معالم في طريق طلب العلم

طباعة الموضوع
إنضم
23 يونيو 2011
المشاركات
2,069
النقاط
38
الإقامة
مصر
احفظ من كتاب الله
القرآن كاملا
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
الشيخ محمود خليل الحصري
الجنس
أخ
معالم في طريق طلب العلم
إِنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ-.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ? [آل عمران:102].
?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا? [النساء:1].
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا? [ الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تعَالَى، وَخيرَ الهَدْيِ<الهَدْي: السيرة والهيئة والطريقة.> هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة.
أما بعد:
هذا كتاب فيه من الفوائد وفيه من النصائح, ما دفعني أن أنتقي منه بعض المواقف, وبعض الجمل, وبعض الأبواب, وهذا الكتاب اسمه معالم في طريق طلب العلم, وصاحبه أتقن الكتاب وهذبه وأجاد فيه, وما أحوجنا لأن نتعلم ما هو طلب العلم؟ وما هي قيمة العلم؟ وما هي قيمة طالب العلم؟ وكيف نطلب العلم؟ وهل كل من حضر درساً أو أمسك كتاباً يسمى بطالب علم؟! أي هذه الأمور العظيمة التي افتقرنا إليها في هذا الزمان.
فالعلم هو أشرف مطلوب, فليس هناك أعلى ولا أشرف ولا أجل ممن طلب علماً, وربنا عز وجل أثنى على العلماء, وجعلهم في مرتبة ومنزلة عظيمة, فوق جميع الخلق قال عز وجل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}. [آل عمران/18].
شهد الله: فربنا عز وجل بدأ بشهادته على أعظم مشهود: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}. ثم ثنى بأقرب الخلق إليه الملائكة الذين: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}. [التحريم/6].
{وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}. فإذاً منزلة العلم عظيمة, وربنا عز وجل جعلهم فوق جميع المنازل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات}. [المجادلة/11].
فهذه الدرجات بقدر ما عند العبد من علم, والعلم أصله وأساسه الخشية, ولذلك ربنا تبارك وتعالى مدح حامل العلم فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}. [فاطر/28].
فالعلماء هم أعظم الخلق خشية, وأعرف الناس بالله عز وجل, فلذلك جعلهم الله عز وجل في هذه المنزلة العظيمة.
فالعلم سبب لمرضات الله, وسبب للحياة الطيبة في الدنيا والآخرة, فكلما كنت بالله أعلم, كلما كنت لأمر الله أحفظ وأتقى, وكلما هنأ عيشك وسكنت نفسك, وكنت في سعادة غامرة, فالعلم سبب لتقويم السلوك, ليس العلم حفظ, فللأسف الشديد من يسمى بطالب علم الآن مجرد كم حفظ؟ كم حشى؟ كم تعلم ؟ كم قرأ؟؟ هذه مصيبة عظيمة جداً.
إن من أجهل الجهل وأَغْبَى الغَبَا وأضل الضلال, أنك ترى رجلاً جاء ببذر وجاء إلى صحراء, أو خربة من الرمال ورمى بذره, وانتظر المطر أن ينزل فيخرج البذر, هذا غبي أحمق, لآبد أن يسوي التربة وأن يصلحها, فالذي يتصور أن العلم مجرد حشو, سكب علم علم علم, هذا مصيبة كبيرة جداً, ولذلك كان الناس يحذرون من علماء السوء, عالم السوء هو مجرد حشو, ما انتقى التربة التي يضع فيها العلم, ما أصلحها وما هذبها وما أتقنها, ولذلك كان يُخشى على الأمة من هؤلاء, هذا الذي كما قلت جاء ببذره ورماه في صحراء, أو سكبه على الرمال, وانتظر نزول المطر,3 فخرج كل ما في الأرض, من طيب وخبيث, ليس هذا بعلم, بل هذا متلف.
ولذلك نرى أن هذا الصنف من الناس خاصة ( هذا الصنف المخلط المخبط هذا ). أشد الناس ضرراً وخطراً في الدنيا والآخرة, في الدنيا يسمى بعالم مضل جاهل, اختلطت عليه الأمور والمسائل, لأنه كما قلت لا يبذر هذا البذر إلا إنسان في عقله خلل, مجرد بذر في أرض قاحلة صحراء ليس فيها شئ, فلأبد من الإتقان.
ولذلك كان العلماء فيمن كان قبلنا, كانوا يصلحون التربة, كان طالب العلم يظل يهذب نفسه السنين ثم السنين بلا حشو, ربما يجلس المجلس, ويلازم الشيخ ويتقن أصول من العبادات حتى يهيئ المكان, منهم من ظل حوالي عشر سنوات, يلازم الشيخ ويحاول أن يهذب نفسه ويربي نفسه على أصول وقواعد, لكن كما نرى الآن في هذا الزمان ممكن في عام أو عامين ترى عندك كم كثير من المعلومات, ولكن كما قلنا مجرد بذر, ولذلك إتقان التربة وإصلاحها قد يستغرق من الوقت أضعاف البذر, البذر هذا يمكن في يوم واحد يأتي الفلاح في فدان ويبذر, يرمي البذر البذر انتهى, لكن إصلاح الأرض قد يستغرق منه أيام طوال, حتى يصل إلى أن تكون التربة مهيأة تماماً لهذا البذر الذي أراده.
وغالباً البذر هذا أيضاً يحتاج إلى إتقان في الوضع, كيف يقسم الأرض إلى أقسام, وإلى أحواض وهذه الأشياء, ويضع في الجانب الأيمن ثم الجانب الأيسر وهكذا, أي أن هناك تعب, نفس القضية العلم, إن لم يوضع في مواضعه, وأن يتقن حق الإتقان, وقع الخطر والضرر العظيم الذي قد يفسد الأمة, ويمكن قد ذكرنا سابقاً جملا من الأحاديث في أول من تسعر بهم النار, منهم عالم تعلم العلم وعلمه إلى غيره, ما أتقن البذر, ما أتقن وضع العلم في مواضعه نسأل الله السلامة.
فالعلم هو سبب في تقويم السلوك, وتهذيب النفوس وهو سبب لمن أخلص النية في طلبه وتطبيقه للنجاة من الشر في الدنيا والنار في الأخرة, أي ينجو في الدنيا وينجو في الأخرة, والعلماء اهتموا أي اهتمام بالرحلة في طلب العلم, والوصول فيه إلى الغاية, كما قلنا بعد أن أتقنوا وهيؤا التربة, وسكنت النفس لقبول الطلب.
بدأ المصنف كتابه.
أولاً المعوقات في طلب العلم وهذه البداية, الإنسان حينما يفكر في طلب العلم لآبد أن ينظر ما هي السدود, الحوائل, الحواجز, الموانع في الطلب, لأني ممكن أنا مثلاً أتي مرة واحدة وأهجم على طلب العلم, وفجأة أجد نفسي لا نلت طلب ولا دنيا ولا آخرة, أجد نفسي كما يقال في سفينة تتكفئ بي لليمين ولليسار في البحر, ريح تضربني يمين لا نلت دنيا ولا آخرة, لا عملت لنفسي ولا للأخرتي, فأجد نفسي متخبط متخبط إلى أن أغرق, فلذلك لآبد أن أعرف معوقات الطريق, أي أضع لنفسي الخطة, كيف تتغير حياتي بقضية اسمها طلب علم, كيف سأُقَوِّم نفسي إلى أن أطلب علم, فلذلك المعوقات هي الأصل في الطلب.
فالبداية كيف أطلب؟ كيف أتجنب هذه المعوقات؟ هذا المصنف جعل المعوق الأول هو:ـ
- المعوق الأول:ـ (( فساد النية )).
لما أطلب علم؟ لما ما هي العلة؟ أن أكون عالم, طالب علم,عندي فراغ, حب حشو, حب منزل, حب.... ما هي العلة؟؟ ففساد النية أصل في فساد الطلب, ولذلك سرعان ما ينكشف, كلمة سرعان البعض يقول أنا مشاء الله لي عشر سنوات عشرين سنة أطلب, لا سرعان بمعني أنه بمجرد موته كشف الغطاء, وانتهى الأمر وسار على غير ما أراد.
فالنية ركن أساسي في العمل, بل هي أساس العمل وبنيانه, النية أن أحدد نيتي, إن كان في خلل في النية أصلح, وإلا أنظر إلى باب أخر, الأبواب إلى الجنة كثيرة, من يتصور!! نقول أعلى الدرجات هو العلم, ومن يعين طالب العلم, بأي شئ حتى بمجرد الحب والود, أي باب من أبواب تهيئة العلم والعلماء أعظم الأجر.
إذاً فلآبد أن أنظر في نفسي لما أريد أن أتعلم؟ للشهرة للمنزلة للمكانة ل....., ما هو السبب؟ لو وجدت قلبي لا يصلح لإتقان هذه النية لآبد أن أنظر إلى بديل, وإلا هلكت, وقد ذكرنا أن ممن أفسد هؤلاء القوم الذين كانوا في الذروة, تعلموا العلم وعلموه وأتقنوه, وكانوا أول من سُعِرت بهم النار, إذاً فلآبد أن أننظر إلى طريق أخر.
ولذلك بعض من كان منشغلاً بالعلم, فجأة وقف مع نفسه وقفة, كداود الطائي صُنِفَ من الفقهاء العلماء, وكان ملازماً لمجلس أبي حنيفة, وكان في الدرجة الأولي, فوجد عنده خلل, وجد أن إتقان هذه المهنة بالنسبة له لا يصلحه, إنما الإتقان أن يخلو بنفسه لإصلاح هذه النفس, وأن يجعل بينه وبين نفسه حرب, جعل العدو الأول نفسه, أن يحارب هذه النفس إلى أن يأطرها إلى الحق أطراً فقط, ونجح وفي هذا سقوط ونزول, أي ليس كمن تعلم العلم وعلمه وأخلص النية, فرق بينهما كما بين السماء والأرض, لكن هو رأى من نفسه خلل لا يصلح, أجد نفسي الأيام تمر والعمر يمضي, وأنا أحاول أن أتقن النية لا أعرف, أتقن القصد لا أدري, فانصرف إلى الزهد والعبادة , وجعل لنفسه حيلة جميلة, الأن طبعاً في طلب العلم لذة, فجلس في مجلس أبي حنيفة عاماً كاملاً, لا يتكلم كلمة, لا يسأل ولا يجيب, إلى أن هيَّأَ نفسه ثم انتهي, سار من العلماء الزهاد, عالم زاهد, أصلح نفسه وكان مثلاً يُحْتَذَى في الزهد, والذكر والعبادة والقرآن وإلى غيره, كانت جارة داود تقول كان يُحْىِ الليل بالقرآن, وكان يترنم به, وكان من يسمعه يظن أن سعادة الدنيا قد امتزجت بصوته, الصوت الشجي الجميل, وهو يبكي بالقرآن, وهو ما يهتم, وَرِثَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ مِنْ أُمِّهِ أَرْبَعَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَمَكَثَ يَتَقَوَّتُ بِهَا ثَلاَثِيْنَ عَاماً، فَلَمَّا نَفِدَتْ، جَعَلَ يَنْقُضُ سُقُوفَ الدُّوَيْرَةِ، فَيَبِيْعُهَا, أي يبيع خشب السقف, يبدأ من أول طرف الغرفة العرق الأول ثم الثاني ثم الثالث وهكذا.
دخل زائر وجد نصف الغرفة مكشوف للهواء, أي نصف سقف!!
فقال له الزائر الذي دخل عنده, أين سقفك يا داود؟ أين ذهب لا يوجد, نصف سقف.
فقال كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام,ما لك, ما دخلك بهذا.
وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُعَظِّمُهُ، وَيَقُوْلُ: أَبصَرَ دَاوُدُ أَمرَهُ.
فإذا القضية هنا الذي أريد أن أصل إليه, أن الأساس كيف تصلح نيتك في الطلب, أنك فعلاً أردت أن تتعلم لله فقط, ونفسك جموحة, ربما تريد بهذا العلم أن تكون فرعون, من أبغى البغاة وأظلم الظَّلَمَة, ولذلك القضية ليست سهلة, ليست مجرد أن تحمل كتابين ورايح جَايّ ودرس وغيره لا, القضية أعظم من هذا, أن تنظر في قلبك, ما في قلبك بهذا العلم, ماذا تريد به؟ ما ينطوي عليه قلبك, طبعاً كل إنسان أدرى بنفسه, وأدرى بحاله, فكيف أصلح هذه النفس؟ كما قلت قد لا يصلحها العلم لكن قد يصلحها العبادة, أنك تواظب على القرآن والعبادة, بعض الناس يرى مثلاً إنسان منشغل بالقرآن يقول لا لا القرآن لا ينفع وحده, لماذا.
يرى إنسان منطوي في المحافظة على الصلاة من البداية إلى النهاية, يُبَكِر يكون أول داخل للمسجد, لو إنسان حافظ على هذه العبادة ما أظنه لو أخلصها لله عز وجل, ما أظنه يخطئ الجنة, إن صلحت نيته, يكون أول داخل المسجد ويكون أخر خارج من المسجد, كفى, من السبعة الذين يظلهم الله في ظله, رجل قلبه معلق بالمسجد, إذاً الأبواب كثيرة, وقد يكون الباب هين جداً عليك, وتختار أنت أعسر الأبواب, قضاء حوائج المسلمين, أن تكون في الظل, أي تحاول أنك تعين العلم والعلماء ولكن في الظل.
قال عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قلت: لعمر بن عبد العزيز يقول إن استطعت أن تكون عالما فكن عالما, فإن لم تستطع فكن متعلما [ أي اسمع واستفيد], فأحبهم [يكون قلبك معلق بالعلماء, وطلبة العلم وتحاول أن تتودد وتحبهم وتتقرب إليهم ] فإن لم تحبهم فلا تبغضهم [أي لا تكره هذا الصنف من الخلق].
فقال عمر: سبحان الله لقد جعل الله له مخرجا.
فلذلك الأمر الأساسي أو الركن الأساس هو إصلاح النية, توجه القلب, فإذا تخللها خلل أو دخن فإن العمل يعتريه من الخلل والدخن بقدر ما يعتريه من النية, كلما ساءت النية, كلما فسد العمل, حتى ولو كان في ظاهر الأمر كنت من أعلم العلماء وأفضل الفضلاء,
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " < البخاري (1), مسلم (1907) عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه >.
فالنية ركن كما قال العلماء, والبيت لا يبتنى إلا بأعمدة ... ولا عماد إذا لم تبنى على أركان.
لآبد من إقامة دعائم لأي بناء, فإذا كانت النية مصحوبة شئ من اللوث على اختلف أنواعه, أي نية خالطها لوث فسدت.
منها مثلاً:ـ
ـ حب التصدر أريد أن ينظر إليّ الناس, أي نحن هنا.
ـ حب شهوة , شهوة لمجرد الطلب.
ـ حب تصدر مجلس, إذا كنت في أي مكان أحب أن الناس تعرفني, أنا من, ما هو مكاني؟
هذا كفيل أن يكون حاجز منيعاً في النية, إذا وجد هذا عند أي طالب علم أنه يريد نحن هنا, فهذا الأمر فاسد.
النية يعتريها فساد, معنى ذلك أنها تحتاج إلى مجاهدة, يعترها من الآفات ما تحتاج إلى مجاهدة, الإنسان يجاهد النفس, فهذا ليس سبب في البداية للانصراف, ولكن أجاهد النفس, كما قال عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}. [العنكبوت/69].
فإن أنزل نفسه ووضعها في موضعها يواصل, لكن وجد أن النفس جموحة عجز أن يصلح هذه النفس, وجد نفسه كما قلت بداخله فرعون صغير موجود, ما هو العلاج؟ إذاً لآبد أن أنظر سبيل أخر, أهاجر من أرض فرعون التي في نفسي, إلى أرض نقية طاهرة, كما فعل موسى عليه السلام, ذهب إلى أرض شعيب.
سفيان الثوري رغم جلالة قدره وعظيم فضله واتساع منزلته عند العلماء قاطبة, كان يقول ما عالجت شيئاً أشد علىّ من نيتي, أعظم مشكلة, إصلاح النية, توجه النفس, أطر النفسي للحق, أصعب شئ وهذا سفيان ليس رجل عادي, فإذا كان سفيان بهذا الحال, فما بالُنا نحن, وهو يحارب نفسه, يصلح هذه النية ويأطرها أطراً, فلذلك ينبغي أن يكون الواحد منا متجرداً في طلب العلم, إن أراد العلم متجرد, ليس في نفسه إلا الله, ليس في نيته إلا الله, ما أراد بأي شئ إلا الله, سارت نفسه في يده, علقت في يده يوجهها كيفما شاء, مثل من يقود سيارة, معه القيادة لكن إن قادته النفس, يتجنب على جانب الطريق خشية أن يعمل صِدَامِ فيهلك.
يقول بعص أهل العلم: طَلَبْنَا هَذَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إِلَّا لِلَّهِ. أي البداية أي إنسان يكون فيها ما فيها لكن قد تستمر, لكن بالمجاهدة قد يصل,فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إِلَّا لِلَّهِ, فالبداية قد تكون سيئة, وقد يكون فيك من الدخن وفيك وفيك, وأمور كثيرة جداً, لكن إن هذبها العلم وأصلاحها, وأنت تعين نفسك على هذا نجوت, وإلا فالإنسان يؤثر الظل, بمعني يبحث له عن عبادة أخرى, وليس الظل أن يترك الدين كله, يبحث عن عبادة أخرى.
- المعوق الثاني:ـ (( هو حب الشهرة وحب التصدر ))
الإنسان يجد في نفسه حب يريد أن يكون معروف مشهور, حب أن يكون له مكانة ومنزل عند الناس, فأيضا هو يدخل تحت النية, ولكن لآبد أن تفرده في نفسك بباب خاص, تجعل باب الشهوة الشهرة التصدر المنزل المكانة هو شغلك الشاغل, تتكلم تحب الناس تسمعك, تريد أن كل الناس تشعر أنك فلان, أنك أنت أنت ... إلى أخره, هذه الأشياء الموجودة في نفوس كل الخلق, أريد أن يكون لي منزل, أريد أن يكون لي درجة, لي مكانة.
قال الشاطبي: أخر الأشياء نزولا من قلوب الصالحين حب السلطة والتصدر, أي أخر مرحلة, يظل في نَفْسَك نِفْسَك تتمنى أن يشار إليك, حتى أن البعض يقول أنا خامل, فيحاول الإنسان بجسمه وبدنه أن يكون خامل, ولكن في نفسه كما قلت حب المنزل, وطبعاً كلنا فينا هذا, ونسأل الله أن يعافي الجميع, فتجد في نفسك أنك تريد أن تكون خامل لكن في نفس الوقت تتمنى أن يثنى عليك, لو شخص أثنى عليك يا سلام, ذمك لا, تكره الذم وإن كان صواباً, وتحب المدح وإن كان خطأ, مصيبة كبيرة جداً.
فإذا كانت نية طالب العلم أن يشتهر اسمه, وأن يرتفع ذكره, وأن يكون مبجلاً كلما حل أو رحل, لا هم له إلا ذلك, فقد أدخل نفسه مداخل خطيرة, ويكفي أن نعرف حديثاً واحداً وذكرناه, حديث هذا العالم, وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ.[ وهو صادق]. قَالَ كَذَبْتَ. <مسلم (1905)>. لأن الدخيلة فاسدة.
وأيضاً هناك أثر " يا نعايا العرب ثلاثا ان أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية ". <شعب الإيمان للبيهقي (332/5), حلية الأولياء (122/7)>. ((حسنه الشيخ الألباني, وفيه كلام)).
قال ابن الأثير إن الشهوة الخفية حب إطلاع الناس على العمل, تتمنى أن الناس تعرف ماذا تفعل, ولذلك قيل أن العلامة أن يكون باطنك أسوء من ظاهرك, أن يكون باطنك سَيِّئ, والظاهر طيب, هذه علامة سوء, هذه صفات المنافقين, الباطن عند والعبادات الخفية بينك وبين ربك ضئيلة ضعيفة, ولكن أمام الناس قد تتقن الفعل, وقد يكون سمتك حسن, وصورتك حسنة, وتأدي بعض الطاعات ظاهراً أما بينك وبين ربك العلاقة سيئة, هذه علامة سوء والعياذ بالله.
وقيل جِيءَ عن عمر أنه عاتب أُبيّ أي أبيّ بن كعب, عندما رأى الناس يمشون خلفه, فنهره وزجره قائلا: كف عن هذا فإنها فتنة للمتبوع, مذلة للتابع, تشعر أن الناس يمشون حولك مصيبة لك, وكذلك لهذا الذي خلفك, يظن بك ظن لست بأهل لهذا الظن.
وقيل بأن العبد إذا تمنى أو فرح أن يعظم إذا دخل, وإن كان قصده مقصوراً على إعجاب الناس به ومدحهم له فحسب, فإن ذلك باب عظيم من أبواب الرياء والسمعة, « مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ » < البخاري (6499 ), مسلم (2986 ) >.
فهذه الشهوة مصيبة, إلا لمن ربط على قلبه برباط الإيمان, جاء هكذا برباط الإيمان على القلب وشد القلب على التقوى والإيمان بالله عز وجل.
وكان السلف رحمهم الله تعالى أبعد الناس عن حب الشهرة, من الأمثلة:ـ
ما جاء في ترجمة أيوب السختياني, قال شعبة قال أيوب ذُكِرت, ولا أحب أن أذكر, وكان له خبيئة, كان أهل بيته وهذا عوف عنه كان إذا نام من أول الليل قام, وقام يصلي, فإذا كان قبل الفجر بساعة التي يقوم فيها أهل البيت, قام كأنه ما قام إلا الساعة, يمسح وجهه بيديه ويفعل أشياء كأنه ما قام إلا الساعة, ويقول أهل بيته والله ما نام الليل, خبيئة. لكن انظر إلى خبيئتك كيف حالك؟ جيفة بالليل جربوع بالنهار, هذا غالب من ينتسب لطلبة العلم في هذه الأزمنة.
قال شعبة ربما ذهبت مع أيوب لحاجة فلا يدعني أمشي معه, ويخرج من ها هنا وها هنا لكي لا يفطن إليه أحد, يحاول أن لا يجعل أحد يمشي وراءه.
