- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
شرح ملحة الإعراب للحريري البصري رحمه الله
الدرس الاول
التعريف بالناظم رحمه الله تعالى :الناظم هو أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري البصري رحمه الله تعالى، ولد في القرن الرابع وتوفي في أوائل القرن الخامس في سنة ستة عشرة وخمسمائة، عن سبعين سنةً.
كان نحويًا أديبًا شاعرًا ناثرًا من الطراز الأول، ذكروا في ترجمته أنه كان غايةً في الذكاء والفطنة والفصاحة والبلاغة، له مؤلفاتٌ كثيرةٌ، أعظمها المقامات، مقامات الحريري التي بقي في تأليفها عدة سنواتٍ، وهي خمسون مقامةً كل مقامةٍ عبارةٌ عن قصةٍ متخيلةٍ صاغها رحمه الله تعالى بأسلوبٍ أدبيٍّ رائعٍ، حتى قال عنها ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء وله تصانيف تشهد بفضله وتقر بنبله وكفاه شاهدًا كتاب المقامات التي أبر على الأوائل وأعجز الأواخر.
والمقامات طبع كثيرًا، ومن كتبه ملحة الإعراب،ومن كتبه درة الغواص في أوهام الخواص، وهو كتاب في التصحيح اللغوي.
التعريف المنظومة : فهي ملحة الإعراب،و هي أرجوزةٌ أي أنها ليست كتابًا منثورًا، وإنما أرجوزةٌ تختلف نسخها في عدد أبياتها، لكن المشهور أنها في سبعةٍ وسبعين وثلاثمائة بيتٍ من الرجز المشطور المزدوج في النحو التعليمي.
اختلفت نسخها في عدد الأبيات كما اختلفت أيضًا في بعض ألفاظها.
سماها الحريري رحمه الله تعالى ملحة الإعراب ..و الملحة هو الكلام المليح أو ما يُستملح من الحديث .
وفي بعض النسخ ملحة الإعراب وسنخة الآداب.. والسنخة الأصل، وفي بعض النسخ ونسخة الآداب، إلا أنها عرفت بملحة الإعراب.
يعدونها من متون النحو المتوسطة إلا أن الحقيقة أن ملحة الإعراب أعلى من الآجرومية لكنها أنزل من قطر الندى لابن هشام، ومن الأزهرية لخالد الأزهري، كان اهتمام الحريري رحمه الله تعالى فيها بضبط اللغة والكلام، بحيث لا يخطئ المتكلم والكاتب، فلهذا أغفل كثيرًا من الأحكام والمصطلحات والخلافات المهمة في سبيل ذلك.
شُرحت كثيرًا وخُدمت كثيرًا وأول من شرحها ناظمها الحريري رحمه الله تعالى،وشرحه مطبوعٌ ومحققٌ وأفضل تحقيقٍ له هو تحقيق الدكتور فائز فارس رحمه الله.
وشروحها بعد ذلك كثيرةٌ، فمن أوضح شروحها وأسهلها شرح بحرق، واسمه تحفة الأحباب وطرفة الأصحاب لبحْرق الحضرمي، وكذلك كشف النقاب لعبد الله الفاكهاني، أو لعبد الله الفاكهي.
ولها شروحٌ طويلةٌ فمن شروحها الطويلة اللمحة في شرح الملحة، لمحمد بن الحسن الصائغ.
لها خصائص ولا تخلو من عيوبٍ فمن خصائص ملحة الإعراب: سهولتها، فناظمها كما عرفنا أديبٌ بارعٌ، وشاعرٌ متمكنٌ، فلهذا لو لو استمع عليها الطالب عدة مراتٍ لحفظ كثيرًا منها، أما إذا ألقى باله عليها فسيحفظها في أيامٍ قليلةٍ.
ومن خصائصها، قلة أبياتها، فهي ليست ألفيةً، وإنما أقل من أربعمائة بيتٍ .
ومن خصائصها كثيرة أمثلتها فقد مثل الاسم مثلًا بثمانية أمثلةٍ، وكذلك للحرف، فلو أننا حذفنا الأمثلة المنظومة لقلت عن هذا العدد كثيرًا.
ومن عيوبها: 1-قلة المعلومات فيها، اشتغال كثيرٍ من الأبيات بالأمثلة .
2-اعتمادها على المذهب البصري، .
3-قلة ذكره للمذاهب الأخرى خاصةً المذهب الكوفي، بل قلة ذكره للخلافات المهمة مع أن بعضها خلافٌ قويٌ جدًا، وقد يكون هو الأحظ بالدليل.
كيف رتب الحريري هذه المنظومة ؟
الحريري قسمها إلى ثلاثة أقسامٍ :
الأول: مقدماتٌ نحويةٌ .
والثاني: إعراب الاسم .
والثالث: إعراب الفعل المضارع.
فالقسم الأول: المقدمات النحوية ذكر فيه تعريف الكلام، وانقسام الكلمة إلى اسمٍ وفعلٍ وحرفٍ، وانقسام الاسم إلى نكرةٍ ومعرفةٍ، والأحكام الإعرابية وعلاماتها.
وأما القسم الثاني :إعراب الاسم فذكر فيه مواضع جر الاسم، الإضافة والجر بحروف الجر، ومواضع رفع الاسم كالمبتدأ والخبر والفاعل ونائبه، ومواضع نصب الاسم، كالمفاعيل الخمسة و الحال والتمييز والاستثناء إلخ.
وفي آخر الاسم ذكر أحكامًا أخرى للاسم كالتصغير والنسب والتوابع وما لا ينصرف والعدد.
أما القسم الثالث :من الملحة هو في إعراب الفعل المضارع، ذكر فيه مواضع رفع الفعل المضارع، ومواضع نصب الفعل المضارع، ومواضع جزم الفعل المضارع.
ثم ختم الملحة ببابٍ عقده للكلام على البناء، وحصر المبنيات كأن البناء تفرق الكلام عليه في الملحة فأراد أن يجمعه في آخر الملحة في هذا الباب.
مقدمة ملحة الإعراب :
قال أبو محمد القاسم الحريري:
أقولُ مِن بَعدِ افتِتَاحِ القول
بِحمدِ ذي الطَّوْلِ الشديدِ الحَولِ
وبَعدَهُ فأفضَلُ السّلامِ
على النّبيّ سَيّدِ الأنَامِ
وآلِهِ الأطهَارِ خيرِ آلِ
فافهَم كَلامي واستَمِعْ مَقَالي
يَا سَائِلي عن الكَلامِ المُنتَظِمْ
حَدًّا ونَوعًا وإلى كَمْ يَنقَسِمْ
اسمَع هُدِيتَ الرُّشدَ مَا أقولُ
وافهَمْهُ فَهمَ مَن لهُ مَعقُولُ}
بِحمدِ ذي الطَّوْلِ الشديدِ الحَولِ
وبَعدَهُ فأفضَلُ السّلامِ
على النّبيّ سَيّدِ الأنَامِ
وآلِهِ الأطهَارِ خيرِ آلِ
فافهَم كَلامي واستَمِعْ مَقَالي
يَا سَائِلي عن الكَلامِ المُنتَظِمْ
حَدًّا ونَوعًا وإلى كَمْ يَنقَسِمْ
اسمَع هُدِيتَ الرُّشدَ مَا أقولُ
وافهَمْهُ فَهمَ مَن لهُ مَعقُولُ}
قدم رحمه الله تعالى لملحته بخمسة أبياتٍ ذكر فيها البسملة والحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبين سبب نظمها، وذكر فيها الدعاء بالرشد والفهم، ولو أنه رحمه الله تعالى قال في البيت الثاني: وأفضل الصلاة والسلام، فجمع بين الصلاة والسلام لكان ذلك أفضل من إفراده السلام.
وفي البيت الرابع قال: يا سائلي عن الكلام المنتظم، هذا هو مقول القول الذي ذكره في البيت الأول: أقول ماذا أقول؟ أقول يا سائلي وما بينهما كلامٌ معترضٌ.
وفي آخر البيت الخامس يقول: وافهمه فهم من له معقولٌ كلمة معقول هنا اسم مفعولٍ بمعنى المصدر، اسمٌ على وزن مفعول لكنها بمعنى المصدر يعني مفعولٌ يعني مفهومٌ بمعنى الفهم معقولٌ بمعنى العقل يعني افهمه فهم من له عقلٌ.
والمفعول قد يأتي بمعنى المصدر وإن كان هذا ليس كثيرًا في اللغة، ولكنه واردٌ وثابتٌ ومن ذلك قولهم: الميسور والمعسور والمخلوق بمعنى اليسر والعسر والخلق، تقول هذا مخلوق الله، أي خلق الله، وليس عندي ميسورٌ يعني يسرٌ، وخرج بعضهم على ذلك سبحانه وتعالى: ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ المَفْتُونُ﴾ [القلم: 5، 6]، المفتون قالوا بمعنى الفتنة، يعني بأيكم الفتنة، وإن كان الجمهور أبقوا المفتون على معنى اسم المفعول، وحكموا على الباب في بأيكم بأنها زائدةٌ للتوكيد، أي فستبصر ويبصرون أيكم المفتون.
باب الكلام والكلمة
الحريري رحمه الله تعالى لم يجعل في منظومته عنواين للأبواب فإن وجد شيئًا من ذلك فهو من عمل المحققين .
المحقق الدقيق في عمله يضع هذه العنواين التي زادها بين معكوفتين، ليبين أنها من زياداته، أما الحريري فقد نظمها كاملةً متتابعةً.
باب الكلام والكلمة
حدُّ الكَلامِ ما أفادَ المُستَمِعْ
نحوُ سَعَى زَيدٌ وعَمروٌ مُتبع
ونَوعُهُ الذي عليهِ يُبنَى
اسمٌ وفِعلٌ ثم حرفُ مَعنَى
فالاسم ما يدخله من وإلى
أو كان مجرورا بحتى وعلى
مثاله زيد وخيل وغنم
وذا وتلك والذي ومن وكم
والفِعلُ مَا يَدخُلُ قَدْ والسّينُ
عليهِ مِثلُ بَانَ أو يَبِينُ
أو لَحِقَتْهُ تاءُ مَن يُحدّثُ
كقولِهم في لَيسَ لستُ أَنفُثُ
أو كانَ أمرًا ذَا اشتِقَاقٍ نحوُ قُلْ
ومثلُهُ ادخُلْ وانبَسِطْ واشرَبْ وكُلْ
والحرفُ ما ليستْ لهُ عَلَامَةْ
فَقِسْ على قَولي تَكُنْ عَلَّامَةْ
مثالُهُ حتّى ولا وَثُمَّا
وهل وبَل ولَو ولَم ولَمَّا
نحوُ سَعَى زَيدٌ وعَمروٌ مُتبع
ونَوعُهُ الذي عليهِ يُبنَى
اسمٌ وفِعلٌ ثم حرفُ مَعنَى
فالاسم ما يدخله من وإلى
أو كان مجرورا بحتى وعلى
مثاله زيد وخيل وغنم
وذا وتلك والذي ومن وكم
والفِعلُ مَا يَدخُلُ قَدْ والسّينُ
عليهِ مِثلُ بَانَ أو يَبِينُ
أو لَحِقَتْهُ تاءُ مَن يُحدّثُ
كقولِهم في لَيسَ لستُ أَنفُثُ
أو كانَ أمرًا ذَا اشتِقَاقٍ نحوُ قُلْ
ومثلُهُ ادخُلْ وانبَسِطْ واشرَبْ وكُلْ
والحرفُ ما ليستْ لهُ عَلَامَةْ
فَقِسْ على قَولي تَكُنْ عَلَّامَةْ
مثالُهُ حتّى ولا وَثُمَّا
وهل وبَل ولَو ولَم ولَمَّا
في هذا الباب باب الكلام والكلمة ذكر رحمه الله تعالىثلاث مسائل هي :
ذكر تعريف الكلام، وذكر أنواع الكلمة، وذكر العلامات التي تميز كل نوعٍ عن الآخر.
ففي المسألة الأولى وهي تعريف الكلام قال رحمه الله تعالى:
حدُّ الكَلامِ ما أفادَ المُستَمِعْ
نحوُ سَعَى زَيدٌ وعَمروٌ مُتبع
نحوُ سَعَى زَيدٌ وعَمروٌ مُتبع
تعريف الكلام: هو ما جمع أمرين وهما اللفظ والإفادة، اللفظ المفيد.
اللفظ يشمل أمرين: أن يكون من الفم، وأن يكون بحروفٍ.
والإفادة يشمل أمرين أيضًا: أن يكون له معنى تامٌّ، وأن يكون باللغة العربية.
فما توافر فيه هذان الأمران اللفظ والإفادة فهو الذي يسميه النحويين الكلام.
فمثلا محمد لا نسميه كلامًا، قام لا نسميه كلامًا، باب لا نسميه كلامًا .
لكن إذا قلت باب نفهم أنه مكانٌ الدخول، إذا قلت محمد نفهم أنه رجلٌ، ذكرٌ إنسانٌ.
لكن الكلام قلنا في شرطه الإفادة والمراد بالإفادة أن يدل على معنى تامٍّ ليس على معنى فقط لأن المعنى قد يكون معنًى ناقصًا، وقد يكون معنًى تامًّا، فإذا قلتَ محمد، عرفتَ أنه إنسانٌ ذكرٌ، لكن ما باله، ماذا صنع، ماذا فعل؟ المعنى ما زال ناقصًا.
إذن فالكلام لابد أن يكون المعنى فيه تامًّا، يضبطون ذلك بأنهم يقولون يحسن أن تسكت عليه، لأن المعنى قد تم.
إذن قام.. وباب .. ومحمد هذه لا تسمى كلامًا ولكنها تسمى كلماتٍ .
ولو قلتَ إن قام محمدٌ فهذا أيضًا لا يسمى كلامًا لعدم تمام المعنى، ولكنه كلماتٌ، وإذا قلت إن قام محمدٌ قمت فهذا كلام وكلمات.
البكاء هل هو كلامٌ؟ لا مع أنه مفيدٌ، إذا بكى الطفل أنه متعبٌ مريضٌ، الصراخ مفيدٌ، لكنه ليس كلامًا لأنه ليس لفظًا، ليست حروفًا من الفم، وكذلك الصراخ، إشارة اليد قد تشير بتعال أو لا أو يكفي، فتفهم لكنها ليست كلامًا؛ لأنها ليست بلفظٍ.
اللغات الأعجمية كاللغة الإنجليزية واللغات الأخرى أيضًا ليست عند النحويين كلامًا لأنها ليست باللغة العربية.
الكتابة هل تسمى عند النحويين كلامًا؟ لا تسمى كلامًا لأنها ليست لفظًا لكن يجب أن تطبق أحكام النحو عليها لأنها صورة الكلام، والصورة يجب أن تكون مطابقةً للمصور، فإن قلت ما الفائدة من تعريف الكلام .
لماذا كل النحويين يبدأون النحو بتعريف الكلام؟
الفائدة من ذلك أن تعرف موضوع النحو، أي الشيء الذي يدرسه ويبحث فيه ويطبق عليه، أحكام النحو تطبقها على ماذا؟ تطبقها على الكلام طيب ما الكلام؟ هذا هو الكلام، هل تطبيق أحكام النحو على اللغة الإنجليزية؟ ما تطبق، لماذا؟ لأنه ليس كلامًا عند النحويين، كونه مفيدًا أو غير مفيدٍ هذا شيءٌ آخر، لا شك أن اللغات الأجنبية مفيدةٌ لمن يفهمها، كما أن البكاء والصراخ والإشارة كلها مفيدةٌ لكن لا تطبق عليها أحكام النحو لأنها لا تسمى عند النحويين كلامًا.
فهذه المسألة الأولى.
في الشطر الثاني قال الحريري، والحريري دقيقٌ في أمثلته، قال: نحوُ سَعَى زَيدٌ وعَمروٌ مُتبع، أراد أن يقول إن الكلام نوعان.
النوع الأولى الجملة الفعلية : وهي التي بدأت بفعلٍ نحو: سعى زيدٌ، أو يسعى زيدٌ، أو اسعَ.
والنوع الثاني الجملة الاسمية :والتي بدأت باسمٍ نحو: عمرو متبعٌ، أو الله ربنا، أو العلم نافعٌ.
ثم انتقل رحمه الله تعالى إلى المسألة الثانية وهي أنواع الكلمة، فقال:
ونَوعُهُ الذي عليهِ يُبنَى
اسمٌ وفِعلٌ ثم حرفُ مَعنَى
اسمٌ وفِعلٌ ثم حرفُ مَعنَى
فذكر في هذا البيت أنواع الكلمة، وهي أن الكلمة مهما تتبعتها في اللغة العربية فلن تخرج عن هذه الأنواع الثلاثة، أما تكون اسمًا أو فعلًا أو حرفًا حرف مَبْنى، فإن قلتَ ما دليل الحصر؟
فالجواب على ذلك، الاستقصاء، التتبع لكلام العرب، للقرآن الكريم، للحديث الشريف، لكلام العرب، فنجد أنه لا تخرج الكلمات فيه عن هذه الأنواع.
فإن قلت لماذا؟ قال الحريري: اسم وفعل فعطف بالواو ثم حرف فعطف بثم، فالجواب عن ذلك هو أن الحرف متأخر الرتبة عن الاسم والفعل، لأنه لا يكون عمدةً في الكلام، لأن الجُمل إما جملةٌ اسميةٌ تتكون من اسمٍ واسمٍ، كقولك الله عظيمٌ، أو اسمٍ وجملةٍ فعليةٍ مثل محمدٌ جاء، والنوع الثاني الجملة الفعلية وتتكون من فعلٍ واسمٍ مثل جاء محمدٌ.
إذن فالجمل تتكون بجميع أركانها ولا تحتاج إلى حرفٍ، وإنما الحرف يأتي بعد ذلك في المكملات.
لماذا قيد الحرف هنا بقوله حرف معنى ولم يقل اسم وفعل ثم حرف إنما قال حرف معنى هل هناك حرفٌ آخر الجواب نعم، الحروف نوعان:
- حروف معانٍ، والمفرد حرف معنى.
- وحروف مبانٍ والمفرد حرف مبنى.
فحروف المباني هي الحروف الهجائية ألف، باء، إلى الياء، هذه الحروف هي التي تُبنى منها الكلمات، فزيد يُبنى من الزاي ومن الياء ومن الدال، وذهب تُبنى من الذال والهاء والباء، تسمى حروف مبانٍ .
أو الحروف الهجائية هذه من عمل الصرفي الذي يبحث في بنية الكلمات، ولا يبحث فيها النحو وليست من عمل النحو.
والنوع الثاني من الحروف حروف المعاني : حروف المعاني هي الكلمة التي ليست اسمًا ولا فعلًا، لكن لها معنى، وهي حروف المعاني، مثل لم، حرف معناه النفي، هل حرف معناه الاستفهام، فحرف لأنه ليس اسمًا ولا فعلًا، حرف معنى لأن له معنى ليس كحروف المباني مثل زيد، الزاي في زيد ليس له معنى والياء ليس لها معنى والدال ليس له معنى وإنما المعنى من مجموعها.
اذن الكلمة تنقسم إلى اسمٍ وفعلٍ وحرفٍ. فإذا عرفنا ذلك فلنعرف أن معرفة انقسام الكلمة إلى اسمٍ وفعلٍ وحرفٍ، هو الضرورة الأولى في النحو لأن النحو له ضرورتان هذه الأولى .
والثاني هي معرفة انقسام الكلمة إلى معربٍ ومبنيٍّ، وعندما نقول ضرورةٌ، يعني أمرٌ لابد أن يقوم به النحوي، سواءً طُلب منه أو لم يُطلب منه، فقبل أي عمليةٍ نحويةٍ، قبل أي إعرابٍ، لابد أن يكون ذهنك بهاتين الضرورتين، الأولى أن تحدد نوع الكلمة، هل هي اسمٌ أم فعلٌ أم حرفٌ، فإذا أخطأتَ في تحديد النوع، فمعنى ذلك أنك أخطأتَ من أول الطريق، أخذتَ يمينًا، والطريق يسارٌ أو بالعكس، فحينئذٍ لن تصل إلى الجواب الصحيح، فلابد من الاهتمام بهذا الأمر، معرفة نوع الكلمة، فلهذا سيهتم الحريري والنحويون بالتمييز الواضح بين أنواع الكلمة.
ويذكرون علاماتٍ تميز الاسم عن غيره، وعلاماتٍ تميز الفعل عن غيره، وعلاماتٍ تميز الحرف عن غيره، فإن قلتَ إن هذا الأمر واضحٌ لا يحتاج إلى كل هذا العناء وكل هذا التمييز، الجواب عن ذلك: نعم، أكثر الكلمات في اللغة العربية التمييز بينها واضحٌ، أنها اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ، فمحمدٌ، وبابٌ، وجدارٌ، وكتابٌ، وزيدٌ أسماءٌ، ولو قلتَ: ذهب أو يذهب أو اذهب، أو جلس، أو يجلس، أو اجلس، هذه أفعالٌ، ولو قلتّ: في، أو من، أو عن، أو قد، أو لم، هذه حروف، لكن يبقى وراء ذلك كلماتٌ يخفى نوعها على كثيرٍ من الدارسين، لا يعرفها، هل هي اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ، وهذا سيجعله مضطربًا جدًّا في معرفة الحكم النحوي الصحيح والإعراب.
فلو قلنا مثلًا: ذهبتُ، ذهبتُ تتكون من كلمتين، من ذهب، وهذا فعلٌ ماضٍ واضحٌ، والتاء، التاء في ذهبت، هل هي اسمٌ أم حرفٌ؟ الجواب الصحيح أنها اسمُ؛ لأنها ضميرُ، قد يخطئ الطالب فيظنها حرفًا؛ لأنها على حرفٍ واحدٍ.
لو قلنا مثلًا: صَه، اعرف صَه؟ اعرب أُف في قوله تعالى: ﴿فلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: 23]، إذا كان ما يعرف أُف هل هي اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ، كيف سيعرفها ويتعامل معها تعامل نحو صحيح؟
وأف وصه اسمان، إذن ستصبح في إعراب الأسماء، وأحكام الأسماء .
لو قلنا مثلًا: جالسٌ، محمد جالسٌ، أو محمدٌ ذاهبٌ، أو محمدٌ نائمٌ، نائم وجالسٌ اسمٌ أم فعلٌ؟ الجواب الصحيح أنها أسماءٌ، قد يظن الطالب أنها أفعالٌ، لو قلنا جلوس، قيام، أكل، شرب، هذه أيضًا أسماءٌ، قد يظن الطالب أنها أفعالٌ، لأن فيها معنى الحدث، نعم صحيح الحدث موجودٌ فيها، كما أنه موجودٌ في جالس، وفي قائم، وفي نائم، لكنها ليست عند النحويين أفعالًا، يعني لا تعامل ولا تعرف معاملة الأفعال، بل هي أسماءٌ، أما الفعل فهو ما دل على حدثٍ وزمانه، جلس ويجلس واجلس، هذه الأفعال، أما جالس وجلوس، هذه أسماءٌ.
إذن لابد من التمييز الواضح بين أنواع الكلمة ، وهذا الذي ذكره الحريري بعد ذلك.
فبدأ بالعلامات التي تميز الاسم عن أخويه، الفعل والحرف، فبدأ بالاسم، فقال: فالاسم ما يدخله من وإلى، أو كان مجرورًا بحتى وعلى، مثاله: زيد، وخيل، وغنم، وذا، وتلك، والذي، ومن، وكم.
ذكر الحريري علامتيْن تميز الاسم وهي :قبول حروف الجر فكل كلمةٍ تقبل حرفًا من حروف الجر،كمن، أو إلى، أو حتى، أو على، فهو اسمٌ، وهذه العلامة علامةٌ جيدةٌ جدًّا، لتمييز الأسماء عن غيرها، فمهما قبلت الكلمة الجر بإلى فهي اسمٌ، فتقول: نظرت إلى محمدٍ، وإلى هذا، وإلى الذي بجوارك، ونظرت إليك، هذه كلها أسماءٌ، نظرت إلى من بجوارك، من هنا اسم؛ لأنها قبلت حرف الجر، وهكذا.
ومع ذلك فإن العلامات التي تميز الأسماء أكثر من ذلك، بل إن الآجرومية، وهي متنٌ صغيرٌ، ذكرت أربع علاماتٍ تميز الاسم، فذكرت قبول حروف الجر، وذكرت قبول ال، وذكرت قبول التنوين، وذكرت قبول النداء، وكل كلمةٍ تقبل هذه الأربعة أو واحدًا منها فهي اسمٌ.
والحريري اكتفى بهذه العلامة ومثَّل بثمانية أمثلةٍ وهي: نظرت إلى زيدٍ، وإلى خيلٍ، وإلى غنمٍ، ونظرت إلى ذا، ونظرت إلى تلك، ونظرت إلى الذي بجوارك، ونظرت إلى من بجوارك، وإلى كم تسير، فكلها أسماءٌ قد قبلت إلى.
ثم انتقل -رحمه الله تعالى- الى النوع الثاني من الكلمة وهو: الفعل فقال:
والفعل ما يدخل قد والسين عليه،مثل بان أو يبين، أو لحقته تاء من يحدث، كقولهم في ليس لستُ أنفث، أو كان أمرًا ذا اشتقاقٍ نحو قُل، ومثله ادْخلْ وانبسطْ واشربْ وكلْ.
فذكر هنا للفعل أربع علاماتٍ، العلامة الأولى: قبول قد، وقد تدخل على الأفعال الماضية، وعلى الأفعال المضارعة فقط، إذن لا تقبل إلا فعلًا، فهو بالفعل تميز الأفعال، مثل قد بان، وقد يبين، ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾، و﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾.
العلامة الثانية: قبول السين ومثل السين أخوه، سوف، وهما حرفا تسويفٍ، وهما خاصان بالفعل المضارع، السين وسوف لا يدخل إلا على الفعل المضارع، لا يدخلان على الفعل الماضي، ولا على فعل الأمر، ولا على الاسم، ولا على الحرف، كقولك: سوف يبين، أو ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ [الضحى: 5]، ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ [الفتح: 11].
العلامة الثالثة تاء المتكلم وهي :التي عبَّر عنها الحريري بقوله: تاء من يحدث، الذي يحدث يعني الذي يتكلم، تاء المتكلم، وهذه خاصة بالفعل الماضي، تاء المتكلم لا تقبل إلا الفعل الماضي، إذن علامة مميزة للفعل الماضي، نحو ذهبت، وبنت يعني بان، ثم دخلت عليها التاء، بنت، وكذلك ليس ولست.
العلامة الرابعة الأمر المشتق وهذا قوله: أو كان أمرًا ذا اشتقاقٍ، يعني أن تكون الكلمة دالةً على الأمر، طلب الشيء، وأن يكون ذا اشتقاقٍ، يعني مشتقٌ، يعني له تصريفٌ آخر، له ماضٍ ومضارعٌ، كقولك: اذهبْ، اذهبْ هذا فعل أمرٍ، لماذا؟ لأنه يدل على الأمر، ومشتقٌ له تصريفٌ آخر، ذهبَ يذهبُ، وقلْ، يدل على الأمر، وله تصريفٌ آخر، اشتقاقٌ آخر قال يقول، وكذلك ادخلْ من الدخول، وانبسط من انبسط، واشرب من شرب، وكل من الأكل، أو أكل، وهكذا، وهذا كما هو واضحٌ، علامةٌ خاصةٌ بفعل الأمر.
الخلاصة: العلامة التي تميز الفعل الماضي هي تاء المتكلم، والعلامة التي تميز الفعل المضارع السين أو سوف، والعلامة التي تميز فعل الأمر الدلالة على الأمر مع الاشتقاق، فبذلك ميزنا كل نوعٍ من أنواع الفعل.
ثم انتقل بعد ذلك إلى النوع الثالث وهو: الحرف وقال: والحرف ما ليس له علامةٌ فقس على قولي تكن علامةً، مثاله: حتى، ولا، وثما، وهل، وبل، ولو، ولم، ولما.
الحرف ما ليس له علامةٌ، هذه روايةٌ، وفي روايةٌ أخرى، والحرف ما ليست له علامةٌ.
هذا هو الأخ الأصغر للاسم والفعل، فما علامته التي تميزه عن غيره؟
قال الحريري: والحرف ما ليست له علامةٌ، يعني له علامةٌ أو ليست له علامةٌ؟ يقول: إن الحرف علامته علامةٌ عدميةٌ، أنه الكلمة التي لا تقبل شيئًا من علامات الأسماء ولا علامات الأفعال.
إذن علامات الأسماء علاماتٌ وجوديةٌ، أن تقبل كذا وكذا، والحرف علاماته وجوديةٌ، أن يقبل كذا وكذا، أما الحرف فعلامته علامةٌ عدميةٌ.
ومثَّل له بثمانية أمثلةٍ، فقال مثاله: حتى :حتى هذا حرف جرٍّ يدل على الغاية ولا: هذا حرف نفيٍ فلا يعمل، وقد يكون حرف نهيٍ، فيعمل الجزم في المضارع، وثم: هذا حرف عطفٍ، يفيد المهلة، ثمَّ بألف أم من دون ألف؟ يعني ثاءٌ وميمٌ مشددةٌ، جاء محمدٌ ثمَّ زيدٌ، الألف الموجودة في البيت، وثمَّ هذه نسميها ألف الإطلاق، تقع في آخر البيت، يعني أن الحركة الأخيرة نمدها، ونطلقها حتى تتحول إلى حرفٍ، وهذا سيأتي كثيرًا في هذه المنظومة، وفي المنظومات الأخرى، وفي الأشعار عمومًا.
قال: وهل، هل حرف استفهامٍ، وبل، بل حرف عطفٍ يفيد الإغراب، ولو، هذا حرف شرطٍ غير عاملٍ، ولم، هذا حرف نفيٍ، يجزم المضارع، ولما، حرف نفيٍ يجزم المضارع، لما ألفه هذه من الحرف.
مما يفيدنا كثيرًا في الكلام على الحروف أن نعلم أن الحروف على نوعين.
النوع الأول: الحروف غير المختصة قولنا غير المختصة، أي لا تختص بالدخول على قبول واحد من الكلمات، لا تختص بالأسماء، أو تختص بالأفعال، بل تدخل على الأسماء وعلى الأفعال، والقاعدة في هذه الحروف أنها حروفٌ هاملةٌ مهملةٌ غير عاملةٍ، لا تعمل شيئًا، لا جرًّا ولا رفعًا ولا نصبًا ولا جزمًا.
مثال ذلك: حرفا الاستفهام، هل والهمزة، تقول: هل محمدٌ حاضرٌ، أو هل حضر محمدٌ؟، فتدخل على الاسم وعلى الفعل، فلهذا لم تعمل، ومن الحروف غير المختصة حروف العطف، فهذه أيضًا لا تعمل.
النوع الثاني: الحروف المختصة، وهي نوعان: النوع الأول الحروف المختصة بالأسماء، يعني لا تدخل إلا على الأسماء، فهذه الأصل فيها أنها تعمل.
من أمثلتها: حروف الجر، لا تدخل على الأفعال، تختص بالأسماء، ولهذا عملت الجر، ومنها أيضًا إن وأخواتها، هذه حروفٌ، ولا تدخل إلا على الأسماء وهي تعمل تنصب الاسم وترفع الخبر.
والنوع الثاني من الحروف المختصة: الحروف المختصة بالأفعال، التي تدخل على الأفعال، ولا تدخل على الأسماء، والأصل فيها أنها تعمل، مثال ذلك: الحروف الناصبة للمضارع، أن، ولن، وكي، وإذن، ومنها الحروف الجازمة للمضارع، لم، ولما، ولام الأمر، ولا الناهية.
إذن فالأصل في الحروف المختصة أنها تعمل، والأصل في الحروف غير المختصة أنها لا تعمل، هذه القاعدة سنستفيد منها -إن شاء الله تعالى- في عدة مواضع في النحو .
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع