- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
سر دخول الواو على جواب {حتى إذا**
قال الله تعالى في أهل النار: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ** [الزمر:71].
ثم قال تعالى في أهل الجنة: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ** [الزمر:73].
فأدخل واو الجمع على جواب {حَتَّى إِذَا** في آية أهل الجنة: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا**، ونزعها منه في آية أهل النار: {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا**. والسؤال الذي يتردد كثيراً: لمَ أدخلت هذه الواو في الآية الثانية على الجواب، ونزعت منه في الآية الأولى، والكلام في الموضعين واحد؟!
ولعلماء النحو والتفسير في الإجابة عن ذلك أقوال تتلخص في ثلاثة أقوال:
أحدها: أن جواب {حَتَّى إِذَا**، في الآيتين واحد، وهو قوله تعالى: {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا**. وأدخلت الواو زائدة في آية أهل الجنة، ومعنى الكلام على سقوطها، وعلى هذا القول جمهور الكوفيين، وحجتهم أن العرب تزيد الواو في كلامها؛ كقول الشاعر:
حتى إذا قمِلت بطونُكُمُ ورأيتمُ أبناءكم شَــبُّوا
وقلبتمُ ظهرَ المِجَنِّ لنا إن اللئيم العاجز الخـبُّ
والمعنى: (قلبتم لنا ظهر المجن) على زيادة الواو.
وزعم بعض المتأخرين والمحدثين أن زيادة الحرف في الكلام يقوم مقام تكرار الجمله مرتين؛ فبدلاً من أن يقال: (فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا، فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) استغني عن هذا التكرار بإدخال الواو على الجواب، فقيل: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا**.
والقول الثاني: أن جواب: {حَتَّى إِذَا** في آية أهل الجنة محذوف للعلم به، وأن الواو إما عاطفة على ما قبلها، أو حالية. وعلى هذا القول جمهور البصريين، ومن تبعهم من المتأخرين والمعاصرين. وحجتهم أن العرب قد تترك في مثل ذلك الجواب للعلم به؛ اختصاراً، ولتذهب النفس في تقديره كل مذهب؛ ولهذا يعدُّون حذفه من بلاغة القرآن وإعجازه.
والقول الثالث: أنها واو الثمانية. حكى ذلك القرطبي عن أبي بكر بن عيَّاش، وذكر أن من عادة قريش إذا عدُّوا، قالوا: خمسة، ستة، سبعة، وثمانية. ولما كانت أبواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة، أدخلت الواو في آية أهل الجنة، ولم تدخل في آية أهل النار. وقد ضُعِّفَ هذا القول من قبل الكثيرين. وأخيراً استقرَّ رأي جمهور المتأخرين على أن هذه الواو هي واو الحال، وأن الجواب محذوف، تقديره: حتى إذا جاؤوها، وقد فتحت أبوابها، دخلوها. أو ما شابه ذلك.
وذهب الدكتور فضل حسن عباس إلى أن الجواب في آية أهل النار محذوف أيضاً، وأن التقدير: حتى إذا جاؤوها، فتحت أبوابها، وجدوا من الهول والحسرة والندامة والأسى ما يعجز عنه الوصف، وقال لهم خزنتها: كذا وكذا.
أما جملة: {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا** فقد جعلها استئنافية، وانتهى من ذلك إلى القول: "فإن قبلت هذا القول فخذ به، ولكل وجهة هو مولِّيها".
وعن الحكمة في حذف الواو من آية أهل النار، وإثباتها في آية أهل الجنة قال بعضهم: "لمَّا قال الله عز وجل في أهل النار: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا** دل على أنها كانت مغلقة.. ولمّا قال في أهل الجنة: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا** دل على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها".
وفي الإجابة عن ذلك كله أقول بعون الله وتعليمه:
أولاً: للواو في لغة العرب وظيفة لغوية في التركيب، وهي الربط بين مفردين، أو جملتين. ولها معنيان: أولهما: العطف. وثانيهما: الجمع. وكثيراً ما تُخلَعُ عنها دلالتها على العطف، فتخلص لمعنى الجمع فقط. وهذا ما أشار إليه ابن جني في (باب خلع الأدلة) من كتابه "الخصائص"، فقال: "ومن ذلك واو العطف؛ فيها معنيان: العطف، ومعنى الجمع. فإذا وضعت موضع: (مع)، خلُصت للاجتماع، وخُلِعَتْ عنها دلالة العطف؛ نحو قولهم: استوى الماء، والخشبة".
ومثل ذلك هذه الواو، التي أدخلت في قوله تعالى: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا**، فهي واو أخلِصَت لمعنى الجمع، بعد أن خُلِعَتْ عنها دلالتها على العطف، فدلت بذلك على اجتماع حدثين في وقت واحد: مجيء المؤمنين إلى الجنة، وفتح الجنة أبوابها لهم؛ كما دلت على الجمع بين استواء الماء، واستواء الخشبة في قولهم: استوى الماء والخشبة.
ومثلها في الدلالة على معنى الجمع الواو التي في قوله تعالى: {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ** [يونس:71] أي: فأجمعوا أمركم مع شركائكم. ويحمل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ** [الحشر:9] أي: تبوَّؤوا الدار الآخرة مع الإيمان.
وأما تفسيرهم لها بالحالية أو العاطفة فهو محكوم بالقاعدة النحوية، التي تنصُّ على أن جواب الشرط لا يقترن في حالات مخصوصة بغير الفاء، أو إذا الفجائية. فلما اعترضتهم نصوص من القرآن الكريم ولغة العرب، تخالف ما اصطلحوا عليه من قواعد؛ أخذوا بأعناق تلك النصوص، وأخضعوها لقواعدهم، وبذلك ارتضوا القواعد النحوية مركباً، فقتلوا أنفسهم بذلك، وقتلوا معها النصوص، متجاهلين أن النصوص القرآنية لا تخضع لقواعد النحاة، وتأويلاتهم المنطقية.
وإذاأردت أن تعرف ذلك، فاسمع قول أبي حيان صاحب تفسير "البحر المحيط": "التأويل إنما يسوغ إذا كانت الجادة على شيء، ثم جاء شيء يخالف الجادة، فيُتأَوَّل".
ويقصد أبو حيان بالجادة-هنا- القواعد النحوية، التي قعَّدها النحاة، فما خرج عنها يجب أن يتأوَّل حتى يعود إليها. وبهذا التأويل، الذي يخضع للجهد الذهني العميق، جعلوا من النصوص القرآنية تبعاً للقواعد النحوية، والعكس هو الذي ينبغي أن يكون.
ثانياً: إذا ثبت حذف جواب: (إِذَا) و(لََوْ) في بعض المواضع، فإن حذف جواب {حَتَّى إِذَا** لم يثبت أبداً في أيٍّ من تلك المواضع. وليس من الصواب في شيء أن يقاس جواب {حَتَّى إِذَا** على جواب (إِذَا)، أو جواب (لََوْ)؛ لأن من شروط القياس المعتبرة في اللغة أن تقاس الظاهرة اللغوية بأمثالها.
ثم إن القياس النحوي لم يصلح يوماً لأن يكون منهجاً للبحث العلمي؛ إنما الذي يصلح لذلك هو الاستقراء اللغوي. ولهذا نجد الفرَّاء ينكر -وبأسلوب رقيق مهذب- قول من جعل قوله تعالى: {وَأَذِنَتْ** جواباً لـ{إِذَا** في قوله تعالى: {إذَا السَّمَاء انشَقَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ** [الانشقاق:2]. فقال: "ونرى أنه رأيٌ ارتآه المفسِّرُ، وشبَّهه بقوله تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا**؛ لأنا لم نسمع جواباً بالواو في {إِذَا** مبتدأة، ولا قبلها كلام، ولا في {فَلَمَّا**، إذا ابتُدِئت؛ وإنما تجيب العرب بالواو في قوله: (حتى إذا كان) و(فلمَّا أن كانت)، لم يجاوزوا ذلك".
والفراء راوية ثقة، لا يشك أحد في ما يرويه عن العرب، وقد شهد له بذلك أبو حيان، الذي تقدم ذكره. والشواهد القرآنية وغيرها تؤيد قوله وتؤكِّده؛ فمن الشواهد القرآنية نذكر قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ . وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا** [الأنبياء: 96-97].
فقوله تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ** جواب قوله: {حَتَّى إِذَا**، وقد جاء مقترناً بالواو، والمعنى: (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، اقترب الوعد الحق). ويدلك على أن {اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ** هو الجواب، أن فتح يأجوج ومأجوج ونسلهم من كل حدب هو علامة من علامات اقتراب هذا الوعد، الذي هو يوم القيامة، وهو المشار إليه بقوله تعالى:
{فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً** [الكهف:98].
ثالثاً: أما قولهم: "ولمّا قال في أهل الجنة: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا** دل على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها" فليس كذلك؛ لأن فتح أبواب الجنة يقع مع وقوع مجيئهم إليها، لا بعده ولا قبله. وهذا ما دلت عليه الواو؛ وذلك لما فيها من معنى الجمع الذي لا يفارقها أينما وقعت.
ولهذا المعنى، الذي أفادته هذه الواو، لا يجوز القول بأنها عاطفة، أو حالية. أما الأول فلأنها -هنا- مسلوبة الدلالة على العطف. وأما الثاني فلأن واو الحال لا يجوز أن تدخل على الفعل إلا ومعها (قد) ظاهرة، لا مقدرة. وجعلها حالية يقتضي تقدير جواب محذوف مع (قد). وهذا ما لجأوا إليه، وهو تكلف ظاهر لا داعي له؛ لما فيه من إخلال بنظم الكلام، وإفساد لمعناه.
وفرق كبير بين أن يقال: (حتى إذا جاؤوها، فتحت أبوابها مع مجيئهم إليها)، وبين أن يقال: (حتى إذا جاؤوها، وقد فتحت أبوابها قبل مجيئهم إليها)؛ لأن هذا فيه حذف للجواب، وتقدير (قد) بين الواو والفعل. والأول لا حذف فيه ولا تقدير، وصون النظم الكريم من العبث بالزيادة، والتقدير هو الأولى، وهو الذي ينبغي أن يكون.
أما مجيء الجواب في آية أهل النار غير مقترن بالواو فللدلالة على أن النار لا تفتح أبوابها لأهلها إلا بعد مجيء أهلها إليها. وقد يطول وقوفهم وانتظارهم، وهذا أنكى لهم، ثم تفتح لهم الأبواب بعد طول انتظار، ويدخلون غير مأسوف عليهم، خلافاً لأهل الجنة، الذين يدخلونها دون انتظار؛ لأنهم يجدون أبوابها قد فتحت لهم مع مجيئهم إليها.
وما أشبه هذا بما نشاهده اليوم من الأبواب الزجاجية لبعض المحال والبنوك والدوائر الرسمية، التي تفتح للقادمين إليها من أول وطأة قدم أمامها، ثم تعود إلى الانغلاق بعد الدخول. وذلك بخلاف أبواب السجون، وغيرها من الأبواب، التي لا تفتح للذين يساقون إليها إلا بعد طول انتظار!
وأما ما استدلوا عليه من قولهم: "إن الجنة تفتح أبوابها لأهلها قبل مجيئهم إليها إكراماً لهم" بقوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ** [ص:50] كمنازل الأفراح والسرور، وأبواب الجنان في الدنيا، فليس كذلك؛ لأن أبواب الجنة مغلقة، لا تفتح إلا وقت مجيء أهلها من المؤمنين إليها، وتفتح بالأمر كما تغلق بالأمر.
والآية السابقة دليل عليهم، لا دليل لهم. يدلُّك على ذلك أن قوله تعالى: {مُفَتَّحَةً** صيغة مفعول، وكونها مُنوَّنة يدل على أن زمنها المستقبل لا الماضي، وأن التشديد فيها للمبالغة وتكرُّر الفتح. وهذا يعني أنها تفتح كلما جاء الجنة وفد من المؤمنين، ثم تغلق، وأن الفتح يتكرر بتكرر المجيء.
قال القرطبي: "وإنما قال: {مُفَتَّحَةً**، ولم يقل: (مفتوحة)؛ لأنها تفتح لهم بالأمر، لا بالمسِّ؛ أي: بالأيدي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل شهر رمضان؛ فُتِّحَتْ أبوابُ الجنة، وغُلِّقَتْ أبوابُ النار، وصُفِّدَتْ الشياطينُ" يدل على أن أبواب الجنة كانت مغلَقةً، ولا ينافيه -كما جاء في "حاشية السِّنْدِي"- قوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ**؛ إذ ذلك لا يقتضي دوام كونها مفتَّحة.
منقول
قال الله تعالى في أهل النار: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ** [الزمر:71].
ثم قال تعالى في أهل الجنة: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ** [الزمر:73].
فأدخل واو الجمع على جواب {حَتَّى إِذَا** في آية أهل الجنة: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا**، ونزعها منه في آية أهل النار: {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا**. والسؤال الذي يتردد كثيراً: لمَ أدخلت هذه الواو في الآية الثانية على الجواب، ونزعت منه في الآية الأولى، والكلام في الموضعين واحد؟!
ولعلماء النحو والتفسير في الإجابة عن ذلك أقوال تتلخص في ثلاثة أقوال:
أحدها: أن جواب {حَتَّى إِذَا**، في الآيتين واحد، وهو قوله تعالى: {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا**. وأدخلت الواو زائدة في آية أهل الجنة، ومعنى الكلام على سقوطها، وعلى هذا القول جمهور الكوفيين، وحجتهم أن العرب تزيد الواو في كلامها؛ كقول الشاعر:
حتى إذا قمِلت بطونُكُمُ ورأيتمُ أبناءكم شَــبُّوا
وقلبتمُ ظهرَ المِجَنِّ لنا إن اللئيم العاجز الخـبُّ
والمعنى: (قلبتم لنا ظهر المجن) على زيادة الواو.
وزعم بعض المتأخرين والمحدثين أن زيادة الحرف في الكلام يقوم مقام تكرار الجمله مرتين؛ فبدلاً من أن يقال: (فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا، فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) استغني عن هذا التكرار بإدخال الواو على الجواب، فقيل: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا**.
والقول الثاني: أن جواب: {حَتَّى إِذَا** في آية أهل الجنة محذوف للعلم به، وأن الواو إما عاطفة على ما قبلها، أو حالية. وعلى هذا القول جمهور البصريين، ومن تبعهم من المتأخرين والمعاصرين. وحجتهم أن العرب قد تترك في مثل ذلك الجواب للعلم به؛ اختصاراً، ولتذهب النفس في تقديره كل مذهب؛ ولهذا يعدُّون حذفه من بلاغة القرآن وإعجازه.
والقول الثالث: أنها واو الثمانية. حكى ذلك القرطبي عن أبي بكر بن عيَّاش، وذكر أن من عادة قريش إذا عدُّوا، قالوا: خمسة، ستة، سبعة، وثمانية. ولما كانت أبواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة، أدخلت الواو في آية أهل الجنة، ولم تدخل في آية أهل النار. وقد ضُعِّفَ هذا القول من قبل الكثيرين. وأخيراً استقرَّ رأي جمهور المتأخرين على أن هذه الواو هي واو الحال، وأن الجواب محذوف، تقديره: حتى إذا جاؤوها، وقد فتحت أبوابها، دخلوها. أو ما شابه ذلك.
وذهب الدكتور فضل حسن عباس إلى أن الجواب في آية أهل النار محذوف أيضاً، وأن التقدير: حتى إذا جاؤوها، فتحت أبوابها، وجدوا من الهول والحسرة والندامة والأسى ما يعجز عنه الوصف، وقال لهم خزنتها: كذا وكذا.
أما جملة: {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا** فقد جعلها استئنافية، وانتهى من ذلك إلى القول: "فإن قبلت هذا القول فخذ به، ولكل وجهة هو مولِّيها".
وعن الحكمة في حذف الواو من آية أهل النار، وإثباتها في آية أهل الجنة قال بعضهم: "لمَّا قال الله عز وجل في أهل النار: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا** دل على أنها كانت مغلقة.. ولمّا قال في أهل الجنة: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا** دل على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها".
وفي الإجابة عن ذلك كله أقول بعون الله وتعليمه:
أولاً: للواو في لغة العرب وظيفة لغوية في التركيب، وهي الربط بين مفردين، أو جملتين. ولها معنيان: أولهما: العطف. وثانيهما: الجمع. وكثيراً ما تُخلَعُ عنها دلالتها على العطف، فتخلص لمعنى الجمع فقط. وهذا ما أشار إليه ابن جني في (باب خلع الأدلة) من كتابه "الخصائص"، فقال: "ومن ذلك واو العطف؛ فيها معنيان: العطف، ومعنى الجمع. فإذا وضعت موضع: (مع)، خلُصت للاجتماع، وخُلِعَتْ عنها دلالة العطف؛ نحو قولهم: استوى الماء، والخشبة".
ومثل ذلك هذه الواو، التي أدخلت في قوله تعالى: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا**، فهي واو أخلِصَت لمعنى الجمع، بعد أن خُلِعَتْ عنها دلالتها على العطف، فدلت بذلك على اجتماع حدثين في وقت واحد: مجيء المؤمنين إلى الجنة، وفتح الجنة أبوابها لهم؛ كما دلت على الجمع بين استواء الماء، واستواء الخشبة في قولهم: استوى الماء والخشبة.
ومثلها في الدلالة على معنى الجمع الواو التي في قوله تعالى: {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ** [يونس:71] أي: فأجمعوا أمركم مع شركائكم. ويحمل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ** [الحشر:9] أي: تبوَّؤوا الدار الآخرة مع الإيمان.
وأما تفسيرهم لها بالحالية أو العاطفة فهو محكوم بالقاعدة النحوية، التي تنصُّ على أن جواب الشرط لا يقترن في حالات مخصوصة بغير الفاء، أو إذا الفجائية. فلما اعترضتهم نصوص من القرآن الكريم ولغة العرب، تخالف ما اصطلحوا عليه من قواعد؛ أخذوا بأعناق تلك النصوص، وأخضعوها لقواعدهم، وبذلك ارتضوا القواعد النحوية مركباً، فقتلوا أنفسهم بذلك، وقتلوا معها النصوص، متجاهلين أن النصوص القرآنية لا تخضع لقواعد النحاة، وتأويلاتهم المنطقية.
وإذاأردت أن تعرف ذلك، فاسمع قول أبي حيان صاحب تفسير "البحر المحيط": "التأويل إنما يسوغ إذا كانت الجادة على شيء، ثم جاء شيء يخالف الجادة، فيُتأَوَّل".
ويقصد أبو حيان بالجادة-هنا- القواعد النحوية، التي قعَّدها النحاة، فما خرج عنها يجب أن يتأوَّل حتى يعود إليها. وبهذا التأويل، الذي يخضع للجهد الذهني العميق، جعلوا من النصوص القرآنية تبعاً للقواعد النحوية، والعكس هو الذي ينبغي أن يكون.
ثانياً: إذا ثبت حذف جواب: (إِذَا) و(لََوْ) في بعض المواضع، فإن حذف جواب {حَتَّى إِذَا** لم يثبت أبداً في أيٍّ من تلك المواضع. وليس من الصواب في شيء أن يقاس جواب {حَتَّى إِذَا** على جواب (إِذَا)، أو جواب (لََوْ)؛ لأن من شروط القياس المعتبرة في اللغة أن تقاس الظاهرة اللغوية بأمثالها.
ثم إن القياس النحوي لم يصلح يوماً لأن يكون منهجاً للبحث العلمي؛ إنما الذي يصلح لذلك هو الاستقراء اللغوي. ولهذا نجد الفرَّاء ينكر -وبأسلوب رقيق مهذب- قول من جعل قوله تعالى: {وَأَذِنَتْ** جواباً لـ{إِذَا** في قوله تعالى: {إذَا السَّمَاء انشَقَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ** [الانشقاق:2]. فقال: "ونرى أنه رأيٌ ارتآه المفسِّرُ، وشبَّهه بقوله تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا**؛ لأنا لم نسمع جواباً بالواو في {إِذَا** مبتدأة، ولا قبلها كلام، ولا في {فَلَمَّا**، إذا ابتُدِئت؛ وإنما تجيب العرب بالواو في قوله: (حتى إذا كان) و(فلمَّا أن كانت)، لم يجاوزوا ذلك".
والفراء راوية ثقة، لا يشك أحد في ما يرويه عن العرب، وقد شهد له بذلك أبو حيان، الذي تقدم ذكره. والشواهد القرآنية وغيرها تؤيد قوله وتؤكِّده؛ فمن الشواهد القرآنية نذكر قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ . وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا** [الأنبياء: 96-97].
فقوله تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ** جواب قوله: {حَتَّى إِذَا**، وقد جاء مقترناً بالواو، والمعنى: (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، اقترب الوعد الحق). ويدلك على أن {اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ** هو الجواب، أن فتح يأجوج ومأجوج ونسلهم من كل حدب هو علامة من علامات اقتراب هذا الوعد، الذي هو يوم القيامة، وهو المشار إليه بقوله تعالى:
{فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً** [الكهف:98].
ثالثاً: أما قولهم: "ولمّا قال في أهل الجنة: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا** دل على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها" فليس كذلك؛ لأن فتح أبواب الجنة يقع مع وقوع مجيئهم إليها، لا بعده ولا قبله. وهذا ما دلت عليه الواو؛ وذلك لما فيها من معنى الجمع الذي لا يفارقها أينما وقعت.
ولهذا المعنى، الذي أفادته هذه الواو، لا يجوز القول بأنها عاطفة، أو حالية. أما الأول فلأنها -هنا- مسلوبة الدلالة على العطف. وأما الثاني فلأن واو الحال لا يجوز أن تدخل على الفعل إلا ومعها (قد) ظاهرة، لا مقدرة. وجعلها حالية يقتضي تقدير جواب محذوف مع (قد). وهذا ما لجأوا إليه، وهو تكلف ظاهر لا داعي له؛ لما فيه من إخلال بنظم الكلام، وإفساد لمعناه.
وفرق كبير بين أن يقال: (حتى إذا جاؤوها، فتحت أبوابها مع مجيئهم إليها)، وبين أن يقال: (حتى إذا جاؤوها، وقد فتحت أبوابها قبل مجيئهم إليها)؛ لأن هذا فيه حذف للجواب، وتقدير (قد) بين الواو والفعل. والأول لا حذف فيه ولا تقدير، وصون النظم الكريم من العبث بالزيادة، والتقدير هو الأولى، وهو الذي ينبغي أن يكون.
أما مجيء الجواب في آية أهل النار غير مقترن بالواو فللدلالة على أن النار لا تفتح أبوابها لأهلها إلا بعد مجيء أهلها إليها. وقد يطول وقوفهم وانتظارهم، وهذا أنكى لهم، ثم تفتح لهم الأبواب بعد طول انتظار، ويدخلون غير مأسوف عليهم، خلافاً لأهل الجنة، الذين يدخلونها دون انتظار؛ لأنهم يجدون أبوابها قد فتحت لهم مع مجيئهم إليها.
وما أشبه هذا بما نشاهده اليوم من الأبواب الزجاجية لبعض المحال والبنوك والدوائر الرسمية، التي تفتح للقادمين إليها من أول وطأة قدم أمامها، ثم تعود إلى الانغلاق بعد الدخول. وذلك بخلاف أبواب السجون، وغيرها من الأبواب، التي لا تفتح للذين يساقون إليها إلا بعد طول انتظار!
وأما ما استدلوا عليه من قولهم: "إن الجنة تفتح أبوابها لأهلها قبل مجيئهم إليها إكراماً لهم" بقوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ** [ص:50] كمنازل الأفراح والسرور، وأبواب الجنان في الدنيا، فليس كذلك؛ لأن أبواب الجنة مغلقة، لا تفتح إلا وقت مجيء أهلها من المؤمنين إليها، وتفتح بالأمر كما تغلق بالأمر.
والآية السابقة دليل عليهم، لا دليل لهم. يدلُّك على ذلك أن قوله تعالى: {مُفَتَّحَةً** صيغة مفعول، وكونها مُنوَّنة يدل على أن زمنها المستقبل لا الماضي، وأن التشديد فيها للمبالغة وتكرُّر الفتح. وهذا يعني أنها تفتح كلما جاء الجنة وفد من المؤمنين، ثم تغلق، وأن الفتح يتكرر بتكرر المجيء.
قال القرطبي: "وإنما قال: {مُفَتَّحَةً**، ولم يقل: (مفتوحة)؛ لأنها تفتح لهم بالأمر، لا بالمسِّ؛ أي: بالأيدي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل شهر رمضان؛ فُتِّحَتْ أبوابُ الجنة، وغُلِّقَتْ أبوابُ النار، وصُفِّدَتْ الشياطينُ" يدل على أن أبواب الجنة كانت مغلَقةً، ولا ينافيه -كما جاء في "حاشية السِّنْدِي"- قوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ**؛ إذ ذلك لا يقتضي دوام كونها مفتَّحة.
منقول
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع