رد الشبه والافتراءات عن
السيده عائشه
رضى الله عنها
إنَّ أعداءَ الإسلام - من الشيعة الروافض - لا يفتؤون في نصْب شِباكهم الدنيَّة تجاه أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عمومًا، وأزواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خصوصًا؛ حتى يُشكِّكوا الناسَ في قُدواتهم، ويزعزِعوا عقيدتهم في أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيذْكُرون شُبهًا؛ حتى يُلبسوا على المسلمين، والناس في زمن الغُربة الثانية بعيدون عن دينهم؛ مِصداقًا لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بدأَ الإسلامُ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأَ؛ فطُوبَى للغُرباء))؛ رواه مسلم.
لذا يجبُ على المسلم أنْ يصونَ دينَه عن الشُّبهات فلا يستمع إليها؛ لأن الشبهة قد تستقرُّ في قلبه، ولا يستطيع دَفْعَها؛ لضَعف إيمانه، أو قِلَّة عِلمه، أو هما معًا، ولا شكَّ ولا ريبَ أنَّ المسلمَ مأمورٌ باجتباب مواقع الشُّبهات، ومواطن الفِتن، لماذا؟ لأنَّ الحُكماء من هذه الأُمَّة قالوا: "القلوبُ ضعيفة، والشُّبَه خَطَّافة"، ولا ينبغي لعاقلٍ أن يجعلَ قلبَه عُرضة للشُّبهات تستحكمُ قلبَه، ثم يقول: أدفعُها، وأدحضُها، وأكشفُ زيفَ القوم وباطلَهم.
ومَن نظَرَ للواقع عَلِم حقيقةَ الحال، فمن نَجَا من الشهوة، وقَعَ في الشُّبهة، والقليل مَن وفَّقه الله للاعتصام بالكتاب والسُّنة.
قال ابنُ القَيِّم في "مفتاح دار السعادة": وقوله - أي عَلِي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "ينقدحُ الشكُّ في قلبه بأوَّلِ عارضٍ مِن شُبهة"؛ هذا لضَعف عِلْمه، وقِلَّة بصيرته، إذا وردتْ على قلبِه أدنى شُبهة قدحتْ فيه الشكَّ والريبَ، بخلاف الراسخ في العِلم، لو وردَ عليه من الشُّبَه عددُ أمواج البحر، ما أزالَ يقينَه، ولا قدحَ فيه شكًّا؛ لأنه قد رسَخَ في العِلم، فلا تستفزُّه الشُّبهات، بل إذا وردتْ عليه ردَّها حَرَسُ العلم وجيشُه؛ مغلولةً مغلوبةً.
والشُّبهة واردٌ يَرِدُ على القلب، يحول بينه وبين انكشافِ الحقِّ له، فمتى باشَرَ القلبُ حقيقةَ العلم، لم تؤثِّر تلك الشبهةُ فيه، بل يقوى عِلمُه ويقينه بردِّها ومعرفة بُطْلانها، ومتى لَمْ يُباشرْ حقيقةَ العلم بالحقِّ قلبُه، قدحتْ فيه الشكَّ بأوَّل وهْلة، فإنْ تداركَها وإلاَّ تتابعتْ على قلبه أمثالُها، حتى يصيرَ شاكًّا مُرتابًا.
والقلبُ يتواردُه جيشان من الباطل: جيشُ شهوات الغَي، وجيشُ شبهات الباطل، فأَيُّما قلبٍ صغَى إليها، وركَنَ إليها تشرَّبها، وامتلأ بها، فينضح لسانُه وجوارحُه بموجبها، فإنْ أُشْربَ شبهاتِ الباطل، تفجَّرتْ على لسانه الشكوكُ والشبهات والإيرادات، فيظن الجاهلُ أنَّ ذلك لسعة عِلمه، وإنَّما ذلك من عدمِ عِلمه ويقينه.
وقال لي شيخُ الاسلام - رضي الله عنه - وقد جعلتُ أُورِدُ عليه إيرادًا بعد إيراد: لا تجعلْ قلبَك للإيرادات والشُّبهات مثل السفنجة فيتشربَها، فلا ينضح إلا بِها، ولكنِ اجعلْه كالزجاجة المصمتة، تمرُّ الشبهات بظاهرِها ولا تستقرُّ فيها، فيراها بصفائه، ويدفعُها بصلابته، وإلاَّ فإذا أَشْرَبْتَ قلبَك كُلَّ شُبهةٍ تمرُّ عليها، صارَ مُقرًّا للشُّبهات، أو كما قال.
فما أعلمُ أنِّي انتفعتُ بوصيَّة في دَفْع الشُّبهات كانتفاعي بذلك.
وإنما سُمِّيَت الشبهة شبهةً؛ لاشتباه الحقِّ بالباطل فيها؛ فإنَّها تَلْبَس ثوبَ الحقِّ على جِسم الباطل، وأكثرُ الناس أصحاب حُسنٍ ظاهر، فينظر الناظر فيما أُلْبِسَتْهُ من اللباس، فيعتقد صِحَّتَها.
وأمَّا صاحبُ العِلم واليقين، فإنَّه لا يغترُّ بذلك، بل يجاوزُ نظرَه إلى باطنها، وما تحتَ لباسِها، فينكشف له حقيقَتُها، ومثال هذا: الدرهم الزائف، فإنَّه يغترُّ به الجاهل بالنقْد؛ نظرًا لِمَا عليه مِن لباس الفضَّة، والناقد البصير يجاوزُ نظرَه إلى ما وراء ذلك، فيطَّلعُ على زَيفه"؛ اهـ، (1 /140).
والله المرجو والمأمول أنْ يعصمَنا من الشهوات والشبهات، وأنْ يجعلَنا مُعتصمين بكتابه وبسُنة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ثم اعْلم - أخي الكريم - أنَّ الروافضَ - قبَّحهم الله - أكثروا الطعْنَ في أُمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بأمورٍ ظنُّوها حقائقَ، وهي في الحقيقة شُبَه أوْهَى من خيوط العنكبوت، وتأثَّر بكلامهم بعضُ بَني جِلْدتنا من الكُتَّاب والصحفيين، بل حتى مَن يعملون في الساحة الإسلاميَّة؛ ممَّن ليس له نصيبٌ من العلم، اغتروا بكلامهم وَوَقَعُوا في شِباكهم بحُسن نيَّة، والله حسيبُهم، وهو المطلع على بواطن الأمور.
ولَمَّا كان كلامي دائرًا على دَفْع الشُّبهات عن أُمِّنا عائشة - رضي الله عنها - رأيتُ مِن واجبي أنْ أبدأَ بهذه المقدِّمة؛ تَبْصِرةً لذَوي العقول والألباب.
فمن هذه الشبه والمطاعن:
المطعْن الأول: قول الرافضة - قبَّحهم الله -: إنَّ عائشة وحَفْصة تآمَرَتا؛ لاغتيال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد وضَعَتا السُّمَّ في فَمِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنَّه ماتَ نتيجةً لذلك!
الجواب:
اعْلمْ أنَّ الرافضة أكذبُ الفِرَق المنتسبة إلى الإسلام، وأنَّ دينَهم بُني على ذلك الكَذب، وأنَّه ليس لهم أعداء يَحْقدون عليهم، ويسبُّونهم في الليل والنهار أكثر منَ الصحابة - رضي الله عنهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله: وقد اتَّفقَ أهْلُ العلم بالنقْل والرواية والإسناد على أنَّ الرافضة أكذبُ الطوائف، والكَذب فيهم قديمٌ؛ ولهذا كان أئمةُ الإسلام يعلمون امتيازَهم بكثرة الكَذب.
قال الشافعي: لم أرَ أحدًا أشْهَدَ بالزور من الرافضة.
وقال محمد بن سعيد الأصبهاني: سمعتُ شُرَيْكًا يقول: احْمِلِ العلمَ عن كلِّ مَن لقِيتَ إلاَّ الرافضة؛ فإنهم يضعون الحديثَ، ويتَّخِذونه دِينًا؛ "منهاج السُّنَّة" (1 / 59).
وهذا نص الرواية وكلام العلماء فيها، وأوجهُ الردِّ على الرافضة في زعمهم الكاذب:
عن عَائِشَة قالتْ: لَدَدْنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في مَرضه، وجعَلَ يُشير إلينا: ((لا تَلُدُّوني))، قالت: فقلْنا: كراهية المريض بالدواء، فلمَّا أفاقَ، قال: ((ألَمْ أنْهَكم أن تَلُدُّوني))، قُلنا: كراهيةً للدواء، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَبقى منكم أحدٌ إلاَّ لُدَّ وأنا أنظر إلاَّ العبَّاس؛ فإنَّه لم يشهدْكم))؛ رواه البخاري، (6501)، ومسلم (2213).
عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحرث بن هشام، عن أسماء بنت عُميس، قالتْ: "أوَّل ما اشْتَكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة، فاشتدَّ مرضُه؛ حتى أُغْمِي عليه، فتشاوَرَ نساؤه في لَدِّه، فلَدُّوه، فلمَّا أفاقَ، قال: ((ما هذا؟))، فقُلْنا: هذا فِعْل نساءٍ جِئْنَ مِن ها هنا، وأشار إلى أرض الحبشة، وكانتْ أسماء بنت عُميس فيهنَّ، قالوا: كنا نتَّهمُ فيك ذاتَ الْجَنْب يا رسول الله، قال: ((إنَّ ذلك لداءٌ ما كان الله - عز وجل - ليَقْرَفُني به؛ لا يَبْقَيَنَّ في هذا البيت أحدٌ إلاَّ الْتَدَّ، إلاَّ عَمُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَعنى: العبَّاس))، قال: فلقد الْتَدَّتْ ميمونة يومئذٍ وإنَّها لصائمةٌ، لعَزْمَة رسول الله - صلى الله عليه وسلم"؛ رواه أحمد، (45 / 460)، وصحَّحه الألباني في "السلسلة الصحيحة"، (3339).
اللَّدُود: هو الدواء الذي يُصبُّ في أحَدِ جانبي فمِ المريض، أو يُدْخَلُ فيه بأصبع وغيرها ويحنَّك به، وأمَّا الوُجُور: فهو إدخالُ الدواء في وسط الفم، والسَّعُوط: إدخالُه عن طريق الأنف.
وذات الجَنْب: ورمٌ حارٌّ يَعْرِضُ في نواحى الجَنْب في الغِشاء الْمُستبطِن للأضلاع، ويَلزم ذاتَ الْجَنْب الحقيقى خمسةُ أعراضٍ، وهى: الحُمَّى، والسُّعَال، والوَجَع الناخِس، وضِيق النَّفَس، والنبضُ الْمِنْشَاري؛ يُنظر: "زاد المعاد في هَدي خير العباد"، (4 / 81 - 83).
هناك ثَمَّة وقفات مع هاتين الروايتين:
1- إنَّ مَن نقَلَ هذه الحادثة للعالَم هو عائشة - رضي الله عنها - فكيف تنقل للناس قتْلَها لنبيِّها، وزوجها، وحبيبها - صلَّى الله عليه وسلَّم؟! وكذلك رَوَتِ الحادثةَ أُمُّ سَلَمة، وأسماءُ بنت عُمَيس - رضي الله عنهما - وكلُّ أولئك مُتَّهَمات في دينهنَّ عند الرافضة، ومُشَارِكات في قَتْله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومع ذلك قَبِلوا روايتهنَّ لهذا الحديث؛ فاعْجَبوا أيُّها العُقلاء!
2- كيف عَرَف الرافضة المجوس مكوِّنات الدواء الذي وضعَتْه عائشة للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم؟!
3- النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمرَ بأنْ يُوضَعَ الدواء نفسُه في فمِ كلِّ مَن كان في الغُرفة، إلاَّ العبَّاس - رضي الله عنه - فلماذا ماتَ هو - صلَّى الله عليه وسلَّم - منه، وهنَّ لم يَمُتْنَ؟!
4- لماذا لم يُخْبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عمَّه العباس - رضي الله عنه - بما فعَلوه مِن وضْعِ السُّمِّ في فمه - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى يقتصَّ ممن قَتَلَه؟! إذا قُلْتُم أخبرَه: فأين الدَّليل على إخباره؟! وإنْ قُلتُم: لم يخبرْه، فكيف عَلِمتُم أنَّه سمٌّ وليس دواءً، والعباس نفسُه لم يعلم؟!
5- السُّم الذي وضعتْه اليهوديَّة في الطعام الذي قُدِّم للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كُشِفَ أمرُه من الله - تعالى - وأخبرتِ الشاةُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّها مسمومةٌ، فلماذا لم يحصلْ معه - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأمرُ نفسُه في السُّمِّ الذي وضعتْه عائشة في فمه؟!
6- لم يُعطَ الدواءُ للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من غير عِلَّة، بل أُعْطِيَه مِن مَرضٍ ألَمَّ به.
7- لم يُعطَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الدواءَ إلاَّ بعد أن تشاورَ نساؤه - رضي الله عنهنَّ - في ذلك الإعطاء.
8 - لا ننكر أنْ يكونَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ماتَ بأثَر السُّم! لكن أيُّ سُمٍّ هذا؟ إنَّه السُّم الذي وضعتْه اليهوديَّة للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في طعام دَعَتْه لأكْله عندها، وقد لفَظَ - صلَّى الله عليه وسلَّم - اللُّقمة؛ لإخبار الله - تعالى - بوجود السُّم في الطعام، فأخبرَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في آخر أيَّامه أنَّه يجدُ أثَرَ تلك اللُّقمة على بَدَنه، ومِن هنا قال مَن قال مِن سَلف هذه الأُمة: إنَّ الله - تعالى - جمَعَ له بين النبوَّة والشهادة.
والعجيبُ أنَّ بعضَ الرافضة يُنكرون هذه الرواية، ويبرِّئون اليهود من تلك الفَعْلة الدنيئَة؛ مع تواتُر الرواية، وصحَّة أسانيدها، ومع إخبار الله - تعالى - أنَّ اليهودَ يَقتلون النبيِّين، ومع ذلك برَّأتْهم الرافضةُ! وغيرُ خافٍ على المطلع لسببِ ذلك الدفاع عن اليهود مِن قِبَل الرافضة - أنَّ مُؤسِّسَ هذا المذهب هو "عبدالله بن سبأ اليهودي"، فصارَ من الطبيعي أنْ يُبرَّأَ اليهود مع صحة الرواية، وتُلْصَق التهمة بأجِلاَّء الصحابة، مع عدم وجود مُستند صحيحٍ ولا ضعيف!
9- من الواضح في الرواية أنَّ نساءَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يَفْهَمْنَ مِن نَهْي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعدم لَدِّه أنَّه نَهْيٌ شَرْعي، بل فَهِموا أنَّه من كراهية المريض للدواء، وفَهْمُهم هذا ليس بمستنكرٍ في الظاهر، وقد صرَّحوا بأنهم - وإنْ لم يكنْ لهم عذرٌ عند النبي، صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ الأصْلَ هو الاستجابة لأمرِه، صلَّى الله عليه وسلَّم - قد أخطؤوا في تشخيص دَائه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لذا فقد ناوَلوه دواءً لا يُناسب عِلَّته.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله: "وإنَّما أنْكَرَ التداوي؛ لأنَّه كان غيرَ ملائمٍ لدائه؛ لأنهم ظنُّوا أنَّ به "ذات الْجَنْب"، فداووه بما يلائمها، ولم يكنْ به ذلك؛ كما هو ظاهر في سياق الخبر كما ترى"؛ "فتح الباري"، (8 / 147- 148).
10- وهل اقتصَّ منهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو أرادَ تأديبَهم؟ الظاهرُ أنَّ ما فعَلَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن إلزامهم بتناول ذلك اللَّدُود أنَّه مِن باب التأديب، ومما يدلُّ على أنَّه ليس مِن باب القِصاص، أنَّه لم يُلزمْهم بالكميَّة؛ وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله: "والذي يظهرُ أنَّه أرادَ بذلك تأديبهم؛ لئلا يعودوا، فكان ذلك تأديبًا، لا قِصاصًا، ولا انتقامًا"؛ "فتح الباري"، (8 / 147).
11- الاشتباه بنوع مَرضه - صلَّى الله عليه وسلَّم - محتملٌ؛ لأنَّ كلاًّ منهما - أي ما كان فيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن مرضٍ، وما ظنُّوه - له الاسم نفسه؛ فكلاهما يُطلق عليه: "ذات الْجَنْب"، وكلاهما له مكان الألم نفسه، وهو "الْجَنْب".
قال ابنُ القَيِّم - رحمه الله -: "وذاتُ الْجَنْب عند الأطبَّاء نوعان؛ حقيقي، وغير حقيقي، فالحقيقي: ورمٌ حارٌّ يَعْرِضُ في نواحي الجَنْب في الغِشاء المستبطن للأضلاع، وغير الحقيقي: ألَمٌ يُشْبِهه يَعْرِضُ في نواحي الْجَنْبِ عن رياحٍ غليظة، مُؤْذيةٍ، تحتقِن بين الصِّفاقات - وهي الأغشية التي تُغلِّف أعضاءَ البطن - فتُحْدِث وجَعًا قريبًا من وجَعِ ذات الْجَنْب الحقيقي، إلاَّ أنَّ الوجَعَ في هذا القسم ممدودٌ، وفي الحقيقي ناخسٌ".
وقال: "والعلاج الموجود في الحديث ليس هو لهذا القسم، لكن للقسم الثاني الكائن عن الريح الغليظة، فإنَّ القسطَ البحري - وهو العودُ الهندي على ما جاء مُفسَّرًا في أحاديث أُخَر - صِنفٌ من القُسْط، إذا دُقَّ دقًّا ناعِمًا، وخُلِط بالزيت المسخَّن، ودُلك به مكانُ الريح المذكور، أو لُعِقَ، كان دواءً موافِقًا لذلك، نافعًا له، مُحلِّلًا لمادته، مُذْهِبًا لها، مُقويًّا للأعضاء الباطنة، مفتِّحًا للسُّدد، والعودُ المذكور في منافعه كذلك"؛ "زاد المعاد في هَدي خير العباد"، (4 / 81 - 82).
فهنَّ - رضي الله عنهنَّ - اعتقدْنَ أن مرضَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو الأوَّل الحقيقي، وهو الذي استبعدَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يَبْتليه الله به، وقد نَاوَلْنَه دواءَ المرض الآخَر، وكان الدواء هو "القُسط الهندي"، وقد دَقَقْنَه وخَلْطْنَه بزيتٍ - كما في رواية الطبراني - وهو مُفيد لِمَن تناوله حتى لو لم يكنْ به مرضٌ؛ لذا فقد أمَرَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كلَّ مَن شارَك في إعطائه له، ومَن رَضِي به أمر أنْ يلَدَّ به! ولو كان فيه ضررٌ لَمَا أمَرَ بذلك - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ويكمل ان شاء الله
لنتابع باقى الرد عن باقى الشبه
ان شاء الله
منقول من شبكة الالوكه
http://www.alukah.net/Sharia/0/25899/
__________________
السيده عائشه
رضى الله عنها
إنَّ أعداءَ الإسلام - من الشيعة الروافض - لا يفتؤون في نصْب شِباكهم الدنيَّة تجاه أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عمومًا، وأزواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خصوصًا؛ حتى يُشكِّكوا الناسَ في قُدواتهم، ويزعزِعوا عقيدتهم في أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيذْكُرون شُبهًا؛ حتى يُلبسوا على المسلمين، والناس في زمن الغُربة الثانية بعيدون عن دينهم؛ مِصداقًا لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بدأَ الإسلامُ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأَ؛ فطُوبَى للغُرباء))؛ رواه مسلم.
لذا يجبُ على المسلم أنْ يصونَ دينَه عن الشُّبهات فلا يستمع إليها؛ لأن الشبهة قد تستقرُّ في قلبه، ولا يستطيع دَفْعَها؛ لضَعف إيمانه، أو قِلَّة عِلمه، أو هما معًا، ولا شكَّ ولا ريبَ أنَّ المسلمَ مأمورٌ باجتباب مواقع الشُّبهات، ومواطن الفِتن، لماذا؟ لأنَّ الحُكماء من هذه الأُمَّة قالوا: "القلوبُ ضعيفة، والشُّبَه خَطَّافة"، ولا ينبغي لعاقلٍ أن يجعلَ قلبَه عُرضة للشُّبهات تستحكمُ قلبَه، ثم يقول: أدفعُها، وأدحضُها، وأكشفُ زيفَ القوم وباطلَهم.
ومَن نظَرَ للواقع عَلِم حقيقةَ الحال، فمن نَجَا من الشهوة، وقَعَ في الشُّبهة، والقليل مَن وفَّقه الله للاعتصام بالكتاب والسُّنة.
قال ابنُ القَيِّم في "مفتاح دار السعادة": وقوله - أي عَلِي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "ينقدحُ الشكُّ في قلبه بأوَّلِ عارضٍ مِن شُبهة"؛ هذا لضَعف عِلْمه، وقِلَّة بصيرته، إذا وردتْ على قلبِه أدنى شُبهة قدحتْ فيه الشكَّ والريبَ، بخلاف الراسخ في العِلم، لو وردَ عليه من الشُّبَه عددُ أمواج البحر، ما أزالَ يقينَه، ولا قدحَ فيه شكًّا؛ لأنه قد رسَخَ في العِلم، فلا تستفزُّه الشُّبهات، بل إذا وردتْ عليه ردَّها حَرَسُ العلم وجيشُه؛ مغلولةً مغلوبةً.
والشُّبهة واردٌ يَرِدُ على القلب، يحول بينه وبين انكشافِ الحقِّ له، فمتى باشَرَ القلبُ حقيقةَ العلم، لم تؤثِّر تلك الشبهةُ فيه، بل يقوى عِلمُه ويقينه بردِّها ومعرفة بُطْلانها، ومتى لَمْ يُباشرْ حقيقةَ العلم بالحقِّ قلبُه، قدحتْ فيه الشكَّ بأوَّل وهْلة، فإنْ تداركَها وإلاَّ تتابعتْ على قلبه أمثالُها، حتى يصيرَ شاكًّا مُرتابًا.
والقلبُ يتواردُه جيشان من الباطل: جيشُ شهوات الغَي، وجيشُ شبهات الباطل، فأَيُّما قلبٍ صغَى إليها، وركَنَ إليها تشرَّبها، وامتلأ بها، فينضح لسانُه وجوارحُه بموجبها، فإنْ أُشْربَ شبهاتِ الباطل، تفجَّرتْ على لسانه الشكوكُ والشبهات والإيرادات، فيظن الجاهلُ أنَّ ذلك لسعة عِلمه، وإنَّما ذلك من عدمِ عِلمه ويقينه.
وقال لي شيخُ الاسلام - رضي الله عنه - وقد جعلتُ أُورِدُ عليه إيرادًا بعد إيراد: لا تجعلْ قلبَك للإيرادات والشُّبهات مثل السفنجة فيتشربَها، فلا ينضح إلا بِها، ولكنِ اجعلْه كالزجاجة المصمتة، تمرُّ الشبهات بظاهرِها ولا تستقرُّ فيها، فيراها بصفائه، ويدفعُها بصلابته، وإلاَّ فإذا أَشْرَبْتَ قلبَك كُلَّ شُبهةٍ تمرُّ عليها، صارَ مُقرًّا للشُّبهات، أو كما قال.
فما أعلمُ أنِّي انتفعتُ بوصيَّة في دَفْع الشُّبهات كانتفاعي بذلك.
وإنما سُمِّيَت الشبهة شبهةً؛ لاشتباه الحقِّ بالباطل فيها؛ فإنَّها تَلْبَس ثوبَ الحقِّ على جِسم الباطل، وأكثرُ الناس أصحاب حُسنٍ ظاهر، فينظر الناظر فيما أُلْبِسَتْهُ من اللباس، فيعتقد صِحَّتَها.
وأمَّا صاحبُ العِلم واليقين، فإنَّه لا يغترُّ بذلك، بل يجاوزُ نظرَه إلى باطنها، وما تحتَ لباسِها، فينكشف له حقيقَتُها، ومثال هذا: الدرهم الزائف، فإنَّه يغترُّ به الجاهل بالنقْد؛ نظرًا لِمَا عليه مِن لباس الفضَّة، والناقد البصير يجاوزُ نظرَه إلى ما وراء ذلك، فيطَّلعُ على زَيفه"؛ اهـ، (1 /140).
والله المرجو والمأمول أنْ يعصمَنا من الشهوات والشبهات، وأنْ يجعلَنا مُعتصمين بكتابه وبسُنة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ثم اعْلم - أخي الكريم - أنَّ الروافضَ - قبَّحهم الله - أكثروا الطعْنَ في أُمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بأمورٍ ظنُّوها حقائقَ، وهي في الحقيقة شُبَه أوْهَى من خيوط العنكبوت، وتأثَّر بكلامهم بعضُ بَني جِلْدتنا من الكُتَّاب والصحفيين، بل حتى مَن يعملون في الساحة الإسلاميَّة؛ ممَّن ليس له نصيبٌ من العلم، اغتروا بكلامهم وَوَقَعُوا في شِباكهم بحُسن نيَّة، والله حسيبُهم، وهو المطلع على بواطن الأمور.
ولَمَّا كان كلامي دائرًا على دَفْع الشُّبهات عن أُمِّنا عائشة - رضي الله عنها - رأيتُ مِن واجبي أنْ أبدأَ بهذه المقدِّمة؛ تَبْصِرةً لذَوي العقول والألباب.
فمن هذه الشبه والمطاعن:
المطعْن الأول: قول الرافضة - قبَّحهم الله -: إنَّ عائشة وحَفْصة تآمَرَتا؛ لاغتيال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد وضَعَتا السُّمَّ في فَمِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنَّه ماتَ نتيجةً لذلك!
الجواب:
اعْلمْ أنَّ الرافضة أكذبُ الفِرَق المنتسبة إلى الإسلام، وأنَّ دينَهم بُني على ذلك الكَذب، وأنَّه ليس لهم أعداء يَحْقدون عليهم، ويسبُّونهم في الليل والنهار أكثر منَ الصحابة - رضي الله عنهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله: وقد اتَّفقَ أهْلُ العلم بالنقْل والرواية والإسناد على أنَّ الرافضة أكذبُ الطوائف، والكَذب فيهم قديمٌ؛ ولهذا كان أئمةُ الإسلام يعلمون امتيازَهم بكثرة الكَذب.
قال الشافعي: لم أرَ أحدًا أشْهَدَ بالزور من الرافضة.
وقال محمد بن سعيد الأصبهاني: سمعتُ شُرَيْكًا يقول: احْمِلِ العلمَ عن كلِّ مَن لقِيتَ إلاَّ الرافضة؛ فإنهم يضعون الحديثَ، ويتَّخِذونه دِينًا؛ "منهاج السُّنَّة" (1 / 59).
وهذا نص الرواية وكلام العلماء فيها، وأوجهُ الردِّ على الرافضة في زعمهم الكاذب:
عن عَائِشَة قالتْ: لَدَدْنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في مَرضه، وجعَلَ يُشير إلينا: ((لا تَلُدُّوني))، قالت: فقلْنا: كراهية المريض بالدواء، فلمَّا أفاقَ، قال: ((ألَمْ أنْهَكم أن تَلُدُّوني))، قُلنا: كراهيةً للدواء، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَبقى منكم أحدٌ إلاَّ لُدَّ وأنا أنظر إلاَّ العبَّاس؛ فإنَّه لم يشهدْكم))؛ رواه البخاري، (6501)، ومسلم (2213).
عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحرث بن هشام، عن أسماء بنت عُميس، قالتْ: "أوَّل ما اشْتَكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة، فاشتدَّ مرضُه؛ حتى أُغْمِي عليه، فتشاوَرَ نساؤه في لَدِّه، فلَدُّوه، فلمَّا أفاقَ، قال: ((ما هذا؟))، فقُلْنا: هذا فِعْل نساءٍ جِئْنَ مِن ها هنا، وأشار إلى أرض الحبشة، وكانتْ أسماء بنت عُميس فيهنَّ، قالوا: كنا نتَّهمُ فيك ذاتَ الْجَنْب يا رسول الله، قال: ((إنَّ ذلك لداءٌ ما كان الله - عز وجل - ليَقْرَفُني به؛ لا يَبْقَيَنَّ في هذا البيت أحدٌ إلاَّ الْتَدَّ، إلاَّ عَمُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَعنى: العبَّاس))، قال: فلقد الْتَدَّتْ ميمونة يومئذٍ وإنَّها لصائمةٌ، لعَزْمَة رسول الله - صلى الله عليه وسلم"؛ رواه أحمد، (45 / 460)، وصحَّحه الألباني في "السلسلة الصحيحة"، (3339).
اللَّدُود: هو الدواء الذي يُصبُّ في أحَدِ جانبي فمِ المريض، أو يُدْخَلُ فيه بأصبع وغيرها ويحنَّك به، وأمَّا الوُجُور: فهو إدخالُ الدواء في وسط الفم، والسَّعُوط: إدخالُه عن طريق الأنف.
وذات الجَنْب: ورمٌ حارٌّ يَعْرِضُ في نواحى الجَنْب في الغِشاء الْمُستبطِن للأضلاع، ويَلزم ذاتَ الْجَنْب الحقيقى خمسةُ أعراضٍ، وهى: الحُمَّى، والسُّعَال، والوَجَع الناخِس، وضِيق النَّفَس، والنبضُ الْمِنْشَاري؛ يُنظر: "زاد المعاد في هَدي خير العباد"، (4 / 81 - 83).
هناك ثَمَّة وقفات مع هاتين الروايتين:
1- إنَّ مَن نقَلَ هذه الحادثة للعالَم هو عائشة - رضي الله عنها - فكيف تنقل للناس قتْلَها لنبيِّها، وزوجها، وحبيبها - صلَّى الله عليه وسلَّم؟! وكذلك رَوَتِ الحادثةَ أُمُّ سَلَمة، وأسماءُ بنت عُمَيس - رضي الله عنهما - وكلُّ أولئك مُتَّهَمات في دينهنَّ عند الرافضة، ومُشَارِكات في قَتْله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومع ذلك قَبِلوا روايتهنَّ لهذا الحديث؛ فاعْجَبوا أيُّها العُقلاء!
2- كيف عَرَف الرافضة المجوس مكوِّنات الدواء الذي وضعَتْه عائشة للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم؟!
3- النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمرَ بأنْ يُوضَعَ الدواء نفسُه في فمِ كلِّ مَن كان في الغُرفة، إلاَّ العبَّاس - رضي الله عنه - فلماذا ماتَ هو - صلَّى الله عليه وسلَّم - منه، وهنَّ لم يَمُتْنَ؟!
4- لماذا لم يُخْبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عمَّه العباس - رضي الله عنه - بما فعَلوه مِن وضْعِ السُّمِّ في فمه - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى يقتصَّ ممن قَتَلَه؟! إذا قُلْتُم أخبرَه: فأين الدَّليل على إخباره؟! وإنْ قُلتُم: لم يخبرْه، فكيف عَلِمتُم أنَّه سمٌّ وليس دواءً، والعباس نفسُه لم يعلم؟!
5- السُّم الذي وضعتْه اليهوديَّة في الطعام الذي قُدِّم للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كُشِفَ أمرُه من الله - تعالى - وأخبرتِ الشاةُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّها مسمومةٌ، فلماذا لم يحصلْ معه - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأمرُ نفسُه في السُّمِّ الذي وضعتْه عائشة في فمه؟!
6- لم يُعطَ الدواءُ للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من غير عِلَّة، بل أُعْطِيَه مِن مَرضٍ ألَمَّ به.
7- لم يُعطَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الدواءَ إلاَّ بعد أن تشاورَ نساؤه - رضي الله عنهنَّ - في ذلك الإعطاء.
8 - لا ننكر أنْ يكونَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ماتَ بأثَر السُّم! لكن أيُّ سُمٍّ هذا؟ إنَّه السُّم الذي وضعتْه اليهوديَّة للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في طعام دَعَتْه لأكْله عندها، وقد لفَظَ - صلَّى الله عليه وسلَّم - اللُّقمة؛ لإخبار الله - تعالى - بوجود السُّم في الطعام، فأخبرَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في آخر أيَّامه أنَّه يجدُ أثَرَ تلك اللُّقمة على بَدَنه، ومِن هنا قال مَن قال مِن سَلف هذه الأُمة: إنَّ الله - تعالى - جمَعَ له بين النبوَّة والشهادة.
والعجيبُ أنَّ بعضَ الرافضة يُنكرون هذه الرواية، ويبرِّئون اليهود من تلك الفَعْلة الدنيئَة؛ مع تواتُر الرواية، وصحَّة أسانيدها، ومع إخبار الله - تعالى - أنَّ اليهودَ يَقتلون النبيِّين، ومع ذلك برَّأتْهم الرافضةُ! وغيرُ خافٍ على المطلع لسببِ ذلك الدفاع عن اليهود مِن قِبَل الرافضة - أنَّ مُؤسِّسَ هذا المذهب هو "عبدالله بن سبأ اليهودي"، فصارَ من الطبيعي أنْ يُبرَّأَ اليهود مع صحة الرواية، وتُلْصَق التهمة بأجِلاَّء الصحابة، مع عدم وجود مُستند صحيحٍ ولا ضعيف!
9- من الواضح في الرواية أنَّ نساءَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يَفْهَمْنَ مِن نَهْي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعدم لَدِّه أنَّه نَهْيٌ شَرْعي، بل فَهِموا أنَّه من كراهية المريض للدواء، وفَهْمُهم هذا ليس بمستنكرٍ في الظاهر، وقد صرَّحوا بأنهم - وإنْ لم يكنْ لهم عذرٌ عند النبي، صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ الأصْلَ هو الاستجابة لأمرِه، صلَّى الله عليه وسلَّم - قد أخطؤوا في تشخيص دَائه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لذا فقد ناوَلوه دواءً لا يُناسب عِلَّته.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله: "وإنَّما أنْكَرَ التداوي؛ لأنَّه كان غيرَ ملائمٍ لدائه؛ لأنهم ظنُّوا أنَّ به "ذات الْجَنْب"، فداووه بما يلائمها، ولم يكنْ به ذلك؛ كما هو ظاهر في سياق الخبر كما ترى"؛ "فتح الباري"، (8 / 147- 148).
10- وهل اقتصَّ منهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو أرادَ تأديبَهم؟ الظاهرُ أنَّ ما فعَلَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن إلزامهم بتناول ذلك اللَّدُود أنَّه مِن باب التأديب، ومما يدلُّ على أنَّه ليس مِن باب القِصاص، أنَّه لم يُلزمْهم بالكميَّة؛ وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله: "والذي يظهرُ أنَّه أرادَ بذلك تأديبهم؛ لئلا يعودوا، فكان ذلك تأديبًا، لا قِصاصًا، ولا انتقامًا"؛ "فتح الباري"، (8 / 147).
11- الاشتباه بنوع مَرضه - صلَّى الله عليه وسلَّم - محتملٌ؛ لأنَّ كلاًّ منهما - أي ما كان فيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن مرضٍ، وما ظنُّوه - له الاسم نفسه؛ فكلاهما يُطلق عليه: "ذات الْجَنْب"، وكلاهما له مكان الألم نفسه، وهو "الْجَنْب".
قال ابنُ القَيِّم - رحمه الله -: "وذاتُ الْجَنْب عند الأطبَّاء نوعان؛ حقيقي، وغير حقيقي، فالحقيقي: ورمٌ حارٌّ يَعْرِضُ في نواحي الجَنْب في الغِشاء المستبطن للأضلاع، وغير الحقيقي: ألَمٌ يُشْبِهه يَعْرِضُ في نواحي الْجَنْبِ عن رياحٍ غليظة، مُؤْذيةٍ، تحتقِن بين الصِّفاقات - وهي الأغشية التي تُغلِّف أعضاءَ البطن - فتُحْدِث وجَعًا قريبًا من وجَعِ ذات الْجَنْب الحقيقي، إلاَّ أنَّ الوجَعَ في هذا القسم ممدودٌ، وفي الحقيقي ناخسٌ".
وقال: "والعلاج الموجود في الحديث ليس هو لهذا القسم، لكن للقسم الثاني الكائن عن الريح الغليظة، فإنَّ القسطَ البحري - وهو العودُ الهندي على ما جاء مُفسَّرًا في أحاديث أُخَر - صِنفٌ من القُسْط، إذا دُقَّ دقًّا ناعِمًا، وخُلِط بالزيت المسخَّن، ودُلك به مكانُ الريح المذكور، أو لُعِقَ، كان دواءً موافِقًا لذلك، نافعًا له، مُحلِّلًا لمادته، مُذْهِبًا لها، مُقويًّا للأعضاء الباطنة، مفتِّحًا للسُّدد، والعودُ المذكور في منافعه كذلك"؛ "زاد المعاد في هَدي خير العباد"، (4 / 81 - 82).
فهنَّ - رضي الله عنهنَّ - اعتقدْنَ أن مرضَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو الأوَّل الحقيقي، وهو الذي استبعدَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يَبْتليه الله به، وقد نَاوَلْنَه دواءَ المرض الآخَر، وكان الدواء هو "القُسط الهندي"، وقد دَقَقْنَه وخَلْطْنَه بزيتٍ - كما في رواية الطبراني - وهو مُفيد لِمَن تناوله حتى لو لم يكنْ به مرضٌ؛ لذا فقد أمَرَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كلَّ مَن شارَك في إعطائه له، ومَن رَضِي به أمر أنْ يلَدَّ به! ولو كان فيه ضررٌ لَمَا أمَرَ بذلك - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ويكمل ان شاء الله
لنتابع باقى الرد عن باقى الشبه
ان شاء الله
منقول من شبكة الالوكه
http://www.alukah.net/Sharia/0/25899/
__________________
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع