- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
الــــــــــــــــــــــــــــــ الأول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدرس
ترجمة شيخِ شيوخنا إمامِ القرّاء الحافظ ابن الجزري - رحمه الله تعالى- اسمه, ونسبه:
هو أبو الخير شمسُ الدين محمدُ بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف بن الجزري الشافعيُّ الدمشقيُّ ثم الشيرازيُّ.
مولده:
ولد ليلة السبت؛ الخامس والعشرين من شهر رمضان؛ سنة إحدى وخمسين وسبع مئة؛ داخل خط القصّاعين بين السُّورَيْن بدمشق.
كان أبوه عقيما, ومكث أربعين سنةً لا يولدُ له, ثم حَجَّ سنة 750, وشرب مِن ماء زمزم بنيّة أن يُولَد له ولدٌ عالمٌ, فما أن مرَّت تسعةُ أشهرٍ مِن حَجِّه حتى وُلِدَ له هذا الولد؛ الذي قدَّر الله -تبارك وتعالى- أن يكون أحد أعلام المسلمين.
نشأته, ومسيرته العلمية والعملية:
نشأ ابنُ الجزري في دمشق, واشتغل بحفظ القرآن الكريم, وأتمَّ حِفظَه سنة 764 وله من العمر حينئذ ثلاث عشرة سنة, وذلك على يد الحسن بن عبد الله السروجي الدمشقي -شيخِ والدِه-, وحفظ عليه من الشاطبية إلى أواخر الإدغام, وهو الذي عَرَّفَه الرموزَ والاصطلاح, وقرأ عليه بحرف أبي عمرٍو إلى آخر المائدة في سنة 763.
وفي سنة 764 صلى بالناس إماما.
دَرَسَ القراءات والتجويد في دمشق على عدد من شيوخها, منهم:
1- أبو محمد عبد الوهاب بن يوسف بن السَّلَّار, وهو أول شيخ انتفع به, ولازمه, وصحح عليه الشاطبية درسا وعرضا, وتلا عليه ختمة بقراءة أبي عمرو, وأجازه وهو دون سن البلوغ بكثير, وكان ذلك سنة 766.
2- إبراهيم بن عبد الله الحموي المؤدِّب, قرأ عليه جمعا للسبعة, وتردد إليه كثيرا, ومنه استفاد علمَ التجويد ودقائقَ التحرير, وعليه ارتاض لسانه بالتحقيق, ولم تر عيناه من شيوخه أعلم بالتجويد منه, ولا أصح تلفظا وتحريرا, وكان ذلك سنة 767.
وبعد أن أتم الأخذ عن شيوخ بلده ودرس عليهم أشهر كتب القراءات وقرأ عليهم بمضمنها - تطلعت نفسه للرحلة خارج بلاد الشام يبحث عن الأسانيد العالية, وكان قد عزم على الرحلة إلى بلاد الأندلس؛ للأخذ عن شيخها محمد بن يوسف بن عبد الله الأندلسي -خطيب غرناطة, الذي كان أعلى القراء إسنادا في زمانه-؛ فمنعه والداه من الرحلة إليه؛ خوفا عليه من مشقة السفر وخطورة الطريق, وكانت أول رحلة له سنة 768 إلى الحجاز حاجا, فقرأ بالمدينة الشريفة على أبي عبد الله محمد بن صالح المقرئ -شيخ المدينة, ومَن انتهت إليه القراءة عُلُوًّا بالحجاز- بمضمن "الكافي" و"التيسير" بين الروضة والمنبر, ورحل إلى مصر ثلاث رحلات علمية بعد حجته تلك, ورحل إليها بعد ذلك مرات كثيرة لأغراض متعددة.
أما رحلاته العلمية الثلاث فهي كالآتي:
الرحلة الأولى- رحلةُ سنة 769, قرأ خلالها على ثلاثة من كبار شيوخ القراءات في مصر, وهم:
1- أبو بكر بن أَيْدُغْدي بن عبد الله, الشهير بـ:ابن الجُنْدِي -مؤلف كتاب: "البستان في قراءات الثلاثة عشر"-, وأجازه قبل وفاته.
2- أبو الحسن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن الصائغ, قرأ عليه ختمة بالقراءات السبع جمعا بمضمن "الشاطبية" و"التيسير" و"العنوان" في تلك السنة, ثم رحل إليه مرة أخرى سنة 771.
3- أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن علي البغدادي ثم المصري, قرأ عليه جمعا بالقراءات ختمتين: الأولى بمضمن "الشاطبية" و"التيسير" و"العنوان" سنة 769, ثم رحل إليه ثانيا سنة 771 فقرأ عليه الختمة الثانية.
وفي هذه الرحلة كَتَبَ كتابَه: "التمهيد في علم التجويد" وهو بالقاهرة.
الرحلة الثانية- رحلة سنة 771, وأقام خلالها في القاهرة يدرس القراءات والحديث والفقه, وقرأ فيها على ابن الصائغ والبغدادي -كما سبق آنفا-.
الرحلة الثالثة- رحلة سنة 778, قرأ فيها القراءات والأصول والمعاني والبيان, ورحل إلى الإسكندرية وأخذ عن شيوخها.
وكان بين رحلاته الثلاث يعود إلى دمشق ويقرأ على شيوخه القراءات -التي اشتد اعتناؤه بها- وغيرَها من العلوم, حتى أذِن له غيرُ واحدٍ من علماء عصره بالإفتاء والتدريس والإقراء؛ فباشر ذلك في عدد من المدارس في بلاد الشام والقدس, ثم بنى له مدرسة في دمشق برأس عقبة الكِتَّان سماها: "دار القرآن", فأقرأ الناس بها.
وقد ظل مقيما في بلاد الشام ويتردد إلى مصر, ووُلِّيَ قضاء الشام سنة 793 -ولم يَتِمَّ له وصُرِف عنه-, وباشَر بعض الأعمال الإدارية للأمير قُطْلَوبك -وهو المشرف على تدبير بيوت أَيْتَمُش أميرِ عسكر السلطان الظاهر برقوق, لكن هذا العمال جَرَّ عليه متاعب, وغيّرَ وجهة حياته.
وفي جمادى الأولى سنة 798 هرب من القاهرة إلى بلاد الروم, وكان السبب في هروبه هو مَا ناله من الظلم مِن أخذِ مالِه بالديار المصرية, فنزل بمدينة بُرصة -دار الملك العادل المجاهد بايزيد بن عثمان-, وكانت مدينة برصة -آنذاك- عاصمةَ دولة السلطان العثماني الرابع بايزيد بن مراد بن أورخان بن عثمان, الذي بويع بالسلطنة بعد وفاة أبيه سنة 791, وكان السلطان بايزيد من خيار ملوك الأرض, وكان مهابا, يحب العلم والعلماء, ويكرم أهل القرآن, وكان من تيسير الله -تعالى- على ابن الجزري في بلاد الروم أنه التقى هناك بتلميذٍ له قديمٍ يُعرَفُ بـ:شيخ حاجي, كان قد قرأ عليه في دمشق, فعَرَّفَ الملكَ بمقداره؛ فعظمه وأكرمه, ورتَّبَ له في كل يومٍ مئتي درهم, وساق له عدةَ خيولٍ ومماليكَ. كذلك صادف تلميذه القديم مؤمن بن علي بن محمد الرومي الفلكآباذي؛ الذي كان قرأ عليه بدمشق, فنزل عنده.
وأقام ابن الجزري في مدينة برصة يشارك في الجهاد مع جيوش العثمانيين ويشتغل بالعلم, فأخذ عنه أهل تلك البلاد القراءات والحديث, وانتفعوا به, واشتغل بالتأليف إلى جانب التدريس, فألف هناك كتابَه: "النشر في القراءات العشر" سنة 799, وكذلك نَظَم "طيبة النشر" في السنة ذاتها. ويبدو أنه نوى الإقامة في مملكة آل عثمان, فلحقه عدد من أولاده, منهم: أبو بكر أحمد, لحقه بكثير مِن كُتُبِه التي كان قد تركها وراءه في دمشق, وأقام عنده يفيد ويستفيد. ومنهم -أيضا- : أبو الخير محمد, فصلى بالقرآن وحفظ "المقدمة" و"الجوهرة". وبقي ابنه أبو الفتح محمد في دمشق, وباشَرَ وظائف والده, حتى اخْتَرَمَتْهُ يَدُ المَنُونِ بالطاعون.
ولم تمض على إقامة ابن الجزري في بلاد الروم إلا ست سنوات وبضعة أشهر حتى هاجم تَيْمُورْلَنْكُ بجيوشه الدولةَ العثمانية, وخرج ابنُ الجزري مع جيوش العثمانيين التي خرجت لمواجهة المغول, وشهد الوقعة التي دارت بين الجيشين في سهل أنقرة سنة 804, فكُسِر الجيشُ العثماني, ووقع الملك بايزيد في الأسر, وكذلك وقع ابن الجزري أسيرا في أيدي المغول, فاحتمله تيمورلنك معه -بعد أن عرف منزلته- إلى بلاد ما وراد النهر -على عادته مع كبار علماء الدول الإسلامية التي دخلها-, وأنزله في مدينة كَشّ, فكان هناك حتى وفاةِ تيمورلنك سنة 807, وهناك وجد فرصة لتعليم القرآن والتفرغ للتأليف, فقرأ عليه بها وبِسَمَرْقَنْدَ جماعةٌ, منهم: عبد القادر بن طلة الرومي, وجماعة لم يكملوا. واشتغل هناك بالتأليف أيضا, خاصة في علم الحديث؛ لحاجة أهل تلك البلاد إلى ذلك؛ فشرَحَ كتابَ: "مصابيح السنة", ولمّا استطرد الكلام إلى اصطلاح القوم طلبوا مختصرا جامعا لعلومه, وكانت منظومته المسماة: "الهداية على معالم الرواية" غير مستغنية عن بسط القول, فوضع مختصرا في مصطلح الحديث سماه: "تذكرة العلماء في أصول علم الحديث" يكون بدايةً لتلك الهداية.
وبعد وفاة تيمورلنك خرج قاصدا العودة إلى موطنه, فوصل إلى بلاد خراسان, ودخل مدينة هَرَاة, فقرأ عليه للعشرة جماعةٌ, أكملَ منهم: العالِمُ جمالُ الدين محمد بن محمد, الشهير بـ:ابن افتخار الهروي, ثم قَفَلَ راجعا إلى مدينة يَزْد, فقرأ عليه للعشرة جماعة, منهم: الفاضل شمس الدين محمد بن الدباغ البغدادي, وجماعة لم يكملوا, ثم دخل أصبهان, فقرأ عليه بها جماعة -أيضا-, ولم يكملوا, ثم وصل شيراز سنة 808, ويبدو أنه كان يسير سيرا حثيثا في طريق عودته؛ فإنه قطع المسافة بين سمرقند وشيراز في حدود شهر, وكان في أثناء ذلك يقرئ ويقرأ, فحين مَرَّ بمدينة يزد اغتنم الفرصة ليروي كتاب: "غاية المنتهي ونهاية المبتدي في القراءات العشر" لأسعد بن الحسين بن سعد بن بندار القاضي أبو ذر اليزدي -وهو كتابٌ حافلٌ, أحسنَ مؤلفُه في تأليفه, وأجاد في تصنيفه-, وعند وصوله إلى شيراز أمسكه بها سلطانها بير محمد ابن صاحبها أمير عمر شيخ بن أمير تُمُر, فقرأ عليه بها جماعة كثيرون للعشرة, ثم ألزمه صاحبُها بير محمد بالقضاء بها, وبممالكها وما أضيف إليها -كُرْهًا-؛ فبقي مدة, وتغيرت عليه الملوك, ومن أخذها, لا يمكنه الخروج منها, حتى فتح الله عليه؛ فاستقرت قدمه بشيراز, وانتفع به أهلها في القرآن والحديث, وأنشأ هناك مدرسة تُعرَف بـ: "دار القرآن", وعَمَّرَ منزلا له في سوق الإسكافيين كان ينزلها, والتأم شملُ الأسرة من جديد, وبقي أولاده وأحفاده هناك. وقد رحل وهو في شيراز -بعد خمس عشرة سنة من إقامته فيها- الخروجَ للحج, وذلك سنة 822, فخرج منها متوجها إلى البصرة, فوصل إلى قرية عنيزة, وتوجها منها, فأخذهم الأعراب من بني لامٍ بعد مرحلتين, فرجع إلى عنيزة, ونظم بها منظومة: "الدرة المضية في القراءات الثلاث المرضية", وكان قد فاته الحج بسبب ما حدث له, وأقام بينبع ثم في المدينة, ثم دخل مكة, فجاور إلى أن حج سنة 823, ورجع إلى العراق, وكان كاتَبَ المؤيَّدَ أن يأذن له في دخول القاهرة, فمات المؤيد في تلك السنة؛ فرجع إلى شيراز, ثم خرج منها مرة أخرى للحج وزيارة مصر والقاهرة, ثم قدم دمشق -بعد ثلاثين سنة من مغادرتها-, فاستأذن منها في قدوم القاهرة, فأذن له؛ فقدمها, وتصدى للإقراء والتحديث, ثم توجه لمكة مع الحجاج, ثم سافر في البحر لليمن تاجرا, فأسمَعَ الحديثَ عند صاحبها, ووصله بحيث رجع ببضائع كثيرة, وعاد لمكة فحج سنة 828, ثم رجع إلى القاهرة فدخلها, وانثالَ عليه الناس للسماع عليه والقراءة, ونشَرَ علما كثيرا, وكان قد ثَقُل سمعُه قليلا, لكن بصره صحيحٌ يكتبُ الخطَّ الدقيقَ -على عادته-, وكان عمره آنذاك سبعا وسبعين عاما. ثم سافر من القاهرة على طريق الشام, ثم على طريق البصرة إلى شيراز, وكان في رحلته الطويلة هذه يقرئ ويحدّث, ثم دخل شيراز سنة 829, ومكث فيها بضع سنوات أخرى, حتى كانت منيتُه فيها قبيل ظُهر الجمعة خامس ربيع الأول سنة 833 بمنزله, ودُفِن بمدرسته التي أنشأها هناك, وكانت جنازته مشهودة, تَبَادَرَ الأشرافُ والخواصُّ والعوامُّ إلى حملها؛ لمكانته في نفوس الناس -رحمه الله تعالى-.
وكان لابن الجزري عنايةٌ بالحديث والفقه والأصول والعربية, وطلبَ هذه العلوم ودَرَسَها على شيوخ عصره في بلاد الشام ومصر, وأذِن له غير واحد بالإفتاء والتدريس والإقراء -مِن أبرزهم: شيخُه الحافظ المفسر عماد الدين ابنُ كثير-, وتصدر للإقراء في مدرستيه, وفي الجامع الأموي بدمشق, ثم تولى مشيخة الإقراء بالعادِلية, ثم مشيخة دار الحديث الأشرفية, ثم مشيخة تربة أم الصالح بعد شيخه ابن السلار, ونشر علم القراءات والحديث في بلاد الروم وشيراز.
أسرته, وأولاده:
كانت أسرته غير عاطلة من العلم والجاه؛ فقد كان أبوه تاجرا, وتَلَقَّنَ القرآنَ على السروجي, واعتنى بتنشئة ابنه تنشئة صالحة.
وقد تزوج ابنُ الجزري -ولكن لا يُدرى هل تزوج بواحدة أم بأكثر-, ومنحه الله ذريةً, وبارك له فيها؛ فكان من أبنائه وبناته علماء ومؤلفون. وقد وُجِدَ في آثار ابن الجزري -فيما أعلم- أسماء عشرةٍ منهم؛ هم:
- أبو الفتح محمد -وهو أكبر أولاده-.
- أبو بكر أحمد.
- أبو القاسم علي.
- أبو الخير محمد.
- أبو البقاء إسماعيل.
- أبو الفضل إسحاق.
- فاطمة.
- عائشة.
- سلمى.
- خديجة.
هو أبو الخير شمسُ الدين محمدُ بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف بن الجزري الشافعيُّ الدمشقيُّ ثم الشيرازيُّ.
مولده:
ولد ليلة السبت؛ الخامس والعشرين من شهر رمضان؛ سنة إحدى وخمسين وسبع مئة؛ داخل خط القصّاعين بين السُّورَيْن بدمشق.
كان أبوه عقيما, ومكث أربعين سنةً لا يولدُ له, ثم حَجَّ سنة 750, وشرب مِن ماء زمزم بنيّة أن يُولَد له ولدٌ عالمٌ, فما أن مرَّت تسعةُ أشهرٍ مِن حَجِّه حتى وُلِدَ له هذا الولد؛ الذي قدَّر الله -تبارك وتعالى- أن يكون أحد أعلام المسلمين.
نشأته, ومسيرته العلمية والعملية:
نشأ ابنُ الجزري في دمشق, واشتغل بحفظ القرآن الكريم, وأتمَّ حِفظَه سنة 764 وله من العمر حينئذ ثلاث عشرة سنة, وذلك على يد الحسن بن عبد الله السروجي الدمشقي -شيخِ والدِه-, وحفظ عليه من الشاطبية إلى أواخر الإدغام, وهو الذي عَرَّفَه الرموزَ والاصطلاح, وقرأ عليه بحرف أبي عمرٍو إلى آخر المائدة في سنة 763.
وفي سنة 764 صلى بالناس إماما.
دَرَسَ القراءات والتجويد في دمشق على عدد من شيوخها, منهم:
1- أبو محمد عبد الوهاب بن يوسف بن السَّلَّار, وهو أول شيخ انتفع به, ولازمه, وصحح عليه الشاطبية درسا وعرضا, وتلا عليه ختمة بقراءة أبي عمرو, وأجازه وهو دون سن البلوغ بكثير, وكان ذلك سنة 766.
2- إبراهيم بن عبد الله الحموي المؤدِّب, قرأ عليه جمعا للسبعة, وتردد إليه كثيرا, ومنه استفاد علمَ التجويد ودقائقَ التحرير, وعليه ارتاض لسانه بالتحقيق, ولم تر عيناه من شيوخه أعلم بالتجويد منه, ولا أصح تلفظا وتحريرا, وكان ذلك سنة 767.
وبعد أن أتم الأخذ عن شيوخ بلده ودرس عليهم أشهر كتب القراءات وقرأ عليهم بمضمنها - تطلعت نفسه للرحلة خارج بلاد الشام يبحث عن الأسانيد العالية, وكان قد عزم على الرحلة إلى بلاد الأندلس؛ للأخذ عن شيخها محمد بن يوسف بن عبد الله الأندلسي -خطيب غرناطة, الذي كان أعلى القراء إسنادا في زمانه-؛ فمنعه والداه من الرحلة إليه؛ خوفا عليه من مشقة السفر وخطورة الطريق, وكانت أول رحلة له سنة 768 إلى الحجاز حاجا, فقرأ بالمدينة الشريفة على أبي عبد الله محمد بن صالح المقرئ -شيخ المدينة, ومَن انتهت إليه القراءة عُلُوًّا بالحجاز- بمضمن "الكافي" و"التيسير" بين الروضة والمنبر, ورحل إلى مصر ثلاث رحلات علمية بعد حجته تلك, ورحل إليها بعد ذلك مرات كثيرة لأغراض متعددة.
أما رحلاته العلمية الثلاث فهي كالآتي:
الرحلة الأولى- رحلةُ سنة 769, قرأ خلالها على ثلاثة من كبار شيوخ القراءات في مصر, وهم:
1- أبو بكر بن أَيْدُغْدي بن عبد الله, الشهير بـ:ابن الجُنْدِي -مؤلف كتاب: "البستان في قراءات الثلاثة عشر"-, وأجازه قبل وفاته.
2- أبو الحسن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن الصائغ, قرأ عليه ختمة بالقراءات السبع جمعا بمضمن "الشاطبية" و"التيسير" و"العنوان" في تلك السنة, ثم رحل إليه مرة أخرى سنة 771.
3- أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن علي البغدادي ثم المصري, قرأ عليه جمعا بالقراءات ختمتين: الأولى بمضمن "الشاطبية" و"التيسير" و"العنوان" سنة 769, ثم رحل إليه ثانيا سنة 771 فقرأ عليه الختمة الثانية.
وفي هذه الرحلة كَتَبَ كتابَه: "التمهيد في علم التجويد" وهو بالقاهرة.
الرحلة الثانية- رحلة سنة 771, وأقام خلالها في القاهرة يدرس القراءات والحديث والفقه, وقرأ فيها على ابن الصائغ والبغدادي -كما سبق آنفا-.
الرحلة الثالثة- رحلة سنة 778, قرأ فيها القراءات والأصول والمعاني والبيان, ورحل إلى الإسكندرية وأخذ عن شيوخها.
وكان بين رحلاته الثلاث يعود إلى دمشق ويقرأ على شيوخه القراءات -التي اشتد اعتناؤه بها- وغيرَها من العلوم, حتى أذِن له غيرُ واحدٍ من علماء عصره بالإفتاء والتدريس والإقراء؛ فباشر ذلك في عدد من المدارس في بلاد الشام والقدس, ثم بنى له مدرسة في دمشق برأس عقبة الكِتَّان سماها: "دار القرآن", فأقرأ الناس بها.
وقد ظل مقيما في بلاد الشام ويتردد إلى مصر, ووُلِّيَ قضاء الشام سنة 793 -ولم يَتِمَّ له وصُرِف عنه-, وباشَر بعض الأعمال الإدارية للأمير قُطْلَوبك -وهو المشرف على تدبير بيوت أَيْتَمُش أميرِ عسكر السلطان الظاهر برقوق, لكن هذا العمال جَرَّ عليه متاعب, وغيّرَ وجهة حياته.
وفي جمادى الأولى سنة 798 هرب من القاهرة إلى بلاد الروم, وكان السبب في هروبه هو مَا ناله من الظلم مِن أخذِ مالِه بالديار المصرية, فنزل بمدينة بُرصة -دار الملك العادل المجاهد بايزيد بن عثمان-, وكانت مدينة برصة -آنذاك- عاصمةَ دولة السلطان العثماني الرابع بايزيد بن مراد بن أورخان بن عثمان, الذي بويع بالسلطنة بعد وفاة أبيه سنة 791, وكان السلطان بايزيد من خيار ملوك الأرض, وكان مهابا, يحب العلم والعلماء, ويكرم أهل القرآن, وكان من تيسير الله -تعالى- على ابن الجزري في بلاد الروم أنه التقى هناك بتلميذٍ له قديمٍ يُعرَفُ بـ:شيخ حاجي, كان قد قرأ عليه في دمشق, فعَرَّفَ الملكَ بمقداره؛ فعظمه وأكرمه, ورتَّبَ له في كل يومٍ مئتي درهم, وساق له عدةَ خيولٍ ومماليكَ. كذلك صادف تلميذه القديم مؤمن بن علي بن محمد الرومي الفلكآباذي؛ الذي كان قرأ عليه بدمشق, فنزل عنده.
وأقام ابن الجزري في مدينة برصة يشارك في الجهاد مع جيوش العثمانيين ويشتغل بالعلم, فأخذ عنه أهل تلك البلاد القراءات والحديث, وانتفعوا به, واشتغل بالتأليف إلى جانب التدريس, فألف هناك كتابَه: "النشر في القراءات العشر" سنة 799, وكذلك نَظَم "طيبة النشر" في السنة ذاتها. ويبدو أنه نوى الإقامة في مملكة آل عثمان, فلحقه عدد من أولاده, منهم: أبو بكر أحمد, لحقه بكثير مِن كُتُبِه التي كان قد تركها وراءه في دمشق, وأقام عنده يفيد ويستفيد. ومنهم -أيضا- : أبو الخير محمد, فصلى بالقرآن وحفظ "المقدمة" و"الجوهرة". وبقي ابنه أبو الفتح محمد في دمشق, وباشَرَ وظائف والده, حتى اخْتَرَمَتْهُ يَدُ المَنُونِ بالطاعون.
ولم تمض على إقامة ابن الجزري في بلاد الروم إلا ست سنوات وبضعة أشهر حتى هاجم تَيْمُورْلَنْكُ بجيوشه الدولةَ العثمانية, وخرج ابنُ الجزري مع جيوش العثمانيين التي خرجت لمواجهة المغول, وشهد الوقعة التي دارت بين الجيشين في سهل أنقرة سنة 804, فكُسِر الجيشُ العثماني, ووقع الملك بايزيد في الأسر, وكذلك وقع ابن الجزري أسيرا في أيدي المغول, فاحتمله تيمورلنك معه -بعد أن عرف منزلته- إلى بلاد ما وراد النهر -على عادته مع كبار علماء الدول الإسلامية التي دخلها-, وأنزله في مدينة كَشّ, فكان هناك حتى وفاةِ تيمورلنك سنة 807, وهناك وجد فرصة لتعليم القرآن والتفرغ للتأليف, فقرأ عليه بها وبِسَمَرْقَنْدَ جماعةٌ, منهم: عبد القادر بن طلة الرومي, وجماعة لم يكملوا. واشتغل هناك بالتأليف أيضا, خاصة في علم الحديث؛ لحاجة أهل تلك البلاد إلى ذلك؛ فشرَحَ كتابَ: "مصابيح السنة", ولمّا استطرد الكلام إلى اصطلاح القوم طلبوا مختصرا جامعا لعلومه, وكانت منظومته المسماة: "الهداية على معالم الرواية" غير مستغنية عن بسط القول, فوضع مختصرا في مصطلح الحديث سماه: "تذكرة العلماء في أصول علم الحديث" يكون بدايةً لتلك الهداية.
وبعد وفاة تيمورلنك خرج قاصدا العودة إلى موطنه, فوصل إلى بلاد خراسان, ودخل مدينة هَرَاة, فقرأ عليه للعشرة جماعةٌ, أكملَ منهم: العالِمُ جمالُ الدين محمد بن محمد, الشهير بـ:ابن افتخار الهروي, ثم قَفَلَ راجعا إلى مدينة يَزْد, فقرأ عليه للعشرة جماعة, منهم: الفاضل شمس الدين محمد بن الدباغ البغدادي, وجماعة لم يكملوا, ثم دخل أصبهان, فقرأ عليه بها جماعة -أيضا-, ولم يكملوا, ثم وصل شيراز سنة 808, ويبدو أنه كان يسير سيرا حثيثا في طريق عودته؛ فإنه قطع المسافة بين سمرقند وشيراز في حدود شهر, وكان في أثناء ذلك يقرئ ويقرأ, فحين مَرَّ بمدينة يزد اغتنم الفرصة ليروي كتاب: "غاية المنتهي ونهاية المبتدي في القراءات العشر" لأسعد بن الحسين بن سعد بن بندار القاضي أبو ذر اليزدي -وهو كتابٌ حافلٌ, أحسنَ مؤلفُه في تأليفه, وأجاد في تصنيفه-, وعند وصوله إلى شيراز أمسكه بها سلطانها بير محمد ابن صاحبها أمير عمر شيخ بن أمير تُمُر, فقرأ عليه بها جماعة كثيرون للعشرة, ثم ألزمه صاحبُها بير محمد بالقضاء بها, وبممالكها وما أضيف إليها -كُرْهًا-؛ فبقي مدة, وتغيرت عليه الملوك, ومن أخذها, لا يمكنه الخروج منها, حتى فتح الله عليه؛ فاستقرت قدمه بشيراز, وانتفع به أهلها في القرآن والحديث, وأنشأ هناك مدرسة تُعرَف بـ: "دار القرآن", وعَمَّرَ منزلا له في سوق الإسكافيين كان ينزلها, والتأم شملُ الأسرة من جديد, وبقي أولاده وأحفاده هناك. وقد رحل وهو في شيراز -بعد خمس عشرة سنة من إقامته فيها- الخروجَ للحج, وذلك سنة 822, فخرج منها متوجها إلى البصرة, فوصل إلى قرية عنيزة, وتوجها منها, فأخذهم الأعراب من بني لامٍ بعد مرحلتين, فرجع إلى عنيزة, ونظم بها منظومة: "الدرة المضية في القراءات الثلاث المرضية", وكان قد فاته الحج بسبب ما حدث له, وأقام بينبع ثم في المدينة, ثم دخل مكة, فجاور إلى أن حج سنة 823, ورجع إلى العراق, وكان كاتَبَ المؤيَّدَ أن يأذن له في دخول القاهرة, فمات المؤيد في تلك السنة؛ فرجع إلى شيراز, ثم خرج منها مرة أخرى للحج وزيارة مصر والقاهرة, ثم قدم دمشق -بعد ثلاثين سنة من مغادرتها-, فاستأذن منها في قدوم القاهرة, فأذن له؛ فقدمها, وتصدى للإقراء والتحديث, ثم توجه لمكة مع الحجاج, ثم سافر في البحر لليمن تاجرا, فأسمَعَ الحديثَ عند صاحبها, ووصله بحيث رجع ببضائع كثيرة, وعاد لمكة فحج سنة 828, ثم رجع إلى القاهرة فدخلها, وانثالَ عليه الناس للسماع عليه والقراءة, ونشَرَ علما كثيرا, وكان قد ثَقُل سمعُه قليلا, لكن بصره صحيحٌ يكتبُ الخطَّ الدقيقَ -على عادته-, وكان عمره آنذاك سبعا وسبعين عاما. ثم سافر من القاهرة على طريق الشام, ثم على طريق البصرة إلى شيراز, وكان في رحلته الطويلة هذه يقرئ ويحدّث, ثم دخل شيراز سنة 829, ومكث فيها بضع سنوات أخرى, حتى كانت منيتُه فيها قبيل ظُهر الجمعة خامس ربيع الأول سنة 833 بمنزله, ودُفِن بمدرسته التي أنشأها هناك, وكانت جنازته مشهودة, تَبَادَرَ الأشرافُ والخواصُّ والعوامُّ إلى حملها؛ لمكانته في نفوس الناس -رحمه الله تعالى-.
وكان لابن الجزري عنايةٌ بالحديث والفقه والأصول والعربية, وطلبَ هذه العلوم ودَرَسَها على شيوخ عصره في بلاد الشام ومصر, وأذِن له غير واحد بالإفتاء والتدريس والإقراء -مِن أبرزهم: شيخُه الحافظ المفسر عماد الدين ابنُ كثير-, وتصدر للإقراء في مدرستيه, وفي الجامع الأموي بدمشق, ثم تولى مشيخة الإقراء بالعادِلية, ثم مشيخة دار الحديث الأشرفية, ثم مشيخة تربة أم الصالح بعد شيخه ابن السلار, ونشر علم القراءات والحديث في بلاد الروم وشيراز.
أسرته, وأولاده:
كانت أسرته غير عاطلة من العلم والجاه؛ فقد كان أبوه تاجرا, وتَلَقَّنَ القرآنَ على السروجي, واعتنى بتنشئة ابنه تنشئة صالحة.
وقد تزوج ابنُ الجزري -ولكن لا يُدرى هل تزوج بواحدة أم بأكثر-, ومنحه الله ذريةً, وبارك له فيها؛ فكان من أبنائه وبناته علماء ومؤلفون. وقد وُجِدَ في آثار ابن الجزري -فيما أعلم- أسماء عشرةٍ منهم؛ هم:
- أبو الفتح محمد -وهو أكبر أولاده-.
- أبو بكر أحمد.
- أبو القاسم علي.
- أبو الخير محمد.
- أبو البقاء إسماعيل.
- أبو الفضل إسحاق.
- فاطمة.
- عائشة.
- سلمى.
- خديجة.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع
التعديل الأخير: