طالب الماهر
مدير عام
- إنضم
- 15 مارس 2012
- المشاركات
- 946
- النقاط
- 16
- الإقامة
- غرف الماهر الصوتية
- الموقع الالكتروني
- www.qoranona.com
- احفظ من كتاب الله
- .
- احب القراءة برواية
- ورش عن نافع من طريق الأزرق
- القارئ المفضل
- المنشاوي - الحصري
- الجنس
- أخ
السير و السرى ، إلى طيبة و أم القرى
(ملامح من رحلاتي الحجازية)
بسم الله الرحمن الرحيم:
قال الشيخ بعد الحمدلة و الصلاة و السلام على النبي المصطفى:
كانت رحلتي الأولى بَرّاً عام 1382 هـ ق 1962 م ضمن وفد من بني بلدي في سيارة مشتركة ، زرنا خلالها الجزائر و تونس و ليبيا و مصر ، ثم امتطينا طيارة لضيق الوقت إلى جدة ،وبعد انتهاء الحج عدنا بحرا إلى الأردن ثم زرنا سورية و لبنان ، و منه بحرا إلى الإسكندرية فبرشلونة فالمغرب.
و كانت رحلة طيبة طالت ثلاثة أشهر و نصف لولا ما شابها من ضياع سيارتنا بمصر حيث استـولى عليها المصريون بميناء الإسكندرية ظلما و عدوانا بحيلة مفتعلة ، و تفصيل ماجريات الرحلة و وصف المنازل و الديار و الأخلاق و العادات و المشاهد يطول جدا ، و يحتاج إلى وقت ، والمقصود الآن الإشارة إلى ما تم لنا من لقاء بعض أهل العلم ، و ما استفدناه من هذا اللقاء ، و زيارة بعض مشاهد مشاهير أهل العلم للاتعاظ و الاستذكار .
فأول ذلك بعد خروجنا من المغرب زيارة مدينة تلمسان الجميلة الوادعة ، و قد صلينا بها صلاة الجمعة بالجامع الكبير الذي هو أثر من آثار المغاربة بصحنه و نافورته و صومعته المربعة المزخرفة بالزليج المغربي ، و من كتابة منقوشة على الجدار القبلي من المسجد علمت أن بمقصورته خزانة كتب و ضريح أحد ملوك تلمسان المشهورين من بني زيان ؛ أظنه : يغمراسن ، لم يتح لي الوقوف على الكتب و لا القبر ، و كان خطيب الجمعة الشيخ العربي الحصار (و للتاريخ فإن أولاد الحصار هؤلاء هجر منهم إلى المغرب فكان منهم بتطوان إلى عهد قريب و انقرضوا[1] ، و مازال منهم إلى الآن بسلا)، و كان الرجل يخطب و يُطَعِّم كلامه باللهجة الدارجة للإفهام ، و ربما عبر خلالها باللغة الفرنسية لزيادة البيان ؛ أننا لاحظنا أول ما لاحظنا أن الجزائريين حتى المتعلمين منهم يخللون كلامهم بالفرنسية، و هذا من أثر الاستعمار الفرنسي الذي طال و استطال قرابة قرن و نصف ، و لولا ما من الله به عليهم من قيام جمعية العلماء المسلمين بهمة و عناية العالمين الشيخين عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي الذين إليهما بعد الله تعالى يرجع الفضل في بقاء القرآن و اللغة العربية بينهم و لا سيما في بعض المدن و المراكز التي كان نشاط العلماء جديا بها رغم اضطهاد الفرنسيين لهم و محاربة التعليم الإسلامي و اللغة العربية ، إضافة إلى الصوفية و زواياهم الجادة في تخدير أعصاب الشعب وأمره بالاستسلام للحكام و عدم مناهضة سياستهم ، ثم صعدنا جبل العباد مارين بمقبرة به ضريح الشيخ محمد بن يوسف السنوسي صاحب العقائد ، و بمصلى الجبل –و هو عامر بالمباني و السكان- تقع مدرسة أبي عنان المريني و مسجده الذي بناه قرب ضريح أبي مدين الأندلسي رحمه الله ، و قد دخلنا المسجد و هو مغربي في هندسته و صومعته التي تضارع صوامع فاس .
و قد زرنا بالجزائر مدنا كثيرة منها : ابن العباس ، و تلمسان ، و قسنطينة و الجزائر العاصمة ، و سطيف ، و عنابة ، و غيرها . و مكثنا أياما جميلة بالعاصمة ، زرت خلالها ضريح الشيـخ عبـد الرحمن الثعالبي الفقيه المشهور صاحب التآليف العديدة كتفسيره "الجواهر الحسان" ، و "العلوم الفاخرة" ، و غيرها ، و كضريح مولاي محمد ، و قد لاحظت من مظاهر التغريب الغريبة اللافتة للنظر : كتابة الرخامات على القبور بالفرنسية مع صورة المقبور بشكل كتاب مفتوح ، وكان نزولنا بفندق قريب من جامع كتشاوة القريب من ساحة الشهداء حيث الجامع الحنفي الشهير الذي تحمل صومعته المغربية ساعة كبرى وسطه ، و هو مبني على الطراز التركي ، و قريبا منه يقوم الجامع الكبير الذي هو من بناء المرابطين ، و ما زال شكله و هندسته و صومعته المربعة القصيرة ، أما جامع كتشاوة فقد كان من المساجد التي حولها الفرنسيون إلى كنائس ، فلما نصر الله الجزائريين عليهم وأجلوهم عن الوطن أعادوا هذه المساجد إلى وضعها الإسلامي ، و أزالوا الصلبان من أبوابها و قبابها و أبراجها ، و كانت أول جمعة أقيمت بعد إعلان الاستقلال بهذا المسجد الفخم ، و خطب به فيها الشيخ البشير الإبراهيمي خطبة نارية بأسلوبه العجيب و لهجته الصادقة . و ما زالت نبراته ترن في آذاننا و قد أذيعت يومها بالراديو . و لذلك كان من أهم مقاصد الرحلة الاتصال بمثل هذا الشيخ والأخذ عنه . فسألت عنه كثيرا ، و من عجب أنني لم أجد من يعرفه –و هو أشهر عالم جزائري عم صيته المغرب و المشرق قديما و حديثا ، و مواقفه في مناهضة الاستعمار ما زالت ماثلة في آثاره خصوصا جريدة "البصائر" التي كانت تعتبر بالمغرب و الجزائر و تونس بمثابة قنبلة قوية المفعول يحاكم و يعاقب من ضبطت عنده ، فكان الناس يتواصون بقراءتها ، و يبذلون ما شاء الله للحصول عليها خصوصا بعد ظهور طلائع الأزمة السياسية بالمغرب التي انتهت بنفي الملك محمد الخامس و خلفه ، فكان الشيخ البشير رحمه الله يتصدى لكشف المخطط الفرنسي و فضح سياسة فرنسا و عملائها كعبد الحي الكتاني و التهامي الكلاوي ، و كان نصيب الكتاني من حملاته كبيرا نظرا إلى مركزه العلمي و شهرته بالمشيخة[2] ، و معرفة الشيخ البشير به- قلت : و ظللت أسأل عنه غير يائس إلى أن لمحت شابا وسيما يتأبط كتبا و جرائد فتوسمت فيه المعرفة و سلمت عليه و سألته عن أحوال البلد وما جرت به العادة ، ثم سألته عن الشيخ ، فأخبرني أنه يعرفه و أن سكناه بحي حيدرة ، و هو بعيد وأشار عليّ أن أركب الحافلة رقم كذا ، و بعد الوصول إلى الحي و هو كبير واسع اسأل الشرطة ، فشكرته و امتطيت الحافلة إلى الحي و قصدت الشرطة فلم أجد عندهم خبرا عنه ، و لما رأوا حيرتي وتعجبي أمرني أحدهم أن أتصل بمحطة البنزين قائلا : إن جميع أهل الحي يمرون بسياراتهم عليها و أصحابها يعرفونهم ، فقصدتها و سألتهم فأفادوني أن رجلا أشيب أعرج يمر أحيانا قليلة عليهم ، و أنه يسكن بمفترق الطرق القريب ، و أشاروا إليه ، فذهبت و وجدت دكانا للمأكولات ثمة فسألت صاحبه ، فأشار إلى فيلا صغيرة فقصدتها و طرقت بابها مرارا إلى أن عزمت على الانصراف آيسا ، فإذا بالشيخ يطل ملتفتا خارج الباب فتقدمت و سلمت ، فسأل عني فتعرفت إليه فرحب ، و استدعاني للدخول خلفه ، و لأول مرة رأيت الشيخ عيانا و علامة الهرم و الإعياء بادية عليه ، و عاهة العرج كبيرة ، فجلسنا في حجرة متواضعة لا أثاث فيها و لا فراش إلا بساطا متواضعا و منضدة صغيرة جدا عليها جرائد و مجلات و عصا الشيخ ، و بعد حديث قصير اعتذر الشيخ عن خلو البيت قائلا بأن أثاثه وكتبه و أهله ما زالوا بالقاهرة ، و أن الإخوان (يقصد الحكام من جبهة التحرير : ابن بلة و رفاقه) لم يخصصوا له مكانا مناسبا واسعا يسعه ، و تحدث بمرارة عن جفوتهم له ، و أنهم لم يمنحوه إذنا بزيارة المغرب للاتصال بإخوانه من معارفه من زعماء المغرب و علمائه ، و سمى لي عددا منهم ما زلت أذكر : ابن العربي العلوي و كنون و داود و علالا الفاسي و غيرهم ، قال : و ما زال يطالبهم و يلح عليهم و هم يسوفون ، كما تحدث الشيخ عن بعض ذكرياته بالشرق كالحرمين و دمشق و العراق ومصر ، و عن نشاطه الصحفي و التعليمي ، و كنت أحب أن أدون ذلك لو كان الظرف يسمح ، و لم يكن متيسرا إذ ذاك اقتناء آلة تسجيل ، و أخيرا طلب مني الشيخ أن لا أنساه من دعاء صالح من مظان الإجابة بالحرمين ، و أن أزوره في العودة ليأنس بي رحمه الله و جزاه خيرا ، و لم يكتب لي أن أزوره لأنني عدت إلى وطني عن طريق إسبانيا ، و كنت سألت الشيخ عمن أزوره بتونس فسمى لي شيخا كتبيا بالقرب من جامع الزيتونة ؛ لعل اسمه : صالح الثميني ، و قد زرته و جلست معه ، و هو من علماء الإباضية ، ثم ودعت الشيخ البشير و خرجت ناسيا نظارتي الشمسية بمنزله و لم أعد إليها رغم اعتيادي لُبسها ، و اشتريت أخرى ، و ذلك لبعد الحي و إعجال السفر ، و لم أكن عرفت السبب في إضراب الشيخ البشير عن ذكر علماء تونس كابن عاشور و ابنه و الشاذلي النيفر و حسن حسني عبد الوهاب ، حتى اقتنيت مجموعة آثاره المختارة فقرأت ردوده على الشيخ الطاهر ابن عاشور ، و من سار على نهجه في موقفهم من محنة التجنيس الذي فرضه الفرنسيون على التونسيين فكان مثار أخذ و رد و سبب امتحان عسير لكثير من العلماء و الكتاب ، و كان موقف الشيخ الطاهر غير مشرف ، و هو شيخ الإسلام و كبير علماء الزيتونة ، رحمه الله و سامحه ، وحاولت الاتصال بالسيد توفيق المدني صاحب "تاريخ الجزائر" فلم أفلح كما سألت عن الشاعر محمد العيد ، فقيل بأنه يسكن ببلدة تبعد عن العاصمة بألف كيلومتر ، و في مرورنا بمدينة سطيف دخلت مسجدا على الطريق فوجدت بها حلقة كبيرة و وسطها رجل ملتح كبير فأردت الجلوس بها فنظروني شزرا فخرجت و علمت بعد ذلك أنهم إباضية ؛ أي من بقايا الخوارج و يسمونهم هناك الخوامس ؛ أي : أصحاب المذهب الخامس .
و بعد أيام ودعنا الجزائر و دخلنا التراب التونسي ، و وصلنا العاصمة ليلا و نزلنا بحي شعبي، و في الصباح خرجت و سألت عن ضريح كبير ذي قباب و مسجد قريب من الفندق تظهر عليه علامة القدم ، فلم أجد من يعرفني كما ينبغي حتى اتصلت بالشيخ الفاضل ابن عاشور رحمه الله فأخبرني بأن الضريح هو لسيدي مُحرز الذي سأل عبد الله بن أبي زيد القيرواني أن يؤلف له رسالته المشهورة في الفقه المالكي لأنه كان مدررا يقرئ الصبيان ، فألف له الشيخ الرسالة ليحفظها النساء والصبيان ، أما المسجد فيعرف بمسجد (سبحان الله) ، قال : و هو من المساجد العتيقة بتونس مر على بنائه نحو ألف سنة ، و قضينا بتونس أياما طيبة زرنا فيها عددا من الأحياء و قصور الباي (سلطان تونس) التي حول أحدهما إلى متحف كبير ، و صعدنا إلى تل مشرف على المدينة مكسو بالأشجار الوارفة الظلال و على قمة التل بناء غاية في الإتقان و الجمال ، قيل لنا بأنه منتزه البايات ، كما زرنا جامع الزيتونة و صلينا به جمعة و شاهدنا من تقاليدهم المبتدعة في ذلك ما قضينا منه العجب ، و من كيفية خروج الإمام و كان وقتها من الأشراف الذين يتوارثون الخطابة بها (سماه الشيخ الفاضل و نسيت لطول العهد) فخرج من المقصورة نحو أربعة أفراد لابسين ثوبا خاصا مزخرفا يمشون الهوينا و خلفهم الخطيب الذي صعد المنبر بحركات متزنة ، و صعد أحدهم معه إلى منتصف درج المنبر و جلس إلى النهاية ، و هؤلاء هم الذين يؤذنون و يقيمون الصلاة بصوت واحد بشكل مستغرب منغوم كأنهم يؤدون أغنية ، و أخبرني الشيخ الفاضل أن ذلك تقليد من أيام الأتراك و عليه أحباس لا يستطيعون الخروج منه ، و زرنا بعد ذلك جامع القصبة حيث القصور السلطانية و دواوين الحكام ، و بالقرب منها يرقد علي بن زياد أحد تلامذة الإمام مالك و رواة موطئه ، و هو أول من أدخلها إلى إفريقية ، و من ذلك زيارتنا لجامع (مولى الطايع) و هو أمير تركي ، و جامعه في غاية الفخامة و الجمال و قبره متصل به ، و بالقرب منه مدرسة الطلاب ، و أذكر أنني وجدت بالجامع حلقا لتلاوة القرآن و التدريب على أدائها و لفت نظري أنهم يقرأون في نفس واحد متصل دون وقف ، فوقفنا نستمع مستغربين أنا و الفقيه الحاج أحمد ابن تاويت ، و أردنا أن ننبههم إلى الخطأ في ذلك فلم يفرغوا من القراءة ، و كنا أثرنا هذه المسألة مع الشيخ الفاضل فاعترف بعدم لياقتها إلا أنه اعتذر بحاجة التعليم في التلقين كذلك كما نفعل نحن مع الأطفال فيما نسميه (بالتهجي) في الكتاتيب إلا أن هذا عندنا قاصر على الأطفال أما عندهم فعام ، و عند زيارتنا للمدرسة الصادقية للسؤال عن الشيخ ابن عاشور لم نجده و وجدنا أحد كتابه الذي أخبرنا بأنه في رخصة ، و أنه لن يحضر إلا بعد أيام ، و أبدينا له رغبتنا في زيارته فكلمه بالهاتف فرحب بنا ، و نزلنا إليه بسيارتنا مسترشدين بوصف الكاتب إلى أن وصلنا إلى قصره الفخم بحي المرسى مارين بحلق الوادي ، فاستقبلنا الشيخ الفاضل ببشاشته المعهودة و أدبه الجم و دخلنا إلى صالون كبير مزدان بستور و ثريات و لوحات فنية، و وجدنا به صحافيا مصريا و بعض الأساتذة و بعد التعارف تحدثنا مع الشيخ الفاضل حديثا أنسانا الأهل و الأولاد لحلاوة المنطق و دماثة الأخلاق و الإلقاء بشكل سليم سريع لا يستطيع الكاتب المتروي أحسن منه ، و بعد هنيهة خرج و عاد مصحوبا بوالده الشيخ الطاهر فشاهدنا شيخا وقورا عليه مهابة العلم و السن تتلى في وجهه آيات الفضل و الجد ، و قد تبادلنا معه أحاديث كان منها حديث مطول عن مدونة الأحوال الشخصية و ما تم فيها من تغيير و اختيار مسائل خارجة عن مذهب مالك ، و كان منها مسألة الطلاق المجموع في كلمة واحدة ، و كيف اعتبر طلقة واحدة بائنة ، فأشار الشيخ إلى اجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه المعلوم في المسألة و أنه أمضاه على الناس لينزجروا ، قال الشيخ (و ما زلت أذكر صوته و قد جهر به) : و مع ذلك لم ينزجروا . وكنت رأيت بالمكاتب بعض أجزاء مطبوعة بتونس من تفسير الشيخ فهممت بشرائها إلا أني لم أفعل ، ولقد ندمت الساعة على ذلك ؛ لأنني كنت أستطيع أن أقدمها للشيخ ليناولنيها فأستأذنه في الرواية عنه مناولة ، و لكني قلت و قد فاتتني هذه المنقبة : ألا أستأذن الشيخ في الرواية العامة ، و إن كان من الصعب أن أكلف الشيخ الكتابة و حالته لا تسمح بها كما أن ظروف الزيارة و حضور الناس يحول دون ذلك ، و عند وداعه سلمت عليه و سألته فأنعم و فرحت بذلك لأني بالرواية عنه مشافهة شاركت بعض شيوخي الآخذين عنه كالشيخ أحمد ابن الصديق ، و عندما ودعت الشيخ الفاضل بمدخل القصر سألنا عن منزلنا فأخبرناه و لم نعرف مقصوده . و بعد وصولنا إلى الفندق بمديدة حضر الشيخ الفاضل بسيارته الفخمة فعلمنا سبب سؤاله و لقيناه و صعد معنا إلى الغرفة المتواضعة في فندق شعبي غير لائق و صنعنا له شايا مغربيا و حمل إلينا الشيخ تمورا طيبة و حلويات قدمها إلينا معتذرا عن التقصير راغبا ملحا أن يكون مرورنا في العودة علينا أحسن ليتمكن من الإكرام اللازم ، يقول هذا بأسلوب تتخلله لطائف التعبير و يضمخه طيب الشمائل و الأخلاق رحمه الله و أكرمه ، و في مثل هذا الرجل يحسن إنشاد قول أبي العلاء :
جمال ذي الأرض كانوا في الحياة و هم بعد الممات جمال الكتب و السير
و في أثناء الحديث أشار علي الشيخ بزيارة السيد الصاحب (أبي زمعة البلوي رضي الله عنه) بالقيروان، و ابن غانم و سحنون و ابن أبي زيد و القابسي و أبي عمران الفاسي ، و فعلا عند وصولنا إلى القيروان زرنا هذه المشاهد كلها بعد مسجد عقبة بن نافع الذي هو أعظم و أقدم الآثار الإسلامية بشمال أفريقية ، و قد طفنا بأبهاء المسجد و بلاطاته الناطقة بجلال القدم و التقوى و صعدت المنبر الذي هو من آثار بني الأغلب فيما يقال ، و نزلنا إلى قبر سحنون و هو في سبخة و وجدنا به ناسا يعملون على مرمات لنسيج البز الذي اشتهرت به القيروان و على دربوز القبر ورقة كتب عليها هذا قبر فلان المتوفى سنة كذا، و وقفنا على فِسْقِيّة بني الأغلب ، و هي كبيرة مستديرة لتجميع مياه المطر، و شاهدنا بقية تافهة من آثار مدينة رمادة المشهورة ، ثم عدنا إلى العاصمة ، و صعدنا إلى زاوية للشاذلية بمقبرة الزلاج و هي أقدم مقبرة بها ، و رأيت حرص الشيخ أحمد ابن تاويت على الوقوف على قبر الفقيه ابن عرفة و ابن عبد السلام التونسي و الأُبي و قد دلّه عليهم مرشدنا المتطوع ويسمّى: خُميّس والْباني ، و وصلنا الزاوية و هي بأعلى المقبرة و دخلنا و هي متينة البناء و وجدنا بها آثار احتفال من بسط كثيرة و أثاث و أواني طبخ كبيرة و أفادنا المرشد بأن الصوفية يحيون بها ليالي المواسم و كان أحدها قريبا ، و هذه الزاوية مبنية على مغارة تحت الأرض ضيقة جدا لا تسع أكثر من شخصين ، قيل بأنها متعبد الشيخ أبي الحسن الشاذلي الشيخ الغماري المغربي الشهير النسبة إلى قرية (شاذلة) بتونس ، و هو مغربي صميم و إنما أقام طويلا بالقرية المسماة ، و ما زلت أذكر أن بالمغارة صورة محراب منقور بالصخر ، و قد حضر الفقيه ابن تاويت خشوع كبير و جلس و دعا وتأسف كثيرا لعدم وضوئه فكان يصلي ثمة ركعات ، و عجبت لصنيعه هذا مع اشتهاره بالسلفية .
و في رحلة لاحقة لتونس زرت من أعلامها الشيخ الشاذلي النيفر رحمه الله (توفي مؤخرا عام 1418) بمكتبته بالعاصمة ، و هي مكتبة ضخمة فتحها لعموم الباحثين بحفل رسمي ، و تضم كتبا قيمة و مخطوطات نادرة ، و هي و مكتبة الشيخ الطاهر ابن عاشور يمثلان أنفس و أكبر المكاتب الخاصة بتونس ، و تليهما مكتبة حسن حسني عبد الوهاب و قد نقلت إلى المكتبة الوطنية بوصية منه ، وعلى ذكر هذا الرجل فإنني كنت حريصا على زيارته و سألت عن منزله فعرفته و استأذنت عليه ، فاعتذر لي شاب –لعله من تلاميذه- عنه بأنه مريض لا يستطيع مقابلة أحد ، و أذكر أن مما دار بيني و بين الشيخ الشاذلي من حديث حرصه البالغ على اقتناء تاريخ تطوان لمحمد داود الذي طبع منه حتى الآن ثماني مجلدات و هو النصف من الأصل ، و كان الشيخ وقف على بعضه ، و أعجبه ، و حدثته عن كتاب شيخنا و شيخ الأستاذ داود (عمدة الراوين في تاريخ تطاوين) في عشرة أجزاء في خمسة مجلدات للشيخ أحمد بن محمد الرهوني التطواني ، فكان يتعجب من حديثي و لسان حاله ينشد[3] :
كَيفَ الوصولُ إِلى سُعاد وَدونَها قُلَلُ الجِبالِ وَدونَهُنَّ حُتوفُ
و تواعدنا أن يكاتبني في هذا الشأن لتدبير شأن الإرسال و التصوير ، و لكنه لم يفعل ، و لعله كان يحب لقائي بالمغرب لإنجاز العمل ، و لكن لم تتح له هذه الزيارة إلى أن توفي رحمه الله . و ما رأيت من يحاكيه في إيثار الحديث عن الكتب و المخطوطات إلا القليل كشيخينا عبد الحي الكتاني و أحمد ابن الصديق إلا أنه يفارقهم بضنانته بأعلاقه و نوادره فلا يسمح بتصوير و لا إعارة بينما الأولان سخيان بما عندهما ، و لله في خلقه شؤون ، و كان مما يصب في هذا الاتجاه من حديث الشيخ أنه أخبرني عن والده و غيره من علماء الزيتونة كيف كانوا يتتبعون حركة النشر للكتب بالمطابع الحجرية بفاس و يحرصون على شرائها و اقتنائها و يوصون بها و كيف كان الطلبة يتهافتون على آثار الشيخ المهدي الوزاني من شروحه و حواشيه و نوازله الفقهية الكبرى و الصغرى مع كتب النوازل والفتاوى الكثيرة التي أخرجتها المطابع الحجرية بفاس .
و من العلماء و المدرسين الذين لقيتهم و أنست بهم الشيخ عز الدين سلام ، و هو خطيب ومدرس بأحد مساجد العاصمة و متميز بإتقانه علم الحساب و الفرائض عرفني به تلميذه الأثير الشاب الصالح العالم المقرئ المتقن الأستاذ فتحي العبيدي أحد أساتذة جامعة الزيتونة في علوم القراآت ، الذي عرفته هو الآخر بواسطة شيخه أخينا الفاضل الباحث المعتني الدكتور محمد أبو الأجفان التميمي القيرواني خريج جامع الزيتونة و الأستاذ بكلية الشريعة فيها ، و الذي يعمل حاليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة ، و كان هذا الرجل الفاضل زارني منذ أكثر من عشرين سنة بالمكتبة العامة بتطوان وأهداني من تحقيقاته فهرست المجاري و فهرست القلصادي ، ثم توطدت الصلة بيننا من يومئذ و لا أبالغ إذا قلت بأن رسائله إلي تناهز المائتين و كلها تدور على العلم و النشر و الكتب والمخطوطات بارك الله في جهوده التي أثمرت الآن ما يجاوز الخمسين عملا بين تأليف و تحقيق .
ثم غادرنا تونس العاصمة و مررنا بمدينة صفاقص التي لم نقف بها طويلا و شاهدنا بها مساجد قديمة و أسواقا تونسية أصيلة بدكاكينها و سيما أهلها و ملابسهم و شاراتهم ، و وقفنا عند ضريح الإمام اللخمي صاحب التبصرة الشهيرة في الفقه المالكي التي هي من مصادر الشيخ خليل بن إسحاق الجندي في مختصره المشهور ، و أشار إليه في خطبته و أنه يعتمد اختياراته على تفصيل له في ذلك ، و معلوم أن اختياراته أثارت جدلا طويلا بين متأخري المالكية ، و من اللطائف قول بعضهم في انتقادها من أبيات :
لقد مزّقت قلبي بسهْم[4] جفونها كما مزّق اللخميّ مذهب مالك
و كان من أهداف الزيارة الاتصال بالشيخ محمد محفوظ توفي قريبا فلا تسل عن أسفي لفوت هذه الفرصة ، و ذلك لما امتاز به الشيخ رحمه الله من اطلاع و تحقيق و هو مؤلف "معجم المؤلفين التونسيين" ، و كنت اقتنيت منه نسخة و قرأتها و علقت على هوامشها ملاحظات كنت سأحاوره في شأنها لو شاء الله لقاءنا في الدنيا و نرجو أن يتحقق لقاءنا في دار كرامته بفضله و منه ، كما كنت أود اطلاع الشيخ على وجود نسخة تامة من كتاب "الأربعين البلدانية" للإمام البكري الذي حققه الشيخ تحقيقا علميا و طبعته دار الغرب للناشر التونسي الحبيب اللمسي عن نسخة سقيمة بها بياضات ، و كنت عثرت على نسخة ثانية جيدة تامة من كتب المكتبة الزيدانية التي أضيفت للخزانة الملكية بالرباط .
ثم خرجنا من مدينة صفاقص إلى مدينة قابس التي توصف بأنها جنة الدنيا و دخلناها في يوم عابس ذي ريح عاصف و غبار كثير و مررنا على قبور لجماعة من الصحابة فيما يقال لا أدري أسماءهم ، و لم ألق فيها أحدا من أهل العلم ، و غادرناها متجهين نحو الحدود الليبية فدخلناها خائفين من اكفهرار الجو و زمجرة الرياح ، و شاهدنا عواصف رملية كنا نقف بسيارتنا بعيدين في انتظار مرورها سوداء في شكل عمود ضخم متحرك ، و بعد ساعات عصيبة و صلنا إلى مدينة مصراطة و استرحنا ، و كنت أعلم أن بهذه المدينة مرقد الشيخ أحمد زروق الفاسي فسألت عنه فعرفت أنه خارج المدينة ، فخرجنا إليه فوجدنا مدرسة بها طلاب يحفظون القرآن و آخرون يتعانون حفظه على الطريقة المعهودة عندنا بكتابته في ألواح خشبية اطلعت على بعضها ، و وقفت على ضريح الشيخ و معه آخر[5] . و لم أجد ثمة عالما أسأله .
ثم مررنا على مدينة نسيت اسمها (و لعله المرجة أو المرج) كان أصابها زلزال دمر كثيرا منها شاهدنا آثار التدمير بها نسأل الله العافية ، ثم زرنا مدينة اطرابلس و معرضها السنوي و كان لا بأس به و البلد حديث عهد بالاستقلال ، و لم يكن البترول ظهر بها . ثم زرنا مدينة بنغازي و هي لا تمتاز عن العاصمة إلا بمزيد من الفقر ؛ إلا أنني وقفت بها على قبر الشهيد عمر المختار رحمه الله ، و عليه بناء حديث فخم و فوق قبره رسمت بطلاء ذهبي قصيدة أحمد شوقي الشاعر المصري في رثائه و هي بديوانه[6] ، و بينما أنا أتجول في شوارعها بعد أن تغدينا بسوق الظلام ، و هو سوق طويل مسقف بقبو، في مطعم شعبي ما زلت أذكر صاحبه شيخا يسمى : حمادة الطرابلسي أخبرنا أنهم يعانون من كساد قاتل ، وصلت إلى مكان أنكرت ما شاهدت فيه من نساء كثيرات جالسات على أبواب بيوتهن وهن متزينات مكتحلات متنمصات محمرات الشفاه و الخدود ، و بعضهن يدخن السجاير والكيف ، ومنهن من كن ينظرن إلي بشوق فأسرعت الخطى إذ علمت أن المكان (بُرْدِيل) للبغاء والبغـايا ، نسأل الله العافية .
و بعد نحو يومين خرجنا فمررنا على عدد من القرى و المدن منها درنة و بها قبور بعض الصحابة كما رأيت مكتوبا عليها كعبد الله الزلام الأنصاري القاضي (كذا) و قيس بن زهير البلوي و غيرهم إلى نحو سبعين قبرا في بيت مستطيل و لم تذكر أسماؤهم إلا هذين ، و هذه المدينة تقع في سفح الجبل الأخضر المشهور الذي كان من معاقل الجهاد و حصون عمر المختار و أصحابه الذين ساموا الطليان به و بغيره سوء العذاب ، و قد صعدنا الجبل بعد خروجنا من البلدة فإذا هو أخضر دائما لنبات أشجار لا يسقط ورقها ، و زرنا بلد الزاوية البيضاء ، و بها ضريح الشيخ السنوسي الكبير جد الملك إدريس السنوسي و عليه قبة فخمة و بالمدينة معهد علمي ، و قد رأيت أساتذة و طلبة يلبسون الجباب المصرية كالأزهريين ، و أذكر أنني رأيت بمدخل المدينة مسجدا حديثا ذا منارة مصرية طويلة و وسطه قبة كتب على مدخله أنه ضريح رويفع بن ثابت الأنصاري الصحابي رضي الله عنه ، وقرب الضريح مقبرة لفت نظري فيها شواهد قبور بها أسماء البقالي بكثرة ، فلا أدري هل هؤلاء الموتى من البقاليين المغاربة ، و مما مررنا عليه مدينة أجدابية ، و هي صغيرة متواضعة ذكرت باسمها أبا إسحاق ابن الأجدابي العالم اللغوي الشهير صاحب كتيب "كفاية المتحفظ و نهاية المتلفظ" الذي قرأته درسا بالجامع الكبير بتطوان لأنه كان مقررا لطلبة القسم الابتدائي ، و لكنني لم أعرف بها أحدا ، و لا زرت بها عالما و لا ميتا ، و كل ما أذكر أنني صليت بها الجمعة بمسجد متواضع و خطب يومها خطيب أعمى لعله مصري ، كما مررت بقرية سرت –هكذا بالسين المهملة- و هي قرية كبيرة نوعا، يقال بأن أولاد الشَّرْتِي[7] التطوانيين ينحدرون منها كما سمعت منهم ، و وقفت بها على طلل واطئ قيل لنا بأنه أصل منارة مسجد مغربي بني هناك أيام حكم المرابطين أو الموحدين ، ثم مررنا على مدينة طبرق ، و هي بليدة عالية طيبة الهواء . و مررنا على قرية سواكن و صلينا بمسجدها الذي علمنا بعد أنه لإباضية إلا أننا كنا صلينا وحدنا لطول انتظارنا للجماعة ، و قد علمت بعد ذلك أن هذه النحلة الباقية من الخوارج الذين كان المغرب من مراكزهم الأولى توجد هنا بليبيا بهذه القرية وغيرها ، وبتونس بجزيرة جربة ، و بالجزائر ببني مزاب . هذا بشمال إفريقية و يوجدون بطانزانيا ومعلوم أن لهم الآن دولة و قوة بسلطنة عمان و بلاد الخليج العربي الغنية بالنفط و غيره من المعادن ، و لهم الآن صحف و مجلات و دور نشر تطبع من تراثهم الكثير ، و هم مبتدعة معتزلة في العقائد يحطون على علي بن أبي طالب و أهل بيته و بعض الصحابة نسأل الله العافية ، ثم انحدرنا في طريق جبلي طويل انتهى بنا إلى قرية السلوم التي هي على الحدود بين ليبيا و مصر ، و قد تعبنا في النزول لسوء حالة الطرق في ليبيا ؛ لأنها ما زالت محفورة من أثر معارك الحرب العالمية الثانية التي دار كثير منها بها . و دخلنا التراب المصري مقتربين من البحر الأبيض حتى وصلنا أول بلد به و هو مرسى مطروح، و هو مصيف جميل تغدينا به ، ثم واصلنا السير إلى الإسكندرية التي أقمنا بها أياما بفندق جميل مطل على ميدان نُصب بوسطه تمثال من البرونز لسعد زغلول يشير بيده ، و الإسكندرية بلد غني عن التعريف و يحتاج من يتعرف عليه إلى أيام عديدة ؛ إلا أنه ما لا يدرك كله لا يترك قله ، من ذلك زيارتنا لقصر التين و هو قصر عجيب ، و منه حمل الملك فاروق بن أحمد فؤاد الأرناؤط آخر ملوك مصر ، معزولا منفيا . وقد تجولنا فيه ، و فيه مصعد كهربائي لشهود طبقاته ، و كان مازال على الحال التي تركها عليه الملـك حتى يومية الشهر ما زالـت كما هي و خزائن الملابس المختلفـة حتى الأحذية و البرانيـط و الطرابيش و العصي و أنابيب التدخين ، كل هذا محفوظ كما تركه صـاحبه في خزائن زجاجية في غاية الإتقان و الصون و الحفظ ، و اللوحات معلقة بالجدران تكاد تنطق ، و منها لوحة رسمها للملك رسام أوربي رائعة ، لاحظ المرشد المصري طول وقوفنا عندها فقال (شَكْلُو حِلْو مِشْ كِذا) . و في تجولي بشوارع الإسكندرية زرت مسجد أبي العباس المرسي وهو شامخ البناء ذو منارات مصرية الشكل ، ووجدت الضريح غاصا بالزائرين و الزائرات يتمسحون بالتابوت ، و يلصقون به بطونهم و ظهورهم ووجوههم و يزمزمون في شكل ينافي أدب الإسلام في الزيارة الشرعية ، و بالقرب منه ضريح البوصيري صاحب البردة و الهمزية ، و كلاهما من أصل مغربي ، و أذكر أنني رأيت قصيدته الميمية البردة مكتوبة بخط رائع بالصفر بقبته ، و هناك بالقرب قبر يقال إنه لأبي الدرداء الصحابي و هذا غير صحيح ، و المتسولون و المعتوهون هناك بالعشرات يلحفون بالسؤال و هم في غاية الفقر والخصاصة، و الأسواق غاصة و المدينة مزدحمة ، وهناك قلعة قايتباي على البحر لم أصل إليها ، و بعد أيام غادرناها في طريق جميل تحفه الحقول الخضراء من اليمين و الشمال بخلاف طريق الإسماعيلية و السويس ، فإنه طريق صحراوي قاحل . ومررنا في ذهابنا للقاهرة على جرجا و سيدي جابر و طنطا و منارة مسجد البدوي تظهر من بعيد وعلى رأسها مصباح يضيء ليلا و لم نقف بها و مساءً دخلنا القاهرة و قصدنا عنوان الأخ محمد مولاطو التطواني و هو مثوى متواضع قريب من مسجد الكيخيا . و قد قضينا في القاهرة أكثر من 15 يوما ، و صادف يوم دخولنا القاهرة مرور موكب جنازة كبيرة فوقفت أنظر فسمعت رنة صوت لنادبة و عرفت وجوها لعدد من الممثلين المصريين ، فسألت فأخبرت أن الجنازة لمامون الشناوي الشاعر الذي كان من أبرز مذيعي إذاعة القاهرة و عرف بأشعار له رقيقة لحنت و غني بها ، و كان من أهداف الرحلة كما قلت الاتصال بأهل العلم إلا أننا بعد مضي أيام على إقامتنا بالقاهرة علمنا أن المواصلات مقطوعة بين مصر و السعودية في البر والبحر فسقط في يدنا و أخذنا نبحث عن طريقة للسفر إلى جدة لإنجاز ما رحلنا لأجله و هو الحج ، فسافرنا إلى السويس فلم نجد باخرة و علمنا أنه لا يسمح لا بحرا و لا جوا و لا برا بالسفر إلى السعودية ، و إذاعة القاهرة جادة في حملاتها على الملك سعود و الثورة المصرية في فجر عهدها .
(ملامح من رحلاتي الحجازية)
بسم الله الرحمن الرحيم:
قال الشيخ بعد الحمدلة و الصلاة و السلام على النبي المصطفى:
كانت رحلتي الأولى بَرّاً عام 1382 هـ ق 1962 م ضمن وفد من بني بلدي في سيارة مشتركة ، زرنا خلالها الجزائر و تونس و ليبيا و مصر ، ثم امتطينا طيارة لضيق الوقت إلى جدة ،وبعد انتهاء الحج عدنا بحرا إلى الأردن ثم زرنا سورية و لبنان ، و منه بحرا إلى الإسكندرية فبرشلونة فالمغرب.
و كانت رحلة طيبة طالت ثلاثة أشهر و نصف لولا ما شابها من ضياع سيارتنا بمصر حيث استـولى عليها المصريون بميناء الإسكندرية ظلما و عدوانا بحيلة مفتعلة ، و تفصيل ماجريات الرحلة و وصف المنازل و الديار و الأخلاق و العادات و المشاهد يطول جدا ، و يحتاج إلى وقت ، والمقصود الآن الإشارة إلى ما تم لنا من لقاء بعض أهل العلم ، و ما استفدناه من هذا اللقاء ، و زيارة بعض مشاهد مشاهير أهل العلم للاتعاظ و الاستذكار .
فأول ذلك بعد خروجنا من المغرب زيارة مدينة تلمسان الجميلة الوادعة ، و قد صلينا بها صلاة الجمعة بالجامع الكبير الذي هو أثر من آثار المغاربة بصحنه و نافورته و صومعته المربعة المزخرفة بالزليج المغربي ، و من كتابة منقوشة على الجدار القبلي من المسجد علمت أن بمقصورته خزانة كتب و ضريح أحد ملوك تلمسان المشهورين من بني زيان ؛ أظنه : يغمراسن ، لم يتح لي الوقوف على الكتب و لا القبر ، و كان خطيب الجمعة الشيخ العربي الحصار (و للتاريخ فإن أولاد الحصار هؤلاء هجر منهم إلى المغرب فكان منهم بتطوان إلى عهد قريب و انقرضوا[1] ، و مازال منهم إلى الآن بسلا)، و كان الرجل يخطب و يُطَعِّم كلامه باللهجة الدارجة للإفهام ، و ربما عبر خلالها باللغة الفرنسية لزيادة البيان ؛ أننا لاحظنا أول ما لاحظنا أن الجزائريين حتى المتعلمين منهم يخللون كلامهم بالفرنسية، و هذا من أثر الاستعمار الفرنسي الذي طال و استطال قرابة قرن و نصف ، و لولا ما من الله به عليهم من قيام جمعية العلماء المسلمين بهمة و عناية العالمين الشيخين عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي الذين إليهما بعد الله تعالى يرجع الفضل في بقاء القرآن و اللغة العربية بينهم و لا سيما في بعض المدن و المراكز التي كان نشاط العلماء جديا بها رغم اضطهاد الفرنسيين لهم و محاربة التعليم الإسلامي و اللغة العربية ، إضافة إلى الصوفية و زواياهم الجادة في تخدير أعصاب الشعب وأمره بالاستسلام للحكام و عدم مناهضة سياستهم ، ثم صعدنا جبل العباد مارين بمقبرة به ضريح الشيخ محمد بن يوسف السنوسي صاحب العقائد ، و بمصلى الجبل –و هو عامر بالمباني و السكان- تقع مدرسة أبي عنان المريني و مسجده الذي بناه قرب ضريح أبي مدين الأندلسي رحمه الله ، و قد دخلنا المسجد و هو مغربي في هندسته و صومعته التي تضارع صوامع فاس .
و قد زرنا بالجزائر مدنا كثيرة منها : ابن العباس ، و تلمسان ، و قسنطينة و الجزائر العاصمة ، و سطيف ، و عنابة ، و غيرها . و مكثنا أياما جميلة بالعاصمة ، زرت خلالها ضريح الشيـخ عبـد الرحمن الثعالبي الفقيه المشهور صاحب التآليف العديدة كتفسيره "الجواهر الحسان" ، و "العلوم الفاخرة" ، و غيرها ، و كضريح مولاي محمد ، و قد لاحظت من مظاهر التغريب الغريبة اللافتة للنظر : كتابة الرخامات على القبور بالفرنسية مع صورة المقبور بشكل كتاب مفتوح ، وكان نزولنا بفندق قريب من جامع كتشاوة القريب من ساحة الشهداء حيث الجامع الحنفي الشهير الذي تحمل صومعته المغربية ساعة كبرى وسطه ، و هو مبني على الطراز التركي ، و قريبا منه يقوم الجامع الكبير الذي هو من بناء المرابطين ، و ما زال شكله و هندسته و صومعته المربعة القصيرة ، أما جامع كتشاوة فقد كان من المساجد التي حولها الفرنسيون إلى كنائس ، فلما نصر الله الجزائريين عليهم وأجلوهم عن الوطن أعادوا هذه المساجد إلى وضعها الإسلامي ، و أزالوا الصلبان من أبوابها و قبابها و أبراجها ، و كانت أول جمعة أقيمت بعد إعلان الاستقلال بهذا المسجد الفخم ، و خطب به فيها الشيخ البشير الإبراهيمي خطبة نارية بأسلوبه العجيب و لهجته الصادقة . و ما زالت نبراته ترن في آذاننا و قد أذيعت يومها بالراديو . و لذلك كان من أهم مقاصد الرحلة الاتصال بمثل هذا الشيخ والأخذ عنه . فسألت عنه كثيرا ، و من عجب أنني لم أجد من يعرفه –و هو أشهر عالم جزائري عم صيته المغرب و المشرق قديما و حديثا ، و مواقفه في مناهضة الاستعمار ما زالت ماثلة في آثاره خصوصا جريدة "البصائر" التي كانت تعتبر بالمغرب و الجزائر و تونس بمثابة قنبلة قوية المفعول يحاكم و يعاقب من ضبطت عنده ، فكان الناس يتواصون بقراءتها ، و يبذلون ما شاء الله للحصول عليها خصوصا بعد ظهور طلائع الأزمة السياسية بالمغرب التي انتهت بنفي الملك محمد الخامس و خلفه ، فكان الشيخ البشير رحمه الله يتصدى لكشف المخطط الفرنسي و فضح سياسة فرنسا و عملائها كعبد الحي الكتاني و التهامي الكلاوي ، و كان نصيب الكتاني من حملاته كبيرا نظرا إلى مركزه العلمي و شهرته بالمشيخة[2] ، و معرفة الشيخ البشير به- قلت : و ظللت أسأل عنه غير يائس إلى أن لمحت شابا وسيما يتأبط كتبا و جرائد فتوسمت فيه المعرفة و سلمت عليه و سألته عن أحوال البلد وما جرت به العادة ، ثم سألته عن الشيخ ، فأخبرني أنه يعرفه و أن سكناه بحي حيدرة ، و هو بعيد وأشار عليّ أن أركب الحافلة رقم كذا ، و بعد الوصول إلى الحي و هو كبير واسع اسأل الشرطة ، فشكرته و امتطيت الحافلة إلى الحي و قصدت الشرطة فلم أجد عندهم خبرا عنه ، و لما رأوا حيرتي وتعجبي أمرني أحدهم أن أتصل بمحطة البنزين قائلا : إن جميع أهل الحي يمرون بسياراتهم عليها و أصحابها يعرفونهم ، فقصدتها و سألتهم فأفادوني أن رجلا أشيب أعرج يمر أحيانا قليلة عليهم ، و أنه يسكن بمفترق الطرق القريب ، و أشاروا إليه ، فذهبت و وجدت دكانا للمأكولات ثمة فسألت صاحبه ، فأشار إلى فيلا صغيرة فقصدتها و طرقت بابها مرارا إلى أن عزمت على الانصراف آيسا ، فإذا بالشيخ يطل ملتفتا خارج الباب فتقدمت و سلمت ، فسأل عني فتعرفت إليه فرحب ، و استدعاني للدخول خلفه ، و لأول مرة رأيت الشيخ عيانا و علامة الهرم و الإعياء بادية عليه ، و عاهة العرج كبيرة ، فجلسنا في حجرة متواضعة لا أثاث فيها و لا فراش إلا بساطا متواضعا و منضدة صغيرة جدا عليها جرائد و مجلات و عصا الشيخ ، و بعد حديث قصير اعتذر الشيخ عن خلو البيت قائلا بأن أثاثه وكتبه و أهله ما زالوا بالقاهرة ، و أن الإخوان (يقصد الحكام من جبهة التحرير : ابن بلة و رفاقه) لم يخصصوا له مكانا مناسبا واسعا يسعه ، و تحدث بمرارة عن جفوتهم له ، و أنهم لم يمنحوه إذنا بزيارة المغرب للاتصال بإخوانه من معارفه من زعماء المغرب و علمائه ، و سمى لي عددا منهم ما زلت أذكر : ابن العربي العلوي و كنون و داود و علالا الفاسي و غيرهم ، قال : و ما زال يطالبهم و يلح عليهم و هم يسوفون ، كما تحدث الشيخ عن بعض ذكرياته بالشرق كالحرمين و دمشق و العراق ومصر ، و عن نشاطه الصحفي و التعليمي ، و كنت أحب أن أدون ذلك لو كان الظرف يسمح ، و لم يكن متيسرا إذ ذاك اقتناء آلة تسجيل ، و أخيرا طلب مني الشيخ أن لا أنساه من دعاء صالح من مظان الإجابة بالحرمين ، و أن أزوره في العودة ليأنس بي رحمه الله و جزاه خيرا ، و لم يكتب لي أن أزوره لأنني عدت إلى وطني عن طريق إسبانيا ، و كنت سألت الشيخ عمن أزوره بتونس فسمى لي شيخا كتبيا بالقرب من جامع الزيتونة ؛ لعل اسمه : صالح الثميني ، و قد زرته و جلست معه ، و هو من علماء الإباضية ، ثم ودعت الشيخ البشير و خرجت ناسيا نظارتي الشمسية بمنزله و لم أعد إليها رغم اعتيادي لُبسها ، و اشتريت أخرى ، و ذلك لبعد الحي و إعجال السفر ، و لم أكن عرفت السبب في إضراب الشيخ البشير عن ذكر علماء تونس كابن عاشور و ابنه و الشاذلي النيفر و حسن حسني عبد الوهاب ، حتى اقتنيت مجموعة آثاره المختارة فقرأت ردوده على الشيخ الطاهر ابن عاشور ، و من سار على نهجه في موقفهم من محنة التجنيس الذي فرضه الفرنسيون على التونسيين فكان مثار أخذ و رد و سبب امتحان عسير لكثير من العلماء و الكتاب ، و كان موقف الشيخ الطاهر غير مشرف ، و هو شيخ الإسلام و كبير علماء الزيتونة ، رحمه الله و سامحه ، وحاولت الاتصال بالسيد توفيق المدني صاحب "تاريخ الجزائر" فلم أفلح كما سألت عن الشاعر محمد العيد ، فقيل بأنه يسكن ببلدة تبعد عن العاصمة بألف كيلومتر ، و في مرورنا بمدينة سطيف دخلت مسجدا على الطريق فوجدت بها حلقة كبيرة و وسطها رجل ملتح كبير فأردت الجلوس بها فنظروني شزرا فخرجت و علمت بعد ذلك أنهم إباضية ؛ أي من بقايا الخوارج و يسمونهم هناك الخوامس ؛ أي : أصحاب المذهب الخامس .
و بعد أيام ودعنا الجزائر و دخلنا التراب التونسي ، و وصلنا العاصمة ليلا و نزلنا بحي شعبي، و في الصباح خرجت و سألت عن ضريح كبير ذي قباب و مسجد قريب من الفندق تظهر عليه علامة القدم ، فلم أجد من يعرفني كما ينبغي حتى اتصلت بالشيخ الفاضل ابن عاشور رحمه الله فأخبرني بأن الضريح هو لسيدي مُحرز الذي سأل عبد الله بن أبي زيد القيرواني أن يؤلف له رسالته المشهورة في الفقه المالكي لأنه كان مدررا يقرئ الصبيان ، فألف له الشيخ الرسالة ليحفظها النساء والصبيان ، أما المسجد فيعرف بمسجد (سبحان الله) ، قال : و هو من المساجد العتيقة بتونس مر على بنائه نحو ألف سنة ، و قضينا بتونس أياما طيبة زرنا فيها عددا من الأحياء و قصور الباي (سلطان تونس) التي حول أحدهما إلى متحف كبير ، و صعدنا إلى تل مشرف على المدينة مكسو بالأشجار الوارفة الظلال و على قمة التل بناء غاية في الإتقان و الجمال ، قيل لنا بأنه منتزه البايات ، كما زرنا جامع الزيتونة و صلينا به جمعة و شاهدنا من تقاليدهم المبتدعة في ذلك ما قضينا منه العجب ، و من كيفية خروج الإمام و كان وقتها من الأشراف الذين يتوارثون الخطابة بها (سماه الشيخ الفاضل و نسيت لطول العهد) فخرج من المقصورة نحو أربعة أفراد لابسين ثوبا خاصا مزخرفا يمشون الهوينا و خلفهم الخطيب الذي صعد المنبر بحركات متزنة ، و صعد أحدهم معه إلى منتصف درج المنبر و جلس إلى النهاية ، و هؤلاء هم الذين يؤذنون و يقيمون الصلاة بصوت واحد بشكل مستغرب منغوم كأنهم يؤدون أغنية ، و أخبرني الشيخ الفاضل أن ذلك تقليد من أيام الأتراك و عليه أحباس لا يستطيعون الخروج منه ، و زرنا بعد ذلك جامع القصبة حيث القصور السلطانية و دواوين الحكام ، و بالقرب منها يرقد علي بن زياد أحد تلامذة الإمام مالك و رواة موطئه ، و هو أول من أدخلها إلى إفريقية ، و من ذلك زيارتنا لجامع (مولى الطايع) و هو أمير تركي ، و جامعه في غاية الفخامة و الجمال و قبره متصل به ، و بالقرب منه مدرسة الطلاب ، و أذكر أنني وجدت بالجامع حلقا لتلاوة القرآن و التدريب على أدائها و لفت نظري أنهم يقرأون في نفس واحد متصل دون وقف ، فوقفنا نستمع مستغربين أنا و الفقيه الحاج أحمد ابن تاويت ، و أردنا أن ننبههم إلى الخطأ في ذلك فلم يفرغوا من القراءة ، و كنا أثرنا هذه المسألة مع الشيخ الفاضل فاعترف بعدم لياقتها إلا أنه اعتذر بحاجة التعليم في التلقين كذلك كما نفعل نحن مع الأطفال فيما نسميه (بالتهجي) في الكتاتيب إلا أن هذا عندنا قاصر على الأطفال أما عندهم فعام ، و عند زيارتنا للمدرسة الصادقية للسؤال عن الشيخ ابن عاشور لم نجده و وجدنا أحد كتابه الذي أخبرنا بأنه في رخصة ، و أنه لن يحضر إلا بعد أيام ، و أبدينا له رغبتنا في زيارته فكلمه بالهاتف فرحب بنا ، و نزلنا إليه بسيارتنا مسترشدين بوصف الكاتب إلى أن وصلنا إلى قصره الفخم بحي المرسى مارين بحلق الوادي ، فاستقبلنا الشيخ الفاضل ببشاشته المعهودة و أدبه الجم و دخلنا إلى صالون كبير مزدان بستور و ثريات و لوحات فنية، و وجدنا به صحافيا مصريا و بعض الأساتذة و بعد التعارف تحدثنا مع الشيخ الفاضل حديثا أنسانا الأهل و الأولاد لحلاوة المنطق و دماثة الأخلاق و الإلقاء بشكل سليم سريع لا يستطيع الكاتب المتروي أحسن منه ، و بعد هنيهة خرج و عاد مصحوبا بوالده الشيخ الطاهر فشاهدنا شيخا وقورا عليه مهابة العلم و السن تتلى في وجهه آيات الفضل و الجد ، و قد تبادلنا معه أحاديث كان منها حديث مطول عن مدونة الأحوال الشخصية و ما تم فيها من تغيير و اختيار مسائل خارجة عن مذهب مالك ، و كان منها مسألة الطلاق المجموع في كلمة واحدة ، و كيف اعتبر طلقة واحدة بائنة ، فأشار الشيخ إلى اجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه المعلوم في المسألة و أنه أمضاه على الناس لينزجروا ، قال الشيخ (و ما زلت أذكر صوته و قد جهر به) : و مع ذلك لم ينزجروا . وكنت رأيت بالمكاتب بعض أجزاء مطبوعة بتونس من تفسير الشيخ فهممت بشرائها إلا أني لم أفعل ، ولقد ندمت الساعة على ذلك ؛ لأنني كنت أستطيع أن أقدمها للشيخ ليناولنيها فأستأذنه في الرواية عنه مناولة ، و لكني قلت و قد فاتتني هذه المنقبة : ألا أستأذن الشيخ في الرواية العامة ، و إن كان من الصعب أن أكلف الشيخ الكتابة و حالته لا تسمح بها كما أن ظروف الزيارة و حضور الناس يحول دون ذلك ، و عند وداعه سلمت عليه و سألته فأنعم و فرحت بذلك لأني بالرواية عنه مشافهة شاركت بعض شيوخي الآخذين عنه كالشيخ أحمد ابن الصديق ، و عندما ودعت الشيخ الفاضل بمدخل القصر سألنا عن منزلنا فأخبرناه و لم نعرف مقصوده . و بعد وصولنا إلى الفندق بمديدة حضر الشيخ الفاضل بسيارته الفخمة فعلمنا سبب سؤاله و لقيناه و صعد معنا إلى الغرفة المتواضعة في فندق شعبي غير لائق و صنعنا له شايا مغربيا و حمل إلينا الشيخ تمورا طيبة و حلويات قدمها إلينا معتذرا عن التقصير راغبا ملحا أن يكون مرورنا في العودة علينا أحسن ليتمكن من الإكرام اللازم ، يقول هذا بأسلوب تتخلله لطائف التعبير و يضمخه طيب الشمائل و الأخلاق رحمه الله و أكرمه ، و في مثل هذا الرجل يحسن إنشاد قول أبي العلاء :
جمال ذي الأرض كانوا في الحياة و هم بعد الممات جمال الكتب و السير
و في أثناء الحديث أشار علي الشيخ بزيارة السيد الصاحب (أبي زمعة البلوي رضي الله عنه) بالقيروان، و ابن غانم و سحنون و ابن أبي زيد و القابسي و أبي عمران الفاسي ، و فعلا عند وصولنا إلى القيروان زرنا هذه المشاهد كلها بعد مسجد عقبة بن نافع الذي هو أعظم و أقدم الآثار الإسلامية بشمال أفريقية ، و قد طفنا بأبهاء المسجد و بلاطاته الناطقة بجلال القدم و التقوى و صعدت المنبر الذي هو من آثار بني الأغلب فيما يقال ، و نزلنا إلى قبر سحنون و هو في سبخة و وجدنا به ناسا يعملون على مرمات لنسيج البز الذي اشتهرت به القيروان و على دربوز القبر ورقة كتب عليها هذا قبر فلان المتوفى سنة كذا، و وقفنا على فِسْقِيّة بني الأغلب ، و هي كبيرة مستديرة لتجميع مياه المطر، و شاهدنا بقية تافهة من آثار مدينة رمادة المشهورة ، ثم عدنا إلى العاصمة ، و صعدنا إلى زاوية للشاذلية بمقبرة الزلاج و هي أقدم مقبرة بها ، و رأيت حرص الشيخ أحمد ابن تاويت على الوقوف على قبر الفقيه ابن عرفة و ابن عبد السلام التونسي و الأُبي و قد دلّه عليهم مرشدنا المتطوع ويسمّى: خُميّس والْباني ، و وصلنا الزاوية و هي بأعلى المقبرة و دخلنا و هي متينة البناء و وجدنا بها آثار احتفال من بسط كثيرة و أثاث و أواني طبخ كبيرة و أفادنا المرشد بأن الصوفية يحيون بها ليالي المواسم و كان أحدها قريبا ، و هذه الزاوية مبنية على مغارة تحت الأرض ضيقة جدا لا تسع أكثر من شخصين ، قيل بأنها متعبد الشيخ أبي الحسن الشاذلي الشيخ الغماري المغربي الشهير النسبة إلى قرية (شاذلة) بتونس ، و هو مغربي صميم و إنما أقام طويلا بالقرية المسماة ، و ما زلت أذكر أن بالمغارة صورة محراب منقور بالصخر ، و قد حضر الفقيه ابن تاويت خشوع كبير و جلس و دعا وتأسف كثيرا لعدم وضوئه فكان يصلي ثمة ركعات ، و عجبت لصنيعه هذا مع اشتهاره بالسلفية .
و في رحلة لاحقة لتونس زرت من أعلامها الشيخ الشاذلي النيفر رحمه الله (توفي مؤخرا عام 1418) بمكتبته بالعاصمة ، و هي مكتبة ضخمة فتحها لعموم الباحثين بحفل رسمي ، و تضم كتبا قيمة و مخطوطات نادرة ، و هي و مكتبة الشيخ الطاهر ابن عاشور يمثلان أنفس و أكبر المكاتب الخاصة بتونس ، و تليهما مكتبة حسن حسني عبد الوهاب و قد نقلت إلى المكتبة الوطنية بوصية منه ، وعلى ذكر هذا الرجل فإنني كنت حريصا على زيارته و سألت عن منزله فعرفته و استأذنت عليه ، فاعتذر لي شاب –لعله من تلاميذه- عنه بأنه مريض لا يستطيع مقابلة أحد ، و أذكر أن مما دار بيني و بين الشيخ الشاذلي من حديث حرصه البالغ على اقتناء تاريخ تطوان لمحمد داود الذي طبع منه حتى الآن ثماني مجلدات و هو النصف من الأصل ، و كان الشيخ وقف على بعضه ، و أعجبه ، و حدثته عن كتاب شيخنا و شيخ الأستاذ داود (عمدة الراوين في تاريخ تطاوين) في عشرة أجزاء في خمسة مجلدات للشيخ أحمد بن محمد الرهوني التطواني ، فكان يتعجب من حديثي و لسان حاله ينشد[3] :
كَيفَ الوصولُ إِلى سُعاد وَدونَها قُلَلُ الجِبالِ وَدونَهُنَّ حُتوفُ
و تواعدنا أن يكاتبني في هذا الشأن لتدبير شأن الإرسال و التصوير ، و لكنه لم يفعل ، و لعله كان يحب لقائي بالمغرب لإنجاز العمل ، و لكن لم تتح له هذه الزيارة إلى أن توفي رحمه الله . و ما رأيت من يحاكيه في إيثار الحديث عن الكتب و المخطوطات إلا القليل كشيخينا عبد الحي الكتاني و أحمد ابن الصديق إلا أنه يفارقهم بضنانته بأعلاقه و نوادره فلا يسمح بتصوير و لا إعارة بينما الأولان سخيان بما عندهما ، و لله في خلقه شؤون ، و كان مما يصب في هذا الاتجاه من حديث الشيخ أنه أخبرني عن والده و غيره من علماء الزيتونة كيف كانوا يتتبعون حركة النشر للكتب بالمطابع الحجرية بفاس و يحرصون على شرائها و اقتنائها و يوصون بها و كيف كان الطلبة يتهافتون على آثار الشيخ المهدي الوزاني من شروحه و حواشيه و نوازله الفقهية الكبرى و الصغرى مع كتب النوازل والفتاوى الكثيرة التي أخرجتها المطابع الحجرية بفاس .
و من العلماء و المدرسين الذين لقيتهم و أنست بهم الشيخ عز الدين سلام ، و هو خطيب ومدرس بأحد مساجد العاصمة و متميز بإتقانه علم الحساب و الفرائض عرفني به تلميذه الأثير الشاب الصالح العالم المقرئ المتقن الأستاذ فتحي العبيدي أحد أساتذة جامعة الزيتونة في علوم القراآت ، الذي عرفته هو الآخر بواسطة شيخه أخينا الفاضل الباحث المعتني الدكتور محمد أبو الأجفان التميمي القيرواني خريج جامع الزيتونة و الأستاذ بكلية الشريعة فيها ، و الذي يعمل حاليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة ، و كان هذا الرجل الفاضل زارني منذ أكثر من عشرين سنة بالمكتبة العامة بتطوان وأهداني من تحقيقاته فهرست المجاري و فهرست القلصادي ، ثم توطدت الصلة بيننا من يومئذ و لا أبالغ إذا قلت بأن رسائله إلي تناهز المائتين و كلها تدور على العلم و النشر و الكتب والمخطوطات بارك الله في جهوده التي أثمرت الآن ما يجاوز الخمسين عملا بين تأليف و تحقيق .
ثم غادرنا تونس العاصمة و مررنا بمدينة صفاقص التي لم نقف بها طويلا و شاهدنا بها مساجد قديمة و أسواقا تونسية أصيلة بدكاكينها و سيما أهلها و ملابسهم و شاراتهم ، و وقفنا عند ضريح الإمام اللخمي صاحب التبصرة الشهيرة في الفقه المالكي التي هي من مصادر الشيخ خليل بن إسحاق الجندي في مختصره المشهور ، و أشار إليه في خطبته و أنه يعتمد اختياراته على تفصيل له في ذلك ، و معلوم أن اختياراته أثارت جدلا طويلا بين متأخري المالكية ، و من اللطائف قول بعضهم في انتقادها من أبيات :
لقد مزّقت قلبي بسهْم[4] جفونها كما مزّق اللخميّ مذهب مالك
و كان من أهداف الزيارة الاتصال بالشيخ محمد محفوظ توفي قريبا فلا تسل عن أسفي لفوت هذه الفرصة ، و ذلك لما امتاز به الشيخ رحمه الله من اطلاع و تحقيق و هو مؤلف "معجم المؤلفين التونسيين" ، و كنت اقتنيت منه نسخة و قرأتها و علقت على هوامشها ملاحظات كنت سأحاوره في شأنها لو شاء الله لقاءنا في الدنيا و نرجو أن يتحقق لقاءنا في دار كرامته بفضله و منه ، كما كنت أود اطلاع الشيخ على وجود نسخة تامة من كتاب "الأربعين البلدانية" للإمام البكري الذي حققه الشيخ تحقيقا علميا و طبعته دار الغرب للناشر التونسي الحبيب اللمسي عن نسخة سقيمة بها بياضات ، و كنت عثرت على نسخة ثانية جيدة تامة من كتب المكتبة الزيدانية التي أضيفت للخزانة الملكية بالرباط .
ثم خرجنا من مدينة صفاقص إلى مدينة قابس التي توصف بأنها جنة الدنيا و دخلناها في يوم عابس ذي ريح عاصف و غبار كثير و مررنا على قبور لجماعة من الصحابة فيما يقال لا أدري أسماءهم ، و لم ألق فيها أحدا من أهل العلم ، و غادرناها متجهين نحو الحدود الليبية فدخلناها خائفين من اكفهرار الجو و زمجرة الرياح ، و شاهدنا عواصف رملية كنا نقف بسيارتنا بعيدين في انتظار مرورها سوداء في شكل عمود ضخم متحرك ، و بعد ساعات عصيبة و صلنا إلى مدينة مصراطة و استرحنا ، و كنت أعلم أن بهذه المدينة مرقد الشيخ أحمد زروق الفاسي فسألت عنه فعرفت أنه خارج المدينة ، فخرجنا إليه فوجدنا مدرسة بها طلاب يحفظون القرآن و آخرون يتعانون حفظه على الطريقة المعهودة عندنا بكتابته في ألواح خشبية اطلعت على بعضها ، و وقفت على ضريح الشيخ و معه آخر[5] . و لم أجد ثمة عالما أسأله .
ثم مررنا على مدينة نسيت اسمها (و لعله المرجة أو المرج) كان أصابها زلزال دمر كثيرا منها شاهدنا آثار التدمير بها نسأل الله العافية ، ثم زرنا مدينة اطرابلس و معرضها السنوي و كان لا بأس به و البلد حديث عهد بالاستقلال ، و لم يكن البترول ظهر بها . ثم زرنا مدينة بنغازي و هي لا تمتاز عن العاصمة إلا بمزيد من الفقر ؛ إلا أنني وقفت بها على قبر الشهيد عمر المختار رحمه الله ، و عليه بناء حديث فخم و فوق قبره رسمت بطلاء ذهبي قصيدة أحمد شوقي الشاعر المصري في رثائه و هي بديوانه[6] ، و بينما أنا أتجول في شوارعها بعد أن تغدينا بسوق الظلام ، و هو سوق طويل مسقف بقبو، في مطعم شعبي ما زلت أذكر صاحبه شيخا يسمى : حمادة الطرابلسي أخبرنا أنهم يعانون من كساد قاتل ، وصلت إلى مكان أنكرت ما شاهدت فيه من نساء كثيرات جالسات على أبواب بيوتهن وهن متزينات مكتحلات متنمصات محمرات الشفاه و الخدود ، و بعضهن يدخن السجاير والكيف ، ومنهن من كن ينظرن إلي بشوق فأسرعت الخطى إذ علمت أن المكان (بُرْدِيل) للبغاء والبغـايا ، نسأل الله العافية .
و بعد نحو يومين خرجنا فمررنا على عدد من القرى و المدن منها درنة و بها قبور بعض الصحابة كما رأيت مكتوبا عليها كعبد الله الزلام الأنصاري القاضي (كذا) و قيس بن زهير البلوي و غيرهم إلى نحو سبعين قبرا في بيت مستطيل و لم تذكر أسماؤهم إلا هذين ، و هذه المدينة تقع في سفح الجبل الأخضر المشهور الذي كان من معاقل الجهاد و حصون عمر المختار و أصحابه الذين ساموا الطليان به و بغيره سوء العذاب ، و قد صعدنا الجبل بعد خروجنا من البلدة فإذا هو أخضر دائما لنبات أشجار لا يسقط ورقها ، و زرنا بلد الزاوية البيضاء ، و بها ضريح الشيخ السنوسي الكبير جد الملك إدريس السنوسي و عليه قبة فخمة و بالمدينة معهد علمي ، و قد رأيت أساتذة و طلبة يلبسون الجباب المصرية كالأزهريين ، و أذكر أنني رأيت بمدخل المدينة مسجدا حديثا ذا منارة مصرية طويلة و وسطه قبة كتب على مدخله أنه ضريح رويفع بن ثابت الأنصاري الصحابي رضي الله عنه ، وقرب الضريح مقبرة لفت نظري فيها شواهد قبور بها أسماء البقالي بكثرة ، فلا أدري هل هؤلاء الموتى من البقاليين المغاربة ، و مما مررنا عليه مدينة أجدابية ، و هي صغيرة متواضعة ذكرت باسمها أبا إسحاق ابن الأجدابي العالم اللغوي الشهير صاحب كتيب "كفاية المتحفظ و نهاية المتلفظ" الذي قرأته درسا بالجامع الكبير بتطوان لأنه كان مقررا لطلبة القسم الابتدائي ، و لكنني لم أعرف بها أحدا ، و لا زرت بها عالما و لا ميتا ، و كل ما أذكر أنني صليت بها الجمعة بمسجد متواضع و خطب يومها خطيب أعمى لعله مصري ، كما مررت بقرية سرت –هكذا بالسين المهملة- و هي قرية كبيرة نوعا، يقال بأن أولاد الشَّرْتِي[7] التطوانيين ينحدرون منها كما سمعت منهم ، و وقفت بها على طلل واطئ قيل لنا بأنه أصل منارة مسجد مغربي بني هناك أيام حكم المرابطين أو الموحدين ، ثم مررنا على مدينة طبرق ، و هي بليدة عالية طيبة الهواء . و مررنا على قرية سواكن و صلينا بمسجدها الذي علمنا بعد أنه لإباضية إلا أننا كنا صلينا وحدنا لطول انتظارنا للجماعة ، و قد علمت بعد ذلك أن هذه النحلة الباقية من الخوارج الذين كان المغرب من مراكزهم الأولى توجد هنا بليبيا بهذه القرية وغيرها ، وبتونس بجزيرة جربة ، و بالجزائر ببني مزاب . هذا بشمال إفريقية و يوجدون بطانزانيا ومعلوم أن لهم الآن دولة و قوة بسلطنة عمان و بلاد الخليج العربي الغنية بالنفط و غيره من المعادن ، و لهم الآن صحف و مجلات و دور نشر تطبع من تراثهم الكثير ، و هم مبتدعة معتزلة في العقائد يحطون على علي بن أبي طالب و أهل بيته و بعض الصحابة نسأل الله العافية ، ثم انحدرنا في طريق جبلي طويل انتهى بنا إلى قرية السلوم التي هي على الحدود بين ليبيا و مصر ، و قد تعبنا في النزول لسوء حالة الطرق في ليبيا ؛ لأنها ما زالت محفورة من أثر معارك الحرب العالمية الثانية التي دار كثير منها بها . و دخلنا التراب المصري مقتربين من البحر الأبيض حتى وصلنا أول بلد به و هو مرسى مطروح، و هو مصيف جميل تغدينا به ، ثم واصلنا السير إلى الإسكندرية التي أقمنا بها أياما بفندق جميل مطل على ميدان نُصب بوسطه تمثال من البرونز لسعد زغلول يشير بيده ، و الإسكندرية بلد غني عن التعريف و يحتاج من يتعرف عليه إلى أيام عديدة ؛ إلا أنه ما لا يدرك كله لا يترك قله ، من ذلك زيارتنا لقصر التين و هو قصر عجيب ، و منه حمل الملك فاروق بن أحمد فؤاد الأرناؤط آخر ملوك مصر ، معزولا منفيا . وقد تجولنا فيه ، و فيه مصعد كهربائي لشهود طبقاته ، و كان مازال على الحال التي تركها عليه الملـك حتى يومية الشهر ما زالـت كما هي و خزائن الملابس المختلفـة حتى الأحذية و البرانيـط و الطرابيش و العصي و أنابيب التدخين ، كل هذا محفوظ كما تركه صـاحبه في خزائن زجاجية في غاية الإتقان و الصون و الحفظ ، و اللوحات معلقة بالجدران تكاد تنطق ، و منها لوحة رسمها للملك رسام أوربي رائعة ، لاحظ المرشد المصري طول وقوفنا عندها فقال (شَكْلُو حِلْو مِشْ كِذا) . و في تجولي بشوارع الإسكندرية زرت مسجد أبي العباس المرسي وهو شامخ البناء ذو منارات مصرية الشكل ، ووجدت الضريح غاصا بالزائرين و الزائرات يتمسحون بالتابوت ، و يلصقون به بطونهم و ظهورهم ووجوههم و يزمزمون في شكل ينافي أدب الإسلام في الزيارة الشرعية ، و بالقرب منه ضريح البوصيري صاحب البردة و الهمزية ، و كلاهما من أصل مغربي ، و أذكر أنني رأيت قصيدته الميمية البردة مكتوبة بخط رائع بالصفر بقبته ، و هناك بالقرب قبر يقال إنه لأبي الدرداء الصحابي و هذا غير صحيح ، و المتسولون و المعتوهون هناك بالعشرات يلحفون بالسؤال و هم في غاية الفقر والخصاصة، و الأسواق غاصة و المدينة مزدحمة ، وهناك قلعة قايتباي على البحر لم أصل إليها ، و بعد أيام غادرناها في طريق جميل تحفه الحقول الخضراء من اليمين و الشمال بخلاف طريق الإسماعيلية و السويس ، فإنه طريق صحراوي قاحل . ومررنا في ذهابنا للقاهرة على جرجا و سيدي جابر و طنطا و منارة مسجد البدوي تظهر من بعيد وعلى رأسها مصباح يضيء ليلا و لم نقف بها و مساءً دخلنا القاهرة و قصدنا عنوان الأخ محمد مولاطو التطواني و هو مثوى متواضع قريب من مسجد الكيخيا . و قد قضينا في القاهرة أكثر من 15 يوما ، و صادف يوم دخولنا القاهرة مرور موكب جنازة كبيرة فوقفت أنظر فسمعت رنة صوت لنادبة و عرفت وجوها لعدد من الممثلين المصريين ، فسألت فأخبرت أن الجنازة لمامون الشناوي الشاعر الذي كان من أبرز مذيعي إذاعة القاهرة و عرف بأشعار له رقيقة لحنت و غني بها ، و كان من أهداف الرحلة كما قلت الاتصال بأهل العلم إلا أننا بعد مضي أيام على إقامتنا بالقاهرة علمنا أن المواصلات مقطوعة بين مصر و السعودية في البر والبحر فسقط في يدنا و أخذنا نبحث عن طريقة للسفر إلى جدة لإنجاز ما رحلنا لأجله و هو الحج ، فسافرنا إلى السويس فلم نجد باخرة و علمنا أنه لا يسمح لا بحرا و لا جوا و لا برا بالسفر إلى السعودية ، و إذاعة القاهرة جادة في حملاتها على الملك سعود و الثورة المصرية في فجر عهدها .
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع