- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
شرح الأحاديث السابع والثامن والتاسع
عن أبـي رقــيـة تمـيم بن أوس الـداري -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عـليه وسـلم- قـال الـديـن النصيحة ). قلنا : لمن ؟ قال : (لله ، ولـكـتـابـه ، ولـرسـولـه ، ولأئـمـة الـمـسـلـمـيـن وعــامـتهم ) [رواه مسلم].
قال المصنف -رحمه الله-: عن أبى رقية تميم بن أوس الداري -رضى الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الدين النصيحة) قلنا: لمن؟ قال: (لله، ولرسوله، وللأئمة المسلمين وعامتهم) هذا الحديث [رواه مسلم] في صحيحه.
وفي بعض الروايات عند أصحاب السنن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الدين النصيحة ثلاث مرات (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة).
قوله: (الدين النصيحة) الدين: هو الملة والمراد به: دين الإسلام .
والنصيحة في الأصل اللغوي: من النصح: وهو الخلوص تقول: نصحت العسل إذا خلصته من الشمع.
وفي الشرع المراد بالنصيحة: هي إرادة الخير للمنصوح له، ففلان نصح فلانا بمعنى: أنه أراد له الخير في هذه المسألة، أو هذه القضية التي نصح فيها.
وقوله: (الدين النصيحة) كأنه حصر الدين بالنصيحة من باب الاهتمام بهذه النصيحة، بأن النصيحة تحتل مكانا كبيرا في هذا الدين، مثل قوله: (الحج عرفة) وهذا يدل على: أن عرفة الركن الأعظم من أركان الحج لأنه جعل الحج هو عرفة يعنى الوقوف بعرفة.
كذلك هنا قال: (الدين النصيحة)
قلنا: لمن يا رسول الله؟ قاللله، ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) لله -عز وجل- ولرسوله لنبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- ولكتابه القرآن، ولأئمة المسلمين حكامهم وعلمائهم، أئمة المسلمين: فالحكام هم الذين يديرون شئون المسلمين، وعلمائهم هم الذين يديرون أمر دينهم، وعامتهم سوى الحكام والعلماء.
في هذا الحديث مسائل كثيرة
المسألة الأولى: عظم أمر النصيحة في دين الله -عز وجل- هذه العظمةأخذناها من قوله: (الدين النصيحة) كأنه حصر الدين بالنصيحة، وهذا يدل على الاهتمام بهذا الأمر ومن المعلوم أن الدين ليس مجرد النصيحة بل الدين يشمل: أركان الإسلام، أركان الإيمان، يشمل واجبات كثيرة، يشمل مستحبات كثيرة، لكن كون الرسول -صلى الله عليه وسلم- حصر الدين بالنصيحة مما يدل على الاهتمام بهذه النصيحة، أيضا الحديث أعطانا المفهوم الكبير والشامل للنصيحة .النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أن للنصيحة مفهوما كبيرا ليس محصورا في شيء معين، وإنما مفهوم كبير يشمل ما يتعلق بالله -عز وجل- وما يتعلق بكتابه -عز وجل- وما يتعلق برسوله -صلى الله عليه وسلم- وما يتعلق بالعلاقة مع أئمة المسلمين وعامتهم، فمفهوم النصيحة مفهوم شامل لا يقتصر على أمر معين.
المسألة الثالثة هي النصيحة لله: الإيمان بالله -عز وجل- وما يندرج تحت الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- من توحيد الله -سبحانه وتعالى- بتوحيده في وجوده، في ذاته -سبحانه وتعالى- في ربوبيته، في ألوهيته، في أسمائه وصفاته، وكذلك في إخلاص العبادة له -جل وعلا، في طاعاته -سبحانه وتعالى- في تجنب معصيته، القيام بأداء ما أوجبه -جل وعلا- والاجتناب لما نهي عنه -سبحانه وتعالى- إذًا النصيحة لله شاملة..
أما النصيحة لكتابه فالمقصود بالكتاب هنا: إما أن يكون المقصود الكتب المنزلة كلها، والكتب المنزلة منها ما فصل لنا كالتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وصحف موسى، والقرآن، أو أن المراد القرآن فقط،
إذا من المراد الكتب المنزلة كلها سواء المفصل منها ما ذكر، أو ما لم يفصل يكون الإيمان به إجمالا، أو أن المراد هو كتاب الله -عز وجل- وهو القرآن،
فمن النصيحة للقرآن الإيمان بما جاء به القرآن من هذه الكتب؛ لأنها كتب منزلة من عند الله -جل وعلا- ون خاتمها القرآن الكريم، ولا يجوز العمل إلا به إلا بالقرآن نؤمن بأنه كلام الله نزله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- ليقرأ ويتلى ويحفظ ويعمل به ويحكم في شئون الحياة كلها، ومن ثم اتباع أوامره واجتناب نواهيه والوقوف عند حدوده مع تلاوته وتأمله وتدبره ونشره للناس.
وكذلك النصيحة لرسوله -صلى الله عليه وسلم- يكون: بالتصديق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- و بالإيمان بأنه رسول من عند الله نأتمر بأمره ونجتنب ما ن هي عنه -عليه الصلاة والسلام- لا نعبد الله إلا بما شرع -عليه الصلاة والسلام- وهذا كله يقتضي محبته -صلى الله عليه وسلم- ويقتضي نشر العمل بسنته ونشرها للناس، كما يقتضي الدفاع عن سنته -عليه الصلاة والسلام- النصيحة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابتداء من الإيمان به، والتصديق بما جاء به، والائتمار بأمره -عليه الصلاة والسلام- والاجتناب عما نهي عنه التصديق بأخباره -عليه الصلاة والسلام- ألا يعبد الله إلا بما شرع -عليه الصلاة والسلام- محبته -عليه الصلاة والسلام- وتقديم هذه المحبة على النفس والمال والوالد والولد والناس أجمعين -عليه الصلاة والسلام- والعمل بسنته -عليه الصلاة والسلام- نشر سنته -عليه الصلاة والسلام- الدفاع عن سنته -عليه الصلاة والسلام-
ثم قال (النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم) أئمة المسلمين: هم حكامهم وعلمائهم، وحكامهم النصيحة لهم أولا طاعتهم فيما لم يخالف أمر الله -سبحانه وتعالى- ثم حب صلاحهم؛ لأن صلاحهم صلاح للأمة كلها، وأيضا اجتماع الأمة عليهم، وعدم الخروج عليهم بالقول أو بالفعل أو بالسيف، ثم إعطائهم المشورة فيما يطلبون، أو فيما يرى الناصح أنه يبلغهم هذه المشورة التي يرى فيها الخير، بالهدى والصلاح والتوفيق والتسديد، ويكثر من هذا الدعاء.
والنصيحة لعلماء المسلمين كما قيل لأئمة المسلمين: بالدعاء لهم، بحب صلاحهم، بحب إقامتهم بشرع الله -عز وجل- وكذلك النصح لهم، وعدم التعدي على ما يصدرونه من أحكام وفتاوى وأحكام، فهم علماء الأمة.
أما النصيحة لعامة المسلمين :فيندرج تحتها أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، إرشادهم لما فيه الخير والصلاح والتقى لهم، وفيما يسعدهم في دينهم ودنياهم، هذه النصيحة لعامة المؤمنين، هذا ما يدل عليه ظاهر الحديث.
للنصيحة شأن عظيم في دين الله -عز وجل- لها أداب كثيرة أهمها:
1- إخلاص الناصح بنصيحته لله -عز وجل- ويعتقد أن ذلك عبودية لله -سبحانه وتعالى- فيخلص هذه العبودية لله -جل وعلا- يخلصها بمعنى أن يطلب الأجر من نصيحته .
2- إرادة الخير للمنصوح له و إشاعة الخير في المجتمع وبين الناس فلابد أن يكون لهذه النصيحة هدفا واضح بمعنى أنني أبتغي الخير للناس.
3-أن تكون النصيحة في محلها:بين الناصح والمنصوح له، وقيل من نصحك أمام الناس فقد فضحك، فكما أنت لا تريد أن يفضحك الناس بعملك أو بقولك أو حياتك، كذلك الناس لا يريدون ذلك إلا إذا كانت النصيحة لعامة الناس بإجمال مثل: خطيب الجمعة ممكن أن يقول: ما بال أقوام، وإذا كانت ظاهرة أو شائعة في المجتمع يقول: ما بال الناس يعملون كذا، إما إذا كانت النصيحة موجهة لفرد أو أفراد من الناس معينين فيجب أن تكون فيما بينه وبينهم؛ لأن النفس ترفض أن يعلن عن خفاياها وعن أمورها وعن أسرارها عند الناس، فما بالك إذا كان المنصوح له قيمة في المجتمع أو مسئولية، وهذه النصيحة تمس مسئوليته، وكلما كانت النصيحة فيما بين الناصح والمنصوح له أدت ثمارها وآثارها الإيجابية التي يريدها الناصح.
4-العلم: لأن الناصح لا يتبع الشائعات، فيجب العلم بالمنصوح فيه، والعلم أيضا بما يقتضيه كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بهذا المنصوح، كثير من الناس ينصح وهو لا يدرى بما ينصح، يعترض على الأمر وهو لا يدرى لمَ يعترض على هذا الأمر؟ لأن الناس قالواالعلم بالمنصوح فيه، والعلم بما دل عليه الكتاب والسنة بالمنصوح فيه، والعلم بطرائق النصح، والعلم لمن تنصح وبما تنصح، لأجل أن تؤدي هذه النصيحة دورها وأن تؤدي ثمارها اليانعة -بإذن الله عز وجل-.
5- استخدام الألفاظ الطيبة الكلام الحسن القول اللين في هذه النصيحة نضرب مثالا : الله -سبحانه وتعالى- عندما أرسل موسى وهارون إلى فرعون ماذا قال؟ : ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ لماذا؟ ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه : 44]، الله -سبحانه وتعالى-يعلم إن فرعون لن يتذكر، ولن يخشاه، يعلم -سبحانه وتعالى- فلماذا قال؟ ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ وقال: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه : 44]، إنما ليرسم منهجا لهذه الدعوة، لهذه النصيحة: أن تكون بالقول اللين؛ لكي تؤتي ثمارها، وإلا فالله -سبحانه وتعالى- يعلم أن فرعون لن يتذكر، ولن يخشى، ولن يأتي أطغى من فرعون؛ لأنه قال: أنا ربكم الأعلى، ولن يأتي أفضل من موسى وهارون، سوى محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك قال: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ ما قال: خذ عصا واضربه، ما قال: تحدث أو تكلم معه بألفاظ قويه ومشينا، واجعله ما يسوى شيء، فيه وما لا فيه من الأشياء المشينة، لا، قال: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه : 44]، مع سابق علم الله -عز وجل- أنه لن يتذكر، ولن يخشى، وأنه أطغى الطغاة، وأن الله -سبحانه وتعالى- جعله عبرة إلى يوم القيامة، فما بالنا بالمسلم الذي أمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا، ألا نقول له: قولا لينا، الله -سبحانه وتعالى- يرسم لنا منهج في الدعوة إلى الله في النصيحة أن تكون بالأسلوب الحسن والحكمة، ووضع الشيء في موضعه ولذلك يقول الله -سبحانه وتعالى- : ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾.
عندما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الدين النصيحة) يبين أن علينا النصح، ولكن ليس علينا النتائج، فالنتائج عند الله -سبحانه وتعالى-، قد يؤخذ كلام الداعي وقد لا يؤخذ فلست أفضل من النبي الذي يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، ونوح -عليه السلام- دعا قومه تسعمائة وخمسين سنة ما معه إلا عدد قليل، لم يستجب إلا عدد قليل، فالنتائج على الله -سبحانه وتعالى-
الحديث الثامن
عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- قـال أمرت أن أقاتل الناس حتى يـشـهــدوا أن لا إلــه إلا الله، وأن محمد رسول الله، ويـقـيـمـوا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك؛ عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى ) [رواه البخاري ومسلم].
هذا الحديث رواه البخاري ومسلم فهو متفق عليه والمتفق عليه هو من أعلى درجات الصحة
قال عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- قـال أمرت أن أقاتل الناس) أمرت: الآمر الله سبحانه وتعالى، فإذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أمرت أو نهيت، فالآمر والناهي هو الله -سبحانه وتعالى- وإذا قال الصحابي أمرت أو أمرنا، أو نهيت أو نهينا، فالآمر هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (أمرت أن أقاتل الناس؛ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله) وهي الركن الأول من أركان الإسلام (ويقيموا الصلاة) (ويؤتوا الزكاة ) .
(فإذا فعلوا ذلك) ذلك اسم الإشارة راجع إلى ما سبق: الشهادتين، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة .
(فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دمائهم ) عصموا: منعوا وحفظوا مني دمائهم، وأموالهم إلا بحق الإسلام، يعنى أنه لا يتعرض إلى الدماء والأموال إلا بما أوجبه الإسلام عليهم، كأن يرتكب هذا المسلم جرما يستحق القتل، كمن يقتل شخصا فيقتص منه، أو كمن يزني فيقتل مثلا، أو كمن يشرب خمرا فيجلد، أو كمن يقذف شخصا فيجلد وهكذا.
إلا بحق الإسلام هذا هو الظاهر يعنى دمائهم معصومة إلا بحق الإسلام، إذا ارتكبوا أمرا يستحقون عليه القتل أو الجلد أو القطع وحسابهم على الله هذا في الآخرة، قد يقولها القائل: ولا يريد بها وجه الله، فحسابه على الله -سبحانه وتعالى-
هذا الحديث حديث مهم جدا يحدد نوعية التعامل مع الناس في الجملة.
نأخذ مسائله على النحو الآتى :
أولا : تحديد الغاية من الجهاد في سبيل الله. ما الغرض من الجهاد في سبيل الله ؟ الدخول في الإسلام: أن يشهد أن لا إله إلا ال،له وأن محمدا رسول الله. حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله هذه الغاية من الجهاد في سبيل الله: (أمرت أن أقاتل الناس؛ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة).
ثانيًا: أن الجهاد ليس غاية إنما هو وسيلة، والوسيلة لا تستخدم احتيج إليها، فالجهاد وسيلة إذا احتيج إليها استخدمت، وإذا لم يحتاج إليها لا تستخدم، (أمرت أن أقاتل الناس) فإذا كان الناس مؤمنين فلا قتال حينئذ.
ثالثًا: الحديث دل على عظم أمر الشهادتين، وأن الشهادتين هما البوابة للدخول في دين الله -عز وجل- ولذلك قال : (أمرت أن أقاتل الناس؛ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله).
رابعًا: بعد أهمية هاتين الشهادتين أهمية الصلاة والزكاة في دين الله لربطه بين الشهادتين بالصلاة والزكاة لربطهما بعضهما مع بعض؛ ولذلك من مقتضى هاتين الشهادتين إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة.
خامسًا: أن من فعل هذه الأمور بأن أتى بالشهادتين، ثم أتى بالصلاة والزكاة، يعنى مقتضى هاتين الشهادتين (عصم دمه وماله) بمعنى لا يجوز الاعتداء على دمه وماله؛ ولذلك قال: (فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دمائهم وأموالهم) وهذا يجعلنا نستطرد فنقول حرمة دم المسلم وماله، فلا يجوز الاعتداء على دمه وماله، ويجب صونه واحترامه، وقد أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا الأمر العظيم في نهاية حياته -صلى الله عليه وسلم- عندما حج حجة الوداع وقال: (ألا إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذ) فدل على أن دم المسلم وماله حرام، لا يجوز الاعتداء عليه، ويجب تقديره واحترامه وصونه.
مسألة مهمة جدا وهي الحكم على الناس يتبين يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، فحينئذ يحكم عليه انه مسلم ويعامل في الدنيا على أنه مسلم، مادام أنه يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فيزوج من المسلمين يصلى عليه إذا توفى، يدفن في مقابر المسلمين، قد يقول قائل: هذا غير مسلم، هذا يصلى وقت ويترك وقت أتعامل في الظاهر على أنه قال تعالي: ( وحسابهم على الله ) الحكم في التعامل في الدنيا بظاهر الأعمال؛ ولذلك عاتب النبي صلى الله عليه وسلم أسامة لما قتل الرجل الذي قال: لا إله إلا الله قتله، فأسامة -رضى الله عنه- أسامة بن زيد لما هذا المشرك قال: لا إله إلا الله، قتله قال: أنه يريد أن يتقي بها فقط فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أشققت عن قلبه) فلذلك التعامل في الدنيا في الظاهر ما يظهره الإنسان، أما في الآخرة فعند الله -سبحانه وتعالى- هناك من ظاهره الإسلام وهو يبطن الكفر، كما تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع المنافقين في ظواهرهم وإلا هم عند الله -عز وجل- في الدرك الأسفل من النار، لكن التعامل في الظاهر على أنهم مسلمون لأنهم أظهروا الإسلام، أما في الآخرة فعند الله -عز وجل-،
ما يراه أهل السنة والجماعة من أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان : النبي -صلى الله عليه وسلم- عطف أمر الصلاة والزكاة وهما أعمال على الشهادتين، وعلق عصمة الدم والمال عليهما، لو كانت الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، لفصل النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الشهادتين وبين الأعمال، فالأعمال داخلة في مسمى الإيمان، أما الأدلة من غير هذا الحديث، فالأدلة كثيرة جدا، من أصلحها قول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة : 143] والمقصود هنا بإيمانكم الصلاة التي هي عندما تحرج أهل القبلتين، لما جاءهم الأمر بالانحراف من البيت المقدس إلى الكعبة، فالناس تساءلوا ! وصلاتنا الأولى ؟ ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ بمعنى صلاتكم هنا، فسمى الصلاة إيمانا، من الأدلة أيضا قوله -سبحانه وتعالى- ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد : 17] ﴿ زَادَهُمْ ﴾ فدل على أن تكون الزيادة من خلال الأعمال.
وظيفة الدعاة هي التبليغ، وليس الإجبار لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-(أمرت) فعلى البلاغ، وليس على حصول النتائج، أنا أبلغ الناس: عليهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن يقيموا الصلاة، وأن يؤتوا الزكاة، ويقوموا بحق الإسلام، أما النتائج فعلى الله سبحانه وتعالى،
وبناء على هذا الحديث فلا نطلق أحكام الكفر والفسق على الإنسان إلا بشيء متيقن واضح لأن إطلاق الكفر على الإنسان أمر خطير؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قال المسلم لأخيه المسلم: (يا كافر فقد باء بها أحدهم) بمعنى أنه إن كان كافرًا فهو كافر، وإن لم يكن فترجع على المتحدث، وهذا يبين لنا خطورة التساهل في هذه الألفاظ والتعامل بها بين المسلمين بعضهم مع بعض، بأن يطلقون أحكام الكفر والفسق ونحو هذه الأحكام التي يترتب عليها أحكام في الدنيا أو في الآخرة.
الحديث التاسع
عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر -رضي الله عنه- ، قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم). [رواه البخاري ومسلم]
هذا الحديث رواه البخارى ومسلم، فهو متفق عليه قال أبو هريرة -رضى الله عنه- قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) ثم علل ( فإنما أهلك الذين من قبلكم) يعنى: الأمم السابقة الذين هلكوا؛ كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم، ذكر علتين : كثرة المسائل، كثرة المسائل المقصود بها التى لا فائدة منها، واختلافهم على أنبيائهم، هو الاختلاف والتفردهذا الحديث يفهم بسببه، فله سبب: وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب مرة من المرات وقال: (أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجو) قام رجل من الناس الذين استمعوا إلى الخطبة وقال : أفى كل عام يا رسول الله ؟ سؤال ليس في محله، لو كان في كل عام لبين النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو المبلغ فغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال : (لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) يعنى: سؤال في غير محله.
ثم قال: (ذرونى ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)
في الحديث عدة مسائل:
المسألة الأولى: رحمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذه الأمة ، بأمته -عليه الصلاة والسلام-، هذه الرحمة اخذناها من قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما أمرتكم فأتوا منه) (ما استطعتم) (وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)؛ لأن الترك سهل، لكن أمر الفعل قد يصعب على فلان ما لا يصعب على فلان، وأحوال الناس تختلف وهذا غني، وهذا فقير، وهذا مريض، وهذا عاجز، وهذا كبير، فيأتي كل واحد أو فرد بما يستطيع .
المسألة الثانية: أن الدين أوامر ونواهٍ، وجاءت كثير من الأوامر والنواهي في القرآن، كما جاءت أيضا في السنة كثير من الأوامر، وكثير من النواهي، هذا الحديث يحدد التعامل مع هذه الأوامر والنواهي، أما النواهي فيجب أن تجتنب، أما الأوامر فيأتي بما يستطيع، وهنا استنبط أهل العلم قواعد شرعية كبيرة من هذه القواعد، بناء على قوله: (وما أمرتكم فأتوا منه ما استطعتم) القاعدة المشهورة الكبيرة المشقة تجلب التيسير معنى هذه القاعدة أنه إذا حصل مشقة بالفعل ينتقل الإنسان إلى التيسر إلى الأسهل إلى الأقل، لا يستطيع أن يصلى قائما؛ يصلى جالسا، لا يستطيع أن يصلى جالسا؛ يصلى على جنب، لا يستطيع أن يتوضأ، ماذا يعمل؟ يتيمم، لا يتسطيع أن يغتسل، يتيمم، لم يكن عنده مادة للوضوء، ولا مادة للتيمم، يصلى كما هو على حاله مثل مربط على سرير، مريض مكسر فيه عشرين كسرة لا يستطيع أن يتوضأ ولا يستطيع يتيمم ولا يستطيع يتحرك، كيف يصلى ؟ كيف يتوضا ؟ لا يتوضأ ولا يتيمم، يصلى كما اتفق، لا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة، يتوجه إلى أى جهة، إذًا المشقة تجلب التيسير، هذه قاعدة استنبط من هذه القاعدة، قواعد فرعية منها إذا اتسع الأمر ضاق الحكم، وإذا ضاق الأمر اتسع الحكم، يعنى: إذا ضاق الحال بالإنسان بالمريض يتسع الحكم، الأصل ألا يصلى الإنسان إلا قائما، هذا هو الأصل، فإذا لم يستطع ضاق الأمر اتسع الحكم يصلى جالسا، لا يستطيع أن يصوم يؤخر الصيام، اتسع الحكم، لا يجوز أن يفطر في نهار رمضان، لكن المريض، حائض، نفساء، تخشى على حملها، تخشى على نفسها، تؤجل الصيام إلى وقت تكون هي في راحة وفى سعة.
المسألة الثالثة: من القواعد المستنبطة من قوله: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) الضرورات تبيح المحظورات، يعنى: الأصل أن أجتنب أكل الميتة شرب الخمر هذا الأصل، لكن افترض أننى غصِّيت، ما أمامى الآن إلا خمر، الغُصة من المعلوم ثوانى ويموت الإنسان، فلو ذهب يأتي بماء أو ذهب آخر يأتيه بماء حينئذ قد يموت؛ فلذلك يتناول جرعة من الشراب الذي أمامه ولو كان خمرا، لإزالة الغُصة، وعلى قدرها، بلا شك؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها، كما أن الضرورات تبيح المحظورات، فالضرورة تقدر بقدرها، ما أمامه إلا ميتة، وإلا مات من الجوع، يأكل من الميتة بقدر ما ينقذ جوعه، وهذا يدل على سماحة الإسلام ويسره، ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [ البقرة : 185]، (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفرو) دين الإسلام قائم على التيسير على السماحة على ما يستطيع الإنسان، وهذه قاعدة ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
المسألة الرابعة: من الفوائد في هذا الحديث السؤال، أن من أسباب هلاك الأمم، كثرة الأسئلة التى لا داعي لها،يجب على الإنسان أن يسأل على ما أشكل عليه، خصوصا في دينه ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [ النحل : 43]، ولا ينال العلم مستحٍ ولا مستكبر، كما يقول الإمام مجاهد بن جبر -رحمه الله إمام التابعين-، لكن المحظور هنا هو التنطع فالسؤال ليس لغرض الفائدة إما للتعجيز، إما لاختبار هذا المتحدث وإما لبيان إحراجه أمام الناس أو أن السؤال لا فائدة منه مثل سؤال السائل، أفي كل عام يا رسول الله ؟ أو التنطع في جزئيات فرضيات ل يمكن أن تقع في الواقع، فهذه الأسئلة المنهية عنها، كذلك الأسئلة بغير أدب، فإذاً هذا السبب من أسباب هلاك الأمم كثرة الأسئلة، بمعنى: المحرجة أو المعجزة التى تلقى للاختبار، أو تلقى لأجل التعجيز، أو لا فائدة منها في الواقع،
العامل الثانى: الفرقة والاختلاف، والفرقة والاختلاف من أشد عوامل الهلاك، ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال : 46]، وهذه الأمة أمة واحدة، يجب أن تكون أمة مجتمعة، فكثرة التفرق والاختلاف سبب للحزازات، سبب للعداوات، سبب للبغضاء، ومن ثمَّ يكون سبب لدخول أعداء الله على أمة الإسلام، فيجب أن يتعاون المسلمون، أن يتحدوا ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة : 2]، وكذلك الآية الأخرى ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾ [آل عمران : 103]، ويعمل بعوامل الاجتماع، وتُنْبَذ عوامل الفرقة؛ ولذلك من عوامل فشل الأمم السابقة كثرة الأسئلة، والتفرق، والاختلاف على الأنبياء؛ فلذلك يجب أن يكون العاصم لنا الاجتماع على الكتاب والسنة.
المسألة الخامسة: التأدب في طلب العلم، فطالب العلم سمته الأدب مع طلبه للعلم، ونحمد الله -جل وعلا- على هذا التيسير الذي يسر لنا ديننا: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [ البقرة : 286]، ويقول -جل وعلا-: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن : 16].
عن أبـي رقــيـة تمـيم بن أوس الـداري -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عـليه وسـلم- قـال الـديـن النصيحة ). قلنا : لمن ؟ قال : (لله ، ولـكـتـابـه ، ولـرسـولـه ، ولأئـمـة الـمـسـلـمـيـن وعــامـتهم ) [رواه مسلم].
قال المصنف -رحمه الله-: عن أبى رقية تميم بن أوس الداري -رضى الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الدين النصيحة) قلنا: لمن؟ قال: (لله، ولرسوله، وللأئمة المسلمين وعامتهم) هذا الحديث [رواه مسلم] في صحيحه.
وفي بعض الروايات عند أصحاب السنن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الدين النصيحة ثلاث مرات (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة).
قوله: (الدين النصيحة) الدين: هو الملة والمراد به: دين الإسلام .
والنصيحة في الأصل اللغوي: من النصح: وهو الخلوص تقول: نصحت العسل إذا خلصته من الشمع.
وفي الشرع المراد بالنصيحة: هي إرادة الخير للمنصوح له، ففلان نصح فلانا بمعنى: أنه أراد له الخير في هذه المسألة، أو هذه القضية التي نصح فيها.
وقوله: (الدين النصيحة) كأنه حصر الدين بالنصيحة من باب الاهتمام بهذه النصيحة، بأن النصيحة تحتل مكانا كبيرا في هذا الدين، مثل قوله: (الحج عرفة) وهذا يدل على: أن عرفة الركن الأعظم من أركان الحج لأنه جعل الحج هو عرفة يعنى الوقوف بعرفة.
كذلك هنا قال: (الدين النصيحة)
قلنا: لمن يا رسول الله؟ قاللله، ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) لله -عز وجل- ولرسوله لنبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- ولكتابه القرآن، ولأئمة المسلمين حكامهم وعلمائهم، أئمة المسلمين: فالحكام هم الذين يديرون شئون المسلمين، وعلمائهم هم الذين يديرون أمر دينهم، وعامتهم سوى الحكام والعلماء.
في هذا الحديث مسائل كثيرة
المسألة الأولى: عظم أمر النصيحة في دين الله -عز وجل- هذه العظمةأخذناها من قوله: (الدين النصيحة) كأنه حصر الدين بالنصيحة، وهذا يدل على الاهتمام بهذا الأمر ومن المعلوم أن الدين ليس مجرد النصيحة بل الدين يشمل: أركان الإسلام، أركان الإيمان، يشمل واجبات كثيرة، يشمل مستحبات كثيرة، لكن كون الرسول -صلى الله عليه وسلم- حصر الدين بالنصيحة مما يدل على الاهتمام بهذه النصيحة، أيضا الحديث أعطانا المفهوم الكبير والشامل للنصيحة .النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أن للنصيحة مفهوما كبيرا ليس محصورا في شيء معين، وإنما مفهوم كبير يشمل ما يتعلق بالله -عز وجل- وما يتعلق بكتابه -عز وجل- وما يتعلق برسوله -صلى الله عليه وسلم- وما يتعلق بالعلاقة مع أئمة المسلمين وعامتهم، فمفهوم النصيحة مفهوم شامل لا يقتصر على أمر معين.
المسألة الثالثة هي النصيحة لله: الإيمان بالله -عز وجل- وما يندرج تحت الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- من توحيد الله -سبحانه وتعالى- بتوحيده في وجوده، في ذاته -سبحانه وتعالى- في ربوبيته، في ألوهيته، في أسمائه وصفاته، وكذلك في إخلاص العبادة له -جل وعلا، في طاعاته -سبحانه وتعالى- في تجنب معصيته، القيام بأداء ما أوجبه -جل وعلا- والاجتناب لما نهي عنه -سبحانه وتعالى- إذًا النصيحة لله شاملة..
أما النصيحة لكتابه فالمقصود بالكتاب هنا: إما أن يكون المقصود الكتب المنزلة كلها، والكتب المنزلة منها ما فصل لنا كالتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وصحف موسى، والقرآن، أو أن المراد القرآن فقط،
إذا من المراد الكتب المنزلة كلها سواء المفصل منها ما ذكر، أو ما لم يفصل يكون الإيمان به إجمالا، أو أن المراد هو كتاب الله -عز وجل- وهو القرآن،
فمن النصيحة للقرآن الإيمان بما جاء به القرآن من هذه الكتب؛ لأنها كتب منزلة من عند الله -جل وعلا- ون خاتمها القرآن الكريم، ولا يجوز العمل إلا به إلا بالقرآن نؤمن بأنه كلام الله نزله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- ليقرأ ويتلى ويحفظ ويعمل به ويحكم في شئون الحياة كلها، ومن ثم اتباع أوامره واجتناب نواهيه والوقوف عند حدوده مع تلاوته وتأمله وتدبره ونشره للناس.
وكذلك النصيحة لرسوله -صلى الله عليه وسلم- يكون: بالتصديق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- و بالإيمان بأنه رسول من عند الله نأتمر بأمره ونجتنب ما ن هي عنه -عليه الصلاة والسلام- لا نعبد الله إلا بما شرع -عليه الصلاة والسلام- وهذا كله يقتضي محبته -صلى الله عليه وسلم- ويقتضي نشر العمل بسنته ونشرها للناس، كما يقتضي الدفاع عن سنته -عليه الصلاة والسلام- النصيحة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابتداء من الإيمان به، والتصديق بما جاء به، والائتمار بأمره -عليه الصلاة والسلام- والاجتناب عما نهي عنه التصديق بأخباره -عليه الصلاة والسلام- ألا يعبد الله إلا بما شرع -عليه الصلاة والسلام- محبته -عليه الصلاة والسلام- وتقديم هذه المحبة على النفس والمال والوالد والولد والناس أجمعين -عليه الصلاة والسلام- والعمل بسنته -عليه الصلاة والسلام- نشر سنته -عليه الصلاة والسلام- الدفاع عن سنته -عليه الصلاة والسلام-
ثم قال (النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم) أئمة المسلمين: هم حكامهم وعلمائهم، وحكامهم النصيحة لهم أولا طاعتهم فيما لم يخالف أمر الله -سبحانه وتعالى- ثم حب صلاحهم؛ لأن صلاحهم صلاح للأمة كلها، وأيضا اجتماع الأمة عليهم، وعدم الخروج عليهم بالقول أو بالفعل أو بالسيف، ثم إعطائهم المشورة فيما يطلبون، أو فيما يرى الناصح أنه يبلغهم هذه المشورة التي يرى فيها الخير، بالهدى والصلاح والتوفيق والتسديد، ويكثر من هذا الدعاء.
والنصيحة لعلماء المسلمين كما قيل لأئمة المسلمين: بالدعاء لهم، بحب صلاحهم، بحب إقامتهم بشرع الله -عز وجل- وكذلك النصح لهم، وعدم التعدي على ما يصدرونه من أحكام وفتاوى وأحكام، فهم علماء الأمة.
أما النصيحة لعامة المسلمين :فيندرج تحتها أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، إرشادهم لما فيه الخير والصلاح والتقى لهم، وفيما يسعدهم في دينهم ودنياهم، هذه النصيحة لعامة المؤمنين، هذا ما يدل عليه ظاهر الحديث.
للنصيحة شأن عظيم في دين الله -عز وجل- لها أداب كثيرة أهمها:
1- إخلاص الناصح بنصيحته لله -عز وجل- ويعتقد أن ذلك عبودية لله -سبحانه وتعالى- فيخلص هذه العبودية لله -جل وعلا- يخلصها بمعنى أن يطلب الأجر من نصيحته .
2- إرادة الخير للمنصوح له و إشاعة الخير في المجتمع وبين الناس فلابد أن يكون لهذه النصيحة هدفا واضح بمعنى أنني أبتغي الخير للناس.
3-أن تكون النصيحة في محلها:بين الناصح والمنصوح له، وقيل من نصحك أمام الناس فقد فضحك، فكما أنت لا تريد أن يفضحك الناس بعملك أو بقولك أو حياتك، كذلك الناس لا يريدون ذلك إلا إذا كانت النصيحة لعامة الناس بإجمال مثل: خطيب الجمعة ممكن أن يقول: ما بال أقوام، وإذا كانت ظاهرة أو شائعة في المجتمع يقول: ما بال الناس يعملون كذا، إما إذا كانت النصيحة موجهة لفرد أو أفراد من الناس معينين فيجب أن تكون فيما بينه وبينهم؛ لأن النفس ترفض أن يعلن عن خفاياها وعن أمورها وعن أسرارها عند الناس، فما بالك إذا كان المنصوح له قيمة في المجتمع أو مسئولية، وهذه النصيحة تمس مسئوليته، وكلما كانت النصيحة فيما بين الناصح والمنصوح له أدت ثمارها وآثارها الإيجابية التي يريدها الناصح.
4-العلم: لأن الناصح لا يتبع الشائعات، فيجب العلم بالمنصوح فيه، والعلم أيضا بما يقتضيه كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بهذا المنصوح، كثير من الناس ينصح وهو لا يدرى بما ينصح، يعترض على الأمر وهو لا يدرى لمَ يعترض على هذا الأمر؟ لأن الناس قالواالعلم بالمنصوح فيه، والعلم بما دل عليه الكتاب والسنة بالمنصوح فيه، والعلم بطرائق النصح، والعلم لمن تنصح وبما تنصح، لأجل أن تؤدي هذه النصيحة دورها وأن تؤدي ثمارها اليانعة -بإذن الله عز وجل-.
5- استخدام الألفاظ الطيبة الكلام الحسن القول اللين في هذه النصيحة نضرب مثالا : الله -سبحانه وتعالى- عندما أرسل موسى وهارون إلى فرعون ماذا قال؟ : ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ لماذا؟ ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه : 44]، الله -سبحانه وتعالى-يعلم إن فرعون لن يتذكر، ولن يخشاه، يعلم -سبحانه وتعالى- فلماذا قال؟ ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ وقال: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه : 44]، إنما ليرسم منهجا لهذه الدعوة، لهذه النصيحة: أن تكون بالقول اللين؛ لكي تؤتي ثمارها، وإلا فالله -سبحانه وتعالى- يعلم أن فرعون لن يتذكر، ولن يخشى، ولن يأتي أطغى من فرعون؛ لأنه قال: أنا ربكم الأعلى، ولن يأتي أفضل من موسى وهارون، سوى محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك قال: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ ما قال: خذ عصا واضربه، ما قال: تحدث أو تكلم معه بألفاظ قويه ومشينا، واجعله ما يسوى شيء، فيه وما لا فيه من الأشياء المشينة، لا، قال: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه : 44]، مع سابق علم الله -عز وجل- أنه لن يتذكر، ولن يخشى، وأنه أطغى الطغاة، وأن الله -سبحانه وتعالى- جعله عبرة إلى يوم القيامة، فما بالنا بالمسلم الذي أمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا، ألا نقول له: قولا لينا، الله -سبحانه وتعالى- يرسم لنا منهج في الدعوة إلى الله في النصيحة أن تكون بالأسلوب الحسن والحكمة، ووضع الشيء في موضعه ولذلك يقول الله -سبحانه وتعالى- : ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾.
عندما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الدين النصيحة) يبين أن علينا النصح، ولكن ليس علينا النتائج، فالنتائج عند الله -سبحانه وتعالى-، قد يؤخذ كلام الداعي وقد لا يؤخذ فلست أفضل من النبي الذي يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، ونوح -عليه السلام- دعا قومه تسعمائة وخمسين سنة ما معه إلا عدد قليل، لم يستجب إلا عدد قليل، فالنتائج على الله -سبحانه وتعالى-
الحديث الثامن
عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- قـال أمرت أن أقاتل الناس حتى يـشـهــدوا أن لا إلــه إلا الله، وأن محمد رسول الله، ويـقـيـمـوا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك؛ عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى ) [رواه البخاري ومسلم].
هذا الحديث رواه البخاري ومسلم فهو متفق عليه والمتفق عليه هو من أعلى درجات الصحة
قال عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- قـال أمرت أن أقاتل الناس) أمرت: الآمر الله سبحانه وتعالى، فإذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أمرت أو نهيت، فالآمر والناهي هو الله -سبحانه وتعالى- وإذا قال الصحابي أمرت أو أمرنا، أو نهيت أو نهينا، فالآمر هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (أمرت أن أقاتل الناس؛ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله) وهي الركن الأول من أركان الإسلام (ويقيموا الصلاة) (ويؤتوا الزكاة ) .
(فإذا فعلوا ذلك) ذلك اسم الإشارة راجع إلى ما سبق: الشهادتين، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة .
(فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دمائهم ) عصموا: منعوا وحفظوا مني دمائهم، وأموالهم إلا بحق الإسلام، يعنى أنه لا يتعرض إلى الدماء والأموال إلا بما أوجبه الإسلام عليهم، كأن يرتكب هذا المسلم جرما يستحق القتل، كمن يقتل شخصا فيقتص منه، أو كمن يزني فيقتل مثلا، أو كمن يشرب خمرا فيجلد، أو كمن يقذف شخصا فيجلد وهكذا.
إلا بحق الإسلام هذا هو الظاهر يعنى دمائهم معصومة إلا بحق الإسلام، إذا ارتكبوا أمرا يستحقون عليه القتل أو الجلد أو القطع وحسابهم على الله هذا في الآخرة، قد يقولها القائل: ولا يريد بها وجه الله، فحسابه على الله -سبحانه وتعالى-
هذا الحديث حديث مهم جدا يحدد نوعية التعامل مع الناس في الجملة.
نأخذ مسائله على النحو الآتى :
أولا : تحديد الغاية من الجهاد في سبيل الله. ما الغرض من الجهاد في سبيل الله ؟ الدخول في الإسلام: أن يشهد أن لا إله إلا ال،له وأن محمدا رسول الله. حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله هذه الغاية من الجهاد في سبيل الله: (أمرت أن أقاتل الناس؛ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة).
ثانيًا: أن الجهاد ليس غاية إنما هو وسيلة، والوسيلة لا تستخدم احتيج إليها، فالجهاد وسيلة إذا احتيج إليها استخدمت، وإذا لم يحتاج إليها لا تستخدم، (أمرت أن أقاتل الناس) فإذا كان الناس مؤمنين فلا قتال حينئذ.
ثالثًا: الحديث دل على عظم أمر الشهادتين، وأن الشهادتين هما البوابة للدخول في دين الله -عز وجل- ولذلك قال : (أمرت أن أقاتل الناس؛ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله).
رابعًا: بعد أهمية هاتين الشهادتين أهمية الصلاة والزكاة في دين الله لربطه بين الشهادتين بالصلاة والزكاة لربطهما بعضهما مع بعض؛ ولذلك من مقتضى هاتين الشهادتين إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة.
خامسًا: أن من فعل هذه الأمور بأن أتى بالشهادتين، ثم أتى بالصلاة والزكاة، يعنى مقتضى هاتين الشهادتين (عصم دمه وماله) بمعنى لا يجوز الاعتداء على دمه وماله؛ ولذلك قال: (فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دمائهم وأموالهم) وهذا يجعلنا نستطرد فنقول حرمة دم المسلم وماله، فلا يجوز الاعتداء على دمه وماله، ويجب صونه واحترامه، وقد أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا الأمر العظيم في نهاية حياته -صلى الله عليه وسلم- عندما حج حجة الوداع وقال: (ألا إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذ) فدل على أن دم المسلم وماله حرام، لا يجوز الاعتداء عليه، ويجب تقديره واحترامه وصونه.
مسألة مهمة جدا وهي الحكم على الناس يتبين يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، فحينئذ يحكم عليه انه مسلم ويعامل في الدنيا على أنه مسلم، مادام أنه يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فيزوج من المسلمين يصلى عليه إذا توفى، يدفن في مقابر المسلمين، قد يقول قائل: هذا غير مسلم، هذا يصلى وقت ويترك وقت أتعامل في الظاهر على أنه قال تعالي: ( وحسابهم على الله ) الحكم في التعامل في الدنيا بظاهر الأعمال؛ ولذلك عاتب النبي صلى الله عليه وسلم أسامة لما قتل الرجل الذي قال: لا إله إلا الله قتله، فأسامة -رضى الله عنه- أسامة بن زيد لما هذا المشرك قال: لا إله إلا الله، قتله قال: أنه يريد أن يتقي بها فقط فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أشققت عن قلبه) فلذلك التعامل في الدنيا في الظاهر ما يظهره الإنسان، أما في الآخرة فعند الله -سبحانه وتعالى- هناك من ظاهره الإسلام وهو يبطن الكفر، كما تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع المنافقين في ظواهرهم وإلا هم عند الله -عز وجل- في الدرك الأسفل من النار، لكن التعامل في الظاهر على أنهم مسلمون لأنهم أظهروا الإسلام، أما في الآخرة فعند الله -عز وجل-،
ما يراه أهل السنة والجماعة من أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان : النبي -صلى الله عليه وسلم- عطف أمر الصلاة والزكاة وهما أعمال على الشهادتين، وعلق عصمة الدم والمال عليهما، لو كانت الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، لفصل النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الشهادتين وبين الأعمال، فالأعمال داخلة في مسمى الإيمان، أما الأدلة من غير هذا الحديث، فالأدلة كثيرة جدا، من أصلحها قول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة : 143] والمقصود هنا بإيمانكم الصلاة التي هي عندما تحرج أهل القبلتين، لما جاءهم الأمر بالانحراف من البيت المقدس إلى الكعبة، فالناس تساءلوا ! وصلاتنا الأولى ؟ ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ بمعنى صلاتكم هنا، فسمى الصلاة إيمانا، من الأدلة أيضا قوله -سبحانه وتعالى- ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد : 17] ﴿ زَادَهُمْ ﴾ فدل على أن تكون الزيادة من خلال الأعمال.
وظيفة الدعاة هي التبليغ، وليس الإجبار لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-(أمرت) فعلى البلاغ، وليس على حصول النتائج، أنا أبلغ الناس: عليهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن يقيموا الصلاة، وأن يؤتوا الزكاة، ويقوموا بحق الإسلام، أما النتائج فعلى الله سبحانه وتعالى،
وبناء على هذا الحديث فلا نطلق أحكام الكفر والفسق على الإنسان إلا بشيء متيقن واضح لأن إطلاق الكفر على الإنسان أمر خطير؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قال المسلم لأخيه المسلم: (يا كافر فقد باء بها أحدهم) بمعنى أنه إن كان كافرًا فهو كافر، وإن لم يكن فترجع على المتحدث، وهذا يبين لنا خطورة التساهل في هذه الألفاظ والتعامل بها بين المسلمين بعضهم مع بعض، بأن يطلقون أحكام الكفر والفسق ونحو هذه الأحكام التي يترتب عليها أحكام في الدنيا أو في الآخرة.
الحديث التاسع
عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر -رضي الله عنه- ، قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم). [رواه البخاري ومسلم]
هذا الحديث رواه البخارى ومسلم، فهو متفق عليه قال أبو هريرة -رضى الله عنه- قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) ثم علل ( فإنما أهلك الذين من قبلكم) يعنى: الأمم السابقة الذين هلكوا؛ كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم، ذكر علتين : كثرة المسائل، كثرة المسائل المقصود بها التى لا فائدة منها، واختلافهم على أنبيائهم، هو الاختلاف والتفردهذا الحديث يفهم بسببه، فله سبب: وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب مرة من المرات وقال: (أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجو) قام رجل من الناس الذين استمعوا إلى الخطبة وقال : أفى كل عام يا رسول الله ؟ سؤال ليس في محله، لو كان في كل عام لبين النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو المبلغ فغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال : (لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) يعنى: سؤال في غير محله.
ثم قال: (ذرونى ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)
في الحديث عدة مسائل:
المسألة الأولى: رحمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذه الأمة ، بأمته -عليه الصلاة والسلام-، هذه الرحمة اخذناها من قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما أمرتكم فأتوا منه) (ما استطعتم) (وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)؛ لأن الترك سهل، لكن أمر الفعل قد يصعب على فلان ما لا يصعب على فلان، وأحوال الناس تختلف وهذا غني، وهذا فقير، وهذا مريض، وهذا عاجز، وهذا كبير، فيأتي كل واحد أو فرد بما يستطيع .
المسألة الثانية: أن الدين أوامر ونواهٍ، وجاءت كثير من الأوامر والنواهي في القرآن، كما جاءت أيضا في السنة كثير من الأوامر، وكثير من النواهي، هذا الحديث يحدد التعامل مع هذه الأوامر والنواهي، أما النواهي فيجب أن تجتنب، أما الأوامر فيأتي بما يستطيع، وهنا استنبط أهل العلم قواعد شرعية كبيرة من هذه القواعد، بناء على قوله: (وما أمرتكم فأتوا منه ما استطعتم) القاعدة المشهورة الكبيرة المشقة تجلب التيسير معنى هذه القاعدة أنه إذا حصل مشقة بالفعل ينتقل الإنسان إلى التيسر إلى الأسهل إلى الأقل، لا يستطيع أن يصلى قائما؛ يصلى جالسا، لا يستطيع أن يصلى جالسا؛ يصلى على جنب، لا يستطيع أن يتوضأ، ماذا يعمل؟ يتيمم، لا يتسطيع أن يغتسل، يتيمم، لم يكن عنده مادة للوضوء، ولا مادة للتيمم، يصلى كما هو على حاله مثل مربط على سرير، مريض مكسر فيه عشرين كسرة لا يستطيع أن يتوضأ ولا يستطيع يتيمم ولا يستطيع يتحرك، كيف يصلى ؟ كيف يتوضا ؟ لا يتوضأ ولا يتيمم، يصلى كما اتفق، لا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة، يتوجه إلى أى جهة، إذًا المشقة تجلب التيسير، هذه قاعدة استنبط من هذه القاعدة، قواعد فرعية منها إذا اتسع الأمر ضاق الحكم، وإذا ضاق الأمر اتسع الحكم، يعنى: إذا ضاق الحال بالإنسان بالمريض يتسع الحكم، الأصل ألا يصلى الإنسان إلا قائما، هذا هو الأصل، فإذا لم يستطع ضاق الأمر اتسع الحكم يصلى جالسا، لا يستطيع أن يصوم يؤخر الصيام، اتسع الحكم، لا يجوز أن يفطر في نهار رمضان، لكن المريض، حائض، نفساء، تخشى على حملها، تخشى على نفسها، تؤجل الصيام إلى وقت تكون هي في راحة وفى سعة.
المسألة الثالثة: من القواعد المستنبطة من قوله: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) الضرورات تبيح المحظورات، يعنى: الأصل أن أجتنب أكل الميتة شرب الخمر هذا الأصل، لكن افترض أننى غصِّيت، ما أمامى الآن إلا خمر، الغُصة من المعلوم ثوانى ويموت الإنسان، فلو ذهب يأتي بماء أو ذهب آخر يأتيه بماء حينئذ قد يموت؛ فلذلك يتناول جرعة من الشراب الذي أمامه ولو كان خمرا، لإزالة الغُصة، وعلى قدرها، بلا شك؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها، كما أن الضرورات تبيح المحظورات، فالضرورة تقدر بقدرها، ما أمامه إلا ميتة، وإلا مات من الجوع، يأكل من الميتة بقدر ما ينقذ جوعه، وهذا يدل على سماحة الإسلام ويسره، ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [ البقرة : 185]، (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفرو) دين الإسلام قائم على التيسير على السماحة على ما يستطيع الإنسان، وهذه قاعدة ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
المسألة الرابعة: من الفوائد في هذا الحديث السؤال، أن من أسباب هلاك الأمم، كثرة الأسئلة التى لا داعي لها،يجب على الإنسان أن يسأل على ما أشكل عليه، خصوصا في دينه ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [ النحل : 43]، ولا ينال العلم مستحٍ ولا مستكبر، كما يقول الإمام مجاهد بن جبر -رحمه الله إمام التابعين-، لكن المحظور هنا هو التنطع فالسؤال ليس لغرض الفائدة إما للتعجيز، إما لاختبار هذا المتحدث وإما لبيان إحراجه أمام الناس أو أن السؤال لا فائدة منه مثل سؤال السائل، أفي كل عام يا رسول الله ؟ أو التنطع في جزئيات فرضيات ل يمكن أن تقع في الواقع، فهذه الأسئلة المنهية عنها، كذلك الأسئلة بغير أدب، فإذاً هذا السبب من أسباب هلاك الأمم كثرة الأسئلة، بمعنى: المحرجة أو المعجزة التى تلقى للاختبار، أو تلقى لأجل التعجيز، أو لا فائدة منها في الواقع،
العامل الثانى: الفرقة والاختلاف، والفرقة والاختلاف من أشد عوامل الهلاك، ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال : 46]، وهذه الأمة أمة واحدة، يجب أن تكون أمة مجتمعة، فكثرة التفرق والاختلاف سبب للحزازات، سبب للعداوات، سبب للبغضاء، ومن ثمَّ يكون سبب لدخول أعداء الله على أمة الإسلام، فيجب أن يتعاون المسلمون، أن يتحدوا ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة : 2]، وكذلك الآية الأخرى ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾ [آل عمران : 103]، ويعمل بعوامل الاجتماع، وتُنْبَذ عوامل الفرقة؛ ولذلك من عوامل فشل الأمم السابقة كثرة الأسئلة، والتفرق، والاختلاف على الأنبياء؛ فلذلك يجب أن يكون العاصم لنا الاجتماع على الكتاب والسنة.
المسألة الخامسة: التأدب في طلب العلم، فطالب العلم سمته الأدب مع طلبه للعلم، ونحمد الله -جل وعلا- على هذا التيسير الذي يسر لنا ديننا: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [ البقرة : 286]، ويقول -جل وعلا-: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن : 16].
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع