ابن عامر الشامي
وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
- إنضم
- 20 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 10,237
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المملكة المغربية
- احفظ من كتاب الله
- بين الدفتين
- احب القراءة برواية
- رواية حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- سعود الشريم
- الجنس
- اخ
تعليقات على ( سنن أبي داود )
الدرس الثلاثون
حديث 394
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
www.albahre.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
بابٌ في المواقيت
حديث رقم -394-
( حسن ) حدثنا محمد بن سلمة المرادي ثنا بن وهب عن أسامة بن زيد الليثي أن بن شهاب أخبره " أن عمر بن عبد العزيز كان قاعدا على المنبر فأخر العصر شيئا فقال له عروة بن الزبير أما إن جبريل صلى الله عليه وسلم قد أخبر محمدا صلى الله عليه وسلم بوقت الصلاة فقال له عمر أعلم ما تقول فقال عروة سمعت بشير بن أبي مسعود يقول سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " نزل جبريل صلى الله عليه وسلم فأخبرني بوقت الصلاة فصليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه يحسب بأصابعه خمس صلوات ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر حين تزول الشمس ، وربما أخرها حين يشتد الحر ورأيته يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن تدخلها الصفرة فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس ، ويصلى المغرب حين تسقط الشمس ، ويصلى العشاء حين يسود الأفق ، وربما أخرها حتى يجتمع الناس ، وصلى الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ولم يعد إلى أن يسفر " )
قال أبو داود : روى هذا الحديث عن الزهري معمر ومالك وبن عيينة وشعيب بن أبي حمزة والليث بن سعد وغيرهم لم يذكروا الوقت الذي صلى فيه ولم يفسروه وكذلك أيضا رواه هشام بن عروة وحبيب بن أبي مرزوق عن عروة نحو رواية معمر وأصحابه إلا أن حبيبا لم يذكر بشيرا .
( صحيح ) وروى وهب بن كيسان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المغرب – قال- ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس يعني من الغد وقتا واحدا )
( حسن ) قال أبو داود وكذلك روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم صلى بي المغرب يعني من الغد وقتا واحدا )
وكذلك روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص من حديث حسان بن عطية عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم )
من الفوائد :
أن السلف رحمهم الله كانوا يتناقشون في المسائل العلمية ليتبين لهم الحق كما حصل هذا الحوار بين عمر بن عبد العزيز رحمه الله وبين عروة بن الزبير رضي الله عنهما ، وكان هذا الحوار يملأه الهدوء ،لم ؟ لأن النفوس كانت صافية ترغب في الوصول إلى الحق ، سواء أتى الحق من طريقها أو من طريق غيرها ، فهي تربية لمن يطلب العلم الشرعي أن يسير على ما سار عليه هؤلاء رحمهم الله ، فإن في سيرهم الخير الكثير والفائدة العظيمة .
ومن الفوائد :
أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أخَّر صلاة العصر شيئا أي وقتا من الزمن ، وقال بعض العلماء إنه أخر مسيره وانتقاله بعد العصر شيئا .
وظاهر الحديث يدل على الاحتمال الأول ، وهو أنه أخر صلاة العصر شيئا .
فحصل الإنكار من عروة رضي الله عنه ، فأعقبه عمر بن عبد العزيز بإنكار آخر ، ما وجه إنكار عمر بن عبد العزيز رحمه الله على عروة ؟
قال بعض العلماء : إنه أنكر على عروة حتى يتثبت فيما يقول وينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو يريد منه أن يتثبت أكثر ، وإلا فمعلوم أن عروة رضي الله عنه لن يقدم مع جلالة قدره على التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال بعض العلماء : إن عمر بن العبد العزيز أنكر على عروة لأنه كان يرى المقام الأعظم للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يتقدم جبريل عليه فيكون إماما .
فقد عظم على عمر رحمه الله من أن يؤم جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل والعظمة .
وهذا القول هو أقرب ، لأن عمر بن عبد العزيز رحمه الله لما له من المقام الكبير لا يمكن أن يجهل أوقات الصلوات ، فهي واجبة وفرض في التعلم على من هو دونه ، فكيف به رحمه الله .
ومن الفوائد :
أنه مر معنا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق أنه قال ( صلى بي ) قال بعض العلماء " فصلى معي " ولهم دليل في هذا الحديث لما ذهبوا إليه في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، لأنه قال هنا ( فصليت معه ) .
ومن الفوائد :
فهل يكون جبريل عليه السلام ليس إماما للنبي صلى الله عليه وسلم بسبب المعية ؟
الظاهر ذلك، ولكن المعنية في قوله ( فصليت معه ) لا يلزم ألا يكون جبريل إماما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، تقول " صليت مع فلان " وتقصد بذلك أن تكون إماما أو يكون هو الإمام .
ومن الفوائد :
أن عمر رحمه الله قال لعروة رضي الله عنه ( اعلم ما تقول ) من باب ماذا ؟ من باب التأكيد عليه ألا يذكر حديثا إلا بعدما يتثبت منه التثبت المؤكد .
ومن الفوائد :
أن العلماء يقولون " من كُذِّب فليسند " وقد أسند عروة رضي الله عنه لما أنكر عليه عمر بن عبد العزيز رحمه الله .
ومن الفوائد :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( فصليت معه ) وعد هذه الجملة خمس مرات ، مبينا أنها خمس صلوات في ذلك اليوم ، وما هي أول صلاة صلاها جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هي صلاة الظهر كما بينت الروايات الأخرى
ومن الفوائد :
أن جملة ( فصليت معه ) كررت خمس مرات وأكدت بعدد الأصابع ، قال ( يحسبها ) هل هي بالياء التحتية ، فيكون الحاسب لها الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
أم بالنون ، فيكون الحاسب لها الصحابة رضي الله عنهم ؟
ضبطت بهذا وضبطت بهذا .
ومن الفوائد :
أن أول صلاة الظهر يبدأ من الزوال ، ما هو الزوال ؟
مر معنا في حديث ابن عباس وهو أن الشمس إذا طلعت من المشرق ترتفع في السماء ثم تقف حين يقول قائم الظهيرة قبيل الزوال ثم بعد ذلك تزول من جهة المشرق إلى جهة المغرب ، فإذا بدأ زوالها وانتقالها من المشرق إلى المغرب فهذا هو أول وقت صلاة الظهر .
ومن الفوائد :
أن الأفضل في صلاة الظهر أن تكون في أول وقتها عند الزوال إلا إذا اشتد الحر فتؤخر كما أشار الحديث هنا .
ومن الفوائد :
أن وقت صلاة الظهر ينتهي إذا حضر وقت صلاة العصر ، متى يحضر وقت صلاة العصر ؟ إذا صار للشيء ظل مثله .
ومن الفوائد :
أن الأفضل في صلاة العصر أن تؤدى في أول وقتها ، فإن الصحابة رضي الله عنهما يخرجون منها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( والشمس بيضاء ) أي لم تتغير ،فيصلون إلى ذي الحليفة ، وهي قرية بها ميقات أهل المدينة ، وهذا يدل على شدة التبكير بصلاة العصر .
ومن الفوائد :
أن الأفضل في صلاة المغرب أن تؤدى حينما تسقط الشمس يعني حينما تغرب .
وهذا يدل على أن أول وقت صلاة المغرب هو الوقت الفاضل ، لكن هل يمتد أم لا ؟
بعض العلماء : يرى من خلال حديث جبريل ( أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني وصلى حينما غرب الشمس ) فقال بعض العلماء إن وقت صلاة المغرب مضيَّق .
والصواب كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى أنه ممتد إلى مغيب الشفق ، ويدل لذلك حديث بريدة عند مسلم وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عند مسلم ، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما عند مسلم ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي ، فيكون الجمع بينهما أن الأفضل في صلاة المغرب أن تؤدى أول الوقت، وأن الامتداد زيادة سعة ورخصة من الله عز وجل .
وقال بعض العلماء إن حديث جبريل كان بمكة ، وهذه الأحاديث التي عند مسلم وحديث أبي هريرة عند الترمذي إنما كانت بالمدينة ، فلا تعارض بينهما .
ومن الفوائد :
أن أول وقت صلاة العشاء من مغيب الشفق ، ويمتد وقتها كما جاء عند مسلم إلى نصف الليل ، وكان صلى الله عليه وسلم ينظر إلى ما يناسب أصحابه رضي الله عنهم ، فإن كانوا مجتمعين بكَّر بالصلاة وإن تأخروا أخر الصلاة ، مع أن حبه لصلاة العشاء أن تؤدى في آخر وقتها لما لها من الفضل ، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الفجر مرة بغلس ومرة حينما أسفر .
والغلس : هو بقية الظلام الذي اختلط به نور النهار .
والإسفار : هو تأخير صلاة الفجر إلى أن تسفر جدا شريطة ألا تطلع الشمس ، لأن الشمس إذا طلعت فقد خرج وقت صلاة الفجر .
ومن ثمَّ اختلف العلماء ، هل الأفضل أن تصلى صلاة الصبح بغلس ؟ أو أن تصلى في الإسفار ؟
أبو حنيفة رحمه الله يرى أن المندوب في صلاة الفجر أن تصلى بالإسفار ، ويستدل على ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ( أسفروا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم )
بينما يعارضه هذا الحديث الذي معنا قال ( صلى الصبح مرة بلغس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ولم يعد إلى أن يسفر ) وفي رواية ( حتى قبضه الله )
فكيف يكون التوفيق بين هذين الحديثين ؟
قال بعض العلماء : إن التغليس أفضل .
وقال بعض العلماء : إن الإسفار أفضل .
فلا عدول لنا عن ترجيح أحد القولين ، فمن العلماء من رأى أن حديث ( أسفروا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم ) رأوه منسوخا ، ويقول إن علامة النسخ ظاهرة ، أين ؟ قول أبي مسعود ( ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ولم يعد إلى أن يسفر )
والأقرب أن الأفضل في صلاة الصبح أن تصلى بغلس ، لظاهر الحديث الذي معنا ، وأما حديث ( أسفروا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم )
فقد علمتم ما قاله بعض العلماء من أنه منسوخ .
وقال آخرون إنه ضعيف لا يقاوم حديث أبي مسعود .
وقال آخرون وهو الأقرب في التوفيق بين الحديثين : أن قوله ( أسفروا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم ) هو أن يصليها بغلس ويطيل في القراءة حتى يسفر ، ويدل له تتمة الحديث ( فإنه أعظم لأجوركم )
ومن الفوائد :
أن السنة مفسرة وموضحة لما أجمل في القرآن ، فإن القرآن لم يذكر أوقات الصلوات مفسرة موضحة هذا التوضيح ، اللهم إلا في قوله تعالى {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }الإسراء78 فالآية تدل على أن الصلوات اليومية تبدأ من دلوك الشمس وهو الزوال ، إلى الغسق وهو شدة الظلمة ، وتكون عند منتصف الليل ، فمن الزوال إلى نصف الليل هذا وقت للصلاة ، ثم ذكر الوقت الآخر وهو الفجر { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }الإسراء78، فالسنة لا غنى للمسلم عنها ، ولذلك قال تعالى {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44 وقد سماها الله عز وجل حكمة { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }البقرة129 ،فالحكمة هي السنة على قول بعض المفسرين ، وهو الأقرب لقوله تعالى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ }الأحزاب34، فما تزعمه طائفة القرآنيين الذين يقولون نحن لا نتجاوز القرآن وما أتى به القرآن أخذنا به وما لم يأت به لا نأخذ به كفر ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الطائفة الضالة قال ( ألا لا يوشك رجل متكئ على أريكته وهو شبعان يقول ما أحل هذا القرن أحللناه وما حرمه القرآن حرمناه ، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه )
فهذه الطائفة طائفة كفرية كافرة بالله عز وجل .
ومن الفوائد :
أن قوله ( أما ) من طلائع القسم يراد منها التنبيه بمثل ( ألا )
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
منقول
الدرس الثلاثون
حديث 394
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
www.albahre.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
بابٌ في المواقيت
حديث رقم -394-
( حسن ) حدثنا محمد بن سلمة المرادي ثنا بن وهب عن أسامة بن زيد الليثي أن بن شهاب أخبره " أن عمر بن عبد العزيز كان قاعدا على المنبر فأخر العصر شيئا فقال له عروة بن الزبير أما إن جبريل صلى الله عليه وسلم قد أخبر محمدا صلى الله عليه وسلم بوقت الصلاة فقال له عمر أعلم ما تقول فقال عروة سمعت بشير بن أبي مسعود يقول سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " نزل جبريل صلى الله عليه وسلم فأخبرني بوقت الصلاة فصليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه يحسب بأصابعه خمس صلوات ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر حين تزول الشمس ، وربما أخرها حين يشتد الحر ورأيته يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن تدخلها الصفرة فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس ، ويصلى المغرب حين تسقط الشمس ، ويصلى العشاء حين يسود الأفق ، وربما أخرها حتى يجتمع الناس ، وصلى الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ولم يعد إلى أن يسفر " )
قال أبو داود : روى هذا الحديث عن الزهري معمر ومالك وبن عيينة وشعيب بن أبي حمزة والليث بن سعد وغيرهم لم يذكروا الوقت الذي صلى فيه ولم يفسروه وكذلك أيضا رواه هشام بن عروة وحبيب بن أبي مرزوق عن عروة نحو رواية معمر وأصحابه إلا أن حبيبا لم يذكر بشيرا .
( صحيح ) وروى وهب بن كيسان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المغرب – قال- ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس يعني من الغد وقتا واحدا )
( حسن ) قال أبو داود وكذلك روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم صلى بي المغرب يعني من الغد وقتا واحدا )
وكذلك روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص من حديث حسان بن عطية عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم )
من الفوائد :
أن السلف رحمهم الله كانوا يتناقشون في المسائل العلمية ليتبين لهم الحق كما حصل هذا الحوار بين عمر بن عبد العزيز رحمه الله وبين عروة بن الزبير رضي الله عنهما ، وكان هذا الحوار يملأه الهدوء ،لم ؟ لأن النفوس كانت صافية ترغب في الوصول إلى الحق ، سواء أتى الحق من طريقها أو من طريق غيرها ، فهي تربية لمن يطلب العلم الشرعي أن يسير على ما سار عليه هؤلاء رحمهم الله ، فإن في سيرهم الخير الكثير والفائدة العظيمة .
ومن الفوائد :
أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أخَّر صلاة العصر شيئا أي وقتا من الزمن ، وقال بعض العلماء إنه أخر مسيره وانتقاله بعد العصر شيئا .
وظاهر الحديث يدل على الاحتمال الأول ، وهو أنه أخر صلاة العصر شيئا .
فحصل الإنكار من عروة رضي الله عنه ، فأعقبه عمر بن عبد العزيز بإنكار آخر ، ما وجه إنكار عمر بن عبد العزيز رحمه الله على عروة ؟
قال بعض العلماء : إنه أنكر على عروة حتى يتثبت فيما يقول وينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو يريد منه أن يتثبت أكثر ، وإلا فمعلوم أن عروة رضي الله عنه لن يقدم مع جلالة قدره على التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال بعض العلماء : إن عمر بن العبد العزيز أنكر على عروة لأنه كان يرى المقام الأعظم للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يتقدم جبريل عليه فيكون إماما .
فقد عظم على عمر رحمه الله من أن يؤم جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل والعظمة .
وهذا القول هو أقرب ، لأن عمر بن عبد العزيز رحمه الله لما له من المقام الكبير لا يمكن أن يجهل أوقات الصلوات ، فهي واجبة وفرض في التعلم على من هو دونه ، فكيف به رحمه الله .
ومن الفوائد :
أنه مر معنا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق أنه قال ( صلى بي ) قال بعض العلماء " فصلى معي " ولهم دليل في هذا الحديث لما ذهبوا إليه في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، لأنه قال هنا ( فصليت معه ) .
ومن الفوائد :
فهل يكون جبريل عليه السلام ليس إماما للنبي صلى الله عليه وسلم بسبب المعية ؟
الظاهر ذلك، ولكن المعنية في قوله ( فصليت معه ) لا يلزم ألا يكون جبريل إماما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، تقول " صليت مع فلان " وتقصد بذلك أن تكون إماما أو يكون هو الإمام .
ومن الفوائد :
أن عمر رحمه الله قال لعروة رضي الله عنه ( اعلم ما تقول ) من باب ماذا ؟ من باب التأكيد عليه ألا يذكر حديثا إلا بعدما يتثبت منه التثبت المؤكد .
ومن الفوائد :
أن العلماء يقولون " من كُذِّب فليسند " وقد أسند عروة رضي الله عنه لما أنكر عليه عمر بن عبد العزيز رحمه الله .
ومن الفوائد :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( فصليت معه ) وعد هذه الجملة خمس مرات ، مبينا أنها خمس صلوات في ذلك اليوم ، وما هي أول صلاة صلاها جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هي صلاة الظهر كما بينت الروايات الأخرى
ومن الفوائد :
أن جملة ( فصليت معه ) كررت خمس مرات وأكدت بعدد الأصابع ، قال ( يحسبها ) هل هي بالياء التحتية ، فيكون الحاسب لها الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
أم بالنون ، فيكون الحاسب لها الصحابة رضي الله عنهم ؟
ضبطت بهذا وضبطت بهذا .
ومن الفوائد :
أن أول صلاة الظهر يبدأ من الزوال ، ما هو الزوال ؟
مر معنا في حديث ابن عباس وهو أن الشمس إذا طلعت من المشرق ترتفع في السماء ثم تقف حين يقول قائم الظهيرة قبيل الزوال ثم بعد ذلك تزول من جهة المشرق إلى جهة المغرب ، فإذا بدأ زوالها وانتقالها من المشرق إلى المغرب فهذا هو أول وقت صلاة الظهر .
ومن الفوائد :
أن الأفضل في صلاة الظهر أن تكون في أول وقتها عند الزوال إلا إذا اشتد الحر فتؤخر كما أشار الحديث هنا .
ومن الفوائد :
أن وقت صلاة الظهر ينتهي إذا حضر وقت صلاة العصر ، متى يحضر وقت صلاة العصر ؟ إذا صار للشيء ظل مثله .
ومن الفوائد :
أن الأفضل في صلاة العصر أن تؤدى في أول وقتها ، فإن الصحابة رضي الله عنهما يخرجون منها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( والشمس بيضاء ) أي لم تتغير ،فيصلون إلى ذي الحليفة ، وهي قرية بها ميقات أهل المدينة ، وهذا يدل على شدة التبكير بصلاة العصر .
ومن الفوائد :
أن الأفضل في صلاة المغرب أن تؤدى حينما تسقط الشمس يعني حينما تغرب .
وهذا يدل على أن أول وقت صلاة المغرب هو الوقت الفاضل ، لكن هل يمتد أم لا ؟
بعض العلماء : يرى من خلال حديث جبريل ( أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني وصلى حينما غرب الشمس ) فقال بعض العلماء إن وقت صلاة المغرب مضيَّق .
والصواب كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى أنه ممتد إلى مغيب الشفق ، ويدل لذلك حديث بريدة عند مسلم وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عند مسلم ، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما عند مسلم ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي ، فيكون الجمع بينهما أن الأفضل في صلاة المغرب أن تؤدى أول الوقت، وأن الامتداد زيادة سعة ورخصة من الله عز وجل .
وقال بعض العلماء إن حديث جبريل كان بمكة ، وهذه الأحاديث التي عند مسلم وحديث أبي هريرة عند الترمذي إنما كانت بالمدينة ، فلا تعارض بينهما .
ومن الفوائد :
أن أول وقت صلاة العشاء من مغيب الشفق ، ويمتد وقتها كما جاء عند مسلم إلى نصف الليل ، وكان صلى الله عليه وسلم ينظر إلى ما يناسب أصحابه رضي الله عنهم ، فإن كانوا مجتمعين بكَّر بالصلاة وإن تأخروا أخر الصلاة ، مع أن حبه لصلاة العشاء أن تؤدى في آخر وقتها لما لها من الفضل ، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الفجر مرة بغلس ومرة حينما أسفر .
والغلس : هو بقية الظلام الذي اختلط به نور النهار .
والإسفار : هو تأخير صلاة الفجر إلى أن تسفر جدا شريطة ألا تطلع الشمس ، لأن الشمس إذا طلعت فقد خرج وقت صلاة الفجر .
ومن ثمَّ اختلف العلماء ، هل الأفضل أن تصلى صلاة الصبح بغلس ؟ أو أن تصلى في الإسفار ؟
أبو حنيفة رحمه الله يرى أن المندوب في صلاة الفجر أن تصلى بالإسفار ، ويستدل على ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ( أسفروا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم )
بينما يعارضه هذا الحديث الذي معنا قال ( صلى الصبح مرة بلغس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ولم يعد إلى أن يسفر ) وفي رواية ( حتى قبضه الله )
فكيف يكون التوفيق بين هذين الحديثين ؟
قال بعض العلماء : إن التغليس أفضل .
وقال بعض العلماء : إن الإسفار أفضل .
فلا عدول لنا عن ترجيح أحد القولين ، فمن العلماء من رأى أن حديث ( أسفروا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم ) رأوه منسوخا ، ويقول إن علامة النسخ ظاهرة ، أين ؟ قول أبي مسعود ( ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ولم يعد إلى أن يسفر )
والأقرب أن الأفضل في صلاة الصبح أن تصلى بغلس ، لظاهر الحديث الذي معنا ، وأما حديث ( أسفروا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم )
فقد علمتم ما قاله بعض العلماء من أنه منسوخ .
وقال آخرون إنه ضعيف لا يقاوم حديث أبي مسعود .
وقال آخرون وهو الأقرب في التوفيق بين الحديثين : أن قوله ( أسفروا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم ) هو أن يصليها بغلس ويطيل في القراءة حتى يسفر ، ويدل له تتمة الحديث ( فإنه أعظم لأجوركم )
ومن الفوائد :
أن السنة مفسرة وموضحة لما أجمل في القرآن ، فإن القرآن لم يذكر أوقات الصلوات مفسرة موضحة هذا التوضيح ، اللهم إلا في قوله تعالى {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }الإسراء78 فالآية تدل على أن الصلوات اليومية تبدأ من دلوك الشمس وهو الزوال ، إلى الغسق وهو شدة الظلمة ، وتكون عند منتصف الليل ، فمن الزوال إلى نصف الليل هذا وقت للصلاة ، ثم ذكر الوقت الآخر وهو الفجر { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }الإسراء78، فالسنة لا غنى للمسلم عنها ، ولذلك قال تعالى {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44 وقد سماها الله عز وجل حكمة { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }البقرة129 ،فالحكمة هي السنة على قول بعض المفسرين ، وهو الأقرب لقوله تعالى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ }الأحزاب34، فما تزعمه طائفة القرآنيين الذين يقولون نحن لا نتجاوز القرآن وما أتى به القرآن أخذنا به وما لم يأت به لا نأخذ به كفر ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الطائفة الضالة قال ( ألا لا يوشك رجل متكئ على أريكته وهو شبعان يقول ما أحل هذا القرن أحللناه وما حرمه القرآن حرمناه ، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه )
فهذه الطائفة طائفة كفرية كافرة بالله عز وجل .
ومن الفوائد :
أن قوله ( أما ) من طلائع القسم يراد منها التنبيه بمثل ( ألا )
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
منقول
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع