موقف الفقهاء من القراءة الشاذة

طباعة الموضوع

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
موقف الفقهاء من القراءة الشاذة:
لم يخالف أحد من الفقهاء أن التواتر يفيد القطع واليقين بصحته قولاً وعملاً، أما ما لم يتواتر فهو الشاذ الذي لا يسمى قرآنًا، لكن من حيث العمل به والاعتماد عليه في استنباط الأحكام الشرعية العملية اختلف الفقهاء على النحو الآتي:
أولاً: المذهب الحنفي:
ذهب فقهاء هذا المذهب إلى أنه يجوز العمل والاحتجاج بالقراءة الشاذة في استنباط الأحكام الشرعية العملية، وذلك إذا صح سندها ولذلك يقولون بوجوب التتابع في صوم كفارة اليمين مستدلين بقراءة ابن مسعود في قول الله: ((فصيام ثلاثة أيام متتابعات))، ومؤكدين حجتهم أن القراءات الشاذة إما أن تكون قرآنًا نسخت تلاوته وإما أن يكون خبرًا وقع تفسيرًا

وحكا هذا الرأي الآمدي من الشافعية والفتوحي من الحنابلة عن الإمام أبي حنيفة.

ثانيًا: المذهب المالكي:
ذهب فقهاء هذا المذهب في صحة العمل بالقراءة الشاذة ثلاثة مذاهب:
الأول: المشهور في المذهب، وظاهر الرواية في الموطأ: لا يصح الاحتجاج بالقراءة الشاذة
حكى هذا الرأي الفتوحي عن الإمام مالك ، واختاره ابن الحاجب

الثاني: القراءة الشاذة تجري مجرى الآحاد في العمل بها دون القطع ، حكى هذا القول الفتوحي عن الإمام مالك

يقول ابن عبدالبر (الاحتجاج بما ليس في مصحف عثمان قال به جمهور العلماء ويجري عندهم مجرى خبر الواحد في العمل به دون القطع .

الثالث: يعمل بالشاذ على وجه الإستحباب، لأن الإمام مالك كان لا يرى الإعادة فيمن فرق قضاء رمضان قائلاً: (ليس عليه إعادة وذلك مجزي عنه، وأحب ذلك إلي أن يتابعه

وبهذا يظهر أن فقهاء المذهب المالكي اختلفوا في شأن القراءة الشاذة بين رافض لها ومستحب، ومجيز الاحتجاج بها فإذا ثبتت عندهم مع وجود سند قوي لها أخذوا بها كما حدث في ميراث الاخوة لأم، حيث عملوا بمقتضاها لوجود الإجماع الذي قواها

ومن حجتهم في رفضها يرون أن الشاذ ليس كتابًا ولا سنة ولا إجماعًا ولا قياسًا ولا غير ذلك من الأدلة الشرعية ويتبين من ذلك أن القراءة الشاذة لا تكون حجة عندهم إلا إذا عضدها خبر آخر غير القراءة، فبوجود الخبر يأخذون بها وبعدمه لا، فدل هذا على أنهم يأخذون بالخبر لا بالقراءة

ثالثًا: المذهب الشافعي:
ذهب فقهاء هذا المذهب في الاحتجاج بالقراءة الشاذة مذهبين
الأول: يصح العمل بها كما حكى ذلك الكمال بن الهمام الحنفي عن الإمام الشافعي ونسبه جمال الدين الأسنوي لأبي حامد الغزالي والماوردي

قال السبكي: وأما إجراؤه مجرى الآحاد فهو الصحيح

وقال البلقيني: إن الأصحاب تكلموا على القراءة الشاذة فقالوا: إن أجريت مجرى التفسير والبيان عمل بها. وإن لم تكن كذلك، فإن عارضها خبر مرفوع قدم عليها أو قياس ففي العمل بها قولان.

يفهم من كلام هذا الإمام أن الشافعية يقبلون القراءة البيانية ويعملون بها إذا صح سندها ولم يكن لها خبر يعارضها أو قياس

الثاني: لا يصح العمل بالقراءة الشاذة قال الجويني إنه ظاهر المذهب واختاره الآمدي ونسبه إلى الإمام الشافعي وإليه ذهب الغزالي في المستصفى وجزم به النووي في المجموع وحكاه الفتوحي من الحنابلة عن الشافعي ولعل الإمام الشافعي كان يؤثر المأثور بل يرى أن آراء الصحابة خير لنا من آرائنا لأنفسنا .

وهذا خلاف ما شاع عند كثير من الأصوليين أن الإمام الشافعي لا يحتج بالقراءة الشاذة، بل كثير من فتاواه تدل على اعتبار القراءة الشاذة والاستدلال بها كما أثبته من تتبع آراءه في مذهبه

رابعًا: المذهب الحنبلي:
بالنظر والتأمل إلى كتب الحنابلة وآراء علماء المذهب نجدهم أخذوا بالقراءة الشاذة واحتجوا بها، فهذا ابن قدامة ذكر أقوال العلماء في عدد الرضعات المحرمات وذكر أن عددها كانت عشرًا ثم نسخن وأصبحن خمسًا وهذا يفيد احتجاجهم بالشاذ واستدلالهم به في بعض الأحكام الواردة عنهم

وعليه يكون الإمام أحمد قد وافق غيره في جواز العمل بالقراءة الشاذة، ونقل ابن كثير عن الحنابلة وجوب التتابع في صوم كفارة اليمين، لأن ذلك روي عن أبي ابن كعب وغيره أنهم كانوا يقرونها هكذا ((فصيام ثلاثة أيام متتابعات)) بزيادة لفظ ((متتابعات))
غير أنّ هناك رواية أخرى عن الإمام أحمد بن حنبل تفيد عدم صحة الاحتجاج بالقراءة الشاذة

لكن الأغلب في كتب المذهب وآراء علمائه أنهم يقبلون القراءة الشاذة ويحتجون بها في الأحكام.
خلاصة آراء الفقهاء في احتجاجهم بالقراءة الشاذة:
بعد استعراض آراء الفقهاء أصحاب المذاهب الأربعة وأتباعهم في الاحتجاج بالقراءة الشاذة يتبين أنهم انقسموا إلى مذهبين:
المذهب الأول: يرى جواز الاحتجاج والعمل بالقراءة الشاذة في استنباط الأحكام.
المذهب الثاني: يرى أنها ليست حجة فلا يجوز العمل بها.

المذهب الأول يمثله: مذهب أبي حنيفة وأصحابه، والشافعي في الصحيح عنه ومذهب الحنابلة، وحكاية عن الإمام مالك، فقد ذهبوا للاحتجاج بالقراءة الشاذة تنزيلاً لها منزلة خبر الآحاد، قالوا (لأنه منقول عن النبي ، ولا يلزم من انتفاء خصوص قرآنيته انتفاء عموم خبريته ولأن انتفاء القرآنية قطعي والنقل عن النبي ثابت فما بقى إلا احتمال واحد وهو أن ذلك المنقول عن النبي خبر، صدر منه بيانًا لشيء فظنه الناقل قرآنًا فلا مناص من الاحتجاج به إذن)
فحجتهم التي استندوا إليها في الذهاب إلى هذا الرأي بأن قالوا إن نقل الراوي لها وإثباتها في مصحفه يدل دلالة واضحة على أنه سمعها من النبي ، والصحابي عدل لا ينقل إلا ما سمعه عن الرسول ، وما دام أن هذه الكلمات سمعها من الرسول عليه الصلاة والسلام ونقلها وليست قرآنًا لعدم تواترها فلا أقل من أن تكون سنة وردت عنه ، في معرض البيان والتفسير لبعض نصوص القرآن التي رأى أنها بحاجة إلى إيضاح، والسنة الأحادية يجوز العمل بها، والاعتماد عليها في استنباط الأحكام الشرعية العملية فكانت القراءة الشاذة حجة
أما المذهب الثاني فيمثله مذهب الإمام مالك وأحد قولي الشافعي وبعض أصحابه والآمدي وابن الحاجب وابن العربي وحكي رواية عن الإمام أحمد فقد ذهبوا إلى عدم الاحتجاج بالقراءة الشاذة لأنها نقلت قرآنًا ولم تثبت قرآنيتها فلا يصح الاحتجاج بها، وقد بين البناني في شرحه لفظ المحلى على جمع الجوامع الذي جاء فيه (إنما نقل قرآنًا ولم تثبت قرآنيته)، شرحه بقوله: (أي ولم ينقل خبرًا قرآنًا حتى يقال لا يلزم من انتفاء الأخص انتفاء الأعم فلا يلزم من انتفاء قرآنيته انتفاء خبريته، بل إنما نقل الأخص وهو القرآنية دون الأعم وهو الخبرية، فبسقوط قرآنيته يسقط الاحتجاج به.

الراجح من الأقوال:
إن الرأي الراجح والله أعلم – هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول وهو جواز صحة الاحتجاج بالقراءات الشاذة وذلك لأن ما يرويه الصحابي إما أن يكون قرآنًا أو يكون خبرًا وهذا الأخير إما سمعه من الرسول عليه الصلاة والسلام أو هو قول له فإن كان قرآنًا صُير إليه.

وإن لم يكن قرآنًا فالأصل أنه خبر عن الرسول عليه الصلاة والسلام يجب المصير إليه ولا نسلم باحتمال كونه من كلام الصحابي لتصريحه بما يفيد رفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام

وبهذا نعلم أنه يعتمد على القراءة الشاذة إذا صح سندها في إثبات الأحكام وهو من باب الأخذ بالأحوط، لأن راويها صحابي مشهود له بالعدالة فلا ينقل إلا ما سمعه من الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا ما أكده الجزري بقوله: (وربما يدخلون التفسير في القراءة إيضاحًا وبيانًا، لأنهم متحققون لما تلقوه عن النبي قرآنًا فهم آمنون من الالتباس وربما كان بعضهم يكتبه معه (أي القرآن) لكن ابن مسعود كان يكره ذلك ويمنع منه والصحابة م كانوا يتحرجون من القول في كتاب الله بغير علم فعلى أقل تقدير تعتبر حجة على أنها مذهب للصحابي الذي ذهب العلماء إلى الأخذ به.

وهناك رأي ثالث يتوسط الرأيين السابقين ذكره شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، مفاده أن القراءة الشاذة (إنما يحتج بها إذا وردت لبيان الحكم كما في قراءة ((أيمانهما)) بخلاف ما إذا وردت لإبتداء الحكم لا يحتج بها كما في قراءة ((متتابعات)).

وعلى هذا فالرأي ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من صحة الاحتجاج بالشاذ في بيان الأحكام الشرعية العملية. والله أعلم.

منقول
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 

تسابيح ساجدة

لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
إنضم
16 أكتوبر 2010
المشاركات
8,111
النقاط
38
الإقامة
المعهد
احفظ من كتاب الله
اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
هم كُثر ,,,
الجنس
أخت
بوركت شيخنا الفاضل
كتب الباري سبحانه اجرك ونفع بك جل وعلا
وجزاك جل جلاله كل الخير
ورفع قدرك جل شأنه في الدارين
 
أعلى