الزهــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
روى ابن ماجه والترمذي أن النبي مرّ على شاة ميتةٍ فقال لأصحابه أترون هذه الشاة هينة على أهلها ؟ قالوا من هوانها ألقوها، قال والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء.
هذه الدنيا منذ خلقها رب العزة سبحانه وتعالى إلى أن يرث الأرض من عليها لاتساوي عند الله جناح بعوضة .
تلكم هي الدنيا التي غر الناس بريقها ... نعم غرهم بريقها وسرابها ... فتهافتوا على جمعها وتنافسوا على اكتنازها ..
إنها دنية وضيعة ..بهرج سراب .. وماهي إلا معبر إلى الدار الاخرة .. وميدان يتنافس به المتنافسون ويتسابق به المتسابقون.
لقد تاه في الدنيا الكثير لما فيها من زينة ..جمال .. أموال وثراء .. غرائب وعجائب .
كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يتخوف الدنيا على أصحابه أن تبسط عليهم كما بسطت على من كان قبلهم، فيتنافسوها كما تنافسها القوم، فتهلكهم كما أهلكت من كان قبلهم.
قال صلى الله عليه وسلم إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء رواه مسلم.
حبها أصل كل خطيئة ..بحجم حبها يقسو القلب .. بالبعد عنها تطمئن النفس لخالقها .
مهما طالت فهي ظل زائل .. وسراب رحل .. الركون إليها خطر إذا امتلأ القلب بها لاتأتي الآخرة لتزاحم تتركها لأهلها ..لأن هذا القلب لايجتمع فيه حب الدنيا والآخرة .
إنما هي منازل .. فراحل ونازل
إنماهي أحلامُ نومٍ أو كظل زائلٍ إن اللبيب بمثلها لا يخدع
بني أحدالأمراء قصراً فزينه وطلاه بالذهب ودخل الناس ينظرون ويتعجبون من اتقانه وجماله
فدخل أحد العباد نظر وقال إن فيه عيبين قال الأمير ماهما ؟؟
قال القصر يبلى وصاحبه يموت ، قال الأمير ويحك هل هناك قصر لايبلى وصاحبه لايموت ؟؟ قال نعم انها الجنة .
اعمل لدار البقاء رضوان خازنها.......الجار احمد والرحمن بانيها
ارض لها ذهب والمسك طينتها........والزعفران حشيش نابت فيها
انهارها لبن محض ومن عسل ........والخمر يجري رحيقا في مجاريها
والطير تجري على الاغصان عاكفة.......تسبح الله جهرا في مغانيها
قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان همه الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا فرق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له رواه الإمام أحمد.
قال تعالى : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ(ال عمران 14)
قال أبو سليمان الداراني الزهد ترك ما يشغل عن الله.
وقال إبراهيم ابن أدهم رحمه الله تعالى الزهد فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد.
الزهد في الدنيا أن تكون أنت المالك لاالمملوك .
وقال سفيان ابن عيينة الزهد في الدنيا الصبر وارتقاب الموت.
وقال الحسن البصري ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك.
الزهد ليس ترك ماأباح الله من الحلال مطلقا .. ولا ترك ماشرع الله .
فليس الزهادة بتحريم الحلال وترك مالذ وطاب .. فليأكل الإنسان مالذ وطاب وليلبس أجمل الثياب ..ولكن ليكن قلبه مع الله .. هو النظر الى الدنيا بعين الزوال .
الزهد أين يكون حال العبد وحاله إذا لم يصب سواء .
قال تعالى : ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخرةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
يخبرنا رب العزة أن عمر الدنيا قصير ومتاعها قليل ،، فهل يعقل أن نضحي بالأبد من أجل هذا القصير الزائل؟؟
قال تعالى : ﴿ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى*وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ طه131
يروى أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان إذا رأى شيئا من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزل فدخله، وهو يقرأ { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرُ وَأَبْقَى }
ثم ينادي بالصلاة الصلاة يرحمكم الله ويصلي.
وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يعجبه في الدنيا يقول: «لبيك! إن العيش عيش الآخرة»«لبيَّكَ» يعني: إجابةً لك، مِن أجلِ أنْ يكبَحَ جِمَاحَ النَّفْسِ؛ حتى لا تغترَّ بما شاهدت مِن مُتَعِ الدُّنيا، فَيُقبل على الله، ثم يوطِّن النَّفسَ ويقول: «إن العَيْشَ عَيْشُ الآخرة» لا عيشُ الدُّنيا.
قال تعالى : ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ (17) سورة الأعلى
هذه الدُّنْيَا دَانِيَة فَانِيَة وَالْآخِرَة شَرِيفَة بَاقِيَة فَكَيْفَ يُؤْثِر عَاقِل مَا يَفْنَى عَلَى مَا يَبْقَى وَيَهْتَمّ بِمَا يَزُول عَنْهُ قَرِيبًا وَيَتْرُك الِاهْتِمَام بِدَارِ الْبَقَاء وَالْخُلْد .
عَنْ عَائِشَة قَالَتْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّنْيَا دَار مَنْ لَا دَار لَهُ وَمَال مَنْ لَا مَال لَهُ وَلَهَا يَجْمَع مَنْ لَا عَقْل لَهُ
هاك نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يمسك بمنكب ابن عمرويقول له كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
وكان ابن عمر يقول -رضي الله عنه-إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك أخرجه البخاري.
هكذا كان معلم البشرية يعلمهم الزهد في الدنيا .
بالزهد ينطلق اللسان بالصالحات
من يملك هذه الدنيا الفانية وقد رحل منها بكفن... ومن لا يملك منها شيئاً قد رحل بكفنٍ مثله.
فالجميع لا شك متساوون في القبور.. المعظّم والمحتقر.. ولكن بواطن القبور مختلفة.. إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النيران عياذاً بالله.