- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
محاضرة فاسمع إذا
ألقاها الشيخ حفظه الله تعالي في - أسبانيا - بتاريخ 19 - 6 -2010
إنَّ الحمدَ لله تعالى نحمده ونستعينُ به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهدى اللهُ تعالى فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسوله.
أما بعــــــدِ
فإن أصدق الحديثِ كتاب الله تعالي وأحسنَ الهدي هدي محمدٍ صلي الله عليه وآله وسلم ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدَثةٍ بدعه وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلَّ ضلالةٍ في النار ، اللهم صلى على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيد
دَرَسْنَا هَذَا الْمَسَاء بِعُنْوَان( فَاسْمَع إِذاً) .
وَأَبْدَأ كَلَامِي بِذِكْر مَقْطَع مِن حَدِيْث بَدَأ بِه الْإِمَام مُسْلِم مِن كِتَاب الْطَّهَارَة مِن صَحِيْحِه وَفِي آَخِر هَذَا الْحَدِيْث يَقُوْل رَسُوْل الْلَّه- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-:" كُلُّ الْنَّاس يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَه فَمُوْبِقُهَا أَو مُعْتِقُهَا "
الشاهد من الحديث: شِبْه الْدُّنْيَا بِسُوْق وَالْبِضَاعَة الَّتِي تُبَاع فِي هَذَا الْسُّوْق أَنَا وَأَنْت ، فَإِذَا خَرَجَت مِن بَيْتِك صَبَاحا ، فَأَنَا أَو أَنْت أَحَد رَجُلَيْن ،كِلَانَا يَبِيْع نَفْسَه ، يَبِيْع نَفْسَه بِأَعْمَالِه الَّتِي يَعْمَلُهَا فِي هَذَا الْيَوْم إِن كَانَت الْأَعْمَال خَيْراً فَهَذَا بَائِع نَفْسَه فَمُعْتِقُهَا( أَي مَن الْنَّار )، وَإِن عَملاً طَالِحاً وَعَمِل سُوَء فَهَذَا بِائِع نَفْسِه فَمُوْبِقُهَا (أَي مُهْلِكُهُا ).
مَا مِن إِنْسَان مِنَّا إِلَا وَهُو أَحَد هَذَيْن الرَجُلَيْن.
رَجُل عَمِل صَالِحاً فَرَبِح وَرَجُل آَخَر عَمَل غَيْر ذَلِك فَخَسِر .
الْدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآَخِرَة.
فَلَا شَك أَن الْدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآَخِرَة ، فَهَل تُرِيْد أَن تَتَجَاوَز عقْبَة الْدُّنْيَا لِتَصِل إِلَى الْلَّه بِسَلَام ؟ إِن كُنْت تُرِيْد أَن تَسْمَع هَذَا فَاسْمَع إِذاً مَا سَأَقُوْلُه لَك .
مَّعْلُوْم لَدَى كُل الْعُقَلَاء أَنَّه إِذَا أَرَاد أَن يَصِل إِلَى غَايَة وَكَانَت الْطَّرِيْق مُهْلِكَة فِيْهَا وُحُوْش وَفِيْهَا قِطَاع طُرُق ، أَنَّه لَا يَسْلُك هَذَا الْطَّرِيْق إِلَا بِحِرَاسَة ، أَو عَلَيْه أَن يَسْلُك طَرِيْقا آَمِناً حَتَّى يَصِل إِلَى غَايَتِه ، حَب الْدُّنْيَا رَأْس كُل خَطِيَّة فَالَدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآَخِرَة فَمَن اسْتَثَمْرَهَا اسْتِثْمَارا حَقِيْقِياً كَانَت رَأْس مَال جَيِّد لَكِن حُب الْدُّنْيَا رَأْس كُل خَطِيَّة ، وَهَذَا بَعْض الْنَّاس يَرْوِيْه حَدِيْثاً عَن رَسُوْل الْلَّه- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- ، وَهَذَا لَا يَصِح عَنْه إِنَّمَا نَحْن نَقُوْلُه قَوْلَا (حَب الْدُّنْيَا رَأْس كُل خَطِيَّة )
مُعَالَجَة الْنَّبِي_صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم لِطَّرِيْق الْدُّنْيَا الْمُوَحِّش.
أَنْت لَابُد وَأَنْت بْن الْدُّنْيَا رَضِعَت مِن لِبَانِهَا وَلَم تُفْطَم بَعْد،الْمَوْلُوْد عِنْدَمَا يُوْلَد يُفْطَم بَعْد عَامَيْن،أَمَّا نَحْن فَلَا نُفَطَم عَن الْدُّنْيَا حَتَّى نَمُوْت إِلَا إِذَا كُنَّا مِن أَهْل الْيَقَظَة ، طَرِيْق الْدُّنْيَا مُوَحِّش ، عَالَجَه الْنَّبِي- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- فِي حَدِيْث مَشْهُوْر رَوَاه الْإِمَام الْبُخَارِي فِي صَحِيْحِه مِن حَدِيْث بْن عُمَر –رَضِي الْلَّه عَنْهُمَا قَال- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-:" كُن فِي الْدُّنْيَا كأنكَ غَرِيْبٌ أَو عَابِرُ سَبِيِل " .
(أَو) فِي هَذَا الْحَدِيْث لَيْسَت لِلْتَّخْيِيْر, كَمَا لَو قُلْت لَك خُذ هَذَا أَو ذَاك فَأَنْت مُخَيَّر أَن تَأْخُذ هَذَا أَو هَذَا,بَل لَمَّا يُسَمِّيْه عُلَمَاء الْبَيَان لِلْإِضْرَاب .
مَا مَعْنَى (أَو) لِلْإِضْرَاب ؟
إِذَا جَاءَت (أَو) بِمَعْنَى الْإِضْرَاب فَتَكُوْن بِمَعْنَى بَل ،وَسُمِّي إِضْرَابَا لِأَنَّك أَضْرَبْت عَن الْكَلَام الَّذِي قَبْلَهَا وَأَثْبَت الْكَلَام الَّذِي بَعْدَهَا ، وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَي:﴿ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (النحل:77) .
(أو) هنا بمعنى بل ، ﴿ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ﴾ كَأَنَّه قَال: لَا ، لَا ، أَضْرِب عَن هَذَا الْكَلَام ، أُتْرُكَه بَل هُو أَقْرَب مِن لَمْح الْبَصَر ، فَنَكُوْن أَثْبَتْنَا مَا بَعْد أَو ، وَتَرَكْنَا مَا قَبْلَهَا ، وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى أَيْضا﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾(الصافات:147) ، أَي بَل يَزِيْدُوْن فَهُنَا فِي هَذَا الْحَدِيْث:" كُن فِي الْدُّنْيَا كأنكَ غَرِيْبٌ أَو عَابِرُ سَبِيِل"
وَجْه الْدَّلَالَة:كَأَنَّمَا قَال لَه: لَا، لَا لَا تَكُن غَرِيْبا ، رَجَعَت عَن هَذَا الْكَلَام بَل كُن عَابِر سَبِيِل حَتَّى تَنْجُو مِنْهَا, لِأَن الْغَرِيْب قَد يَأْنَس فِي دَار الْغُرْبَة وَأَنْتُم جَمِيْعا غُرَبَاء ،لَيْس هَذَا هُو مَوْطِنُكُم الْأَصْلِي ، وَمَع ذَلِك أَنِسْتُم ، وَجَدْتُم أَصْدِقَاء جُدُدا وَجِيْرَاناً وَأَحْبَابّاً أَنْسَوْكُم أَحْبَابَكُم فِي بِلَادِكُم الْأَصْلِيَّة ،تَعِيْشُوْن فِي أُنْس وَسَلَام وَوَدَاع،بَل قَد يَكُوْن بَعْضُكُم أَسْعَد حَالاً هُنَا فِي دِيَار الْغُرْبَة مِن حَالِه فِي بِلَادِه الْأَصْلِيَّة.
الْأُنْس فِي الْدُّنْيَا وَمَضَارِّه عَلَي الْإِنْسَان وَالْمَخْرَج مِن ذَلِك.
وَالْأِنْس فِي الْدُّنْيَا مَمْنُوْع لِأَنَّك إِذَا أَنِسَت رَكَنَت ، وَإِذَا رَكَنَت هَلَكْت
الْمَخْرَج: لَا تَكُن غَرِيْبا فَتَأْنَس فِي دَار الْغُرْبَة ، بَل كُن عَابِر سَبِيِل عَابِر الْسَّبِيل رَجُل لَا وَطَن لَه وَلَا بَلَد ، وَلَا بَيْت ، يَحْمِل خَيْمَتِه عَلَى كَتِفِه ، وَيحْمَل زَادَه عَلَى كَتِفِه الْآَخِر ، وَلَه غَايَة يُرِيْد أَن يَصِل إِلَيْهَا فَيَمْشِي طِيْلَة الْنَّهَار فَإِذَا جَاء الْلَّيْل عَرَّس وَنَصَب خَيْمَتَه وَنَام ، فَإِذَا أَصْبَح الْصَّبَاح جَمْع خَيْمَتِه وَحَمَلَهَا عَلَى كَتِفِه وَحَمَل زَادَه عَلَى الْكَتِف الْأُخْرَى وَوَاصَل الْسِيَر إِلَى غَايَة هُو يُرِيْدُهَا.
فَيَا تُرَى أَيأنَس عَابِر الْسَّبِيل بِشَيْء ؟
لَا يَأْنَس بِشَيْء أَبَدا إِلَا إِذَا وَصَل إِلَى مَوْطِنِه الْأَصْلِي الَّذِي يُرِيْدُه ، أَو هَدَفُه الَّذِي يُرِيْدُه ,إِذَا أَرَدْت أَن تَصِل إِلَى الْجَنَّة بِسَلَام فَلَا بُد أَن تَتَجَاوَز عَقْبَة الْدُّنْيَا.
نَحْن مَعَاشِر الْمُسْلِمِيْن مَا الَّذِي نُرِيْدُه فِي نِهَايَة الْشَّوْط؟
نُرِيْد أَن نَدْخُل الْجّنة إِذَا أَرَدْت أَن تَصِل إِلَى الْجَنَّة بِسَلَام فَلَا بُد أَن تَتَجَاوَز عقْبَة الْدُّنْيَا، وَلَا يُمْكِن لَك أَن تَتَجَاوَز هَذِه الْعَقَبَة إِلَا إِذَا كُنْت مِن أَهْل الْيَقَظَة، وَدَعُوْنِي أُفَسِّر لَكُم مَا مَعْنَى الْيَقْظَة ؟
الْنَّاس أَمَام الْيَقَظَة نَوْعَان:-
نَوْع يَقِظ فِي الْدُّنْيَا : أَزَال الْلَّه عَن عَيْنَيْه غِشَاوَة حَب الْدُّنْيَا فَهُو يَعِيْش فِيْهَا لَكِنَّه يَنْظُر إِلَى الْآَخِرَة .
وَرَجُل آَخَر يَسْتَيْقِظ فِي الْوَقْت الْضَّائِع: حَيْث لَا تَنْفَعُه الْيَقَظَة ، كَمَا قَال تَعَالَي فِي هَذَا الْصِّنْف:﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ (ق:22) ، وَهَذَا يُقَال لِأَهْل الْغَفْلَة فِي الْدُّنْيَا الَّذِيْن عَاشُوْا لِمُتَع الْدُّنْيَا، فَإِذَا مَات أَبْصَر الْحَقِيقَة وَعَرَف أَنَّه كَان مُغَفَّلاً وَكَان أَعْمَى ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ﴾ الَّذِي تَرَاه الْآَن ، مُنْكَر وَنَكِيْر وَعَذَاب الْقَبْر إِلَى آَخِرِه ، فَكَشَفْنَا عَنْك غِطَاءَك لَمَّا تَرَكَت الْدُّنْيَا ، ﴿ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
حديد: أَي فِي غَايَة الْقُوَّة وَأَصْبَحَت تَرَى الْأَشْيَاء عَلَى حَقَّيْقَتِهَا وَهَؤُلَاء الْمُغَفَّلُون كَمَا قُلْت لَك يَسْتَيْقِظُوْن فِي الْوَقْت الْضَّائِع الَّذِي لَا يُجْدِي كَمَا قَال تَعَالَى:﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾(الأنعام:28،27) .
الْشَّاهِد مِن الْآَيَة: رَب ارْجِعُوْن سَأَعْمَل صَالِحا ، وَلَوَرَد مَرَّة أُخْرَى لِعَمَل مِثْلَمَا كَان يَعْمَل قَبْل ذَلِك مِن مُخَالَفَة الْلَّه تَعَالَى
ألقاها الشيخ حفظه الله تعالي في - أسبانيا - بتاريخ 19 - 6 -2010
إنَّ الحمدَ لله تعالى نحمده ونستعينُ به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهدى اللهُ تعالى فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسوله.
أما بعــــــدِ
فإن أصدق الحديثِ كتاب الله تعالي وأحسنَ الهدي هدي محمدٍ صلي الله عليه وآله وسلم ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدَثةٍ بدعه وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلَّ ضلالةٍ في النار ، اللهم صلى على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيد
دَرَسْنَا هَذَا الْمَسَاء بِعُنْوَان( فَاسْمَع إِذاً) .
وَأَبْدَأ كَلَامِي بِذِكْر مَقْطَع مِن حَدِيْث بَدَأ بِه الْإِمَام مُسْلِم مِن كِتَاب الْطَّهَارَة مِن صَحِيْحِه وَفِي آَخِر هَذَا الْحَدِيْث يَقُوْل رَسُوْل الْلَّه- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-:" كُلُّ الْنَّاس يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَه فَمُوْبِقُهَا أَو مُعْتِقُهَا "
الشاهد من الحديث: شِبْه الْدُّنْيَا بِسُوْق وَالْبِضَاعَة الَّتِي تُبَاع فِي هَذَا الْسُّوْق أَنَا وَأَنْت ، فَإِذَا خَرَجَت مِن بَيْتِك صَبَاحا ، فَأَنَا أَو أَنْت أَحَد رَجُلَيْن ،كِلَانَا يَبِيْع نَفْسَه ، يَبِيْع نَفْسَه بِأَعْمَالِه الَّتِي يَعْمَلُهَا فِي هَذَا الْيَوْم إِن كَانَت الْأَعْمَال خَيْراً فَهَذَا بَائِع نَفْسَه فَمُعْتِقُهَا( أَي مَن الْنَّار )، وَإِن عَملاً طَالِحاً وَعَمِل سُوَء فَهَذَا بِائِع نَفْسِه فَمُوْبِقُهَا (أَي مُهْلِكُهُا ).
مَا مِن إِنْسَان مِنَّا إِلَا وَهُو أَحَد هَذَيْن الرَجُلَيْن.
رَجُل عَمِل صَالِحاً فَرَبِح وَرَجُل آَخَر عَمَل غَيْر ذَلِك فَخَسِر .
الْدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآَخِرَة.
فَلَا شَك أَن الْدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآَخِرَة ، فَهَل تُرِيْد أَن تَتَجَاوَز عقْبَة الْدُّنْيَا لِتَصِل إِلَى الْلَّه بِسَلَام ؟ إِن كُنْت تُرِيْد أَن تَسْمَع هَذَا فَاسْمَع إِذاً مَا سَأَقُوْلُه لَك .
مَّعْلُوْم لَدَى كُل الْعُقَلَاء أَنَّه إِذَا أَرَاد أَن يَصِل إِلَى غَايَة وَكَانَت الْطَّرِيْق مُهْلِكَة فِيْهَا وُحُوْش وَفِيْهَا قِطَاع طُرُق ، أَنَّه لَا يَسْلُك هَذَا الْطَّرِيْق إِلَا بِحِرَاسَة ، أَو عَلَيْه أَن يَسْلُك طَرِيْقا آَمِناً حَتَّى يَصِل إِلَى غَايَتِه ، حَب الْدُّنْيَا رَأْس كُل خَطِيَّة فَالَدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآَخِرَة فَمَن اسْتَثَمْرَهَا اسْتِثْمَارا حَقِيْقِياً كَانَت رَأْس مَال جَيِّد لَكِن حُب الْدُّنْيَا رَأْس كُل خَطِيَّة ، وَهَذَا بَعْض الْنَّاس يَرْوِيْه حَدِيْثاً عَن رَسُوْل الْلَّه- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- ، وَهَذَا لَا يَصِح عَنْه إِنَّمَا نَحْن نَقُوْلُه قَوْلَا (حَب الْدُّنْيَا رَأْس كُل خَطِيَّة )
مُعَالَجَة الْنَّبِي_صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم لِطَّرِيْق الْدُّنْيَا الْمُوَحِّش.
أَنْت لَابُد وَأَنْت بْن الْدُّنْيَا رَضِعَت مِن لِبَانِهَا وَلَم تُفْطَم بَعْد،الْمَوْلُوْد عِنْدَمَا يُوْلَد يُفْطَم بَعْد عَامَيْن،أَمَّا نَحْن فَلَا نُفَطَم عَن الْدُّنْيَا حَتَّى نَمُوْت إِلَا إِذَا كُنَّا مِن أَهْل الْيَقَظَة ، طَرِيْق الْدُّنْيَا مُوَحِّش ، عَالَجَه الْنَّبِي- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- فِي حَدِيْث مَشْهُوْر رَوَاه الْإِمَام الْبُخَارِي فِي صَحِيْحِه مِن حَدِيْث بْن عُمَر –رَضِي الْلَّه عَنْهُمَا قَال- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-:" كُن فِي الْدُّنْيَا كأنكَ غَرِيْبٌ أَو عَابِرُ سَبِيِل " .
(أَو) فِي هَذَا الْحَدِيْث لَيْسَت لِلْتَّخْيِيْر, كَمَا لَو قُلْت لَك خُذ هَذَا أَو ذَاك فَأَنْت مُخَيَّر أَن تَأْخُذ هَذَا أَو هَذَا,بَل لَمَّا يُسَمِّيْه عُلَمَاء الْبَيَان لِلْإِضْرَاب .
مَا مَعْنَى (أَو) لِلْإِضْرَاب ؟
إِذَا جَاءَت (أَو) بِمَعْنَى الْإِضْرَاب فَتَكُوْن بِمَعْنَى بَل ،وَسُمِّي إِضْرَابَا لِأَنَّك أَضْرَبْت عَن الْكَلَام الَّذِي قَبْلَهَا وَأَثْبَت الْكَلَام الَّذِي بَعْدَهَا ، وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَي:﴿ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (النحل:77) .
(أو) هنا بمعنى بل ، ﴿ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ﴾ كَأَنَّه قَال: لَا ، لَا ، أَضْرِب عَن هَذَا الْكَلَام ، أُتْرُكَه بَل هُو أَقْرَب مِن لَمْح الْبَصَر ، فَنَكُوْن أَثْبَتْنَا مَا بَعْد أَو ، وَتَرَكْنَا مَا قَبْلَهَا ، وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى أَيْضا﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾(الصافات:147) ، أَي بَل يَزِيْدُوْن فَهُنَا فِي هَذَا الْحَدِيْث:" كُن فِي الْدُّنْيَا كأنكَ غَرِيْبٌ أَو عَابِرُ سَبِيِل"
وَجْه الْدَّلَالَة:كَأَنَّمَا قَال لَه: لَا، لَا لَا تَكُن غَرِيْبا ، رَجَعَت عَن هَذَا الْكَلَام بَل كُن عَابِر سَبِيِل حَتَّى تَنْجُو مِنْهَا, لِأَن الْغَرِيْب قَد يَأْنَس فِي دَار الْغُرْبَة وَأَنْتُم جَمِيْعا غُرَبَاء ،لَيْس هَذَا هُو مَوْطِنُكُم الْأَصْلِي ، وَمَع ذَلِك أَنِسْتُم ، وَجَدْتُم أَصْدِقَاء جُدُدا وَجِيْرَاناً وَأَحْبَابّاً أَنْسَوْكُم أَحْبَابَكُم فِي بِلَادِكُم الْأَصْلِيَّة ،تَعِيْشُوْن فِي أُنْس وَسَلَام وَوَدَاع،بَل قَد يَكُوْن بَعْضُكُم أَسْعَد حَالاً هُنَا فِي دِيَار الْغُرْبَة مِن حَالِه فِي بِلَادِه الْأَصْلِيَّة.
الْأُنْس فِي الْدُّنْيَا وَمَضَارِّه عَلَي الْإِنْسَان وَالْمَخْرَج مِن ذَلِك.
وَالْأِنْس فِي الْدُّنْيَا مَمْنُوْع لِأَنَّك إِذَا أَنِسَت رَكَنَت ، وَإِذَا رَكَنَت هَلَكْت
الْمَخْرَج: لَا تَكُن غَرِيْبا فَتَأْنَس فِي دَار الْغُرْبَة ، بَل كُن عَابِر سَبِيِل عَابِر الْسَّبِيل رَجُل لَا وَطَن لَه وَلَا بَلَد ، وَلَا بَيْت ، يَحْمِل خَيْمَتِه عَلَى كَتِفِه ، وَيحْمَل زَادَه عَلَى كَتِفِه الْآَخِر ، وَلَه غَايَة يُرِيْد أَن يَصِل إِلَيْهَا فَيَمْشِي طِيْلَة الْنَّهَار فَإِذَا جَاء الْلَّيْل عَرَّس وَنَصَب خَيْمَتَه وَنَام ، فَإِذَا أَصْبَح الْصَّبَاح جَمْع خَيْمَتِه وَحَمَلَهَا عَلَى كَتِفِه وَحَمَل زَادَه عَلَى الْكَتِف الْأُخْرَى وَوَاصَل الْسِيَر إِلَى غَايَة هُو يُرِيْدُهَا.
فَيَا تُرَى أَيأنَس عَابِر الْسَّبِيل بِشَيْء ؟
لَا يَأْنَس بِشَيْء أَبَدا إِلَا إِذَا وَصَل إِلَى مَوْطِنِه الْأَصْلِي الَّذِي يُرِيْدُه ، أَو هَدَفُه الَّذِي يُرِيْدُه ,إِذَا أَرَدْت أَن تَصِل إِلَى الْجَنَّة بِسَلَام فَلَا بُد أَن تَتَجَاوَز عَقْبَة الْدُّنْيَا.
نَحْن مَعَاشِر الْمُسْلِمِيْن مَا الَّذِي نُرِيْدُه فِي نِهَايَة الْشَّوْط؟
نُرِيْد أَن نَدْخُل الْجّنة إِذَا أَرَدْت أَن تَصِل إِلَى الْجَنَّة بِسَلَام فَلَا بُد أَن تَتَجَاوَز عقْبَة الْدُّنْيَا، وَلَا يُمْكِن لَك أَن تَتَجَاوَز هَذِه الْعَقَبَة إِلَا إِذَا كُنْت مِن أَهْل الْيَقَظَة، وَدَعُوْنِي أُفَسِّر لَكُم مَا مَعْنَى الْيَقْظَة ؟
الْنَّاس أَمَام الْيَقَظَة نَوْعَان:-
نَوْع يَقِظ فِي الْدُّنْيَا : أَزَال الْلَّه عَن عَيْنَيْه غِشَاوَة حَب الْدُّنْيَا فَهُو يَعِيْش فِيْهَا لَكِنَّه يَنْظُر إِلَى الْآَخِرَة .
وَرَجُل آَخَر يَسْتَيْقِظ فِي الْوَقْت الْضَّائِع: حَيْث لَا تَنْفَعُه الْيَقَظَة ، كَمَا قَال تَعَالَي فِي هَذَا الْصِّنْف:﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ (ق:22) ، وَهَذَا يُقَال لِأَهْل الْغَفْلَة فِي الْدُّنْيَا الَّذِيْن عَاشُوْا لِمُتَع الْدُّنْيَا، فَإِذَا مَات أَبْصَر الْحَقِيقَة وَعَرَف أَنَّه كَان مُغَفَّلاً وَكَان أَعْمَى ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ﴾ الَّذِي تَرَاه الْآَن ، مُنْكَر وَنَكِيْر وَعَذَاب الْقَبْر إِلَى آَخِرِه ، فَكَشَفْنَا عَنْك غِطَاءَك لَمَّا تَرَكَت الْدُّنْيَا ، ﴿ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
حديد: أَي فِي غَايَة الْقُوَّة وَأَصْبَحَت تَرَى الْأَشْيَاء عَلَى حَقَّيْقَتِهَا وَهَؤُلَاء الْمُغَفَّلُون كَمَا قُلْت لَك يَسْتَيْقِظُوْن فِي الْوَقْت الْضَّائِع الَّذِي لَا يُجْدِي كَمَا قَال تَعَالَى:﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾(الأنعام:28،27) .
الْشَّاهِد مِن الْآَيَة: رَب ارْجِعُوْن سَأَعْمَل صَالِحا ، وَلَوَرَد مَرَّة أُخْرَى لِعَمَل مِثْلَمَا كَان يَعْمَل قَبْل ذَلِك مِن مُخَالَفَة الْلَّه تَعَالَى
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع