ام محمد وسلمى
اللهم ألف بين قلوبنا
- إنضم
- 3 أكتوبر 2010
- المشاركات
- 606
- النقاط
- 18
- الإقامة
- مصر
- الموقع الالكتروني
- www.qoranona.com
- احفظ من كتاب الله
- 7
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- الجصري-السديس
- الجنس
- اخت
قصة ابن الخواجة
محمد بن إسماعيل المقدم
بسم الله الرحمن الرحيم
(1)
كانت البداية في أواخر القرن التاسع عشر..
كان الخواجة إبراهيم أفندي عبد الملك يعيش في منزله بحي الظاهر بالقاهرة..
ومن حوله أسرة كبيرة العدد من الأقرباء والأصهار..
فقد كان التقليد المتبع في تلك الأيام هو أن تتجمع الأصول والفروع في مساكن متقاربة..
تأصلت هذه العادة في القطر المصري وفي غيره من الأقطار العربية المجاورة..
وكان يميز حي الظاهر بأنه كان يسكنه أسر الناس القدامى في مصر..
وكان الخواجة إبراهيم عبد الملك يسكن منزلاً متوسطاً رقم 72 شارع الظاهر..
وكان لقب الخواجة حينئذٍ يطلق على وجهاء الأقباط ورجال الأعمال..
ومن هؤلاء كان إبراهيم أفندي عبد الملك الذي احترف تجارة الجملة والوكالة بالعمولة..
وكان قد اتخذ مقراً تجارياً بحي الجمالية يقضي به يومه كله..
فهو مشغول دائماً بأعماله الكثيرة لكسب رزقه ورزق أسرته الكثيرة العدد..
وهو لا يستقر في داره إلا يوماً واحداً هو يوم الأحد..
وفي هذا اليوم من كل أسبوع كان أفراد الأسرة كلهم يجتمعون إلى مائدة الغذاء بعد عودتهم من الكنيسة..
حتى الذين يقيمون في القاهرة بعيداً عن حي الظاهر كانوا حريصين على حضور هذا الاجتماع العائلي الدوري حرصهم على أغلى ما يملكون..
وكان الخواجة إبراهيم عبد الملك قد رزق بأربعة أبناء من الذكور هم بحسب ترتيب أعمارهم عبده (أكبرهم).. ونسيم وفهيم وسليم..
كما أنجب عدداً آخر من البنات اللاتي حرص على حسن تربيتهن حرصه على تعليم أولاده الذكور وإلحاقهم بالمدارس وتوفير ما يلزم لهم..
حتى اشتهر بين أقربائه بأنه رب أسرة كادح ناجح..
وكان عبده ابنه الأكبر مجتهداً ذكياً..
لم يتخلف في دراسته سنة واحدة..
حتى وصل إلى السنة الثالثة الثانوية..
التي صرفته فيها ظروف بالغة الخطر..
ترتب عليها أن تخلف للإعادة.. فكيف تخلف الطالب الذكي المجتهد عبده إبراهيم عبد الملك في امتحان البكالوريا
وهو كان رمزاً للتفوق ومثالاُ يحتذى بين أقرانه؟..
ولماذا حدث ما حدث ولم يعهد عليه ضعف أو تراخٍ فضلاً عن الرسوب في الامتحان؟..
إن الإجابة على هذين السؤالين تضعنا على الطريق إلى صلب الموضوع..
(2)
كان بعض نظار الثانوية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي..
كانوا يتبعون أسلوب الخلايا العلمية..
وهو أسلوب تربوي يقوم على أساس التآلف بين الطلاب ..
وذلك دون تحديد عدد معين ودون محاولة الربط بين خلية وأخرى..
إذ كان القصد من ذلك هو مجرد تشجيع الطلاب على التجمع في صحبة أو مجموعة..
ليكون نشاطهم العلمي والاجتماعي أجدى من الناحية التربوية..
مما لو ترك الطالب في مرحلة المراهقة وأول النضج فريسة للوحدة في نزهته حبيساً في حجرة استذكاره بداره..
وهكذا اجتمع بقدر الله مجموعة من ثلاثة أشخاص..
اجتمع محمد توفيق صدقي .. و أحمد نجيب برادة .. و عبده إبراهيم عبد الملك..
في خلية واحدة تآلف أفرادها وانسجموا ثلاثتهم..
فانتظموا في عقد دراستهم من أول الدراسة الثانوية..
فما أن وصل ثلاثتهم إلى السنة الثالثة الثانوية..
حتى غدت أواصر المودة بينهم قوية تشد بعضهم إلى بعض..
حتى اشتهروا بين زملائهم بذلك وعرفوا بما يحملونه لبعضهم البعض من مشاعر الحب والإخلاص والاحترام..
وكان محمد توفيق صدقي أيسر حالاً من الجميع..
وتقع داره في جنينة (لاز) المتاخمة لجنينة (ناميش) بحي السيدة زينب..
وكان في الدار في المدخل من جهة اليسار منظرة (مضيفة أو غرفة ضيافة) تكاد تنفصل هي وجميع مرافقها عن البيت كله يسمونها حجرة الضيافة..
أما أحمد نجيب برادة فقد كان رقيق الحال..
كفله عمه بعد وفاة أبيه..
فلم يكن الصحب يغشون دار عمه في الحلمية إلا نادراً..
مع أن الدار كانت فسيحة على الطراز القديم ولها صحن فيه بئر ودلو..
لكنها في النهاية لم تكن دار برادة ولكنها دار عمه الذي يرعاه بديلاً عن أبيه..
أما عبده فقد كانت داره كما قلنا بالظاهر..
بعيدة عن السيدة زينب وكذلك عن الحلمية خاصة بمعايير المواصلات في ذلك العهد..
ذلك فضلاً عن وقوع حجرة عبده الخاصة في الطابق الثالث مع الأسرة..
هكذا وجد الثلاثة أنفسهم متفقين بغير اتفاق على تفضيل منظرة صدقي للقاء..
لقصد الاستذكار وما يصحبه من صخب الشباب أحياناً..
وقد زاد من كفة ترجيح هذه المنظرة قربها من المدارس الثانوية فضلاً عن المدارس العليا..
لكن الأمر لم يسلم برغم ذلك من أن الصحاب الثلاثة كانوا يغشون دار عم برادة بالحلمية أحياناً مضطرين لظرف أو آخر..
وكان في صحن الدار كما سبق بئر ودلو..
فكانوا إذا وجبت الصلاة قام صدقي وبرادة فتوضأ كل منهما بدوره ثم أقاما الصلاة..
وكان عبده من دونهما يرقبهما بعض الوقت وهما يصليان..
ويتشاغل عنهما بالنظر في أوراقه ما أتيح له ذلك..
وبتكرار هذه المواقف من وقت لآخر خلال السنتين الأولى والثانية من الدراسة الثانوية..
قام في نفس عبده تساؤل عنيف عن سلوك صاحبيه..
(3)
قام في نفس عبده تساؤل عنيف عن سلوك صاحبيه ..
فقد رآهما كثيراً وهما يسعيان في اهتمام بالغ للتطهر حال سماعهما للأذان ..
بل ربما قبله استعداداً للصلاة..
وهما يقفان في خشوع وخضوع مهيب أمام ربهم
ثم يركعان ويخران للأرض سجداً في هيئة تدل على تمام عبوديتهما لربهما..
ثم إنهما يكرران ذلك بشكل إيماني رائع..
حتى إذا جلسا للتشهد وفرغا من الصلاة وسلما عن يمين وشمال..
أقبل كل منهما على أخيه يدعو له بقبول العبادة في محبة وود ورجاء..
فكان عبده في كل مرة يسأل نفسه ترى هل هما وفريق المسلمين على حق أم على باطل؟..
فإذا كانوا على الحق فما حقيقة دينه إذاً؟..
وإذا كانوا على الباطل فلماذا لا يصحح لهما عقيدتهما؟..
وكيف مرت الأيام هكذا وثلاثتهم يخلص لبعضهم من غير أن يناقشوا هذا الأمر؟..
وهل ساور زميليه نفس الخاطر الذي يساوره الآن فمنعهما الحياء؟..
فإذا كان ذلك كذلك فلماذا لا يبدأ هو بالحديث معهما؟..
وتشجع عبده فأفضى إليهما بقلقه من وجود خلاف بينهم كجماعة متحابة متماسكة في أمر جوهري كهذا؟..
وبخاصة أن هذا الخلاف لم يكن باختيار أحد منهم..
وإنما وجدوه بينهم بحكم التوارث فحسب..
فهو مثلاً لا يفعل كما يفعلون لأنه جاء إلى هذه الدنيا من أبوين يدينان بالنصرانية..
ولو أن أبويه كانا من أسرة مسلمة لما وجد هذا الخلاف..
ثم إنهما كذلك لا يذهبان إلى الكنيسة في يوم الأحد ..
ولا يفكران في شيء من ذلك
لأنهما ولدا في أسرتين مسلمتين
ولو أنهما وجدا في محيط نصراني لما وجد هذا الخلاف..
قال عبده:
ليس هذا ما ينبغي أن يكون عليه الشأن بين إخوة جمعهم رباط العلم وملأ قلوبهم مشاعر الحب والصفاء..
وإنه لمن الإخلال بواجب المودة الخالصة من الشوائب الموجودة بيننا أن تستمر الحال هكذا على ما بيننا في هذا الأمر الهام من خلاف..
فلا بد أن يكون زميلاي مخدوعين أو أن أكون أنا جاهلاً بما يؤمنان به..
نهض عبده من مجلسه وتقدم قريباً من البئر..
وتبعه صاحباه ينظران ما شأنه..
فقال أرياني كيف تفعلان؟..
وأعيناني كما تفعلان في رفع الماء من البئر وصبه على أطرافكما
وهل لذلك قواعد وأصول عندكما؟..
فأجاباه إلى ما طلب وهما يعجبان مما فعل..
وأجرى عبده الماء على يديه ووجهه وذراعيه ورأسه وقدميه في تجربة بدائية..
لم يكن يستهدف منها إلا الوقوف على شيء غامض في داخله..
وربما وجد إجابة للسؤال الذي يحيره منذ حين..
وهو ما حكمة صب الماء على أطراف الجسم مع التكرار؟..
ولاحظ عبده من التجربة أن أول الآثار التي أصابته من جراء صب الماء على أطرافه أنه أحس بنوع لذيذ من الانتعاش واليقظة والانتباه ملأه ابتهاجاً وثقة بالنفس..
فعاد يسأل هل سبب ذلك الانتعاش وتلك الثقة هو ما أراه بعيني الآن من نظافة يدي ومنافذ وجهي وطهارة رجلاي وطيب رائحتهما..
إن في الأمر سراً خافياً عليه لا يزال .. لكن ما صنعه ليس مجرد عبث صغيرٍ كما كان يراه من قبل..
وإنه ليرى من وراء هذا الصنيع بعض المعاني الكبيرة
التي لا يحزبها عنه أو يحزبه عنها إلا جهله بهذا الدين الإسلامي..
فطلب منهما أن يحدثاه عن حكمة الوضوء وأركانه وسننه ونواقضه..
وعن حكمة القيام والقعود والسجود وتكرارها..
ولم يكن صاحباه في هذا السن على قدر واسع من الإحاطة بفقه دينهما مما جعلهما يدركان بأنهما ليسا في منزلة تؤهلهما لإجابة شافية لسؤاله..
وقد أحس هو بذلك حين سكتا..
فقال: أنتما مقلدان وأنا مقلد..
ولا خير فينا جميعاً مالم ندرك فائدة وحقيقة ما نختار..
فهلا تعاهدنا جميعاً على البحث في حقائق الدين وأسباب الخلاف الذي نحن فيه..
برغم ما نحسه جميعاً من حب وود يجمعنا..
فكان العهد الوثيق الذي أخلص له كل من عبده وصدقي بصفة خاصة إخلاصاً صرفهما معظم أيام السنة الدراسية عن دروسهما..
أما برادة فأقتصد في الوفاء بهذا العهد لأنه كان يرى أن حاجته الكبرى كانت في اختصار الضيافة التي فرضتها الأحداث على عمه..
(4)
وهكذا استغرق عبده وصدقي في الاطلاع دون برادة في الاطلاع على ما وصلت إليه أيديهما ..
من المراجع والكتب الباحثة في الدين وفروعه ..
على حين توقف الثالث على كتبه دون كل شيء..
ليس غريباً إذن أن نرى برادة وحده يحصل على شهادة البكالوريا في ذلك العام على حين تخلف عبده وصدقي للإعادة..
وذلك بسبب انشغالهما بالبحث في الدين..
لا بد أن هذه الظاهرة المفاجئة لكل من عبده وصدقي قد أثارت الأقاويل والشبهات حولهما..
بل إن الأهل قد تهامسوا فيما بينهم بأن عبده وصدقي قد انحرفا وغلبت عليهما الأهواء..
وجد صدقي أن ثقافته في الدين ليست إلا قشوراً..
وشعر بأن وصف عبده له في البداية أنه مقلد هو أقل ما يقال في حقه..
فتعلق بدراسات شتى تقربه من معرفة دينه..
وبدأ يهتم بأخبار ندوات العلوم الدينية ومجالسها والمحاضرات العامة وأماكنها..
فنشأت بينه وبين فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله علاقة زادت مع الأيام ثباتاً وعمقاً..
وكان عبده كثيراً ما يصحب الشيخ في هذه المجالس ثم ينصرف بعدها إلى التأمل والموازنة بين ما حوته المراجع التي تتكلم عن الأديان من زاوية ثم غيرها من زاوية أخرى..
فدخل في مرحلة الشك من أمر اتباع دين معين لمجرد توارث هذا الدين في تتابع الأيام..
وناله من الهم ما لم يكن منه خلاص إلا بمزيد من البحث والتأمل..
وانقضى العام ونجح عبده وصدقي والتحقا بمدرسة الطب ..
وزاد اقترابهما من شدة تمسكهما بالوفاء بعهدهما ..
على حين قد سار برادة شوطاً حتى قارب نصف المسافة في دراسة القانون..
إذ كان قد التحق منذ حصوله على شهادة البكالوريا بكلية الحقوق..
(5)
لم ينفرط عقد الصحاب الثلاثة ولم يتنكر أحدهم للموثق الذي واثقوه..
وإنما اقترب اثنان منهما بحكم الزمالة في مجال واحد ومدرسة واحدة..
وفرض على الثالث أن يتفرغ لتخصص قائم بذاته..
كانت تجربة الرسوب مريرة فاعتزم الصاحبان أن ينصرفا عن كل راحة ولهو بريء..
وأن يقسما الوقت والجهد بين علوم الطب وعلوم الدين..
وتقدما من المقدمات التي تتحدث عن وظائف الأعضاء إلى ما هو أعمق في تخصصهما..
حتى حصلا على قدر من المعرفة بجسم الإنسان من دراسة التشريح..
وكان عبده بوجه خاص ينهل من المراجع العلمية.. ليروي ظمأه ويرفع غلته..
لا ليحصل على إجابة تفتح له باب المهنة والحصول على وظيفة..
بل لأنه كان يعاني من ظمأ قاتل.. لا يكسره إلا شيء من العلم بحقائق هذا الكون..
ولو في بعض ما احتواه..
كان يصعد النظر في السماء ويدور ببصره من حول هذه الأجرام..
التي يخطؤها عد الإنسان قطعاً..
ثم يرتد البصر حسيراً.. إذ تقوم بينه وبين حقائق هذه السماء الدنيا حجب من الجهل التام في فرع من المعرفة لا يستطيع أن يقترب منه..
ثم يعود إلى جسم الإنسان وقد تهيأت له ظروف الإمعان في دقائقه.. والغوص في خفاياه فيشبع نهمه إلى المعرفة هنا لعله يدرك من دراسة هذا المخلوق الذي يسمى الإنسان شيئاً لا يزال يجهله وهو قدرة الله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان على هذه الصورة..
وقد كانت في نظره صورة مذهلة تدل على قدرة لا تحيط بها الأبصار..
وتعلقت آماله بأن يكو ن حقاً أن البصائر تدركها..
وهنا بدأ يفكر أن هذه الظاهرات المادية التي سمع عنها.. كالتجسد والميلاد وأكل الطعام والصلب..
يجوز أن تكون كلها أو بعضها مقبولة من حيث المبدأ إذا أضيفت إلى جسم الإنسان الحادث الزائل عن الوجود..
أما إضافة شيء من ذلك إلى خالق فذلك أمر يدفعه حاكم العقل بالفساد..
وتأباه الفطرة السليمة فضلاً عن القوة العاقلة المدبرة..
(6)
يقول أحمد نجيب برادة:
لم يكن الإسلام بعيداً عن صاحبنا وزميلنا عبده.. منذ تفرغه لدراسة الأديان
قبل اجتهاده لنيل الثانوية العامة، وأثناء دراسة الطب..
لكن دراسة التشريح نحواً من ثلاثين شهراً..
نقلته من حال إلى حال..
فقد تملكه خوف من لقاء الله وهو في جهالته وتردده بحقيقة البعث والتوحيد والثواب والعقاب.. لتعامله مع الجثث وبقائه مع الموتى..
فاجتمع إلى صاحبيه..
وقال بأنه آمن بالذي هما والمسلمون عليه..
وبأنه سيبدأ بما هو مستقر من إجراءات لتوثيق وشهر إسلامه..
فزع صاحباه من هذه العجلة..
وقالا له: استمع إلينا أيها الصديق جيداً..
أنت تعلم حبنا ووفاءنا لك.. وأننا سنخلص لك النصيحة حتماً..
وأنت الآن بينك وبين التخرج ومدة الامتياز عامان ونصف العام..
وهذا الأمر الذي أنت مقدم عليه متعجلاً ..
ستكون له أثار خطيرة وشديدة على والديك وإخوتك وأهلك..
وأقل ما سيلحقونه بك من ضرر هو ضربك وطردك من البيت ومحاربتك..
وأنت بكل ذلك ستعرض مستقبلك للبوار..
وهذا الدين القويم الذي رغبت فيه يأمر بالحكمة والتعقل..
فالرأي عندنا أن تتمهل..
وأن تستخفي بدينك حتى تتخرج وتكون لك وظيفة تكسب من ورائها رزقاً..
ثم إنك في حاجة إلى مزيد من الدراسة والله يعلم صدق نيتك فيما تدعيه..
فأنت عند الله إن شاء الله من المقبولين ما دامت قد صحت نيتك..
فلا تتعجل التوثيق وشهر الدين الجديد..
حتى تكون العلانية مأمونة لك..
ورضخ عبده لهذه النصيحة..
لكنه وجد تعلقه بهذا الدين يشتد ويقوى لحظة بعد لحظة..
ويوماً بعد يوم ..
وهو لا يستطيع كتمان هذا النور الذي بات يشعشع في مسامه..
وينير عقله وقلبه..
فعاد يتصرف دون الرجوع إلى صاحبيه..
حتى لا يشيرا عليه بما يكره من صبر وكتمان..
فعكف على القرآن يتلو آياته كلما وجد من الوقت فسحة وفراغاً..
وحرص أن يكون في جيبه دائماً..
وأخذ يؤدي من الصلوات ما تيسر له في خفاء خارج البيت أحياناً..
وفي حجرته داخل البيت إذا أمن على نفسه أحياناً أخرى..
ومضى عامان إلا قليلاً ..
وهو يتعجل الأيام لتمضي وليتحقق حلمه..
وبدأت مدة الامتياز وهي أقل من عام..
وحل شهر رمضان..
(7)
وحل شهر رمضان..
بروحانياته وبركاته..
فاعتزم طبيب الامتياز أمراً..
وما عاد بعد الآن يستشير فيما وضح له من الحق أحداً أبداً..
كانت هناك عادة مقدسة في منزل والده إبراهيم عبد الملك أفندي وهي غداء الأحد..
الذي يتفرغ فيه الأب للاجتماع بجميع أولاده..
تخلف عبده عن حضور الغداء من يوم الأحد.. (لشهر رمضان)..
على غير ما جرت به عادته وعادة الأسرة كلها..
وسأل عنه أبوه ظهراً وعصراً ومساءً..
ولكن عبده لم يحضر إلى داره إلا في ساعة متأخرة من الليل..
فقيل له إن الأسرة كلها قلقة لهذا التخلف.. وإن الظنون ذهبت بهم كل مذهب..
وكان رده أن الأعمال في قسم الاستقبال كانت كثيرة على غير المألوف والمتوقع لها..
وقد اعتذر عن الحضور زميلان له..
فقضى اليوم كله في مواجهة الحالات العاجلة التي كان ينبغي لهما استقبالهما لو حضرا..
وجاء الأحد الذي يليه..
وتوقف الخواجه إبراهيم عن أن يذوق طعاماً أو شراباً..
حتى يصل ابنه الطبيب..
وطال انتظاره له ساعات وساعات حتى غلبه النوم..
فقام إلى فراشه مكتئباً..
وقد داخله هم لا يعرف من أين أتاه..
أو هو يعرف ولكنه يناور نفسه هروباً من مواجهته..
حتى فزع بآماله إلى الكذب..
وعند منتصف الليل جاء الطبيب إلى الدار..
وعليه من آثار الإجهاد ما يظنه في نفسه شفيعاً..
واتجه إلى حجرته بخطوات متعبة..
وتبعته أمه وهي تقول له..
أين كنت اليوم بطوله يا بني..
إن أباك لم يذق طعاماً ولا شراباً اليوم..
لأنه يكره أن يكون مكانك خالياً من غداء الأحد..
وهذه هي المرة الثانية التي يتكرر فيها ذلك على التوالي..
فهلا ترفقت بنفسك وبأبيك وبنا جميعاً فيما تقبله من واجبات بسبب تخلف زملائك عن نوبات عملهم..
بل هلا رحمت أباك وترفقت به بعد أن تقدمت به السن..
وترفق عبده بأمه وهو يجيبها إلى ما سألته..
لكنها عادت تسأل وهو مرهق مجهد..
فقال لها: يا أماه..
وحشد لها من صنوف المعاذير ما يظنها اقتنعت به..
وهما لا يزالان في حوار..
وإذا بمساعده في المستشفى يطرق الباب..
ويطلب حضور الطبيب إلى المستشفى على عجل..
لوقوع حادث كبير تضاعفت بسببه الحالات لذا تعين استدعاء كل الأطباء..
وكان عبده لم يكن قد مضى على حضوره ساعة وبضع الساعة..
قضاها في حوار مرير مع أمه ..
ولم ينل قسطه من الراحة ولا حتى بعضه..
ولكنه طلب من أمه أن تعينه على استبدال ملابسه ليمضي مع مساعده الذي لا يزال واقفاً بالباب..
ثم انصرف الطبيب مع مساعده ولفهما الليل..
ولف المكان سكون مبهم من ذلك النوع الذي ينبأ بقرب هبوب عاصفة قوية..
وفي الليلة الثانية جاء من المستشفى من يستدعي الطبيب عبده..
لأن الطبيب المناوب قد اعتذر فجأة..
وبعدها تكرر الطلب في جوف الليل من جديد مرة بعد مرة..
وتنوعت الأعذار..
حتى جاء يوم الأحد الثالث..
وأبوه يتابع ولا يتكلم..
فقد غشيه من الهم غاشية لا قبل له بها..
وعلى مائدة الغداء جلس ينتظر ابنه ساعات..
وبه من الهم والهواجس والشكوك مايهد كيانه ويزلزل وجدانه..
وتحامل الأب على نفسه وهو ينهض بعيداً عن المائدة فاختل.. لولا أن أعانه بنوه ..
وأمرهم أن يجلسوه على مقعد مقرب لباب الدار..
وبقيت عينه شاخصة لكل قادم..
لكن ساعات طويلة مضت وهو على ما هو عليه حتى قارب الليل أن ينتصف..
وصارت الدار في سكون حزين مبهم..
وأقبل الطبيب الذي تخلف عن غداء الأحد ثلاثاً متواليات..
فألفى أباه جالساً لا يزال لدى مدخل الدار..
(8)
أقبل الطبيب الذي تخلف عن غداء الأحد ثلاثاً متواليات..
فألفى أباه جالساً لا يزال لدى مدخل الدار..
فتمالك نفسه وحياه..
ولكنه لم يرد التحية..
وبادره قائلاً: أين كنت طوال اليوم..
قال الطبيب متلطفاً: في المستشفى كعادتي يا أبي..
وساد بينهما الصمت فترة حتى تمالك الرجل نفسه..
وقال في هدوء مصطنع:
إن أمرك يا بني لم يعد خافياً علي..
خاصة بعدما تكرر غيابك كل يوم أحد..
ولقد اجتمعت عندنا دلالات خطيرة عن سلوكك في العامين الأخيرين..
وهي دلالات قد أثارت في نفسي ظنوناً تكاد تقتلني حسرة على ما آل إليه أمرك..
وما صرت عليه من حال..
فهلا حدثتني بحقيقة الخبر..
وصدقتني القول..
فإني أجد الحقيقة مهما بلغ سوءها أرحم بي مما أنا فيه..
قال الطبيب الشاب:
إني محدثك بالصدق يا أبي..
فما هي هذه الدلالات والظنون التي تشير إليها..
قال الوالد:
كتاب المسلمين.. !!
وجده الكواء في جيبك من نحو عامين..
وقد كتمت الأمر ظناً مني أنك سعود إلى صوابك ورشدك..
فتنتهي عما أنت فيه..
وها هو الكتاب فانظر إليه جيداً..
أليس هذا الكتاب يخصك..
أجب أيها الضال..
سكت الطبيب لحظة ثم قال:
لا يا أبي.. الكتاب يخصني فعلاً..
فثارت ثائرة الأب لجرأته،
وعاد يقول:
وأخوك سليم.. لقد رآك من ثقب الباب وأنت تقوم وتقعد على غير هيئة الصلاة عندنا..
ولقد حدث أمه بما رأى فكذبته ونهرته..
لكنها راقبتك بنفسها..
وقد ثبت عندها صدق مقالة أخيك..
ألم تفعل هذا حقاً حين تخلو بنفسك في حجرتك بداري؟
سكت الطبيب وقد بدا له أن الأمر جد ما بعده جد،
وعاد الأب يقول:
لقد أصابني من ذلك ما لا قبل لبشر باحتماله،
ولكني كنت أوثر الصمت وأحمل ذلك كله في حبك للعلم والمعرفة،
حتى كان الأحد الذي مضى من ثلاثة أسابيع،
ثم الذي بعده
ثم هذا اليوم الأسود
حين حصل غيابك اليوم كله،
وتكرر غيابك بالليل،
لقد ظننت أن هذا التتصرف الغريب من جانبك له صلة بهذا الشهر الذي يصومه المسلمون الآن..
والمسمى بشهر رمضان..
فهل أنت تفعل فعلهم أيضاً أم هي المصادفات؟
وفوجيء طبيب الامتياز الغارق في البحث والتطبيق العلمي والتدريب التطبيقي العملي ..
بهذا الموقف من أبيه..
وما جره عليه اتخاذه القرارات بمعرفته منفرداً..
وإصراره على أداء العبادات قبل أن يستقل بحياته كما كان ينصحه صاحباه..
لكنه رأى وقد انكشف له الأمر أن قد آن له أيضاً أن يستريح..
(9)
فوجيء طبيب الامتياز الغارق في البحث والتطبيق العلمي والتدريب التطبيقي العملي ..
بهذا الموقف من أبيه..
وما جره عليه اتخاذه القرارات بمعرفته منفرداً..
وإصراره على أداء العبادات قبل أن يستقل بحياته كما كان ينصحه صاحباه..
لكنه رأى وقد انكشف له الأمر أن قد آن له أيضاً أن يستريح..
وأن يفرغ من حالة القلق التي كان يعيشها منذ عامين أو يزيد..
وأن ينفض عن كاهله هذا العبء الذي أرهقه..
فأقبل على والده مشفقاً عليه وعلى نفسه وهو يقول له:
لقد وعدتك يا والدي أن أكون صادقاً معك وألا أخفي عليك شيئاً مصيره إلى العلانية حتماً..
وإنما أردت أن أؤخر حديثي لك في هذا الشأن حتى تخف واجباتي في المستشفى
ثم سكت لحظة عاد بعدها يقول:
ولكن مادمت الآن تستعجل حقيقة الأمر فاعلم يا أبي هداني الله وهداك..
أني بالبحث الدقيق الواعي قد علمت أن هذا الدين الإسلامي هو الحق..
وأنه قد بعث نبي بالقرآن كما بعث الأنبياء قبله بالكتب..
قاطعه الوالد مستسلماً:
ودينك الذي عليه آباؤك وأجدادك؟
كيف وجدته؟
وفي أي المراتب صنفته أيها المجنون العاق؟
لابد أنك قد فقدت عقلك أيضاً حين فقدت دينك،
قال الشاب:
أي ضير ياأبي يصيب الأديان السابقة
إذا جاء دين يصحح ويتمم الذي جاءت به الأديان من قبل؟
وعاد أبوه يسأله:
هل تعرف ما تتكلم عنه أيها الشيطان؟
أم أن في الأمر سراً نجهله؟
أم أنك على علاقة بفتاة مسلمة اشترطت ألا تدخل في دينها إلا إذا دخلت في دين الإسلام؟
إذا كان الأمر كذلك يا بني فترفق بي
ولدينا من جميلات بنات النصارى ما يسرك؟
وكلهم عندنا طوع البنان،
إن ما أحدثك فيه أمر سهل وطلبك فيه مجاز،
أما أن تدعي على صغر سنك أنك قد تعلمت،
ووازنت بين الأديان وهديت لما تراه الحق منها،
فهذا جهل فاضح بتعاليم دينك،
إن المسلمين يا بني لا يعرفون الأقانيم ولا يؤمنون بأن عيسى الرب المخلص،
أبانا يسوع الذي في السماء،
وهم لا يعترفون بالمسيح الحي
وهم وهم وهم ...
واستمر الوالد يعظ ابنه وهو يحسب أنه يجهل حقائق دينه،
وصبر الطبيب برهة حتى أتم والده كلامه،
وتقدم منه خطوة وقد استجمع ما تفرق من نفسه لحظة المفاجأة،
وقال لوالده:
والآن أرجو أن تستمع إلي ياأبتاه؟
لقد درست هذا كله وأنا في المرحلة الثانوية،
ومعذرة إذا قلت لك بأن وقتك لا يسمح بالتعمق في شيء من ذلك،
فأنت مشغول دائماً بكسب معاشنا جميعاً وأنا أكبر أبنائك،
ولا أزال عبئاً عليك إلى وقتنا هذا،
وأنا يا أبي أقدر لك جهادك من أجلنا،
وأحبك لما أنت عليه من فناء في سبيل المحافظة علينا،
وإن أقل ما أسديه لك من معروف
ان اتولى عنك وعن إخوتي دراسة هذا الخلاف بين الأديان،
وها أنا ذا قد فعلت واهتديت إلى الحق بإذن الله،
وأنا كبير الأمل أن يهديك الله أنت والأسرة،
فتنجون جميعاً من عذاب الله،
ولست أظن أن والدتي وإخوتي يتخلفون عنك،
أو يختارون طريقاً غير الذي تختار،
هذا الأمل الكبير يا والدي هو الذي تعلقت به نفسي
لإنني أكره أن أخالفكم إلى طريق ناجية،
وأن تنتهي همتي عند إنقاذ نفسي فحسب،
وإلا أكون جاحداً لفضلكم علي،
وصبر الوالد ما صبر
حتى انفجر في ولده الذي لم يكتفي فقط بمجاهرته بإسلامه
بل تحول إلى داعية إلى دينه الجديد،
وهو الذي كان يظن بفرضه الخاص أنه مجرد فرد ضل الطريق
أو مجرد متهم بترك دينه ودين الآباء،
وانفجر الأب في ثورة عارمة أيقظت كل من في الدار،
فجاءوا جميعاً ينظرون،
(10)
ثار الأب يلعن ذلك اليوم الذي ابتلي فيه بهذا الابن الضال،
الفاعل للعقوق والعصيان
الجريء في ضلاله وبهتانه،
وأحاط الأبناء والزوجة بالأب يهدأون من روعه
بعدما رأوه من اشتداد غضبه وما هو عليه
يقرر بالغضب ويلقي بالشتائم وينذر بالتهديدات،
ويتوعد بالويل والثبور،
وأدرك الولد بسرعة أن الأمر لن يقف عند هذا الغضب
وأن العاقبة لابد وخيمة،
وأنه في مصارحته للأب،
قد ارتكب عدة أخطاء لا خطأً واحداً،
فاندفع إلى خارج الدار لا يلوي على شيء،
واندفعوا خلفه يسبونه ويقذفونه بالأحجار،
ولم يكن ذلك ما يؤلمه رغم شدته،
لكن ما آلمه أنه لم يحمل معه قلماً ولا قرطاساً،
ولا شيئأً من لوازمه،
وتنبه فإذا هو في الطريق العام،
فسار مسرعاً جاد الخطوات لعله يبتعد عن حي الظاهر كله،
وقد خشي أن يلاحقه أبوه وبعض إخوته وأهله،
وإذ أوغل في الطريق واقترب من حي ساهر،
كما اعتاد الناس في شهر رمضان أحس بحاجة ملحة إلى الهدوء،
لعله يلتقط أنفاسه،
وطرقه مقهى عامراً بالرواد،
فتنحى منه ناحية،
وجلس يتأمل أحداث هذه الساعة من الزمان،
كيف بدأت وكيف انتهت إلى ما انتهت إليه،
وتحسس جيبه ليعلم كم معه من نقود قليلة،
وقفزت أمامه أسئلة شديدة الإلحاح،
الكتب .. المراجع .. ملابسه .. أدوات مهنته .. مذكراته الخاصة ..
إنها كلها في حجرته الخاصة،
وهو لم يقترب من حجرته مجرد اقتراب في ليلته هذه.
فماذا يكون من أمره غداً..
وبعد غد ..
وما بعدها من شهور حتى ينهي دراسته ثم يلتحق بوظيفة تعينه على شؤون الحياة ..
أدرك الطبيب الموقف على حقيقته بعد قليل من التأمل ..
واتجه من فوره إلى بيت صدقي فوصله آخر الليل ..
لكن السهر في رمضان شجعه على المضي حتى قابل صاحبه
وأفضى إليه بتفصيل ما كان ..
(11)
اتجه عبده من فوره إلى بيت صدقي فوصله آخر الليل ..
لكن السهر في رمضان شجعه على المضي حتى قابل صاحبه
وأفضى إليه بتفصيل ما كان ..
قال صدقي لصاحبه:
هذه حجرتك من الآن ..
وأراه المنظرة التي كانوا قد اعتادوا الجلوس فيها ..
وفي غد إن شاء الله في طريقنا إلى المستشفى ننظر في هذا الموقف المفاجىء ..
"إن عبده إبراهيم كان منقطع الصلة بالحياة العامة تماماً ..
لانصرافه التام للدرس والتحصيل لمهنته ..
وللدين الجديد الذي اعتنقه ..
وقد كانت لهذه الحال آثارها في حياته الخاصة من يوم أن خرج من دار أبيه
إلى أواخر أيامه
بما في ذلك اختيار الوظيفة والبيئة التي تحيط به..
لكنه كان لزاماً أن يجتمع الأصدقاء الثلاثة في اليوم التالي لطرده من دار أبيه
وأن يتدارسوا الموقف واحتمالاته..
كان لزاماً أن يجتمع الأصدقاء الثلاثة في اليوم التالي لطرده من دار أبيه
وأن يتدارسوا الموقف واحتمالاته..
فمنها استمرار ثورة الخواجة إبراهيم على صدقي وبرادة
بسبب اعتقاده بأنهما السبب في غوايته،
ثم إنه ومن معه سيلاحقون عبده بالأذى في كل مكان يذهب إليه أو يعمل به أو يقيم فيه،
فضلاً عن تسامع الجيران من النصارى بما حدث،
وربما امتد السماع إلى الأحياء القريبة المجاورة من مسرح الأحداث،
لذا يتوقع أن يكون في حي الظاهر لغط وشائعات،
ولا بد أنه سيكون في حي الجمالية وحي السيدة زينب
وربما اتسعت الدوائر حول هذه الأقطاب وانتشرت التعليقات والأقاصيص.
لكن الخطر القريب هو الصدام المرتقب بين الخواجة إبراهيم وبين صدقي وبرادة،
قالا لزميلهما:
لقد تسرعت يا عبده في تصرفاتك الخاصة،
وأخطأت بما ظننته في نفسك من قدرة على هداية أبيك،
ومن بعده بقية أهلك،
ولقد أوقعتنا بذلك في مأزق ماكان أغنانا وأغناك عنه في هذه الأيام،
قالا ذلك والطبيب الشاب هادئ ساكن يتفكر في قول الله تعالى:
"إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"
ولما كان صدقي لم يزل غير صاحب دخل مادي،
فقد كان الأستاذ أحمد برادة المحامي يدخر من إيراده ثلاثة جنيهات فرنسية شهرياً،
وخصصها لصاحبه عبده،
وقد استمرت الحال على ذلك عشرة أشهر
حتى اكتمل الدين ثلاثين جنيهاً
ردها الطبيب لبرادة بعد استقراره في أول وظيفة،
وكان برادة حينئذ أيسر الثلاثة حالاً بعد أن كان الأرق حالاً،
فقد سبق صاحبيه إلى التخرج،
كذلك كان قد نشط في بعض الأعمال الخاصة
بالإضافة إلى وظيفته فهو من تولى تمويلهم في هذه الأزمة،
على كل حال حدث ما توقعه الجميع،
فالغيورون من أهل عبده سواء منهم الأقربون والبعيدون
قد بحثوا عنه حتى وجدوه،
وحقاً لم يرهقهم البحث لأنهم يعلمون أنه لا ملجأ له إلا صديقيه
وبالذات في المنظرة في منزل صدقي،
توافدوا عليه زرافات ووحداناً،
وتكررت مناقشاتهم معه وتواكبت ملاحقاتهم له في السكن والعمل،
وأراد عبده أن يضع لهذه المناقشات والمطاردات نهاية حاسمة،
بدلاً مما هو فيه من المتاعب كل يوم ولحظة،
خاصة وأن مستقبله يوشك أن يبدأ على وجه يرضيه،
فقال لهم: ما حاجتكم مني،
وما هدفكم من مطارداتكم،
قال أرشدهم وهو خاله:
يا بني إنك فرد مرموق في أسرتنا،
وفي جملة القبط كلهم خلقاً وسمعة،
ثم إنك توشك أن تكون طبيباً،
وهذا الذي فعلت خسارة لا نطيقها،
فضلاً عن أنه فضيحة وعار لأسرتك،
وللنصارى في مصر وغيرها من بلاد الله
فهلا استمعت إلينا،
قال:
إني مستمع إليك لعلي بذلك أصل معكم إلى حل،
يحفظ لي ولكم أوقاتنا ومصالحنا،
قال أرشدهم:
إن أباك يدعوك إلى الاستماع من رجال الدين إلى كلمة الحق،
وهم لابد أقدر منا على تبيان أوجه الضلال الذي أوقعك فيه خصوم ديننا،
قال الطبيب الشباب:
ما أوقعني أحد في ضلال،
فافهموا عني هذا
وإنما هداني رب العالمين،
قال قائل منهم:
إن كنت مؤمناً بفعلتك هذه ببينة وحجة،
فماذا عليك لو أنك واجهت علماءنا،
قال:
لكم ما تريدون،
فسألوه عن المهلة
فقال: أي موعد تضربونه،
قالوا: فعد معنا الآن إلى دارك وهناك نضرب مع أبيك الموعد ليكون برضاه وفي حضوره،
(12)
وافق أن يذهب معهم إلى بيت أبيه ..
وقبل أن يذهب توجه إلى الشيخ محمد رشيد رضا ..
وكان يختلف إلى مجلسه من وقت لآخر ..
ونفض إليه جملة الخبر ..
فبين له الشيخ ما غاب عنه ..
وأيده بالأدلة من الكتب القديمة بوجه خاص ..
كإظهار الحق ومقامع الصلبان، وشروح أهل الكتاب، وكيف يرد على شبهاتهم ..
وذهب في الموعد لدار أبيه ..
لقد أنفق أبوه عن سخاء لإنقاذ ولده الأكبر عما هو فيه ..
وليمنعه مما هو مقدم عليه ..
إلى أن أتى الموعد المضروب لرجال اللاهوت ..
فعجل والده بجلسة سريعة يمهد بها للجلسة الكبرى ..
فربما يرجع الابن عن قريب ..
بدأت الجلسة هادئة ..
والكل ينصت لما يدور من قرع الحجة بالحجة ..
والنصوص حاضرة تتلى من مراجعها ..
على مسمع من الجميع ..
ولم يعد كبير مجال للتهوين من تصرف الطبيب الشاب ..
على أنه رأي فرد ضال كما ذكرمن قبل من أنه وقع تحت جو عام من الإغراء الذي أحاطه رفاقه به ..
وأدرك الحاضرون أن الأمر في غاية الجد ..
فشددوا هجومهم ..
لكنهم وجدوا لكل سؤال جواباً ..
ثم وجهت لهم منه أسئلة مضادة ..
استشعروا وهم يجيبون عنها أن ألسنتهم كانت تلوك العبارات في غير وعي ولا تعقل ..
و كانت مناقشة طويلة جداً جداً ..
من أقوى المناظرات في نقد عقائد النصارى ..
عكست مدى تعمقه في تلك الفترة في دراسة العقائد النصرانية وأيضاً في دراسة الإسلام ..
و تكلم فيها كلاماً مفصلاً جداً وألجمهم فما استطاعوا أن يردوا عليه بكلمة واحدة ..
ومما ناقشوه:
التجسد، الأقانيم الثلاثة، البنوة، جرأتهم على الأنبياء، دعوى أبوة الجسد ليوسف النجار، الصلب وأصله الوثني، والقيامة ..
وفي الإسلام: حقيقة الوحي، حقيقة القرآن، حيرة أهل الكتاب من إعجاز القرآن، وكان يسرد الكلام بأسانيد علمية في غاية القوة ..
فأنهوا الجلسة ...
واتفقوا أن يخرجوا بقرار هو أن يحشدوا له فريقاً من أكبر علمائهم حتى يناظره في جلسة تالية ..
حتى بلغ من تأثير الطبيب عليهم أن باتت القضايا التي كانت عندهم يقيناً معلقة ..
حيث قالوا عنها هذه معلقة لا نستطيع أن نرد عليك فيها ..
واهتزت النصوص التي طالما حفظوها على شفاههم ..
وعادت أسئلتهم من عنده بغير معنى ..
وأيقنوا أن اللجنة قد عجزت ..
فماذا كان الجواب؟؟
أعلنوا في هذه الجلسة على الجميع ..
أن عبده إبراهيم عبد الملك ابن الخواجه إبراهيم عبد الملك من أسرة كذا التابعة لكنيسة كذا قد حلت عليه اللعنة الأبدية في هذه الكنيسة ما لم يرجع إلى رحمة أبينا يسوع المسيح مخلصنا وراعينا وأن اللجنة رحمة به وحنواً على أبيه المسكين قد منحته فرصة العودة إلى دين آبائه وأجداده بالحضور يوم الأحد في ذات المكان أمام عدد من الآباء لنصحه وهدايته نسأل إلهنا وأبانا ... إلى آخر كلامهم من الشرك والكفر ..
لقد كان بعض الحاضرين من النصارى متشوقين إلى استمرار الجلسة ..
من شدة تعطشهم إلى سماع إجاباته والاستزادة من علمه ..
فقد سمعوا لأول مرة فكراً جديداً ونقاشاً فريداً ودفاعاً عنيداً ..
جعلهم في شوق إلى معرفة نتيجة محددة ..
خاصة لما رأوا القساوسة قد عجزوا أمام هذا الفرد ..
الذي تخلف عن السير في موكب آبائه وأجداده ..
فهاجوا وماجوا وتدافعوا وتصايحوا ..
لكن كبير الجلسة نصحهم بالهدوء حتى لا يشرد منهم هذا الخروف الضال ..
ووعدهم بأن يوم الأحد قريب ..
وأنه جمع للمباهلة فحول علماء أهل الكتاب والمفسرين وخبراء التبشير الراسخين ..
فهدأت ثائرتهم ولكن إلى حين ..
وجاء يوم الأحد الموعود ..
(13)
جاء يوم الأحد الموعود..
واحتشد الأهل والأقارب ..
وكل من يهمه الأمر ليرى هزيمة هذا الطبيب الذي خدع وصبأ عن دينه الحق ..
إلى دين المسلمين ..
وهم يهددونه ويتوعدونه لئن لم ينته عما هو مقدم عليه ليمزقنه إرباً ..
ويصيرونه عدماً ..
وأن هذه هي الفرصة الأخيرة ما لم ينصع إلى دين يسوع المسيح..
ثم انبرى كبير القساوسة في الجلسة ..
وهو يتطاول في كرسيه يتيه على الحاضرين بما حفظه ولقنه قريباً في الكنيسة..
فقال من كلام الشرك والتثليث ما هو من دينه ..
ثم رد عليه الطبيب الشاب فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم..
إله واحد ..
فرد صمد ..
لم يلد ولم يولد ..
ولم يكن له كفواً أحد ..
سلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ..
فضل المسلمين بالإيمان على جميع الأجناس ..
وجعلهم خير أمة أخرجت للناس ..
أوحد الله بموجبات توحيده ..
وأمجده سبحانه حق تمجيده ..
وأومن به وبملائكته وكتبه ورسله ..
لا نفرق بين أحد من رسله ..
ولا أشرك بعبادته سبحانه أحداً ..
وأصلي وأسلم على من جاء بالهدى ..
خالص أصفيائه وخاتم رسله وأنبيائه ..
سيد ولد آدم ..
بعثه ربه في الأميين ..
ليخرج البشر من الظلمات إلى النور ..
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ..
وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ..
صلى الله عليه وسلم من نبي كريم ..
على خلق عظيم ..
بعثه الله على فترة من الرسل ..
موضحاً للسبل ..
داعياً إلى خير الملل ..
ملة إبراهيم ..
ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ..
وما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً ..
وما كان من المشركين ..
وإن الدين عند الله الإسلام ..
ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ..
وهو في الآخرة من الخاسرين ..
فرد عليه أحد القساوسة:
عجيب أمرك أيها الفتى الضال ..
وعجيب أمر أصحابك الذين أضلوك عن كتابك ..
فلقنوك من الكلام ما قد سمعناه منك الآن ..
حتى صرت أشد منهم حماساً لدينهم، وأحفظ منهم لآيات كتابهم ..
فأصبحنا نراك وأنك قد نسيت دينك ودين آبائك ..
وهو الدين الذي عليه نشأت وترعرعت، فربى عقلك وأصلح فساد نفسك ..
فرد عليه عبده:
والله الفرد الصمد الواحد الأحد ..
ما أضلني ولا أغواني منهم أحد ..
وإنما هداني إليه ربي ..
وساقني إليه فطرتي ..
واختاره لي صحيح عقلي ..
ودلني عليه عافية نفسي ..
فرأيت فيه ما لم أره في غيره من الشرائع والأديان من النور والهدى والحق والصدق
فتمسكت به ..
ولزمته لأني وجدت فيه تمام عقلي وصلاح أمري ..
ومنطلق فكري وشفاء روحي ..
وجواباً راجحاً لكل سؤالي ..
فليس هذا الدين كدينكم ..
الذي يمجد الفقر ..
ويسوغ الذل ..
ويورث العقل الخلل ..
ويحيل المرشد سفيهاً والمحسن مسيئاً ..
لأن من كان في أصل عقيدته التي جرى نشوءه عليها الإساءة إلى الخالق ..
والنيل منه بوصفه بغير صفاته الحسنى ..
فأولى به أن يستحل الإساءة إلى المخلوق ..
فكيف أترك ما هداني الله إليه من الكمال والنعمة ..
بعدما بان لي من جهلكم وتحريفكم لدينكم ..
ولست مجادلكم إلا بالتي هي أحسن ..
فما في الإسلام من حث على مخاصمتكم ومعاداتكم ..
بل هو أرحم عليكم وأحنى حتى من دينكم لكم ..
فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ..
ألا نعبد إلا الله ولا نشرك بعبادة ربنا أحداً ..
صاح أحدهم:
بل نقرعك الحجة بالحجة ..
فإن كانت لنا الغلبة عدت إلى دين الخلاص ..
وإلا تركناك تتخبط فيما مسك من جنون ..
فتكون من الخاسرين الذين تصيبهم لعنة الرب إلهنا يسوع ..
قال الطبيب الشاب:
قبلت التحدي ..
ووالله إن ضلالاتكم قد سارت مسير الشمس ..
وبواطلها قد لاحت لعيون الجن والإنس ..
فوالله لا يخذلني الله أمامكم ..
وأنتم قوم غيّرتم فغيّر بكم ..
وأطعتم جهالاً من ملوككم ..
فخلطوا عليكم في الأدعية ..
فقصدتم البشر في التعظيم بما هو للخالق وحده ..
فكنتم في ذلك كمن أعطى القلم مدح الكاتب ..
على حين أن حركة القلم لا تكون بغير الكاتب ..
وها أنا ذا على قصور سني وإغفال المطالعة أقبل منازلتكم ..
فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ..
.........
ودار حوار طويل جداً ..
لثلاثــــــــــــــــــــــــــــــــــــة أيـــــــــــــــــــام ..
.........
(14)
لقد أحرجهم الطبيب جداً ..
حتى كانوا كل جلسة يستعينوا بقساوسة جدد ..
بعد أن وقعوا في حصار أسئلة لا يستطيعون الإجابة عليها ..
وأمام حجة لا يملكون الصمود أمامها..
وفي نهاية الحوار ..
قال عبده:
فماذا أقول لكم ..
وقد جئتم لتقولوا لي فقلتم وقلت ..
وأضللتم وأوضحت ..
وكذبتم وصدقت ..
ودعوتم علي ودعوت لكم ..
وأهنتم محمداً صلى الله عليه وسلم وعظمت عيسى عليه السلام ..
وحاولتم طعن القرآن فما استطعتم ..
وحاولتم ستر كتبكم فانكشفتم ..
وأنهكتموني علّي أضل، وأنهكت نفسي علّكم تهتدون ..
وقد آذيتموني بأيديكم وتلطفت معكم بكلامي..
وهاهو اليوم الثالث ينقضي ..
وقد اهتزت في نفوسكم عقيدتكم ..
وثبتت في نفسي عقيدة الإسلام ..
وأنا أعلم مما علمنيه ربي في القرآن أنكم لن ترضوا عني حتى أتبع ملتكم ..
ولكن كيف أبيع الهدى بالضلال، وأشتري الباطل بالحق ..
ولكنكم أهلي وعشيرتي ..
وقد أمرني ديني الجديد ..
أن أصحبكم في الدنيا معروفاً ..
فهلموا إلى دين الله لتربحوا ..
قال تعالى:
(( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ))
أسأل الله أن يكشف ما بكم من الضلالة وأن يتلقاكم بالهداية ..
وصدق الله تعالى إذ يقول
(( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء))
صدق الله العظيم ..
وما كان الطبيب الشاب يفرغ من تلاوة الآية ..
حتى أدرك الجميع أنه قد خرج من حظيرة الكنيسة ..
إلى غير عودة ..
فتدافعوا يفرطون في إيذائه ..
ولم ينتهوا عنه إلا حين علا صوت الكاهن الكبير ..
وهو يعلن فيهم أن اللجنة قد أيقنت بأن عبده إبراهيم عبد الملك ابن الخواجه إبراهيم أفندي عبد الملك من أسرة كذا التابعة لكنيسة كذا قد حلت عليه اللعنة الأبدية وأنه مطرود من رحمة أبينا، يسوع المسيح مخلصنا وراعينا، وأنه ..
الخ من كلامهم الذي يقولونه في أمر كهذا ..
ولكن مأساة الطبيب الشاب لم تنته بعد ..
فقد ذاق (أمرّ) البلاء ..
مع الطرف الآخر أيضاً ..
مع (المسلميــــــــــــــن)
فإلى جانب آخر من حياته ..
(15)
ما كاد الكاهن الكبير يلقي بيانه ..
وقد تعلقت الأنفاس من رهبة الموقف ..
حتى حل الهرج والمرج محل السكون والوقار ..
وارتفع الصخب فجأة بأخلاط من الأصوات ..
فهذا نحيب وهذا نواح وهؤلاء رجال أفزعهم المصير الذي ينتظر فتى كان من خيرة شبابهم ..
الذين كانوا يباهون بهم المسلمين ..
وتلك نسوة تجمع بين البكاء وبين أقبح الأصوات ..
وإذا بالطبيب الشاب يشهد للمرة الثانية موقفاً مزعجاً في نفس المكان ..
فقد كان فوجئ بقرار المحكمة قبل تمام المحاكمة ..
ولذلك بقي في مكانه مشدوهاً حال تلاوة البيان ..
وإذ بدأ الهرج والتدافع بالأيدي والمناكب ..
تسلل من مجلسه إلى خارج الدار ثم إلى مسكنه المتواضع ..
وقد تملكه شعور لم يكن يحس به من قبل ..
فلقد رأى لأول مرة رجال الدين الذين يتخذون من الهداية والإرشاد وسيلة لكسب المعاش
يتصرفون على نحو أذهله ..
فخالطه شعور بالعطف على عامة الناس الذين يلتمسون عندهم الرشاد ..
قال الطبيب لصاحبيه:
لقد احترمت هؤلاء الناس حين ثبتوا ودافعوا عن أمور خيل إليهم أنها صواب ..
وكان ذلك في أول لقاء لي معهم ..
ولكن حقيقة أمرهم تكشفت لي في المجلس الثاني ..
حين باهلتهم ثلاثة أيام طوالاً أقدم لهم الدليل تلو الدليل ..
وأقرعهم الحجة الهزيلة عندهم بالحجة القوية عندي ..
وقد كنت أظنهم بما يحملون من مناصب دينية عالية أهل حجة وأصحاب عقل ونظر ..
لكنني فوجئت بهم يفرون من الميدان مخافة أن ينكشف ما هم عليه من جهل وصغار ..
وإني لأعلم أنهم يأكلون السحت ..
ويجعلون رزقهم أنهم يكذبون ..
ألا ساء ما يزرون ..
قال له صاحباه:
أو لم يكف ما لقيته من دعوتك الناس إلى الرشاد، فجئت تخطب فينا ..
قم الآن يا رجل إلى كتبك فأقدامك لم تثبت بعد على الطريق ..
وعليك أن توفر ما بقي من مراحل في الحصول على الإجازة العلمية ..
ومن ثم الوظيفة التي ستقيم أودك ..
وكان ما نصحوه به ..
فانقطع لدروسه بضعة أشهر كد فيها واجتهد ..
حتى تخرج طبيباً يمارس المهنة الإنسانية ..
ونظر الطبيب الشاب من حوله باحثاً عن مجتمع يعوضه عن أسرته التي لم تهتد ..
فإذا النصارى يحوطونه بنظرات الحقد والمرارة ..
وإذا المسلمون يترقبونه في حيطة وحذر ..
فرغب في البعد عن الناس طلباً للهدوء ..
ومزيد من الاطلاع،
فلم يجد خيراً من أن تكون خدمته الوظيفية ..
في السجــــــــــــــــــون ..
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع