ام جويرية وخديجة
وفقها الله
- إنضم
- 23 نوفمبر 2010
- المشاركات
- 938
- النقاط
- 18
تعاهد القرآن
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ
صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ
أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ" متفق عليه.
وعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا
مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا" متفق عليه.
قوله فإنه أشد تفصيا) بفتح الفاء وكسر الصاد المهملة الثقيلة بعدها تحتانية
خفيفة أي تفلتا وتخلصا , تقول تفصيت كذا أي أحطت بتفاصيله.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ
كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ نُسِّيَ وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ
تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ. متفق عليه.
قال ابن حجر واختلف في متعلق الذم من قوله " بئس " على أوجه :
الأول : قيل هو على نسبة الإنسان إلى نفسه النسيان وهو لا صنع له فيه فإذا
نسبه إلى نفسه أوهم أنه انفرد بفعله , فكان ينبغي أن يقول آنسيت أو نسيت بالتثقيل
على البناء للمجهول فيهما , أي أن الله هو الذي أنساني كما قال( وما رميت إذ رميت
ولكن الله رمى ) وقال( أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) ؟.
الوجه الثاني : ما فيه من الإشعار بعدم الاعتناء بالقرآن إذ لا يقع النسيان
إلا بترك التعاهد وكثرة الغفلة , فلو تعاهده بتلاوته والقيام به في الصلاة لدام
حفظه وتذكره , فإذا قال الإنسان نسيت الآية الفلانية فكأنه شهد على نفسه بالتفريط
فيكون متعلق الذم ترك الاستذكار والتعاهد لأنه الذي يورث النسيان.
الوجه الثالث: , قال الإسماعيلي : يحتمل أن يكون كره له أن يقول نسيت بمعنى
تركت لا بمعنى السهو العارض , كما قال تعالى( نسوا الله فنسيهم) وهذا اختيار أبي
عبيد وطائفة.
الوجه الرابع: , قال الإسماعيلي أيضا : يحتمل أن يكون فاعل نسيت النبي صلى
الله عليه وسلم كأنه قال : لا يقل أحد عني إني نسيت آية كذا , فإن الله هو الذي
نساني ذلك لحكمة نسخه ورفع تلاوته.
الوجه الخامس: , قال الخطابي : يحتمل أن يكون ذلك خاصا بزمن النبي صلى الله
عليه وسلم , وكان من ضروب النسخ نسيان الشيء الذي ينزل ثم ينسخ منه بعد نزوله الشيء
فيذهب رسمه وترفع تلاوته ويسقط حفظه عن حملته.
قال ابن حجر: وأرجح الأوجه الوجه الثاني , ويؤيده عطف الأمر باستذكار القرآن
عليه. وقال عياض : أول ما يتأول عليه ذم الحال لا ذم القول , أي بئس الحال حال من
حفظه ثم غفل عنه حتى نسيه".
ولعل الأمر كما قال الحافظ رحمه الله، وحتى لو لم يصح هذا التفسير فيبقى الأمر
بتعاهد القرآن في النصوص الأخرى قائماً، ولا شك أن الأمر بتعاهد القرآن يلزم منه
النهي عن تعريضه للنسيان.
وقد شبه النبي rصلى الله عليه وسلم في هذه النصوص حال حافظ القرآن بحال صاحب
الإبل المعقلة وهو تشبيه بليغ، يليق بأفصح الخلق rصلى الله عليه وسلم قال الزين
العراق رحمه الله:"شَبَّهَ دَرْسَ الْقُرْآنِ وَاسْتِمْرَارَ تِلَاوَتِهِ
بِالْعِقَالِ الَّذِي يَمْنَعُ الْبَعِيرَ مِنْ الشِّرَادِ فَمَا دَامَ الدَّرْسُ
مَوْجُودًا فَالْحِفْظُ مُسْتَمِرٌّ وَمَا دَامَ الْعِقَالُ مَوْثُوقًا
فَالْبَعِيرُ مَحْفُوظٌ وَخَصَّ الْإِبِلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَشَدُّ
الْحَيَوَانَاتِ الْإِنْسِيَّةِ شِرَادًا وَنُفُورًا وَتَحْصِيلُهَا بَعْدَ
نُفُورِهَا أَشَقُّ وَأَصْعَبُ مِنْ تَحْصِيلِ غَيْرِهَا بَعْدَ نُفُورِهِ
وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم { إنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ
أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْش ِ } وَقَالَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ { إنَّ عَلَى
ذِرْوَةِ سَنَامِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَان َ } "
وقال ابن بطال :" هذا الحديث يوافق الآيتين قوله تعالى( إنا سنلقي عليك قولا
ثقيلا ) وقوله تعالى( ولقد يسرنا القرآن للذكر ) , فمن أقبل عليه بالمحافظة
والتعاهد يسر له , ومن أعرض عنه تفلت منه".
إن من رزقه الله تبارك وتعالى حفظ القرآن الكريم قد أوتي خيراً كثيراًن وقد رزق
نعمة خسرها كثير من الناس بل هم يتمنونها، فحري به أن يحافظ على هذه النعمة ويقوم
بشكرها، وأول ما ينبغي له في شكر هذه النعمة أن يسعى للمحافظة على حفظه للقرآن
الكريم والبقاء عليه.
تدارس القرآن:
من حق القرآن على المؤمنين أن يعتنوا بتدارسه، وأن يعمروا مجالسهم بذلك، ولهم
في ذلك أسوة حسنة بنبيهم rصلى الله عليه وسلم الذي كان يتدار سالقرآن من جبريل عليه
السلام.
عن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا
يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ
عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ فَإِذَا
لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ
الْمُرْسَلَة ِ. متفق عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ
فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا
فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَام الَّذِي قُبِضَ فِيهِ. رواه البخاري
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا أَنْ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَا
الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ
يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ
وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ
بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ
وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ فَبَعَثَهُمْ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَعَرَضُوا لَهُمْ
فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ فَقَالُوا اللَّهُمَّ بَلِّغْ
عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا
قَالَ وَأَتَى رَجُلٌ حَرَامًا خَالَ أَنَسٍ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ
حَتَّى أَنْفَذَهُ فَقَالَ حَرَامٌ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ
قُتِلُوا وَإِنَّهُمْ قَالُوا اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ
لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا. رواه مسلم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ
اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى
مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ
مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ
الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا
يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ
وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ
وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ
وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ
فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِه ِ رواه مسلم.
وإنه لحري بمدارس المسلمين اليوم، وبمعاهد القرآن الكريم وحلقاته التي انتشرت
واعمت أرجاء بلاد المسلمين، حري بهذه المدارس وتلك أن تعنى بتدارس القرآن الكريم،
وألا يقف الأمر لديها على مجرد حفظه وتلاوته، مع أهمية ذلك وعظم الحاجة إليه. بل
ينبغي أن تتجاوز رسالتها الوقوف عند هذا القدر، لتصبح ميدانا لتدارس القرآن الكريم،
ولتفهم معانيه، ثم ربط ذلك في حياة المسلمين المعاصرة والسعي لفهم الواقع ونقده على
ضوئه، والسعي للبحث عن حلول لما يعانيه المسلمون اليوم ، وسوف يجدوا في القرآن
الكريم الجواب الشافي في ذلك.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ
صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ
أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ" متفق عليه.
وعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا
مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا" متفق عليه.
قوله فإنه أشد تفصيا) بفتح الفاء وكسر الصاد المهملة الثقيلة بعدها تحتانية
خفيفة أي تفلتا وتخلصا , تقول تفصيت كذا أي أحطت بتفاصيله.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ
كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ نُسِّيَ وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ
تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ. متفق عليه.
قال ابن حجر واختلف في متعلق الذم من قوله " بئس " على أوجه :
الأول : قيل هو على نسبة الإنسان إلى نفسه النسيان وهو لا صنع له فيه فإذا
نسبه إلى نفسه أوهم أنه انفرد بفعله , فكان ينبغي أن يقول آنسيت أو نسيت بالتثقيل
على البناء للمجهول فيهما , أي أن الله هو الذي أنساني كما قال( وما رميت إذ رميت
ولكن الله رمى ) وقال( أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) ؟.
الوجه الثاني : ما فيه من الإشعار بعدم الاعتناء بالقرآن إذ لا يقع النسيان
إلا بترك التعاهد وكثرة الغفلة , فلو تعاهده بتلاوته والقيام به في الصلاة لدام
حفظه وتذكره , فإذا قال الإنسان نسيت الآية الفلانية فكأنه شهد على نفسه بالتفريط
فيكون متعلق الذم ترك الاستذكار والتعاهد لأنه الذي يورث النسيان.
الوجه الثالث: , قال الإسماعيلي : يحتمل أن يكون كره له أن يقول نسيت بمعنى
تركت لا بمعنى السهو العارض , كما قال تعالى( نسوا الله فنسيهم) وهذا اختيار أبي
عبيد وطائفة.
الوجه الرابع: , قال الإسماعيلي أيضا : يحتمل أن يكون فاعل نسيت النبي صلى
الله عليه وسلم كأنه قال : لا يقل أحد عني إني نسيت آية كذا , فإن الله هو الذي
نساني ذلك لحكمة نسخه ورفع تلاوته.
الوجه الخامس: , قال الخطابي : يحتمل أن يكون ذلك خاصا بزمن النبي صلى الله
عليه وسلم , وكان من ضروب النسخ نسيان الشيء الذي ينزل ثم ينسخ منه بعد نزوله الشيء
فيذهب رسمه وترفع تلاوته ويسقط حفظه عن حملته.
قال ابن حجر: وأرجح الأوجه الوجه الثاني , ويؤيده عطف الأمر باستذكار القرآن
عليه. وقال عياض : أول ما يتأول عليه ذم الحال لا ذم القول , أي بئس الحال حال من
حفظه ثم غفل عنه حتى نسيه".
ولعل الأمر كما قال الحافظ رحمه الله، وحتى لو لم يصح هذا التفسير فيبقى الأمر
بتعاهد القرآن في النصوص الأخرى قائماً، ولا شك أن الأمر بتعاهد القرآن يلزم منه
النهي عن تعريضه للنسيان.
وقد شبه النبي rصلى الله عليه وسلم في هذه النصوص حال حافظ القرآن بحال صاحب
الإبل المعقلة وهو تشبيه بليغ، يليق بأفصح الخلق rصلى الله عليه وسلم قال الزين
العراق رحمه الله:"شَبَّهَ دَرْسَ الْقُرْآنِ وَاسْتِمْرَارَ تِلَاوَتِهِ
بِالْعِقَالِ الَّذِي يَمْنَعُ الْبَعِيرَ مِنْ الشِّرَادِ فَمَا دَامَ الدَّرْسُ
مَوْجُودًا فَالْحِفْظُ مُسْتَمِرٌّ وَمَا دَامَ الْعِقَالُ مَوْثُوقًا
فَالْبَعِيرُ مَحْفُوظٌ وَخَصَّ الْإِبِلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَشَدُّ
الْحَيَوَانَاتِ الْإِنْسِيَّةِ شِرَادًا وَنُفُورًا وَتَحْصِيلُهَا بَعْدَ
نُفُورِهَا أَشَقُّ وَأَصْعَبُ مِنْ تَحْصِيلِ غَيْرِهَا بَعْدَ نُفُورِهِ
وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم { إنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ
أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْش ِ } وَقَالَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ { إنَّ عَلَى
ذِرْوَةِ سَنَامِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَان َ } "
وقال ابن بطال :" هذا الحديث يوافق الآيتين قوله تعالى( إنا سنلقي عليك قولا
ثقيلا ) وقوله تعالى( ولقد يسرنا القرآن للذكر ) , فمن أقبل عليه بالمحافظة
والتعاهد يسر له , ومن أعرض عنه تفلت منه".
إن من رزقه الله تبارك وتعالى حفظ القرآن الكريم قد أوتي خيراً كثيراًن وقد رزق
نعمة خسرها كثير من الناس بل هم يتمنونها، فحري به أن يحافظ على هذه النعمة ويقوم
بشكرها، وأول ما ينبغي له في شكر هذه النعمة أن يسعى للمحافظة على حفظه للقرآن
الكريم والبقاء عليه.
تدارس القرآن:
من حق القرآن على المؤمنين أن يعتنوا بتدارسه، وأن يعمروا مجالسهم بذلك، ولهم
في ذلك أسوة حسنة بنبيهم rصلى الله عليه وسلم الذي كان يتدار سالقرآن من جبريل عليه
السلام.
عن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا
يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ
عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ فَإِذَا
لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ
الْمُرْسَلَة ِ. متفق عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ
فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا
فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَام الَّذِي قُبِضَ فِيهِ. رواه البخاري
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا أَنْ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَا
الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ
يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ
وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ
بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ
وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ فَبَعَثَهُمْ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَعَرَضُوا لَهُمْ
فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ فَقَالُوا اللَّهُمَّ بَلِّغْ
عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا
قَالَ وَأَتَى رَجُلٌ حَرَامًا خَالَ أَنَسٍ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ
حَتَّى أَنْفَذَهُ فَقَالَ حَرَامٌ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ
قُتِلُوا وَإِنَّهُمْ قَالُوا اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ
لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا. رواه مسلم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ
اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى
مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ
مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ
الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا
يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ
وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ
وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ
وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ
فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِه ِ رواه مسلم.
وإنه لحري بمدارس المسلمين اليوم، وبمعاهد القرآن الكريم وحلقاته التي انتشرت
واعمت أرجاء بلاد المسلمين، حري بهذه المدارس وتلك أن تعنى بتدارس القرآن الكريم،
وألا يقف الأمر لديها على مجرد حفظه وتلاوته، مع أهمية ذلك وعظم الحاجة إليه. بل
ينبغي أن تتجاوز رسالتها الوقوف عند هذا القدر، لتصبح ميدانا لتدارس القرآن الكريم،
ولتفهم معانيه، ثم ربط ذلك في حياة المسلمين المعاصرة والسعي لفهم الواقع ونقده على
ضوئه، والسعي للبحث عن حلول لما يعانيه المسلمون اليوم ، وسوف يجدوا في القرآن
الكريم الجواب الشافي في ذلك.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع