ابن عامر الشامي
وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
- إنضم
- 20 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 10,237
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المملكة المغربية
- احفظ من كتاب الله
- بين الدفتين
- احب القراءة برواية
- رواية حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- سعود الشريم
- الجنس
- اخ
إرشـاد حول الإحداد
عبداللطيف بن صالح العامر
عضو مركز الدعوة والإرشاد بحائل
رمضان 1423هـ
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين . . أما بعد :
فهذه مسائل تتعلق بالمرأة التي توفي عنها زوجها ، ألخصها في سبع مسائل ، عسى الله أن يحيينا وأن يميتنا على الإسلام ، وأن لا يفاجئنا بمكروه .
وهي :
الأولى : الاعتبار بمفارقة رب الدار .
الثانية : الحزن والعدة .
الثالثة : الطيب والزينة للمرأة .
الرابعة : معنى الإحداد .
الخامسة : الأمور التي تتركها المرأة في الإحداد .
السادسة : أمور مرخص بها .
السابعة : سرد النصوص المتعلقة بالإحداد .
الأولى : الاعتبار بمفارقة ربِّ الدار
قال الله تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )
هكذا الموت يأتي بلا ميعاد ، فلا ندري من يكون صاحب القبر المجاور لهذا الذي دفناه ، والموت باب الآخرة .
وإذا كان الموت قد تخطانا إلى غيرنا فسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنأخذ حذرنا .
وما الدنيا بباقية لحيٍّ . . وما حيٌّ على الدنيا بباقي
وإذا فارقت المرأة زوجها وانحل هذا العقد فإن الله تعالى قد شرع الإحداد لتعظيم هذا العقد ، وإظهار خطره وشرفه ، وأنه عند اللَّه بمكان ، فجعل العدة حريماً له ، وجعل الإحداد مِن تمام هذا المقصود وتأكده ، ومزيدِ الاعتناء به ، حتى جُعلت الزوجة أولى بفعله على زوجها مِن أبيها وابنها وأخيها وسائرِ أقاربها ، وهذا مِن تعظيم هذا العقدِ وتشريفِه ، وتأكدِ الفرقِ بينه وبين السِّفاح من جميع أحكامه ، ولهذا شُرِعَ في ابتدائه إعلانُه، والإشهادُ عليه ، والضَّربُ بالدّف لتحقق المضادة بينَه وبينَ السِّفاح ، وشرع في آخره وانتهائه من العدة والإحداد ما لم يُشرع في غيره .
الثانية : الحزن والعِدَّة
الحزن حاجة وجدانية لدى كل إنسان سوي ، بل حتى الحيوانات تحزن ، بل وكل كائن حي ، جعلها الله تعالى لتقوى أواصر الألفة والود بين الخلق ، وليحصل التكاثر الطبيعي في الحياة .
دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ابنه إبراهيم ، وهو يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان ، فقال له عبدالرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : ( يابن عوف إنها رحمة ) . ثم أتبعها بأخرى ، فقال : ( إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) متفق عليه ، وكذلك حزن عليه الصلاة والسلام حزنا شديداً على زوجه خديجة رضي الله عنها وكذلك على عمه أبي طالب لما مات على الشرك ، فسمي ذلك العام عام الحزن .
وحين تعلم المرأة أن مدة الإحداد قد خففت وصارت أربعة أشهر وعشرا ، بعد أن كانت سنة كاملة ، لا تستكثر العدة وترك الاكتحال والزينة مدة الإحداد ، فإنها مدة قليلة ، بالنسبة لمدتها قبل التخفيف .
وقد ذكر صلى الله عليه وسلم ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من الإحداد البليغ سنَةً ، ويصبِرن على ذلك ، أفلا تصبرن أربعة أشهر وعشراً ، قال الله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج ) عن عكرمة عن ابن عباس قال : (نسخ ذلك بآية الميراث بما فرض اللّه لها من الربع والثمن ونسخ أجل الحول أن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً) .
وقد دلت النصوص على أنه لا يجوزُ الإحدادُ على مِّيتٍ فوقَ ثلاثة أيامِ كائناً من كان ، إلا الزوجَ وحدَه .
وإذا كان الإحدادُ على غير الزوج كالأب والأخ والابن جائز ورخصة بحيث لا يزيد على ثلاثة أيام ، فإنه على الزوج واجب وعزيمة مدة أربعة أشهر وعشراً ، أو وضع الحمل .
وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة ، والحالقة ، والشاقة .
متفق عليه ، والصالقة التي ترفع صوتها .
وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس منا من ضرب الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية ) متفق عليه .
وفي هذه الشريعة من الاعتدال ومراعاة ضعف الإنسان ما يصلح حاله ، لا سيما الزوجة حينما تفقد حليلها ورفيق دربها ، فلا تفريط ولا إفراط ، لا انتهاك الإحداد في العدة ، ولا شق الجيوب ولطم الخدود والنياحة على الميت ، كلا طرفَي قصد الأمور ذميمُ .
قالت أعرابية ترثي زوجها :
كنا كغصنين في جرثومة سمقا . . حيناً بأحسنِ مايسمو به الشجرُ
حتى إذا قيلَ : قد طالت فروعُهُما . . وطال قنواهما واستنظر الثمرُ
أخنى على واحدي ريب الزمان وما . . يبقي الزمانُ على شيءٍ ولا يذرُ
كنا كأنجمِ ليلٍ بينها قمرٌ . . يجلو الدجى فهوى من دونها القمرُ
تقصد أنها وزوجها كانا كغصنين طالا وتشبعا من أصل واحد ، وتقول : دمنا زمانا على أحسن مايدوم به الفرعان في أصلهما ، ولما بلغنا الكمال وطاب منشؤنا ، وكنا كفرعي الشجرة التي طاب ظلها ، وطال عذقها ، واستنظر ثمار أغصانها ، أحدث حدثان الدهر أحداثا فاجعة ، فأهلكت زوجي الواحد ، ولا عجب فإن هذه أحوال الدهر الذي لا يدوم على حال ، وقد كنا في الاجتماع مع الأهلين كالأنجم التي تبدو في الليل ، وهو بيننا كالقمر الذي يكشف الظلمة ، فسقط من وسطها ، وغاب عن أعيننا .
الثالثة : أحكام الطيب والزينة للمرأة
لقد أنكر اللَّهُ سبحانَه وتعالى على مَنْ حَرَّمَ زِيْنَتَهُ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ .
وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يُحرِّمَ من الزينة إلا ما حرَّمه اللَّه ورسولُه ، واللَّه سبحانه قد حرَّم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم زينة الإحداد على المتوفَّى عنها مدة العدة ، وأباح الإحدادَ بتركها على غير الزوج ، فلا يجوز تحريمُ غير ما حرمه ، بل هو على أصلِ الإباحة .
وإذا كانت المرأة تتجمل لزوجها بزينة خاصة فإنها قد تتجمل لنسائها ومحارمها زينة عامة ، لكنها لا يجوز لها بحال أن تتزين للرجال الأجانب ، ولا أن تتطيب وتخرج للأماكن العامة والأسواق ، قال الله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) وقال سبحانه : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) فلا يليق أن تتستر بعباءة هي في نفسها زينة تحتاج إلى عباءة أخرى تسترها .
ويدخل فى الطيب : المسكُ ، والعنبرُ، والكافورُ ، والند ، والغالِية ، والزَّباد ، والذَّريرة ، والبخور ، والأدهان ، كدُهن البان ، والورد ، والبنفسج ، والياسمين ، والمياه المعتصرة من الأدهان الطيبة ، كماء الورد ، وماء القرنفل ، وماء زهر النارنج ، وسائر أنواع العطور الشرقية والغربية ، فهذا كُلُّه طِيب ، ولا يدخُلُ فيه الزيتُ ، ولا الشيرج ، ولا السمن ، ولا تُمتع من الادهان بشىء من ذلك .
الرابعة : معنى الإحداد
الإحداد : هو ترك الزينة ، والطيب ، ولبس الحلي ، ولبس الملون من الثياب ، والخضاب ، والكحل .
وهو مأخوذ من الحدّ ، وهو المنع ، لأنها تمنع من هذه الأشياء .
وكما أنه يجب على المرأة المطلقة غير البائن أن تلزم بيت الزوجية حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء لقول الله تعالى : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) ، فتتزيَّن المطلقة واحدة أو اثنتين ، وتتشوَّفُ لعله أن يُراجعها .
فكان من أظهر الحكم المطلوبة في ذلك تحصيل الانسجام والتوافق بين المشاعر العاطفية والحالة الاجتماعية .
في المقابل أيضاً على المتوفى عنها زوجها أن تحد حتى تنقضي عدتها وهي أربعة أشهر وعشرة أيام ، لقوله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ) البقرة 234
إلا أن تكون حبلى فعدتها تنتهي بوضع الحمل، لقوله تعالى: ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) الطلاق4 ، وبانتهاء عدتها ينتهي كل ما يتعلق بها من أحكام الإحداد .
فالإحداد تابع للعِدة بالشهور، أما الحامل ، فإذا انقضى حملُها ، سقط وجوْبُ الإحداد عنها اتفاقاً، فإن لها أن تتزوج، وتتجمَّل، وتتطيَّب لزوجها ، وتتزيَّن له ما شاءت .
فإن قيل : فإذا زادت مدةُ الحمل على أربعة أشهر وعشر ، فهل يسقطُ وجوبُ الإحداد ، أم يستمِرُّ إلى الوضع ؟ قيل : بل يستمِرُ الإحداد إلى حين الوضع ، فإنه من توابع العدة ، ولهذا قُيِّد بمدتها ، وهو حُكم من أحكام العِدة ، وواجب من واجباتها ، فكان معها وجوداً وعدماً .
الخامسة : الأمور التي تتركها المرأة في الإحداد
للإحداد أحكام تجب مراعاتها ، نوجزها في خمسة أمور :
الأول : ترك الخروج من المنـزل ، فعليها لزوم بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه ، تقيم فيه حتى تنتهي العدة ، ولا تخرج من بيتها إلا لحاجة أو ضرورة ، والأمور التي يستطيع غيرها القيام بها مما لو قامت به استلزم ذلك خروجها من البيت فلا تقوم ، بل تكلف من يلبي طلباتها .
الثاني : ترك الزينة في الثياب ، فلا تلبس ثياباً تعد ثياب زينة .
الحكم الثالث : ترك الزينة في الحلي ، فلا تتجمل بالحلي بجميع أنواعه من الذهب والفضة، والماس واللؤلؤ وغيره، سواء كان ذلك قلادة ، أو خاتم ، أو إسوار أو غيرها حتى تنتهي العدة .
الرابع : ترك الطيب ، فلا تتطيب بأي نوع من أنواع الطيب ، سواء كان بخوراً أو دهناً أو ماء .
والحكم الخامس : ترك الزينة في الجسد ، فلا تتزين في وجهها ، أو عينها ، أو يدها ، أو رجلها ، بأي نوع من أنواع الزينة ، أو الكحل ، أو الخضاب .
عبداللطيف بن صالح العامر
عضو مركز الدعوة والإرشاد بحائل
رمضان 1423هـ
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين . . أما بعد :
فهذه مسائل تتعلق بالمرأة التي توفي عنها زوجها ، ألخصها في سبع مسائل ، عسى الله أن يحيينا وأن يميتنا على الإسلام ، وأن لا يفاجئنا بمكروه .
وهي :
الأولى : الاعتبار بمفارقة رب الدار .
الثانية : الحزن والعدة .
الثالثة : الطيب والزينة للمرأة .
الرابعة : معنى الإحداد .
الخامسة : الأمور التي تتركها المرأة في الإحداد .
السادسة : أمور مرخص بها .
السابعة : سرد النصوص المتعلقة بالإحداد .
الأولى : الاعتبار بمفارقة ربِّ الدار
قال الله تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )
هكذا الموت يأتي بلا ميعاد ، فلا ندري من يكون صاحب القبر المجاور لهذا الذي دفناه ، والموت باب الآخرة .
وإذا كان الموت قد تخطانا إلى غيرنا فسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنأخذ حذرنا .
وما الدنيا بباقية لحيٍّ . . وما حيٌّ على الدنيا بباقي
وإذا فارقت المرأة زوجها وانحل هذا العقد فإن الله تعالى قد شرع الإحداد لتعظيم هذا العقد ، وإظهار خطره وشرفه ، وأنه عند اللَّه بمكان ، فجعل العدة حريماً له ، وجعل الإحداد مِن تمام هذا المقصود وتأكده ، ومزيدِ الاعتناء به ، حتى جُعلت الزوجة أولى بفعله على زوجها مِن أبيها وابنها وأخيها وسائرِ أقاربها ، وهذا مِن تعظيم هذا العقدِ وتشريفِه ، وتأكدِ الفرقِ بينه وبين السِّفاح من جميع أحكامه ، ولهذا شُرِعَ في ابتدائه إعلانُه، والإشهادُ عليه ، والضَّربُ بالدّف لتحقق المضادة بينَه وبينَ السِّفاح ، وشرع في آخره وانتهائه من العدة والإحداد ما لم يُشرع في غيره .
الثانية : الحزن والعِدَّة
الحزن حاجة وجدانية لدى كل إنسان سوي ، بل حتى الحيوانات تحزن ، بل وكل كائن حي ، جعلها الله تعالى لتقوى أواصر الألفة والود بين الخلق ، وليحصل التكاثر الطبيعي في الحياة .
دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ابنه إبراهيم ، وهو يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان ، فقال له عبدالرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : ( يابن عوف إنها رحمة ) . ثم أتبعها بأخرى ، فقال : ( إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) متفق عليه ، وكذلك حزن عليه الصلاة والسلام حزنا شديداً على زوجه خديجة رضي الله عنها وكذلك على عمه أبي طالب لما مات على الشرك ، فسمي ذلك العام عام الحزن .
وحين تعلم المرأة أن مدة الإحداد قد خففت وصارت أربعة أشهر وعشرا ، بعد أن كانت سنة كاملة ، لا تستكثر العدة وترك الاكتحال والزينة مدة الإحداد ، فإنها مدة قليلة ، بالنسبة لمدتها قبل التخفيف .
وقد ذكر صلى الله عليه وسلم ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من الإحداد البليغ سنَةً ، ويصبِرن على ذلك ، أفلا تصبرن أربعة أشهر وعشراً ، قال الله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج ) عن عكرمة عن ابن عباس قال : (نسخ ذلك بآية الميراث بما فرض اللّه لها من الربع والثمن ونسخ أجل الحول أن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً) .
وقد دلت النصوص على أنه لا يجوزُ الإحدادُ على مِّيتٍ فوقَ ثلاثة أيامِ كائناً من كان ، إلا الزوجَ وحدَه .
وإذا كان الإحدادُ على غير الزوج كالأب والأخ والابن جائز ورخصة بحيث لا يزيد على ثلاثة أيام ، فإنه على الزوج واجب وعزيمة مدة أربعة أشهر وعشراً ، أو وضع الحمل .
وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة ، والحالقة ، والشاقة .
متفق عليه ، والصالقة التي ترفع صوتها .
وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس منا من ضرب الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية ) متفق عليه .
وفي هذه الشريعة من الاعتدال ومراعاة ضعف الإنسان ما يصلح حاله ، لا سيما الزوجة حينما تفقد حليلها ورفيق دربها ، فلا تفريط ولا إفراط ، لا انتهاك الإحداد في العدة ، ولا شق الجيوب ولطم الخدود والنياحة على الميت ، كلا طرفَي قصد الأمور ذميمُ .
قالت أعرابية ترثي زوجها :
كنا كغصنين في جرثومة سمقا . . حيناً بأحسنِ مايسمو به الشجرُ
حتى إذا قيلَ : قد طالت فروعُهُما . . وطال قنواهما واستنظر الثمرُ
أخنى على واحدي ريب الزمان وما . . يبقي الزمانُ على شيءٍ ولا يذرُ
كنا كأنجمِ ليلٍ بينها قمرٌ . . يجلو الدجى فهوى من دونها القمرُ
تقصد أنها وزوجها كانا كغصنين طالا وتشبعا من أصل واحد ، وتقول : دمنا زمانا على أحسن مايدوم به الفرعان في أصلهما ، ولما بلغنا الكمال وطاب منشؤنا ، وكنا كفرعي الشجرة التي طاب ظلها ، وطال عذقها ، واستنظر ثمار أغصانها ، أحدث حدثان الدهر أحداثا فاجعة ، فأهلكت زوجي الواحد ، ولا عجب فإن هذه أحوال الدهر الذي لا يدوم على حال ، وقد كنا في الاجتماع مع الأهلين كالأنجم التي تبدو في الليل ، وهو بيننا كالقمر الذي يكشف الظلمة ، فسقط من وسطها ، وغاب عن أعيننا .
الثالثة : أحكام الطيب والزينة للمرأة
لقد أنكر اللَّهُ سبحانَه وتعالى على مَنْ حَرَّمَ زِيْنَتَهُ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ .
وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يُحرِّمَ من الزينة إلا ما حرَّمه اللَّه ورسولُه ، واللَّه سبحانه قد حرَّم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم زينة الإحداد على المتوفَّى عنها مدة العدة ، وأباح الإحدادَ بتركها على غير الزوج ، فلا يجوز تحريمُ غير ما حرمه ، بل هو على أصلِ الإباحة .
وإذا كانت المرأة تتجمل لزوجها بزينة خاصة فإنها قد تتجمل لنسائها ومحارمها زينة عامة ، لكنها لا يجوز لها بحال أن تتزين للرجال الأجانب ، ولا أن تتطيب وتخرج للأماكن العامة والأسواق ، قال الله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) وقال سبحانه : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) فلا يليق أن تتستر بعباءة هي في نفسها زينة تحتاج إلى عباءة أخرى تسترها .
ويدخل فى الطيب : المسكُ ، والعنبرُ، والكافورُ ، والند ، والغالِية ، والزَّباد ، والذَّريرة ، والبخور ، والأدهان ، كدُهن البان ، والورد ، والبنفسج ، والياسمين ، والمياه المعتصرة من الأدهان الطيبة ، كماء الورد ، وماء القرنفل ، وماء زهر النارنج ، وسائر أنواع العطور الشرقية والغربية ، فهذا كُلُّه طِيب ، ولا يدخُلُ فيه الزيتُ ، ولا الشيرج ، ولا السمن ، ولا تُمتع من الادهان بشىء من ذلك .
الرابعة : معنى الإحداد
الإحداد : هو ترك الزينة ، والطيب ، ولبس الحلي ، ولبس الملون من الثياب ، والخضاب ، والكحل .
وهو مأخوذ من الحدّ ، وهو المنع ، لأنها تمنع من هذه الأشياء .
وكما أنه يجب على المرأة المطلقة غير البائن أن تلزم بيت الزوجية حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء لقول الله تعالى : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) ، فتتزيَّن المطلقة واحدة أو اثنتين ، وتتشوَّفُ لعله أن يُراجعها .
فكان من أظهر الحكم المطلوبة في ذلك تحصيل الانسجام والتوافق بين المشاعر العاطفية والحالة الاجتماعية .
في المقابل أيضاً على المتوفى عنها زوجها أن تحد حتى تنقضي عدتها وهي أربعة أشهر وعشرة أيام ، لقوله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ) البقرة 234
إلا أن تكون حبلى فعدتها تنتهي بوضع الحمل، لقوله تعالى: ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) الطلاق4 ، وبانتهاء عدتها ينتهي كل ما يتعلق بها من أحكام الإحداد .
فالإحداد تابع للعِدة بالشهور، أما الحامل ، فإذا انقضى حملُها ، سقط وجوْبُ الإحداد عنها اتفاقاً، فإن لها أن تتزوج، وتتجمَّل، وتتطيَّب لزوجها ، وتتزيَّن له ما شاءت .
فإن قيل : فإذا زادت مدةُ الحمل على أربعة أشهر وعشر ، فهل يسقطُ وجوبُ الإحداد ، أم يستمِرُّ إلى الوضع ؟ قيل : بل يستمِرُ الإحداد إلى حين الوضع ، فإنه من توابع العدة ، ولهذا قُيِّد بمدتها ، وهو حُكم من أحكام العِدة ، وواجب من واجباتها ، فكان معها وجوداً وعدماً .
الخامسة : الأمور التي تتركها المرأة في الإحداد
للإحداد أحكام تجب مراعاتها ، نوجزها في خمسة أمور :
الأول : ترك الخروج من المنـزل ، فعليها لزوم بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه ، تقيم فيه حتى تنتهي العدة ، ولا تخرج من بيتها إلا لحاجة أو ضرورة ، والأمور التي يستطيع غيرها القيام بها مما لو قامت به استلزم ذلك خروجها من البيت فلا تقوم ، بل تكلف من يلبي طلباتها .
الثاني : ترك الزينة في الثياب ، فلا تلبس ثياباً تعد ثياب زينة .
الحكم الثالث : ترك الزينة في الحلي ، فلا تتجمل بالحلي بجميع أنواعه من الذهب والفضة، والماس واللؤلؤ وغيره، سواء كان ذلك قلادة ، أو خاتم ، أو إسوار أو غيرها حتى تنتهي العدة .
الرابع : ترك الطيب ، فلا تتطيب بأي نوع من أنواع الطيب ، سواء كان بخوراً أو دهناً أو ماء .
والحكم الخامس : ترك الزينة في الجسد ، فلا تتزين في وجهها ، أو عينها ، أو يدها ، أو رجلها ، بأي نوع من أنواع الزينة ، أو الكحل ، أو الخضاب .
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع