الحمد لله الذي أسعد القلوب ببواعث السرور ،وأنار للصالحين الدروب بالعمل المبرور ،أحمده سبحانه حمد الحامدين ،وأشكره شكر الشاكرين ،والصلاة والسلام على صفوة الأنام سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الكرام ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيام .. ثمّ أمّا بعد .. فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
فهذه سانحة ثانية نلتقي فيها بالسلسلة الثانية من " قراءة في كتاب " ..
وفي هذه السلسلة الثانية اخترت لكم كتاب " بواعث السرور " وهو من تأليف الدكتور خالد عمر الدسوقي .. مؤلف كتاب " صاحب الخلق الراقي " الذي كان موضوع السلسلة الأولى ..
و كتاب "بواعث السرور" قد أفاد من مؤلفات عديدة منها : كتاب "لا تحزن" للدكتور عائض القرني ..
ولقد انتهجت في حلقات هذه القراءة منهج النقل والسرد ،حيث أن الكتاب في معظم صفحاته عبارة عن نماذج من السير والأمثلة ..
وإلى الملتقى مع فصل من فصول الكتاب وهو فصل " حدد الغاية " إن شاء الله ..
يبدأ المؤلف كتابه بموضوع " حدد الغاية " و يشير إلى أنّ تحديد الغاية و الهدف في الحياة الإنسانية ممّا يبعث بالسرور ، و يحفز الهمم نحو النجاح و العمل ..
" و لا تعجب "
فمن الناس لا يدري لماذا خلق ؟ و هنا يذكر المؤلف بأنّ هؤلاء لا يدرون لأيّ غاية خلقهم الله ، قال الله عزّوجل : (والذين كفروا يتمتّعون و يأكلون كما تأكل الأنعام و النّار مثوى لهم) . (سورة محمد : 12) .
و يصل الأمر إلى بعضهم بالجهل بمصدر وجوده و مصير روحه ، يقول القائل :
لعمري ما أدري و قد أزف البلى
بعاجل ترحالي إلى أين ترحالي؟
و أين محل الروح بعد خروجها
عن الهيكل المنحل و الجسد البالي
و قد أجابه صلاح الدين الصفدي بقوله :
إلى جنّة المأوى إذا كنت خيّرا
تخلد فيها ناعم الجسم و البال
و إن كنت شريرا و لم تلق رحمة
من الله فالنيران أنت لها صال
و آخر يقول : جئت لا أدري من أين جئت ؟ و لكني أتيت ... و لقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت . كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري .
ثمّ يتسائل المؤلف هل مثل هذا أو ذاك سيحيا سعيدا أو يموت شهيدا؟ و هل سيزول عنه الغمّ ، أو يفارقه الهمّ؟ لا و الله .
و إلى الملتقى لنتابع موضوع " حدد الغاية " و من هم الذين حددوا غايتهم في الحياة ، و مع ضرب الأمثلة و القصص الرائعة في الموضوع .. فإلى الملتقى إن شاء الله .
يواصل المؤلف في فصل " حدد الغاية " كلامه ويذكر بأنّ الغاية قاصرة ،وأنّ أكثر الناس يظنون أن رسالتهم على تربية أبنائهم مقصورة ،وفي تعليمهم وتزويجهم وإغنائهم محصورة ،فإذا تم لهم ذلك سمعت منهم أبلغ الحمد وأصدق الشكر ،وبدت عليهم آيات الزهو والفخر ..
ثمّ يذكر المؤلف أن تلك غاية قاصرة ، فربما تبذل ما في وسعك ،وتعمل بأقصى طاقتك وجهدك ،ثم لا تجد من أبنائك إلا عقوقا ،ولا ترى فيهم إلا ضلالا وفسوقا، فينقلب فخرك حسرة ،ويحل الغم مكان الفرح ..
ويسترسل المؤلف فيذكر بأن من هذا النوع من جعل رسالته في الحياة أن يحصل على أعلى شهادة ويتبوأ أعلى مكانة ،ويقرن اسمه بالتفوق والنجاح والريادة ، فهل يا ترى غايته تلك هي الغاية؟
يجيب المؤلف هنا : لا يا أخي فلربما تحصل على الشهادة ،ولا تجد المكان ولا المكانة ،وربما تأتي إليك المكانة ،ثم تجلب لك الإدانة ،فترمى وأنت الأمين بالخيانة ،وتجازى وأنت المخلص بالإهانة .
ثم يذكر المؤلف بأنّ هناك صنفا آخر من الناس هو في قالب رجل لكنه شيطان ،وفي ثياب إنسان لكن فعله فعل مردة الجان ،ذاك رجل مملوء شرا ،محشو ضرا ،غايته في حياته الإفساد ،ورسالته جلب الدمار للعباد ..
وقد صور الله هذا الفريق بقوله : ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) . سورة البقرة (الآيات 204-206) .
ثم يذكر المؤلف بأنّ الغاية الله والمطلب الجنة ،والمؤمن البصير من جعل غايته مرضاة الله ومطلبه الأعلى مجاورة حبيبه ومصطفاه ،فجعل حياته كلها تدور في طاعة مولاه ..
وقد كان عبد الله بن رواحة محدد الغاية حين بايع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ،حيث قال له : اشترط لربك ولنفسك ما شئت ،فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ،وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم ،فقال عبد الله ومن معه : فإذا فعلنا ذلك فما لنا ؟ قال الجنة . قالوا : ربح البيع ،لا نقيل ولا نستقيل ،فنزلت ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة ) .
فليكن قصدك الله أخي ولتكن مناجاتك : أنت قصدي ومرادي
في مآلي ثم حالي
خاب قلب عنك يسلو
في سكون وانتقال
ثم يذكر المؤلف بأنّه تلك هي الغاية التي تستحق أن يحيا لها المؤمن ،ويكافح من أجلها المسلم ،وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه يردد صباح مساء : " رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا " . رواه أحمد .
وهكذا يسترسل المؤلف في سرد النماذج الفذّة والأمثلة الجزلة والأفكار المصاحبة لموضوع " حدد الغاية " .. ونختم ذلك بقوله : فيا من تريد السعادة ،يا من تبغي في الدارين السيادة ،يا من لا ترضى بغير الريادة ،حدد غايتك بلا غبش ولا نقصان ولا زيادة ،تصبح حياتك كلها عبادة .
إن السعادة أن تعيش
لفكرة الحق التليد
لعقيدة كبرى تحل
قضية الكون العتيد
من عاش يحملها ويهتف
بإسمها فهو السعيد
وإلى الملتقى مع فصل جديد من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يواصل المؤلف في سرد بواعث السرور ويدخل في فصل جديد وباعث فريد سماه بفصل " ثق في قدراتك " حيث قال : كن واثقا بنفسك ،قويا في عزمتك ،لا تظنن الناجحين حولك يملكون قدرات خارقة ،أو أسلحة حارقة فربما كنت أشد منهم شكيمة ،وأعذب منهم حديثا ،وليس عجيبا أن تكون أقوى منهم منطقا وأعظم حيلة ،حقا لقد أعطاك الله ما لم يعطهم ،فربك لا يظلم أحدا ،ولا يحابي أمة ولا جنسا ولا فردا ،وكل الناس عنده سواء ،فعليك أن تبحث عن مواهبك ،وتفتش عن مزاياك ،وساعتها ستجد العجب العجاب ،وسيكشف عن حقيقتك النقاب ،ويزول الضباب ،ولن يوقف سيرك الجبال ولا الهضاب .
ويواصل المؤلف ويقول: نعم تمر بالمرء ساعات لا يرى فيها من نفسه إلا العيوب ،ولا يبصر إلا لحظات الرسوب ،ولا يستحضر إلا ساعات الغروب ،فيدفعه هذا إلى الرجوع ،والهروب ،وتلك أم الرقوب (الداهية) فلا تغفل أن ذلك وهم من الشيطان اللعوب ،الذي يقسم بعجزك وهو الكذوب .
كن ابن من شئت واكتسب أدبا
يغنيك محموده عن النسب
فليس يغني الحسيب نسبته
بلا لسان له ولا أدب
إن الفتى من يقول: ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول: كان أبي
ثمّ يبدأ المؤلف بسرد الأمثلة والنماذج التاريخية ، نختار منها ما ذكره عن عبد الله بن أم مكتوم أنّه شهد القادسية ،وكان معه اللواء طلبه من سعد بن أبي وقاص ،وقال له إن ما أنا فيه من عمى أدعى لثباتي إن دارت الدائرة علينا ،ولا يزال بسعد حتى وافق على حمله للواء وقتل شهيدا بالقادسية ..
يقول المؤلف: أيّ ثقة هذه التي تحمل رجلا أعمى قد رفع الله عنه الحرج وأسقط عنه القتال أصلا ،ليحمل راية الجيش ،وهو يعلم أنه مطلب العدو وهدفه الأول .
ونختار أيضا من القصص التي أوردها المؤلف قصة "سفن تمشي على الأرض" حيث يقول المؤلف: حدث في زمن ليس بالبعيد ،لقد صمم القائد البطل محمد الفاتح على فتح القسطنطيني ة ،وقابلته عقبة كئود إذ كان يريد تحريك السفن في البحر من (البسفور) إلى (القرن الذهبي) ولكن إذا حاول سوف تدمرها القوات الأوروبية المرابطة على الشاطئ .. فما كان منه إلا أن مهد طريقا في الجبال وثبت عليه ألواح الخشب ،ودهنها بالزيت والشحم ،وسحب السفن من (البسفور) إلى (القرن الذهبي) عبر الجبال مسافة ثلاثة أميال في ظلام ليلة واحدة ،في تلك الليلة مهد الطريق ،وثبت الخشب ،وسحب سبعين سفينة هذه المسافة ،ولما أصبح الصباح ذهل العدو من ذاك الصنيع المبهر ،الذي لم يسبق إليه أحد في التاريخ ،فكان ذلك من أسباب فتح تلك المدينة المنيعة .
ثمّ يختم المؤلف هذا الفصل بقوله : .. بعد هذا الذي رأيت ،وهولاء الذين أبصرت آن لي أن أقول لك : واخلع ثياب الأسى واليأس مرتديا
ثوب الجهاد نشيطا غير كسلان
فإن قالوا لك : من أنت أيّها الضعيف المسكين ذو التاريخ المشين؟
فقل لهم : أنا نفحة من عند ربّ العالمين ،وكن كهذا الشاعر الذي قال:
عجبت لهم قالوا تماديت في المنى
وفي المثل العليا وفي المرتقى الصعب
اقصر ولا تجهد يراعك إنما
ستبذر حبّا في ثرى ليس بالخصب
قلت لهم مهلا فما اليأس شيمتي
سأبذر حبي والثمار من الربّ
إذا أنا بلغت الرسالة جاهدا
ولم أجد السمع المجيب فما ذنبي؟
وإلى الملتقى مع فصل جديد من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يتابع المؤلف فصول بواعث السرور ومع باعث جديد وفصل بعنوان "انهض من كبوتك" حيث يبدأ فيه بقوله: قم من نومتك ولا تمكث في غفلتك ،فالسماء لم تقع على الأرض بخطئك ،والقيامة لم تقم لجريرتك ،والشمس لن تتوقف بجنايتك ،وأنت ما زلت تملك وقود انطلاقتك ،ولا عليك إذا أخطأت ،أو رسبت أو خسرت ،فلست أول المخطئين ،ولا آخر المقصرين ،ولا بدعة العالمين ،بل هذا ديدن الناس أجمعين ،لكن العظماء منهم سرعان ما يبدلون الرسوب والفشل نجاحا باهرا ،والذنب والمعصية استغفارا صادقا ،وندما ظاهرا ..
ثمّ يقول: .. فهيا ،قم وابدأ من جديد ،ولا يثبطك الشيطان ،ولا يعوقك ما كنت عليه قبل الآن ،فإن الصارم قد ينبو ،والنار قد تخبو ،والفارس قد يكبو ،والعالم قد يسهو ،والخاشع قد يزهو ،واللين قد يقسو ،والجاد قد يصبو ،والوقور قد يلغو ،والكبير قد يهفو ،والمسرع قد يحبو ،لكن النافع يجبر الغثاء ،والحسنات يذهبن السيئات ،وذلك ذكرى للذاكرين .
ثم يشرع المؤلف في سرد الأمثلة ونماذج السير نختار منها ثلاثة ،الأولى ما حكاه عن نهضة ابن حزم حيث قال: أخبر الإمام ابن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة لرجل كبير من إخوان أبيه ،فدخل المسجد قبل صلاة العصر والخلق فيه فجلس ،ولم يركع ،فقال له أستاذه يعني الذي رباه بإشارة أن قم فصل تحية المسجد فلم يفهم ،فقال له بعض المجاورين له: أبلغت هذه ولا تعلم أن تحية المسجد واجبة؟ وكان قد بلغ حينئذ ستة وعشرين عاما قال: فقمت وركعت وفهمت إذن إشارة الأستاذ بذلك ،قال: فلما انصرفنا من الصلاة على الجنازة إلى المسجد مشاركة للأحباء من أقرباء الميت ،دخلت المسجد فبادرت بالركوع فقيل لي: اجلس اجلس ،ليس هذا وقت صلاة ،فانصرفت عن الميت وقد خزيت ولحقني ما هانت علي به نفسي وقلت للأستاذ: دلني على دار الشيخ الفقيه المشاور أبي عبد الله بن دحوة ،فدلني فقصدته من ذلك المشهد وأعلمته بما جرى فيه ،وسألت الابتداء بقراءة العلم واسترشدته ،فدلني على كتاب الموطأ لمالك بن أنس رضي الله عنه فبدأت به عليه قراءة من اليوم التالي لذلك اليوم ،ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحو ثلاثة أعوام وبدأت بالمناظرة .
يقول المؤلف: والآن انظر من هو ابن حزم بين الأنام فلماذا لا ننهض نهوضه؟ ولماذا لا نعزم عزمه؟
المثال الثاني ما ذكره المؤلف عن سيبويه الهمام حيث قال: كان يستعمل على حماد بن سلمة ،فقال له حماد يوما: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ما أحد من أصحابي إلا وقد أخذت عليه ليس أبا الدرداء .
فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء .
فقال حماد: لحنت يا سيبويه .
فقال سيبويه: لا جرم لأطلبن علما لا تلحني فيه أبدا .
فطلب النحو ولزم الخليل ،وكان إمام النحويين جميعا إلى اليوم.
ثمّ يضرب المؤلف مثالا من الواقع فيقول: إن بعض الطلاب يطمح في الإلتحاق بكلية كذا ،وبعضهم يواصل الليل بالنهار ليلحق بجامعة كذا ،وكثير ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ،فإذا بالطالب يائس حزين ،والحزن لن يصلح ما كسر ،ولن يرد ما فات ،فانهض وكن كهذا الطالب قابلني في كليته في الشهر الأول من السنة الأولى ،وعلى وجهه علامات الأسى ،ولكن في نبرات كلامه الاستعداد للنهوض والتحدي ،قال لي: كنت أرغب في كلية الطب ،ومجموع درجاتي أتى بي إلى هنا ،قلت له: تستطيع أن تحقق هنا ما كنت تود تحقيقه هناك ،اجتهد وكن الأول ،وستصبح أستاذا في الجامعة إن شاء الله ،وفي ذلك عوض لك عما كنت تريد ،فقال: هذا ما نويت كان هذا قبل أربع سنوات ،وهو الآن قد أنهى الكلية بسنواتها الأربع منفردا بالقمة بلا منازع ،والتحق بمرحلة (الماسجتير ) وعين معيدا في الكلية منذ أشهر .
ثم يقول المؤلف: وكم من أناس حققوا نجاحا مذهلا ،وقدموا للبشرية اختراعات عظيمة ،وفوائد جليلة ،مع أنهم لم يحصلوا على الألقاب الفخمة ،والشهادات الرفيعة فامض يا أخي في طريق النجاح ،ولا تلتفت إلى كبوتك ،ولا تنتبه لزلتك ،ولا تمض في طريق اليأس ففي الكون آمال ،ولا تتجه نحو الظلمة ففي الكون شموس .
وإلى الملتقى مع فصل جديد من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يتابع المؤلف فصول بواعث السرور ومع باعث جديد وفصل بعنوان "حول المحنة إلى منحة" حيث يبدأ فيه بقوله: العاقل البصير من يعمل على تحويل المصائب إلى منح وهدايا ،والخسائر إلى أرباح وعطايا .
وغيره من يجعل من المصيبة مصائب ،ومن الخسارة خسائر .
الأول: لجأ إلى البصير سبحان فأنار بصيرته ،وقوى فراسته ،وأنزل السكينة على فؤاده ،وربط على قلبه ،فرأى في المصيبة من الخير ما لا يراه الناظرون.
قلوب العارفين لها عيون
ترى ما لا يرى للناظرين
والثاني: لجأ إلى الشيطان فضخم له الخطب ،وحجب عنه نور الرب ،فهام على وجهه وانكب ،واستبدل الصبر بالشكوى والسب.
ثمّ يقول المؤلف: فكثيرا ما يأتي الخير مخبوء في شر ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) سورة البقرة ـ الآية 216 .
يقول المؤلف: فانظر أخي ببصيرتك قبل أن تنظر ببصرك ،وتأمل بفؤادك قبل أن تسمع بأذنك ،سترى في ظلام الفاجعة ضوء الأمل ،وفي حلكة النازلة منادي التفاؤل والنشاط والعمل ،واعلم أن ما أصابك رغما عنك هو خير لك وإن رأى الناس غير ذلك .
لا تكره المكروه عند نزوله
إن العواقب لم تنزل متابينة
ثم يشرع المؤلف في سرد الأمثلة ونماذج السير نختار منها أنّ ابن تيمية هددوه ،فقال: ماذا تصنعون بي ، إنّ قوتي في إيماني ،وإيماني في قلبي ،وقلبي بين يدي ربي ،وربي ناصري ومعيني .
إن قتلت فقتلي شهادة أخلد بها في جنات عدن .
وإن سجنت فسجني خلوة ،تقربني من خالقي وتدني .
وإن نفيت ،فنفيي سياحة في أرض الذي يقيني ويغني .
قال المؤلف: أرأيت كيف جعل من تلك المصائب الجليلة نعما عظيمة ،وكيف حول كل فجيعة إلى منة عظيمة ،تستحق الشكر لا الكفر ،وتستحق الحمد والثناء لا التبرم والضجر.
يقول المؤلف: ابدأ من جديد .. انظر إلى المواطن الإيجابية القابلة للتطور والنهوض ،وإبدأ من جديد ،لكن دون يأس أو هزيمة وتعلم من تلك القصة التي ذكرها الأوروبي (بودلي).
فقد ترك أوروبا وسافر إلى الجزائر في بداية القرن العشرين ،وبقي هناك سبعة أعوام ،عاش خلالها مع البدو الرحل ،وتعلم لغتهم ،وامتهن الرعي مثلهم ،وأحس في ذلك براحة نفسية كبيرة .
وفي يوم حار هبت عاصفة عاتية عليهم جميعا ،حملت التراب عبر البحر المتوسط ،ووصلت به إلى قلب باريس ،هذه العاصفة اقتلعت الخيام ،وأهلكت الدواب ،وأحدثت في نفسه هو فزعا شديدا .
ولما سكنت العاصفة ،وهدأت الريح نظر إلى الأعراب ،فوجدهم راضين مطمئنين غير ساخطين ،وسمع شيخهم يحمد الله أن بقي من الماشية 40% حيا ،وقال: نستطيع أن نبدأ بهذه المواشي من جديد ،وشرع الجميع في عملهم دون توقف ولا قعود للتحسر .
ثمّ يسرد المؤلف مثالا آخر وهو عبارة عن حوار بين اثنين .
قال الأول: أرأيت ما في السماء من ظلمة؟
فأجاب الثاني: بل أرى في السماء نجوما لامعة ،وكواكب متلألئة.
فأجاب الأول: لقد خسرت هذا العام نصف مالي.
فأجاب الثاني: بلى بقي عندك نصف مالك ،ولعل الله ينميه لك، ويخلف عليك خيرا.
قال الأول:أرأي ت القنوات الفضائية وما تبث من فجور؟ أرأيت شبكة النت وما تحوي من سموم؟
قال الثاني: وكم فتحت من حصون ،وأثرت في قلوب ،وكانت سببا في هداية نفوس.
قال الأول: انظر كم حصد اليهود من شباب المسلمين.
فأجاب الثاني: بل كم زفت الجنة شهداء ،وقربت من ساعة النصر.
قال الأول: حزنت لأن فلانا التقي سيق إلى حبل المشنقة ظلما وزورا وفلانا العالم لبث في السجن دون ذنب بضع سنين.
فأجاب الثاني: وهل كنت تفرح لو أعدم هذا بسبب ظلمه؟ وهل كنت تسعد لو سجن ذاك العالم وهو فاسق؟
ثمّ يختم المؤلف الفصل بقوله:
تدبر أمرك
واسأل ربك
وارض بقضائك
فإنك إن فعلت ذلك سيريك الله الظلام نورا
والشرور سرورا
والجحور دورا
والسجون قصورا
والأشواك وردا وزهورا
والتراب فضة وشذورا
وسيجعل الله المصيبة لك طهورا
وتكتب عند ربك حامدا شكورا
اللهم اجعلنا من هؤلاء .
وإلى الملتقى مع فصل جديد من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يتابع المؤلف فصول بواعث السرور ومع باعث جديد وفصل بعنوان "إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع" حيث يبدأ فيه بقوله: كثير من الناس يرسمون لأنفسهم صورة مشرقة لمستقبلهم ..
ثمّ يقول المؤلف: فالطالب يحلم أن يكون طبيبا ،أو مهندسا ،أو كيميائيا ،أو قاضيا ،أو سفيرا .
وتاجر التجزئة يحلم لو كان تاجر جملة ،وتاجر الجملة يحلم لو أنه يملك مصنعا ،وصاحب المصنع عينه على مصنع آخر أكبر وأضخم .
وليس الأمر مقصورا على ما ذكرت ،فهذه أمثلة فقط ،فمن الناس من يود أن يكون بطلا رياضيا ،ومنهم من يحب أن يكون عالما معروفا ،ومنهم من يبغي أن يكون قائدا مغوارا .
وربما يتجاوز الأمر ذلك فيخطط الأب لمستقبل أبنائه ،فهذا طيار وهذا أستاذ في الجامعة ،وهذا مدير ناجح .
وهذا كله حسن محمود أن يرسم الإنسان طريقا لنفسه ،أو يخطط المرء لمستقبل نسله ،ورفعة ولده ،وعلو شأنه .
يقول المؤلف: ولكن ما الذي يحدث إذا وقف أمام هذا الطموح ،وهذا الأمل حاجز حصين وسد منيع حال بين الإنسان وبين مراده؟
فالطالب الذي كان يخطط للطب جاء مجموعه أقل كثيرا ،والطالب الذي ظل يحلم بالقيادة العسكرية لم يفق في اختبار القبول ،ومن كان هدفه أن يكون بطلا في المصارعة أو العدو كسرت ساقه ،ومن كان يود أن يكون غنيا خسر ماله .
ما الذي يحدث ،وهذا شيء متوقع حدوثه؟
هل يجلس المرء يبكي على اللبن المسكوب؟ هل يظل طوال عمره يحلم بما كان يتمنى ،ويردد لو كان كذا لكان كذا؟ هل يخاصم الأب ابنه ،ويستمر في لومه ،ويمضي في عتابه ويظهر له حسرته إلى ما لا نهاية؟
ثم يشرع المؤلف في سرد الأمثلة ونماذج السير ،فيبدأ بصور من الواقع ،حيث يقول: طلب مني أحد الناس يوما أن أختبر ابنه الذي تعثر في دراسته ،فوجدت أن الإبن ليس لديه أي استعداد عقلي لفهم المواد الدراسية ،وحاولت معه مرة ومرة ،وتأكد الأمر لدي فأخبرت والده أن الخير لهذا الولد أن يترك التعليم ،ويتحول إلى تعلم حرفة ،خاصة والولد قد تعلم القراءة ومبادئ الحساب ولديه استعداد عضلي ونفسي لتعلم حرفة وإجادتها ،ليذوق طعم النجاح ويحقق ذاته.
لكن الأب رفض بشدة ،فهو يودّ أن يصل ابنه إلى ما لم يستطع هو الوصول إليه ،ومرت الأيام والسنون وضاع زمن التعلم ودخل الولد في بداية العقد الثالث دون أن يصل إلى شيء ،ولم يبق لوالده إلا التحسر على ضياع زمن الصبا والتعلم على ولده ،ولم يبق للولد إلا الهزيمة النفسية والشعور بالضياع والدونية والإحباط واليأس.
ترى ماذا لو أصبح هذا الولد نجارا ماهرا ،أو سائقا محترفا ،أو ميكانيكيا متفوقا؟
أليس هذا خيرا له وأحسن؟ أليس هذا أنفع للمجتمع وأصلح؟
وكل عام ترى بعض المآسي في أعقاب نتيجة تنسيق الشهادة الثانوية ،فهذه الأسرة حزينة لأن ابنها لم يحقق أملها في اللحاق بكلية القمة وتلك العائلة تتألم لأن ابنها لم يوفق في دخول كلية كذا ،وكأن الدنيا لن تقوم إلا بتلك الكليات ،ومن الأسر من ترغم ابنها على الإعادة مرات ليحقق المراد ،وكثيرا ما يتعثر الطالب فيزداد ألمه ،وتنهدم شخصيته ،وربما تعرض لأمراض نفسية وعصبية.
ونسي هؤلاء جميعا أنهم بموقفهم هذا يقتلون الهمة في نفس ولدهم ،ويئدون الطموح لدى أبنائهم ،ولو أنهم أخذوا بأيديهم إلى الطريق المتاح لديهم ،الموافق لمقدراتهم لحققوا نتائج مرضية ،ربما فاقت كثيرا ما كانوا يتمنونه ويحبونه لهم وله.
ثم يقول المؤلف: جاء الإسلام بشموله ليوظف الطاقات جميعا ،ويفتح الأبواب في وجه كل مجتهد يمكن أن ينهض بنفسه أو أمته ،ولم يطلب الإسلام من كل فرد أن ينبغ في كل شيء ،ولم يرد منهم جميعا أن يتفوقوا في شيء ،بل ترك لكل فرد اختيار ما يحبه ويستطيعه.
ومن الأمثلة التي ذكرها المؤلف أيضا مثال عبد يتمناه عمر للخلافة ،إنه سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة ،هذا العبد الذي لا يعرف له نسب ولا يدرى هو من أبوه لقد سلك مسلك ابن مسعود فكان في المنزلة بعده ،فهو ثاني أربعة أمر الرسول عليه الصلاة و السلام بأخذ القرآن منهم .. وهو الفارس الذي قطعت يمنه يوم ـ اليمامة ـ وهو يحمل الراية ،فحملها بيساره إلى أن نال الشهادة ،وهو الذي قال فيه عمر: لو كان سالم حيا لوليته الأمر من بعدي ،يعني أمر الخلافة.
يا الله عبد مملوك لا يعرف له أب يصنع لنفسه هذه المنزلة ،ويبوأ لها تلك المكانة ،ما أجمل أن نصنع صنيع هؤلاء ،فلا تقف أمام حاجز ،ولا نركن أمام سد ،بل نأخذ بقول القائل:
إذا لم تستطع شيئا فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع
ثم يختم المؤلف الفصل ويقول: يا من تحبس نفسك في أمنية ،وتقيد حركتك بسبيل ،وتحصر خطوك في طريق ،أرض الله واسعة ،ولديك من الطاقات ما يعينك على أن تسير بلا توقف ،فلا تتعثر عند أول سد ،ولا تتوقف إذا صادفك مانع ،ولا تتراجع إذا قابلك حاجز.
وعند التعثر غير وجهتك ،بدل طريقك ،اهجر مسلكك .
وفي الأرض منأى للكريم عن
وفيها لمن خاف القلا متعزل
ولا تتقيد بأمنية لا تنفك عنها ،فيضيع في تحصيلها دون جدوى عمرك ولا تربط قدميك بهدف محال مناله فينقضي في طلبة أجلك.
هيا فك هذه القيود ،تحرر من تلك السدود ،أطلق لنفسك العنان ،لا تعبأ بالحدود ..
وإلى الملتقى مع فصل جديد من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يتابع المؤلف فصول بواعث السرور ومع باعث جديد وفصل بعنوان "ارض بما قسم الله لك" حيث يبدأ فيه بقوله: ولم لا ترضى وقد وهبك الله عينين ،ولسانا وشفتين ،ويدين ورجلين ،وعقلا وأذنين؟
ثمّ يقول المؤلف: ولم لا ترضى وأنت أحسن من آلاف من الناس حالا ،وأكثر من خلق كثير مالا ،وأفضل من جميع غفير صحة وجمالا .
يقول المؤلف: إن كنت فقيرا فغيرك محبوس في دين ،وإن كنت لا تملك سيارة فغيرك مقطوع القدمين ،وإن كنت من عائلة كادحة فقيرة فغيرك لقيط لا يعرف له أسرة ولا ذنب له في ذلك ،وإن كنت خسرت مالا كثيرا فغيرك لم يعد يملك ثمن رغيف خبز .
وما لك لا ترضى؟ وما حدث له هو اختيار مولاك وحبيبك ،ومراد ربك وطبيبك ،يمنحك الثواب إذا رضيت ،ويرجئ العقاب إن سخطت وبغيت .
ولم لا ترضى وأنت لا تدري أهذا الذي نزل بك خير أم شر؟ شوك أم زهر ،ولا تعلم أهو قصر أم قبر؟ جنة أم جمر؟ ولا تعرف: أينفعك في حقيقته أم يضرك ،أيحزنك في آجله أم يسرك.
وما لك لا ترضى ،والسخط لا يرد ما كسر ،ولا يعيد ما دثر ،وما زدت بسخطك على أن أغضبت مولاك ،الذي خلقك وعدلك وسواك وأحزنت الصديق والشفيق ،والرفيق والشقيق ،وشمت أعداءك محترفي النعيق ،الذين يفرحون في المصائب ويتصيدون للناس المائب.
إذن حق لك أن ترضى بما قضى الحكيم ،وتكل أمرك إلى اللطيف الخبير ،وتسلم بما اختاره لك العليم .
يقول المؤلف: كتب الدكتور مصطفى السباعي: قيل للسعادة: أين تسكنين؟
قالت: في قلوب الراضين.
قيل: فبم تتغذين؟
قالت: من قوت إيمانهم.
قيل: فبم تدومين؟
قالت: بحسن تدبيرهم.
قيل: فبم تستجلبين؟
قالت: أن تعلم النفس أن لن يصيبها إلا ما كتب الله لها.
قال: فبما ترحلين؟
قالت: بالطمع بعد القناعة ،وبالحرص بعد السماحة ،وبالهم بعد السرور ،وبالشك بعد اليقين.
ثم يشرع المؤلف في سرد الأمثلة ونماذج السير ،حيث قال: كان خال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سعد بن أبي وقاص مستجاب الدعوة ،ما دعا بدعاء إلا استجاب الله له ،وأنفذه أمام عينيه ،وفي آخر عمره كف بصره ،ولم يعد يستطيع الحركة إلا بقائد يمسك بيديه ،وهاد يذهب به إلى حيث يريد.
والعجيب أن الناس كانت تتوق لمقابلته ورؤياه ،تطلب منه الدعاء لهم ،فمنهم من يطلب رفع الضر عنه ،ومنهم من يطلب دفع الظلم الواقع به ،ومنهم من يطلب أن يمده الله بمال أو ولد ،فكان يدعو لهم ،ويستجيب الله دعواه ،وفي يوم قال له شاب: ألا تدعو الله أن يرد بصرك يا صاحب رسول الله وخاله؟
قال: يا ابن أخي ،قضاء الله أحب إلي من بصري ،أفيرضاه الله لي ولا أرضاه أنا لنفسي؟
ويسرد المؤلف مثالا آخر فيقول: قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: إني لأحمد الله على كل مصيبة أربع مرات:
الأولى: لأنه لم يجعلها أكبر من ذلك ،ولو شاء لفعل.
الثانية: أن لم يجعلها في ديني ،وكل ما سواه هين.
الثالثة: أن رزقني الصبر عليها والصبر ثوابه الجنة.
الرابعة: أن وفقني للاسترجاع ،ولا يخفى على مؤمن أجر ذلك من رحمة الله وصلواته وهدايته.
وكان يقول: والله لا أبالي على أي حال أصبحت ما دمت مسلما.
ثم يختم المؤلف الفصل ويقول: فيا من تريد السعادة ارض عمن خلقك ،وسواك وعدلك ،وفي أجمل صورة ركبك ،ارض عمن أعطاك قوت يومك ،وأمنك في بيتك ،وعافاك في بدنك ،ارض فأنت تملك الدنيا كلها بتلك الثلاث ،فما بالك إن كنت تملك معها الكثير والكثير؟
وليكن شعارك:
فوحقه لأسلمن لأمره
في كل نازلة وضيق خناق
موسى وإبراهيم لما سلما
سلما من الإغراق والإحراق
وكن على ثقة من أن الله معك إذا رضيت ،وهو يصونك ،ويرعاك ،ويحفك ويتولاك.
سهرت أعين ونامت عيون
في أمور تكون أو لا تكون
إن ربا كفاك بالأمس ما كان
سيكفيك في غد ما يكون
وإلى الملتقى مع فصل جديد من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يتابع المؤلف فصول بواعث السرور ومع باعث جديد وفصل بعنوان "هيا ابتسم" حيث يبدأ فيه بقوله: شهد أعرابي مأدبة عند الحجاج ،فلما قدمت الحلوى تركه يأكل منها قطعة ،ثم قال: من أكل من هذا ضربت عنقه ،فجعل الأعرابي ينظر إلى الحلوى ويفكر وينظر إلى الحجاج ،ثم قال له: أيها الأمير ،أوصيك بأولادي خيرا ،واندفع يأكل ،والحجاج يضحك.
وممّا ذكره المؤلف أيضا: استأجر رجل من شيخ دارا ،فلما سكنها وجد أن خشب السقف كثيرا ما يطقطق فشكا لصاحبها ،فقال له: لا تخف ،إنه يسبح الله ،قال الرجل: أخشى أن تأخذه الجلالة فيسجد علي.
وممّا ذكره المؤلف أيضا: أراد أحد الناس ألا يدفع للسائق أجرة ركوب ولده السيارة معه ،فوضعه في كيس كان معه ،وأمره ألا يتكلم ولا يترك أبدا وفي الطريق سأل السائق الرجل قائلا: ما هذا الذي يملأ الكيس؟
فقال الرجل: إنه جزر.
فخرق الولد الكيس ومد يده قائلا هات جزرة يا أبي.
ونكتفي بهذا القدر ممّا أورده المؤلف في هذا الفصل.
وإلى الملتقى مع فصل جديد من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يتابع المؤلف فصول بواعث السرور ومع باعث جديد وفصل بعنوان "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء" حيث يبدأ فيه بقوله: كثير من الناس ينخلع عن يومه ،ويستغرق في غده ،وينسيه هم المقبل الآتي حلاوة الحاضر الحالي ،وتتحول حياته كلها إلى خوف من المستقبل ،وقلق مما تخفيه عنه الأيام ،وتكمنه له الليالي.
فتجده دائم الفكر في حاله لو فقد وظيفته: كيف سيطعم أولاده ويواجه أصدقاءه؟ وكيف تسير حياته.
فإذا ذهب عنه هذا الهم فكر في حاله لو فقد صحته ،أو ذهب بصره ،أو قطعت قدمه: كيف تكون هيئته؟ وإلى أي مدى سيتحمل منظره وصورته؟
ويستمر في توقع المصائب ونزولها على رأسه على اختلاف أشكالها ،وتباين صورها ،فالسيارة ربما اصطدمت وهو يقودها ،والطائرة ربما سقطت وهو يركبها ،والسفينة ربما غرقت وهو على ظهرها ،والعمارة ربما انهارت وهو داخلها ،وكثيرا ما يخاف هذا الشخص على ما يحب بالدرجة نفسها أيضا ،فيخاف أن يقع ابنه من حافلة المدرسة وهو عائد ،ويخاف أن يصادف اللصوص زوجته وهي وحدها داخل المنزل .
يقول المؤلف: والحل أن يعيش يومه ،وينعم بما وهبه الله فيه من منح ،ويسعد بما فيه من نعم ،وهي كثيرة لا تحصى.
وحتى لو فقدت بعض ذلك فإن لديك الباقي ،وهو ليس بالقليل لو نظرت وتدبرت؟
ثم ألست تجد ما تشد به جوعتك ،وتقيم به صلبك؟ ألست آمنا في بيتك؟ لا يتربص بك أحد يريد قتلك ،ولا يتخفى لك عدو يبغي أذاك ،ولا يتوعدك طاغية بالهلاك ،ماذا تريد فوق ذلك إذن؟
لقد ملكت الدنيا كلها ،حتى لو كنت فقيرا ،أو أميا غير متعلم ،أو صاحب عمل غير ذي شأن.
يقول الحبيب عليه الصلاة والسلام: من أصبح آمنا في سربه ،معافى في بدنه ،عنده قوت يومه ،فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها. (رواه البخاري).
فلا تحمل هم نوازل المستقبل فلعلها لا تصيبك ،ولا تغتم بفقر تتوقعه فربما حرمه الله عليك ،ولا تترقب المصائب فأنت لم تتأكد أنها ستلم بك ،وربما لا تصادفك.
ثم يقول المؤلف: يأتي الشيطان في صورة الناصح ،فيكيل على رأس الرجل الهموم ويزيد عليه الغموم ،ويخوفه من الغد ،ويقلقه على المستقبل ،قال الله تعالى محذرا: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم " (سورة البقرة:268 ) فلا تسمع نصيحة عدوك ،ولا تلتفت إلى من يود لك الهلاك ،فإنه لك عدو مبين.
وما أجمل قول ابن عمر رضي الله عنهما ( إذا أصبحت فلا تنتظر المساء ) (البخاري) يعني لا تقلق بما يأتي في المساء فالذي تكفل لك برزق الصباح لا يزال معك في المساء.
يقول المؤلف: فعش يومك ،بما فيه من نعم ،ولا تدع عمرك يسرق منك ،فينتهي شيئا فشيئا ،وأنت لا تزال ترقب الغد.
يقول (ستفين ليكوك) : ما أعجب الحياة.
يقول الطفل: عندما أشب فأصبح غلاما.
ويقول الغلام: عندما أترعرع فأصبح شابا.
ويقول الشاب: عندما أتزوج ،فإذا تزوج قال: عندما أصبح رجلا متفرغا ،فإذا جاءته الشيخوخة تطلع إلى المرحلة التي قطعها من عمره ،فإذا هي تلوح ،وكأن ريحا باردة اكتسحتها اكتساحا.
إننا نتعلم بعد فوات الأوان أن قيمة الحياة في أن نحياها ،نحيا كل يوم منها وكل ساعة.
ثم يختم المؤلف الفصل ويقول: وأخيرا ليس المقصود من أن تعيش يومك أن تتجاهل مستقبلك أو أن تنظر تحت قدميك ،أو أن تترك الإعداد للغد ،فالمطلوب أن تستعد لغدك لا أن تستغرق فيه ،وأن تحتاط للمستقبل لا أن تغتم به ،وأن تنظر إلى مستقبلك وتعيش واقعك ،لا أن تهرب من واقعك إلى المستقبل المجهول ،فتحسب له الحساب ،أو تعيش في أمانيه منسلخا عن الحقائق حولك.
ثم يقول المؤلف: فيا أخي ابذل الوسع ،واعمل الطاقة ،وتدبر الأمر ،ثم أرح نفسك من الهم بعد التدبير ،ودع الأمر للطيف الخبير ،واسمع قول الشافعي:
سهرت عيون ونامت عيون
في أمور تكون أو لا تكون
إن ربا كفاك بالأمس ما كان
سيكفيك في غد ما يكون
فادرأ الهم ما استطعت عن
النفس
فحملانك الهموم جنون
ثم يختم المؤلف ويقول: وإذا رأيت كيف نجى الله موسى من الإغراق وإبراهيم من النيران ،ومحمد من الإدراك فتمثل قول القائل:
رضيت بما قسم الله لي
وفوضت أمري إلى خالقي
كما أحسن الله فيما مضى
كذلك يحسن فيما بقي
وإلى الملتقى مع فصل جديد من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يتابع المؤلف فصول بواعث السرور ومع باعث جديد وفصل بعنوان "كن لليأس بالمرصاد" حيث يبدأ فيه بقوله: وجدتني ذات صباح محزونا مهموما ،مكروبا مغموما ،قد رماني الهم بسهمه ،وضربني الغم بسيفه ،وقذفني الحزن برمحه ،فأصبحت جريحا مكلوما ،مصابا مكظوما ،لا أقدر على دفع هذا الحال عن نفسي ،وتكاد تخرج روحي مع نفسي.
وعلة ذلك ما ألم بالمسلمين من مصائب ،وما نزل بهم من نكبات ،وما لحقهم من الذل والهوان على العالمين ،فالحرب على الإسلام قائمة ،والصور قاتمة ..
إني تذكرت والذكرى مؤرقة
مجدا تليدا بأيدينا أضعناه
ويح العروبة كان الكون مسرحها
فأضحت تتوارى في زواياه
كم صرفتنا يد كنا نصرفها
وبات يملكنا شعب ملكناه
بالله فاسأل بحر الروم عن عرب
بالأمس كانوا هنا واليوم قد تاهوا
وانزل دمشقا وسائل صخر مسجدها
عمن بناه لعل الصخر ينعاه
ففي فلسطين والعراق وكشمير والشيشان وأفغانستان وغيرها: الأرض مغصوبة ،والكرامة مسلوبة ،وأرض الأقصى بالدماء مخضوبة ،والثروات منهوبة ،وعيون قادتنا عن تلك المآسي معصوبة ،وجيوشهم معطوبة ،محجوبة والصليبيون والشيوعيون والصهاينة تفرق شملهم إلا علينا ،فصرنا كالفريسة للكلاب فتلك بلد مسلمة محاصرة ،وهذه أخرى محتلة ،وهؤلاء رجال تداس كرامتهم وتهان رجولتهم ،وتلك نسوة صورهن العدو عاريات بعد أن دنس عرضهن ،ونهش عفتهن ،وتتعمد وسائل إعلام العدو وصف اغتصاب المؤمنات تفصيلا ،لتقتل فينا الكرامة ،أو لنموت كمدا ونضع على أفواهنا الكمامة.
ولهذا الواقع الأليم وذاك الليل البهيم رأيتني أسبح في بحر من الفكر لا أدري شاطئه ،وأمضي في واد من الأسى لا أبصر آخره ،لكني سرعان ما انتبهت من ذاك الحال القاتل ،وخرجت من هذا الجو الملبد بالغيوم وأخذت أنشد:
الليل ولي لن يعود
وجاء دورك يا صباح
وسفينة الإيمان لاحت
لا تبالي بالرياح
ثم يختم المؤلف الفصل ويقول: فيا من تظن أن الأمة قد قامت ،وقيامتها قد قامت ،ونهايتها قد جاءت ،تفاءل فالأمة نائمة ،وستصحو ،وستغسل عارها وستمحوه ،قم أنت وانهض وكن في البداية ،وتقلد سيف العزيمة واحمل الراية ،قم واجعل لله الولاية ،قم وضع للظلم نهاية ،قم يا أخي تصحبك العناية .
وليكن نشيدك
متفائل واليأس بالمرصاد
متفائل بالسبق دون جياد
متفائل رغم القنوط يذيقنا
جمر السباط وزجرة الجلاد
متفائل بالغيث يسقي روضنا
وسماؤنا شمس وصحو باد
متفائل بالزرع يخرج شطأه
رغم الجراد كمنجل الحصاد
متفائل يا قوم رغم دموعكم
إن السماء تبكي فيحيا الوادي
والبحر يبقي خيره أتضره
يا قومنا سنارة الصياد
فدعوا اليهود بمكرهم وذيولهم
نمل يدب بغاية الآساد
متفائل بشرى النبي قريبة
فغدا سنسمع منطقا لجماد
حجر وأشجار هناك بقدسنا
قسما سندعو مسلما لجلاد
يا مسلما لله يا عبدا له
خلفي يهودي أخو الأحقاد
فاقتله طهر تربنا من زجره
لاتبق ديارا من الإلحاد
قسما بمن أسرى بخير عباده
وقضى بدائرة الفنا لعاد
لتدور دائرة الزمان عليهم
ويكون حقا ما حكاه الهادي
هذا يقيني وهو لي بل الصدى
والكأس غامرة لغلة صاد
فاجعل يقينك بالإله حقيقة
واصنع بكفك صارما لسداد
وإلى الملتقى مع فصل جديد من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يتابع المؤلف فصول بواعث السرور ومع باعث جديد وفصل بعنوان "كن كصاحب النقب" حيث يبدأ فيه بقوله: لا تنزعج إذا رأيت الناس قد نسوا معروفك ،أو أنكروا جميلك ،أو جحدوا إحسانك ،أو تجاهلوا صنيعك ،لا تحزن إذا لم تجاز على عظيم فعل ،ولم تشكر على جميل إحسان.
ثمّ يقول المؤلف: لا تجزع إذا لم تكافأ على تفانيك في عملك ،وإخلاصك في صنعتك ،لا تحزن إذا أتاك سهم من يد كنت يومها تدربها ،أو أتاك هجاء من أفواه كنت تلقنها.
أعلمه الرماية كل يوم
فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي
فلما قال قافية هجاني
أعلمه الفتوة كل وقت
فلما طار شاربه جفاني
يقول المؤلف: تلك طبيعة البشر ،وهذا ديدن الإنسان ،قال تعالى: (إن الإنسان لكفور مبين) ،وقال سبحانه: (إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشيهد). سورة العاديات: الآيات6،7.
يقول المؤلف: كان أبو أيوب السختياني إذا تحدث فرق قلبه وجاء الدمع ،قال: ما أشد الزكام.
وكان النخعي إذا قرأ في المصحف فدخل عليه داخل غطاه.
وكان ابن أبي ليلى يصلي فإذا دخل عليه أحد نام على فراشه.
قال الحسن: كان الرجل تأتيه عبرته فيسترها ،فإذا خشي أن تسبقه قام من المجلس.
وكان إبراهيم بن أدهم إذا مرض يجعل عند رأسه ما يأكل الأصحاء لئلا يتشبه بالشاكين.
وها هو ذا القائد (مسلمة بن عبد الملك) يحاصر بعض حصون الروم المنيعة ،والحصار يطول دون نتيجة ،فالروم في ديارهم وأموالهم وأهليهم ،والمسلمون في العراء ،يقذفهم الرومان بالموت من كل جانب بين الفينة والفينة.
لكن جنديا أضمر خطة لفتح الحصن وحده ،إذ أخذ معولا وجعل ينقب في مكان قريب من الباب كل يوم ساعة ،حتى تم له ما أراد ،فدخل الحصن ،وباغت الحراس وضرب القفل فكسره وفتح الباب بشجاعة نادرة ،وثبات منقطع النظير ،وصاح بصوت عال: الله أكبر الله أكبر أقبلوا يا جند الله.
فكتب الله النصر للمسلمين ،وعمت الفرحة جموع المجاهدين ،وأخذ القائد يبحث عن صاحب النقب ،وينادي في الجند فلما لم يخرج إليه ،عزم عليه أن يأتي خيمته طاعة لأولي الأمر ،وفي المساء دخل خيمته رجل ملثم ،قال له: جئتك من عند صاحب النقب وهو يشترط عليك للمثول بين يديك شروطا:
أولها: ألا تسأل عن اسمه.
ثانيها: ألا تأمر له بجائزة.
ثالثها: ألا ترسله لخليفة المسلمين.
ووافق القائد ،فرفع الرجل اللثام عن وجهه ،وقال أنا صاحب النقب ،وانصرف إلى المعسكر مستغنيا عن شكر الناس ،وطالبا الأجر من الله وحده.
فكان هذا القائد يدعو دوما: اللهم أحشرني مع صاحب النقب.
ثم يختم المؤلف الفصل ويقول: فلنصنع الخير أبدا ،ولنحسن إلى الناس دوما ،ولا ننتظر من الخلق الأجر بل من الخالق ،ولا نطلب من العبد الجزاء بل من الرب ،ولنتخلص من حب الظهور ،فإنه يقصم الظهور ،ومن مراقبة الناس وطلب رضاهم وإعجابهم وثنائهم ،فإنهم لن يجمعوا على ذلك أبدا.
وليكن شعارنا (لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) سورة الإنسان، الآية9.
وإلى الملتقى مع فصل جديد من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يتابع المؤلف فصول بواعث السرور ومع باعث جديد وفصل بعنوان "ترفع عن التوافه" حيث يبدأ فيه بقوله:عظيم أن يكون المرء ذا حس مرهف رقيق ،وشعور حي ووجدان عميق ،فيستحسن الحسن ويستقبح القبيح ،وينكر المشين ،ويستملح المليح.
وأعظم من ذلك أن يتفاعل مع كل حسن موجه إليه سواء أكان قولا أم فعلا ،بالإحسان إلى مصدره ،والعرفان لمنبعه ،والشكر الصادق لصاحبه ،وإطلاق المدارك والشعور والإحساس للتشبع به ، والاستغراق فيه ،والتأثر به.
وأن يتعامل مع كل قبيح أطلق نحوه بالعفو عن فاعله ،والحلم بمن أتاه وغلق السمع والبصر والفؤاد دونه ،وكأنه لم يكن ،ولا سيما إذا كان هذا الفعل حقيرا دنيئا لا يترك أثرا ،ولا يبقى كلما ولا جرحا.
ثمّ يقول المؤلف: ذلك لأن طبيعة الحياة الدنيا أن يكابد الإنسان دائما أبدا فهو لا يسلم من جهل جاهل ،أو فسوق فاسق ،أو ظلم ظالم أو سباب دنيء ،أو حقد حاقد ،أو شماتة عدو ،أو خيانة صديق ،أو تنكر خسيس ،أو خذلان أخ.
فإن هو فتح لذلك بابا إلى قلبه ،وهيأ لذلك مدخلا إلى فؤاده وأفسح له طريقا إلى شعوره ،إن فعل ذلك استغرقه وملك عليه تفكيره وتدبيره وظاهره وباطنه ،وأفسد عليه حياته وحياة من حوله ،فإذا هو والحزن قرينان ،وإذا هو والغم صاحبان ،وإذا هو والهم متلازمان لا ينفك أحدهما عن صاحبه ،ولا يبرح أحدهما الآخر.
يقول المؤلف: " كونوا مع الناس كالشجر" إنها صيحة هاد ونصيحة ..مجرب ،وكلمة إمام مرب ،قالها لأتباعه: كونوا مع الناس كالشجر ،يرميه الناس بالحجر فيرميهم بأطيب وأعذب الثمر.
تفعل الشجرة ذلك بنفس راضية ،وسجية غريبة ،فلا هي تحزن ولا هي تعجب بل تتلقى الأحجار بسعادة وتقذف الناس بثمارها في حلم عجيب ،وسخاء منقطع النظير.
فلم أجعل الشجرة الصماء أحسن مني فعلا ،وأفضل مني ردا؟ إن نفسا تتلقى الأذى كلما تتلقاها تلك الشجرة لنفس كريمة هادئة مستقرة متزنة واثقة ،من الصعوبة بمكان أن يعتورها الحزن ،أو يبيت في ركابها النكد ،فهي لا تألف الكآبة ،ولا تتعايش مع التعاسة.
يقول المؤلف: " والحسن البصرة شجرة " فقد بلغه أن فلانا يسبك ويغتابك ويسمك بأبشع الصفات وأسوأ السمات ،فما كان منه إلا أن أرسل له طبقا من فاكهة ،ولسان حاله: هذا ردي على ما قلت وهذا جزاء ما صنعت ،ثم محا الحسن من ذاكرته ما بلغه من سوء فعل هذا الرجل ،ونزع من شعوره ما وقع منه من قبيح ،ولك أن تتخيل رد هذا المسيء ،ومدى صغاره أمام هذا الصنيع الراقي والرد السامي.
يقول المؤلف: "وعمر بن عبد العزيز شجرة" كان يسير في المسجد فوطئت قدمه قدم رجل خطأ ،فقال له الرجل مستهجنا ومنكرا ومعنا: أعميت يا رجل؟ فقال له الخليفة: لا ،وقد هم الناس بالرجل ليوسعوه تعنيفا وتعزيزا ،لكن الخليفة أبى ،وقال من معه: ما زاد الرجل على أن سألني سؤالا فأجبته.
واليقين أن رجلا يتحلى بسلوك عمر بن عبد العزيز في ترفعه عن سفاسف الأمور ،وسموه على ما أثر له رجل حكيم ،قد هيأ فناءه لدواعي السرور ،وأغلقه دون دواعي التألم و الغموم.
وقد أسمعه رجل يوما بعض ما يكره وهو خليفة المسلمين.
فقال: لا عليك ،إنما أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا ،انصرف اذا شئت.
ما أجمل قول الشافعي رحمه الله:
إذا نطق السفيه فلا تجبه
فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنه
وإن خليته كمدا يموت
وقول الصفاقسي:
ما بقبق الكوز إلا من تألمه
يشكو إلى الماء ما قاسى من النار
لو كل كلب عوى ألقمته حجرا
لأصبح الصخر مثقالا بدينار
يقول المؤلف: " واحذر فوات القافلة " ،حدثنا أن رجلا كان يسير في القافلة فأصابته شوكة ،فوقف ينزعها فسبقته القافلة ،فلما فرغ من الشوكة وجد القافلة قد غابت ،وضل عنها ولم يعرف أين ذهبت.
ضيعته شوكة شغل بها عن طريقه الذي رسمه ،وهدفه الذي يسعى إليه ،وكم من أناس ضيعتهم تلك الشوكة الدنيئة عن طريقهم الذي أرادوه ،وهدفهم الذي طلبوه ،وسبيلهم الذي حددوه وسلكوه.
ثم يختم المؤلف الفصل ويقول: فيا من تبحث عن السرور لا تنشغل بالحقير من الأمور ،ولا تلتفت إلى كل كلب عقور ،ولا إلى كل عدو مغرور ،واشغل نفسك فيما خلقت من أجله ،وما تسعى لتحقيقه ،ولا توقفك السفاسف عن اللحاق بالركب ،والسير مع الرهط ،حتى تصل إلى الشط.
فكم من أناس قتلتهم كلمة ،وأناس أعيتهم نظرة ،وفي الأثر: قال موسى لربه: يا رب كف عني الألسنة ،فقال الله له: يا موسى ،لم أجعل ذلك لنفسي.
اللهم ارزقنا حلم الأنبياء وصبر المرسلين ،وأجرنا يا ربّ العالمين.
وإلى الملتقى مع فصل جديد من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يتابع المؤلف فصول بواعث السرور ومع باعث جديد وفصل بعنوان "اطرد الملل بالعمل" حيث يبدأ فيه بقوله: إن العمر لحظات ،والحياة ثوان ،والوقت يجري بلا توان ،والواجبات كثيرة ،والأوقات قليلة ،والمرء لا يزال يهدم في عمره منذ ولد ،ويسرع نحو الخاتمة منذ وجد.
ثمّ يقول المؤلف: إنه الوقت أغلى من كنوز الدنيا لا تستطيع شراءه بفضة ولا ذهب ،ولن تجد من يبيع أو يهب ،فكيف تفرط في برهة ،وكيف تضيع منك لحظة:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه
وأراه أسهل ما عليك يضيع
فأملأ فراغك بالعمل ،وجدد نشاطك بالأمل ،ولا تفرح بانقضاء يوم فإن ذا نذير انقضائك ،ولا يسرك توالي السنين فإنه يعني ذهابك:
يسر المرء ما ذهب الليالي
وكان ذهابهن له ذهابا
واسمع نداء أنفاسك وتحذير فؤادك:
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثان
فاعمل قبل فوات الأوان قبل أن تصير إلى نسيان قبل ضياع الجنان ،فيها من كل فاكهة زوجان ،فيها نخل ورمان ،فيها خيرات حسان ،فيها عينان تجريان ،أذلك خير أم النيران؟ وما أدراك ما النيران؟ فاعمل أخي قبل فوات الأوان:
ومالك يوم الحشر زاد سوى الذي
تقدمه قبل الممات إلى الحشر
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا
ندمت على التفريط في زمن الزرع
يقول المؤلف: تلك طبيعة النفس وهذه سجيتها ،فإن بادرت بشغلها وعملت على أن تملأ فراغها حصنتها من الانشغال بالألم ،والانغماس في السأم ،فالفارغ لا يترك فارغا ،وأنت حين تفرغ الماء من الزجاجة فإن الهواء يبادر بدخولها على الفور ،والقلب كذلك إن كان فارغا من النافع المفيد امتلأ عللا وأمراضا ،وأصبح مجالا صالحا للكائنات الضارة ،ومرتعا خصيبا للعلل المهلكة كالغل ،والحقد ،والحسد ،والخوف ،والقلق ،واليأس ،والإحباط ،والوسوسة:
إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة
ولذا قال الإمام الغزالي: كل قاعد في بيته أيا كان فليس خاليا في هذا الزمان من منكر.
يقول المؤلف: فالإمام سليم بن أيوب الرازي كان يحاسب نفسه على الأنفاس ،فلا يضيع وقتا من غير فائدة ،فإن زرته ألفيته قارئا أو مدرسا أو ناسخا ،ترك تلاميذه يوما ،وذهب إلى داره ثم رجع ،فقال لهم: قد قرأت جزءا في الطريق.
والخليل بن أحمد الفراهيدي يقول: أثقل ساعة علي ساعة آكل فيها.
وكان أحد الأئمة يأمر بدق الخبز له ،فسئل عن ذلك ،فقال: إن بين سفه ومضغة قراءة خمسين آية ،فكان يفضل سفه لئلا يضيعها.
وابن عقيل يقول: لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري ،فإذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة ،وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره.
وقالوا عن الطبري: إنه ما أضاع دقيقة من حياته في غير الإفادة والإستفادة .
وكان عثمان الباقلاوي يقول: إني وقت الإفطار أحس بروحي كأنها تخرج مني لانشغالي بالأكل عن الذكر.
والمحاسبي يقول: لو كان الوقت يشترى بالمال لاشتريت بكل مالي ـ غير خاسر ـ أوقاتا لخدمة الإسلام.
قالوا له: ومن أين تشتري؟
قال: من أوقات الفارغين.
يقول المؤلف: في هذا الزمن ،وذاك الوقت نسمع عن كثير من السجناء ،منهم من استثمر مدة سجنه واشتغل زمان حبسه في عمل مفيد أي إفادة ،فمنهم من حفظ القرآن فترة وجوده هناك ،ومنهم من حصل على الماجستير أو الدكتوراة أو الشهادات العالية ،ومنهم من حصّل علوم الشريعة والتفسير من الحديث واللغة ،ومنهم من ألف كتابا عظيما.
ويكفي أن تعلم أن كتاب " في ظلال القرآن " قد سطره صاحبه أو خط أكثره وهو في السجن.
ثم يختم المؤلف الفصل ويقول: لا تتوان يا أخي ،وابدأ من الآن فإن كنت خاليا من العمل مطلقا فاملأ يومك بمثل هذه الأعمال:
• قم قبل الفجر بساعة ،وتوضأ وصل ما شئت وسبح واستغفر واذكر الله ما شئت ،ثم صل الفجر في المسجد.
• اقعد ساعة في المسجد ،لتقرأ أذكار الصباح ،وتختم جزءا من القرآن وتحفظ بعض الآيات.
• وصل الضحى في مصلاك ...
• أد بعض التمرينات الرياضية ،أو الألعاب البدنية.
• صل بقية الصلوات الخمس في المسجد بسننها القبلية والبعدية.
• عد مريضا.
• ساعد محتاجا.
• شارك أمك في أعمال المنزل ،فهذا ليس عيبا.
• شارك والدك عمله ،ونفذ ما يطلبه منك.
• اقرأ في كتب نافعة ساعتين.
• تابع أخبار المسلمين.
• علم غيرك شيئا مفيدا ،ولو كان شقيقك الصغير أو حارس العمارة الأمي.
• شاهد بعض البرامج النافعة.
• اخل بنفسك وتفكر في خلق الله ،وأطلق العنان لعقلك ليتدبر آيات الله في الكون ،ولقلبك ليزداد إيمانا.
• اجلس مع أهل بيتك وقتا وشاركهم أفراحهم ومشاكلهم وقضاياهم وساعد في حلها.
أسألك: إذا فعلت ذلك هل سيكون لديك وقت لتبحث له عن مضيع؟ وهل ستبقى عندك ساعة خالية لتقضيها في الحزن أو الكآبة أو الملل أو اليأس أو القلق؟
فهيا يا أخي إلى العمل ،فإن فيه السعادة ،وإن زعم زاعم أن السعادة في النوم والخمول.
وإلى الملتقى مع فصل جديد من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يتابع المؤلف فصول بواعث السرور ومع باعث جديد وفصل بعنوان "كن جميلا تر الوجود جميلا" حيث يبدأ فيه بقوله: تستطيع ـ بعون الله ـ أن تملأ حياتك سعادة ،وتكسوها ألوانا من البهجة ،وتلبسها صنوفا من الفرح والسرور.
فهيا لا تستسلم للألم ،ولا تركن للهم ،ولا تسلم قيادك للغم ،فالوجود جميل ،ولا تزال الحياة مملوءة بما يبعث على السعادة ،ويدعو للسرور.
ثمّ يقول المؤلف: ابتعد عن كل ما يذكرك بالألم ... إن كثيرا من الناس يتفنن في ابتكار وسائل تذكره بالألم ،وكأنه أصبح يتلذذ بالحزن ولا يستطيع فراقه ،فهذا مات له حبيب فعلق صوره في حجرة مكتبه ،أو على سرير نومه ،أو في مقدمة سيارته وذلك أبى إلا أن يجمع ملابس المفقود وآثاره ،ويضعها أمامه طوال اليوم ،وذلك لا يلبث أن يسمع شريطا مسجلا بصوت المفقود أو يرى له شريطا تليفزيونيا .
وبعض الناس يضع على مكتبه ما يذكره بفشله في دراسته أو خسارته في عمله ،أو عدم توفيقه في حياته الإجتماعية .
يقول المؤلف: وهذا كله يجدد المرارة ويعيد الحزن ،ويحيي الألم ،وقد وقعت في ذلك مدة ،إذ عرضت لظلم ظالم لم أستطع دفعه ،وجمعت وثائق تؤرخ لهذا الحدث ،وظلت معي مدة ولكني تبينت أني كلما شاهدتها فتذكرت الموقف تألمت فأحرقتها جميعا ،فلم أعد أذكر ذاك إلا نادرا ،ودون ألم.
يقول المؤلف: ولأن ملابسات الموقف الأليم تحيي الألم من جديد نهى الشرع عن الاستمرار في الحداد على الميت أكثر من ثلاثة أيام ،ينصرف بعدها الأهل جميعا إلى أعمالهم ،وممارسة حياتهم الطبيعية ،اللهم إلا الزوجة فلها وضع خاص لكنه محدد أيضا ،أما بقية الأهل فلا حداد لهم بعد ثلاثة أيام ،ولا ينبغي لهم الجلوس لتلقي العزاء فوق ذلك ،ولا أصل لما يسمى بالخميس الأول أو الثاني أو الأربعين ،أو الذكرى الثانوية.
وذلك لأن الإسلام لا يدفع أبناءه إلى ملازمة الحزن ومصاحبة البكاء بل يحوطهم بما ينسيهم نكباتهم ،ويبعدهم عن آثار الحزن القاتلة.
يقول المؤلف: "نظف ثوبك يقل همك" ،هذه صيحة للشافعي ،فقد أكد على أن من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله.
وأكد حكيم آخر فقال: من اتسخ ثوبه تكدرت نفسه ،والواقع أن من يمر بمحنة يهمل مظهره ،وخاصة ثوبه ،وحجته أن وقع المحنة يشغله عن مثل ذلك ،كما أن نفسه لا تتوق في هذا الوقت لمراعاة مظهرها.
والحقيقة أن هذا يزيد الألم ألما ،ويقوي وقع المحنة ويطيل مدتها ،فهيا أخي قم فالبس من الثياب أزهاه وأجمله ،وأبهاه وأحسنه ،واعتن بكيه وتعطيره ،وتنسيقه وتوفيقه ،واخرج للتسوق أو للنزهة أو للزيارة أو لقضاء مصلحة ،ستشعر بسعادة غامرة في الحال ،وسيذهب عنك الغم الذي طالما لازمك ،والحزن الذي لم يفارقك زمنا ،ولذلك فإن الواقع يؤكد قول الحكيم السابق: من نظف ثوبه قل همه.
ثم يختم المؤلف الفصل ويقول: اخرج إلى الحدائق ،فقد قالوا: ثلاث يذهبن الحزن: النظر إلى الماء وإلى الخضرة وإلى الوجه الحسن.
وكتب عمر بن الخطاب إلى أمير الأجناد: مروا بالناس أن يخرجوا إلى الصحاري أيام الربيع فينظروا إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها.
وقال أمير المؤمنين كرم الله وجهه: إذا دخلت البساتين فأطل تأملها فإن فيها جلاء للبصر وارتياحا للهم والفكرة ،وتكرمة للطبائع وتسكينا للصداع.
وقال: تشمموا النرجس ولو في اليوم مرة ،فإن في قلب الإنسان حالة لا يزيلها إلا شم النرجس.
وقال الشاعر:
ثلاثة تذهب عن قلبي الحزن
الماء والخضرة والوجه الحسن
وقال آخر:
وسبعة قوة الإبصار فأت بها
بلا مراء تجد نفعا بلا دخل
البس نظيف ثياب واطرح دنسا
وانظر إلى خضرة في وجه ذي كحل
واجلس إلى كعبة تهدي لناظرها
حال الجلوس ثوابا زاكي العمل
وجرية الماء وانظر في السماء تر
دفع الهموم مع السوداء وامتثل
وكحل العين عند النوم من حجر
تسبق به نظر الزرقا ولا تحل
وقال الشافعي: أربعة تقوي البصر: لبس نظيف الثياب ،والنظر إلى الخضرة ،والجلوس مستقبل القبلة ،والكحل عند النوم من حجر ،يعني بالأثمد.
وقال أبقراط: من لم يبتهج لرؤية الربيع ولا يتروع بنسيم أسحاره فهو عديم حس أو سقيم نفس.
قال الشاعر: أيهذا الشاكي وما بك داء
كيف تغدو إذ غدوت عليلا
وترى الشوك في الورود وتعمى
أن ترى فوقها الندى إكليلا
أدركت كنهها طيور الروابي
فمن العار أن تظل جهولا
تتغنى والصقر قد ملك الجو
عليها والصائدون السبيلا
أيا هذا الشاكي وما بك داء
كن جميلا تر الوجود جميلا
وإلى الملتقى مع فصل جديد من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يتابع المؤلف فصول بواعث السرور ومع باعث جديد وفصل بعنوان "ارفع يديك إلى السماء تضرعا" حيث يبدأ فيه بقوله: قال الشاعر:
ارفع يديك إلى السماء
لله في كل الأمور لتغنما
ثمّ يقول المؤلف: فالله معك ،يسمع نجواك وسرك ،ويفرج عنك ما أهمك ،ويذهب عنك حزنك وغمك ،والرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قد علمنا ما نقوله عند كل محنة أو نازلة ،ليخف الله عنا الألم ،ويبعث فينا روح الأمل.
ثم يبدأ المؤلف بسرد الأحاديث النبوية الدالة على الهدي النبوي في أحوال كثيرة منها: إذا كان عملك متعبا شاقا ،أو عند الكرب ،أو عند الهم ،أو عند استصعاب ،أو عند الإحساس بالوحشة ،أو عند التضييق في الرزق ..
ثم قال وأكثر من هذا الدعاء:
عن أنس رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ،وقنا عذاب النار . ( البخاري ومسلم ) .
ثم يختم المؤلف الفصل ويقول:
فلا ترج إلا الله في كل حادث
فألق إليه بث شكواك تحمد
له الملك في الأكوان لا بمؤازر
ولا بنصير في الدفاع لمعتد
قريب ولكن بالذنوب تباعدت
مسائلنا عن روض إحسانه الندي
فقم قارعا للباب والناب نادما
على ما جرى وارفع دعاءك يصعد
وقم سائلا والدمع في الخد سائل
تجد ما تشا من لطفه وكأن قد
وقم زلفا في الليل إن نشر الدجى
جناح عذاف يلبس الكون عن يد
ورد الظلام الليل بالذكر مشرقا
فقد فاز من بالذكر يهدي ويهتدي
وإلى الملتقى مع الفصل الأخير من فصول الكتاب إن شاء الله ..
يتابع المؤلف فصول بواعث السرور ومع باعث جديد وفصل أخير بعنوان "قطوف من الحكمة" نستعرضه اختصارا ـ إن شاء الله ـ حيث يبدأ فيه بقوله: وهذه قطوف من الحكمة ترقق النفس ،وتذهب السآمة ،وتهذب الخلق ،وتدفع للتأمل وإعمال العقل والفؤاد نختم بها هذا الكتاب ..
ثمّ يقول المؤلف: قال الشافعي رحمه الله: ما رفعت أحدا قط فوق قدره إلا غض مني بقدر ما رفعت منه.
يقول المؤلف: يروى عن المسيح عليه السلام أنه قال: أمر لا تعلم متى يغشاك فينبغي أن تستعد له قبل أن يفاجأك.
قال عمر بن الخطاب: تعلموا العلم ،وتعلموا للعلم السكينة والحلم وتواضعوا لمن تعلمون ليتواضع لكم من تعلمونه ،ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم.
قيل في منثور الحكم: إذا علمت فلا تفكر في كثرة من دونك من الجهال ،ولكن انظر إلى فوقك من العلماء.
وسئل بعض العلماء: أيهما أفضل المال أم العلم؟ فقال: الجواب عن هذا أيما أفضل المال أم العقل.
قال عبد الله بن المبارك: أفضل الزهد إخفاء الزهد.
وقال بعض الحكماء: ابنك ريحانك سبعا ،وخادمك سبعا ،ووزيرك سبعا ،ثم هو صديق أو عدو.
وللأحنف: ولربما ضحك الحليم من الأذى
وفؤاده من حره يتأوه
ولربما شكل الحليم لسانه
حذر الجواب وإنه لمفوه
يقول المؤلف: وقال ابن عقيل في الفنون: للإيمان روائح ولوائح لا تخفى على إطلاع مكلف بالتلمح للمتفرس ،وقل أن يضمر مضمر شيئا إلا وظهر مع الزمن على فلتات لسانه وصفحات وجهه.
ثم يختم المؤلف الفصل ويقول: قال بعض الشعراء في الصبر: وإذا ابتليت بمحنة فالبس لها
ثوب السكوت فإن ذلك أسلم
لا تشكو إلى العباد فإنما
تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم.
وبذلك ينهي المؤلف كتابه والحمد لله أولا وآخرا.
وإلى الملتقى مع كلمة ختام السلسلة الثانية إن شاء الله ..
الحمد لله أن وفقني لقراءة كتاب بعث في محتواه السرور ،وأسعد بمطالعته كل مهموم ومسرور ،أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ..
ثمّ أقول ـ كما هو معلوم ـ أنّ لكل قارئ منهج يحتذيه ،ويسير في نهجه ويرتضيه ،ولقد كان نهجي القراءة والسرد ـ كيفما أورده المؤلف ـ مما ورد بالكتاب ،لذلك ابتعدت عن نهج التحليل أو النقد ،واكتفيت بالسرد والنقل باختصار شديد ،حيث بلغت صفحات الكتاب (344) صفحة ،اختصرتها في (17) حلقة.
وبهذا الختم المبارك أتقدم بالشكر والتقدير لكل من زار هذه الحلقات أو ترك بصمته البراقة فيها من خلال بطاقته الجميلة أو كلماته الرائعة .. فلكم مني خالص شكري.
كما أتقدم بالشكر الجزيل لهذا المنتدى الكريم على دعمه وكريم ضيافته.
وبذلك ننتهي من السلسلة الثانية قراءة في كتاب "بواعث السرور".
والحمد لله أولا وآخرا.
ولعلنا نلتقي مع قراءة أخرى في كتاب آخر إن شاء الله ..