ابن عامر الشامي
وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
- إنضم
- 20 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 10,237
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المملكة المغربية
- احفظ من كتاب الله
- بين الدفتين
- احب القراءة برواية
- رواية حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- سعود الشريم
- الجنس
- اخ
ترجمة الإمام أبو عبد الله الصفار
يعتبر أبو عبد الله الصفار أحد الثمار اليانعة الزكية التي أنجبتها المدرسة المغربية في عهد التأسيس، كما يعتبر ملتقى لعديد من المؤثرات الفنية التي شهدتها الساحة العلمية في الحواضر المغربية في الثلث الأول من المائة الثامنة عهد الازدهار والقوة، لا في القراءات وحدها، ولكن في عامة الفروع العلمية الأخرى، وذلك قبل أن تداهمها النكبة المريعة التي تعرض لها الأسطول المغربي العائد من تونس على عهد أبي الحسن المريني في ثامن ذي العقدة الحرام سنة 749هـ كما سبق الحديث عنها، هذه النكبة التي أودت بحياة النخبة الماجدة والصفوة المختارة من علماء العصر بالمغرب، فكان وجود أبي عبد الله الصفار لهذا العهد خير عوض عمن ذهب من أولئك الأعلام، وخاصة من أصحاب أبي الحسن بن سليمان وفي طليعتهم صناجة العصر الآنف الذكر أبو العباس أحمد بن علي الزواوي، ممن كانوا بعد أبي الحسن شيخ الجماعة وزعيم المدرسة بفاس، يتزعمون قيادة الحركة العلمية، ويتفيأون ظلال الرعاية من دولة أبي الحسن يعسوب هذه الدولة، في جهاز رسمي منظم ينتظم أكابر أهل هذا الشأن في كل فرع من فروع علوم الرواية والدراية والمعقول والمنقول، فكان كما وصفه أخص أصحابه به أبو عبد الله القيسي الضرير في قوله:
" كان إذا ما حرك اللسانا بالذكر يشفي ذا الضنا الحيرانا"[1]
فمن هو الصفار؟ ومن أي أفق طلع؟
تــرجـمـتـه:
تعرض نسب الصفار في كثير من المصادر المخطوطة والمطبوعة للبتر والتحريف سواء في تسلسله أم في نسبته، ثم امتد ذلك إلى وضع اسمه في غير زمنه.
فأما الذين اختصروا في نسبه فكانوا أقرب إلى السلامة حين ذكروه بإسم "محمد بن الصفار" كما فعل إبن خلدون، وابن قنفذ، والونشريسي، وابن القاضي([2]).
وأما من تعرضوا لتسمية آبائه فقالوا فيه "محمد بن ابراهيم الصفار "كما في نيل الابتهاج والسلوة والإعلام وغيرها([3]).
والصحيح في ترتيب نسبه أنه "محمد بن محمد بن ابراهيم بن محمد بن أبي بكر التينملي الشهير بالصفار" وبهذا الترتيب وهذه النسبة ذكره العلامة أبو زكريا السراج في مواضع من فهرسته([4]).
وقد تحرف إسم أبيه في طائفة كبيرة من النسخ المخطوطة لقصيدته "تحفة الأليف" فذكر في ديباجتها باسم "محمد بن عمر بن ابراهيم"، الأمر الذي توهم معه بعضهم أنه مقرئ آخر غير الصفار([5]).
وبه أيضا ورد في ديباجة إحدى نسخها التي عرف بها بعض الباحثين فقال: لمحمد بن عمر التنملي الشهير بالمصمودي"([6]).
والنسبة الأخيرة "المصمودي" ترفع إشكالا حول نسبته المعهودة "التينملي"، فقد جاءت في كثير من النسخ بلفظ "التملي"، وقد عرف به العلامة محمد المختار السوسي بين مجموعة من العلماء يحملون هذه النسبة([7]) في حين نجد في كثير من المخطوطات اضطرابا في لفظها بين "التميليي" و "التمليلي".
بينما الصحيح في ذلك ما أثبتناه سابقا عن السراج أنه "التينملي([8]) نسبة إلى القرية التي ينتمي إليها مهدي الموحدين وداعيتهم محمد بن تومرت بالأطلس الكبير في الجنوب الشرقي من مراكش، ومن هنا جاء نعته ب "المصمودي"، وربما كان مشهورا بها، وأكثر المصادر تنسبه فتقول "المراكشي"([9]) أو من أهل مراكش([10])، وهي نسبة تنظر إلى مكان استقراره ونزوله قبل أن يلتحق بفاس التي سينسبه بعضهم إليها([11]).
نشأته وتنقلاته العلمية:
لا مطمع لنا في التعرف على ظروف نشأته ومكانها لقلة الحفل في المصادر التي وصلتنا بهذا الشأن، وكل ما يمكننا أن نتوقعه هو أن يكون قد ولد في قريته "تينملل" ببلاد مصمودة، وحفظ بها القراءن على العادة في أخذ الناشئة به أول عهدهم بالتعليم، ثم انتقل إلى مراكش حيث تلقى تعليمه الأولي في مبادئ العربية واستكمل ثقافته القرءانية بأخذ القراءات عن علمائها ومن كان يغشاها من الواردين عليها من أمثال أبي عبد الله بن رشيد السبتي كما سيأتي في مشيخته، والشيخ ابن محرز الآتي الذي يصفه ب "نزيل آسفي"، والذي سيأتي لنا أنه قد رحل إليه إلى المدينة المذكورة، وربما كانت رحلته الأولى إلى فاس في العشرة الثالثة من المائة الثامنة ليأخذ بها عن جمع العلماء وخاصة عن شيخ الجماعة أبي الحسن بن سليمان (ت730)، وربما أيضا عن أبي عبد الله بن رشيد قبل وفاته سنة (721هـ) الذي سيذكر في أنه حدثه بالقراءات مناولة - يعني من كتاب التيسير- كما يدل على ذلك السند منه إلى أبي عمرو الداني مؤلفه.
ولعل أبا عبد الله الصفار قد عاد إلى مراكش قبل موت أبي الحسن بن سليمان واشتغل بالتدريس والتأليف، لأننا نجده قد ألف أهم كتبه في قراءة نافع أي كتاب "الزهر اليانع" قبل أن يشد الرحال مرة أخرى إلى فاس ليأخذ عن الشيخ الراوية أبي عبد الله محمد بن جابر بن حسان القيسي الوادي آشي (ت749هـ) بتونس، والذي كانت له إلى المشرق رحلتان إحداهما في حدود سنة 720، والثانية في حدود سنة 734 كما ذكره ابن حجر([12]) وقد دخل بعد رجوعه من رحلته الثانية الجزائر والمغرب الأقصى والأندلس وأخذ عنه جماعة من أهلها([13]).
وكان أبو عبد الله الصفار من بين من أخذوا عنه في تاريخ لم نقف على تعيينه، إلا أنه يقع بعد تأليفه لكتاب "الزهر اليانع" لأنه يقول فيه عند ذكر أسانيده للقراءات: "وبعد تصنيفي لهذا الكتاب حدثني بها سماعا من لفظه شيخنا مجاور الحرمين أبو عبد الله محمد بن جابر بن محمد القيسي الوادي آشي([14]).
ولا نستبعد أن يكون قد حظي بفاس في أيام أبي الحسن المريني في جملة من كان في حاشيته من علماء هذا الشأن، إلا أن نجمه لم يتألق بفاس إلا في زمن أبي عنان أي ابتداء من أواخر سنة 749 زمن جلوسه على عرش المملكة المرينية، وقد ذكر ابن خلدون عن أبي عنان في حديثه عن استثباب الأمر له وتمهيده للمغرب الأوسط أنه "لما انصرم الشتاء من أواخر أربع وخمسين –يعني وسبعمائة- وعاد السلطان أبو عنان إلى فاس وجمع أهل العلم للتحليق بمجلسه..قال: "فقدمت عليه سنة خمس وخمسين..وكان في جملته يومئذ الأستاذ أبو عبد الله محمد بن الصفار من أهل مراكش، وإمام القراء لوقته...وكان يعارض السلطان القرءان برواياته السبع إلى أن توفي"([15]).
وذكر في نيل الابتهاج أن أبا عنان "أحضره أخيرا عنده، فكان يعارضه القراءن، وهو الذي غسله لما مات - يعني لما مات أبو عنان - قال: "وتوفي بعده سنة إحدى وستين يعني وسبعمائة([16]).
وكانت وفاة أبي عنان سنة 759هـ([17])، ومعناه أن المترجم قد قضى في صحبة أبي عنان نحوا من خمس سنوات كان فيها زعيم هذا الفن في قاعدة البلاد، إلا أن الأجل لم يمهله طويلا، بل مات عن قريب من وفاة السلطان تاركا بعده من أصحابه من حملوا عنه مذاهبه واعتنوا بتراثه العلمي ونقلوه إلى من بعدهم من الأجيال.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) نقله أبو عبد الله بن غازي في "إرشاد اللبيب إلى مقاصد حديث الحبيب" 276.
([2]) تاريخ ابن خلدون 7/700 والتعريف بابن خلدون 60-61 وشرف الطالب لابن قنفذ 82 والوفيات للونشريسي 124 ولقط الفرائد لابن القاضي 211 والمصادر الثلاثة الأخيرة ضمن "ألف سنة من الوفيات".
([3]) نيل الابتهاج 254 وسلوة الأنفاس 3/276 والإعلام للمراكشي 4/410.
([4]) يمكن الرجوع منها إلى ترجمة أبي عبد الله محمد بن سليمان القيسي م خ ح رقم 10929 اللوحة 361.
([5]) الإشارة إلى الأستاذ سعيد أعراب في كتابه "القراء والقراءات بالمغرب" حيث ترجم له في قراء العصر المريني باسم محمد بن إبراهيم الصفار المراكشي ص 62، بينما ترجم في قراء العصر السعدي لفارئ سماه محمد بن عمر التنملي فقال: "له أرجوزة في قراءة ورش تحفة الأليف في القراءات ص 91"، وإنما هو الصفار نفسه.
([6]) الإشارة إلى فهرسة مخطوطات دار الكتب الناصرية بتمكروت للأستاذ محمد المنوني ص 105 في مجموع رقم 1689.
([7]) سوس العالمة 189.
([8]) ويشهد له قول الشيخ محمد بن أبي جمعة الوهراني في صدر "تقريب المنافع":
وقد صنف الأشباخ نثرا ونظمه كدانيهم والتينملي فأكملا
يشير بذلك إلى من نظموا أو ألفوا في قراءة نافع ورواياتها وطرقها، ويريد بالتينملي الصفار المذكور.
([9]) نيل الابتهاج 254 والإعلام للمراكشي 4/410 ترجمة 609.
([10]) التعريف بابن خلدون 59 وكذا 310.
([11]) نسب هكذا في ديباجة قصيدته "تحفة الأليف" في نسخة وقفت عليها بآسفي في خزانة السيد محمد بن التمار جزاه الله خيرا.
([12]) الكتيبة الكامنة 4/34.
([13]) درة الحجال 2/103.
([14]) الزهر اليانع (مخطوط).
([15]) التعريف بابن خلدون 60-61.
([16]) نيل الابتهاج 254.
([17]) وفيات الونشريسي 122.
منقول من كتاب تاريخ قراءة نافع الجزء 3
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع