إن من مميزات الأمة المسلمة أن كتابها قد حفظ عن ظهر قلب على خلاف بقية الأمم السابقة. وقد كان في ذلك سببًا من أسباب حفظ القرآن من التحريف والتغيير على مر العصور.
*وقد كان النبي محمد
كثيرًا ما يحث الصحابة على حفظ القرآن حتى أنه كان يتعاهد كل من يدخل الإسلام ويدفعه إلى أحد المسلمين ليعلمه القرآن.
* يُروى عن عبادة بن الصامت قال: "كان رسول الله
يُشغَل، فإذا قَدِمَ رجل مهاجر على رسول الله دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن" رواه أحمد.
* ولقد حفظ عدد كبير من الصحابة القرآن منهم: الخلفاء الراشدين، وطلحة،وسعد، وابن مسعود وغيرهم من الصحابة.
**ثم إن النبي
لم يكتف بحفظ الصحابة للقرآن عن ظهر قلب، بلأمرهم أن يكتبوه ويدونوه لحمايته من الضياع والتغيير.
وبذلك تحقق حفظ القرآن في الصدور وفي السطور.
* وقد ورد في الحديث أن النبي محمدًا أمر في البداية ألا يكتب عنه الصحابة شيئا إلا القرآن حتى لا يختلط بغيره من الكلام: "لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه" (رواه
*وكان صحابة النبي محمد
يستعملون في كتابة القرآن ما تيسر لهم وما توفر في بيئتهم من أدوات لذلك،
* وبقي القرآن مكتوبًا على هذه الأشياء محفوظًا عند النبي محمد
وأصحابه، ولم يجمع في مصحف في عهده.
*وكان النبى يأمر الصحابة عند نزول آية من القرآن فيقول: ضعوها في موضع كذا... أى يرشدهم إلى مكان تلك الآية بين الآيات التي سبقتها.
* وكان جبريل يراجع القرآن مع النبى
في رمضان، وقد راجعه في آخر عام مرتين، ولذلك فإن الصورة الحالية لترتيب القرآن تتوافق مع المراجعة الأخيرة مع جبريل وهى ما يسميها العلماء (العرضة الأخيرة).
أما عن حكمة عدم جمعه في كتاب واحد في عهد النبي
، فقد قال العلماء في ذلك: 1. أنه لم يوجد داع من جمعه في مصحف واحد كما على عهد الخلافة بعد وفاة النبي
. 2. أن القرآن نزل مفرقًا على فترات مختلفة، ولم ينزل بترتيب المصحف، 3. ثم إن بعض الآيات نزلت ناسخة لما قبلها. 4. ولو جمع القرآن على عهد النبي
في مصحف واحد لكان وجب تغير المصاحف كلها كلما نزلت آية أو سورة.
أما جمع القرآن في مصحف واحد فقد تمت للمرة الأولى في عهد الخليفة أبى بكر الصديق بعد أن توفي النبي محمد بعام.
فبعد غزوة اليمامة التي قتل فيها الكثير من الصحابة وكان معظمهم من حُفاظ القرآن، جاءعمر بن الخطابء إلى أبي بكر الصديق وطلب منه أن يجمع القرآن في مكان واحد حتى لا يضيع بعد وفاة الحُفاظ.
فكلف أبو بكر الصحابى زيد بن ثابت لما رأى في زيد من الصفات التي تؤهله لمثل هذه الوظيفة ومنها كونه:
1= من حفاظ القرآن
2= ومن كُتّابه على عهد النبي محمد
3= وقد شهد زيد مع النبي العرضة الأخيرة للقرآن في ختام حياته.
4=ثم إن زيداً قد عُرف بذكائه وشدة ورعه وأمانته وكمال خلقه.
روى البخاري في صحيحه عن زيد أنه قال: أرسل إليَّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ - أي اشتد وكثر - يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقُرّاء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، إلا إن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن، قال أبو بكر: قلت لعمر كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله صدري، ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله، فتَتَبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله النبي ؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسب وصدور الرجال…وكانت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر. رواه البخاري.
· واتفق العلماء أن الصحابة كان لديهم مصاحف كتبوا فيها القرآن أو بعضه،
قبل جمع أبي بكر لها، إلا أن هذه المصاحف كانت جهودًا فردية لم تنل ما ناله مصحف الصدٌيق من دقة البحث والتحري وبلوغه حد التواتر والإجماع من الصحابة.
*ثم بدأ زيد بجمع القرآن من الرقاع واللخاف والعظام والجلود وصدور الرجال،
* أشرف عليه وأعانه في ذلك أبو بكر وعمر وكبار الصحابة.
* واتبع الصحابة طريقة دقيقة وضعها أبو بكر وعمر لحفظ القرآن من الخطأ،
*فلم يكتف الصحابة بما حفظوه في قلوبهم ولا بما سمعوا بآذانهم ولا بما كتبوه بأيديهم بل جعلوا يتتبعون القرآن واعتمدوا في جمعه على مصدرين اثنين :
1= أحدهما ما كتب بين يدي رسول الله محمد
2= والثاني ما كان محفوظا في صدور الرجال.
* وبلغت مبالغتهم في الحيطة والحذر أنهم لم يقبلوا شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدي رسول الله محمد.
فعن عروة بن الزبير قال: لما استحرَّ القتل بالقراء يومئذ، فرِقَ أبو بكر على القرآن أن يضيع - أي خاف عليه - فقال لعمر بن الخطاب وزيد ابن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. وبذلك أخذ المصحف الذي أمر أبو بكر بجمعه الصفة الجماعية واتفق الصحابة كلهم عليه ونال قبولهم
* بقي القرآن على ما هو عليه في عهد أبي بكر إلى عهد عثمان.
إلا أن القرآن كان قد نزل على النبي محمد على سبعة أحرف (أي بسبعة لهجات) ليسهل على القبائل فهمه واستيعابه.
* ثم في سنة 25 هجرية، وفي خلافة عثمان بن عفان، رأى الصحابة أنه بعد الفتوحات الإسلامية ودخول غير العرب في الإسلام، بدأ أهل العراق والشام وبعض الأمصار بالاختلاف حول القراءة الصحيحة للقرآن فكاد يُكفّر بعضهم بعضًا.
* فقد كانت اللغة العربية تكتب بدون نقاط تميز الحروف، فمثلا حروف (ب ت ث ن) بدون النقاط لا يمكن تمييزها عن بعضها البعض وكذلك (ج ح خ) (د ذ) (ر ز) (س ش) (ص ض) (ط ظ) (ع غ) (ف ق). فقد كان العرب -بحكم أنها لغتهم- يمكنهم التفريق بينها من سياق الكلام، في حين أن غير العرب الذين دخلوا الإسلام لا يمكنهم التفريق بينها كما يحسنه العرب، ومن هنا جاء الإختلاف.
* كذلك لم يكن هناك علامات للتشكيل لتمييز المرفوع عن المنصوب أو المجرور.
*فقام عثمان بتشكيل لجنة من كَتَبَة الوحي أيام رسول الله محمد لنسخ القرآنمن تلك النسخة التي تم جمعها في عهد الخليفة أبى بكروالتي كانت موجودة في بيت السيدة حفصة (زوجة النبى محمد وبنت الخليفة عمر بن الخطاب)
* ثم أمرهم بعمل نسخ مدققة على أساس القراءة الثابتة والمتواترة عن الرسول وهي قراءة أهل مكة.
عن أنس بن مالك: أن حُذيفة بن اليمان قَدِم عَلى عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك،
*فأرسلت بها حفصة إلى عثمان،
* فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا،
* حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة،
* وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق. (رواه البخاري).
وسمِّي هذا المصحف بمصحف عثمان أو المصحف الإمام، ولم يبق سوى هذا المصحف منذ عهده. وهي النسخة التي تطبع حاليا بالرسم العثماني في كل أنحاء العالم الإسلامي.