- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
سورة الطارق.
السورة مكيَّة .ولم يختلف في تسميتها سورة الطارق . وفي بعض الكتب يقال: "والسماء والطارق" وهذا قريب وليس اسمًا مغايرًا و مأخوذ من اللفظ في الآية الأولى ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴿1﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ﴿2﴾ النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾.
لم يختلف العلماء في أنها نزلت في مكة، وأنها مكيَّة بإجماع.
والسور على ثلاثة أقسام:
- منها ما هو مكي بالإجماع.
- ومنها ما هو مدني بالإجماع.
- ومنها ما هو مختلف فيه.
عدد آياتها: اختُلف في عدِّ الآي في هذه السورة، فقيل: إنها ست عشرة آية، وذلك بأن تكون كالتالي: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ آية واحدة، فتكون بذلك ست عشرة آية.
وإذا قلنا: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ هذه آية، ﴿ وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ هذه آية أخرى، تصبح سبع عشرة آية.
هذا العلم يُعلمنا كم كانت عناية المسلمين بكتاب الله -عز وجل-، فقد أحصوا فيه كلَّ شيء، وضبطوه ضبطًا عاليًا متقنًا، بحيث لا يمكن أن يدعيَ مدعٍ أن القرآن طاله شيء من التحريف أو النقص أو الزيادة، أو التغيير والتبديل . وقد لقى كتاب الله -عز وجل- هذه العناية الفائقة، التي لم يلقها كتاب وُجد على ظهر الأرض .
محور السورة وموضوعها ومضمونها:
السورة تبدو مبينة لعناية الله -عز وجل- بالإنسان، وبيان آيات قدرته التي تُرهِّب من جنابه.
فانتبه أيها الإنسان، لقد اعتنى بك ربك، وأراك من آياته ما يدلك على قدرته، فاحذر من سطوته، احذر أن تخالفه، أن تكذِّب بكتابه، أن تستهزئ بكلامه، وألا تأخذه مأخذ الجد، أن تكيد للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولأصحابه، أو تكيد للمؤمنين القائمين بهذا الكتاب، فإن كنت تَكيد كيدًا، فإن الله يَكيد كيدًا، وكيد الله أعظم من كيد الخلق كلهم.
هذا هو المحور الذي يبدو لنا من هذه السورة الكريمة .
المناسبة بين هذه السورة وسورة البروج : في سورة البروج جاءت قصة أصحاب الأخدود الذين كادوا المؤمنين وآذوهم أذًى شديدًا، حتى إنهم خدُّوا لهم في الأرض أخاديد وأحرقوهم فيها.
فالله -عز وجل- يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج: 10]، ثم يعد المؤمنين بقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾ [البروج: 11].
ثم يقول مهددًا هؤلاء الذين فعلوا بالمؤمنين ما فعلوا: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴿12﴾ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيعِيدُ ﴿13﴾ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ﴿14﴾ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴿15﴾ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴿16﴾ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ﴿17﴾ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴿18﴾ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ﴿19﴾ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ﴿20﴾ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴿21﴾ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ [البروج 12-22].
هذا تهديد لهم، يا أيها الذين تفعلون بالمؤمنين ما تفعلون، وتستضعفونهم وتؤذونهم اعلموا أن بطش الرب شديد، وأنه فعَّال لما يريد، وهل أتاكم حديث الجنود فرعون وثمود؟ فإن الله -سبحانه وتعالى- بكم محيط.
وهنا يقول أيضًا مهددًا: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴿15﴾ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴿16﴾ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيدًا﴾، فبانَ لنا عظيم المناسبة بين سورة البروج وسورة الطارق.
أما مناسبة أول هذه السورة بآخر تلك السورة فظاهرة أيضًا، ففي تلك السورة، قال: ﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ﴿19﴾ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ﴿20﴾ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴿21﴾ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ [البروج 19 – 22].
يبين أن هذا القرآن في لوح محفوظ، وأن كلَّ شيءٍ مُحصى ومُدقَّق، ولا يفوت على الله من أمر العباد، وأمر الخلق، وأمر الكون كله شيء.
وفي هذه السورة يبيِّن شيئًا من هذا الحفظ، فيقول: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ﴿2﴾ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴿3﴾ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾، فهذا الكون العظيم، الضخم، الهائل، الذي لا يمكن لأحد أن يقوم به إلا الله -سبحانه وتعالى-، قد حفظه الله وضبطه وأتقنه، وتمكَّن منه -سبحانه وتعالى-، ومكَّن ملائكته من القيام بأدوارهم، وكل ذلك بأمره -جل جلاله-.
تفسير الآيات :
يقول الله -عز وجل-: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴿1﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ﴿2﴾ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴿3﴾ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾.
أقسم الله بالسماء والسماء هي هذا الجرم الذي نراه وهي آية عظيمة من آيات الله -عز وجل-.
وقد تأتي السماء في اللغة ويُراد بها كلُّ ما علاكَ، يُراد بها كلُّ ما هو فوقك، ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ﴾ [الحج: 15]، يعني فليمدد بحبل إلى السقف، فكلُّ ما علاكَ وأظلكَ فهو سماء.
ولذلك يُقال للسحاب سماء .
قال: ﴿ وَالطَّارِقِ﴾ :الطارق جاء تفسيره في الآية الثالثة هو النجم.
يشير ذلك إلى أن القرآن فيه ما يفسره، وهذا نوع من أقوى أنواع التفسير وأصحه وأثبته، وهو تفسير القرآن بالقرآن.
وتفسير القرآن بالقرآن نوعان:
- تفسير للقرآن بالقرآن صريح وقطعي، وهو أن يأتي في الآيات ما يدل على التفسير صراحة.
مثل قوله: ﴿ وَيلٌ لّلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: 1].
مَن هم المطففون؟
﴿ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿2﴾ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: 2، 3].
ومثل قوله: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: 62].
مَن أولياء الله؟
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: 63].
ومثل قوله: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴿1﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾.
الجواب: ﴿ النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾، انتهى كل كلام بعد هذا الكلام؛ لأنه لا أحدَ أعلم بكلام الله من الله -سبحانه وتعالى-.
قال الله -عز وجل-: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ هذا على سبيل التفخيم والتشويق .
فيقول الله -عز وجل-: ﴿ النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾.
والإقسام بالطارق له دلالة، كما أن الإقسام بالسماء له دلالة.
فأما السماء فالذي أقسم بها أراد أن يُبيِّن لنا عَظَمة خَلْقه، الدالة على هيبته -جل وعلا-، وأنه يجب علينا أن نخاف منه، وأن نحذره.
والطارق فيها الدلالة على أن هذه النجوم التي تثقب الليل بضوئها يُشبهها هذا القرآن الذي يَثقب ظلامَ الكفرِ والجهل والظلم الذي يَعُمُّ الأرض فينير للناس الطريق؛ لأنه قد جاء في قوله: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴿11﴾ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴿12﴾ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴿13﴾ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾.
فهناك مناسبة بين ما يقسم الله به وما يذكر في السورة،كما بيّن في سورة البروج في قوله: ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾ [البروج: 3]، أقسم الله بالشاهد وأقسم بالمشهود، وهذا فيه مناسبة مع ما ذُكر في السورة من مثل قول الله -عز وجل-: ﴿ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾ [البروج: 7]، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [البروج: 9]، هذا يدل على التناسب، وهذا من حكمة الله -عز وجل- في هذا الكتاب العظيم.
قال: ﴿ النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ أي النجم الذي يثقب الظلام بضيائه.
ثم بيَّن المقسَم عليه فقال: ﴿ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾، "لما" تُقرأ بقراءتين: "لمَّا"، و"لمَا".
و"إن" تأتي كثيرًا في القرآن بمعنى "ما"، أي: "ما كل نفسٍ إلا عليها حافظ". "لمَّا" بمعنى "إلا"، و"إن" بمعنى "ما".
و"إن" تأتي في القرآن كثيرًا بمعنى "ما"، ﴿ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ [الشورى: 48]، معناها: ما عليك إلا البلاغ.
قال: ﴿ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ أي: ما كلُّ نفسٍ إلا عليها حافظ من الملائكة يحفظها، ويكتب أعمالها، ويدوِّن كل صغير وكبير عليه، ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴿10﴾ كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴿11﴾ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: 10- 12].
قال: ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾، هذه دعوة للإنسان، بعد أن انتهى من العوالم العلوية السماء، والطارق النجم الثاقب؛ انتقل إلى ذات الإنسان تذكيرًا له.
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ حتى لا يتكبر وحتى يعلم دقة تدبير الله وتقديره.
قال الله -عز وجل-: ﴿ خُلِقَ ﴾ أي الإنسان ﴿ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ﴾.
وآثر المبني لغير لمعلوم من أجل التركيز على الحدث وإلا أصل الكلام: "خلقه الله من ماء دافق" فلما أراد أن يركِّز على الحدث دون أن ينشغل الإنسان بشيء آخر، قال: ﴿ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ﴾ ﴿ خُلِقَ ﴾ فالله -عز وجل- هو الذي خلق أي أو جده وأنشأه وأخرجه ﴿ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ﴾.
وابن آدم -كما نعلم- مخلوق من الماء، وهذا الماء من صفته أنه دافق، يعني يخرج باندفاع وقوة.
﴿ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ هذا الماء الدافق يخرج من بين الصلب والترائب.
الصلب: هو أسفل الظهر، أسفل العمود الفِقري يُسمى صلبًّا.
والترائب: هي عظام الصدر العلوية؛ لأن الناس عبروا عن هذا بقولهم: ما تحت القلادة من صدر المرأة ما تحت القلادة من صدر المرأة: هذا هو الموطن.
السورة مكيَّة .ولم يختلف في تسميتها سورة الطارق . وفي بعض الكتب يقال: "والسماء والطارق" وهذا قريب وليس اسمًا مغايرًا و مأخوذ من اللفظ في الآية الأولى ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴿1﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ﴿2﴾ النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾.
لم يختلف العلماء في أنها نزلت في مكة، وأنها مكيَّة بإجماع.
والسور على ثلاثة أقسام:
- منها ما هو مكي بالإجماع.
- ومنها ما هو مدني بالإجماع.
- ومنها ما هو مختلف فيه.
عدد آياتها: اختُلف في عدِّ الآي في هذه السورة، فقيل: إنها ست عشرة آية، وذلك بأن تكون كالتالي: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ آية واحدة، فتكون بذلك ست عشرة آية.
وإذا قلنا: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ هذه آية، ﴿ وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ هذه آية أخرى، تصبح سبع عشرة آية.
هذا العلم يُعلمنا كم كانت عناية المسلمين بكتاب الله -عز وجل-، فقد أحصوا فيه كلَّ شيء، وضبطوه ضبطًا عاليًا متقنًا، بحيث لا يمكن أن يدعيَ مدعٍ أن القرآن طاله شيء من التحريف أو النقص أو الزيادة، أو التغيير والتبديل . وقد لقى كتاب الله -عز وجل- هذه العناية الفائقة، التي لم يلقها كتاب وُجد على ظهر الأرض .
محور السورة وموضوعها ومضمونها:
السورة تبدو مبينة لعناية الله -عز وجل- بالإنسان، وبيان آيات قدرته التي تُرهِّب من جنابه.
فانتبه أيها الإنسان، لقد اعتنى بك ربك، وأراك من آياته ما يدلك على قدرته، فاحذر من سطوته، احذر أن تخالفه، أن تكذِّب بكتابه، أن تستهزئ بكلامه، وألا تأخذه مأخذ الجد، أن تكيد للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولأصحابه، أو تكيد للمؤمنين القائمين بهذا الكتاب، فإن كنت تَكيد كيدًا، فإن الله يَكيد كيدًا، وكيد الله أعظم من كيد الخلق كلهم.
هذا هو المحور الذي يبدو لنا من هذه السورة الكريمة .
المناسبة بين هذه السورة وسورة البروج : في سورة البروج جاءت قصة أصحاب الأخدود الذين كادوا المؤمنين وآذوهم أذًى شديدًا، حتى إنهم خدُّوا لهم في الأرض أخاديد وأحرقوهم فيها.
فالله -عز وجل- يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج: 10]، ثم يعد المؤمنين بقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾ [البروج: 11].
ثم يقول مهددًا هؤلاء الذين فعلوا بالمؤمنين ما فعلوا: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴿12﴾ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيعِيدُ ﴿13﴾ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ﴿14﴾ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴿15﴾ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴿16﴾ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ﴿17﴾ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴿18﴾ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ﴿19﴾ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ﴿20﴾ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴿21﴾ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ [البروج 12-22].
هذا تهديد لهم، يا أيها الذين تفعلون بالمؤمنين ما تفعلون، وتستضعفونهم وتؤذونهم اعلموا أن بطش الرب شديد، وأنه فعَّال لما يريد، وهل أتاكم حديث الجنود فرعون وثمود؟ فإن الله -سبحانه وتعالى- بكم محيط.
وهنا يقول أيضًا مهددًا: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴿15﴾ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴿16﴾ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيدًا﴾، فبانَ لنا عظيم المناسبة بين سورة البروج وسورة الطارق.
أما مناسبة أول هذه السورة بآخر تلك السورة فظاهرة أيضًا، ففي تلك السورة، قال: ﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ﴿19﴾ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ﴿20﴾ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴿21﴾ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ [البروج 19 – 22].
يبين أن هذا القرآن في لوح محفوظ، وأن كلَّ شيءٍ مُحصى ومُدقَّق، ولا يفوت على الله من أمر العباد، وأمر الخلق، وأمر الكون كله شيء.
وفي هذه السورة يبيِّن شيئًا من هذا الحفظ، فيقول: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ﴿2﴾ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴿3﴾ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾، فهذا الكون العظيم، الضخم، الهائل، الذي لا يمكن لأحد أن يقوم به إلا الله -سبحانه وتعالى-، قد حفظه الله وضبطه وأتقنه، وتمكَّن منه -سبحانه وتعالى-، ومكَّن ملائكته من القيام بأدوارهم، وكل ذلك بأمره -جل جلاله-.
تفسير الآيات :
يقول الله -عز وجل-: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴿1﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ﴿2﴾ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴿3﴾ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾.
أقسم الله بالسماء والسماء هي هذا الجرم الذي نراه وهي آية عظيمة من آيات الله -عز وجل-.
وقد تأتي السماء في اللغة ويُراد بها كلُّ ما علاكَ، يُراد بها كلُّ ما هو فوقك، ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ﴾ [الحج: 15]، يعني فليمدد بحبل إلى السقف، فكلُّ ما علاكَ وأظلكَ فهو سماء.
ولذلك يُقال للسحاب سماء .
قال: ﴿ وَالطَّارِقِ﴾ :الطارق جاء تفسيره في الآية الثالثة هو النجم.
يشير ذلك إلى أن القرآن فيه ما يفسره، وهذا نوع من أقوى أنواع التفسير وأصحه وأثبته، وهو تفسير القرآن بالقرآن.
وتفسير القرآن بالقرآن نوعان:
- تفسير للقرآن بالقرآن صريح وقطعي، وهو أن يأتي في الآيات ما يدل على التفسير صراحة.
مثل قوله: ﴿ وَيلٌ لّلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: 1].
مَن هم المطففون؟
﴿ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿2﴾ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: 2، 3].
ومثل قوله: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: 62].
مَن أولياء الله؟
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: 63].
ومثل قوله: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴿1﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾.
الجواب: ﴿ النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾، انتهى كل كلام بعد هذا الكلام؛ لأنه لا أحدَ أعلم بكلام الله من الله -سبحانه وتعالى-.
قال الله -عز وجل-: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ هذا على سبيل التفخيم والتشويق .
فيقول الله -عز وجل-: ﴿ النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾.
والإقسام بالطارق له دلالة، كما أن الإقسام بالسماء له دلالة.
فأما السماء فالذي أقسم بها أراد أن يُبيِّن لنا عَظَمة خَلْقه، الدالة على هيبته -جل وعلا-، وأنه يجب علينا أن نخاف منه، وأن نحذره.
والطارق فيها الدلالة على أن هذه النجوم التي تثقب الليل بضوئها يُشبهها هذا القرآن الذي يَثقب ظلامَ الكفرِ والجهل والظلم الذي يَعُمُّ الأرض فينير للناس الطريق؛ لأنه قد جاء في قوله: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴿11﴾ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴿12﴾ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴿13﴾ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾.
فهناك مناسبة بين ما يقسم الله به وما يذكر في السورة،كما بيّن في سورة البروج في قوله: ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾ [البروج: 3]، أقسم الله بالشاهد وأقسم بالمشهود، وهذا فيه مناسبة مع ما ذُكر في السورة من مثل قول الله -عز وجل-: ﴿ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾ [البروج: 7]، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [البروج: 9]، هذا يدل على التناسب، وهذا من حكمة الله -عز وجل- في هذا الكتاب العظيم.
قال: ﴿ النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ أي النجم الذي يثقب الظلام بضيائه.
ثم بيَّن المقسَم عليه فقال: ﴿ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾، "لما" تُقرأ بقراءتين: "لمَّا"، و"لمَا".
و"إن" تأتي كثيرًا في القرآن بمعنى "ما"، أي: "ما كل نفسٍ إلا عليها حافظ". "لمَّا" بمعنى "إلا"، و"إن" بمعنى "ما".
و"إن" تأتي في القرآن كثيرًا بمعنى "ما"، ﴿ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ [الشورى: 48]، معناها: ما عليك إلا البلاغ.
قال: ﴿ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ أي: ما كلُّ نفسٍ إلا عليها حافظ من الملائكة يحفظها، ويكتب أعمالها، ويدوِّن كل صغير وكبير عليه، ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴿10﴾ كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴿11﴾ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: 10- 12].
قال: ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾، هذه دعوة للإنسان، بعد أن انتهى من العوالم العلوية السماء، والطارق النجم الثاقب؛ انتقل إلى ذات الإنسان تذكيرًا له.
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ حتى لا يتكبر وحتى يعلم دقة تدبير الله وتقديره.
قال الله -عز وجل-: ﴿ خُلِقَ ﴾ أي الإنسان ﴿ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ﴾.
وآثر المبني لغير لمعلوم من أجل التركيز على الحدث وإلا أصل الكلام: "خلقه الله من ماء دافق" فلما أراد أن يركِّز على الحدث دون أن ينشغل الإنسان بشيء آخر، قال: ﴿ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ﴾ ﴿ خُلِقَ ﴾ فالله -عز وجل- هو الذي خلق أي أو جده وأنشأه وأخرجه ﴿ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ﴾.
وابن آدم -كما نعلم- مخلوق من الماء، وهذا الماء من صفته أنه دافق، يعني يخرج باندفاع وقوة.
﴿ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ هذا الماء الدافق يخرج من بين الصلب والترائب.
الصلب: هو أسفل الظهر، أسفل العمود الفِقري يُسمى صلبًّا.
والترائب: هي عظام الصدر العلوية؛ لأن الناس عبروا عن هذا بقولهم: ما تحت القلادة من صدر المرأة ما تحت القلادة من صدر المرأة: هذا هو الموطن.
ثم قال الله -عز وجل-: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ "إنه" أي: الله -بلا شك. ﴿ عَلَى رَجْعِهِ ﴾ اختُلف فيها، هل هي على رجع الإنسان، أو على رجع الماء الدافق؟
العلماء -رحمهم الله- عندهم خلاف في هذا على قولين:
- ﴿ عَلَى رَجْعِهِ﴾ رجع الإنسان.
- أو في هذه الآية ﴿ عَلَى رَجْعِهِ﴾ على رجع الماء.
أما إن قيل أنها على رجع الماء، فاختُلف فيه أيضًا:
- إنه على رجع الماء إلى الصلب، يعني أن الله لقادر على أن يرد الماء إلى الصلب.
- وقيل: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ﴾ أي رجع الماء إلى الإحليل الذي هو الذَّكر.
- وقيل: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ﴾، رجعه: بمعنى ردِّه، أي ردِّ الماء فلا يخرج.
وهذا معنًى غريب لكلمة الرجع.
هذا هو القول الأول: أن الرجع هن عائد على الماء، ثم هم اختلفوا هل هو رجع الماء إلى الإحليل، رجع الماء إلى الصلب، رجعه بمعنى ردِّه، ردِّ الماء فلا يخرج.
القول الثاني: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ﴾ أي الإنسان ﴿ لَقَادِرٌ ﴾.
وهذا القول يدل له قول الله -عز وجل-: ﴿ فَمَا لَهُ﴾ "ما له" مَن هو؟ الماء أو الإنسان؟
{الإنسان}.
فما دام هذا الضمير يعود إلى الإنسان، إذن الضمير الذي يسبقه يعود إلى نفس المرجع، فيكون: إنه على رجع الإنسان لقادر، فما للإنسان من قوة ولا ناصر، واضح؟ هذا أمر.
ومما يؤكد هذا: أن الآية جاءت لتستدل على أمر جاء القرآن به كثيرًا، وهو من قضايا الخصومة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- والمشركين.
إذا قلنا: "إنه على رجع الإنسان لقادر" هنا القضية التي اختصم فيها النبي مع المشركين وهي قضية البعث.
وهل سيكون أو لا يكون، وهل الله قادر عليه أو غير قادر -تعالى الله عما يقول المشركون علوًّا كبيرًا-
﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ ﴾ أي الإنسان، ﴿ لَقَادِرٌ ﴾، قادر سبحانه أن يرجعه.
ومما يؤكد ذلك ويدل عليه: السياق، وهو من أهم الأدلة التي نستدل بها على ترجيح قولٍ على قول، وعلى فهم الآية وفهم المعنى.
فالسياق في الآيات يدلُّ على أن المراد اليومَ الآخر.
رجوع الضمير على الإنسان وأن المراد ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ﴾ أي بعثه بعد موته لقادر.
{لأن الآيات سيقت مساق محاجَّة الإنسان على عناده؛ لأن الإنسان كافر
قال: ﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ معنى ﴿ تُبْلَى﴾ أي تُكشَف و تُختبَر ويُنظَر إليها كما قال الله -عز وجل- في سورة العاديات: ﴿ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾ [العاديات: 10]، أُخرِجَ وحُصِّلَ وفُحِصَ، ففي ذلك اليوم تُبلَى السرائر.
ويُميَّز بين ما هو في صالح الإنسان وما هو ضده، ما هو خير وما هو شر، ما هو إيمانٌ وما هو كفر، ما هو صدقٌ وما هو كذب، إلى آخره، ﴿ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾.
وهذه الآية ينبغي للمؤمن أن يخاف منها.
سيأتي علينا يوم تُختبَر فيه سرائرنا، تُختبَر فيه نيَّاتنا وما في قلوبنا، هذا شيء مهول، هذا شيء عظيم ينبغي علينا جميعًا أن ننتبه له.
ولذلك على المسلم أن يلزم طريق الصدق، يلزم طريق الصدق والوضوح وعدم النفاق والمواربة، وأن يقول بلسانه شيئًا لا يعتقده بقلبه، إلى آخره.
﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴿9﴾ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ ولَا نَاصِرٍ﴾، أي في ذلك اليوم ليس له من قوة يدفع بها عذاب الله -عز وجل-، ولا ناصرٌ من غيره يدفع عنه ما حلَّ به من البلاء، وهذا في غاية التهديد لبني الإنسان.
قال الله -عز وجل-: ﴿ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ ولَا نَاصِرٍ ﴿10﴾ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴿11﴾ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾، هذا الآن قسمٌ جديدٌ.
الأول: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ﴾.
وهذا: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ ﴿ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ ذات المطر المطر سُمِّيَ رجعًا لأنه يرجع مرةً بعد أخرى، المطر ما نزل مرَّة واحدة وانتهى، بل إنه يعود إلى الناس، ويعود بصفة الرجوع هو ينزل إلى الأرض ويجري في مجاريها يعني ينزل من جبالها وعلوها إلى سُفليها ثم يجتمع ثم يأوي إلى هذه البحيرات أو البحار ثم تتسلط عليه الشمس فيصعد مرة أخرى، ثم يعيده الله -عز وجل- إلى العباد في دورة لا تنتهي حتى يأذن الله -عز وجل- بانتهائها .
﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ هذا قسمٌ آخر بالأرض ذات الصدع أي ذات التشقق إذا نزل عليها المطر تشققت بالنبات لأن النبات يكون مغروسًا في جوفها فإذا نزلت عليه قطرات المطر شقَّ الأرض حتى خرج فوق ظهر الأرض.
مناسبة القسمٌ للقران :فالقرآن ينزل من السماء كنزول المطر من السماء وينزل على القلوب التي في أجواف العباد فمن القلوب ما ينتفع بهذا القرآن ويتشقق بالمنفعة، فيتذكر ويتعظ ويخشى.
ومن القلوب ما هو صلدٌ لا يعرف معروفًا، ولا يُنكر منكرًا، ولا يأبه لشيء، كما قال الله -عز وجل-: ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الحشر: 21]، يعني فقلوب هؤلاء العباد قاسية كالحجارة أو أشد قسوة.
ولهذا جاء بالقرآن هنا فقال: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ وهنا يأتي سؤال: "إنه" ضمير، وليس قبل هذا الضمير مفسِّر له يدلُّ عليه، ومع ذلك لم يختلف الناس في أن المراد به القرآن
و هذه عادة قرآنية وهي أن الضمير إذا لم يوجد له مفسر فإنه غالبًا يعود إلى القرآن.
مثلما في سورة القدر ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: 1]، ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ أنزلنا ماذا؟ ما جاء قبلها شيء يدل على أنه هو القرآن، ومع ذلك لم يختلف الناس في أن المراد به هو القرآن.
قال الله -عز وجل-: ﴿ إِنَّهُ﴾ أي القرآن ﴿ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ قولٌ يفصل بين الحق والباطل فالقرآن من أوله إلى آخره جاء للفصل لبيان الحق حتى فيما اختلف فيه بنو إسرائيل من كتابهم وأخبارهم جاء القرآن ليفصل بينهم، ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [النمل: 76].
فهو كتاب فاصل جاء بالحق الذي لا ريبَ فيه فإذا قال كلمة في شيء وجب أن يعود الناس إليه ولن تجد الحق في غيره.
عندما يقول الرب -سبحانه وتعالى- عن نفسه إنه على كل شيء قدير، وكان بكل شيء عليمًا، وبكل شيء بصيرًا، وغفورًا رحيمًا، هذه حقائق لا يجوز لأحد أن يُشك فيها.
إذا قال الله: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾، ﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ [العلق: 8]، هذه حقيقة يجب أن تؤمن بها، مجرد حدوث أدنى شك فيها هو تكذيب بهذه الآية.
﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾، فهو قول يفصل بين الحق والباطل، يفصل بين الكفر والإيمان، يفصل بين الصدق والكذب، يفصل بين الشك واليقين، ويدلك على الحق الذي لا مرية فيه.
﴿ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ ليس فيه شيء جيء به للترفيه والحكايات والأحاجي والألغاز والتسلية، كل ما فيه ليس هزلًا بل جدٌّ كما قال الله -عز وجل-: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: 5]، فهذا القرآن كله جد، جاء بالحق الذي لا هزلَ فيه، ولا مِريةَ فيه، ولا لعب فيه، ولا لهو فيه، ولا شك فيه، من أوله إلى آخره، ما من كلمة وُضِعت ولا آية أُنزلت إلا وقد جاءت بالحق البيِّن الذي لا مرية فيه -
﴿ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ ثم هدَّد هؤلاء المكذبين الذين يقولون أن محمدًا جاء بقرآن هو أساطير الأولين وبدأوا يصفون النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بأنه ساحر، وبأنه كاهن، وبأنه شاعر، وبدأوا يشككون في الحقائق التي جاء بها ﴿ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ [الجاثية: 32]
قال: ﴿ إِنَّهُمْ﴾ أي: هؤلاء الكفَّار ﴿ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ أي كيدًا عظيمًا لكن الله يردُّ على كيدهم بكيده، فيقول: ﴿ وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ ونكَّره ليعظِّمه وكيد الله خيرٌ من كيدهم ﴿ وَيمْكُرُونَ وَيمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30].
و نثبت صفة الكيد لله وصفة الكيد تكون مرادًا بها المدح فيراد بها المدح عندما يكون في مقابلة كيدٍ، يكون ممدوحًا مَن يكيد لمَن يكيد.
أما إن كانت صفة إثبات مطلق في كل وقت فهذه ليست مدحًا ولذلك ما جاءت في القرآن إلا على وجه المقابلة الاستهزاء، الخداع، المكر، الكيد، هذه الصفات جاءت في القرآن على وجه المقابلة.
﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: 142]، ﴿ وَيمْكُرُونَ وَيمْكُرُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: 30]، ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿14﴾ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة14، 15]، ﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف: 183].
فإن كانوا يكيدون كيدًا تجد أن كيدهم فيه خروم وثقوب، وفيه ثغرات ومشاكل، أما كيد الله فمُتْقَن، ودائمًا ما يكيد هؤلاء الكفار كيدًا فيعود كيدهم عليهم مرةً أخرى.
قال الله -عز وجل-: ﴿ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيدًا﴾ لا تستعجل عليهم -يا محمد- فإن الله -سبحانه وتعالى- ما يقدر وما يجعل هؤلاء يفعلون ما يفعلون إلا لأمر يريده، فعليك بالصبر والتريث وعدم الاستعجال، لا تستعجل لهم، مهّلهم، فسيأتي أمر الله -عز وجل- فيهم، أمر الله القدري بأن ينزل فيهم عقوبته وبأسه، وأمر الله الشرعي عندما يأذن لك بقتالهم، فتستأصلهم ولا تبقي منهم.
وقد أمهلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استجابةً لأمر الله، حتى إذا أذن الله له بالهجرة قال الله له: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: 39]. وقال ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: 190]
العلماء -رحمهم الله- عندهم خلاف في هذا على قولين:
- ﴿ عَلَى رَجْعِهِ﴾ رجع الإنسان.
- أو في هذه الآية ﴿ عَلَى رَجْعِهِ﴾ على رجع الماء.
أما إن قيل أنها على رجع الماء، فاختُلف فيه أيضًا:
- إنه على رجع الماء إلى الصلب، يعني أن الله لقادر على أن يرد الماء إلى الصلب.
- وقيل: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ﴾ أي رجع الماء إلى الإحليل الذي هو الذَّكر.
- وقيل: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ﴾، رجعه: بمعنى ردِّه، أي ردِّ الماء فلا يخرج.
وهذا معنًى غريب لكلمة الرجع.
هذا هو القول الأول: أن الرجع هن عائد على الماء، ثم هم اختلفوا هل هو رجع الماء إلى الإحليل، رجع الماء إلى الصلب، رجعه بمعنى ردِّه، ردِّ الماء فلا يخرج.
القول الثاني: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ﴾ أي الإنسان ﴿ لَقَادِرٌ ﴾.
وهذا القول يدل له قول الله -عز وجل-: ﴿ فَمَا لَهُ﴾ "ما له" مَن هو؟ الماء أو الإنسان؟
{الإنسان}.
فما دام هذا الضمير يعود إلى الإنسان، إذن الضمير الذي يسبقه يعود إلى نفس المرجع، فيكون: إنه على رجع الإنسان لقادر، فما للإنسان من قوة ولا ناصر، واضح؟ هذا أمر.
ومما يؤكد هذا: أن الآية جاءت لتستدل على أمر جاء القرآن به كثيرًا، وهو من قضايا الخصومة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- والمشركين.
إذا قلنا: "إنه على رجع الإنسان لقادر" هنا القضية التي اختصم فيها النبي مع المشركين وهي قضية البعث.
وهل سيكون أو لا يكون، وهل الله قادر عليه أو غير قادر -تعالى الله عما يقول المشركون علوًّا كبيرًا-
﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ ﴾ أي الإنسان، ﴿ لَقَادِرٌ ﴾، قادر سبحانه أن يرجعه.
ومما يؤكد ذلك ويدل عليه: السياق، وهو من أهم الأدلة التي نستدل بها على ترجيح قولٍ على قول، وعلى فهم الآية وفهم المعنى.
فالسياق في الآيات يدلُّ على أن المراد اليومَ الآخر.
رجوع الضمير على الإنسان وأن المراد ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ﴾ أي بعثه بعد موته لقادر.
{لأن الآيات سيقت مساق محاجَّة الإنسان على عناده؛ لأن الإنسان كافر
قال: ﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ معنى ﴿ تُبْلَى﴾ أي تُكشَف و تُختبَر ويُنظَر إليها كما قال الله -عز وجل- في سورة العاديات: ﴿ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾ [العاديات: 10]، أُخرِجَ وحُصِّلَ وفُحِصَ، ففي ذلك اليوم تُبلَى السرائر.
ويُميَّز بين ما هو في صالح الإنسان وما هو ضده، ما هو خير وما هو شر، ما هو إيمانٌ وما هو كفر، ما هو صدقٌ وما هو كذب، إلى آخره، ﴿ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾.
وهذه الآية ينبغي للمؤمن أن يخاف منها.
سيأتي علينا يوم تُختبَر فيه سرائرنا، تُختبَر فيه نيَّاتنا وما في قلوبنا، هذا شيء مهول، هذا شيء عظيم ينبغي علينا جميعًا أن ننتبه له.
ولذلك على المسلم أن يلزم طريق الصدق، يلزم طريق الصدق والوضوح وعدم النفاق والمواربة، وأن يقول بلسانه شيئًا لا يعتقده بقلبه، إلى آخره.
﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴿9﴾ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ ولَا نَاصِرٍ﴾، أي في ذلك اليوم ليس له من قوة يدفع بها عذاب الله -عز وجل-، ولا ناصرٌ من غيره يدفع عنه ما حلَّ به من البلاء، وهذا في غاية التهديد لبني الإنسان.
قال الله -عز وجل-: ﴿ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ ولَا نَاصِرٍ ﴿10﴾ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴿11﴾ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾، هذا الآن قسمٌ جديدٌ.
الأول: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ﴾.
وهذا: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ ﴿ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ ذات المطر المطر سُمِّيَ رجعًا لأنه يرجع مرةً بعد أخرى، المطر ما نزل مرَّة واحدة وانتهى، بل إنه يعود إلى الناس، ويعود بصفة الرجوع هو ينزل إلى الأرض ويجري في مجاريها يعني ينزل من جبالها وعلوها إلى سُفليها ثم يجتمع ثم يأوي إلى هذه البحيرات أو البحار ثم تتسلط عليه الشمس فيصعد مرة أخرى، ثم يعيده الله -عز وجل- إلى العباد في دورة لا تنتهي حتى يأذن الله -عز وجل- بانتهائها .
﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ هذا قسمٌ آخر بالأرض ذات الصدع أي ذات التشقق إذا نزل عليها المطر تشققت بالنبات لأن النبات يكون مغروسًا في جوفها فإذا نزلت عليه قطرات المطر شقَّ الأرض حتى خرج فوق ظهر الأرض.
مناسبة القسمٌ للقران :فالقرآن ينزل من السماء كنزول المطر من السماء وينزل على القلوب التي في أجواف العباد فمن القلوب ما ينتفع بهذا القرآن ويتشقق بالمنفعة، فيتذكر ويتعظ ويخشى.
ومن القلوب ما هو صلدٌ لا يعرف معروفًا، ولا يُنكر منكرًا، ولا يأبه لشيء، كما قال الله -عز وجل-: ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الحشر: 21]، يعني فقلوب هؤلاء العباد قاسية كالحجارة أو أشد قسوة.
ولهذا جاء بالقرآن هنا فقال: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ وهنا يأتي سؤال: "إنه" ضمير، وليس قبل هذا الضمير مفسِّر له يدلُّ عليه، ومع ذلك لم يختلف الناس في أن المراد به القرآن
و هذه عادة قرآنية وهي أن الضمير إذا لم يوجد له مفسر فإنه غالبًا يعود إلى القرآن.
مثلما في سورة القدر ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: 1]، ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ أنزلنا ماذا؟ ما جاء قبلها شيء يدل على أنه هو القرآن، ومع ذلك لم يختلف الناس في أن المراد به هو القرآن.
قال الله -عز وجل-: ﴿ إِنَّهُ﴾ أي القرآن ﴿ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ قولٌ يفصل بين الحق والباطل فالقرآن من أوله إلى آخره جاء للفصل لبيان الحق حتى فيما اختلف فيه بنو إسرائيل من كتابهم وأخبارهم جاء القرآن ليفصل بينهم، ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [النمل: 76].
فهو كتاب فاصل جاء بالحق الذي لا ريبَ فيه فإذا قال كلمة في شيء وجب أن يعود الناس إليه ولن تجد الحق في غيره.
عندما يقول الرب -سبحانه وتعالى- عن نفسه إنه على كل شيء قدير، وكان بكل شيء عليمًا، وبكل شيء بصيرًا، وغفورًا رحيمًا، هذه حقائق لا يجوز لأحد أن يُشك فيها.
إذا قال الله: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾، ﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ [العلق: 8]، هذه حقيقة يجب أن تؤمن بها، مجرد حدوث أدنى شك فيها هو تكذيب بهذه الآية.
﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾، فهو قول يفصل بين الحق والباطل، يفصل بين الكفر والإيمان، يفصل بين الصدق والكذب، يفصل بين الشك واليقين، ويدلك على الحق الذي لا مرية فيه.
﴿ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ ليس فيه شيء جيء به للترفيه والحكايات والأحاجي والألغاز والتسلية، كل ما فيه ليس هزلًا بل جدٌّ كما قال الله -عز وجل-: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: 5]، فهذا القرآن كله جد، جاء بالحق الذي لا هزلَ فيه، ولا مِريةَ فيه، ولا لعب فيه، ولا لهو فيه، ولا شك فيه، من أوله إلى آخره، ما من كلمة وُضِعت ولا آية أُنزلت إلا وقد جاءت بالحق البيِّن الذي لا مرية فيه -
﴿ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ ثم هدَّد هؤلاء المكذبين الذين يقولون أن محمدًا جاء بقرآن هو أساطير الأولين وبدأوا يصفون النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بأنه ساحر، وبأنه كاهن، وبأنه شاعر، وبدأوا يشككون في الحقائق التي جاء بها ﴿ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ [الجاثية: 32]
قال: ﴿ إِنَّهُمْ﴾ أي: هؤلاء الكفَّار ﴿ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ أي كيدًا عظيمًا لكن الله يردُّ على كيدهم بكيده، فيقول: ﴿ وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ ونكَّره ليعظِّمه وكيد الله خيرٌ من كيدهم ﴿ وَيمْكُرُونَ وَيمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30].
و نثبت صفة الكيد لله وصفة الكيد تكون مرادًا بها المدح فيراد بها المدح عندما يكون في مقابلة كيدٍ، يكون ممدوحًا مَن يكيد لمَن يكيد.
أما إن كانت صفة إثبات مطلق في كل وقت فهذه ليست مدحًا ولذلك ما جاءت في القرآن إلا على وجه المقابلة الاستهزاء، الخداع، المكر، الكيد، هذه الصفات جاءت في القرآن على وجه المقابلة.
﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: 142]، ﴿ وَيمْكُرُونَ وَيمْكُرُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: 30]، ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿14﴾ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة14، 15]، ﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف: 183].
فإن كانوا يكيدون كيدًا تجد أن كيدهم فيه خروم وثقوب، وفيه ثغرات ومشاكل، أما كيد الله فمُتْقَن، ودائمًا ما يكيد هؤلاء الكفار كيدًا فيعود كيدهم عليهم مرةً أخرى.
قال الله -عز وجل-: ﴿ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيدًا﴾ لا تستعجل عليهم -يا محمد- فإن الله -سبحانه وتعالى- ما يقدر وما يجعل هؤلاء يفعلون ما يفعلون إلا لأمر يريده، فعليك بالصبر والتريث وعدم الاستعجال، لا تستعجل لهم، مهّلهم، فسيأتي أمر الله -عز وجل- فيهم، أمر الله القدري بأن ينزل فيهم عقوبته وبأسه، وأمر الله الشرعي عندما يأذن لك بقتالهم، فتستأصلهم ولا تبقي منهم.
وقد أمهلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استجابةً لأمر الله، حتى إذا أذن الله له بالهجرة قال الله له: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: 39]. وقال ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: 190]
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع