أبو منار عصام
مشرف
- إنضم
- 23 يونيو 2011
- المشاركات
- 2,069
- النقاط
- 38
- الإقامة
- مصر
- احفظ من كتاب الله
- القرآن كاملا
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- الشيخ محمود خليل الحصري
- الجنس
- أخ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن الناظر في تاريخ أمتنا المجيد وسير علمائها الربانيين يجد صورًا رائعة من إنصاف السلف والعلماء، ورجوعهم إلى الحق إذا تبين لهم، بل يترك أحدهم مذهبه إذا رأى أنه خلاف الدليل، بل يرجح أحدهم خلاف مذهبه، وهاك أمثلة على ذلك:
1- في البخاري أن أبا موسى الأشعري -رضي الله عنه- سُئل عن: ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ؟ فَقَالَ: "لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلِلأُخْتِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي"، فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: "لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلاِبْنَةِ ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيََ فَلِلأُخْتِ". فَأَتَوا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: "لاَ تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ".
انظر إلى الإنصاف والرجوع إلى الحق، فلم يتعلـَّل أو يتأول لإثبات مذهبه، وإنما يقف عند الدليل، عند حدود الله.
2- وهذا سائل يسأل عليًّا -رضي الله عنه- عن صلاة الليل، فيدله على عائشة -رضي الله عنها- ويقول: "هي أعلم الناس بوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وعائشة تـُسأل عن المسح على الخفين؛ فتدل السائل على علي -رضي الله عنه-، وتقول: "إنه كان يصحبه في السفر".
3- وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يخالف أباه في التمتع بالعمرة إلى الحج حيث كان ينهى عنها عمر -رضي الله عنه- اجتهادًا منه، فخالفه ابنه.
4- وعمر يفرق في ديات الأسنان، ولما بلغه الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرجع عن اجتهاده.
5- روى الشافعي بسنده أن عمر بن عبد العزيز قضى برد غلام به عيب ورد غلته، فلما بلغه الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال أو قضى: الخراج بالضمان، قال عمر: "فما أيسر هذا علي... فأرد قضاء عمر، وأنفذ سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
6- وأيضًا قضى سعد بن إبراهيم على رجل في قضية برأي ربيعة بن عبد الرحمن، قال ابن أبي ذئب: فأخبرته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بخلاف ما قضى به، فقال سعد لربيعة: "هذا ابن أبي ذئب -وهو عندي ثقة- يخبرني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بخلاف ما قضيت به"، فقال ربيعة: "قد اجتهدت ومضى حكمك"، فقال سعد: "واعجبًا! أنفذ قضاء سعد ابن أم سعد، وأرد قضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! بل أرد قضاء سعد ابن أم سعد، وأنفذ قضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، فدعا سعد بكتاب القضية فشقه للمقضي عليه، وهذا في غاية الإنصاف من النفس.
7- قال عبد الواحد بن زياد لزفر: "صرتم في الناس ضحكة! قلتم: إن الحدود تدرأ بالشبهات، ثم جئتم إلى أشدها فقلتم تـُقام"، قال زفر: "وكيف ذلك؟!"، قال: "قلتم: يُقتل المسلم بالكافر، وقد جاء الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا يقتل مسلم بكافر"، قال: "نعم، اشهد أني راجع عن ذلك الآن".
8- والإمام محمد بن الحسن: يترك ما يقارب ثلثي مذهب إمامه أبي حنيفة؛ لأنه ترجح عنده خلافه.
9- وهذا الإمام القرطبي: يخالف إمامه مالك في كثير من المسائل، منها: في تغريم السارق يرجح قول الشافعي خلافـًا لمالك، وفي أقل المهر وأنه لا حد لأقله رجح قول الشافعي خلافـًا لإمامه، وأيضًا في إثبات خيار المجلس في البيع يرجح قول الشافعي وأحمد خلافـًا لإمامه مالك، وهذا يدل على إنصافه -رحمه الله-.
10- ورجح ابن عبد البر في التمهيد جواز الصلاة على الجنازة في المسجد خلافـًا لإمامه مالك؛ لأن الدليل يدل على ذلك.
11- والنووي -رحمه الله- يقول في مسألة الوضوء من لحم الإبل أنه أقوى دليلاً مع أنه خلاف مذهب الشافعي -رحمه الله-.
12- وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله- كثيرًا ما كانا يخالفان المذهب الحنبلي لأدلة ترجحت لديهم كما في مسائل بيع المواشي، وطلاق الثلاث أنه واحدة، والقصاص من اللطمة، وغير ذلك كثير.
13- قال العلامة الألباني -رحمه الله-: أخرج الطبراني في مسند الشاميين بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنه قدم العراق، فجلس إلى رفقة فيها ابن مسعود -رضي الله عنه-، فتذاكروا الإيمان، قال أبو مسلم: فقلت: "أنا مؤمن"، فقال ابن مسعود: "أتشهد أنك في الجنة؟"، فقلت: "لا أدري مما يحدث الليل والنهار".
فقال ابن مسعود: "لو شهدت أني مؤمن لشهدت أني في الجنة".
فقال أبو مسلم: "يا ابن مسعود، ألم تعلم أن الناس كانوا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ثلاثة أصناف: مؤمن السريرة مؤمن العلانية، كافر السريرة كافر العلانية، مؤمن العلانية كافر السريرة؟".
قال: "نعم".
قلت: "فمن أيهم أنت؟"، قال: "أنا مؤمن السريرة مؤمن العلانية".
قال أبو مسلم: قلت: "وقد أنزل الله -عز وجل-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (التغابن:2)، فمن أي الصنفين أنت؟".
قال: "أنا مؤمن".
قلت: "صلى الله على معاذ"، قال: "وماله؟"، قلت: "كان يقول: اتقوا زلة الحكيم، وهذا منك زلة يا ابن مسعود".
فقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "أستغفر الله".
يقول الألباني: "رضي الله عن ابن مسعود، ما أجمل إنصافه وأشد تواضعه، لكن يبدو لي أنه لا خلاف بينهما في الحقيقة، فأحدهما نظر إلى المآل، والآخر نظر إلى الحال" انتهى بتصرف.
فهكذا يكون أهل العلم يعظمون الدليل، وينقادون للحق وإن خالف آراءهم أو مذاهبهم وأقوال أئمتهم؛ لأن الحق أحق أن يتبع، وهو أحب إلينا من كل شيء، وما أحسن ما قيل: "الشافعي حبيب إلينا، والحق أحب إلينا منه"، فهكذا ينبغي أن يكون أهل العلم.
بل إن العالم لا يصير عالمًا إلا بمعرفته بالأدلة، وتعظيمه لها، وتقديمها على كل قول؛ فإن هذا يدل على علم وخشية وتقوى لله -تعالى-، وهذا هو العالم الذي ينبغي أن يؤخذ عنه العلم، والله ولي التوفيق.
موقع صوت السلف
فإن الناظر في تاريخ أمتنا المجيد وسير علمائها الربانيين يجد صورًا رائعة من إنصاف السلف والعلماء، ورجوعهم إلى الحق إذا تبين لهم، بل يترك أحدهم مذهبه إذا رأى أنه خلاف الدليل، بل يرجح أحدهم خلاف مذهبه، وهاك أمثلة على ذلك:
1- في البخاري أن أبا موسى الأشعري -رضي الله عنه- سُئل عن: ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ؟ فَقَالَ: "لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلِلأُخْتِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي"، فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: "لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلاِبْنَةِ ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيََ فَلِلأُخْتِ". فَأَتَوا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: "لاَ تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ".
انظر إلى الإنصاف والرجوع إلى الحق، فلم يتعلـَّل أو يتأول لإثبات مذهبه، وإنما يقف عند الدليل، عند حدود الله.
2- وهذا سائل يسأل عليًّا -رضي الله عنه- عن صلاة الليل، فيدله على عائشة -رضي الله عنها- ويقول: "هي أعلم الناس بوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وعائشة تـُسأل عن المسح على الخفين؛ فتدل السائل على علي -رضي الله عنه-، وتقول: "إنه كان يصحبه في السفر".
3- وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يخالف أباه في التمتع بالعمرة إلى الحج حيث كان ينهى عنها عمر -رضي الله عنه- اجتهادًا منه، فخالفه ابنه.
4- وعمر يفرق في ديات الأسنان، ولما بلغه الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرجع عن اجتهاده.
5- روى الشافعي بسنده أن عمر بن عبد العزيز قضى برد غلام به عيب ورد غلته، فلما بلغه الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال أو قضى: الخراج بالضمان، قال عمر: "فما أيسر هذا علي... فأرد قضاء عمر، وأنفذ سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
6- وأيضًا قضى سعد بن إبراهيم على رجل في قضية برأي ربيعة بن عبد الرحمن، قال ابن أبي ذئب: فأخبرته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بخلاف ما قضى به، فقال سعد لربيعة: "هذا ابن أبي ذئب -وهو عندي ثقة- يخبرني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بخلاف ما قضيت به"، فقال ربيعة: "قد اجتهدت ومضى حكمك"، فقال سعد: "واعجبًا! أنفذ قضاء سعد ابن أم سعد، وأرد قضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! بل أرد قضاء سعد ابن أم سعد، وأنفذ قضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، فدعا سعد بكتاب القضية فشقه للمقضي عليه، وهذا في غاية الإنصاف من النفس.
7- قال عبد الواحد بن زياد لزفر: "صرتم في الناس ضحكة! قلتم: إن الحدود تدرأ بالشبهات، ثم جئتم إلى أشدها فقلتم تـُقام"، قال زفر: "وكيف ذلك؟!"، قال: "قلتم: يُقتل المسلم بالكافر، وقد جاء الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا يقتل مسلم بكافر"، قال: "نعم، اشهد أني راجع عن ذلك الآن".
8- والإمام محمد بن الحسن: يترك ما يقارب ثلثي مذهب إمامه أبي حنيفة؛ لأنه ترجح عنده خلافه.
9- وهذا الإمام القرطبي: يخالف إمامه مالك في كثير من المسائل، منها: في تغريم السارق يرجح قول الشافعي خلافـًا لمالك، وفي أقل المهر وأنه لا حد لأقله رجح قول الشافعي خلافـًا لإمامه، وأيضًا في إثبات خيار المجلس في البيع يرجح قول الشافعي وأحمد خلافـًا لإمامه مالك، وهذا يدل على إنصافه -رحمه الله-.
10- ورجح ابن عبد البر في التمهيد جواز الصلاة على الجنازة في المسجد خلافـًا لإمامه مالك؛ لأن الدليل يدل على ذلك.
11- والنووي -رحمه الله- يقول في مسألة الوضوء من لحم الإبل أنه أقوى دليلاً مع أنه خلاف مذهب الشافعي -رحمه الله-.
12- وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله- كثيرًا ما كانا يخالفان المذهب الحنبلي لأدلة ترجحت لديهم كما في مسائل بيع المواشي، وطلاق الثلاث أنه واحدة، والقصاص من اللطمة، وغير ذلك كثير.
13- قال العلامة الألباني -رحمه الله-: أخرج الطبراني في مسند الشاميين بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنه قدم العراق، فجلس إلى رفقة فيها ابن مسعود -رضي الله عنه-، فتذاكروا الإيمان، قال أبو مسلم: فقلت: "أنا مؤمن"، فقال ابن مسعود: "أتشهد أنك في الجنة؟"، فقلت: "لا أدري مما يحدث الليل والنهار".
فقال ابن مسعود: "لو شهدت أني مؤمن لشهدت أني في الجنة".
فقال أبو مسلم: "يا ابن مسعود، ألم تعلم أن الناس كانوا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ثلاثة أصناف: مؤمن السريرة مؤمن العلانية، كافر السريرة كافر العلانية، مؤمن العلانية كافر السريرة؟".
قال: "نعم".
قلت: "فمن أيهم أنت؟"، قال: "أنا مؤمن السريرة مؤمن العلانية".
قال أبو مسلم: قلت: "وقد أنزل الله -عز وجل-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (التغابن:2)، فمن أي الصنفين أنت؟".
قال: "أنا مؤمن".
قلت: "صلى الله على معاذ"، قال: "وماله؟"، قلت: "كان يقول: اتقوا زلة الحكيم، وهذا منك زلة يا ابن مسعود".
فقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "أستغفر الله".
يقول الألباني: "رضي الله عن ابن مسعود، ما أجمل إنصافه وأشد تواضعه، لكن يبدو لي أنه لا خلاف بينهما في الحقيقة، فأحدهما نظر إلى المآل، والآخر نظر إلى الحال" انتهى بتصرف.
فهكذا يكون أهل العلم يعظمون الدليل، وينقادون للحق وإن خالف آراءهم أو مذاهبهم وأقوال أئمتهم؛ لأن الحق أحق أن يتبع، وهو أحب إلينا من كل شيء، وما أحسن ما قيل: "الشافعي حبيب إلينا، والحق أحب إلينا منه"، فهكذا ينبغي أن يكون أهل العلم.
بل إن العالم لا يصير عالمًا إلا بمعرفته بالأدلة، وتعظيمه لها، وتقديمها على كل قول؛ فإن هذا يدل على علم وخشية وتقوى لله -تعالى-، وهذا هو العالم الذي ينبغي أن يؤخذ عنه العلم، والله ولي التوفيق.
موقع صوت السلف
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع