شؤونٌ.


كتب هذه الذّكريات يومَ الأربعاء 6 من صفر 1421هـ عُبَيدُ ربّه أبو أويس محمّد بو خبزة الحسني عفا عنه.












فقال الشّيخ ناصر: كيف يكون ردُّ الجميل بالكذب والتّحريف في الحديث النّبويّ؟ ولطول العهد نسيتُ مسائل أخرى تتعلّق ببعض أقوال الشّيخ الغُماريّ.




وفي الزّيارة الثّانية - وكان معه إخوةٌ من مرّاكُش، وهي المرّةُ التي زار فيها طنجة، وناظر الشّيخ الزّمزميّ ابن الصّدّيق الغُماريّ في توحيد الأسماء والصّفات - سألني عمّا يُقال من وجود "صحيح ابن حبّان" بتطوان فأجبتُه بالنّفي، وأخبرتُه بوجود النّصف الأوّل من نسخة دمشقيّة عتيقة من "السّنن الكبرى" للنّسائيّ، فرغب في الاطّلاع عليها، فذهبنا معاً لخزانة الجامع الكبير، ووقف على النّسخة وهي بخطّ شرقيّ جميل نُسخت في القرن السّادس، وأمرني أن أقرأ عليه أبواباً منها في العبادات، ففعلتُ مسروراً وعلّق بخطّه في دفترٍ أسانيدَ.







وكان الشّيخ رحمه الله قبل هذا وبعده منذ أن توطّدت الصّلةُ بيننا لا يفتأ يهاديني، فأرسل إليّ مع الحجّاج والمعتمرين عدداً من رسائله.













وقد أُثيرت في زيارتي الأخيرة للمدينة المنوّرة الموسم الماضي مسألةُ روايتي عن الشّيخ مناولةً، وكأنّ بعض الإخوان من تلامذته تشكّكوا وتوقّفوا قائلين: إنّنا طلبنا من الشّيخ مراراً أن يجيزنا فأبى قائلاً: أنا لا أفتح على نفسي هذا الباب. فكان جوابي أنّ هذا رزقٌ معنويٌّ يسّره الله لي، على أنّ هذا كان منذ ما يقربُ من أربعين سنةً، وربّما كان معظمُ هؤلاء لم يُولَدوا بعدُ والشّيخُ يومئذ فتى مكتهلٌ صحيحُ البنية يتوقّدُ نشاطاً، وصادف أن زاره طالبٌ مغربيٌّ لمس من مذاكرته صدقَه وحرصَه على العلم وتعلّقَه بالحديث وعلومه وأهله، فقدّم إليه الشّيخُ مع القِرى - وكان قطعاً من الحَبْحَب؛ البطّيخ الأحمر كما أذكر - رسائلَ ممّا طُبع له يومئذ هديّةً، فاستأذنه الطّالبُ في الرّواية بالمناولة فأذن جبراً لخاطره وإتماماً معنويّاً لقِراه.
















بداية النّسخة
بخطّ الشّيخ أبي أويس محمّد بن الأمين بو خبزة الحسني
bokrah_005.JPG

ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] للشّيخ أبي خبزة سيرة ذاتية كتبها بقلمه وقد نشرها الأخُ الباحثُ والزّميل الفاضل د. عبد اللّطيف بن محمّد الجيلاني في ملحق التّراث بجريدة البلاد بالمدينة النّبويّة، العدد رقم: (15901 – 15902).
[2] كتب الشّيخ أبو خبزة ذكرياته هذه يوم الأربعاء 6 من صفر عام 1421هـ.
[3] هو في الرّابع جزماً (ص 5 - 6)، ط المعارف .
[4] جمع هذه المقالات ونشرها في كتاب مفرد الباحث نور الدّين طالب.
[5] أخرجه التّرمذي (2/33) وفي إسناده الفرج بن فضالة الشّامي ضعّفه غير واحد. انظر سلسلة الأحاديث الضّعيفة (3/312).
[6] هذا من نوادر الإهداءات التي كتبها الشّيخ الألباني إلى غيره من الأعلام، أمّا إهداءات الأعلام إليه فهي من الكثرة بمكان وقد يسّر الله لكاتبه جمعها في كتاب اسمه: حصول التّهاني بالكتب المهداة إلى محدّث الشّام محمّد ناصر الدّين الألباني، طبع في ثلاث مجلّدات عن مكتبة المعارف بالرّياض.
[7] حرص الشّيخ الألباني - رحمه الله - في دعوته على التّصفية والتّربية وهما كلمتان تلخّصان مساره الدّعوي القائم على تصفية الإسلام ممّا علق به من بدع وخرافات وعقائد باطلة وأخلاق منحرفة وأحاديث موضوعة، وكلّ هذه الرّزايا قد شوّهت جمال الإسلام النّقيّ الذي بُعث به النّبيّ الكريم محمّد -صلّى الله عليه وسلّم - ويرافق هذه التّصفية تربية جادّة للنّشء على الدّين الصّحيح تربية تعيد للأمّة مجد سلفها الرّبّاني الصّالح وما ذلك على الله بعزيز.
[8] تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النّظر في كتب الأماجد، وهو طليعة الجزء الرّابع من كتاب الثّمر الدّاني في الذّبّ عن الألباني، نشر في مكتبة البلاغ - دبي، ط الأولى، 1418هـ - 1998م.
[9] الشّيخ المنوني رحمه الله ممّن أثنى على شيخنا أبي خبزة وممّا قال فيه ضمن إجازة تدبّج فيها معه: "خادم الحديث النّبوي الشّريف العالم السّلفي الخطيب، المعتني بالتّراث المخطوط قراءةً وتعليقاً ونسخاً وتصحيحاً". وقال عنه في كتابه تاريخ الوراقة المغربية: "حيٌّ في عمر مديد، عامرٌ بالحسنات، موفورُ المنتسخات بخطّه المجوهر المرونق، مع تصحيح وتثبّت، فضلاً عن متابعته لأعماله بالتّعليقات والتّنبيهات على مواقع الإفادات المهمّة ... ".




يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
التعديل الأخير:

تسابيح ساجدة

لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
إنضم
16 أكتوبر 2010
المشاركات
8,111
النقاط
38
الإقامة
المعهد
احفظ من كتاب الله
اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
هم كُثر ,,,
الجنس
أخت
جزاكم ربي سبحانه كل الخير واحسن اليكم
 
أعلى