- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
تحزيب القرآن وهدي السلف في ذلك
محمد بن عبد اللّه الدويش
والذي يحمل لـواء الـدعـوة وراية الإصلاح أولى الناس بأن يهتم بنفسه وتربيتها ، وصلتها بالله-عز وجل- ، وأولاهم بأن يأخذ الزاد في سفره إلى الله والدار الآخرة.
وما تـقـرب إلى الله بأفـضـل من تلاوة كتابه والوقوف عند معانيه وحدوده ؛ فحريٌّ بنا أن نـضـرب مـن ذلك بـسـهـم وافــر ، ومن رحـمـة الله بعباده وفضله عليهم :أن شرع لهم ما يتعبدون به إليه سبحانه.
ولما كـان تـحـزيـب الـقـرآن من السنن المهجورة -بل المجهولة -عند كثير من طلاب العلم فـضـلاً عن عـامـة الـنـاس. في حـين كان الأمر متواتراً ومعلوماً عند السلف ، فقلما تقرأ في ترجمة أحدهم إلا وتجد أنه كان يختم القرآن في كذا وكذا. لذا رأيت أن أجـمـع بعض ما ورد في ذلك لعل الله -عز وجل- ينفع به.
تمهيد: قال ابن فارس (2/55):
"الحاء والـزاي والـبـاء أصل واحد وهو: تجمع الشيء ، فمن ذلك "الحزب" وهو الجماعة من الناس، قال تعالى((كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)). والطائفة من كل شيء حزب. يقال: قرأ حزبه من القرآن"
وقـال في "الـنـهـايـة" (1/376) :"الحـزب مـا يجعله الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة كـالـوِرد ، والـحـزب الـنـوبة في ورد الماء. ومنه حديث أوس بن حذيفة سألت أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كيف تحزبون القرآن؟) .
ومـعـنى ذلـك: أن يجـعـل الإنسان لنفسه نصيباً يومياً يقرؤه ويتعاهد نفسه عليه ، بحيث يختم القرآن في كل شهر، أو عشرين، أو خمسة عشر، أو عشر، أو سبع، أو غير ذلك.
1- وقد ورد في السنة النبوية استعمال ذلك المصطلح في قوله-صلى الله عليه وسلم- :"من نام عن حزبه""، وقوله:"إنه طرأ على حزبي من القرآن"".
وقـد بـوب غـيـر واحد من الأئمة بتحزيب القرآن. وقال عقبة بن عامر: (ما تركت حزب سورة من الـقـرآن). وقال نافعلا تقل: ما أحزبه). وسوف يأتي تخريج هذه النصوص إن شاء الله- عز وجل-.
2- واستعمل عند السلف بلفظ الجزء ، فقد ورد في كلامه-صلى الله عليه وسلم-:"قرأت جزءاً من القرآن"". وقال عبد الله بن عمروهـذا جـزئـي الـذي أقـرأ بــه الـلـيـلـة). وعن عائشةإني لأقرأ جزئي). وعن ابن عباس وابن عمر أنهما كانا يقرآن أجزاءهما بعدما يخرجان من الخلاء).
3- واستعمل بلفظ الوِرد ، فعن ابن عمر قالكنت في قضاء وِردي) ، وعن الحسنأنه كان يقرأ ورده من أوَّل الليل).
المسألة الأولى:بعض فضائل تلاوة القرآن:
إن الـنـصـوص الـدالـة على فـضـل القرآن أشهر من أن تورد ، إنما نورد هنا بعض فضائل تـلاوتـه ؛ قـال تعالى(إنَّ الَذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وأَقَامُوا الصَّلاةَ وأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراً وعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَـــارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ويَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ))، وقال -عز وجل-(لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ *ومَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)).
أما من السنة :فالأدلة على فضله كثيرة ، ومن فضائله :
1- أن المـاهـر بـه مع السفرة الكرام البررة ، والذي يتتعتع فيه له أجران ؛ كما في حديث عائشة عند الشيخين والترمذي وأبي داود.
2- أنه يقال له يوم القيامةاقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا)؛ كما أخرجه أحمد وأهل السنن إلا النسائي من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً.
3- أن له بكل حرف حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها كما أخرجه الترمذي والدارمي من حديث ابن مسعود.
4- أن الآية منه خير من الخلفة السمينة ، كما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.
5- أن مثل المؤمن الذي يقرؤه مثل الأترجة ، كما رواه الستة إلا ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري.
6- أنه يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة ، كما رواه مسلم عن أبي أمامة.
7- تنزل السكينة لقراءته ، كما رواه الشيخان من حديث البراء.
8- أنه يقود قارئه يوم القيامة لتاج الكرامة ورضا الله-عز وجل- ، كما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة.
المسألة الثانية : مشروعية تحزيب القرآن:
1- حديث عـبـد الله بن عمرو ، وهو حديث طويل مشهور ، رواه جمعٌ من الأئمة بينهم الأئـمـة الـسـتة. ولفظه عند مسلم كنت أصوم الدهر ، وأقرأ القرآن كل ليلة ، قال: فإما ذكرت لرسـول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وإما أرسل لي ، فأتيته ، فقال : "ألم أُخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل لـيـلـة ؟" فقلت: بلى يا نبي الله؛ ولم أرد إلا الخـيـر، قال:" فـإن بحـسـبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام... ، ثم قال : "واقرأ القرآن في كل شهر" ، قال: قلت: يا نبي الله: إني أطيق أفضل من ذلك ، قال :"فاقرأه في سـبـع، ولا تـزد عـلــى ذلك ، فإن لزوجك عليك حقاً ، ولزورك عليك حقاً ، ولجسدك عليك حقاً"، قال : فشددت ؛ فشدد علي ، قال: وقال لي النبي-صلى الله عليه وسلم- :"لعلك يطول بك العـمــر" ، فصرتُ إلى الذي قال لي النبي-صلى الله عليه وسلم- ، فلما كبرت وددت أني قبلت رخصة النبي-صلى الله عليه وسلم-.
2- حديث:"من نام عن حزبه"" وقد أخرجه مسلم (747) ، وأبو داود (1313)، والنسائي (1790) ، والترمذي (581) ، وابن ماجه (1343) ، ومالك في "الموطأ "(1/ 200) ، وأبو عـبـيد في "فضائل القرآن" (285)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (4747)، وابـن حـبـــان فـي "صحيحه" كما في الإحسان (2634).
ولفظه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نــام عن حزبه أو عن شيء منه ؛ فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر: كتب له كأنما قرأه من الليل".
3- ما رواه أبو داود (1396) والمرزوي في "قيام الليل" كما في "المختصر" (157) عن ابن الهاد قال:"سـألـنـي نافع بن جبير بن مطعم فقال لي : في كم تقرأ القرآن ؟ ، فقلت: ما أحزبه، قال لي نافع : لا تقل "ما أحزبه" ؛ فإن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "قرأت جزءاً من القرآن"، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
4- حـــديث أوس بن حذيفة الثقفي ولفظهقدمنا على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في وفد ثقيف ، فنزَّلوا الأحلاف على المغيرة بن شعبة ، وأنزل رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بني مالك في قبة له ، فكان يأتينا كل ليلة بعد العشاء ؛ فيحدثنا قائماً على رجليه حتى يُراوح بين رجليه، وأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش، ويقول ولا سواء، كنا مستضعفين مستذلين ، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم،ندالّ عليهم ويدالُّون علينا)، فلما كان - ذات ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلت: يا رسول الله: لقد أبطأت علينا الليلة؟ ، قال :"إنه طرأ علي حزبي من القرآن ، فكرهت أن أخرج حتى أتمه"، قال أوس : فسألت أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسـلـــم- كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل".
والحديث قال فيه أحمد شاكر فيما نقله في "تهذيب السنن"(2/113) عن ابن عبد البر:أن ابن معين قال:"حديثه عن النبي-صلى الله عليه وسلم- في تحزيب القرآن ليس بالقائم". وضـعـفـــه الألباني في دفاع عن الحديث ، كما في "ضعيف ابن ماجه" (283). لكن حسنه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/276) والحافظ ابن حجر كما في "الفتوحات" لابن علان (3/229). وأورده الحافظ ابن كثير في "تفسيره" محتجاً به على أن المفصل يبتدئ من سورة (ق). واحتج به شيخ الإسلام ابن تيميه في حديثه عن التحزيب بالسور والأجزاء كما سيأتي.
وتد تواتر ذلك عن السلف -رضوان الله عليهم - ؛ فعندما تقرأ في ترجمة أحدهم تجد أنه كان يختم القرآن في كذا وكذا ، وسيأتي بعض هذه الآثار.
المسألة الثالثة: هدي السلف في تحزيب القرآن:
أولاً: ذكر من روي عنه الختم في سبع :
أخرج أبو عبـيـد في "فضائل القرآن" (291) بإسناده عن عـائـشـة - رضـي الله عـنـهـا - قالت:"إني لأقرأ جزئي - أو قالت: سبعي - وأنا جالسة على فراشي أو على سريري".
وأخرج الطبراني كما في "المجمع" (2/269) وقال: رجاله ثقات ، عن الأحوص قال: قال عبدالله."لا يُقرأ القرآن في أقل من ثلاث ، اقرأوه في سبع ، ويحافظ الرجل على حزبه" . وكذا أخرجه ابن أبي شيبة (502/2) دون قوله:"وليحافظ"..
وأخـرج أبو عـبـيـد في "فضائل الـقـرآن" (263) ، والبيهقي في "السنن" (2/296) عن ابن مسعود -رضي الله عنه- :"أنه كان يختم في غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة".
وقال الحافظ: أخرج ابن أبي داود :عن عثمان وابن مسعود وتميم الداري:" أنهم كانوا يختمون في سبع" بأسانيد صحيحة.
وأخرج أبو عبيد (266) عن إبراهيم:" أنه كان يقرأ القرآن في كل سبع" ، و كذا رواه ابن أبي شيبة (2/501).
وأخرج ابن أبي شيبة (2/501) ، والفريابي (138) :عن هشام بن عروة قال:" كان عروة يقرأ القرآن في كل سبع".
وأخرج أيضاً (2/501) عن أبي مجلز:" أنه كان يؤم الحي في رمضان ، وكان يختم في سبع".
وأخرج ابن أبي شيبة بإسناده (2/501) :عن إبراهيم قال:" كان عبد الرحمن بن يزيد يقرأ القرآن في كل سبع ، وكان علقمة والأسود يقرؤه أحدهما في خمس والآخر في ست ، وكان إبراهيم يقرأه في سبع".
وقال ابن قـدامــــة في "المغني" (2/611) :"قال عبد الله بن أحمد كان أبي يختم القرآن في النهار في كل سبعة، يقرأ كل يوم سبعاً ، لا يكاد يتركه نظراً ، وقال حنبل :كان أبو عبد الله يختم من الجمعة إلى الجمعة". وقال إسحاق بن هانىء في "مسائله" (506) : "وسئل : في كم يقرأ القرآن ؟ قال :أقل ما يقرأ في سبع".
ثانياً: ذكر من روي عنه الختم من الثلاث إلى السبع :
سبق عن علقمة والأسود:" أنهما يقرآن في خمس وست ".
قال ابن علان (3/230) :"قـال الـحـافـــظ: أخرج ابن أبي داود من طريق مغيث بن سمي قال: كان أبو الدرداء يقرأ القرآن في كل أربـــع. ومن طريق بلال بن يحيى: لقد كنت أقرأ بهم ربع القرآن في كل ليلة ، فإذا أصبحت قال بعضهم: لقد خففتَ بنا الليلة".
ثالثاً: ذكر من روي عنه الختم في أقل من ثلاث :
وذكـر ابـن عـلان (231/2) :عن ابن أبي داود أنه روى عن الأسـود بن يزيد:" أنـه كـان يـخـتـم الـقـرآن في رمـضـان كـل لـيـلـتين" وقال: سنده صحيح ، وأخرج الحافظ من طريق الدارمي عن سعيد بن جبير:" أنه كان يخـتـم الـقـرآن في كـل ليلتين". قال: وأخرجه ابن أبي داود، قال: وأخرج ابن سعد عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف أنه كان يفعل ذلك. ومـن طـريـق واصـل بن سلـيـمـان قال:"صحبت عطاء بن السائب فكان يختم القرآن في كل ليلتين".
إن الـقـلـوب تـصـدأ وتقـسو، والنفس تضعف وتهبط بها دواعي الشهوات وهواتف الدنيا، والإنـسـان يـعـيـش في هـذه الدار في معركة مع النفس والهوى والشيطان. ولئن كان المقاتل يـحـتـاج للـسلاح المعنوي والمادي؛ فالذي يخوض في معركة المصير أولى بأن يعتني بإصلاح نفسه. وروى أبـو عـبـيد (277) وابن أبي شيبة (2/502) عن السائب بن يزيد أن رجلاً سأل عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن صـلاة طـلحة بـن عبـد الله فقال إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان قال نعم قال قلت لأغلبن الليلة على الحِجْر - يعني المقام - فقمت فلما قمت إذا أنا برجل متقمع يزحمني فنظرت فإذا عثمان بن عفـان فتـأخرت عـنه فـصـلى فـإذا هو سجد سجود القرآن حتى إذا قلت هذه هوادي الفجر أوتر بركعة لم يـصـلِّ غيـرهـا ثـم انـطـلق ، ولابن أبي شيبة (2/503) فتنحيت وتقدم فقرأ القرآن كله في ركـعـة ثـم انصرف. وصححه ابن كثير في فضائل القرآن (50) .
وأخرج أبو عبيد (278) وابن أبي شيبة (1/367،2/503) عن نائلة بنت الفرافصة الكلبية حين دخلوا على عثمان ليقتلوه فقالت : "إن تقتلوه أو تدعوه فقد كان يحيي الـليل بركعة يجمع فيها القرآن" وحسنه ابن كثير في فضائل القرآن (50).
وأخرج أبو عبيد أيضاً (279) وابن أبي شيبة (2/502) عن تميم الداري أنه قرأ القرآن في ركعة. وكذا أخرجا عن سعيد بن جبير أنه قرأ القرآن في ركعة فـي البيت وصححهما ابن كثير (50).
وأخرج أبو عبيد (281) والفريابي (140) عن علقمة أنه قرأ القرآن فـي ليلة طـاف بالبيت أسبوعاً ثم أتى المقام فصلى عنده بالمِئِين،ثم طاف أسبوعاً ثم أتى المقام فصلى عنده بالمئين، ثم طاف أسبوعاً ثم أتى المقـام فـصلـى عـنده فـقـرأ بـقيـة الـقرآن. وصححه ابن كثير (50) ورواه ابن أبي شيبة (2/503) مختصراً بلفظ أنه قرأ القرآن في ليلة بمكة.
وأخرج أبو عبيد (282) وابن أبي شيبة (3/502) عن سليم بن عتر التجيبي أنه كان يختم القرآن في الليلة ثلاث مرات.
ونـقل النـووي فـي التبيان والأذكار جملة من ذلك فقال في التبيان (46) "ومن الذين كانوا يختمون ثلاث خـتمـات سـليـم بـن عمر - رضي الله عنه - قاضي مصر في خلافة معاوية - رضي الله عنه - . وروى أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات. قال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي - رضي الله عنه - : "سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يـقـول : كـان ابـتن الكـاتـب - رضـي اللـه عـنه - يخـتم بالنهار أربع ختمات ، وهـذا أكـثر مـا بـلغنـا مـن الـيوم والليلة . وروى السيد الجليل أحمد الدروقي بإسناده عن منصور بن زادان مـن عـُباد الـتابـعـين - رضـي الله عـنه - أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر ويختمه أيضاً فيما بين المغرب والعشاء في رمضان ختمتين ، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل ، وروى أبـو داود بـإسـناده الصحيح أن مجاهداً كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء وعن منصور قال كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان ، وعن إبراهيم بن سعد قال كان أبي يحتبي فيما يحل حبوته حتى يختم القرآن ، وأما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم..." . (1)
المسألة الخامسة : أقل ما يُختم فيه القرآن :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يفقه مَن قرأ القرآن في أقل من ثلاث" . أخرجه أبو داود (1394) والترمذي (2950) والنسائي وابن ماجه (1347) وأحمد (2/164،165) وأبو عبيد وقال الترمذي : حسن صحيح . وصححه النووي في التبيان (ص48).
وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة والمروزي عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه كان يكره "أن يُقرأ القرآن في أقل من ثلاث" وصححه الحافظ ابن كثير .
وأخرج ابن أبي شيبة (2/502) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : "اقرأوا القرآن في سبع ولا تقرأوه في ثلاث" وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي داود - كما في الفتوحات (231/3) - عنه (رضي الله عنه) أنه قال : "لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث" .وأخرج ابن أبي شيبة وأبو عبيد والطبراني في الكبير كما في المجمع (2/269) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : "من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز". وقال أبو عبيد: "إلا أن الذي أختار من ذلك أن لا نقرأ القرآن في أقل من ثلاث للأحاديث التي ذكرناها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الكراهة لذلك".
وقال النووي في التبيان (ص48): "وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث" وقال الحافظ ابن كثير : "وقد كره غير واحد من السلف قراءة القرآن في أقل من ثلاث" كما هو مذهب أبي عبيدة وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الخلف أيضاً".
وقال شيخ الإسلام : "فالصحيح عندهم أنه أمره - عبد الله بن عمرو - ابتداءً بقراءته في الـشـهــــر، فجعل الحد ما بين الشهر إلى الأسبوع ..ولا يلزم إذا شرع فعل ذلك أحياناً - التثليث - لبعض الناس أن تكون المداومة على ذلك مستحبة، ولهذا لم يُعلم من الصحابة على عـهــــده مَن دوام على ذلك ؛ أعني على قراءته دائماً فيما دون السبع ؛ ولهذا كان الإمام أحمد - رحمه الله - يقرؤه في كل سبع" .
أما ما نقل عن السلف مما ذكرنا طرفاً منه فقد اختلفت مسالك العلماء في الإجابة عليه ، فمنهم من حمل ذلك على أنه لم يبلغهم النهي ومنهم مَن رأى أنهم لم يحملوا الحديث على المنع من ذلك ، ومنهم مَن رأى أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص.
وها هنا أمور لعل بها يتضح وجه المسألة :
أولاً : أن ورود ذلك عن السلف والصحابة بوجه أخص لا يعني المداومة عليه ؛ خاصة أن الكثير ممن روي عنه ذلك - كعثمان وتميم وغيرهم - رُوي عنه أنه كان يختم في سبع ، بل قد نفى ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله - وهو من أعلم الناس في مثل ذلك فقال : "ولهذا لم يعلم في الصحابة على عهده من دوام على ذلك أعني قراءته دائماً فيما دون السبع".
ثانياً : علل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بعلتين الأولى عدم الفقه ، والثانية قوله لعبد الله "فإن لزوجك عليك حقاً ولجسدك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً" . فالرجل عليه مسؤولية تجاه أسرته ومنزله وضيفه وكذلك عليه الرفق بنفسه . وختم القرآن في أقل من ثلاث على حساب ذلك غالباً .
ثالثاً : يجب أن يربط ذلك بالنصوص الأخرى التي تحث على القصد والمقاربة "إن هذا الدين يسر ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة واعلموا أنه لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله" . وفي رواية الإمام أحمد لحديث عبد الله بن عمرو (6477) :"فإن كل عابد شرّة ولكل شرة فترة ، فإما إلى سُنة وإما إلى بدعة، فمَن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك" .
رابعاً : أن خير الهدْي هديه - صلى الله عليه وسلم - وهو أعبد الناس وأخشاهم لله وقد غضب على الذين تقالُّوا عبادته ، وفي رواية أحمد لحديث عبد الله بن عمرو أنه قال له : "لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام ، وأمس النساء فمَن رغب عن سنتي فليس مني" وروى مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : "ولا أعلم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح ، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان" ونحن متعبدون باتباع سُنته وهديه . مع ما نكنّه في نـفــوســـنـا من تقدير وإكبار وإجلال لسلف الأمة . ولذلك قالت عائشة - رضي الله عنها - لما قيل لها إن رجالاً يقوم أحدهم القرآن في ليلة مرتين أو ثلاثاً - "قرأوا أو لم يقرأوا كنت أقوم مع رســـــول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة التمام فيقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء ، فلا يمر بآيـــة فيها اسـتـبـشــــــار إلا دعا ورغب ولا بآية فيها تخويف إلا دعا واستعاذ" والحديث ذكره في الفتوحات (2/231) ونُـســـب للحافظ أنه قال : "والحديث حسن أخرجه ابن أبي داود وأخرج أحمد المرفوع منه فقط" .
خامساً : هناك وظائف شرعية كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وإصلاح الناس، والتي هي مــن فــــــروض الكفاية ومن أفضل الأعمال الصالحة والأمة لا تستغني عن جهود أبنائها في ذلك . ففي التفرغ لتلاوة القرآن على هذا النحو تعطيل لهذه الوظائف خاصة في هذا العصر، وقد أشـــار النووي - رحمه الله - إلى شيء من ذلك حين قال في التبيان (ص48) : "وكذا مَن كان مـشـغـــولاً بـنـشــر العلم وغيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له" .
سادساً : فـي مقابل هؤلاء الذين نقل عنهم الإكثار من ختم القرآن نقل عن غيرهم بل أكثر السلف التسبيع، فَلِمَ يكون رأي أولئك أَوْلى بالقبول من هؤلاء وهم أكثر وفعلهم يتأيد بالسنة الصحيحة عنه - صلى الله عليه وسلم - .
المسألة السادسة : هل يكون التحزب بالسور أو الأجزاء ؟
عقد شيخ الإسلام ابـن تـيـمية لهذه المسألة فصلاً في الجزء الثالث عشر من مجموع الفتاوى ورأى أن التحزيب المشروع هو أن يكون بالسور للأمور الآتية :
1- أن الـمـنـقـــــول عن الصحابة هو التحزيب بالسور لا بالأجزاء وذكر حديث أوس بن حذيفة، وقد سبق في أول البحث .
2- أن الأجزاء والأحزاب محـدثـة وفـيـــه حديث أوس أنهم حزّبوه بالسور، وهذا معلوم بالتواتر فإنه قد علم أن أول ما جُزئ القرآن بالحروف تجزئة ثمانية وعشرين ، وثلاثين ، وستين هذه الأجزاء التي تكون في أثناء السورة، وأثناء القصة ونحو ذلك كـان فـي زمــــن الحجاج وما بعده وروي أن الحجاج أمر بذلك. ومن العراق فشا ذلك ولم يكن أهل المدينة يعرفون ذلك (13/409) .
3- أن هذه التحزيبات تتضمن دائماً الوقوف على بعض الكلام المـتـصــــل بما بعده حتى يتضمن الوقوف على المعطوف دون المعطوف عليه ، فيحصل القارئ في اليوم الثاني مبتدئاً بمعطوف كقوله - تعالى - : ((والْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ))[النساء:24] وقوله ((ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ ورَسُولِهِ))[الأحزاب:31] وأمثال ذلك ، ويتضمن الوقف على بعض القصة دون بعض - حتى كلام المتخاطبين - حتى يحصل الابتداء في اليوم الثاني بكلام المجيب كقوله - تعالى -(قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً))[الكهف:72] ومثل هذا الوقوف لا يسوغ في المجلس الواحد إذا طال الفصل بينهما بأجنبي ، ولهذا لو ألحق بالكلام عطف أو استثناء ، أو شرط ونحو ذلك بعد طول الفصل بأجنبي لم يسغ ذلك بلا نزاع.
4- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كــان عــادتــه الـغـالبة وعادة أصحابه أن يقرأ في الصلاة بسورة كـ ( ق ) ونحــوها وكما كان عمر - رضي الله عـنه - يقرأ بيونس ويوسف والنحل .. وأما القراءة بأواخر السور وأواسطها فلم يكن غالباً عليهم .
وقال: "وإذا كان تحزيبه بالحروف إنما هو تقريب لا تحديد، كان ذلك من جنس تجزئته بالسور هو أيضاً تقريب،فإن بعض الأسباع قد يكون أكثر من بعض في الحروف وفي ذلك من الـمـصـلحة العظيمة بقراءة الكلام المتصل بعضه ببعض ، والافتتاح بما فتح الله به السورة، والاختتام بما ختم به ، وتكميل المقصود من كل سورة ما ليس في ذلك التحزب. وفيه أيضاً من زوال المفاسد الذي في ذلك التحزيب ما تقدم التنبيه على بعضها".
وبعد هذه الوقفات السريعة أرى أنه لا يليق بشاب مسلم طالب للعلم ، يحمل بين كاهليه هم الإصلاح والتغيير ودعوة الناس - لا يليق به أن لا يكون له حزب من كتاب الله قل أو كثر . ومهما ادعى الإنسان المشاغل فهذه الدعوى تحتاج للبينة ولو أعطي الناس بدعواهم لادعى أقوام دماء أناس وأموالهم . وهذا دليل على قلة اهتمامه ، ومتى كانت تلاوة كتاب الله وإصلاح النفس وعبادة الله - عز وجل - مما لا يفعل إلا في وقت الفراغ .
ففي التحزيب تأسٍ بالسلف - رضوان الله عليهم - وفيه علاوة على ذلك تحقيق لهديه - صلى الله عليه وسلم- في المداومة على العمل الصالح فقد كان عمله دائماً، وكان يقول: "إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" . وفيه أن الإنسان يُكتب له حزبه إذا شغله عنه مرض أو سفر.
وفيه أيضاً تعاهد القرآن كما أمر بذلك - صلى الله عليه وسلم - فعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها" .
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقّلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت".
الهوامش :1- لا شــك أن فـي ذلـك مـبـالـغــة وتساهلاً في التصحيح لعلة منطلق من باب التساهل في تصحيح أو تحسين الأحاديث في فضائل الأعمال وفي الترغيب والترهيب وراجع التعليلات بعد ذلك
محمد بن عبد اللّه الدويش
والذي يحمل لـواء الـدعـوة وراية الإصلاح أولى الناس بأن يهتم بنفسه وتربيتها ، وصلتها بالله-عز وجل- ، وأولاهم بأن يأخذ الزاد في سفره إلى الله والدار الآخرة.
وما تـقـرب إلى الله بأفـضـل من تلاوة كتابه والوقوف عند معانيه وحدوده ؛ فحريٌّ بنا أن نـضـرب مـن ذلك بـسـهـم وافــر ، ومن رحـمـة الله بعباده وفضله عليهم :أن شرع لهم ما يتعبدون به إليه سبحانه.
ولما كـان تـحـزيـب الـقـرآن من السنن المهجورة -بل المجهولة -عند كثير من طلاب العلم فـضـلاً عن عـامـة الـنـاس. في حـين كان الأمر متواتراً ومعلوماً عند السلف ، فقلما تقرأ في ترجمة أحدهم إلا وتجد أنه كان يختم القرآن في كذا وكذا. لذا رأيت أن أجـمـع بعض ما ورد في ذلك لعل الله -عز وجل- ينفع به.
تمهيد: قال ابن فارس (2/55):
"الحاء والـزاي والـبـاء أصل واحد وهو: تجمع الشيء ، فمن ذلك "الحزب" وهو الجماعة من الناس، قال تعالى((كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)). والطائفة من كل شيء حزب. يقال: قرأ حزبه من القرآن"
وقـال في "الـنـهـايـة" (1/376) :"الحـزب مـا يجعله الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة كـالـوِرد ، والـحـزب الـنـوبة في ورد الماء. ومنه حديث أوس بن حذيفة سألت أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كيف تحزبون القرآن؟) .
ومـعـنى ذلـك: أن يجـعـل الإنسان لنفسه نصيباً يومياً يقرؤه ويتعاهد نفسه عليه ، بحيث يختم القرآن في كل شهر، أو عشرين، أو خمسة عشر، أو عشر، أو سبع، أو غير ذلك.
1- وقد ورد في السنة النبوية استعمال ذلك المصطلح في قوله-صلى الله عليه وسلم- :"من نام عن حزبه""، وقوله:"إنه طرأ على حزبي من القرآن"".
وقـد بـوب غـيـر واحد من الأئمة بتحزيب القرآن. وقال عقبة بن عامر: (ما تركت حزب سورة من الـقـرآن). وقال نافعلا تقل: ما أحزبه). وسوف يأتي تخريج هذه النصوص إن شاء الله- عز وجل-.
2- واستعمل عند السلف بلفظ الجزء ، فقد ورد في كلامه-صلى الله عليه وسلم-:"قرأت جزءاً من القرآن"". وقال عبد الله بن عمروهـذا جـزئـي الـذي أقـرأ بــه الـلـيـلـة). وعن عائشةإني لأقرأ جزئي). وعن ابن عباس وابن عمر أنهما كانا يقرآن أجزاءهما بعدما يخرجان من الخلاء).
3- واستعمل بلفظ الوِرد ، فعن ابن عمر قالكنت في قضاء وِردي) ، وعن الحسنأنه كان يقرأ ورده من أوَّل الليل).
المسألة الأولى:بعض فضائل تلاوة القرآن:
إن الـنـصـوص الـدالـة على فـضـل القرآن أشهر من أن تورد ، إنما نورد هنا بعض فضائل تـلاوتـه ؛ قـال تعالى(إنَّ الَذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وأَقَامُوا الصَّلاةَ وأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراً وعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَـــارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ويَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ))، وقال -عز وجل-(لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ *ومَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)).
أما من السنة :فالأدلة على فضله كثيرة ، ومن فضائله :
1- أن المـاهـر بـه مع السفرة الكرام البررة ، والذي يتتعتع فيه له أجران ؛ كما في حديث عائشة عند الشيخين والترمذي وأبي داود.
2- أنه يقال له يوم القيامةاقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا)؛ كما أخرجه أحمد وأهل السنن إلا النسائي من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً.
3- أن له بكل حرف حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها كما أخرجه الترمذي والدارمي من حديث ابن مسعود.
4- أن الآية منه خير من الخلفة السمينة ، كما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.
5- أن مثل المؤمن الذي يقرؤه مثل الأترجة ، كما رواه الستة إلا ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري.
6- أنه يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة ، كما رواه مسلم عن أبي أمامة.
7- تنزل السكينة لقراءته ، كما رواه الشيخان من حديث البراء.
8- أنه يقود قارئه يوم القيامة لتاج الكرامة ورضا الله-عز وجل- ، كما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة.
المسألة الثانية : مشروعية تحزيب القرآن:
1- حديث عـبـد الله بن عمرو ، وهو حديث طويل مشهور ، رواه جمعٌ من الأئمة بينهم الأئـمـة الـسـتة. ولفظه عند مسلم كنت أصوم الدهر ، وأقرأ القرآن كل ليلة ، قال: فإما ذكرت لرسـول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وإما أرسل لي ، فأتيته ، فقال : "ألم أُخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل لـيـلـة ؟" فقلت: بلى يا نبي الله؛ ولم أرد إلا الخـيـر، قال:" فـإن بحـسـبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام... ، ثم قال : "واقرأ القرآن في كل شهر" ، قال: قلت: يا نبي الله: إني أطيق أفضل من ذلك ، قال :"فاقرأه في سـبـع، ولا تـزد عـلــى ذلك ، فإن لزوجك عليك حقاً ، ولزورك عليك حقاً ، ولجسدك عليك حقاً"، قال : فشددت ؛ فشدد علي ، قال: وقال لي النبي-صلى الله عليه وسلم- :"لعلك يطول بك العـمــر" ، فصرتُ إلى الذي قال لي النبي-صلى الله عليه وسلم- ، فلما كبرت وددت أني قبلت رخصة النبي-صلى الله عليه وسلم-.
2- حديث:"من نام عن حزبه"" وقد أخرجه مسلم (747) ، وأبو داود (1313)، والنسائي (1790) ، والترمذي (581) ، وابن ماجه (1343) ، ومالك في "الموطأ "(1/ 200) ، وأبو عـبـيد في "فضائل القرآن" (285)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (4747)، وابـن حـبـــان فـي "صحيحه" كما في الإحسان (2634).
ولفظه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نــام عن حزبه أو عن شيء منه ؛ فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر: كتب له كأنما قرأه من الليل".
3- ما رواه أبو داود (1396) والمرزوي في "قيام الليل" كما في "المختصر" (157) عن ابن الهاد قال:"سـألـنـي نافع بن جبير بن مطعم فقال لي : في كم تقرأ القرآن ؟ ، فقلت: ما أحزبه، قال لي نافع : لا تقل "ما أحزبه" ؛ فإن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "قرأت جزءاً من القرآن"، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
4- حـــديث أوس بن حذيفة الثقفي ولفظهقدمنا على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في وفد ثقيف ، فنزَّلوا الأحلاف على المغيرة بن شعبة ، وأنزل رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بني مالك في قبة له ، فكان يأتينا كل ليلة بعد العشاء ؛ فيحدثنا قائماً على رجليه حتى يُراوح بين رجليه، وأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش، ويقول ولا سواء، كنا مستضعفين مستذلين ، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم،ندالّ عليهم ويدالُّون علينا)، فلما كان - ذات ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلت: يا رسول الله: لقد أبطأت علينا الليلة؟ ، قال :"إنه طرأ علي حزبي من القرآن ، فكرهت أن أخرج حتى أتمه"، قال أوس : فسألت أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسـلـــم- كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل".
والحديث قال فيه أحمد شاكر فيما نقله في "تهذيب السنن"(2/113) عن ابن عبد البر:أن ابن معين قال:"حديثه عن النبي-صلى الله عليه وسلم- في تحزيب القرآن ليس بالقائم". وضـعـفـــه الألباني في دفاع عن الحديث ، كما في "ضعيف ابن ماجه" (283). لكن حسنه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/276) والحافظ ابن حجر كما في "الفتوحات" لابن علان (3/229). وأورده الحافظ ابن كثير في "تفسيره" محتجاً به على أن المفصل يبتدئ من سورة (ق). واحتج به شيخ الإسلام ابن تيميه في حديثه عن التحزيب بالسور والأجزاء كما سيأتي.
وتد تواتر ذلك عن السلف -رضوان الله عليهم - ؛ فعندما تقرأ في ترجمة أحدهم تجد أنه كان يختم القرآن في كذا وكذا ، وسيأتي بعض هذه الآثار.
المسألة الثالثة: هدي السلف في تحزيب القرآن:
أولاً: ذكر من روي عنه الختم في سبع :
أخرج أبو عبـيـد في "فضائل القرآن" (291) بإسناده عن عـائـشـة - رضـي الله عـنـهـا - قالت:"إني لأقرأ جزئي - أو قالت: سبعي - وأنا جالسة على فراشي أو على سريري".
وأخرج الطبراني كما في "المجمع" (2/269) وقال: رجاله ثقات ، عن الأحوص قال: قال عبدالله."لا يُقرأ القرآن في أقل من ثلاث ، اقرأوه في سبع ، ويحافظ الرجل على حزبه" . وكذا أخرجه ابن أبي شيبة (502/2) دون قوله:"وليحافظ"..
وأخـرج أبو عـبـيـد في "فضائل الـقـرآن" (263) ، والبيهقي في "السنن" (2/296) عن ابن مسعود -رضي الله عنه- :"أنه كان يختم في غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة".
وقال الحافظ: أخرج ابن أبي داود :عن عثمان وابن مسعود وتميم الداري:" أنهم كانوا يختمون في سبع" بأسانيد صحيحة.
وأخرج أبو عبيد (266) عن إبراهيم:" أنه كان يقرأ القرآن في كل سبع" ، و كذا رواه ابن أبي شيبة (2/501).
وأخرج ابن أبي شيبة (2/501) ، والفريابي (138) :عن هشام بن عروة قال:" كان عروة يقرأ القرآن في كل سبع".
وأخرج أيضاً (2/501) عن أبي مجلز:" أنه كان يؤم الحي في رمضان ، وكان يختم في سبع".
وأخرج ابن أبي شيبة بإسناده (2/501) :عن إبراهيم قال:" كان عبد الرحمن بن يزيد يقرأ القرآن في كل سبع ، وكان علقمة والأسود يقرؤه أحدهما في خمس والآخر في ست ، وكان إبراهيم يقرأه في سبع".
وقال ابن قـدامــــة في "المغني" (2/611) :"قال عبد الله بن أحمد كان أبي يختم القرآن في النهار في كل سبعة، يقرأ كل يوم سبعاً ، لا يكاد يتركه نظراً ، وقال حنبل :كان أبو عبد الله يختم من الجمعة إلى الجمعة". وقال إسحاق بن هانىء في "مسائله" (506) : "وسئل : في كم يقرأ القرآن ؟ قال :أقل ما يقرأ في سبع".
ثانياً: ذكر من روي عنه الختم من الثلاث إلى السبع :
سبق عن علقمة والأسود:" أنهما يقرآن في خمس وست ".
قال ابن علان (3/230) :"قـال الـحـافـــظ: أخرج ابن أبي داود من طريق مغيث بن سمي قال: كان أبو الدرداء يقرأ القرآن في كل أربـــع. ومن طريق بلال بن يحيى: لقد كنت أقرأ بهم ربع القرآن في كل ليلة ، فإذا أصبحت قال بعضهم: لقد خففتَ بنا الليلة".
ثالثاً: ذكر من روي عنه الختم في أقل من ثلاث :
وذكـر ابـن عـلان (231/2) :عن ابن أبي داود أنه روى عن الأسـود بن يزيد:" أنـه كـان يـخـتـم الـقـرآن في رمـضـان كـل لـيـلـتين" وقال: سنده صحيح ، وأخرج الحافظ من طريق الدارمي عن سعيد بن جبير:" أنه كان يخـتـم الـقـرآن في كـل ليلتين". قال: وأخرجه ابن أبي داود، قال: وأخرج ابن سعد عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف أنه كان يفعل ذلك. ومـن طـريـق واصـل بن سلـيـمـان قال:"صحبت عطاء بن السائب فكان يختم القرآن في كل ليلتين".
إن الـقـلـوب تـصـدأ وتقـسو، والنفس تضعف وتهبط بها دواعي الشهوات وهواتف الدنيا، والإنـسـان يـعـيـش في هـذه الدار في معركة مع النفس والهوى والشيطان. ولئن كان المقاتل يـحـتـاج للـسلاح المعنوي والمادي؛ فالذي يخوض في معركة المصير أولى بأن يعتني بإصلاح نفسه. وروى أبـو عـبـيد (277) وابن أبي شيبة (2/502) عن السائب بن يزيد أن رجلاً سأل عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن صـلاة طـلحة بـن عبـد الله فقال إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان قال نعم قال قلت لأغلبن الليلة على الحِجْر - يعني المقام - فقمت فلما قمت إذا أنا برجل متقمع يزحمني فنظرت فإذا عثمان بن عفـان فتـأخرت عـنه فـصـلى فـإذا هو سجد سجود القرآن حتى إذا قلت هذه هوادي الفجر أوتر بركعة لم يـصـلِّ غيـرهـا ثـم انـطـلق ، ولابن أبي شيبة (2/503) فتنحيت وتقدم فقرأ القرآن كله في ركـعـة ثـم انصرف. وصححه ابن كثير في فضائل القرآن (50) .
وأخرج أبو عبيد (278) وابن أبي شيبة (1/367،2/503) عن نائلة بنت الفرافصة الكلبية حين دخلوا على عثمان ليقتلوه فقالت : "إن تقتلوه أو تدعوه فقد كان يحيي الـليل بركعة يجمع فيها القرآن" وحسنه ابن كثير في فضائل القرآن (50).
وأخرج أبو عبيد أيضاً (279) وابن أبي شيبة (2/502) عن تميم الداري أنه قرأ القرآن في ركعة. وكذا أخرجا عن سعيد بن جبير أنه قرأ القرآن في ركعة فـي البيت وصححهما ابن كثير (50).
وأخرج أبو عبيد (281) والفريابي (140) عن علقمة أنه قرأ القرآن فـي ليلة طـاف بالبيت أسبوعاً ثم أتى المقام فصلى عنده بالمِئِين،ثم طاف أسبوعاً ثم أتى المقام فصلى عنده بالمئين، ثم طاف أسبوعاً ثم أتى المقـام فـصلـى عـنده فـقـرأ بـقيـة الـقرآن. وصححه ابن كثير (50) ورواه ابن أبي شيبة (2/503) مختصراً بلفظ أنه قرأ القرآن في ليلة بمكة.
وأخرج أبو عبيد (282) وابن أبي شيبة (3/502) عن سليم بن عتر التجيبي أنه كان يختم القرآن في الليلة ثلاث مرات.
ونـقل النـووي فـي التبيان والأذكار جملة من ذلك فقال في التبيان (46) "ومن الذين كانوا يختمون ثلاث خـتمـات سـليـم بـن عمر - رضي الله عنه - قاضي مصر في خلافة معاوية - رضي الله عنه - . وروى أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات. قال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي - رضي الله عنه - : "سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يـقـول : كـان ابـتن الكـاتـب - رضـي اللـه عـنه - يخـتم بالنهار أربع ختمات ، وهـذا أكـثر مـا بـلغنـا مـن الـيوم والليلة . وروى السيد الجليل أحمد الدروقي بإسناده عن منصور بن زادان مـن عـُباد الـتابـعـين - رضـي الله عـنه - أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر ويختمه أيضاً فيما بين المغرب والعشاء في رمضان ختمتين ، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل ، وروى أبـو داود بـإسـناده الصحيح أن مجاهداً كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء وعن منصور قال كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان ، وعن إبراهيم بن سعد قال كان أبي يحتبي فيما يحل حبوته حتى يختم القرآن ، وأما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم..." . (1)
المسألة الخامسة : أقل ما يُختم فيه القرآن :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يفقه مَن قرأ القرآن في أقل من ثلاث" . أخرجه أبو داود (1394) والترمذي (2950) والنسائي وابن ماجه (1347) وأحمد (2/164،165) وأبو عبيد وقال الترمذي : حسن صحيح . وصححه النووي في التبيان (ص48).
وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة والمروزي عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه كان يكره "أن يُقرأ القرآن في أقل من ثلاث" وصححه الحافظ ابن كثير .
وأخرج ابن أبي شيبة (2/502) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : "اقرأوا القرآن في سبع ولا تقرأوه في ثلاث" وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي داود - كما في الفتوحات (231/3) - عنه (رضي الله عنه) أنه قال : "لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث" .وأخرج ابن أبي شيبة وأبو عبيد والطبراني في الكبير كما في المجمع (2/269) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : "من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز". وقال أبو عبيد: "إلا أن الذي أختار من ذلك أن لا نقرأ القرآن في أقل من ثلاث للأحاديث التي ذكرناها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الكراهة لذلك".
وقال النووي في التبيان (ص48): "وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث" وقال الحافظ ابن كثير : "وقد كره غير واحد من السلف قراءة القرآن في أقل من ثلاث" كما هو مذهب أبي عبيدة وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الخلف أيضاً".
وقال شيخ الإسلام : "فالصحيح عندهم أنه أمره - عبد الله بن عمرو - ابتداءً بقراءته في الـشـهــــر، فجعل الحد ما بين الشهر إلى الأسبوع ..ولا يلزم إذا شرع فعل ذلك أحياناً - التثليث - لبعض الناس أن تكون المداومة على ذلك مستحبة، ولهذا لم يُعلم من الصحابة على عـهــــده مَن دوام على ذلك ؛ أعني على قراءته دائماً فيما دون السبع ؛ ولهذا كان الإمام أحمد - رحمه الله - يقرؤه في كل سبع" .
أما ما نقل عن السلف مما ذكرنا طرفاً منه فقد اختلفت مسالك العلماء في الإجابة عليه ، فمنهم من حمل ذلك على أنه لم يبلغهم النهي ومنهم مَن رأى أنهم لم يحملوا الحديث على المنع من ذلك ، ومنهم مَن رأى أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص.
وها هنا أمور لعل بها يتضح وجه المسألة :
أولاً : أن ورود ذلك عن السلف والصحابة بوجه أخص لا يعني المداومة عليه ؛ خاصة أن الكثير ممن روي عنه ذلك - كعثمان وتميم وغيرهم - رُوي عنه أنه كان يختم في سبع ، بل قد نفى ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله - وهو من أعلم الناس في مثل ذلك فقال : "ولهذا لم يعلم في الصحابة على عهده من دوام على ذلك أعني قراءته دائماً فيما دون السبع".
ثانياً : علل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بعلتين الأولى عدم الفقه ، والثانية قوله لعبد الله "فإن لزوجك عليك حقاً ولجسدك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً" . فالرجل عليه مسؤولية تجاه أسرته ومنزله وضيفه وكذلك عليه الرفق بنفسه . وختم القرآن في أقل من ثلاث على حساب ذلك غالباً .
ثالثاً : يجب أن يربط ذلك بالنصوص الأخرى التي تحث على القصد والمقاربة "إن هذا الدين يسر ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة واعلموا أنه لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله" . وفي رواية الإمام أحمد لحديث عبد الله بن عمرو (6477) :"فإن كل عابد شرّة ولكل شرة فترة ، فإما إلى سُنة وإما إلى بدعة، فمَن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك" .
رابعاً : أن خير الهدْي هديه - صلى الله عليه وسلم - وهو أعبد الناس وأخشاهم لله وقد غضب على الذين تقالُّوا عبادته ، وفي رواية أحمد لحديث عبد الله بن عمرو أنه قال له : "لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام ، وأمس النساء فمَن رغب عن سنتي فليس مني" وروى مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : "ولا أعلم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح ، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان" ونحن متعبدون باتباع سُنته وهديه . مع ما نكنّه في نـفــوســـنـا من تقدير وإكبار وإجلال لسلف الأمة . ولذلك قالت عائشة - رضي الله عنها - لما قيل لها إن رجالاً يقوم أحدهم القرآن في ليلة مرتين أو ثلاثاً - "قرأوا أو لم يقرأوا كنت أقوم مع رســـــول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة التمام فيقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء ، فلا يمر بآيـــة فيها اسـتـبـشــــــار إلا دعا ورغب ولا بآية فيها تخويف إلا دعا واستعاذ" والحديث ذكره في الفتوحات (2/231) ونُـســـب للحافظ أنه قال : "والحديث حسن أخرجه ابن أبي داود وأخرج أحمد المرفوع منه فقط" .
خامساً : هناك وظائف شرعية كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وإصلاح الناس، والتي هي مــن فــــــروض الكفاية ومن أفضل الأعمال الصالحة والأمة لا تستغني عن جهود أبنائها في ذلك . ففي التفرغ لتلاوة القرآن على هذا النحو تعطيل لهذه الوظائف خاصة في هذا العصر، وقد أشـــار النووي - رحمه الله - إلى شيء من ذلك حين قال في التبيان (ص48) : "وكذا مَن كان مـشـغـــولاً بـنـشــر العلم وغيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له" .
سادساً : فـي مقابل هؤلاء الذين نقل عنهم الإكثار من ختم القرآن نقل عن غيرهم بل أكثر السلف التسبيع، فَلِمَ يكون رأي أولئك أَوْلى بالقبول من هؤلاء وهم أكثر وفعلهم يتأيد بالسنة الصحيحة عنه - صلى الله عليه وسلم - .
المسألة السادسة : هل يكون التحزب بالسور أو الأجزاء ؟
عقد شيخ الإسلام ابـن تـيـمية لهذه المسألة فصلاً في الجزء الثالث عشر من مجموع الفتاوى ورأى أن التحزيب المشروع هو أن يكون بالسور للأمور الآتية :
1- أن الـمـنـقـــــول عن الصحابة هو التحزيب بالسور لا بالأجزاء وذكر حديث أوس بن حذيفة، وقد سبق في أول البحث .
2- أن الأجزاء والأحزاب محـدثـة وفـيـــه حديث أوس أنهم حزّبوه بالسور، وهذا معلوم بالتواتر فإنه قد علم أن أول ما جُزئ القرآن بالحروف تجزئة ثمانية وعشرين ، وثلاثين ، وستين هذه الأجزاء التي تكون في أثناء السورة، وأثناء القصة ونحو ذلك كـان فـي زمــــن الحجاج وما بعده وروي أن الحجاج أمر بذلك. ومن العراق فشا ذلك ولم يكن أهل المدينة يعرفون ذلك (13/409) .
3- أن هذه التحزيبات تتضمن دائماً الوقوف على بعض الكلام المـتـصــــل بما بعده حتى يتضمن الوقوف على المعطوف دون المعطوف عليه ، فيحصل القارئ في اليوم الثاني مبتدئاً بمعطوف كقوله - تعالى - : ((والْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ))[النساء:24] وقوله ((ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ ورَسُولِهِ))[الأحزاب:31] وأمثال ذلك ، ويتضمن الوقف على بعض القصة دون بعض - حتى كلام المتخاطبين - حتى يحصل الابتداء في اليوم الثاني بكلام المجيب كقوله - تعالى -(قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً))[الكهف:72] ومثل هذا الوقوف لا يسوغ في المجلس الواحد إذا طال الفصل بينهما بأجنبي ، ولهذا لو ألحق بالكلام عطف أو استثناء ، أو شرط ونحو ذلك بعد طول الفصل بأجنبي لم يسغ ذلك بلا نزاع.
4- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كــان عــادتــه الـغـالبة وعادة أصحابه أن يقرأ في الصلاة بسورة كـ ( ق ) ونحــوها وكما كان عمر - رضي الله عـنه - يقرأ بيونس ويوسف والنحل .. وأما القراءة بأواخر السور وأواسطها فلم يكن غالباً عليهم .
وقال: "وإذا كان تحزيبه بالحروف إنما هو تقريب لا تحديد، كان ذلك من جنس تجزئته بالسور هو أيضاً تقريب،فإن بعض الأسباع قد يكون أكثر من بعض في الحروف وفي ذلك من الـمـصـلحة العظيمة بقراءة الكلام المتصل بعضه ببعض ، والافتتاح بما فتح الله به السورة، والاختتام بما ختم به ، وتكميل المقصود من كل سورة ما ليس في ذلك التحزب. وفيه أيضاً من زوال المفاسد الذي في ذلك التحزيب ما تقدم التنبيه على بعضها".
وبعد هذه الوقفات السريعة أرى أنه لا يليق بشاب مسلم طالب للعلم ، يحمل بين كاهليه هم الإصلاح والتغيير ودعوة الناس - لا يليق به أن لا يكون له حزب من كتاب الله قل أو كثر . ومهما ادعى الإنسان المشاغل فهذه الدعوى تحتاج للبينة ولو أعطي الناس بدعواهم لادعى أقوام دماء أناس وأموالهم . وهذا دليل على قلة اهتمامه ، ومتى كانت تلاوة كتاب الله وإصلاح النفس وعبادة الله - عز وجل - مما لا يفعل إلا في وقت الفراغ .
ففي التحزيب تأسٍ بالسلف - رضوان الله عليهم - وفيه علاوة على ذلك تحقيق لهديه - صلى الله عليه وسلم- في المداومة على العمل الصالح فقد كان عمله دائماً، وكان يقول: "إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" . وفيه أن الإنسان يُكتب له حزبه إذا شغله عنه مرض أو سفر.
وفيه أيضاً تعاهد القرآن كما أمر بذلك - صلى الله عليه وسلم - فعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها" .
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقّلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت".
الهوامش :1- لا شــك أن فـي ذلـك مـبـالـغــة وتساهلاً في التصحيح لعلة منطلق من باب التساهل في تصحيح أو تحسين الأحاديث في فضائل الأعمال وفي الترغيب والترهيب وراجع التعليلات بعد ذلك
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع