الحديث السادس : حديث الحسن ، وهو مربط الفرس ( والصيد في جوف الفرى ) وهو عمدة من تمسك تأكيد سنية القنوت ، وفيه الحسن بن علي قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر ( اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت ) رواه أحمد ، والأربعة ، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني ، والبيهقي .
وهذا الحديث رواه عن الحسن ثلاثة وهم عائشة رضي الله عنها وأبي الحوراء وعبدالله بن علي بن الحسن .
أما الرواية التي عن عائشة عن الحسن : ففي سندها عبد الله بن شبيب وهو أبو سعيد الربعي ، وهو ضعيف بل قال الذهبي عنه واه ونقل صاحب طبقات الحفاظ عن أبي أحمد الحاكم قوله عن عبدالله بن شبيب : ذاهب الحديث
وقال الألباني من المتأخرين رحمه الله في تخريجه لكتاب السنة لأبي عاصم : وهو كما قال الذهبي ، ومن فوق ثقات ، والحديث محفوظ من طريق بريد بن أبي مريم عن أبي الجوزاء عن الحسن بن علي .
وللحديث هذا طريق آخر قال عنه الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، إلا أن محمد بن جعفر بن أبي كثير قد خالف إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة في إسناده .
والمحصلة أن هذه الرواية ضعيفة ومغموز في إسنادها .
وأما رواية أبي الحوراء عن الحسن : وهي العمدة في البحث ومن أشهر الروايات إلا أنها لم تسلم من الطعن ، وإليك ما قاله الحافظ ابن خزيمة رحمه الله قال : نا بندار ، نا محمد بن جعفر ، نا شعبة قال سمعت بن أبي مريم ، وثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، نا يزيد بن زريع ، نا شعبة ، وثنا أبو موسى ، نا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن بريد بن أبي مريم ، عن أبي الحوراء قال : سألت الحسن بن علي رضي الله عنهما علام تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كان يعلمنا هذا الدعاء اللهم اهدني فيمن هديت بمثل حديث وكيع في الدعاء ، ولم يذكر القنوت ، ولا الوتر ، وشعبة أحفظ من عدد مثل يونس بن أبي إسحاق ، وأبو إسحاق لا يعلم أسمع هذا الخبر من بريد ، أو دلسه عنه ، اللهم إلا أن يكون كما يدعي بعض علمائنا ، أن كل ما رواه يونس عن من روى عنه أبوه ، أبو إسحاق هو مما سمعه يونس مع أبيه ، ممن روى عنه ، ولو ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالقنوت في الوتر ، أو قنت في الوتر لم يجز عندي مخالفة خبر النبي ولست أعلمه ثابتا أ.هـ
وقال الحافظ بن حجر رحمه الله :
رواه أحمد والأربعة ، وابن خزيمة وابن حبان ، والحاكم ، والدارقطني ، والبيهقي من طريق بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عنه وأسقط بعضهم الواو من قوله وإنه لا يذل وأثبت بعضهم الفاء في قوله فإنك تقضي وزاد الترمذي قبل تباركت سبحانك ولفظهم عن الحسن رضي الله عنهماعلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر ، ونبه بن خزيمة ، وابن حبان على أن قوله في قنوت الوتر تفرد بها أبو إسحاق عن بريد بن أبي مريم ، وتبعه ابناه يونس ، وإسرائيل كذا قال : قال : ورواه شعبة وهو أحفظ من مائتين مثل أبي إسحاق ، وابنيه فلم يذكر فيه القنوت ، ولا الوتر وإنما قال كان يعلمنا هذا الدعاء ، قلت ويؤيده ما ذهب إليه ابن حبان ، أن الدولابي رواه في الذرية الطاهرة له والطبراني في الكبير من طريق الحسن بن عبيد الله عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء به وقال فيه وكلمات علمنيهن فذكرهن ، قال بريد : فدخلت على محمد بن علي في الشعب فحدثته فقال : صدق أبو الحوراء هن كلمات علمناهن نقولهن في القنوت ، وقد رواه البيهقي من طرق قال في بعضها قال بريد بن أبي مريم ، فذكرت ذلك لابن الحنفية فقال إنه للدعاء الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر ، ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب الوتر أيضا وروى البيهقي أيضا من طريق عبد المجيد بن أبي رواد عن بن جريج عن عبد الرحمن بن هرمز ...... إلى آخر ما قال رحمه الله .
والحديث بهذه الرواية فيه كلام طويل يطول المقام بذكره ، إلا أن مدار هذا الكلام حول الزيادة التي فيها لفظة : ( في قنوت الوتر ) حيث تفرد بها أبو إسحاق عن بريد بن أبي مريم وتبعه ابناه يونس ، وإسرائيل ، وعلى العموم الحديث بهذا الوضع ليس فصلاً في محل النزاع مثله مثل غيره من الأحاديث المذكورة آنفاً . وأبي إسحاق متهم بالتدليس خصوصاً إن عنعن كما قال ذلك أهل الجرح والتعديل .
وأما الرواية عن عبدالله بن علي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما فهي عند النسائي ، والحاكم ، وابن حبان ، والطبراني ، ولكنها معلولة بالانقطاع ، لأن الصواب أن عبدالله بن علي لم يسمع من عمه الحسن بن علي رضي الله عنهما ، وعلى كلٍ فإن هذه الرواية ليست حجة في محل النزاع مثلها مثل سابقها .
ومع عدم قيام الحجة الناصعة في ثبوت قنوت الوتر ، إلا أن العلماء اختلفوا في ذلك ، كما سيأتينا الآن في القسم الرابع .
القســــم الرابـــع
ذكر أقوال أهل العلم في ثبوت قنوت الوتر من عدمه وخصوصاً في رمضان
مما مضى ذكره يتضح لنا ضعف الأحاديث المثبتة لقنوت الوتر سواءً في رمضان أو غيره ، حيث لم يثبت أو يصح فيه حديث استقلالاً وإنما ما قيل وذكر من أحاديث تقوى بروافدها وطرقها وشواهدها _ تتقوى ولم أقل تثبت ـ وخير شاهد على ذلك خلاف العلماء رحمهم الله تعالى في الأحاديث المذكورة آنفاً ، خلافاً ليس باليسير أو المتقارب أو المتنوع ، بل خلاف تضاد في بعض جوانبه ، إن لم يكن كلها .
وعموماً أذكر أقوال أهل العلم في ثبوت القنوت ، وعدمه ، على ضوء قول الترمذي بعد سياقه لحديث الحسن :"ولا يعرف عن النبي في القنوت شيء أحسن من هذا".
القول الأول: للحنفية والحنابلة :
قالوا بالقنوت في الوتر دوماً من غير فرق بين رمضان وغيره ونقل ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري والنخعي وغيرهم وقد أغرب بعض الحنفية وحكى وجوبه وهذا لاشك في بطلانه، وذلك لشبه الإجماع الذي حصل على عهد عمر رضي الله عنه حيث لم يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان في محضر من الصحابة رضوان الله عليهم فلم ينكر أحد كما ذكر ابن قدامة رحمه الله في المغني .
القول الثاني: وذهب إليه الشافعي وابن سيرين والزهري وهو مروي عن علي رضي الله عنه ، ورواية عن الإمام أحمد ، ونسب لمالك رحمه الله :
قالوا : لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان لحديث أبي داود ، وفيه أن عمر رضي الله عنه ، جمع الناس على أبي بن كعب رضي الله عنه ، وكان يصلي لهم عشرين ليلة(1) ولا يقنت إلا في النصف الباقي من رمضان.
القول الثالث : للإمام مالك رحمه الله ،فيما حكاه النووي في شرح المهذب وهو وجه لبعض الشافعية على مشروعية القنوت في شهر رمضان دون بقية السنة.
وقلت فيما حكاه النووي ، لأن الإمام مالك اختلف النقل عنه ففي المدونة الجزء الأول في قنوت رمضان ووتره قال : وقال مالك في الحدث الذي يذكره : ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان , قال : ليس عليه العمل ولا أرى أن يعمل به ولا يقنت في رمضان لا في أوله ولا في آخره , ولا في غير رمضان ولا في الوتر أصلا قال مالك : والوتر آخر الليل أحب إلي لمن يقوى عليه . قلت لمالك : لقد كنت أنا أصلي معهم مرة فإذا جاء الوتر انصرفت فلم أوتر معهم انتهى .
لذا جاء في المنتقى شرح الموطأ الجزء الأول :
[ قوله ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان يريد بالناس الصحابة ومعنى ذلك أنهم كانوا يقنتون في رمضان بلعن الكفرة ومحل قنوتهم الوتر وعن مالك في ذلك روايتان : إحداهما : نفي القنوت في الوتر جملة وهي رواية ابن القاسم وعلي . والثانية : أن ذلك مستحب في النصف الآخر من رمضان وهي رواية ابن حبيب عن مالك ]
القول الرابع : وهو مروي عن عبدالله بن عمر وأبي هريرة وعروة رضي الله عنهم حيث كان ابن عمر لا يقنت فـي شيء من الصلاة كما ذكر ابن نصر المروزي وقال أبو الشعثاء الفقيه:"سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن القنوت فقال: ما رأيت أحداً يفعله"، وذكر ابن المهزِّم قائلاً: صحبت أبا هريرة رضي الله عنه عشر سنين فما رأيته يقنت في وتره وكان عروة لا يقنت في شيء من الصلاة ، ولا في الوتر، وقال مالك: لم أسمع أن رسول الله قنت ولا أحداً من أولئك وما هو من الأمر القديم وما أفعله أنا في رمضان ولا في غيره ولا أعرف القنوت قديماً، وقال : الحديث لم يصح ، يقصد حديث الحسن ، وقال والصحيح عندي تركه إذا لم يصح عن النبي فعله ولا قوله كما في الفتح الرباني.
القول الخامس: لطاووس رحمه الله ، حيث يرى أن القنوت في الوتر بدعة (1) نقل ذلك عنه الشوكاني في نيل الأوطار فتأمل ، وهو للمالكية في المشهور ، وهو رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه لا يشرع القنوت في صلاة الوتر من السنة كلها , وعن ابن عمر : أنه لا يقنت في صلاة بحال , ومشهور مذهب مالك كراهة القنوت في الوتر . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى:"ورد فيه ثلاثة أقوال:
(1) لا يستحب بحال لأنه لم يثبت (2) يستحب (3) يستحب في النصف الأخير من رمضان ، ثم قال ـ رحمه الله ـ وحقيقة الأمر أن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة فمن شاء فعله ومن شاء تركه(2)...إلى أن قال: وكذلك يخير في دعاء القنوت فإن قنت جميع الشهر فقد أحسن وإن قنت النصف فقد أحسن وإن لم يقنت بحال فقد أحسن".
ولو تأمل الإنسان هذا الخلاف لعلم حال الذين يصرون على دوام القنوت في رمضان أو في غيره.
والصواب والله أعلم ، وبعد التأمل في الأحاديث التي لا تخلو من مقال ، وبعد الإطلاع على أقوال أهل العلم المتعارضة ، وتأملها ، وأدلتها ، تميل النفس إلى ما ذهب إليه الألباني رحمه الله ، من فعله أحياناً(1) استئناساً بفعل الصحابة رضوان الله عليهم ، لأنه لا ينبغي أن يغفل عن فعلهم ، مع ملاحظة عدم المبالغة في الدعاء ، وتطويله ، وملاحظة العبث الذي يحدثه كثير من الأئمة ، الذين لا يرون دعاء ختم القرآن داخل الصلاة فيجعلون بصورة قنوت مخادعين أنفسهم ، أم الله ؟!! لا أدري !!!! فجزاهم الله خيراً على ترك بدعة دعاء ختم القرآن داخل الصلاة ، ولكنهم أخطاؤا في التحايل إذ صوروه صورة قنوت ، والله أعلم بالنيات ، فكانوا كمن صام طويلاً ، فأفطر على بصل( )
وبعد هذا البيان الموجز ، أين إخواننا المصرين ، على سنية القنوت في الوتر سنية مؤكدة ، ألم يتأملوا خلاف العلماء ، المذكور آنفاً ، بل خلافهم فيما هو أدق ، وما ذكره البيهقي ، والنووي رحمهما الله في مسألة أفضلية صلاة الليل بالبيت سواء في رمضان أو غيره جماعة أو فرادى كما نقل ذلك صاحب المرقاة رحمه الله ، إضافة إلى فعل أبي بن كعب رضي الله عنه من الفرار عند دخول العشر كما ذكر ذلك محمد بن نصر في كتابه قيام الليل .
وما ذكره الطحاوي في شرح مشكل الآثار حيث قال : حدثنا أبو بكرة , قال : ثنا مؤمل , قال :
ثنا سفيان , عن أبي حمزة , عن إبراهيم , قال : لو لم يكن معي إلا سورة واحدة لكنت أن أرددها , أحب إلي من أن أقوم خلف الإمام في رمضان . حدثنا يونس وفهد قالا : ثنا عبد الله بن يوسف , قال : ثنا ابن لهيعة , عن أبي الأسود عن عروة ، أنه كان يصلي مع الناس في رمضان , ثم ينصرف إلى منزله , فلا يقوم مع الناس .
حدثنا أبو بكرة قال :
ثنا أبو داود , قال : ثنا أبو عوانة , قال : لا أعلمه إلا عن أبي بشر , أن سعيد بن جبير , كان يصلي في رمضان في المسجد وحده والإمام يصلي بهم فيه . حدثنا يونس قال :
ثنا أنس , عن عبيد الله بن عمر , قال : رأيت القاسم وسالما , ونافعا ينصرفون من المسجد في رمضان , ولا يقومون مع الناس . حدثنا ابن مرزوق , قال : ثنا أبو داود قال :
ثنا شعبة , عن الأشعث بن سليم , قال : أتيت مكة وذلك في رمضان , في زمن ابن الزبير فكان الإمام يصلي بالناس في المسجد وقوم يصلون على حدة في المسجد . بهؤلاء الذين روينا عنهم ما روينا من هذه الآثار كلهم يفضل صلاته وحده في شهر رمضان , على صلاته مع الإمام , وذلك هو الصواب . أ.هـ
هذا الخلاف في أفضلية الصلاة في البيت إذا كانت نافلة ، فضلاً عن الخلاف في ثبوت القنوت ، أو عدمه إضافة إلى فعل أبي بن كعب رضي الله عنه من الفرار عند دخول العشر كما ذكر ذلك محمد بن نصر في كتابه قيام الليل .
القســـم الخامس
وفيه خلاف أهل العلم في صيغة الدعاء والطريقة الواجب احتذاؤها وذلك لمن يرى القنوت
تمهيـــد:
ومما ينبغي علمه قبل الدخول في الخلاف أن الإمام أحمد رحمه الله لما سئل عن فعل النخعي حيث كان لا يزيد في الدعاء أكثر من قدر سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} قال هذا قليل يعجبني أن يزيد ، فقيل له : تختار من القنوت شيئاً ، قال : ما جاء في الحديث فلا بأس به (1) .
وكان الحسن البصري رحمه الله كما في مصنف عبدالرزاق يدعو بالسورتين اللتين في مصحف أبي بن كعب رضي الله عنه (2) وبعد ذلك يدعو على الكفار ويدعو للمؤمنين ولا يزيد على هذا شيئاً، وكان بعض ممن يسأله عن الزيادة يقول : لا أنهاكم ولكن سمعت أصحاب رسول الله لا يزيدون على هذا شيئاً ، ويغضب إذا أرادوه على الزيادة.
وذكر الكرخي رحمه الله تعالى : أن مقدار القيام في القنوت مقدار سورة{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}, لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه كان يقرأ في القنوت : اللهم إنا نستعينك ...... إلخ ) " اللهم اهدنا فيمن هديت ...... إلخ " وكلاهما على مقدار هذه السورة . وليس في القنوت دعاء مؤقت , كذا ذكر الكرخي في كتاب الصلاة لأنه روي عن الصحابة أدعية في حال القنوت , ولأن المؤقت من الدعاء يجري على لسان الداعي من غير احتياجه إلى إحضار قلبه ، وصدق الرغبة منه إلى الله تعالى , فيبعد عن الإجابة , ولأنه لا توقيت في القراءة لشيء من الصلوات , ففي دعاء القنوت أولى , وقد روي عن محمد بن الحسن أنه قال : التوقيت في الدعاء يذهب رقة القلب , وقال – أي الكرخي - بعض مشايخنا : المراد من قوله : ليس في القنوت دعاء مؤقت ما سوى قوله : " اللهم إنا نستعينك . " لأن الصحابة اتفقوا على هذا في القنوت , فالأولى أن يقرأه ولو قرأ غيره جاز , ولو قرأ معه غيره كان حسنا , والأولى أن يقرأ بعده ما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما في قنوته " اللهم اهدنا فيما هديت إلى آخره ".
ومن لا يحسن القنوت بالعربية أو لا يحفظه , ففيه ثلاثة أقوال مختارة قيل : يقول " يا رب " ثلاث مرات , ثم يركع , وقيل : يقول : اللهم اغفر لي ثلاث مرات , وقيل : يقول : اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة , وقنا عذاب النار , قال ابن نجيم بعد أن ذكر الأقوال الثلاثة : والظاهر أن الاختلاف في الأفضلية لا في الجواز , وأن الأخير أفضل لشموله , وأن التقييد بمن لا يحسن العربية ليس بشرط , بل يجوز لمن يعرف الدعاء المعروف أن يقتصر على واحد مما ذكر لما علمت أن ظاهر الرواية عدم توقيته .. ... إلى آخر ما قال رحمه الله .
إضافة إلى ذلك ما مر معنا في حاشية الصفحة السابقة من نقل ابن القيم رحمه الله سؤالاً أورد على الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ مما يدل على أن من أجاز الزيادة - ولم أقل سنّ - على دعاء القنوت الوارد في حديث الحسن ، رغم إعلال أهل العلم للزيادة المذكورة آنفاً ، فإنما بما أثر عن السلف ، وتلقي بالقبول ، وكان مداره على الأحاديث الوادرة في عموم الدعاء من غير إطالة ، ولا تكلف كما هو هدي السلف ، وإليك الآن الخلاف الوارد في ذلك:
(1) ذهب ابن حزم في المحلى إلى عدم الزيادة على حديث الحسن رضي الله عنه قائلاً بعد ذكر أثر الحسن بسنده : وهذا الأثر وإن لم يكن مما يحتج بمثله فلم نجد فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره , وقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله : ضعيف الحديث أحب إلينا من الرأي , قال علي : وبهذا نقول ؟ وقد جاء عن عمر رضي الله عنه القنوت بغير هذا والمسند أحب إلينا ؟ فإن قيل : لا يقوله عمر إلا وهو عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قلنا لهم : المقطوع في الرواية على أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى من المنسوب إليه عليه السلام بالظن الذي نهى الله تعالى عنه ورسوله عليه السلام فإن قلتم : ليس ظنا , فأدخلوا في حديثكم أنه مسند , فقولوا : عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن فعلتم كذبتم , وإن أبيتم حققتم أنه منكم قول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن الذي قال الله تعالى فيه : { إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }..... إلى آخر ما قال، حيث شنّع على من دعا بغير حديث الحسن رغم عدم التسليم له ببعض دقائق ما قال، وقال الترمذي ـرحمه الله ـ لا يعرف في القنوت عن النبي شيء أحسن من هذا.
(2) وذهب فريق آخر إلى مشروعية الزيادة على ما مضى ذكره ولكن بما أثر عن عمر رضي الله عنه حيث جعل أبي بن كعب رضي الله عنه يقنت بالسورتين المذكورتين آنفاً ، وكان عمر رضي الله عنه إضافة إلى ذلك يدعو للمؤمنين والمؤمنات ويدعو على الكافرين بما لا يزيد عن تسعة أسطر.(المصنف 4969).
(3) وذهب فريق ثالث إلى جواز الدعاء بأي شيء معللاً ذلك بأنه دعاء من جنس الدعاء في الصلاة فلا يوقت فيه شيء ، لذلك قال النووي في المجموع ناقلاً عنه صاحب الفتح الرباني: والصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور أنه لا يتعين بل يحصل بكل دعاء كما قال سفيان الثوري رحمه الله : وليس فيه شيء موقت.
وهذه الآراء الثلاثة هي جملة ما يدور عليه كلام أهل العلم رحمهم الله في ذلك ، وقبل أن أبين الأولى ينبغي أن نعرف ما يلي :
(أ) الجميع متفق على أفضلية الاقتصار على الوارد الثابت، لذلك قال صاحب الفتح الرباني: قال أصاحبنا يستحب الجمع بين قنوت عمر رضي ا لله عنه وبين ما سبق ( يعني حديث الحسن ) فإن جمع بينهما فالأصح تأخير قنوت عمر رضي الله عنه وفي وجه يستحب تقديمه وإن اقتصر فليقتصر على الأول، وإنما يستحب الجمع بينهما إذا كان منفرداً أو إمام محصورين يرضون، والله أعلم.
(ب) الجميع متفق على عدم جواز الإطالة على المأمومين في الدعاء وغيره للمشقة التي نهى عنها الرسول .
(ج) الجميع متفق على جواز فعل القنوت أحياناً وتركه أحياناً أخرى.
(د) الجميع متفق أيضاً على وجود الخلاف في هذه الأدعية ؛هل هي مخصوصة أم عامة؟ كما قال سفيان الثوري والنووي رحمهما الله ليس فيه شيء موقت، وإذا تبين ذلك فيحسن أن نقول:
إن الصواب في ذلك والله أعلم عدم ثبوت دليل واحد على تخصيص دعاء الحسن أو غيره في القنوت ، باستثناء حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة " وأصله في مسلم ،كان النبي يقول في آخر وتره: ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك......الحديث )
ومع ذلك فقد وقع الخلاف فيه هل المقصود في آخر الصلاة أم في آخر الدعاء وقد تُكلم أيضاً في صحته(1) .
إذا تبين هذا ، فمن الأفضل عدم تخصيص دعاء معين بعينه للقنوت ، لعدم ثبوت ذلك الثبوت القاطع ، وإنما يدعى بما أثر عن الرسول ، وثبت صحته من الأدعية العامة كالأحاديث التي في المسند ، والبخاري ، ومسلم ، وأصحاب السنن وغيرهم مع مراعاة ما يلي:
(1) عدم الاعتداء في الدعاء لقوله تعالى: { إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِيْنَ } وذلك بأن يأتي بالجوامع، ففي الحديث الصحيح عند أبي داود عن أبي نُعامة عن ابن لسعد رضي الله عنه أنه قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، فقال : يابني إني سمعت رسول الله يقول: "سيكون قوم يعتدون في الدعاء" فإياك أن تكون منهم أ الجنة أعطيتها وما فيها وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر.