ابن عامر الشامي
وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
- إنضم
- 20 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 10,237
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المملكة المغربية
- احفظ من كتاب الله
- بين الدفتين
- احب القراءة برواية
- رواية حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- سعود الشريم
- الجنس
- اخ
أثر القراءات الشاذة في علم التفسير:
سبق أن ذكرنا من قبل في أنواع القراءات أنها تنقسم إلى قراءات متواترة، وشاذة، ومردودة، أما الأخيرة فلا يعول إليها بأي حال من الأحوال، أما الأولى فالمعنى التفسيري الناتج عن اختلافها إنما هو من باب تفسير القرآن بالقرآن، والمقصود هنا بيان أثر التفسير الناتج من القراءات الشاذة، فهذا إن لم يكن من باب تفسير (القرآن بالقرآن لعدم الجزم بقرآنيته، فلا أقل من أن يكون من باب تفسير القرآن بقول النبي عليه الصلاة والسلام، أو على أدنى أحواله أن يكون من نوع تفسير القرآن بقول الصحابي، وإليه ذهب أكثر الفقهاء والمفسرين.
يقول ابن جني مبينًا هذا النوع من القراءات: (وضرب تعدى ذلك فسماه أهل زماننا شاذًا، أي خارجًا عن قراءة القراء السبعة المقدم ذكرها، إلا أنه مع خروجه عنها نازع بالثقة إلى قرائه محفوف بالروايات من أمامه وورائه، ولعله أو كثير منه مساو في الفصاحة للمجتمع عليه. .) .
وقد أدرك المفسرون قديمًا وحديثًا أثر القراءات سواء كانت متواترة أم شاذة في بيان معان جديدة للآيات القرآنية فهذا ابن عباس يبين أثر القراءة الشاذة في بيان معنى جديد للآية في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَْرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا. .} [البقرة: 61] ففسر ((فومها)) بالحنطة، وهي القراءة المتواترة .
كما فسرها بالثوم على قراءة ابن مسعود، وهي شاذة قال: هو هذا المنتن (يعني الثوم) وبهذا نعلم أن المفسرين تعاملوا مع القراءات وكأنها آيات مستقلة من حيث دلالاتها على المعاني .
ونستطيع أن نقرر في ضوء ذلك أن من حكم وجود القراءات إثراء المعاني اللغوية إضافة إلى الحكم السابق ذكرها، فيكون للقراءات أثرها الكبير في اختلاف المعنى. ونظرًا لعظم الموضوع وتشعبه يمكن الاقتصار على نماذج من أثر القراءات الشاذة في التفسير تتناول الموضوعات التالية:
1- القراءات الشاذة التي بينت معنى الآية.
2- القراءات الشاذة التي وسعت معنى الآية.
3- القراءات الشاذة التي أزالت الإشكال.
القراءة التي بينت معنى الآية:
النموذج الأول:
قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ. .} [البقرة: 88]، قرأها عامة القراء العشرة ((غلف)) بإسكان اللام، وقرأها ابن عباس والأعرج وابن محيصن بضم اللام ((غلف)) وهي قراءة شاذة .
معنى القراءتين: المتواترة: تعني أن قلوبهم مستورة عن الفهم والتمييز ومعنى القراءة الشاذة ((غلف)) جمع غلاف مثل خمر جمع خمار، والمعنى يحتمل الوجوه التالية
1- أنها أوعية للعلم أقاموا العلم مقام شئ مجسد وجعلوا الموانع التي تمنعهم غلفا له ليستدل بالمحسوس على المعقول.
2- إنها أوعية للعلم تعي ما تخاطب به لكنها لا تفقه ما تحدث به.
3- أنها أوعية مملوءة علمًا.
4- أنها أوعية خالية كالغلاف الخالي لا شئ فيها.
وبالتالي نجد أن القراءة الشاذة بينت ما يتذرعون به من الحجج في عدم قبولهم دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، وبذلك نجدها أنها بينت حال قلوبهم .
النموذج الثاني:
قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ. . .} [البقرة: 184]، قرأها عامة القراء العشرة ((يطيقونه)) بضم الياء وتخفيف الطاء .
وقرأها ابن عباس في المشهور عنه ((يطوقونه)) بضم الياء وتخفيف الطاء و واو مفتوحة مشددة، مبنيًا للمفعول: أي يكلفونه.
وقرأها كل من عائشة ومجاهد وطاووس ((يطوقونه)) وأصله يتطوقون أي يتكلفون.
وقرأ ابن عباس وعكرمة ومجاهد: ((يطيقونه)) .
معنى القراءات:
المتواترة معناها القادر على الصوم له أن يترك الصوم إلى الفدية ولا يلزمه القضاء، وهي على هذا منسوخة
ومعنى القراءة الشاذة، أن الذي يتكلف الصوم ويكون له كالطوق في عنقه له أن يتركه إلى الفدية ولا يلزمه القضاء وهي على الشيخ الكبير وكذا العجوز والمرضع والحامل ، واختلف العلماء في هذه القراءة فمنهم من أثبتها قرآنًا ومنهم من أثبتها تفسيرًا له وبيانًا يقول القرطبي ((يطوقونه)) ليست من القرآن خلافًا لمن أثبتها قرآنًا وإنما هي قراءة على التفسير) وقال أبو حيان ردًا عليه: (قال بعض الناس: هو تفسير لا قراءة خلافًا لمن أثبتها قراءة)
لكننا نجد أنّ ابن جني والعكبري أثبتاها ضمن القراءات الشاذة ، فأما ابن جرير الطبري فقد رد القراءة الشاذة وأثبت القراءة المتواترة مستدلاً بأنها قراءة الكافة وعليها مصاحفهم
القراءات الشاذة التي وسعت معنى الآية:
النموذج الأول:
قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196].
القراءة المتواترة: بنصب العمرة أفادت مجرد الأمر بإتمامها بعد الشروع فيهما لله.
القراءة الشاذة: برفع العمرة أفادت الأمر بإتمام الحج ثم استأنفت بكلام جديد أن العمرة لله ليفيد مزيد الاهتمام بالعمرة وأنها لا تكون إلا لله، وفيه زيادة المحافظة عليها
ومن القراءات الشاذة ((أقيموا الحج والعمرة لله))، وقرئ ((أقيموا الحج والعمرة إلى البيت لله)).
فالأولى: أفادت الإدامة على فعلهما والمحافظة عليهما.
والثانية: أفادت التنصيص على قصد بيت الله الحرام بالحج والعمرة لا إلى غيرهما
قال أبو حبان بعد إيراده القراءات الشاذة السابقة: (وينبغي أن يحمل هذا كله على التفسير لأنه مخالف لسواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون)
ويظهر من القراءات الشاذة كيف أنها وسعت معاني الآية وعددت منه.
قوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ. . .} [البقرة: 282].
قرأ عامة القراء العشر: ((كاتبًا)).
وقرأ ابن عباس والحسن ((كتابًا)) بضم الكاف وتشديد الفاء بعدها ألف [25، ج2، ص355].
وقرأ أبي ابن كعب ومجاهد وأبو العالية ((كتبًا)) بكسر الكاف وفتح التاء المخففة.
فكانت القراءات الشاذة في هذه الكلمة على النحو التالي:
(1) ((كُتابًا)) على الجمع. (2) ((كتبًا)) بدون ألف على الجمع أيضًا.
(3) ((كتابًا)) أي ما يكتبون. (4) ((كتبًا)) أي على الجمع .
وسعت القراءة الشاذة معنى الآية فدلت على أن الرهن يكون لفقد الكتابة قال أبو حبان: (نفي الكاتب يقتضي نفي الكتابة ونفي الكتابة يقتضي أيضًا نفي الكتب
وأورد ابن جرير الطبري قول ابن عباس في الآية، قال: (قد يوجد الكاتب ولا يوجد القلم ولا الدواة ولا الصحيفة، والكتاب يجمع ذلك كله، قال: وكذلك كانت قراءة أبي بن كعب) . فتأمل كيف أن القراءات وسعت معاني الآية الكريمة.
النموذج الثاني:
قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16 قوله "أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا" فيها أربع قراءات: متواترتان وشاذتان:
قرأ يعقوب بمد الهمزة مع التخفيف ((آمرنا)) وقرأ باقي العشرة بدون مد وبفتح الميم ((أمَرنا)) فهاتان قراءتان متواترتان.
وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر بكسر الميم مع تخفيفها ((أمِرنا)) وقرأ ابن عباس وأبو العالية وغيرهما بتشديد الميم ((أمّرنا)) وهاتان قراءتان شاذتان.
معاني القراءات:
((آمرنا مترفيها)) بمعنى كثرنا مترفيها.
((أمرنا مترفيها)) قيل معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا وقيل كثرنا مترفيها وقيل معناه سلطنا مترفيها بالأمارة
أما قراءة ((أمِرنا)) من أمِر القوم إذا كثروا وقد أمرهم الله أي كثرهم
أما قراءة ((أمّرنا)) ففيها قولان: الأول: كثرنا، الثاني: ولينا مترفيها وصيرناهم أمراء
ويتبين لنا من خلال عرض هذه القراءات متواترها وشاذها وبيان معانيها أن القراءات كيف وسعت معاني الآية الكريمة وبه يتبين أثر القراءات في توسيع معاني الآية.
القراءات الشاذة التي أزالت الإشكال:
النموذج الأول:
قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآْخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ. . .} [الأعراف: 156].
قرأ عامة القراء العشرة "أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ" وقرأ الحسن وزيد بن علي وطاووس ((أصيب به من أساء))
أفادت القراءة المتواترة أن الله يصيب بعذابه من يشاء ولا يملك أحد أن يرد ما أراد الله فهو تعالى عدل لا يظلم أحدًا، ولغير الراسخين وغير المتأملين يقع منهم من أول وهلة أن عذاب الله يصيب به من يشاء من عباد الله أساء أم لم يسئ وهذا إذا كان بالنظر المجرد إليها دون النصوص الأخرى فتأتي القراءة الشاذة لتزيل هذا الإبهام وتدفعه وبهذا يتضح من القراءتين أن عذاب الله يصيب من يشاء من عباده من أساء منهم
وقد ذكر الإمام الرازي أن الإمام الشافعي اختار هذه القراءة الشاذة
النموذج الثاني:
قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاََّّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60] قرأ عامة القراء العشرة "أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ"، وقرأ ابن مسعود وابن عباس ((أن يضعن جلابيبهن)) .
ففي القراءة المتواترة: الثياب اسم عام يشمل كل ما يلبس ويقصد به هنا ما تلبسه المرأة فوق ملابسها بحضرة الأجانب.
أما القراءة الشاذة فبينت المعنى المراد من الثياب وهو الجلباب المشتمل على الجسد مما يلبس فوق الثياب كالملحفة.
فكان في القراءة الشاذة دفع الإشكال المتوهم من القراءة المتواترة في المقصود من الثياب
النموذج الثالث:
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9] قرأ عامة العشرة "فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ"، وقرأ عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبي وابن عمر وابن عباس وغيرهم ((فامضوا)) .
معنى القراءتين:
المتواترة ظاهرها السعي الذي يتمثل فيه الخفة والسرعة، وهذا فيه إيهام بالسعي جاءت الشاذة فأزالت هذا الإيهام وبينت أن المراد من السعي هو السعي القلبي الذي يدل على الاهتمام والإقبال عليها حتى لا تفوتهم [ وإنما إذا أرادوا الصلاة بعد سماع النداء أن يمشوا بسكينة ووقار وهذا الذي فهمه السلف وعملوا به انطلاقًا من قوله عليه الصلاة والسلام "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" .
وقد أشار القرطبي وأبو حيان بأن هذه القراءة الشاذة تحمل على أنها قراءة تفسيرية .
وبهذا يتبين أن القراءة الشاذة أزالت الإشكال ورفعت التوهم الوارد في القراءة المتواترة لأن المضي ليس من مدلوله السرعة.
منقول
سبق أن ذكرنا من قبل في أنواع القراءات أنها تنقسم إلى قراءات متواترة، وشاذة، ومردودة، أما الأخيرة فلا يعول إليها بأي حال من الأحوال، أما الأولى فالمعنى التفسيري الناتج عن اختلافها إنما هو من باب تفسير القرآن بالقرآن، والمقصود هنا بيان أثر التفسير الناتج من القراءات الشاذة، فهذا إن لم يكن من باب تفسير (القرآن بالقرآن لعدم الجزم بقرآنيته، فلا أقل من أن يكون من باب تفسير القرآن بقول النبي عليه الصلاة والسلام، أو على أدنى أحواله أن يكون من نوع تفسير القرآن بقول الصحابي، وإليه ذهب أكثر الفقهاء والمفسرين.
يقول ابن جني مبينًا هذا النوع من القراءات: (وضرب تعدى ذلك فسماه أهل زماننا شاذًا، أي خارجًا عن قراءة القراء السبعة المقدم ذكرها، إلا أنه مع خروجه عنها نازع بالثقة إلى قرائه محفوف بالروايات من أمامه وورائه، ولعله أو كثير منه مساو في الفصاحة للمجتمع عليه. .) .
وقد أدرك المفسرون قديمًا وحديثًا أثر القراءات سواء كانت متواترة أم شاذة في بيان معان جديدة للآيات القرآنية فهذا ابن عباس يبين أثر القراءة الشاذة في بيان معنى جديد للآية في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَْرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا. .} [البقرة: 61] ففسر ((فومها)) بالحنطة، وهي القراءة المتواترة .
كما فسرها بالثوم على قراءة ابن مسعود، وهي شاذة قال: هو هذا المنتن (يعني الثوم) وبهذا نعلم أن المفسرين تعاملوا مع القراءات وكأنها آيات مستقلة من حيث دلالاتها على المعاني .
ونستطيع أن نقرر في ضوء ذلك أن من حكم وجود القراءات إثراء المعاني اللغوية إضافة إلى الحكم السابق ذكرها، فيكون للقراءات أثرها الكبير في اختلاف المعنى. ونظرًا لعظم الموضوع وتشعبه يمكن الاقتصار على نماذج من أثر القراءات الشاذة في التفسير تتناول الموضوعات التالية:
1- القراءات الشاذة التي بينت معنى الآية.
2- القراءات الشاذة التي وسعت معنى الآية.
3- القراءات الشاذة التي أزالت الإشكال.
القراءة التي بينت معنى الآية:
النموذج الأول:
قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ. .} [البقرة: 88]، قرأها عامة القراء العشرة ((غلف)) بإسكان اللام، وقرأها ابن عباس والأعرج وابن محيصن بضم اللام ((غلف)) وهي قراءة شاذة .
معنى القراءتين: المتواترة: تعني أن قلوبهم مستورة عن الفهم والتمييز ومعنى القراءة الشاذة ((غلف)) جمع غلاف مثل خمر جمع خمار، والمعنى يحتمل الوجوه التالية
1- أنها أوعية للعلم أقاموا العلم مقام شئ مجسد وجعلوا الموانع التي تمنعهم غلفا له ليستدل بالمحسوس على المعقول.
2- إنها أوعية للعلم تعي ما تخاطب به لكنها لا تفقه ما تحدث به.
3- أنها أوعية مملوءة علمًا.
4- أنها أوعية خالية كالغلاف الخالي لا شئ فيها.
وبالتالي نجد أن القراءة الشاذة بينت ما يتذرعون به من الحجج في عدم قبولهم دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، وبذلك نجدها أنها بينت حال قلوبهم .
النموذج الثاني:
قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ. . .} [البقرة: 184]، قرأها عامة القراء العشرة ((يطيقونه)) بضم الياء وتخفيف الطاء .
وقرأها ابن عباس في المشهور عنه ((يطوقونه)) بضم الياء وتخفيف الطاء و واو مفتوحة مشددة، مبنيًا للمفعول: أي يكلفونه.
وقرأها كل من عائشة ومجاهد وطاووس ((يطوقونه)) وأصله يتطوقون أي يتكلفون.
وقرأ ابن عباس وعكرمة ومجاهد: ((يطيقونه)) .
معنى القراءات:
المتواترة معناها القادر على الصوم له أن يترك الصوم إلى الفدية ولا يلزمه القضاء، وهي على هذا منسوخة
ومعنى القراءة الشاذة، أن الذي يتكلف الصوم ويكون له كالطوق في عنقه له أن يتركه إلى الفدية ولا يلزمه القضاء وهي على الشيخ الكبير وكذا العجوز والمرضع والحامل ، واختلف العلماء في هذه القراءة فمنهم من أثبتها قرآنًا ومنهم من أثبتها تفسيرًا له وبيانًا يقول القرطبي ((يطوقونه)) ليست من القرآن خلافًا لمن أثبتها قرآنًا وإنما هي قراءة على التفسير) وقال أبو حيان ردًا عليه: (قال بعض الناس: هو تفسير لا قراءة خلافًا لمن أثبتها قراءة)
لكننا نجد أنّ ابن جني والعكبري أثبتاها ضمن القراءات الشاذة ، فأما ابن جرير الطبري فقد رد القراءة الشاذة وأثبت القراءة المتواترة مستدلاً بأنها قراءة الكافة وعليها مصاحفهم
القراءات الشاذة التي وسعت معنى الآية:
النموذج الأول:
قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196].
القراءة المتواترة: بنصب العمرة أفادت مجرد الأمر بإتمامها بعد الشروع فيهما لله.
القراءة الشاذة: برفع العمرة أفادت الأمر بإتمام الحج ثم استأنفت بكلام جديد أن العمرة لله ليفيد مزيد الاهتمام بالعمرة وأنها لا تكون إلا لله، وفيه زيادة المحافظة عليها
ومن القراءات الشاذة ((أقيموا الحج والعمرة لله))، وقرئ ((أقيموا الحج والعمرة إلى البيت لله)).
فالأولى: أفادت الإدامة على فعلهما والمحافظة عليهما.
والثانية: أفادت التنصيص على قصد بيت الله الحرام بالحج والعمرة لا إلى غيرهما
قال أبو حبان بعد إيراده القراءات الشاذة السابقة: (وينبغي أن يحمل هذا كله على التفسير لأنه مخالف لسواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون)
ويظهر من القراءات الشاذة كيف أنها وسعت معاني الآية وعددت منه.
قوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ. . .} [البقرة: 282].
قرأ عامة القراء العشر: ((كاتبًا)).
وقرأ ابن عباس والحسن ((كتابًا)) بضم الكاف وتشديد الفاء بعدها ألف [25، ج2، ص355].
وقرأ أبي ابن كعب ومجاهد وأبو العالية ((كتبًا)) بكسر الكاف وفتح التاء المخففة.
فكانت القراءات الشاذة في هذه الكلمة على النحو التالي:
(1) ((كُتابًا)) على الجمع. (2) ((كتبًا)) بدون ألف على الجمع أيضًا.
(3) ((كتابًا)) أي ما يكتبون. (4) ((كتبًا)) أي على الجمع .
وسعت القراءة الشاذة معنى الآية فدلت على أن الرهن يكون لفقد الكتابة قال أبو حبان: (نفي الكاتب يقتضي نفي الكتابة ونفي الكتابة يقتضي أيضًا نفي الكتب
وأورد ابن جرير الطبري قول ابن عباس في الآية، قال: (قد يوجد الكاتب ولا يوجد القلم ولا الدواة ولا الصحيفة، والكتاب يجمع ذلك كله، قال: وكذلك كانت قراءة أبي بن كعب) . فتأمل كيف أن القراءات وسعت معاني الآية الكريمة.
النموذج الثاني:
قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16 قوله "أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا" فيها أربع قراءات: متواترتان وشاذتان:
قرأ يعقوب بمد الهمزة مع التخفيف ((آمرنا)) وقرأ باقي العشرة بدون مد وبفتح الميم ((أمَرنا)) فهاتان قراءتان متواترتان.
وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر بكسر الميم مع تخفيفها ((أمِرنا)) وقرأ ابن عباس وأبو العالية وغيرهما بتشديد الميم ((أمّرنا)) وهاتان قراءتان شاذتان.
معاني القراءات:
((آمرنا مترفيها)) بمعنى كثرنا مترفيها.
((أمرنا مترفيها)) قيل معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا وقيل كثرنا مترفيها وقيل معناه سلطنا مترفيها بالأمارة
أما قراءة ((أمِرنا)) من أمِر القوم إذا كثروا وقد أمرهم الله أي كثرهم
أما قراءة ((أمّرنا)) ففيها قولان: الأول: كثرنا، الثاني: ولينا مترفيها وصيرناهم أمراء
ويتبين لنا من خلال عرض هذه القراءات متواترها وشاذها وبيان معانيها أن القراءات كيف وسعت معاني الآية الكريمة وبه يتبين أثر القراءات في توسيع معاني الآية.
القراءات الشاذة التي أزالت الإشكال:
النموذج الأول:
قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآْخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ. . .} [الأعراف: 156].
قرأ عامة القراء العشرة "أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ" وقرأ الحسن وزيد بن علي وطاووس ((أصيب به من أساء))
أفادت القراءة المتواترة أن الله يصيب بعذابه من يشاء ولا يملك أحد أن يرد ما أراد الله فهو تعالى عدل لا يظلم أحدًا، ولغير الراسخين وغير المتأملين يقع منهم من أول وهلة أن عذاب الله يصيب به من يشاء من عباد الله أساء أم لم يسئ وهذا إذا كان بالنظر المجرد إليها دون النصوص الأخرى فتأتي القراءة الشاذة لتزيل هذا الإبهام وتدفعه وبهذا يتضح من القراءتين أن عذاب الله يصيب من يشاء من عباده من أساء منهم
وقد ذكر الإمام الرازي أن الإمام الشافعي اختار هذه القراءة الشاذة
النموذج الثاني:
قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاََّّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60] قرأ عامة القراء العشرة "أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ"، وقرأ ابن مسعود وابن عباس ((أن يضعن جلابيبهن)) .
ففي القراءة المتواترة: الثياب اسم عام يشمل كل ما يلبس ويقصد به هنا ما تلبسه المرأة فوق ملابسها بحضرة الأجانب.
أما القراءة الشاذة فبينت المعنى المراد من الثياب وهو الجلباب المشتمل على الجسد مما يلبس فوق الثياب كالملحفة.
فكان في القراءة الشاذة دفع الإشكال المتوهم من القراءة المتواترة في المقصود من الثياب
النموذج الثالث:
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9] قرأ عامة العشرة "فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ"، وقرأ عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبي وابن عمر وابن عباس وغيرهم ((فامضوا)) .
معنى القراءتين:
المتواترة ظاهرها السعي الذي يتمثل فيه الخفة والسرعة، وهذا فيه إيهام بالسعي جاءت الشاذة فأزالت هذا الإيهام وبينت أن المراد من السعي هو السعي القلبي الذي يدل على الاهتمام والإقبال عليها حتى لا تفوتهم [ وإنما إذا أرادوا الصلاة بعد سماع النداء أن يمشوا بسكينة ووقار وهذا الذي فهمه السلف وعملوا به انطلاقًا من قوله عليه الصلاة والسلام "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" .
وقد أشار القرطبي وأبو حيان بأن هذه القراءة الشاذة تحمل على أنها قراءة تفسيرية .
وبهذا يتبين أن القراءة الشاذة أزالت الإشكال ورفعت التوهم الوارد في القراءة المتواترة لأن المضي ليس من مدلوله السرعة.
منقول
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع