معنى الصبر وحقيقته وفضائله

طباعة الموضوع

أم نافع

عضو مميز
إنضم
9 أبريل 2011
المشاركات
173
النقاط
18
الإقامة
المغرب
معنى الصبر وحقيقته وفضائله


الحمد لله له الحمد كله، وله المُلك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، علانيتُه وسرُّه، فأهلٌ أن يحمد؛ إنه على كل شيء قدير.

أحمده - سبحانه - لا شريك له في مُلكه، ولا ند له في إلهيته، ولا سمِيَّ له في أسمائه، ولا مِثْل له في صفاته وأفعاله، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فلا معبود بحقٍّ سواه؛ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62].

وأشهد أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عبدُ الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، وأمينُه على وحيه، وسفيره إلى عباده، فنِعْم العبدُ، وأكرِمْ به من رسولٍ، وأعظِمْ به من هادٍ، كيف لا وهو البشير النذير، السراج المنير؟

صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه خير المؤمنين بعد المرسلين والنبيين، وخير قرون الأمة إلى يوم يبعثون، وأول أتباع المرسلين دخولاً الجنة؛ ذلك لأنهم أتباعُ خير الرسل، وأولُ من عبدَ اللهَ بأعظم شريعة، وهم هداة الخلق إلى يوم الحشر والنشور.

أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تُوقَوا، وأطيعوا الرسول تهتدوا، واصبروا تؤجروا وتُنْصروا، وتحفظوا وترزقوا، وتفلحوا في الدنيا والآخرة، وتسعدوا في العاجلة والآجلة؛ فإنه من يتصبَّر يصبِّرْه الله، وإن الصبر ضياء، وإنه ما أُعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر؛ قال - تعالى -: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، إلى قوله: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157]، وقال - سبحانه -: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

عباد الله، الصبر حبس النفس على ما ينفعها وعمَّا يضرها عاجلاً وآجلاً، دنيا وآخرة، وحقيقته حبْسُ النفس على طاعة الله بحيث لا تملُّها وتتركها، وعن معصية الله فلا تتشوق إليها وتقتحمها، وعلى أقدار الله المؤلمة فلا تتسخطها وتعترض عليها وتقول أو تفعل ما يخالف الشرع عند وقوعها، وعن الأهواء المضلَّة بترك الإصغاء إلى شبهات دعاتها، والحذر من معارضة الشرعِ بالرأي تحقيقًا لمقاصدها، فالصبرُ حبس النفس على مداومة الطاعة، والحيلولة بينها وبين اقتحام المعصية المُهلِكة، وعن الجزع ومخالفة الشرع بالصوت أو الجوارح عند ابتلائها بما تكره، وعن الإصغاء إلى الأهواء المضلة؛ حتى لا تتمرَّدَ على ربها، ويزيَّنَ لها سوءُ عملها.

أيها المسلمون:
الصبر كاسْمِه مُرةٌ مذاقتُه، صعبةٌ معالجته، حلوة ثمراته؛ فعاقبته طيبة، وذكراه جميلة، وثمراته ممتعة مسعدة في الدنيا والآخرة، فعاجلها في العاجلة ممتعٌ، وآجلها في الآجلة مُسعِد، يتنعم به السعداء في الجنة أبدَ الآباد، كما يشقى تاركو الصبر في الدنيا يوم القيامة في النار وبئس المهاد.

فاصبروا - عباد الله - لله ديانةً وعبادة، واصبروا بالله - تعالى - توكلاً واستعانة، واصبروا مع الله طاعة له بموافقة شريعته وتحقيق ما يرضيه، ونأيًا عن معصيته واجتنابِ كل ما يسخطه ويؤذيه؛ فإنكم من خلقه، وتتمتعون بفضله ورزقه، ومردُّكم إليه فمجازون برحمته وفضله، أو عدله وحكمتِه؛ فعاقبة الصبر أو عدمه عائدةٌ إليكم، وعلم الله السابق وقدره متحقِّق فيكم، ولكن الله ابتلاكم بالتكليف به؛ لتقوم حجتُه عليكم، ويتجلى عدلُه أو فضله على مستحقه منكم، فاسألوا الله العافيةَ من البلاء، واصبروا له وبه عند الابتلاء، ولا ترتدُّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين كفعل أهل الكفر والأهواء.

أيها المسلمون:
لا أحد أصبرُ على أذًى سمعه من الله، فإن مِن خَلقِه مَن يزعم له الشريكَ، وينسب له الصاحبةَ والولد، ومع ذلك فهو يرزقهم ويعافيهم، فحسبكم بوصف "الصبر" الذي أضافه الله إلى نفسه، ولقد ذكر الله - تبارك وتعالى - الصبرَ في كتابه في أكثرَ من ثمانين موضعًا أمرًا به، ونهيًا عن ضده، وثناءً على أهله، وتذكيرًا بحسن عواقبه، وكريم عوائده، وتذكيرًا بمحبة الله - تعالى - للصابرين، وذمًّا لمن جانَبَ الصبر، وتذكيرًا بشؤم ما حصلوه في نهاية الأمر، ولقد أمر الله - تبارك وتعالى - رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أن يصبِرَ كما صبر أولو العزم من الرسل، فبادر - صلى الله عليه وسلم - إلى امتثال الأمر، وتحقيق الصبر؛ حتى صار أسوةً للصابرين، حيث صبر - صلى الله عليه وسلم - صبرًا أكملَ وأجملَ من صبر أولي العزم من الرسل مجتمعين، ولقد بلغ - صلى الله عليه وسلم - شأن الصبر فحضَّ أمته على الصبر، وبيَّن ما أعطى الله - تعالى - عليه من عظيم الأجر، وفصَّل شأنه بذكر ألوانٍ من ثواب الله - تعالى - عليه في الدنيا، وبعد المردِّ إليه، فأكثر - صلى الله عليه وسلم - من ذكره وبيان شأنه، وحضَّ عليه موضحًا لبرهانه، ولقد تأسى سلفُ هذه الأمة بنبيهم - صلى الله عليه وسلم - في امتثال أمر الله بالصبر، ووثقوا بما وعد اللهُ عليه من جزيل المثوبة وعظيم الأجر، وذكَّروا الأمَّة بما وجدوه في هذا الأمر، فقال قائلهم: الصبرُ من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمانَ لمن لا صبر له، وقال آخر: إنما وجدنا أطيبَ عيشِنا بالصبر، وقال ثالث: نعم العدلان، ونعمت العلاوة على الصبر: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157]، وكم لهم - رحمةُ الله عليهم - من الأقوالِ المشهورة، والعبارات المضيئة، في بيان عاقبةِ صبرهم، وحث الأمة على أن تصبرَ وتلتمس حسن العاقبة عليه في كل مهم.

معشر المؤمنين:
الصبر يكون عند الابتداء، وحال الفعل، وبعد الانتهاء، فإن عرَض لك الخيرُ، فبادر إليه وصبِّر نفسك عليه، وإذا انتهيت، فصبِّر نفسَك عما يُبطله ويُذهب أجره، وإن عرض عليك الشرُّ، فاصبر عنه واشتغل بما ينفعك وأباح الله لك إلهاءً لنفسك عنه.

وإن ابتليت بمصيبة بسبب مخالفة منك لله فاصبر على المصيبة، واستغفر من المعيبة، وإن أُصبت بمصيبة محضة لا سبب لك فيها، فسلِّم لله الأمرَ على المصيبة، واصبِرْ له كما شرع، تحمَدِ العاقبةَ، وتَنَل الخلف والمثوبة في الدنيا والآخرة
موقع الالوكة
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 

تسابيح ساجدة

لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
إنضم
16 أكتوبر 2010
المشاركات
8,111
النقاط
38
الإقامة
المعهد
احفظ من كتاب الله
اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
هم كُثر ,,,
الجنس
أخت
عباد الله، الصبر حبس النفس على ما ينفعها وعمَّا يضرها عاجلاً وآجلاً، دنيا وآخرة، وحقيقته حبْسُ النفس على طاعة الله بحيث لا تملُّها وتتركها، وعن معصية الله فلا تتشوق إليها وتقتحمها، وعلى أقدار الله المؤلمة فلا تتسخطها وتعترض عليها وتقول أو تفعل ما يخالف الشرع عند وقوعها، وعن الأهواء المضلَّة بترك الإصغاء إلى شبهات دعاتها، والحذر من معارضة الشرعِ بالرأي تحقيقًا لمقاصدها، فالصبرُ حبس النفس على مداومة الطاعة، والحيلولة بينها وبين اقتحام المعصية المُهلِكة، وعن الجزع ومخالفة الشرع بالصوت أو الجوارح عند ابتلائها بما تكره، وعن الإصغاء إلى الأهواء المضلة؛ حتى لا تتمرَّدَ على ربها، ويزيَّنَ لها سوءُ عملها.

أيها المسلمون:
الصبر كاسْمِه مُرةٌ مذاقتُه، صعبةٌ معالجته، حلوة ثمراته؛ فعاقبته طيبة، وذكراه جميلة، وثمراته ممتعة مسعدة في الدنيا والآخرة، فعاجلها في العاجلة ممتعٌ، وآجلها في الآجلة مُسعِد، يتنعم به السعداء في الجنة أبدَ الآباد، كما يشقى تاركو الصبر في الدنيا يوم القيامة في النار وبئس المهاد.






بوركت يا حبيبة

طرح طيب سلمت ذائقتكِ الندية

كتب ربي سبحانه اجرك ونفع بك

وجزاك جل وعلا كل الخير واحسن اليك

لجديدك انتظر بشوق
 
أعلى