وقال حماد كنت أمشي معه أي أيوب السختياني, فيأخد في طرق إني لأعجب كيف يهتدي لها, شوارع خفية لا يريد أن يعرفه أحد, فراراً من الناس, أن يقال هذا أيوب.
وقال بشر بن الحارث أي الحافي, ما اتقى الله من أحب الشهرة, غابت التقوى من قلبه.
وقال الإمام أحمد: أريد أن أكون في شعب بمكة حتى لا أُعْرَف ولكني قد ابتليت بالشهرة, عرف من هو الإمام أحمد, ولما بلغ الإمام أحمد أن الناس يدعون له, أي أن كثير من الناس يدعون فيقولون رحم الله أحمد رضي الله عن أحمد, دعاء قال ليته لا يكون استدراجاً, الخير العاجل في الدنيا إما نعمة وإما نقمة. إذا أثني الناس عليك إما نعمة, تلك عاجل بشرى المؤمن, وإما نقمة استدراج, نلت حظك في الدنيا وقد قيل, قيل أنت فلان وأنت فاعل وأنت كذا وأنت كذا إلى أخره, وهذا الغالب, لأنه لا يتقن الأمر الأول إلا الخُلَّص, وهي البشرى, أن الله عز وجل عجل ذكرهم في الدنيا, وتظل إلى قيام الساعة, كنجوم الإسلام, نجوم الهدى، ممن مضى إلى يومنا هذا, لا يُذْكَرُون إلا بالفضل والخير.
وقال مرة يخاطب تلميذه لما بلغه مدح الناس, أي الإمام أحمد، فقال له يا أبا بكر إذا عرف الرجل نفسه فما ينفعه كلام الناس, أنت أدرى بنفسك, لو قيل فلان وفلان وفلان أنت أدرى بنفسك, قدرك معلوم عندك لا عند الناس, فإن عرفت قدرك فالزم القدر هذا لا ترتفع عنه, ولا تظن بنفسك كما يقال أن تحسن الظن بنفسك لا، لآبد أن تجعل سوء الظن مقدم على حسن الظن لنفسك, حتى تستطيع أن تضبط زمام أو خطام هذه النفس.
وقال مرة لشخص أخر حينما بلغه دعاء الناس، قال أسأل الله أن لا يجعلنا من المرائين.
- المعوق الثالث:ـ (( التفريط في طلب العلم في الصغر ))
فإن غالباً الأن نرى أن المدارس الإلزامية في جميع بلاد المسلمين، هي مجرد علوم دنيوية بحتة, والعلوم الشرعية ضئيلة ومحشوة بعلوم الدنيا, وهذا مطلوب, لكن لأبد أن يكون هناك باب يفرغ فيه من سيكون للأمة من العلماء, من أول الولادة، من أول أن يولد الطفل, يهيئ لهذا اصطفاء, وهذا دَيْنٌ على الأمة, الأمة تأثم إن لم تهيئ لها علماء من الصغر, أنت لما تأتي بواحد ليكون عالم، وتدخله مدارس أي المدارس الشرعية, كالأزهر وغيره, وتجد حشو عنده أربعة عشر كتاب ما تخرج بكتاب له فائدة قط, ويمكن قدر ضئيل من القرآن, حتى أن بعضهم يخرج من الأزهر ولا يعرف يقرأ القرآن، إلا إذا ذهب عند مشايخ يجودون له, ما يعرف القراءة, والقدر من العلم ضئيل, فلذلك الأمة في حاجة إلى متخصصين, وطبعاً هؤلاء لآبد من رعاية وعناية.
فالتفريط في الصغر هذا يؤدي إلى تفريط عند الكبر, فبعد أن يتخرج إنسان من الجامعة بعد دراسة يمكن لا يعرف أن يقرأ كلمة باللغة العربية, أي أن اللغة العربية مُحِيت تماماً, تجد أن حصة اللغة العربية هي أسوء حصة في التعليم, ومدرس اللغة العربية يُعَقِد اللغة العربية, تراه مِكلكع, تراى شكله يأتون بإنسان شكله -مدرس اللغة العربية- تجد أن له شكل معين, وصورة معينة, ونمط معين, وطباع معينة, غير مدرس الإنجليزي يكون شكله جميل ومهندم, كأنه اختيار, وتظل لكي تتعلم اللغة العربية لا تستطيع, يظل يدرس لك النحو يدخل لك في أبواب اللغة كأنها لغرتمات, يمكن تتعلم جرامر اللغة الإنجليزية, والنحو لا تعرف عنه شئ أبداً, فهذه مصيبة كبيرة جداً تأثم بها الأمة, لآبد من نواة لَبناتٍ في الأمة للعلوم الشرعية, أن الطفل من الصغر يهيئ كما هيئ من سبق للعلم الشرعي, وكما قلت هذا ليس أن كل المسلمين أن يتعلموا لا, فإن بعض الأطفال من الصغر لهم رعاية من الأبوين هذا أساسي, وقد يكون في نباهة عند الطفل وذكاء, لا نأتي بالفاشل وندخله الأزهر, الطالب المتخلف يقولون لا ينفعه إلا الأزهر, هذا لا ينفع, لآبد أن يكون هذا الطالب الذي يدخل الطب أعلى من الطب، أن يكون عالم شرع, يخدم الإسلام ويخدم الدين, وأن يكون صاحب منزل, لكن أهم شئ الأن أن الطالب الذكي النبيه يدخل طب أو هندسة, أو كليات التي تسمى كليات القمة, كان من حوالي خمس عشرة سنة كان الراسب في الأزهر في الابتدائي يدخل إعدادي، عادي من غير أي شئ ينتقل مباشراً من غير شئ, وهذه آفة عظيمة, فلذلك التفريط في طلب العلم في الصغر والتعلم بعدما ينتهي من الجامعة, انظر تخيل بعد ما يبدأ بعد اثنين وعشرين سنة يريد أن يتعلم ماذا يتعلم!! وما هو الممكن أن يحصله, صعب.
فالإنسان لا يغبط إنساناً أصغر منه سناً وأكبر همة, تجدهم من السابقين إلى حلقات العلم, والإنسان إذا رأى هذا يتحسر على أوقات ذهبت من عمره, ولم يستغلها في الطلب والحفظ, فإذا ما كبر وكثرت أشغاله وكثرت الصوارف عليه أناء الليل وأطراف النهار, تعكر مزاجه ولم يستطع مواصلة السير, ولذلك نرى وهذه قضية خطيرة جداً أيضاً, كثير من طلبة الهندسة والطب وهذه الكليات العالية يأتيه حاله من نستطيع أن نقول ثقل التعليم, يحاول أن يلتزم في مثلاً في الجامعة في يوجد بعض الدعوة وبعض الأشياء الطيبة فيحاول أن يلتزم, هذا الالتزام ما فيه توجيه, فجمع بين علوم دنيوية ويريد أن يجمع معها علوم شرعية, وهذا على حساب هذا وذاك, يحاول أن يجمع هذا وذاك, لا جمع هذا ولا ذاك, بمجرد أن ينتهي من ثقل الدراسة ينتهي نهائياً وجد وظيفة, ونجح بأي سبيل من السبل وبعد ذلك ترك العلم الشرعي, وترك الالتزام بالكلية, يا الله لو صلي الصلوات كعوام المسلمين فجزاه الله خيراً.
ولذلك يقال طلب الحديث أو العلم في الصغر كالنقش في الحجر, وقال عمر تفقهوا قبل أن تسودوا, وقال البخاري وبعد أن تسودوا, وقد تعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على كبر سنهم, لكن الأصل أن تتعلم في الصغر, أو أن تهيئ أبناءك لهذا, لو أن شخص فكر أن يجعل ولد من أولاده لله عز وجل, ينذره لتعلم العلم الشرعي, يبدأ من الصغر يهتم به رعاية خاصة لهذا الولد, وليس كما يفعل الآن أول ما يولد الطفل يُلّْبِسوه شرط, ويظل لابس الشرط ويكلبظوا فيه ويعطوه ويعطوه وما في أي اهتمام, ترى شكله مكلبظ وما شاء الله, وفرحنين أنه مكلبظ, خدوده جميله ومكلبظ, هذا ما ينفع, لكن من الصغر.
كانت هند امرأة كافرة كانت تشيد على معاوية, حتى يكون رجل
وكذلك صفية كانت تضرب الزبير ضرب شديد جداً, وشدة من الصغر واهتمام وو..., فكان أهل أبيه يذمون فعلها, وقالت
من قال قد أبغضته فقد كذب, وإنما اضربه لكي يلب, ويهزم الجيش ويأتي السلب, أريد أن يخرج رجل, فلو وجد الأم والأب أنهم يريدون أن يخرجوا من أبناءهم رجل واحد, كلمة رجل بمعني رجل يخدم الإسلام, لكن يظل يكلبظ فيه يكلبظ فيه فيظل مكلبظ وبعد ذلك يكون من نصيب الشارع.
- المعوق الرابع:ـ (( العزوف عن الطلب بالكلية ))
الإنسان قد يكون فيه طاقة كامنة لا يعرفها, ممكن تجد نفسك البيئة جعلتك تنحرف إلى نوع معين, تاجر صانع عامل موظف أي باب من الأبواب, لكن فيك طاقة كامنة ممكن تهيئ لطلب العلم, فلو عرضت نفسك على هذا الباب قد تنجح, وفعلاً أقواماً لما وجهوا إلى لطلب العلم فاقوا وفازوا..
هذا أبو هريرة الدوسي هذا الرجل الفقير, الذي ترك قومه وأسلم على يد الرجل الصلح الطفيل بن عمرو الدوسي, ثمرة من ثماره, لازم المسجد, جاء من أجل الإسلام ويأكل لقمتين, فتابع النبي صلى الله عليه وسلم تابع, كان كانت فيه طاقة عجيبة, كانت فيه ملكة الحفظ, أو قل عنده شوق لحب سماع النبي صلى الله عليه وسلم, فكان يحاول أن يجمع بسرعة فلا يستطيع, يجمع يجمع يجمع حرص شديد, عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ « لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِى عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ" . < البخاري (6570) >.
أراد أن يحفظ العلم لأنه أسلم في أواخر عُمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم , تقريباً عاصر أربع سنوات من عمر النبي صلى الله عليه وسلم الدعوى, فأراد أن يحفظ,قال قلت أسألك أن تعلمني مما علمك الله قال فنزع نمرة على ظهري ووسطها بيني وبينه فحدثني حتى إذا استوعبت حديثه قال اجمعها فصرها إليك فأصبحت لا أسقط حرفا مما حدثني, كان يعد من حفاظ الصحابة الكبار وسبق, إذا قد يكون فيك أنت ملكة مدفونة ويمكن لو عرضت نفسك ستفيق.
مما ذكر ابن الجوزي قصة رجل كان يعمل مركبي, أي يعبر من القرية هذه إلى القرية هذه, يحمل الركاب من شاطئ إلى شاطئ, وكان فوق الأربعين من العمر, وكان هناك بعض الطلبة ينتقلون إلى أحد المشايخ من هذه القرية إلى هذه القرية, فكانوا ذهاباً وجيئة يتدرسون العلم, الآن طلبة العلم لا يتدارسون علم إنما غيبة ونميمة ووَشّ وكلام, يريد الدارس وهو جالس في الدرس في المسجد, وبعد ذلك أين الدورس نريد دروس ومثل ذلك, لكن يمكن تجد اثنين يدرسو مع بعض, ويدارسو بعض قليل يندر, يسيرون في الشارع فلان وعلان وفلان لا لو فيه مدارسه ساوياً, ستصفي القلوب, لذلك أنا أريد أن أركز على أعظم عبادتين ذكرتا, فيمن يظلهم الله في ظله سهلين جداً, « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ [منهم] وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ". < البخاري (660), مسلم (1031) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه >.
لو لم يكن لنا إلا هاتين العبادتين لنجونا, لو كل أخ منا يحاول أن يحافظ على المسجد يأتي مبكراً, يشعر بحب للمسجد ليس شرط مسجد الأمام أحمد, أي مسجد تتعلق فيه, يتعلق قلبه بمسجد يجعله مكان يكتن فيه, يدخل المسجد يقرأ قرآن يذكر الله يستغيث بالله, يدعو الله وهذا أقرب للقبول, وتخيلوا مثلاً الرجل في صلاة ما انتظر الصلاة, فأنت بمجرد أن تأتي المسجد وجلوسك في المسجد هذه عبادة مستقلة دون أي مجهود, قلبك معلق بالمسجد.
الباب الأخر وهو الحب أن الواحد يا إخوان دائماً بينك وبين إخوانك لو نظرت بمنظار عدل, ترى في كل أخ فيه خير وفيه شر, لو أنك غضضت الطرف فترة من الوقت, حاول تعمل لنفسك أجندة في صفحات سوداء وصفحات بيضاء, اخفي الأسود وهات الأبيض وضعه أمامك, فلان الفلاني فيه بعض الخير يكفي أنه يأتي إلى المسجد, يكفي أنه ملتزم, يكفي أنه يحاول أن يقرأ القرآن, أي شئ هيج قلبك, بحب هذا الشخص, وعطي الأسود, وتحاول أن تحبه, قد تصلحه وقد تكون سبباً في نجاته إن كان على ما ظننت, وربما تترائ هذا السواد هو ضباب في عينك أنت, أنت كنت فاكر أن عنده نصف أسود, لا أنا إذا نظرت بعين الحب, لأن يا إخونا عين الحب تخفي المساوئ وعين البغض تجعل الحسن سيئ, وهذه قضية خطيرة, فلو أنك هيجت قلبك ولغينا الأسود هذا, وبدأنا نرى ونقلب هذه عبادة عظيمة جداً, سترى نفسك محب لكل من هو محب لله عز وجل, وربما تكون سبباً في إصلاحه أو نجاته, لكن أصبحنا الآن وللأسف الشديد عندنا الدفتر كله أسود, حتى الأبيض نجعله أسود, إذا خلطناهم على بعض, فلذلك الإنسان يحاول دائماً أنه يحب بعض إخوانه, يحب الأخوة يحاول يصلح, يحاول أن يتكلم فيما يألف القلوب, فلو هيجت قلبك بحسنة واحدة فلان هذا يصلي جماعة, لو هيجت قلبك بهذه تحبه, فلان هذا فيه بعض الخير ستحبه, لكن أنك تغطي وتلغي هذه كارثة عظيمة جداً, نسأل الله السلامة.
فلذلك كثير من الناس يحاول أن لا ينظر في ملاكاته, يظل هكذا مغلق مغلق مغلق, فلذلك لو عرض نفسه وحاول أن ينظر ما هو الذي يتقنه, ماذا تتقن؟لو بدأت تفكر فيما تتقن ربما تصل إلى السفينة.
- المعوق الخامس:ـ (( تزكية النفس ))
وهو يدخل فيما مضى أيضاً, أنك تحب أن تظهر قدراتك, أنا فلان وعندي كذا, ترين أن تظهر نفسك, وتجد نفسك في منزل وتريد أن تبين للناس من أنت؟ أن يحب الشخص مدح نفسه وأن يلقي على نفسه ألقاباً, وأن يفرح بسماع الناس عليه ولا شك في أن ثناء الناس عليك من عاجل بشراك,كما في حديث أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، الرَّجُلُ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ فَيُحِبُّهُ النَّاسُ ؟ قَالَ : تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ.
<مسلم (2642), أحمد "مسند" (168/5)>.
قد يكون خير لك, ولكن الحذر كل الحذر أن تمدح بأمر ليس فيك, وتفرح بذلك, حذاري ثم حذاري أن يكون هذا من شأنك وشأني.
وتذكر قول الله تعالى في ذم قوم: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. [آل عمران/188].
واحد يقول يا سلام ما أحسن خلق فلان, وأنت أسوء الناس خلق نسأل الله السلامة, ما أحسن أن تمدح يقال فلان ما شاء الله عنده أدب ودين وورع, وأنت من أسوء الناس في هذا وذاك, فلذلك حاول أن تقيس مدح الناس هل أنت فيك هذا, إن كان فيك احمد الله وزد من هذا الخير, وإن لم يكن فيك هذا حاول أن تتضرع بين يدي الملك أن يجعلك كما قال.
ثم نتذكر أن تذكية النفس في الغالب مذمومة, إلا في بعض المواطن على سبيل المثال تريد أن تكون في مكان وترى أنه لا يصلح فيه إلا أنت يجوز, لكن عموم التزكية خطأ, لذلك قال عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}. [النساء/49].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم « لاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ " <مسلم (2142 ), أبو داود (4953) عن زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِى سَلَمَةَ رضي الله عنها>.
لكن أن الغالب أن حب التزكية وحب الثناء من مداخل الشيطان, تجد الشيطان يدخل لك ويقول لك ما لفلان أنت أفضل منه, فأنت تحاول أن تغلق باب التزكية.
- المعوق السادس:ـ (( عدم العمل بالعلم ))
وهذا معوق مهم جداً, وهذه آفة الكل, نريد أن نتعلم فقط, لو نظرت فيما تعلمت كم عملت به؟ أو بعشره لا نقول بكله!! منذ فترة ونحن نقرأ حديث وقرأنا الموطأ وقرأنا كتاب كذا وكتاب كذا ونقرأ ودروس وو..., سل نفسك لا تقل ماذا عمل فلان لا أقول نفسي أنا ماذا عملت؟؟ إن وجدت نفسك لا تعمل شئ هذه مصيبة كبيرة جداً, إذاً العلم إما حجة لك أو عليك, إذا يلزمك أن تعمل بكل ما سمعت, كل شئ, كان شعبة لما قرأ قول الله تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ}. [النور/28].
قال بحثت عن العمل بهذه الآية منذ عشرين سنة, لا يستطيع العمل بها, فذهب إلى شيخ له فطرق الباب فقال له ارجع, فخر لله ساجداً, أنه عمل بهذه الآية, فكان السلف إذا سمعوا آية أو حديث, أي شئ تذكرون قصة أبي طلحة الأنصاري قرأ آية نفذها فوراً: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. [آل عمران/92].
هيج قلبه بهذه الآية لآبد أن أعمل بها, لكن نسمع آيات وقرآن يتلا ونحن في الطريق وو..., وتسمع ما شاء الله أشياء تهز القلوب, ولا سمع لمن تنادي, ولا شئ مجرد أننا نطرب بالقرآن, ونتلذذ بسماع السنة فقط, أما العمل لا, ألبس قميص وأعمل أشياء وأكون أنا طالب علم هُمَام لا, لا يغنيك بياض ثوبك وسواد قلبك, إطلاقاً, لآبد أن تنظر في خلل في داخلك, كيف أعمل بهذا العلم؟ كيف أنفذه؟ كيف أطبقه؟ كيف كيف؟؟ وهذه قضية نفتقدها جميعاً, كيف نقف على بعض النصوص وابدأ نفذ الأمر هذا وهذا, كان الصحابة يقرأون العشر آيات, لا ينتقلون إلا بعد العمل بهذه, عشرة ثم عشرة ثم عشرة يعمل, لكن أني أنا مجرد حشو بلا عمل ولا حتى يظهر عليك أثر هذا العلم, هذه آفة عظيمة جداً نسأل الله السلامة, فعدم العمل بالعلم لذلك قال الله عز وجل: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}. [الصف/3].
فعدم العمل بالعلم هو سبب رئيسي من أسباب محق بركة العلم, ثبات العلم أن تعمل به, لذلك كان السلف هم أحرص الناس على العمل بما يعلمون, قال ابن مسعود كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن, يعرف هذا الذي تعلم ماذا يعمل به.
كنت أقرأ الدرس وأسأل هل أحد فكر أن يراجع هذا الكلام, يعني الموطأ كله ألغاز هل أحد فكر أبداً, مجرد تلذذ أريد أن أسمع فقط الدرس, أريد أن أجلس في الدرس وأسمع, لكن أن يرجع يقلب في الموطأ ويبحث في معني الكلام وغيره, لا يوجد, مجرد أريد أن أحضر دروس وانتهى الأمر, لكن حرص على أنني أتعلم بصدق, وأن أعمل بهذا العلم لا يوجد أبداً, مجرد أني أنا اسمي طالب علم وانتهت المشكلة, قرأنا كذا وكذا وإلى أخره.
ويوجد رواية عن على رضي الله عنه قال: يهتف العلم بالعمل, فإن أجابه وإلا ارتحل, يستحيل العلم والعمل قرينان, إن وجد العمل مع العلم ثبت وإلا ذهب, وهذه حقيقة, الشئ الذي لم تعمل به لا يثبت, إلا مجرد منظمات نسردها على الألسنة وانتهى الأمر, لأن العلم والعمل قرينان, إما أن يجتمعا أو يرتفعا معاً, لا يوجد شئ اسمه علم بلا عمل, لذلك قال الله عز وجل: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}. [آل عمران/79].
الرباني قال ابن عباس: هو العالم الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره, ومعني يربي هو في نفسه لآبد أن يكون أسوة, ثم من تعلم العلم لآبد أن يكون أيضاً متربي بهذا العلم.
يقول بشر الحافي -يعني ابن الحارث- أدوا زكاة الحديث فاستعملوا من كل مائتي حديث خمسة أحاديث, بمعني زكاة العلم أن تعملوا به تشتغلوا بهذا الذي سمعتموه, والعمل بالعلم يعين على تثبيت العلم, مثلاً أننا بدأنا نقرأ صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم, بدأنا نجمع الأحاديث من البداية إلى النهاية, بدأنا مع كل حديث, حديث ابن عمر فعل كذا وكذا, والحديث الفلاني, لو عملت بهذا يستحيل أن تنسى صفة الصلاة, لكن لو مجرد حافظ هذا الكلام نظري لا يثبت كثيراً وأنت لا تعمل به, ولا تعرف كيف تأديه, إذا لآبد أي شئ أتعلمه أعمل به حتى يثبت, وتنال الأجرين, أجر العلم وأجر العمل, ....
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 

تسابيح ساجدة

لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
إنضم
16 أكتوبر 2010
المشاركات
8,111
النقاط
38
الإقامة
المعهد
احفظ من كتاب الله
اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
هم كُثر ,,,
الجنس
أخت
اللهم اجعلنا من من يستمعون القول فيتبعون احسنه
بارك الرحمن جل وعلا فيكم
ورفع قدركم جل شأنه في الدارين
 
أعلى