- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
صور مشرقة من احتساب الصحابية أم سليم بنت ملحان
عبد الله علي العبدلي
كانت المسلمات من سلف هذه الأمة يدركن أن الدين النصيحة، فكن يبذلن النصيحة على قدر استطاعتهن لكل الناس كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وفي هذه الصفحات سأذكر نموذجاً واحدا من احتساب المؤمنات الناصحات وهي أم سليم بنت ملحان.
التعريف بها:
هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام اختلف في اسمها فقيل: سهلة، وقيل رميلة، وقيل رميثة، وقيل مليكة، ويقال الغميصاء أو الرميصاء، وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار [2].
وكانت خالة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الإمام النووي: "أم حرام أخت أم سليم أنهما كانتا خالتين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمين، إما من الرضاع وإما من النسب، فتحل له الخلوة بهما، وكان يدخل عليهما خاصة لا يدخل على غيرهما من النساء إلا أزواجه" [3].
أسلمت أم سليم الأنصارية - رضي الله عنها - ولم يسلم زوجها فما كما منها إلا أن احتسبت عليه وعرضت عليه الإسلام، قال ابن عبد البر" كانت تحت مالك بن النضر أبي أنس بن مالك في الجاهلية. فولدت له أنس بن مالك فلما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها وعرضت الإسلام على زوجها فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك هناك" [4].
وكانت أم سليم - رضي الله عنها - من بداية إسلامها داعية إلى توحيد الله -تبارك وتعالى-، فكانت تلقن ولدها أنس بن مالك - رضي الله عنه - شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهو طفل صغير، فقد روى ابن سعد في الطبقات عن إسحاق بن عبد الله عن جدته أم سليم أنها آمنت برسول الله قالت: فجاء أبو أنس وكان غائباً فقال: أصبوت؟ قالت: ما صبوت، ولكني آمنت بهذا الرجل، قالت: فجعلت تلقن أنساً وتشير إليه قل لا إله إلا الله، قل أشهد أن محمداً رسول الله، قال: ففعل، قال: فيقول لها أبوه لا تفسدي علي ابني، فتقول: إني لا أفسده...[5].
وهذا هو واجب المرأة المسلمة أن تعلم أولادها تعاليم الدين، وحب الدين وهم صغار، فيشبون على لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وكانت أم سليم - رضي الله عنها - حريصة على إيمان الناس ودخولهم في دين الله أفواجاً، ومن شدة حرصها أنها جعلت مهرها الدخول في دين الله، فقد ذكر أهل السير أنها لما مات زوجها جاء أبو طلحة يخطبها، فأمرته بالإسلام واجتناب الشرك، ووافقت على الزواج منه إذا قبل بالدخول في الإسلام.
روى ابن سعد في الطبقات عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء أبو طلحة يخطب أم سليم، فقالت: إنه لا ينبغي لي أن أتزوج مشركاً، أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم التي تعبدون ينحتها عبد آل فلان النجار، وأنكم لو شعلتم فيها ناراً لاحترقت، قال: فانصرف عنها وقد وقع في قلبه من ذلك موقعاً، قال: وجعل لا يجيئها يوماً إلا قالت له ذلك، قال: فأتاها يوماً، فقال: الذي عرضت علي قد قبلت، قال: فما كان لها مهر إلا إسلام أبي طلحة[6].
وفي رواية أنها قالت: يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد إنما هو شجرة تنبت من الأرض، وإنما نجرها حبشي بني فلان، قال: بلى، قالت: أما تستحيي تسجد لخشبة تنبت من الأرض نجرها حبشي بني فلان، قالت: فهل لك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأزوجك نفسي، لا أريد منك صداقاً غيره، قال لها: دعيني حتى أنظر، قالت: فذهب فنظر، ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قالت: يا أنس قم فزوج أبا طلحة [7].
وفي رواية أنها قالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم فذاك مهري وما أسألك غيره فأسلم فكان ذلك مهرها [8].
قال ثابت: فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ الْإِسْلَامَ فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ[9].
فانظري أختي المسلمة إلى اعتزاز أم سليم - رضي الله عنها - بإسلامها، كيف أنها لم ترض بالزواج من رجل مشرك يعبد الأصنام، وهذا تنبيه مهم لكل من تساهلت بالزواج من رجل لا يصلي، أو يقترف المعاصي ويجاهر بها، فلتنظر المسلمة إلى مدى تمسك أم سليم - رضي الله عنها - بعقيدة الولاء والبراء، فقد بينت لأبي طلحة أنه لا صلة للمرء المسلم مع المشرك أبدا.
وانظري أيتها الأخت المسلمة، كيف أن أم سليم قدمت نفسها في سبيل دينها فلم تشترط على خاطبها أن يكون ذا مال وفير، أو قصور، أو وظيفة راقية، أو صاحب سيارة فاخرة، بل اشترطت الدين والإسلام، وهذا هو الذي ينبغي أن تكون عليه كل فتاة مسلمة.
وانظري أيتها الأخت المسلمة كيف أن أم سليم - رضي الله عنها - استعملت الحكمة في دعوتها واحتسابها للوصول إلى غرضها، فقد بينت لأبي طلحة ضلال ما هو عليه من عبادة الأصنام والأشجار، ثم إنها مدحته حتى يستجيب لدعوتها، فأثنت عليه بقولها مثلك لا يرد، فكأنها تقول له: فيك من صفات الرجولة ما يدعو للزواج منك لولا أنك كافر تعبد الأصنام والأشجار، فكانت - رضي الله عنها - سببا في دخول أبي طلحة في الإسلام، فكانت بذلك أول امرأة جعلت مهرها إسلام زوجها، ونالت الأجر الذي وعد به النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم))[10].
ولما قدم النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - إلى المدنية لم تجد شيئا تقدمه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوى فلذة كبدها أنس بن مالك، قال أنس - رضي الله عنه -: جاءت بي أمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه، فقالت: يا رسول الله، هذا أنيس ابني أتيتك به يخدمك فادع الله له، فقال: اللهم أكثر ماله وولده[11].
ولعل أم سليم - رضي الله عنها - أرادت أن يتربى أنس - رضي الله عنه - في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليتخلق بأخلاقه - صلى الله عليه وسلم -، وتلك غاية من أشرف الغايات، وتكون بموقفها هذا قد احتسبت على ولدها أنس، ليحوز أكبر قدر من سنته - صلى الله عليه وسلم - متمثلة في أقواله وأفعاله، فكان لها ما أرادت.
وهذا هو الذي ينبغي أن تكون عليه الأم المسلمة أن تدفع بولدها إلى أهل الخير الصلاح لا أن تحذره منهم وتنفره.
عاشت أم سليم - رضي الله عنها - مع أبي طلحة - رضي الله عنه -، وشاء الله - تبارك وتعالى -أن رزق أبي طلحة ولدا منها، واقتضت حكمته- تبارك وتعالى - أن يبتليهما في ولدهما فمات، فما هو موقف المؤمنة المحتسبة الطائعة لربها - سبحانه وتعالى -؟
يحدثنا ابنها أنس بن مالك - رضي الله عنه - بتفاصيل ما حصل، قال أنس: إن أبا طلحة مات له ابن، فقالت أم سليم: لا تخبروا أبا طلحة حتى أكون أنا الذي أخبره، فسجت عليه، فلما جاء أبو طلحة وضعت بين يديه طعاماً فأكل، ثم تطيبت له فأصاب منها، فعلقت بغلام فقالت: يا أبا طلحة إن آل فلان استعاروا من آل فلان عارية فبعثوا إليهم ابعثوا إلينا بعاريتنا فأبوا أن يردوها، فقال أبو طلحة: ليس لهم ذلك إن العارية مؤداة إلى أهلها، قالت: فإن ابنك كان عارية من الله - عز وجل -، وأن الله - عز وجل - قد قبضه فاسترجع، قال أنس: فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال: بارك الله لهما في ليلتهما، قال فعلقت بغلام، فولدت فأرسلت به معي أم سليم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحملت تمراً فأتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه عباءة وهو يهنأ بعيرا له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هل معك تمر؟ قال: قلت: نعم، فأخذ التمرات فألقاهن في فيه فلاكهن، ثم جمع لعابه، ثم فغر فاه فأوجره إياه فجعل الصبي يتلمظ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حب الأنصار التمر، فحنكه وسماه عبد الله، فما كان في الأنصار شاب أفضل منه([12]).
وهذا الموقف العظيم من أم سليم يبين كيف أن دين الإسلام كرم المرأة المسلمة، فقد كانت في الجاهلية إذا اصابتها مصيبة تشق الجيوب، وتضرب الخدود، وتدعو بالويل والثبور، واليوم تصبر وتحتسب وتصبر زوجها وتحتسب عليه.
ويدل هذا الموقف على رجاحة عقلها وكمال فهمها، فأين نساء المسلمين اليوم من هذا الخلق الرفيع؟
فالواجب على نساء المسلمين أن تنظر إلى حال أم سليم وأمثالها من النساء الصالحات وتقتدي بهن.
وكانت أم سليم - رضي الله عنها - تذهب إلى بعض الغزوات، محتسبة على أعداء الله - تعالى -، فقد أخرج ابن سعد في الطبقات عن أنس أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، قال أبو طلحة: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر، فقالت: يا رسول الله أتخذه إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، أقتل الطلقاء وأضرب أعناقهم انهزموا بك، قال فتبسم رسول الله، وقال: يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن [13].
ولم تكن أم سليم - رضي الله عنها - تستحي من السؤال من أجل دينها - رضي الله عنها -، فقد أخرج الإمام مسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال: جاءت أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت له وعائشة عنده: يا رسول الله المرأة التي ترى ما يرى الرجل في المنام فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه، فقالت عائشة: يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك، فقال لعائشة: بل أنت فتربت يمينك، نعم، فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذاك [14].
وهذا الذي ينبغي أن تكون عليه فتاة الإسلام، ألا تستحي من سؤال أهل العلم وتسأل عن دينها، فكم من النساء يمنعها الحياء من السؤال، وربما وقعت في مخالفات كثيرة، في العقيدة والطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج، وهذا شيء مشاهد وملموس.
نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يوفق نساء المسلمين لما يحب ويرض، والحمد لله رب العالمين..
____________
[2] - الإصابة في تمييز الصحابة (8 / 227)
[3] - شرح النووي على مسلم (16 / 10).
[4] - الاستيعاب (1 / 630).
[5] - الطبقات الكبرى (8/425).
[6] - المرجع السابق (8 / 427).
[7] - المرجع السابق (8 / 427).
[8] - السنن الكبرى للنسائي (3 / 312)، المعجم الكبير (5 / 90)، برقم (4676)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (7 / 413).
[9] - السنن الكبرى للنسائي (3 / 312).
[10] - رواه البخاري (3 / 1357)، برقم (3498)، ومسلم (4 / 1872)، برقم (2406)
[11] - رواه مسلم (4 / 1929)، برقم 2481)
[12] - رواه أحمد (3 / 287)، برقم (14097)، بهذا اللفظ، وأصل الحديث في البخاري (5 / 2082)، برقم (5153)، ومسلم (3 / 1689)، برقم (2144).
[13] - الطبقات الكبرى لابن سعد (8 / 425).
[14] - رواه مسلم (1 / 250)، برقم (310
عبد الله علي العبدلي
كانت المسلمات من سلف هذه الأمة يدركن أن الدين النصيحة، فكن يبذلن النصيحة على قدر استطاعتهن لكل الناس كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وفي هذه الصفحات سأذكر نموذجاً واحدا من احتساب المؤمنات الناصحات وهي أم سليم بنت ملحان.
التعريف بها:
هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام اختلف في اسمها فقيل: سهلة، وقيل رميلة، وقيل رميثة، وقيل مليكة، ويقال الغميصاء أو الرميصاء، وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار [2].
وكانت خالة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الإمام النووي: "أم حرام أخت أم سليم أنهما كانتا خالتين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمين، إما من الرضاع وإما من النسب، فتحل له الخلوة بهما، وكان يدخل عليهما خاصة لا يدخل على غيرهما من النساء إلا أزواجه" [3].
أسلمت أم سليم الأنصارية - رضي الله عنها - ولم يسلم زوجها فما كما منها إلا أن احتسبت عليه وعرضت عليه الإسلام، قال ابن عبد البر" كانت تحت مالك بن النضر أبي أنس بن مالك في الجاهلية. فولدت له أنس بن مالك فلما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها وعرضت الإسلام على زوجها فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك هناك" [4].
وكانت أم سليم - رضي الله عنها - من بداية إسلامها داعية إلى توحيد الله -تبارك وتعالى-، فكانت تلقن ولدها أنس بن مالك - رضي الله عنه - شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهو طفل صغير، فقد روى ابن سعد في الطبقات عن إسحاق بن عبد الله عن جدته أم سليم أنها آمنت برسول الله قالت: فجاء أبو أنس وكان غائباً فقال: أصبوت؟ قالت: ما صبوت، ولكني آمنت بهذا الرجل، قالت: فجعلت تلقن أنساً وتشير إليه قل لا إله إلا الله، قل أشهد أن محمداً رسول الله، قال: ففعل، قال: فيقول لها أبوه لا تفسدي علي ابني، فتقول: إني لا أفسده...[5].
وهذا هو واجب المرأة المسلمة أن تعلم أولادها تعاليم الدين، وحب الدين وهم صغار، فيشبون على لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وكانت أم سليم - رضي الله عنها - حريصة على إيمان الناس ودخولهم في دين الله أفواجاً، ومن شدة حرصها أنها جعلت مهرها الدخول في دين الله، فقد ذكر أهل السير أنها لما مات زوجها جاء أبو طلحة يخطبها، فأمرته بالإسلام واجتناب الشرك، ووافقت على الزواج منه إذا قبل بالدخول في الإسلام.
روى ابن سعد في الطبقات عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء أبو طلحة يخطب أم سليم، فقالت: إنه لا ينبغي لي أن أتزوج مشركاً، أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم التي تعبدون ينحتها عبد آل فلان النجار، وأنكم لو شعلتم فيها ناراً لاحترقت، قال: فانصرف عنها وقد وقع في قلبه من ذلك موقعاً، قال: وجعل لا يجيئها يوماً إلا قالت له ذلك، قال: فأتاها يوماً، فقال: الذي عرضت علي قد قبلت، قال: فما كان لها مهر إلا إسلام أبي طلحة[6].
وفي رواية أنها قالت: يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد إنما هو شجرة تنبت من الأرض، وإنما نجرها حبشي بني فلان، قال: بلى، قالت: أما تستحيي تسجد لخشبة تنبت من الأرض نجرها حبشي بني فلان، قالت: فهل لك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأزوجك نفسي، لا أريد منك صداقاً غيره، قال لها: دعيني حتى أنظر، قالت: فذهب فنظر، ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قالت: يا أنس قم فزوج أبا طلحة [7].
وفي رواية أنها قالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم فذاك مهري وما أسألك غيره فأسلم فكان ذلك مهرها [8].
قال ثابت: فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ الْإِسْلَامَ فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ[9].
فانظري أختي المسلمة إلى اعتزاز أم سليم - رضي الله عنها - بإسلامها، كيف أنها لم ترض بالزواج من رجل مشرك يعبد الأصنام، وهذا تنبيه مهم لكل من تساهلت بالزواج من رجل لا يصلي، أو يقترف المعاصي ويجاهر بها، فلتنظر المسلمة إلى مدى تمسك أم سليم - رضي الله عنها - بعقيدة الولاء والبراء، فقد بينت لأبي طلحة أنه لا صلة للمرء المسلم مع المشرك أبدا.
وانظري أيتها الأخت المسلمة، كيف أن أم سليم قدمت نفسها في سبيل دينها فلم تشترط على خاطبها أن يكون ذا مال وفير، أو قصور، أو وظيفة راقية، أو صاحب سيارة فاخرة، بل اشترطت الدين والإسلام، وهذا هو الذي ينبغي أن تكون عليه كل فتاة مسلمة.
وانظري أيتها الأخت المسلمة كيف أن أم سليم - رضي الله عنها - استعملت الحكمة في دعوتها واحتسابها للوصول إلى غرضها، فقد بينت لأبي طلحة ضلال ما هو عليه من عبادة الأصنام والأشجار، ثم إنها مدحته حتى يستجيب لدعوتها، فأثنت عليه بقولها مثلك لا يرد، فكأنها تقول له: فيك من صفات الرجولة ما يدعو للزواج منك لولا أنك كافر تعبد الأصنام والأشجار، فكانت - رضي الله عنها - سببا في دخول أبي طلحة في الإسلام، فكانت بذلك أول امرأة جعلت مهرها إسلام زوجها، ونالت الأجر الذي وعد به النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم))[10].
ولما قدم النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - إلى المدنية لم تجد شيئا تقدمه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوى فلذة كبدها أنس بن مالك، قال أنس - رضي الله عنه -: جاءت بي أمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه، فقالت: يا رسول الله، هذا أنيس ابني أتيتك به يخدمك فادع الله له، فقال: اللهم أكثر ماله وولده[11].
ولعل أم سليم - رضي الله عنها - أرادت أن يتربى أنس - رضي الله عنه - في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليتخلق بأخلاقه - صلى الله عليه وسلم -، وتلك غاية من أشرف الغايات، وتكون بموقفها هذا قد احتسبت على ولدها أنس، ليحوز أكبر قدر من سنته - صلى الله عليه وسلم - متمثلة في أقواله وأفعاله، فكان لها ما أرادت.
وهذا هو الذي ينبغي أن تكون عليه الأم المسلمة أن تدفع بولدها إلى أهل الخير الصلاح لا أن تحذره منهم وتنفره.
عاشت أم سليم - رضي الله عنها - مع أبي طلحة - رضي الله عنه -، وشاء الله - تبارك وتعالى -أن رزق أبي طلحة ولدا منها، واقتضت حكمته- تبارك وتعالى - أن يبتليهما في ولدهما فمات، فما هو موقف المؤمنة المحتسبة الطائعة لربها - سبحانه وتعالى -؟
يحدثنا ابنها أنس بن مالك - رضي الله عنه - بتفاصيل ما حصل، قال أنس: إن أبا طلحة مات له ابن، فقالت أم سليم: لا تخبروا أبا طلحة حتى أكون أنا الذي أخبره، فسجت عليه، فلما جاء أبو طلحة وضعت بين يديه طعاماً فأكل، ثم تطيبت له فأصاب منها، فعلقت بغلام فقالت: يا أبا طلحة إن آل فلان استعاروا من آل فلان عارية فبعثوا إليهم ابعثوا إلينا بعاريتنا فأبوا أن يردوها، فقال أبو طلحة: ليس لهم ذلك إن العارية مؤداة إلى أهلها، قالت: فإن ابنك كان عارية من الله - عز وجل -، وأن الله - عز وجل - قد قبضه فاسترجع، قال أنس: فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال: بارك الله لهما في ليلتهما، قال فعلقت بغلام، فولدت فأرسلت به معي أم سليم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحملت تمراً فأتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه عباءة وهو يهنأ بعيرا له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هل معك تمر؟ قال: قلت: نعم، فأخذ التمرات فألقاهن في فيه فلاكهن، ثم جمع لعابه، ثم فغر فاه فأوجره إياه فجعل الصبي يتلمظ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حب الأنصار التمر، فحنكه وسماه عبد الله، فما كان في الأنصار شاب أفضل منه([12]).
وهذا الموقف العظيم من أم سليم يبين كيف أن دين الإسلام كرم المرأة المسلمة، فقد كانت في الجاهلية إذا اصابتها مصيبة تشق الجيوب، وتضرب الخدود، وتدعو بالويل والثبور، واليوم تصبر وتحتسب وتصبر زوجها وتحتسب عليه.
ويدل هذا الموقف على رجاحة عقلها وكمال فهمها، فأين نساء المسلمين اليوم من هذا الخلق الرفيع؟
فالواجب على نساء المسلمين أن تنظر إلى حال أم سليم وأمثالها من النساء الصالحات وتقتدي بهن.
وكانت أم سليم - رضي الله عنها - تذهب إلى بعض الغزوات، محتسبة على أعداء الله - تعالى -، فقد أخرج ابن سعد في الطبقات عن أنس أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، قال أبو طلحة: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر، فقالت: يا رسول الله أتخذه إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، أقتل الطلقاء وأضرب أعناقهم انهزموا بك، قال فتبسم رسول الله، وقال: يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن [13].
ولم تكن أم سليم - رضي الله عنها - تستحي من السؤال من أجل دينها - رضي الله عنها -، فقد أخرج الإمام مسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال: جاءت أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت له وعائشة عنده: يا رسول الله المرأة التي ترى ما يرى الرجل في المنام فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه، فقالت عائشة: يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك، فقال لعائشة: بل أنت فتربت يمينك، نعم، فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذاك [14].
وهذا الذي ينبغي أن تكون عليه فتاة الإسلام، ألا تستحي من سؤال أهل العلم وتسأل عن دينها، فكم من النساء يمنعها الحياء من السؤال، وربما وقعت في مخالفات كثيرة، في العقيدة والطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج، وهذا شيء مشاهد وملموس.
نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يوفق نساء المسلمين لما يحب ويرض، والحمد لله رب العالمين..
____________
[2] - الإصابة في تمييز الصحابة (8 / 227)
[3] - شرح النووي على مسلم (16 / 10).
[4] - الاستيعاب (1 / 630).
[5] - الطبقات الكبرى (8/425).
[6] - المرجع السابق (8 / 427).
[7] - المرجع السابق (8 / 427).
[8] - السنن الكبرى للنسائي (3 / 312)، المعجم الكبير (5 / 90)، برقم (4676)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (7 / 413).
[9] - السنن الكبرى للنسائي (3 / 312).
[10] - رواه البخاري (3 / 1357)، برقم (3498)، ومسلم (4 / 1872)، برقم (2406)
[11] - رواه مسلم (4 / 1929)، برقم 2481)
[12] - رواه أحمد (3 / 287)، برقم (14097)، بهذا اللفظ، وأصل الحديث في البخاري (5 / 2082)، برقم (5153)، ومسلم (3 / 1689)، برقم (2144).
[13] - الطبقات الكبرى لابن سعد (8 / 425).
[14] - رواه مسلم (1 / 250)، برقم (310
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع