ابن عامر الشامي
وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
- إنضم
- 20 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 10,237
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المملكة المغربية
- احفظ من كتاب الله
- بين الدفتين
- احب القراءة برواية
- رواية حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- سعود الشريم
- الجنس
- اخ
قيام الليل .. رياض الصالحين.. وملاذ المحبين
محاضرة عظيمة في روعة الأسحار تتكلم عن قيام الليل وإيجابياته الجليلة العظيمة وأسباب العلاج للبطالين والعاجزين عنه ..محفزات .. ووسائل ..أسرع لسماعها أو قرائتها على هذا الموقع الإسلامي الهادف جزى الله القائمين عليه ..صيد الفوائد
لفضيلة الشيخ
د.أحمد أبو وائل أكرم أيمن عمير
حي مرماد ـ غارداية
قيام الليل .. رياض الصالحين..وملاذ المحبين
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه أحمده سبحانه وأثني عليه الخير كله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين أما بعد ..
جاء الليل مقبلاً يجر ظلامه وسواده ..
لا تحزن فله مرحبين !! وله مستقبلين ..
أيها الأخوة في الله : مع جمالِ نجوم الليل..ومع حسنِ بهائها..ونظارةِ لياليها..خاصةً تلك الساعات الأخيرة المباركة من ثلث الليل ..
إنها أوقتا غيرَ باقي الأوقات ؟!! إنها تعدل موسم كاملاً من النفحات..وأي مواسم تلك الساعات ؟ إنها لحظات تنـزلِ الرحمات..لا يتخلى الناسُ عن بعضِ أفعالِهم المحبوبة إليهم..وشيء من تصرفاتِهم المحبوبة إلى نفوسهم .. منهم من يعانق وثير الفراش ونعيم الوسائد ..وآخر أمام القنوات والمواقع الهدامة !والثالث على تعاطي المسكرات والمخدرات .. والعياذ بالله تعالى .
أما الصنف الثاني صنف الجيل الفريد في نوعه فتراهم عباد ليل هنالك ..ركعاً و آخر ساجد.. وثالث باكي .. ورابع رافع يديه يتفنن في أدعية الابتهال والمنجاة !!..
نعم إنهم الصالحون يستنبطون من داجية ظلام الليل حلكته أنواراً للصباح، وينسجون من سواده بُرُد الضياء الوضَّاح، ويصنعون من وحشته الأنس والانشراح، وينطقون صمته المهيب بألسنة فصاح.
واعجباه … كيف أخرجوا النور من قلب الظلمة، وصاغوا حلل الفجر من خيوط الليل؟!
واعجباه … كيف حولوا الوحشة إلى أنس، والانقطاع إلى صلة؟
ترى أي أسرار كانت لهم في الليل؟
أي نجاوى كانت تحملهم على بساطه إلى آفاق رحبة ينقطعون فيها عن دنيا الناس ليعيشوا مع رب الناس؟
يا ترى .. أيَّ سر كشفوه في الليل حتى أحبوه وعشقوه وفضلوا ظلمته على وضح النهار؟
قلت لليل كم بصدرك سر أخبرني ما أروع الأسرار؟
قال:
ما ضاء في ظلامي سر كدموع المنيب في الأسحار
نعم هذه هي أسرار الليل التي هدوا إليها …
إنها صلاة المصلين ودموع الباكين ومناجاة الخاشعين.
إنها زفرات المذنبين وآهات التائبين وأنين المستغفرين.
إنها دعاء المخبتين ومناجاة المحبين ووجد المشتاقين.
لصلاة الليل عندهم أسرارها، وللأذكار في نفوسهم حلاوتها، وللمناجاة عندهم لذّتها..!!
أخي في الله لا تتعجب فسوف يزيل عنك الالتباس سليمان الداراني ليقول لك : لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.
ويقول علي بن بكار: منذ أربعين سنة ما أحزنني إلا طلوع الفجر.
ويقول السري: رأيت الفوائد ترد في ظلم الليل ..
ويقول الأوزاعي: كان السلف إذا انصدع الفجر أو قبله بشيء قليل كأن على رؤوسهم الطير مقبلين على أنفسهم حتى لو أن حميماً لأحدهم قد غاب عنه حيناً ثم قدم ما التفت إليه.
بكى أبو سليمان يوماً فقال له ابن أبي الحواري ما يبكيك؟ قال: ويحك يا أحمد كيف لا أبكي وقد بلغني أنه إذا جن الليل وهدأت العيون وخلا كل خليل بخليله واستنارت قلوب العارفين وارتفعت هممهم إلى ذي العرش وافترش أهل المحبة أقدامهم بين يدي مليكهم في مناجاته ورددوا كلامه بأصوات محزونة جرت دموعهم على خدودهم وتقطرت في محاريبهم خوفاً واشتياقاً، فأشرف عليه الجليل جل جلاله فنظر إليهم فأمدهم مهابة وسروراً، وقال: يا جبريل ناد فيهم ما هذا البكاء الذي أسمع؟ وما هذا التضرع الذي أرى منكم؟ هل سمعتم أو أخبركم عني أحد أن حبيباً يعذب أحباءه؟ أو ما علمتم أني كريم؟ فكيف لا أرضى؟ أيشبه كرمي أن أرد قوماً قصدوني؟ أم كيف أذل قوماً تعززوا بي؟ أم كيف أحجب غداً أقواماً آثروني على جميع خلقي وعلى أنفسهم وتنعموا بذكري؟ فبي حلفت لأبعدن الوحشة عن قلوبهم ولأكونن أنيسهم إلى أن يلقوني فإذا قدموا علي يوم القيامة فإن أول هديتي إليهم أن أكشف لهم عن وجهي حتى ينظروا إلي وأنظر إليهم، ثم لهم عندي ما لا يعلمه غيري!! ثم قال الداراني: يا أحمد إن فاتني ما ذكرت لك فيحق لي أن أبكي دماً بعد الدموع( ).
هؤلاء الذين قد يئسوا من الدنيا ويئست منهم، فلو رأيتهم لرأيت رجالاً إذا جنهم الليل مزقوه بسكاكين السهر، إن القوم أعطوا المجهود من أنفسهم فلما دبرت المفاصل من الركوع وقرحت الجباه من السجود وتغيرت الألوان من السهر ضجوا إلى الله بالاستغاثة فهم أحلاف اجتهاد لا يسكنون إلى غير الرحمن. تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً [السجدة:16].
بكى الباكـون للرحمن ليلاً وباتوا دمعهم لا يسأمونا
بقاع الأرض من شوق إليهم تحن متى عليها يسجدونا
أهل الليل :: هم عباد الرحمن الذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً، انتزعوا نفوسهم من وثير الفرش، وهدوء المساكن، وسكون الليل، وسكون الكون، غالبوا هواتف النوم، وآثروا الأنس بالله، والرجاء في وعد الله، والخوف من وعيده، أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء الَّيْلِ سَـاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ [الزمر:9].
عبادٌ لله قانتون متقون، قَلِيلاً مّن الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِلأَسْحَـارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17، 18].
لصلاة الليل عندهم أسرارها، وللأذكار في نفوسهم حلاوتها، وللمناجاة عندهم لذّتها، يقول أبو سليمان الداراني رحمه الله: "أهل الليل في ليلهم ألذّ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل لما أحببت البقاء في الدنيا"( ) ، ولما حضرت ابن عمر رضي الله عنهما الوفاة قال: (ما آسى على شيء من الدنيا إلا عن ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل) ( ).
الله أكبر، ما طاب لهم المنام لأنهم تذكروا وحشة القبور، وهول المُطَّلع يوم النشور، يوم يُبعَث ما في القبور، ويُحصَّل ما في الصدور، ولهذا قال قتادة رحمه الله: "ما سهر الليل بالطاعة منافقٌ" ( ) .
قد هدّ أجسامهم الوعيد وغير ألوانهم السهر الشديد يتلذذون بكلام الرحمن، ينوحون به على أنفسهم نوح الحمام. يرون أن من أعظم نعم محبوبهم عليهم أن أقامهم وأنام غيرهم واستزارهم وطرد غيرهم وأهلهم وحرم غيرهم.
عبادٌ لله صالحون، تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [السجدة:16، 17].
لقد تعدَّدت مقاصدهم، واختلفت مطالبهم، وتنوّعت غاياتهم، والليل هو منهلُهم وموردهم، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ [البقرة:60]. فهذا محبٌ يتنعّم بالمناجاة، وذلك محسنٌ يزداد في الدرجات، ويسارع في الخيرات، ويجدّ في المنافسات، وآخر خائفٌ يتضرّع في طلب العفو، ويبكي على الخطيئة والذنب، ورَاجٍ يلحّ في سؤاله، ويصرّ على مطلوبه، وعاصٍ مقصّر يطلب النجاة، ويعتذر عن التقصير وسوء العمل، كلهم يدعون ربهم، ويرجونه خوفاً وطمعاً، فأنعم عليهم مولاهم، فأعطاهم واستخلصهم واصطفاهم، وقليل ما هم.
اكتفوا من الليل بيسير النوم، مشتغلين بالصلاة والقرآن والذكر والصوم، تلكم هي همم القوم، وتأملوا هذه الآيات العظيمة: وَمِنَ الَّيْلِ فَسْجُدْ لَهُ وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً إِنَّ هَـاؤُلاَء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً [الإنسان:26، 27].
إذا ما الليل أظلم كـآبـدوه فيسـفر عنهم وهـم ركـوعُ
أطار الخوف نومهم فقامـوا وأهـل الأمن في الدنيا هجوع
لهم تحت الظلام وهم سجود أنين منـه تنفـرج الضلـوع
قال أبو الزناد: كنت أخرج من السحر إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلا أمر ببيت إلا وفيه قارئ، وكنا نحن فتيان نريد أن نخرج لحاجة فنقول: موعدكم قيام القراء.
قال الحسن بن عرفة ليزيد بن هارون: يا أبا خالد: ما فعلت العينان الجميلتان؟ قال: ذهب بهما بكاء الأسحار!
وقال الحسن: كان عمر رضي الله عنه يمر بالآية من ورده بالليل فيبكي حتى يسقط ويبقى في البيت يعاد للمرض.
وكان ابن عمر يحي الليل صلاة ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فيقول: لا، فيعاود فإذا قال: نعم، قعد يستغفر الله حتى يصبح.
وكان عتبة الغلام يقول في ليله على ساحل البحر: إن تعذبني فإني لك محب، وإن ترحمني فإني لك محب، فلم يزل يرددها ويبكي حتى يصبح.
رجع أبو ريحانة من بعث غزا فيه، فلما انصرف أتى أهله فتعشى ثم دعا بوضوء فتوضأ ثم قام إلى مسجده فقرأ سورة ثم أخرى فلم يزل مكانه حتى أذن المؤذن فأتته امراته فقالت: قد غزوت فتعبت ثم قدمت إلي ولم يكن لي منك نصيب! فقال: بلى، لو ذكرتني لكان لك علي حق. قالت: فما الذي يشغلك يا أبا ريحانة؟ قال: لم يزل يهوى قلبي فيما وصف الله في جنته حتى سمعت المؤذن!
قدم عبد الرحمن الأسود وهو معتل الرجل فقام يصلي الليلة حتى أصبح شاغراً رجلاً قائماً على رجل واحدة وصلى الفجر بوضوء العشاء.
كان ثابت يقوم من الليل فإذا أصبح يأخذ قدميه فيعصرهما ويقول: مضى العابدون وقطع بي! والهفاه!
ثابت بن أسلم البناني: كان يقوم الليل خمسين سنة فإذا كان السحر قال في دعائه: اللهم إن كنت أعطيت أحدا من خلقك الصلاة في قبره فأعطنيها.
وكانت لداود ركعة من الليل يبكي فيها نفسه، ويبكي ببكائه كل شيء، ويصرف بصوته الهموم والأحزان.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع