نحري دون نقابي
عضو
- إنضم
- 1 مايو 2011
- المشاركات
- 21
- النقاط
- 1
- الإقامة
- المنصورة
- الموقع الالكتروني
- www.way2allah.com
- احفظ من كتاب الله
- أختمه بفضل الله تعالى
- احب القراءة برواية
- حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- محمود الحصري-محمود البنا-محمد صديق المنشاوي-عبدالباسط عبدالصمد
- الجنس
- أخت
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
واجب الحلقة الأولي
التعريف بالإمام النَّوَوِيِّ[1]:
اسمه: هو يحيى بن شرف بن مُرِّيِّ بن حسن بن حسين بن محمد جمعة بن حِزام.
نسبته: (النَّوَوِيُّ) إلى نَوَى، وهي قاعِدة الجولان من أرض حُوران من أعمال دمشق، فهو الدمشقي أيضًا، خصوصًا وقد أقام الشيخ بدمشق نحوًا من ثمانٍ وعشرين سنة[2]، فهو النَّوَوِيُّ مولدًا، والدمشقيُّ[3] إقامةً، والشافعي مذهبًا، والحزامي قبيلة، والسني مُعتَقَدًا.
لقبه: لُقِّب بمحيي الدين - مع كراهته له[4] - لأنَّ تلك الألقاب كانت مُتداوَلة في عصره، ومع ذلك كان يَكرَه ذلك اللقب.
كنيته: أبو زكريَّا، مع أنَّه من العُلَماء العزَّاب، الذين آثَرُوا العلم على الزواج؛ وإنما كُنِّي لأنَّ ذلك من السُّنَّة، وهو أن يكنى المسلم ولو لم يتزوَّج، أو لم يولد له، أو حتى لو كان صغيرًا، وقد قالت السيدة عَائِشَةُ - رضِي الله عنها - للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: يا رسول الله، كلُّ نسائك لها كنية غيري، فقال لها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اكتَنِي أنت أم عبدالله))، فكان يُقال لها: أم عبدالله، حتى ماتت ولم تلد قطُّ، (يعني: ابن الزبير ابن أختها أسماء - رضِي الله عنهم)؛ أخرَجَه الإمام أحمد في "مسنده"، وصحَّحه الشيخ الألباني.
وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أنس - رضِي الله عنه - قال: كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحسن الناس خُلقًا، وكان لي أخٌ يُقال له: أبو عمير - قال: أحسبه فطيم - وكان إذا جاء قال: ((يا أبا عُمَير، ما فعل النُّغَير؟))، نغر[5] كان يلعب به؛ يُداعِبه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمَّا مات الطائر الذي كان يلعب به.
البيئة التي نشَأ فيها: نشَأ تحت كنف والده، وكان مستور الحال؛ فكان يعمل في دكان أبيه مدَّة، وكان الأطفال يُكْرِهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي ويقرأ القرآن الكريم، فرآه الشيخ ياسين - رحمه الله تعالى - وكان من صالحي ذلك الزمان، وهو على هذه الحالة، فقال للذي يعلِّمه القرآن الكريم وأوصاه به وقال له: هذا الصبي يُرجَى أن يكون أعلم أهلِ زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال له المعلِّم: مُنَجِّم أنت؟! فقال: لا؛ وإنما أنطقني الله - تعالى - بذلك، فذكَر ذلك لوالده، فحَرَصَ عليه إلى أنْ ختَم القرآن الكريم وقد ناهَز الاحتلام.
ثم قَدِمَ به أبوه إلى دمشق، وكانت آنذاك مَحَطَّ العُلَماء وطلبة العلم، وكان عمره (19) سنة، فسَكَن المدرسة الروَاحِيَّة، وقد قال الإمام النَّوَوِيُّ نفسه: "وبقيت نحو سنتين لا أضع جنبي بالأرض، وأتقوَّت بجِرَاية[6] المدرسة".
دراسته وهو صغير: ذكَر الإمام ابن العطار[7] - وهو التلميذ النجيب للإمام النَّوَوِيِّ - أنَّ شيخه حكَى له عن نفسه أنه كان يقرأ كل يوم (12) درسًا على مشايخه شرحًا وتصحيحًا.
وقال: وكنت أعلِّق جميع ما يتعلَّق بها من شَرْح مُشْكِلٍ، ووضوح عبارة، وضبط لغة، وبارك الله - تعالى - لي في وقتي.
ثم إنَّه أراد تعلُّم المنطق فأظلَم قلبه، فترَكَه - رحمه الله تعالى.
حرصه على وقته: كان الإمام النَّوَوِيُّ لا يضيع وقتًا لا في ليلٍ ولا في نهار، حتى إنه في ذهابه في الطريق وإيابه يشتَغِل في تكرار محفوظاته أو مطالعة، ثم أدَّى فريضة الحج مع والده، وكان عمره لم يتجاوَز اثنين وعشرين عامًا.
عبادته: كان كثيرَ العِبادة من الصلاة والصوم والذِّكر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإفادة والتعليم والتأليف.
زهده وورعه: وصَفَه كلُّ مَن رآه بأنَّه زاهد في الدنيا، مُقبِل على الآخرة، كثير التحرِّي والانجماح عن الناس، وكان يصوم الدهر، ولا يجمع بين إدامين، وكان لا يأكل من فاكهة دمشق؛ لأنها كثيرة الأوقاف لِمَن هو تحت الحَجْر شرعًا، وكان يقبَل من الفقير ويردُّ الغني، ولمَّا جاء المرسوم السلطاني بوُجُوب الإنفاق على الجند ذهَب الناس إلى الإمام النَّوَوِيِّ وشَكَوْا إليه، فأرسَل رسالةً إلى السلطان ابتدَأَها ببيان حقِّ الراعي والرعية، ثم حثَّه على الالتِزام بالشريعة، ونهاه عن هذا الفعل، فغَضِب السلطان وأمَر المسؤولين أن يعزلوا هذا الشيخ ويمنعوه راتبه، فتلطَّفوا له قائلين له: إنَّه لا يَتعاطَى راتبًا، وليس له منصب.
صفته: كان أسمرَ، كثَّ اللحية، رَبْعَةً، مَهِيبًا، قليل الضحك، عديم اللعب، يقول الحق ولا يخشى في الله - تعالى - لومة لائم، وفي بحثه مع الفُقَهاء تعلوه السكينة.
عُزُوفُه عن الزواج وسببه: الإمام النَّوَوِيُّ من العُلَماء الذين آثَرُوا العلم والعبادة على الزواج، فهذان الأمران جعَلا الإمامَ النَّوَوِيَّ وكثيرًا من كِبار العُلَماء من صالحي هذه الأمَّة كالإمامين: النَّوَوِيِّ وابْنِ تَيْمِيَّةَ[8] وغيرهما[9] يَعزفون عن الزواج لا رغبة عنه ورهبنة؛ بل تُعتَبَر مثل "حالهم هذه - والله أعلم - أنها مسلك شخصي فردي اختاروه لأنفسهم مايَزُوا فيه ببصيرتهم الخاصَّة بين خير الزواج وخير العلم الذي يقومون به، فرجَح لديهم خيرُ العلم على خيرِ الزواج لهم، فقدَّموا مطلوبًا على مطلوب، ولم يدعوا أحدًا من الناس إلى الاقتِداء بهم في هذا المسلك، ولا قالوا للناس: التبتُّل للعلم أفضَل من الزواج، ولا ما نحن عليه أفضل ممَّا أنتم عليه"[10]؛ بل إنهم تركوا الزواج وهم عالِمون بأحكامه، وبما دلَّتْ عليه الشريعة، ولهم من العلم ما يَرْقَى بهم ويسمو عن أن يفعلوا شيئًا جاهِلين بأحكامه، وكيف يكون هذا ولهم في مصنَّفاتهم كلامٌ رَصِين مَتِين موزون أبانوا فيه أحكامَه الشرعيَّة؛ بل تكلَّموا على سائِر الموضوعات التي لها علاقة بالزواج، سواء من قريب أو من بعيد، بمعرفة فاحصة وعلم غزير، وفهم ثاقب مُستَنِير، ويشهد لذلك كلامُه وفَتاواه المُتناثِرة في كتبه، والتي يتداولها العُلَماء بإكبار.
مؤلفاته: لقد بارَك الله - تعالى - في عمر الإمام النَّوَوِيِّ ووقته؛ فمع أن عمره (45) سنة إلا أنَّه ترك مؤلَّفات سارَتْ بها الرُّكبان في حياته وبعد مَماتِه، وأصبَحت مَراجِع غنيَّة، ومَصادِر ثريَّة، ينهل منها العُلَماء وطلبة العلم والعامَّة، ولا تَكاد تجد عالمًا أو طالب علم بعدَ الإمام النَّوَوِيِّ - إلا ما شاء الله تعالى - إلا وقد استَفاد من مؤلفات الإمام النَّوَوِيِّ بواسطة وبغير واسطة، وهذه إحدى كرامات هذا الإمام الجليل، إضافةً إلى ما امتنَّ الله - تعالى - عليه من كَرامات كثيرات؛ منها: ما تمنَّاه الإمام النَّوَوِيُّ حين قال[11]: "اللهم أَقِمْ لدينك رجلاً يكسر العمود المُخَلَّق، ويخرب القبر الذي في جيرون"، واستَجاب الله - تعالى - دعاءَه بشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وقد قال شرف الدين[12]: "فهذا من كَرامات الشيخ محيي الدين، فكسرناه - ولله الحمد - وما أَصاب الناس من ذلك إلا الخير، والحمد لله وحدَه".
أمَّا كُتُبه، فمنها ما يلي:
أولاً: في الاعتِقاد: ويتمثَّل ذلك فيما يلي:
• الإمام النَّوَوِيّ ذكَر مُعتَقد أهل السنة والجماعة في آيات وأحاديث الصِّفات، وأحيانًا يذكر معهم قول الخَلَف، لكنَّه في آخر عمره ألَّف رسالة صغيرة في إثبات كلام الله - تعالى - وردَّ بها على الأشاعرة ومَن مشى في رِكابهم، أو تعلَّق بفلكهم، أو لَفَّ لَفَّهم، وهي رسالةٌ موسومة بـ"جزء فيه ذكر اعتِقاد السلف في الحروف والأصوات"، والذي يدلُّ على سلفيَّته العَقَدِيَّة - وهو ما نَدِين الله تعالى به - ما يلي:
1- رسالته السابقة في إثبات صفات الرحمن والرد على الأشاعرة.
2- تكلُّمه بإسهاب في شرحه لصحيح الإمام مسلم، وكان كثيرًا ما يذكر قول السلف والخَلَف ولا يُرَجِّح، وكذلك في سائر كتبه وفتاواه متناثرًا؛ وعدم ترجيحه يعود إلى أمور، منها:
أ - أنَّ شرحه كان مُنصَبًّا على فقه الحديث خاصَّة.
ب- أنه كان ينقل من شرحي الإمامين الجليلين القاضي عِيَاض[13]، ومن شرح الإمام المازَرِي[14] على "صحيح الإمام مسلم"، فكثيرٌ من الأقوال كانت نقلاً لا ابتداءً، وكان هو فيها ناقلاً وليس بقائل، وأنه لم يتفرَّغ لتحقيق المسائل العقدية - رحمه الله تعالى.
جـ- أنَّ عقيدة الأشاعرة كانت هي الغالبة في عصره.
د- أنَّه أراد وضْع خُلاصَة مُعتَقدِه في نهاية عمره (الذي لم يتجاوَز الـ45 سنة)، فكتَب الرسالة السابقة، ثم عاجلَتْه المَنِيَّة بعد ذلك - رحمه الله تعالى.
ثانيًا: في الحديث الشريف وعلومه: ويتمثَّل ذلك فيما يلي:
1- "شرح صحيح الإمام مسلم"، وهو المعروف بـ"المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج".
2- "الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار - صلَّى الله عليه وسلَّم".
3- "رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين - صلَّى الله عليه وسلَّم".
4- "الأربعون حديثًا النَّوَوِيَّة"، وهو الذي نحن بصدد الحديث عنه إن شاء الله تعالي.
5- "التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير - صلَّى الله عليه وسلَّم"، وهو اختِصار لكتاب "الإرشاد" الذي هو مختصر كتاب "علوم الحديث"؛ للإمام أبي عمرو بن الصلاح.
6- "إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق - صلَّى الله عليه وسلَّم"، وهو اختِصار كتاب "معرفة علوم الحديث"؛ للإمام أبي عمرو بن الصلاح.
7- "الإرشاد إلى بيان الأسماء المبهمات"، وهو اختِصار كتاب "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة"؛ للإمام الخطيب البغدادي.
8- "الخلاصة في أحاديث الأحكام"، وصَل فيه إلى الزكاة.
9- "شرح سنن أبي داود"، وصَل فيه إلى الوضوء.
10- "التلخيص شرح صحيح الإمام البخاري"، وصَل فيه إلى العلم.
11- "الإملاء على حديث إنما الأعمال بالنيات".
ثالثًا: في الفقه: ويتمثَّل ذلك فيما يلي:
1 - "روضة الطالبين"، وهو اختصار "الشرح الكبير"؛ للإمام الرافعي في الفقه الشافعي.
2 - "منهاج الطالبين"، وهو اختصار "للمُحَرَّر"؛ للإمام الرافعي مع الزيادة عليه بفرائد حسان.
3 - "الإيضاح في المناسك".
4 - "المجموع شرح المهذب للإمام الشِّيرازي"، وصَل فيه إلى الربا.
5 - فتاوى الإمام النَّوَوِيِّ المعروفة بـ"المنثورات" من جمع تلميذه الإمام ابن العطار، وهي دليلٌ على مرتبة الاجتِهاد المُطلَق التي وصَل إليها الإمام النَّوَوِيُّ؛ حيث إنَّه كان يُفتِي فيها بما ترجَّح له دليلُه.
6 - جزءٌ لطيف في الترخيص في الإكرام بالقِيَام، واسمه: "الترخيص بالقِيَام لِذَوِي الفضل والمزيَّة من أهل الإسلام".
رابعًا: في اللغة:
1 - "تهذيب الأسماء واللغات".
2 - "التحرير في ألفاظ التنبيه".
3 - ما تَناثَر في كتبه من تحقيقات علميَّة بديعة كـ"المجموع"، و"شرحه لصحيح الإمام مسلم"، وآخر "التبيان".
خامسًا: في علوم القرآن:
1 - "التبيان في آداب حملة القرآن".
2 - كلامه المتعلِّق بعلوم القرآن الكريم في كتبه.
سادسًا: في الزهد: إضافةً إلى سِيرَته العَطِرَة له: "بُستان العارفين".
وفاته: توفي الإمام النَّوَوِيُّ سنة ست وسبعين وسِتِّمائة من الهجرة عن خمس وأربعين سنة - رحمه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
واجب الحلقة الأولي
التعريف بالإمام النَّوَوِيِّ[1]:
اسمه: هو يحيى بن شرف بن مُرِّيِّ بن حسن بن حسين بن محمد جمعة بن حِزام.
نسبته: (النَّوَوِيُّ) إلى نَوَى، وهي قاعِدة الجولان من أرض حُوران من أعمال دمشق، فهو الدمشقي أيضًا، خصوصًا وقد أقام الشيخ بدمشق نحوًا من ثمانٍ وعشرين سنة[2]، فهو النَّوَوِيُّ مولدًا، والدمشقيُّ[3] إقامةً، والشافعي مذهبًا، والحزامي قبيلة، والسني مُعتَقَدًا.
لقبه: لُقِّب بمحيي الدين - مع كراهته له[4] - لأنَّ تلك الألقاب كانت مُتداوَلة في عصره، ومع ذلك كان يَكرَه ذلك اللقب.
كنيته: أبو زكريَّا، مع أنَّه من العُلَماء العزَّاب، الذين آثَرُوا العلم على الزواج؛ وإنما كُنِّي لأنَّ ذلك من السُّنَّة، وهو أن يكنى المسلم ولو لم يتزوَّج، أو لم يولد له، أو حتى لو كان صغيرًا، وقد قالت السيدة عَائِشَةُ - رضِي الله عنها - للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: يا رسول الله، كلُّ نسائك لها كنية غيري، فقال لها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اكتَنِي أنت أم عبدالله))، فكان يُقال لها: أم عبدالله، حتى ماتت ولم تلد قطُّ، (يعني: ابن الزبير ابن أختها أسماء - رضِي الله عنهم)؛ أخرَجَه الإمام أحمد في "مسنده"، وصحَّحه الشيخ الألباني.
وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أنس - رضِي الله عنه - قال: كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحسن الناس خُلقًا، وكان لي أخٌ يُقال له: أبو عمير - قال: أحسبه فطيم - وكان إذا جاء قال: ((يا أبا عُمَير، ما فعل النُّغَير؟))، نغر[5] كان يلعب به؛ يُداعِبه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمَّا مات الطائر الذي كان يلعب به.
البيئة التي نشَأ فيها: نشَأ تحت كنف والده، وكان مستور الحال؛ فكان يعمل في دكان أبيه مدَّة، وكان الأطفال يُكْرِهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي ويقرأ القرآن الكريم، فرآه الشيخ ياسين - رحمه الله تعالى - وكان من صالحي ذلك الزمان، وهو على هذه الحالة، فقال للذي يعلِّمه القرآن الكريم وأوصاه به وقال له: هذا الصبي يُرجَى أن يكون أعلم أهلِ زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال له المعلِّم: مُنَجِّم أنت؟! فقال: لا؛ وإنما أنطقني الله - تعالى - بذلك، فذكَر ذلك لوالده، فحَرَصَ عليه إلى أنْ ختَم القرآن الكريم وقد ناهَز الاحتلام.
ثم قَدِمَ به أبوه إلى دمشق، وكانت آنذاك مَحَطَّ العُلَماء وطلبة العلم، وكان عمره (19) سنة، فسَكَن المدرسة الروَاحِيَّة، وقد قال الإمام النَّوَوِيُّ نفسه: "وبقيت نحو سنتين لا أضع جنبي بالأرض، وأتقوَّت بجِرَاية[6] المدرسة".
دراسته وهو صغير: ذكَر الإمام ابن العطار[7] - وهو التلميذ النجيب للإمام النَّوَوِيِّ - أنَّ شيخه حكَى له عن نفسه أنه كان يقرأ كل يوم (12) درسًا على مشايخه شرحًا وتصحيحًا.
وقال: وكنت أعلِّق جميع ما يتعلَّق بها من شَرْح مُشْكِلٍ، ووضوح عبارة، وضبط لغة، وبارك الله - تعالى - لي في وقتي.
ثم إنَّه أراد تعلُّم المنطق فأظلَم قلبه، فترَكَه - رحمه الله تعالى.
حرصه على وقته: كان الإمام النَّوَوِيُّ لا يضيع وقتًا لا في ليلٍ ولا في نهار، حتى إنه في ذهابه في الطريق وإيابه يشتَغِل في تكرار محفوظاته أو مطالعة، ثم أدَّى فريضة الحج مع والده، وكان عمره لم يتجاوَز اثنين وعشرين عامًا.
عبادته: كان كثيرَ العِبادة من الصلاة والصوم والذِّكر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإفادة والتعليم والتأليف.
زهده وورعه: وصَفَه كلُّ مَن رآه بأنَّه زاهد في الدنيا، مُقبِل على الآخرة، كثير التحرِّي والانجماح عن الناس، وكان يصوم الدهر، ولا يجمع بين إدامين، وكان لا يأكل من فاكهة دمشق؛ لأنها كثيرة الأوقاف لِمَن هو تحت الحَجْر شرعًا، وكان يقبَل من الفقير ويردُّ الغني، ولمَّا جاء المرسوم السلطاني بوُجُوب الإنفاق على الجند ذهَب الناس إلى الإمام النَّوَوِيِّ وشَكَوْا إليه، فأرسَل رسالةً إلى السلطان ابتدَأَها ببيان حقِّ الراعي والرعية، ثم حثَّه على الالتِزام بالشريعة، ونهاه عن هذا الفعل، فغَضِب السلطان وأمَر المسؤولين أن يعزلوا هذا الشيخ ويمنعوه راتبه، فتلطَّفوا له قائلين له: إنَّه لا يَتعاطَى راتبًا، وليس له منصب.
صفته: كان أسمرَ، كثَّ اللحية، رَبْعَةً، مَهِيبًا، قليل الضحك، عديم اللعب، يقول الحق ولا يخشى في الله - تعالى - لومة لائم، وفي بحثه مع الفُقَهاء تعلوه السكينة.
عُزُوفُه عن الزواج وسببه: الإمام النَّوَوِيُّ من العُلَماء الذين آثَرُوا العلم والعبادة على الزواج، فهذان الأمران جعَلا الإمامَ النَّوَوِيَّ وكثيرًا من كِبار العُلَماء من صالحي هذه الأمَّة كالإمامين: النَّوَوِيِّ وابْنِ تَيْمِيَّةَ[8] وغيرهما[9] يَعزفون عن الزواج لا رغبة عنه ورهبنة؛ بل تُعتَبَر مثل "حالهم هذه - والله أعلم - أنها مسلك شخصي فردي اختاروه لأنفسهم مايَزُوا فيه ببصيرتهم الخاصَّة بين خير الزواج وخير العلم الذي يقومون به، فرجَح لديهم خيرُ العلم على خيرِ الزواج لهم، فقدَّموا مطلوبًا على مطلوب، ولم يدعوا أحدًا من الناس إلى الاقتِداء بهم في هذا المسلك، ولا قالوا للناس: التبتُّل للعلم أفضَل من الزواج، ولا ما نحن عليه أفضل ممَّا أنتم عليه"[10]؛ بل إنهم تركوا الزواج وهم عالِمون بأحكامه، وبما دلَّتْ عليه الشريعة، ولهم من العلم ما يَرْقَى بهم ويسمو عن أن يفعلوا شيئًا جاهِلين بأحكامه، وكيف يكون هذا ولهم في مصنَّفاتهم كلامٌ رَصِين مَتِين موزون أبانوا فيه أحكامَه الشرعيَّة؛ بل تكلَّموا على سائِر الموضوعات التي لها علاقة بالزواج، سواء من قريب أو من بعيد، بمعرفة فاحصة وعلم غزير، وفهم ثاقب مُستَنِير، ويشهد لذلك كلامُه وفَتاواه المُتناثِرة في كتبه، والتي يتداولها العُلَماء بإكبار.
مؤلفاته: لقد بارَك الله - تعالى - في عمر الإمام النَّوَوِيِّ ووقته؛ فمع أن عمره (45) سنة إلا أنَّه ترك مؤلَّفات سارَتْ بها الرُّكبان في حياته وبعد مَماتِه، وأصبَحت مَراجِع غنيَّة، ومَصادِر ثريَّة، ينهل منها العُلَماء وطلبة العلم والعامَّة، ولا تَكاد تجد عالمًا أو طالب علم بعدَ الإمام النَّوَوِيِّ - إلا ما شاء الله تعالى - إلا وقد استَفاد من مؤلفات الإمام النَّوَوِيِّ بواسطة وبغير واسطة، وهذه إحدى كرامات هذا الإمام الجليل، إضافةً إلى ما امتنَّ الله - تعالى - عليه من كَرامات كثيرات؛ منها: ما تمنَّاه الإمام النَّوَوِيُّ حين قال[11]: "اللهم أَقِمْ لدينك رجلاً يكسر العمود المُخَلَّق، ويخرب القبر الذي في جيرون"، واستَجاب الله - تعالى - دعاءَه بشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وقد قال شرف الدين[12]: "فهذا من كَرامات الشيخ محيي الدين، فكسرناه - ولله الحمد - وما أَصاب الناس من ذلك إلا الخير، والحمد لله وحدَه".
أمَّا كُتُبه، فمنها ما يلي:
أولاً: في الاعتِقاد: ويتمثَّل ذلك فيما يلي:
• الإمام النَّوَوِيّ ذكَر مُعتَقد أهل السنة والجماعة في آيات وأحاديث الصِّفات، وأحيانًا يذكر معهم قول الخَلَف، لكنَّه في آخر عمره ألَّف رسالة صغيرة في إثبات كلام الله - تعالى - وردَّ بها على الأشاعرة ومَن مشى في رِكابهم، أو تعلَّق بفلكهم، أو لَفَّ لَفَّهم، وهي رسالةٌ موسومة بـ"جزء فيه ذكر اعتِقاد السلف في الحروف والأصوات"، والذي يدلُّ على سلفيَّته العَقَدِيَّة - وهو ما نَدِين الله تعالى به - ما يلي:
1- رسالته السابقة في إثبات صفات الرحمن والرد على الأشاعرة.
2- تكلُّمه بإسهاب في شرحه لصحيح الإمام مسلم، وكان كثيرًا ما يذكر قول السلف والخَلَف ولا يُرَجِّح، وكذلك في سائر كتبه وفتاواه متناثرًا؛ وعدم ترجيحه يعود إلى أمور، منها:
أ - أنَّ شرحه كان مُنصَبًّا على فقه الحديث خاصَّة.
ب- أنه كان ينقل من شرحي الإمامين الجليلين القاضي عِيَاض[13]، ومن شرح الإمام المازَرِي[14] على "صحيح الإمام مسلم"، فكثيرٌ من الأقوال كانت نقلاً لا ابتداءً، وكان هو فيها ناقلاً وليس بقائل، وأنه لم يتفرَّغ لتحقيق المسائل العقدية - رحمه الله تعالى.
جـ- أنَّ عقيدة الأشاعرة كانت هي الغالبة في عصره.
د- أنَّه أراد وضْع خُلاصَة مُعتَقدِه في نهاية عمره (الذي لم يتجاوَز الـ45 سنة)، فكتَب الرسالة السابقة، ثم عاجلَتْه المَنِيَّة بعد ذلك - رحمه الله تعالى.
ثانيًا: في الحديث الشريف وعلومه: ويتمثَّل ذلك فيما يلي:
1- "شرح صحيح الإمام مسلم"، وهو المعروف بـ"المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج".
2- "الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار - صلَّى الله عليه وسلَّم".
3- "رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين - صلَّى الله عليه وسلَّم".
4- "الأربعون حديثًا النَّوَوِيَّة"، وهو الذي نحن بصدد الحديث عنه إن شاء الله تعالي.
5- "التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير - صلَّى الله عليه وسلَّم"، وهو اختِصار لكتاب "الإرشاد" الذي هو مختصر كتاب "علوم الحديث"؛ للإمام أبي عمرو بن الصلاح.
6- "إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق - صلَّى الله عليه وسلَّم"، وهو اختِصار كتاب "معرفة علوم الحديث"؛ للإمام أبي عمرو بن الصلاح.
7- "الإرشاد إلى بيان الأسماء المبهمات"، وهو اختِصار كتاب "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة"؛ للإمام الخطيب البغدادي.
8- "الخلاصة في أحاديث الأحكام"، وصَل فيه إلى الزكاة.
9- "شرح سنن أبي داود"، وصَل فيه إلى الوضوء.
10- "التلخيص شرح صحيح الإمام البخاري"، وصَل فيه إلى العلم.
11- "الإملاء على حديث إنما الأعمال بالنيات".
ثالثًا: في الفقه: ويتمثَّل ذلك فيما يلي:
1 - "روضة الطالبين"، وهو اختصار "الشرح الكبير"؛ للإمام الرافعي في الفقه الشافعي.
2 - "منهاج الطالبين"، وهو اختصار "للمُحَرَّر"؛ للإمام الرافعي مع الزيادة عليه بفرائد حسان.
3 - "الإيضاح في المناسك".
4 - "المجموع شرح المهذب للإمام الشِّيرازي"، وصَل فيه إلى الربا.
5 - فتاوى الإمام النَّوَوِيِّ المعروفة بـ"المنثورات" من جمع تلميذه الإمام ابن العطار، وهي دليلٌ على مرتبة الاجتِهاد المُطلَق التي وصَل إليها الإمام النَّوَوِيُّ؛ حيث إنَّه كان يُفتِي فيها بما ترجَّح له دليلُه.
6 - جزءٌ لطيف في الترخيص في الإكرام بالقِيَام، واسمه: "الترخيص بالقِيَام لِذَوِي الفضل والمزيَّة من أهل الإسلام".
رابعًا: في اللغة:
1 - "تهذيب الأسماء واللغات".
2 - "التحرير في ألفاظ التنبيه".
3 - ما تَناثَر في كتبه من تحقيقات علميَّة بديعة كـ"المجموع"، و"شرحه لصحيح الإمام مسلم"، وآخر "التبيان".
خامسًا: في علوم القرآن:
1 - "التبيان في آداب حملة القرآن".
2 - كلامه المتعلِّق بعلوم القرآن الكريم في كتبه.
سادسًا: في الزهد: إضافةً إلى سِيرَته العَطِرَة له: "بُستان العارفين".
وفاته: توفي الإمام النَّوَوِيُّ سنة ست وسبعين وسِتِّمائة من الهجرة عن خمس وأربعين سنة - رحمه الله تعالى.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع