ابن عامر الشامي
وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
- إنضم
- 20 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 10,237
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المملكة المغربية
- احفظ من كتاب الله
- بين الدفتين
- احب القراءة برواية
- رواية حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- سعود الشريم
- الجنس
- اخ
أساليب بلاغية في سورة مريم
الشيخ محيي الدين درويش
. الاستعارة المكنية:
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)
في قوله تعالى «وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً» شبّه الشيب بشواظ النار في بياضه وإثارته وانتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه منه كل مأخذ ثم أخرجه مخرج الاستعارة المكنية وأسند الاشتعال الى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس وأخرج الشيب مميزا ولم يضف الرأس أي لم يقل رأسي اكتفاء بعلم المخاطب انه رأس زكريا.
2. الإيجاز
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)
في قوله تعالى «أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ» فظاهر الكلام يوهم أنه استبعد ما وعده الله عز وجل بوقوعه ولا يجوز لأحد بله النبي النطق بما لا يسوغ أو بما في ظاهره الإيهام فجاء الكلام موجزا وتقديره هل تعاد لنا قوتنا وشبابنا فنرزق بغلام؟ أو هل يكون الولد لغير الزوجة العاقر؟ وإذن فالمستبعد هو مجيء الولد منهما بحالهما ولكن الجواب أزال الاشكال إذ قيل له سيكون لكما الولد وأنتما بحالكما.
3. المديح بما يشبه الذم
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)
في قوله تعالى «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً» فن رفيع من فنون البلاغة وهو توكيد المدح بما يشبه الذم وينقسم الى نوعين:
آ- أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح لذلك الشيء بتقدير دخولها في صفة الذم المنفية ومنه قول النابغة الذبياني:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
فقد جعل الفلول عيبا على سبيل التجوز بتا لنفي العيب بالكلية كأنه يقول: إن كان فلول السيف من القراع عيبا فانهم ذوو عيب معناه إن لم يكن عيبا فليس فيهم عيب البتة لأنه لا شيء سوى هذا فهو بعد هذا التجوز والفرض استثناء متصل.
ب- ان تثبت لشيء صفة مدح وتعقب ذلك بأداة استثناء يليها صفة مدح أخرى لذلك الشيء نحو: أنا أفصح العرب بيد أني من قريش وقال النابغة أيضا:
فتى كملت أوصافه غير أنه ... جواد فما يبقي على المال باقيا
وأصل الاستثناء في هذا الضرب أن يكون منقطعا لكنه لم يقدّر متصلا بل بقي على حاله من الانقطاع لأنه ليس في هذا الضرب صفة ذم منفية عامة يمكن تقدير دخول صفة المدح فيها فحينئذ لا يستفاد التوكيد فيه إلا من الوجه الثاني من الوجهين المذكورين في الضرب الاول ولهذا كان الضرب الاول أبلغ لإفادته التأكيد من الوجهين.
إذا عرفت هذا فاعلم أن في الآية الكريمة: «لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما» ثلاثة أوجه:
آ- أن يكون معناه إن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة لغوا فلا يسمعون لغوا إلا ذلك وهو بهذا من وادي قول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
ب- انهم لا يسمعون فيها إلا قولا يسلمون فيه من العيب والنقيصة وهذا يتعين فيه الاستثناء المنقطع.
ج- ان معنى السلام هو الدعاء بالسلامة وهي دار السلامة وأهلها أغنياء عن الدعاء بالسلامة فكان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الإكرام، ففي الوجه الاول والثالث يتعين الاتصال في الاستثناء أما الأول فلجعل ذلك لغوا على سبيل التجوز والفرض وأما الثاني فواضح لأنه فيه اطلاق اللغو على السلام وأما الثالث فلحمل الكلام على ظاهره من دون تجوز أو فرض.
4. التشبيه التمثيلي البليغ
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63)
في قوله تعالى «تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا» فقد شبه عطاء الجنة لهم بالعطاء الذي لا يرد وهو الميراث الذي يرثه الوارث فلا يرجع فيه المورث أي نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه والوارثة أقوى لفظ يستعمل في التمليك والاستحقاق من حيث أنها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع ولا تبطل برد ولا إسقاط والإرث في اللغة البقاء، قال عليه الصلاة والسلام: «إنكم على إرث من إرث أبيكم ابراهيم» أي على بقية من بقايا شريعته والوارث الباقي من أسماء الله تعالى أي الباقي بعد فناء خلقه وهو في الشرع انتقال مال الغير الى الغير على سبيل الخلافة.
5. الاستعارة المكنية
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)
فقد شبه الغيب المجهول الملثم بالاسرار بجبل شامخ الذرا لا يرقى الطير الى مداه فهو مجهول تتحطم عليه آمال الذين يريدون استشفاف آفاقه وادراك تهاويله ثم حذف الجبل أي المشبه به وأخذ شيئا من خصائصه ولوازمه وهو الاطلاع والارتقاء واستشراف مغيباته والغرض من هذه الاستعارة السخرية البالغة كأنه يقول أو بلغ هذا مع حقارته وتفاهة أمره وصغار شأنه أن ارتقى الى الغيب المحجب بالاسرار المطلسم بالخفاء؟
6. الإبهام
اولاً : إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)
في قوله تعالى «لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً» وهو فن رفيع ينطوي على الكثير من جلائل المعاني ودقائقها وهو ضد الإيجاز وضد الاطناب وحدّه أن يأتي المتكلم الى المعنى الواحد الذي يمكنه الدلالة عليه باللفظ القليل فيدل عليه باللفظ الكثير لا لقصد إفهام البليد وسماع البعيد ولا للتقرير والتوكيد، بل للاتيان بمعنى يتشعب إلى عدة أمور كل واحد منها مستقل المفهومية فقد قال لعلي آتيكم منها بقبس ولم يبت في الأمر لئلا يعد ما ليس بمستيقن من الوفاء به وما أجملها حكمة تكون درسا للذين يكيلون الوعود جزافا ولا يفكرون في الوفاء بها ثم قال لعلي أجد على النار هدى وهذا يحتوي على معنى آخر ثم يتشعب فالهداية هي المعنى الرئيسي ثم ان الهداية قد تكون بالنار نفسها بخاصة الاضاءة الكامنة فيها وإما بواسطة القوم الذين يقومون بإيقادها ويفهم من هذا ضمنا أنه ضل مع أهله الذين يرافقونه وهم امرأته بنت شعيب وقد ولدت في الطريق ابنا في ليلة شاتية مظلمة باردة وقيل مثلجة فلما أسقط في يده آنس النار فقال ما قال ثم قد يقصد بالهداية معناها المجازي الآخر أي لعلي أهتدي بنور العلم لأن أفكار الأبرار مغمورة بالهمم فتبارك قائل هذا الكلام.
ثانياً: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)
الإبهام : هو فن عجيب يقول فيه المتكلم كلاما يحتمل معنيين متغايرين لا يتميز أحدهما عن الآخر فكلمة أخفيها أولا تعني أمورا منها:
آ- أي أكاد أخفيها فلا أقول هي آتية لفرط إرادتي إخفاءها ولولا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللطف لما أخبرت به.
ب- أكاد أخفيها عن نفسي.
ثم انه جاء في بعض اللغات أخفاه بمعنى خفاه فهي من الأضداد أي أكاد أظهرها لقرب وقتها وبه فسر قول امرئ القيس:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
أي إن تكتموا الضغائن التي بيننا نكتمها نحن أيضا ولا نظهرها.
على أن أحسن محامل الآية الكريمة هو أن يكون المراد أكاد أزيل خفاءها أي أظهرها إذ الخفاء الغطاء وهو أيضا ما تجعله المرأة فوق نيابها يسترها ثم تقول العرب أخفيته إذا أزلت خفاءه كما تقول أشكيته وأعتبته إذا أزلت شكايته وعتبه.
7. التلفيف
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)
في قوله تعالى «وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى» الى آخر ما أجاب به موسى صلوات الله عليه من الاجوبة الاربعة فن طريف لم يرد ذكره حتى الآن وهو فن التلفيف، وحدّه إخراج الكلم مخرج التعليم بحكم أو أدب لم يرد المتكلم ذكره وانما قصد ذكر حكم خاص داخل في عموم الحكم المذكور الذي صرح بتعليمه. وهذا التعريف المطول نعتقد أنه يحتاج الى بيان وهو أن يسأل السائل عن حكم هو نوع من أنواع جنس تدعو الحاجة الى بيانها كلها أو أكثرها فيعدل المسئول عن الجواب الخاص عما سئل عنه من تبيين ذلك النوع ويجيب بجواب عام يتضمن الإبانة على الحكم المسئول عنه وعن غيره بدعاء الحاجة الى بيانه فقول موسى جوابا عن سؤال الله تعالى له «هِيَ عَصايَ»
هو الجواب الحقيقي للسؤال ثم قال: «أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى» فأجاب عن سؤال مقدر كأنه توهم أن يقال له: وما تفعل بها؟ فقال معددا منافعها ولم يقع ذلك من موسى عليه السلام إلا لأمور ثلاثة:
آ- بغية الشكر لله تعالى الذي رزقه تلك العصا التي وجد فيها من المآرب ما لا يوجد في مثلها.
ب- ان المقام مقام خطاب الحبيب وهو يقتضي البسط والإسهاب.
ح- تعظيم مساءلة ربه له عن منافعها فابتدأه بالجواب عن السؤال المقدر قبل وقوعه أدبا مع ربه.
والواقع أن السؤال إذا كان واردا على شيء ظاهر فذلك السؤال إنما يتوجه الى أمر يتعلق به بحسب مقتضى الحال وإلا كان عبثا لظهوره كما إذا سألت شخصا عن لبس ثياب السفر بقولك: ما هذا الثوب؟
فإنك لا تسأل عن نفس الثوب وما هيته بل إنما سألت عن سبب لبسه فكأنك قلت: ما سبب عزيمتك؟ فجواب اللابس حينئذ أن يقول:
أريد سفر كذا ولو أجاب بأنه كتان مثلا عدّ لاغيا فكذلك هاهنا لما كان السؤال عن أمر ظاهر فيكون متوجها الى ما يتعلق بالعصا من منافعها فكأنه قال: ما تفعل بما في يمينك با موسى؟ فلذلك قال: هي عصاي أتوكأ عليها ... الآية فإن قلت: لو كان قوله تعالى: وما تلك بيمينك سؤالا عما لا يتعلق بالعصا فكان حقّ الجواب أن بقول: أريد أن أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولكان قوله: هي عصاي ضائعا غير مطابق للسؤال كما في السؤال عن نبس السفر.
قلت: هذا السؤال وإن كان عما يتعلق بالعصا لكنه تعالى لما علم أنه سيرد عليها الصورة الثعبانية عند سحر السحرة وكان ذلك مقام أن يخاف موسى بمشاهدة الصورة المنكرة التي ليس يعهدها فأراد تثبيت ماهيتها وعوارضها في نفسه لئلا يدهش عند ورودها عليه فلذلك قال: ما تلك ليجيب عن ماهيتها أيضا كما يجيب عن منافعها لزيادة التثبيت فحاصل معنى الجواب حينئذ هي عصاي أعرفها بالذات والعوارض وإن صورتها مقررة في نفسي لا تنفع إلا منافع أمثالها فإني قديما أتوكأ عليها وأهش بها على عنمي ولي فيها مآرب أخرى.
واختار «تلك» مع قرب المشار اليه إما لتحقيره بالنسبة الى جناب كبريائه أو للتعظيم لاشتمالها على الأمور العجيبة والمنافع الكثيرة.
8. الاستفهام التقريري
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)
فإن الله سبحانه عالم بما بيمينه وإنما أراد أن يقر موسى ويعترف بكونها عصا ويزداد علمه بما يمنحه الله في عصاه فلا يعتريه شك إذا قلبها الله ثعبانا بل يعرف أن ذلك كائن بقدرة الله وانه هين عليه يسير.
9. الاستعارة المكنية:
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)
في قوله «وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ» الجناح معروف وقيل لكل ناحيتين جناحان كجناحي العسكر، وجناحا الإنسان جنباه والأصل المستعار منه جناحا الطائر سميا جناحين لأنه يجنحهما عند الطيران أي يميلها والمراد الى جنبك تحت العضد دل على ذلك قوله تخرج.
10. الكناية
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)
وفي قوله «تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ» فن الاحتراس وقد تقدم ذكره والسوء الرداءة والقبح في كل شيء فكني به عن البرص كما كنى عن العورة بالسوءة وكان جذيمة بن الوضاح أبرص فكنوا عنه بالأبرش لأن البرص أبغض شيء الى العرب وبهم عنه نفرة عنبسة فكان جديرا أن يكنى عنه ولا أحسن ولا ألطف من كنايات القرآن كما يأتي ولو أنه لم يذكر من غير سوء لتوهم أن البياض قد ازداد حتى صار برصا فأتى بقوله من غير سوء دفعا لذلك التوهم.
الموضوع تم تحقيقه من كتاب : « إعراب القرآن وبيانه »
المؤلف : محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش (المتوفى : 1403هـ)
الناشر : دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
الطبعة : الرابعة ، 1415 هـ
عدد المجلدات : 10
قام عليه ونسقه
زياد أبو رجائي
منقول
الشيخ محيي الدين درويش
. الاستعارة المكنية:
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)
في قوله تعالى «وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً» شبّه الشيب بشواظ النار في بياضه وإثارته وانتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه منه كل مأخذ ثم أخرجه مخرج الاستعارة المكنية وأسند الاشتعال الى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس وأخرج الشيب مميزا ولم يضف الرأس أي لم يقل رأسي اكتفاء بعلم المخاطب انه رأس زكريا.
2. الإيجاز
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)
في قوله تعالى «أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ» فظاهر الكلام يوهم أنه استبعد ما وعده الله عز وجل بوقوعه ولا يجوز لأحد بله النبي النطق بما لا يسوغ أو بما في ظاهره الإيهام فجاء الكلام موجزا وتقديره هل تعاد لنا قوتنا وشبابنا فنرزق بغلام؟ أو هل يكون الولد لغير الزوجة العاقر؟ وإذن فالمستبعد هو مجيء الولد منهما بحالهما ولكن الجواب أزال الاشكال إذ قيل له سيكون لكما الولد وأنتما بحالكما.
3. المديح بما يشبه الذم
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)
في قوله تعالى «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً» فن رفيع من فنون البلاغة وهو توكيد المدح بما يشبه الذم وينقسم الى نوعين:
آ- أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح لذلك الشيء بتقدير دخولها في صفة الذم المنفية ومنه قول النابغة الذبياني:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
فقد جعل الفلول عيبا على سبيل التجوز بتا لنفي العيب بالكلية كأنه يقول: إن كان فلول السيف من القراع عيبا فانهم ذوو عيب معناه إن لم يكن عيبا فليس فيهم عيب البتة لأنه لا شيء سوى هذا فهو بعد هذا التجوز والفرض استثناء متصل.
ب- ان تثبت لشيء صفة مدح وتعقب ذلك بأداة استثناء يليها صفة مدح أخرى لذلك الشيء نحو: أنا أفصح العرب بيد أني من قريش وقال النابغة أيضا:
فتى كملت أوصافه غير أنه ... جواد فما يبقي على المال باقيا
وأصل الاستثناء في هذا الضرب أن يكون منقطعا لكنه لم يقدّر متصلا بل بقي على حاله من الانقطاع لأنه ليس في هذا الضرب صفة ذم منفية عامة يمكن تقدير دخول صفة المدح فيها فحينئذ لا يستفاد التوكيد فيه إلا من الوجه الثاني من الوجهين المذكورين في الضرب الاول ولهذا كان الضرب الاول أبلغ لإفادته التأكيد من الوجهين.
إذا عرفت هذا فاعلم أن في الآية الكريمة: «لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما» ثلاثة أوجه:
آ- أن يكون معناه إن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة لغوا فلا يسمعون لغوا إلا ذلك وهو بهذا من وادي قول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
ب- انهم لا يسمعون فيها إلا قولا يسلمون فيه من العيب والنقيصة وهذا يتعين فيه الاستثناء المنقطع.
ج- ان معنى السلام هو الدعاء بالسلامة وهي دار السلامة وأهلها أغنياء عن الدعاء بالسلامة فكان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الإكرام، ففي الوجه الاول والثالث يتعين الاتصال في الاستثناء أما الأول فلجعل ذلك لغوا على سبيل التجوز والفرض وأما الثاني فواضح لأنه فيه اطلاق اللغو على السلام وأما الثالث فلحمل الكلام على ظاهره من دون تجوز أو فرض.
4. التشبيه التمثيلي البليغ
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63)
في قوله تعالى «تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا» فقد شبه عطاء الجنة لهم بالعطاء الذي لا يرد وهو الميراث الذي يرثه الوارث فلا يرجع فيه المورث أي نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه والوارثة أقوى لفظ يستعمل في التمليك والاستحقاق من حيث أنها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع ولا تبطل برد ولا إسقاط والإرث في اللغة البقاء، قال عليه الصلاة والسلام: «إنكم على إرث من إرث أبيكم ابراهيم» أي على بقية من بقايا شريعته والوارث الباقي من أسماء الله تعالى أي الباقي بعد فناء خلقه وهو في الشرع انتقال مال الغير الى الغير على سبيل الخلافة.
5. الاستعارة المكنية
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)
فقد شبه الغيب المجهول الملثم بالاسرار بجبل شامخ الذرا لا يرقى الطير الى مداه فهو مجهول تتحطم عليه آمال الذين يريدون استشفاف آفاقه وادراك تهاويله ثم حذف الجبل أي المشبه به وأخذ شيئا من خصائصه ولوازمه وهو الاطلاع والارتقاء واستشراف مغيباته والغرض من هذه الاستعارة السخرية البالغة كأنه يقول أو بلغ هذا مع حقارته وتفاهة أمره وصغار شأنه أن ارتقى الى الغيب المحجب بالاسرار المطلسم بالخفاء؟
6. الإبهام
اولاً : إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)
في قوله تعالى «لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً» وهو فن رفيع ينطوي على الكثير من جلائل المعاني ودقائقها وهو ضد الإيجاز وضد الاطناب وحدّه أن يأتي المتكلم الى المعنى الواحد الذي يمكنه الدلالة عليه باللفظ القليل فيدل عليه باللفظ الكثير لا لقصد إفهام البليد وسماع البعيد ولا للتقرير والتوكيد، بل للاتيان بمعنى يتشعب إلى عدة أمور كل واحد منها مستقل المفهومية فقد قال لعلي آتيكم منها بقبس ولم يبت في الأمر لئلا يعد ما ليس بمستيقن من الوفاء به وما أجملها حكمة تكون درسا للذين يكيلون الوعود جزافا ولا يفكرون في الوفاء بها ثم قال لعلي أجد على النار هدى وهذا يحتوي على معنى آخر ثم يتشعب فالهداية هي المعنى الرئيسي ثم ان الهداية قد تكون بالنار نفسها بخاصة الاضاءة الكامنة فيها وإما بواسطة القوم الذين يقومون بإيقادها ويفهم من هذا ضمنا أنه ضل مع أهله الذين يرافقونه وهم امرأته بنت شعيب وقد ولدت في الطريق ابنا في ليلة شاتية مظلمة باردة وقيل مثلجة فلما أسقط في يده آنس النار فقال ما قال ثم قد يقصد بالهداية معناها المجازي الآخر أي لعلي أهتدي بنور العلم لأن أفكار الأبرار مغمورة بالهمم فتبارك قائل هذا الكلام.
ثانياً: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)
الإبهام : هو فن عجيب يقول فيه المتكلم كلاما يحتمل معنيين متغايرين لا يتميز أحدهما عن الآخر فكلمة أخفيها أولا تعني أمورا منها:
آ- أي أكاد أخفيها فلا أقول هي آتية لفرط إرادتي إخفاءها ولولا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللطف لما أخبرت به.
ب- أكاد أخفيها عن نفسي.
ثم انه جاء في بعض اللغات أخفاه بمعنى خفاه فهي من الأضداد أي أكاد أظهرها لقرب وقتها وبه فسر قول امرئ القيس:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
أي إن تكتموا الضغائن التي بيننا نكتمها نحن أيضا ولا نظهرها.
على أن أحسن محامل الآية الكريمة هو أن يكون المراد أكاد أزيل خفاءها أي أظهرها إذ الخفاء الغطاء وهو أيضا ما تجعله المرأة فوق نيابها يسترها ثم تقول العرب أخفيته إذا أزلت خفاءه كما تقول أشكيته وأعتبته إذا أزلت شكايته وعتبه.
7. التلفيف
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)
في قوله تعالى «وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى» الى آخر ما أجاب به موسى صلوات الله عليه من الاجوبة الاربعة فن طريف لم يرد ذكره حتى الآن وهو فن التلفيف، وحدّه إخراج الكلم مخرج التعليم بحكم أو أدب لم يرد المتكلم ذكره وانما قصد ذكر حكم خاص داخل في عموم الحكم المذكور الذي صرح بتعليمه. وهذا التعريف المطول نعتقد أنه يحتاج الى بيان وهو أن يسأل السائل عن حكم هو نوع من أنواع جنس تدعو الحاجة الى بيانها كلها أو أكثرها فيعدل المسئول عن الجواب الخاص عما سئل عنه من تبيين ذلك النوع ويجيب بجواب عام يتضمن الإبانة على الحكم المسئول عنه وعن غيره بدعاء الحاجة الى بيانه فقول موسى جوابا عن سؤال الله تعالى له «هِيَ عَصايَ»
هو الجواب الحقيقي للسؤال ثم قال: «أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى» فأجاب عن سؤال مقدر كأنه توهم أن يقال له: وما تفعل بها؟ فقال معددا منافعها ولم يقع ذلك من موسى عليه السلام إلا لأمور ثلاثة:
آ- بغية الشكر لله تعالى الذي رزقه تلك العصا التي وجد فيها من المآرب ما لا يوجد في مثلها.
ب- ان المقام مقام خطاب الحبيب وهو يقتضي البسط والإسهاب.
ح- تعظيم مساءلة ربه له عن منافعها فابتدأه بالجواب عن السؤال المقدر قبل وقوعه أدبا مع ربه.
والواقع أن السؤال إذا كان واردا على شيء ظاهر فذلك السؤال إنما يتوجه الى أمر يتعلق به بحسب مقتضى الحال وإلا كان عبثا لظهوره كما إذا سألت شخصا عن لبس ثياب السفر بقولك: ما هذا الثوب؟
فإنك لا تسأل عن نفس الثوب وما هيته بل إنما سألت عن سبب لبسه فكأنك قلت: ما سبب عزيمتك؟ فجواب اللابس حينئذ أن يقول:
أريد سفر كذا ولو أجاب بأنه كتان مثلا عدّ لاغيا فكذلك هاهنا لما كان السؤال عن أمر ظاهر فيكون متوجها الى ما يتعلق بالعصا من منافعها فكأنه قال: ما تفعل بما في يمينك با موسى؟ فلذلك قال: هي عصاي أتوكأ عليها ... الآية فإن قلت: لو كان قوله تعالى: وما تلك بيمينك سؤالا عما لا يتعلق بالعصا فكان حقّ الجواب أن بقول: أريد أن أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولكان قوله: هي عصاي ضائعا غير مطابق للسؤال كما في السؤال عن نبس السفر.
قلت: هذا السؤال وإن كان عما يتعلق بالعصا لكنه تعالى لما علم أنه سيرد عليها الصورة الثعبانية عند سحر السحرة وكان ذلك مقام أن يخاف موسى بمشاهدة الصورة المنكرة التي ليس يعهدها فأراد تثبيت ماهيتها وعوارضها في نفسه لئلا يدهش عند ورودها عليه فلذلك قال: ما تلك ليجيب عن ماهيتها أيضا كما يجيب عن منافعها لزيادة التثبيت فحاصل معنى الجواب حينئذ هي عصاي أعرفها بالذات والعوارض وإن صورتها مقررة في نفسي لا تنفع إلا منافع أمثالها فإني قديما أتوكأ عليها وأهش بها على عنمي ولي فيها مآرب أخرى.
واختار «تلك» مع قرب المشار اليه إما لتحقيره بالنسبة الى جناب كبريائه أو للتعظيم لاشتمالها على الأمور العجيبة والمنافع الكثيرة.
8. الاستفهام التقريري
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)
فإن الله سبحانه عالم بما بيمينه وإنما أراد أن يقر موسى ويعترف بكونها عصا ويزداد علمه بما يمنحه الله في عصاه فلا يعتريه شك إذا قلبها الله ثعبانا بل يعرف أن ذلك كائن بقدرة الله وانه هين عليه يسير.
9. الاستعارة المكنية:
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)
في قوله «وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ» الجناح معروف وقيل لكل ناحيتين جناحان كجناحي العسكر، وجناحا الإنسان جنباه والأصل المستعار منه جناحا الطائر سميا جناحين لأنه يجنحهما عند الطيران أي يميلها والمراد الى جنبك تحت العضد دل على ذلك قوله تخرج.
10. الكناية
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)
وفي قوله «تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ» فن الاحتراس وقد تقدم ذكره والسوء الرداءة والقبح في كل شيء فكني به عن البرص كما كنى عن العورة بالسوءة وكان جذيمة بن الوضاح أبرص فكنوا عنه بالأبرش لأن البرص أبغض شيء الى العرب وبهم عنه نفرة عنبسة فكان جديرا أن يكنى عنه ولا أحسن ولا ألطف من كنايات القرآن كما يأتي ولو أنه لم يذكر من غير سوء لتوهم أن البياض قد ازداد حتى صار برصا فأتى بقوله من غير سوء دفعا لذلك التوهم.
الموضوع تم تحقيقه من كتاب : « إعراب القرآن وبيانه »
المؤلف : محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش (المتوفى : 1403هـ)
الناشر : دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
الطبعة : الرابعة ، 1415 هـ
عدد المجلدات : 10
قام عليه ونسقه
زياد أبو رجائي
منقول
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع