- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
صوم التطوع من تمام المنة
الشيخ عادل يوسف العزازي
ويَنقسِم هذا الباب إلى قسمين: الصوم المندوب، والصوم المَنْهِي عنه:
أولاً: الصومُ المَندُوب إليه:
1- صوم شعبان:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُوم حتى نقولَ: لا يُفطِر، ويُفطِر حتى نقولَ: لا يَصُوم، وما رأيتُ رسولَ الله استكمل صيامَ شهرٍ إلا رمضانَ، وما رأيتُه أكثرَ صيامًا منه في شعبانَ"[1].
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، لم أَرَكَ تَصُوم من شهرٍ من الشهورِ ما تَصُوم من شعبانَ، قال: ((ذاك شهرٌ يَغفُل الناسُ عنه بين رجبٍ ورمضان، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، فأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائمٌ))[2].
وقد بيَّن في هذا الحديث الحكمةَ من إكثار الصوم فيه، وهي:
أ- غَفلَة الناسِ عنه.
ب- رفعُ الأعمالِ فيه إلى الله.
تنبيهٌ:
في حديثِ عائشةَ السابق أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يَستَكمِل صيامَ شهرٍ كاملاً إلا رمضان، لا يُعارِض قولَها في الحديث الآخر :"كان يَصُوم شعبانَ كلَّه"[3]؛ لأنه يَجُوز أن يُقَال: صامه كلَّه إذا ترك قليلاً منه.
نَقَل الترمذي عن ابن المبارك: أنه جائزٌ في كلامِ العربِ إذا صام أكثر الشهر أن يقول: صام الشهر كلَّه.
حكم التطوُّع بعد النصف من شعبان:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا انتَصَف شعبان، فلا تَصُوموا حتى يكونَ رمضان))[4].
قال الترمذي: "معنى الحديث عند بعض أهل العلم: أن يكون الرجل مُفطِرًا؛ فإذا بَقِي من شعبان شيءٌ، أخذ في الصومِ لحالِ شهر رمضان".
وقال ابن خزيمة: "أي: لا تُواصِلوا شعبانَ برمضانَ؛ فتَصُوموا جميعَ شعبان، لا أنه نَهَى عن الصوم إذا انتصف شعبان نهيًا مطلقًا".
والخلاصةُ أن النَّهْي محمولٌ على اختصاصِ النصف الأخير، أو على عدمِ وصلِ شعبانَ برمضان، فأمَّا مَن صام في أوَّلِه ولم يَخُصَّ آخرَه، ولم يَصِلْه برمضانَ، فلا حرجَ من صيامه، والله أعلم.
2- صومُ ستةِ أيامٍ من شوَّال:
عن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن صام رمضانَ، وأتبعه ستًّا من شوَّال، كان كصوم الدهر))[5].
واعلم أنه يَجُوز صيامُ هذه الأيام الستة من شوال مُتتابِعة أو متفرِّقة، في أي أيام الشهر، عدا اليوم الأول، وهو يومُ عيدِ الفطر؛ فإنه يَحْرُم صيامُه، كما سيأتي.
وقد ذُكِر في الحديث فضيلةُ صيامِها أنها كصيام الدهر، وورد توضيحُ ذلك عن ثَوْبَان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((صيامُ شهرِ رمضانَ بعشرةِ أشهرٍ، وصيامُ ستَّة أيامٍ بعده بشهرين، فذلك صيامُ السنَّة))[6].
3- صوم المُحرَّم:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضلُ الصلاةِ بعد المكتوبةِ الصلاةُ في جوفِ الليلِ، وأفضلُ الصيامِ بعد شهرِ رمضانَ شهرُ اللهِ المحرَّم))[7].
ولعلَّه يُشكِل على ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أكثرَ ما يَصُوم في شعبان، فلماذا لم يَصُم في المحرَّم مثل ما كان يصوم في شعبان؟
أجاب عن ذلك العلماء بأجوبة:
أ، ب - قال النووي: "لعلَّه لم يَعْلَم فضلَ المحرَّم إلا في آخرِ الحياةِ، قبل التمكُّن من صومه، أو لعله كان يَعرِض فيه أعذارٌ تمنعُ من إكثارِ الصومِ فيه؛ كسفر، أو مرضٍ.
ج- ذَهَب ابن رجب إلى أن التطوُّع بالصوم نوعانِ:
الأول: التطوُّع المُطلَق، فهذا أفضلُه المحرَّم، كما أن أفضلَ التطوُّع المُطلَق بالصلاةِ قيامُ الليل.
الثاني: ما كان صومُه تَبَعٌ لصيامِ رمضان قبله أو بعده، فهذا مُلتَحِق بصيامِ رمضان، وصيامُه أفضل من التطوُّع مطلقًا، كالسنن الرَّوَاتِب؛ فإنها أفضل من السنن المطلقة، والله أعلم.
4- صومُ عَرَفة:
يستحبُّ صومُ يومِ عرفةَ لغير الحاجِّ، فعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صومُ يومِ عَرَفةَ يكفِّر سنتين؛ ماضيةً ومُقبِلة، وصومُ عاشوراءَ يكفِّر سنةً ماضيةً))[8].
قال النووي: "والمراد بها الصغائر".
واختلف العلماء في صيامِ يومِ عرفة للحاجِّ، وأكثرُهم يَستَحِبُّون له الفطر يومَ عرفة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَصُمْه، فعن أمِّ الفضل بنت الحارِث - رضي الله عنها -: "أن ناسًا تَمَارَوا عندها يومَ عرفةَ في صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضُهم: هو صائمٌ، وقال بعضُهم: ليس بصائمٍ، فأرسلت إليه بقدح لبنٍ وهو واقفٌ على بعيرِه، فشَرِبه))[9]، ويؤيد ذلك ما رواه عقبة مرفوعًا: ((يومُ عرفةَ، ويومٌ النحر، وأيام مِنًى عيدُنا أهلَ الإسلامِ))[10].
5- صومُ يومِ عاشوراء:
تقدَّم حديثُ أبي قتادة - رضي الله عنه - في فضيلة صومِ عاشوراءَ، أنه يكفِّر السنة الماضية.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصومُه بمكةَ، فلما هاجر إلى المدينة، أمر بصيامِه، فكان فرضًا، ثم نُسِخ فرضُه عندما فُرِض رمضان، وأصبح على الاستحباب، ففي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان يومُ عاشوراءَ تَصُومُه قريشٌ في الجاهلية، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُه في الجاهلية، فلما قَدِم المدينةَ، صامه وأمر بصيامِه، فلما فُرِض رمضانُ، ترك يومَ عاشوراءَ، فمَن شاء صامه، ومَن شاء تركه))[11]؛ وذلك أنه لما قَدِم المدينة، وجد اليهود تصومُه.
ففي الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قَدِم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فوَجَد اليهود صيامًا يومَ عاشوراءَ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما هذا اليوم الذي تَصومُونه؟))، فقالوا: هذا يومٌ عظيمٌ أَنْجَى الله فيه موسى وقومَه، وأغرق فرعونَ وقومَه، فصامه شكرًا لله، فنحن نصومُه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فنحن أحقُّ بموسى منكم))، فصامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بصيامه"[12].
ولما كان في آخر عمره - صلى الله عليه وسلم - أراد مخالفةَ اليهودِ، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لئن بقيتُ إلى قابلٍ، لأصومنَّ التاسع))[13].
وفي روايةٍ: "فلم يأتِ العامُ المُقبِل حتى توفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالمستحبُّ في ذلك إذًا صيامُ التاسعِ والعاشرِ.
تنبيهات:
1- ليس هناك أحاديثُ صحيحةٌ تنصُّ على فضيلةِ الاكتحالِ يومَ عاشوراءَ، والاختِضَاب، والاغتسال فيه، والتوسعة على العيال، فكلُّ ما ورد في ذلك موضوعٌ لا يُحتَجُّ به.
2- ما تَفعَلُه الشيعة باتِّخاذ هذا اليوم مَأتَمًا لمقتلِ الحسينِ فيه، فهو من ضلالِهم؛ لأن الله لم يَأمُر ولا رسولُه - صلى الله عليه وسلم - باتِّخاذ أيامِ مصائبِ الأنبياء وموتِهم مأتمًا، فكيف بمن دونهم؟
3- جاء في بعض الروايات عند أحمد: ((صُومُوا يومَ عاشوراءَ، وخالفوا اليهود، صُومُوا قبله يومًا أو بعده يومًا))[14]، فهذا حديثٌ ضعيفٌ، في إسنادِه ابن أبي ليلى - وهو سيء الحفظ - وخالفه مَن هو أوثقُ منه، كعطاءٍ وغيره، فرَوَوا ذلك موقوفًا على ابن عباس بسندٍ صحيح، لكن بلفظ: ((صُومُوا يومَ التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود))[15]، ولم يذكر فيه الحادي عشر.
4- بناءً على ما تقدَّم، إن فاته صيام التاسع، جاز له صيام يوم العاشر منفردًا بلا كراهةٍ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وصيامُ يومِ عاشوراءَ كفَّارة سنة، ولا يُكرَه إفرادُه بالصومِ" [16].
6- صومُ أيام البيض:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يَدَعُ صومَ أيامِ البيض في سفرٍ ولا حَضَر))[17].
والأيام البيض هي أيام: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وهي الأيام التي يكون فيها القمر بدرًا، وتسمَّى أيام الغرِّ، فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن كنتَ صائمًا، فعليك بالغرِّ البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة))[18].
وورد في فضيلةِ صومِها أنها تَعدِل صيامَ الدهر؛ فعن عبدالملك بن المِنْهَال عن أبيه: "أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يَأمُرهم بصيامِ البيض، ويقول: ((هي صيام الدهر))[19].
7- صيام الاثنين والخميس:
عن عائشة - رضي الله عنها -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتحرَّى صيام الاثنين والخميس"[20].
وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - الحكمةَ من تحرِّيه صيامَ هذينِ اليومينِ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كان أكثرَ ما يَصُوم الاثنين والخميس، فقيل له، فقال: ((الأعمال تُعرَض كل اثنين وخميس، فيُغفَر لكلِّ مسلمٍ إلا المتهاجِرين، فيقول: أخِّروهما))[21].
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: "رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُوم يومَ الاثنين والخميس، فسألته، فقال: ((إن الأعمال تُعرَض يومَ الاثنين والخميس، فأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائمٌ))[22].
وعن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عن صومِ الاثنين، فقال: ((فيه ولدتُ، وفيه أُنزِل عليَّ))[23].
8- صيام يوم وإفطار يوم:
عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَحَبُّ الصيامِ إلى الله صيامُ داودَ، كان يَصُوم يومًا ويُفطِر يومًا، وأَحَبُّ الصلاةِ إلى الله صلاةُ داودَ، كان يَنَامُ نصفَ الليلِ، ويَقُوم ثُلُثَه، ويَنَام سُدُسَه))[24].
ملاحظات:
هناك حالاتٌ أخرى واردةٌ في السنة يُشرَع فيها الصوم، فمن ذلك:
1- صومُ يومٍ، وإفطارُ يومين؛ رواه ابن خزيمة بإسنادٍ صحيحٍ.
2- صومُ عشرةِ أيامٍ من الشهر؛ رواه النسائي بإسنادٍ جيِّد.
3- صومُ إحدى عشر يومًا، أو تسعةً، أو سبعةً، أو خمسة؛ رواه النسائي بإسنادٍ صحيح.
4- صومُ أربعةِ أيامٍ من كل شهرٍ؛ رواه النسائي بإسنادٍ صحيح.
5- صومُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهر، لا يُبالِي في أوَّلها أو آخرِها؛ رواه ابن حبَّان بإسنادٍ صحيح، ورواه أحمد، وابن ماجه.
ولكنَّ الأفضلَ أن تكون في أيام البيضِ؛ لما تقدَّم.
6- صومُ يومينِ من الشهر؛ رواه النسائي بإسنادٍ صحيح.
7- صومُ يومٍ من الشهر؛ فعن عبدالله بن عمرو قال: "أتيتُ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن الصوم، فقال: ((صُمْ يومًا من الشهر، ولك أجرُ ما بَقِي))[25].
9- صومُ العشرِ من ذي الحجَّة:
ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام))؛ يعني: أيامَ العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهادُ في سبيل الله، إلا رجلٌ خَرَج بنفسه وماله، فلم يَرجِع من ذلك بشيءٍ))[26].
قال الحافظ في الفتح: "واستُدِلَّ به على فضلِ صيامِ عشر ذي الحجَّة؛ لاندراجِ الصومِ في العمل" [27].
وقال النووي: "ليس في صومِ هذه التسعةِ كراهةٌ، بل هي مستحبَّة استحبابًا شديدًا، لا سيِّما التاسع منها، وهو يوم عرفة" [28].
قلتُ: ويرجِّح هذا ما ثَبَت في سنن أبي داود وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يَصُوم تسعَ ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر[29].
لكن يُشكِل على ذلك حديثُ عائشة - رضي الله عنها - عند مسلم، قالت: "ما رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائمًا العشرَ قطُّ"، وفي رواية: "في العشر قط"[30].
وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبةٍ:
قال النووي: "فيُتَأوَّل قولُها: "لم يَصُم العشر": أنه لم يَصُمْها لعارِضِ مرضٍ، أو سفرٍ، أو غيرها، أو أنها لم تَرَه صائمًا فيه، ولا يَلزَم من ذلك عدمُ صيامِه في نفسِ الأمر" [31].
وقال ابن حجر: "احتمال أن يكون ذلك لكونه كان يَترُك العمل، وهو يُحِبُّ أن يعملَه، خشيةَ أن يُفرَض على أمَّته" [32].
تنبيهٌ:
فيما يتعلَّق بصومِ رجبٍ:
لم يَثْبُت فضيلةُ الإفرادِ لصومِ شهر رجبٍ، ولا صيام أيام منه، بل صيامُه كباقي الشهور: مَن كان له عادةٌ بصيامٍ، فهو على عادته، ومَن لم يكن له عادةٌ، فلا وجهَ لتخصيصِ صومِه، ولا صوم أوَّله، ولا ليلة السابع والعشرين منه بصوم، بل ثَبَت عن عمر النَّهي عن ذلك.
فعن خَرَشة بن الحر قال: "رأيتُ عمر يَضرِب أكفَّ المترجِّبِين حتى يَضَعُوها في الطعام، ويقول: كُلُوا؛ فإنما هو شهرٌ تعظِّمه الجاهلية"[33].
وثَبَت كراهةُ صومِه عن: ابن عباس، وأبي بكرة، وأنس، وغيرهم.
قال الألباني: "نَهْيُ عمر - رضي الله عنه - عن صومِ رجبٍ، المفهومُ من ضربِه للمترجِّبِين ليس نهيًا لذاته؛ بل لكيلا يَلتَزِموا صيامَه، ويتمُّوه كما يفعلون برمضان".
قال ابن قدامة: "ويُكرَه إفرادُ رجبٍ بالصوم" [34].
قلتُ: وأما حديث: ((صُمْ من الحُرُم، واترُك))، فهو حديثٌ ضعيفٌ[35] لا يصح الاحتجاج به، وإن صحَّ، فليس فيه دليل على تخصيصِ رجب بصومٍ.
وعلى هذا، فيَجوزُ الصيام في رجبٍ إذا وَافَق له عادةً بصيام، وأمَّا إن خصَّه أو اعتقد أن لصيامه فضيلة خاصة، فهذا لا دليلَ عليه.
[1] البخاري (1969)، ومسلم (1156)، وأبو داود (2434)، والنسائي (4/202).
[2] حسن؛ رواه النسائي (4/201)، وأحمد (5/201)، وانظر: صحيح الترغيب للألباني (1022).
[3] البخاري (1970)، ومسلم (781).
[4] رواه أبو داود (2337)، والترمذي (738)، وابن ماجه (1651)، وابن خزيمة (3/282)، والبيهقي (4/209)، قال ابن رجب في لطائف المعارف: "اختلف العلماء في صحَّة هذا الحديث ثم في العمل به، فأمَّا تصحيحه، فصحَّحه غيرُ واحدٍ، منهم: الترمذي، وابن حبَّان، والحاكم، والطحاوي، وابن عبدالبر، وتكلَّم فيه مَن هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديثٌ مُنكَر، منهم: عبدالرحمن بن مَهدِي، والإمام أحمد، وأبو زُرْعَة الرازي، والأَثْرَم".
[5] مسلم (1164)، والترمذي (759)، وأبو داود (2433)، وابن ماجه (1716).
[6] صحيح؛ رواه أحمد (5/280)، وابن خزيمة (2115)، وصحَّحه الألباني، انظر: صحيح الجامع (3851).
[7] مسلم (1163)، وأبو داود (2429)، والترمذي (740)، وابن ماجه (1742).
[8] مسلم (1162)، وأبو داود (2425)، والترمذي (752)، وابن ماجه (1730).
[9] البخاري (1988)، ومسلم (1123)، وأبو داود (2441).
[10] صحيح؛ رواه أبو داود (2419)، والترمذي (773)، والنسائي (5/252)، وأحمد (4/152).
[11] البخاري (2002)، ومسلم (1125)، وأبو داود (2441).
[12] البخاري (2004)، ومسلم (1130)، وأبو داود (2444).
[13] مسلم (1134)، وأبو داود (2445).
[14] رواه أحمد (1/241)، وابن خزيمة (2095)، وضعَّفه الشيخ الألباني في تعليقه على ابن خزيمة، وضعَّفه شعيب الأرنؤوط؛ انظر: زاد المعاد (2/69).
[15] رواه عبدالرزاق (7839)، والبيهقي (4/287).
[16] الاختيارات الفقهية ص (110).
[17] صحيح؛ رواه النسائي (4/198)، وحسَّنه السيوطي، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع، وفي السلسلة الصحيحة (580).
[18] حسن؛ رواه الترمذي (761)، وأبو داود (2449)، والنسائي (4/222)، وحسَّنه الترمذي.
[19] صحيح؛ رواه ابن ماجه (1707)، وأحمد (5/28)، وابن حبان (3651).
[20] صحيح؛ رواه الترمذي (745)، والنسائي (4/153)، وابن ماجه (1739).
[21] صحيح؛ رواه ابن ماجه (1740)، وأحمد (2/268، 389)، وله شاهد عند مسلم (2565).
[22] صحيح؛ رواه الترمذي (747)، والنسائي (4/201)، وأحمد (5/201)، وابن خزيمة (2119).
[23] مسلم (1162)، وأبو داود (2426)، والنسائي (4/207).
[24] البخاري (1131)، ومسلم (1159)، وأبو داود (2448)، والترمذي (770)، وابن ماجه (1712).
[25] مسلم (1159)، وابن خزيمة في صحيحه (3/300)، وابن حبان (8/416)، والبيهقي (4/296).
[26] البخاري (969) وأبو داود (2438)، والترمذي (757)، وابن ماجه (1727).
[27] فتح الباري (2/460).
[28] شرح مسلم (3/245).
[29] صححه الألباني؛ رواه أبو داود (2437)، والنسائي (4/205)، وأحمد (6/423).
[30] مسلم (1176)، وأبو داود (2439)، والترمذي (756)، وابن ماجه (1729).
[31] شرح مسلم (3/245).
[32] فتح الباري (2/460).
[33] رواه ابن أبي شيبة (2/345)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (4/113).
[34] المغني (4/429).
[35] رواه أبو داود (2428)، وابن ماجه (1741)، والنسائي، وضعَّفه الشيخ الألباني.
الشيخ عادل يوسف العزازي
ويَنقسِم هذا الباب إلى قسمين: الصوم المندوب، والصوم المَنْهِي عنه:
أولاً: الصومُ المَندُوب إليه:
1- صوم شعبان:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُوم حتى نقولَ: لا يُفطِر، ويُفطِر حتى نقولَ: لا يَصُوم، وما رأيتُ رسولَ الله استكمل صيامَ شهرٍ إلا رمضانَ، وما رأيتُه أكثرَ صيامًا منه في شعبانَ"[1].
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، لم أَرَكَ تَصُوم من شهرٍ من الشهورِ ما تَصُوم من شعبانَ، قال: ((ذاك شهرٌ يَغفُل الناسُ عنه بين رجبٍ ورمضان، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، فأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائمٌ))[2].
وقد بيَّن في هذا الحديث الحكمةَ من إكثار الصوم فيه، وهي:
أ- غَفلَة الناسِ عنه.
ب- رفعُ الأعمالِ فيه إلى الله.
تنبيهٌ:
في حديثِ عائشةَ السابق أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يَستَكمِل صيامَ شهرٍ كاملاً إلا رمضان، لا يُعارِض قولَها في الحديث الآخر :"كان يَصُوم شعبانَ كلَّه"[3]؛ لأنه يَجُوز أن يُقَال: صامه كلَّه إذا ترك قليلاً منه.
نَقَل الترمذي عن ابن المبارك: أنه جائزٌ في كلامِ العربِ إذا صام أكثر الشهر أن يقول: صام الشهر كلَّه.
حكم التطوُّع بعد النصف من شعبان:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا انتَصَف شعبان، فلا تَصُوموا حتى يكونَ رمضان))[4].
قال الترمذي: "معنى الحديث عند بعض أهل العلم: أن يكون الرجل مُفطِرًا؛ فإذا بَقِي من شعبان شيءٌ، أخذ في الصومِ لحالِ شهر رمضان".
وقال ابن خزيمة: "أي: لا تُواصِلوا شعبانَ برمضانَ؛ فتَصُوموا جميعَ شعبان، لا أنه نَهَى عن الصوم إذا انتصف شعبان نهيًا مطلقًا".
والخلاصةُ أن النَّهْي محمولٌ على اختصاصِ النصف الأخير، أو على عدمِ وصلِ شعبانَ برمضان، فأمَّا مَن صام في أوَّلِه ولم يَخُصَّ آخرَه، ولم يَصِلْه برمضانَ، فلا حرجَ من صيامه، والله أعلم.
2- صومُ ستةِ أيامٍ من شوَّال:
عن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن صام رمضانَ، وأتبعه ستًّا من شوَّال، كان كصوم الدهر))[5].
واعلم أنه يَجُوز صيامُ هذه الأيام الستة من شوال مُتتابِعة أو متفرِّقة، في أي أيام الشهر، عدا اليوم الأول، وهو يومُ عيدِ الفطر؛ فإنه يَحْرُم صيامُه، كما سيأتي.
وقد ذُكِر في الحديث فضيلةُ صيامِها أنها كصيام الدهر، وورد توضيحُ ذلك عن ثَوْبَان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((صيامُ شهرِ رمضانَ بعشرةِ أشهرٍ، وصيامُ ستَّة أيامٍ بعده بشهرين، فذلك صيامُ السنَّة))[6].
3- صوم المُحرَّم:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضلُ الصلاةِ بعد المكتوبةِ الصلاةُ في جوفِ الليلِ، وأفضلُ الصيامِ بعد شهرِ رمضانَ شهرُ اللهِ المحرَّم))[7].
ولعلَّه يُشكِل على ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أكثرَ ما يَصُوم في شعبان، فلماذا لم يَصُم في المحرَّم مثل ما كان يصوم في شعبان؟
أجاب عن ذلك العلماء بأجوبة:
أ، ب - قال النووي: "لعلَّه لم يَعْلَم فضلَ المحرَّم إلا في آخرِ الحياةِ، قبل التمكُّن من صومه، أو لعله كان يَعرِض فيه أعذارٌ تمنعُ من إكثارِ الصومِ فيه؛ كسفر، أو مرضٍ.
ج- ذَهَب ابن رجب إلى أن التطوُّع بالصوم نوعانِ:
الأول: التطوُّع المُطلَق، فهذا أفضلُه المحرَّم، كما أن أفضلَ التطوُّع المُطلَق بالصلاةِ قيامُ الليل.
الثاني: ما كان صومُه تَبَعٌ لصيامِ رمضان قبله أو بعده، فهذا مُلتَحِق بصيامِ رمضان، وصيامُه أفضل من التطوُّع مطلقًا، كالسنن الرَّوَاتِب؛ فإنها أفضل من السنن المطلقة، والله أعلم.
4- صومُ عَرَفة:
يستحبُّ صومُ يومِ عرفةَ لغير الحاجِّ، فعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صومُ يومِ عَرَفةَ يكفِّر سنتين؛ ماضيةً ومُقبِلة، وصومُ عاشوراءَ يكفِّر سنةً ماضيةً))[8].
قال النووي: "والمراد بها الصغائر".
واختلف العلماء في صيامِ يومِ عرفة للحاجِّ، وأكثرُهم يَستَحِبُّون له الفطر يومَ عرفة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَصُمْه، فعن أمِّ الفضل بنت الحارِث - رضي الله عنها -: "أن ناسًا تَمَارَوا عندها يومَ عرفةَ في صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضُهم: هو صائمٌ، وقال بعضُهم: ليس بصائمٍ، فأرسلت إليه بقدح لبنٍ وهو واقفٌ على بعيرِه، فشَرِبه))[9]، ويؤيد ذلك ما رواه عقبة مرفوعًا: ((يومُ عرفةَ، ويومٌ النحر، وأيام مِنًى عيدُنا أهلَ الإسلامِ))[10].
5- صومُ يومِ عاشوراء:
تقدَّم حديثُ أبي قتادة - رضي الله عنه - في فضيلة صومِ عاشوراءَ، أنه يكفِّر السنة الماضية.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصومُه بمكةَ، فلما هاجر إلى المدينة، أمر بصيامِه، فكان فرضًا، ثم نُسِخ فرضُه عندما فُرِض رمضان، وأصبح على الاستحباب، ففي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان يومُ عاشوراءَ تَصُومُه قريشٌ في الجاهلية، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُه في الجاهلية، فلما قَدِم المدينةَ، صامه وأمر بصيامِه، فلما فُرِض رمضانُ، ترك يومَ عاشوراءَ، فمَن شاء صامه، ومَن شاء تركه))[11]؛ وذلك أنه لما قَدِم المدينة، وجد اليهود تصومُه.
ففي الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قَدِم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فوَجَد اليهود صيامًا يومَ عاشوراءَ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما هذا اليوم الذي تَصومُونه؟))، فقالوا: هذا يومٌ عظيمٌ أَنْجَى الله فيه موسى وقومَه، وأغرق فرعونَ وقومَه، فصامه شكرًا لله، فنحن نصومُه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فنحن أحقُّ بموسى منكم))، فصامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بصيامه"[12].
ولما كان في آخر عمره - صلى الله عليه وسلم - أراد مخالفةَ اليهودِ، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لئن بقيتُ إلى قابلٍ، لأصومنَّ التاسع))[13].
وفي روايةٍ: "فلم يأتِ العامُ المُقبِل حتى توفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالمستحبُّ في ذلك إذًا صيامُ التاسعِ والعاشرِ.
تنبيهات:
1- ليس هناك أحاديثُ صحيحةٌ تنصُّ على فضيلةِ الاكتحالِ يومَ عاشوراءَ، والاختِضَاب، والاغتسال فيه، والتوسعة على العيال، فكلُّ ما ورد في ذلك موضوعٌ لا يُحتَجُّ به.
2- ما تَفعَلُه الشيعة باتِّخاذ هذا اليوم مَأتَمًا لمقتلِ الحسينِ فيه، فهو من ضلالِهم؛ لأن الله لم يَأمُر ولا رسولُه - صلى الله عليه وسلم - باتِّخاذ أيامِ مصائبِ الأنبياء وموتِهم مأتمًا، فكيف بمن دونهم؟
3- جاء في بعض الروايات عند أحمد: ((صُومُوا يومَ عاشوراءَ، وخالفوا اليهود، صُومُوا قبله يومًا أو بعده يومًا))[14]، فهذا حديثٌ ضعيفٌ، في إسنادِه ابن أبي ليلى - وهو سيء الحفظ - وخالفه مَن هو أوثقُ منه، كعطاءٍ وغيره، فرَوَوا ذلك موقوفًا على ابن عباس بسندٍ صحيح، لكن بلفظ: ((صُومُوا يومَ التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود))[15]، ولم يذكر فيه الحادي عشر.
4- بناءً على ما تقدَّم، إن فاته صيام التاسع، جاز له صيام يوم العاشر منفردًا بلا كراهةٍ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وصيامُ يومِ عاشوراءَ كفَّارة سنة، ولا يُكرَه إفرادُه بالصومِ" [16].
6- صومُ أيام البيض:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يَدَعُ صومَ أيامِ البيض في سفرٍ ولا حَضَر))[17].
والأيام البيض هي أيام: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وهي الأيام التي يكون فيها القمر بدرًا، وتسمَّى أيام الغرِّ، فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن كنتَ صائمًا، فعليك بالغرِّ البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة))[18].
وورد في فضيلةِ صومِها أنها تَعدِل صيامَ الدهر؛ فعن عبدالملك بن المِنْهَال عن أبيه: "أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يَأمُرهم بصيامِ البيض، ويقول: ((هي صيام الدهر))[19].
7- صيام الاثنين والخميس:
عن عائشة - رضي الله عنها -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتحرَّى صيام الاثنين والخميس"[20].
وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - الحكمةَ من تحرِّيه صيامَ هذينِ اليومينِ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كان أكثرَ ما يَصُوم الاثنين والخميس، فقيل له، فقال: ((الأعمال تُعرَض كل اثنين وخميس، فيُغفَر لكلِّ مسلمٍ إلا المتهاجِرين، فيقول: أخِّروهما))[21].
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: "رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُوم يومَ الاثنين والخميس، فسألته، فقال: ((إن الأعمال تُعرَض يومَ الاثنين والخميس، فأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائمٌ))[22].
وعن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عن صومِ الاثنين، فقال: ((فيه ولدتُ، وفيه أُنزِل عليَّ))[23].
8- صيام يوم وإفطار يوم:
عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَحَبُّ الصيامِ إلى الله صيامُ داودَ، كان يَصُوم يومًا ويُفطِر يومًا، وأَحَبُّ الصلاةِ إلى الله صلاةُ داودَ، كان يَنَامُ نصفَ الليلِ، ويَقُوم ثُلُثَه، ويَنَام سُدُسَه))[24].
ملاحظات:
هناك حالاتٌ أخرى واردةٌ في السنة يُشرَع فيها الصوم، فمن ذلك:
1- صومُ يومٍ، وإفطارُ يومين؛ رواه ابن خزيمة بإسنادٍ صحيحٍ.
2- صومُ عشرةِ أيامٍ من الشهر؛ رواه النسائي بإسنادٍ جيِّد.
3- صومُ إحدى عشر يومًا، أو تسعةً، أو سبعةً، أو خمسة؛ رواه النسائي بإسنادٍ صحيح.
4- صومُ أربعةِ أيامٍ من كل شهرٍ؛ رواه النسائي بإسنادٍ صحيح.
5- صومُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهر، لا يُبالِي في أوَّلها أو آخرِها؛ رواه ابن حبَّان بإسنادٍ صحيح، ورواه أحمد، وابن ماجه.
ولكنَّ الأفضلَ أن تكون في أيام البيضِ؛ لما تقدَّم.
6- صومُ يومينِ من الشهر؛ رواه النسائي بإسنادٍ صحيح.
7- صومُ يومٍ من الشهر؛ فعن عبدالله بن عمرو قال: "أتيتُ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن الصوم، فقال: ((صُمْ يومًا من الشهر، ولك أجرُ ما بَقِي))[25].
9- صومُ العشرِ من ذي الحجَّة:
ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام))؛ يعني: أيامَ العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهادُ في سبيل الله، إلا رجلٌ خَرَج بنفسه وماله، فلم يَرجِع من ذلك بشيءٍ))[26].
قال الحافظ في الفتح: "واستُدِلَّ به على فضلِ صيامِ عشر ذي الحجَّة؛ لاندراجِ الصومِ في العمل" [27].
وقال النووي: "ليس في صومِ هذه التسعةِ كراهةٌ، بل هي مستحبَّة استحبابًا شديدًا، لا سيِّما التاسع منها، وهو يوم عرفة" [28].
قلتُ: ويرجِّح هذا ما ثَبَت في سنن أبي داود وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يَصُوم تسعَ ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر[29].
لكن يُشكِل على ذلك حديثُ عائشة - رضي الله عنها - عند مسلم، قالت: "ما رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائمًا العشرَ قطُّ"، وفي رواية: "في العشر قط"[30].
وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبةٍ:
قال النووي: "فيُتَأوَّل قولُها: "لم يَصُم العشر": أنه لم يَصُمْها لعارِضِ مرضٍ، أو سفرٍ، أو غيرها، أو أنها لم تَرَه صائمًا فيه، ولا يَلزَم من ذلك عدمُ صيامِه في نفسِ الأمر" [31].
وقال ابن حجر: "احتمال أن يكون ذلك لكونه كان يَترُك العمل، وهو يُحِبُّ أن يعملَه، خشيةَ أن يُفرَض على أمَّته" [32].
تنبيهٌ:
فيما يتعلَّق بصومِ رجبٍ:
لم يَثْبُت فضيلةُ الإفرادِ لصومِ شهر رجبٍ، ولا صيام أيام منه، بل صيامُه كباقي الشهور: مَن كان له عادةٌ بصيامٍ، فهو على عادته، ومَن لم يكن له عادةٌ، فلا وجهَ لتخصيصِ صومِه، ولا صوم أوَّله، ولا ليلة السابع والعشرين منه بصوم، بل ثَبَت عن عمر النَّهي عن ذلك.
فعن خَرَشة بن الحر قال: "رأيتُ عمر يَضرِب أكفَّ المترجِّبِين حتى يَضَعُوها في الطعام، ويقول: كُلُوا؛ فإنما هو شهرٌ تعظِّمه الجاهلية"[33].
وثَبَت كراهةُ صومِه عن: ابن عباس، وأبي بكرة، وأنس، وغيرهم.
قال الألباني: "نَهْيُ عمر - رضي الله عنه - عن صومِ رجبٍ، المفهومُ من ضربِه للمترجِّبِين ليس نهيًا لذاته؛ بل لكيلا يَلتَزِموا صيامَه، ويتمُّوه كما يفعلون برمضان".
قال ابن قدامة: "ويُكرَه إفرادُ رجبٍ بالصوم" [34].
قلتُ: وأما حديث: ((صُمْ من الحُرُم، واترُك))، فهو حديثٌ ضعيفٌ[35] لا يصح الاحتجاج به، وإن صحَّ، فليس فيه دليل على تخصيصِ رجب بصومٍ.
وعلى هذا، فيَجوزُ الصيام في رجبٍ إذا وَافَق له عادةً بصيام، وأمَّا إن خصَّه أو اعتقد أن لصيامه فضيلة خاصة، فهذا لا دليلَ عليه.
[1] البخاري (1969)، ومسلم (1156)، وأبو داود (2434)، والنسائي (4/202).
[2] حسن؛ رواه النسائي (4/201)، وأحمد (5/201)، وانظر: صحيح الترغيب للألباني (1022).
[3] البخاري (1970)، ومسلم (781).
[4] رواه أبو داود (2337)، والترمذي (738)، وابن ماجه (1651)، وابن خزيمة (3/282)، والبيهقي (4/209)، قال ابن رجب في لطائف المعارف: "اختلف العلماء في صحَّة هذا الحديث ثم في العمل به، فأمَّا تصحيحه، فصحَّحه غيرُ واحدٍ، منهم: الترمذي، وابن حبَّان، والحاكم، والطحاوي، وابن عبدالبر، وتكلَّم فيه مَن هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديثٌ مُنكَر، منهم: عبدالرحمن بن مَهدِي، والإمام أحمد، وأبو زُرْعَة الرازي، والأَثْرَم".
[5] مسلم (1164)، والترمذي (759)، وأبو داود (2433)، وابن ماجه (1716).
[6] صحيح؛ رواه أحمد (5/280)، وابن خزيمة (2115)، وصحَّحه الألباني، انظر: صحيح الجامع (3851).
[7] مسلم (1163)، وأبو داود (2429)، والترمذي (740)، وابن ماجه (1742).
[8] مسلم (1162)، وأبو داود (2425)، والترمذي (752)، وابن ماجه (1730).
[9] البخاري (1988)، ومسلم (1123)، وأبو داود (2441).
[10] صحيح؛ رواه أبو داود (2419)، والترمذي (773)، والنسائي (5/252)، وأحمد (4/152).
[11] البخاري (2002)، ومسلم (1125)، وأبو داود (2441).
[12] البخاري (2004)، ومسلم (1130)، وأبو داود (2444).
[13] مسلم (1134)، وأبو داود (2445).
[14] رواه أحمد (1/241)، وابن خزيمة (2095)، وضعَّفه الشيخ الألباني في تعليقه على ابن خزيمة، وضعَّفه شعيب الأرنؤوط؛ انظر: زاد المعاد (2/69).
[15] رواه عبدالرزاق (7839)، والبيهقي (4/287).
[16] الاختيارات الفقهية ص (110).
[17] صحيح؛ رواه النسائي (4/198)، وحسَّنه السيوطي، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع، وفي السلسلة الصحيحة (580).
[18] حسن؛ رواه الترمذي (761)، وأبو داود (2449)، والنسائي (4/222)، وحسَّنه الترمذي.
[19] صحيح؛ رواه ابن ماجه (1707)، وأحمد (5/28)، وابن حبان (3651).
[20] صحيح؛ رواه الترمذي (745)، والنسائي (4/153)، وابن ماجه (1739).
[21] صحيح؛ رواه ابن ماجه (1740)، وأحمد (2/268، 389)، وله شاهد عند مسلم (2565).
[22] صحيح؛ رواه الترمذي (747)، والنسائي (4/201)، وأحمد (5/201)، وابن خزيمة (2119).
[23] مسلم (1162)، وأبو داود (2426)، والنسائي (4/207).
[24] البخاري (1131)، ومسلم (1159)، وأبو داود (2448)، والترمذي (770)، وابن ماجه (1712).
[25] مسلم (1159)، وابن خزيمة في صحيحه (3/300)، وابن حبان (8/416)، والبيهقي (4/296).
[26] البخاري (969) وأبو داود (2438)، والترمذي (757)، وابن ماجه (1727).
[27] فتح الباري (2/460).
[28] شرح مسلم (3/245).
[29] صححه الألباني؛ رواه أبو داود (2437)، والنسائي (4/205)، وأحمد (6/423).
[30] مسلم (1176)، وأبو داود (2439)، والترمذي (756)، وابن ماجه (1729).
[31] شرح مسلم (3/245).
[32] فتح الباري (2/460).
[33] رواه ابن أبي شيبة (2/345)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (4/113).
[34] المغني (4/429).
[35] رواه أبو داود (2428)، وابن ماجه (1741)، والنسائي، وضعَّفه الشيخ الألباني.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع