المقدمة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. أما بعد: فأشكر الله الكريم المتعال الذي وفق لكتابة هذه الأسطر في هذا الملتقى المبارك، كما أشكر حكومتنا الرشيدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، على ما قدما ويقدمان في سبيل القرآن الكريم، وعلى دعمهما المتواصل لهذه الجمعيات المباركة والشكر موصول لراعي الملتقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز أمير المنطقة الشرقية.
وأقدم الشكر أيضا لوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ممثلة في ـ وزيرها ـ معالي الشيخ/ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ رئيس المجلس الأعلى للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم ؛ وأشكر الأمانة العامة لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم على المتابعة الدائمة والأعمال المتتابعة، والدراسات الرائدة التي تقدمها لرفع مستوى الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم .
وأشكر الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة الشرقية على عقدها هذا الملتقى المبارك الذي يحمل في طياته أهدافا سامية لمواضيع بنّاءة تحت مسمى: (جمعيات تحفيظ القرآن الكريمودورها في تحقيق الأمن).
وقد بنيت هذه الورقة ـ تعزيز دور الوالدين في تحقيق الأمن ـعلى المنهج الاستقرائي الاستنباطي، حيث راوحت فيه بين الآني:
1.النظر في النصوص الشرعية. 2.مطالعة بعض ما كتبه المتقدمون في هذا الجانب. 3.الواقع الذي عشته في هذه الحلقات على مدار أربعة عقود تقريبا.
مقدم الورقة الدكتور/ محمد يحيى غيلان
تمهيد: وفيه أسباب اختيار الموضوع، وأهمية البحث، وخطة الورقة. الوالدان كلمة عظيمة، جريانها على اللسان سلس جديد، وطاعتهما ركن في الصلاح شديد، والسير في برهما طريق رشيد، فهما أصل كل مولود، وهما باب إلى الجنة يقود، قرن الله طاعتهما بتوحيده في كثير من الآيات، وفي ذلك للصالحين كبير العظات، قضى الله علينا الإحسان إليهما، ووصى بهما في آيات كثيرة في كتابه الكريم. ولم تكن هذه المكانة الكبيرة للوالدين إلا لدورهما الفعال في تنشئة الخلف من الأبناء، والعمل على صلاحهم، وتربيتهم التربية الإيمانية الواعية، المبنية على هدي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى يكونوا صالحين مصلحين، مسارعين في الخيرات، وإقام الصلاة، وتقوم حياتهم على المحبة والوئام مع جميع فئات المجتمع، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ على الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أو ينصرانه، أو يُمَجِّسَانِهِ، كما تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هل تُحِسُّونَ فيها من جَدْعَاءَ ؟)([1])، ثُمَّ يقول أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ـ راوي الحديث ـ: ( فِطْرَةَ اللَّهِ التي فَطَرَ الناس عليها لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلك الدِّينُ الْقَيِّمُ)([2]). أسباب اختيار الموضوع: لكل عمل خيري روافد أساسية يقوم عليها، ويكتمل بتعاضدها وتكاتفها جميعا، ومن أهم روافد العملية التعليمية في حلقات التحفيظ الوالدان، فهما اللذان يوجهان أولادهما نحو الخير، وبغياب دورهما يكون الانحراف، ويحدث ما لا يحمد عقباه، ولا يخفى أن انحراف الأبناء هو العامل الأكبر في الخلل الأمني الذي يقع على المجتمع والأسر والأفراد، ومن هنا جاء الاختيار الموفق لعنوان هذا الملتقى المبارك: (جمعيات تحفيظ القرآن الكريمودورها في تحقيق الأمن). ويمكنني أن أجمل أسباب اختيار هذا الموضوع، وهو تعزيز دور الوالدين في تحقيق الأمن للآتي: 1.إظهار دور الوالدين في المجتمع الإنساني وكبير أثرهما في نشوء الأجيال وتربيتهم. 2.إبراز المسؤولية الدينية والوطنية الكبيرة الملقاة على الوالدين في توجهات أولادهما. 3.إظهار العناية بالأبناء فهم عماد الوطن وحماة الدين، وهم خلف الأسلاف من آبائهم، فكان لزاما على الوالدين العناية بهم؛ ليكونوا خلفا صالحا نافعا في الحاضر والمستقبل. 4.إبراز الدور الذي تقوم به حلقة التحفيظ، ولن تكون مؤثرة ما لم تجد الدعم الكامل من الوالدين حتى تؤدي دورها كاملا في التعليم والإصلاح. أهمية البحث. في زحمة الآراء والأفكار والفضائيات ـ وما تحمله من انحرافات ـ كان لزاما على المصلحين أن يكون لهم دور في التوجيه، والتربية، والتذكير، وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم ـ وحلقاتها ـ محضن مهم من محاضن التربية والتوجيه، كيف لا وهي تعلم الأبناء القرآن الكريم، وتربيهم بما يحمله من فضائل وآداب. وبما أن صلاح الأبناء هو الهدف الأول من أهداف جمعيات تحفيظ القرآن الكريم كان لزاما من إظهار الدور الكبير الذي يقوم به الوالدان من خلال حلقات القرآن الكريم في تربية الأبناء دينيا، وأمنيا، وأخلاقيا، ودور الوالدين يبرز في الآتي: 1.تسجيل أبنائهم وبناتهم في حلقات التحفيظ. 2.التعاون المستمر مع إدارة الجمعية ومعلم الحلقة. 3.المتابعة الدائمة لواجبات الأولاد في حلقات التحفيظ. 4.المتابعة والتوجيه للأولاد بما يحفظونه من آيات والتركيز على العبر والعظات. 5.إبراز إيجابيات حلقات التحفيظ والدور البناء الذي تقوم به بالتعاون مع الوالدين في تحقيق الأمن. خطة الورقة: المقدمة. تمهيد وفيه الآتي: أسباب اختيار الموضوع. أهمية الموضوع. المبحث الأول: دور الوالدين ـ أمنيا ـ في توجيه الأبناء لحلقات التحفيظ. المطلب الأول: دور الوالدين في تسجيل الأبناء في حلقات التحفيظ. المطلب الثاني: فوائد حلقات التحفيظ دينيا وتربويا وأمنيا. المطلب الثالث: دور الوالدين في دعم حلقات التحفيظ. المبحث الثاني: دور الوالدين الأمني في التوجيه بما يحفظه الولد في الحلقة. المطلب الأول: دور الوالدين الأمني في تربية الأبناء على الإيمان. المطلب الثاني: دور الوالدين الأمني في تحلي الأبناء بالأخلاق الحميدة. المطلب الثالث: دور الوالدين الأمني في تخلي الأبناء عن الأخلاق السيئة. الخاتمة، وفيها مطلبان. 1 ـ أهم النتائج. 2 ـ أهم التوصيات. فهرس الآيات القرآنية. فهرس الأحاديث والآثار. فهرس المراجع. فهرس الموضوعات. المبحث الأول: دور الوالدين ـ أمنيا ـ في توجيه الأبناء لحلقات التحفيظ. بين يدي موضوع الورقة: من أهم واجبات الوالدين تجاه الأبناء بذل غاية الوسع في التربية والتوجيه؛ ليكون الولد صالحا مصلحا في نفسه، ودينه، ووطنه، فكما خلف الآباء من قبلهم من أبائهم سيخلف الأولاد آباءهم. فالأبناء هم عماد الأمة، وعدة المستقبل، بهم ترفع راية التوحيد، وبهم تقام شعائر الإسلام، وبهم تنصر الأمة على أعدائها، وبهم تتحق الخلافة التي أرادها الله في الأرض. والأولاد فخر في الدنيا وزينة، قال الله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ)([3])، قال ابن كثير: وحب البنين تارة يكون للتفاخر والزينة، فهو داخل في هذا وتارة يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله وحده لا شريك له فهذا محمود ممدوح([4]). والأولاد الصالحون بعد الموت للآباء خير وبركة، وزيادة في الحسنات بالدعاء والقربات، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إلا من ثَلَاثَةٍ إلا من صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)([5])، قال النووي: قال العلماء معنى الحديث: أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة؛ لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه؛ من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية، وهي الوقف، وفيه فضيلة الزواج لرجاء ولد صالح([6]). ولمكانة الأولاد العظيمة جاء الأمر بالعناية بهم في القرآن الكريم، وجاء الأمر بتوجيههم للخير وعمل الصالحات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..)([7])، قال ابن كثير رحمه الله: ومثل هذه الآية قوله صلى الله عليه وسلم: ( مُرُوا الصَّبِىَّ بِالصَّلاَةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا )([8])،قال الفقهاء: وهكذا في الصوم؛ ليكون ذلك تمرينًا له على العبادة، لكي يبلغ وهو مستمر على العبادة والطاعة، ومجانبة المعصية وترك المنكر، والله الموفق ([9]). وقال القرطبي رحمه الله: قال بعض العلماء: لما قال سبحانه: ( قُوا أَنْفُسَكُمْ ) دخل فيه الأولاد، لأن الولدَ بعضٌ منه،كما دخل في قوله تعالى: ( وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ )([10]) فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات، فيعلمه الحلال والحرام، ويجنبه المعاصي والآثام، إلى غير ذلك من الأحكام([11]). وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه؛ِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )([12]). فالوالدان منصوص عليهما في الحديث، وكلاهما راع ومسؤول عن رعيته، ولا شك أن رعاية الدين والأخلاق من أهم ما يجب على الوالدين الاهتمام به حتى يُنَشِّئا جيلا صالحا عاملا للخير داعيا إليه، وتاركا للشر ناهيا عنه([13]). المطلب الأول: دور الوالدين في تسجيل الأبناء في حلقات التحفيظ. من فضل الله على الآباء والأمهات أن يسر قيام هذه الجمعيات المباركة في طول البلاد وعرضها، وانتشرت حلقات التحفيظ، وظهر خيرها تعليميا واجتماعيا وأمنيا. وإذا كان من سبق من الآباء قد فاته تعلم القرآن وإتقانه حفظا وتجويدا فمن الخطأ الكبير أن يفوت الوالدان على أولادهم هذا الخير العظيم، فمعلم القرآن الكريم ومتعلمه والقائم على ذلك من خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ من تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)([14]). ومن منطلق البناء الصحيح للأبناء، ومن أجل غرس الفضائل والأخلاق الكريمة في، نفوسهم يقوم الوالدان بإبراز مكانة القرآن الكريم في الإسلام، وتحبيب الأبناء وتشجيعهم على حفظ القرآن الكريم، ويكون ذلك بالآتي: 1.ببيان الهداية التي وضعها الله في القرآن الكريم، وأنه يهدي للتي هي أقوم، قال تعالى: ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا )([15])، والتي هي أقوم: هي الطريق القيمة الواضحة التي فيها كل خير وسعادة، قال الطبري رحمه الله: إن هذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرشد ويسدّد من اهتدى به، ( لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )، يقول: للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السبل، وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه وهو الإسلام، يقول جلّ ثناؤه: فهذا القرآن يهدي عباد الله المهتدين به إلى قصد السبيل الذي ضل عنه سائر أهل الملل المكذبين به([16]). 2.بيان مكانة حافظ القرآن الكريم عند الله سبحانه وتعالى، وتعريف الأولاد بالأجر الجزيل على تلاوة القرآن وحفظه، قال صلى الله عليه وسلم: ( مَثَلُ الذي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وهو حَافِظٌ له مع السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَمَثَلُ الذي يَقْرَأُ وهو يَتَعَاهَدُهُ وهو عليه شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ)([17])، وقال صلى الله عليه وسلم: (من قَرَأَ حَرْفًا من كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ ألم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ)([18])، وفي الآخرة يكون لحافظ القرآن شأن عظيم، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كما كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا فإن مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا)([19]). 3.تحبيـب الأولاد في الذهاب إلى المسجد والجلوس في حلقات التحفيظ وحفظ آيات القرآن، وحثهم على ذلك، وتشجيعهم معنويا، وبث الحماس فيهم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على ذلك، فعن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ رضي الله عنه قال خَرَجَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ في الصُّفَّةِ، فقال: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إلى بُطْحَانَ([20]) أو إلى الْعَقِيقِ([21]) فَيَأْتِيَ منه بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ([22]) في غَيْرِ إِثْمٍ ولا قَطْعِ رَحِمٍ؟ فَقُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ نُحِبُّ ذلك، قال: أَفَلا يَغْدُو أحدكم إلى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أو يَقْرَأُ آيَتَيْنِ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل خَيْرٌ له من نَاقَتَيْنِ، وَثَلاثٌ خَيْرٌ له من ثَلاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ له من أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ من الإِبِلِ)([23]). 4.تشجيعهم ماديا، ووعدهم بأمور يحبونها، مثل الرحلات، والعمرة، والجوائز العينية مثل الكمبيوتر والدراجة ونحوها. 5.الذهاب معهم ـ فعليا ـ إلى حلقة القرآن ومقابلة معلم الحلقة، وتسجيلهم والجلوس معهم حتى يسلكوا في حلقة القرآن. 6.متابعة الواجبات اليومية للأولاد في الحلقة، والحرص على أن يتم إتقانهم لها يوميا، كما يتابعون في تقدمهم في كمية الحفظ، ويتابعون ـ أيضا ـ في إتقانهم لكل ما حفظونه. ويكون الوالدان بهذا قد قطعا نصف المسافة في تربية ابنهما بكتاب الله الكريم، ويكون الولد بإذن الله في مأمن من الانحراف وضياع الأوقات فيما لا ينفع. المطلب الثاني: فوائد حلقات التحفيظ أمنيا. إن توفيق الله للوالدين في توجيه ولدهما لحلقة التحفيظ نعمة كبيرة يظهر أثرها ـ فيما يستقبل من الزمان ـ تربويا وعلميا وأمنيا؛ لأن الأبناء بذهابهم لحلقات التحفيظ يخالطون أهل القرآن من معلمين وطلاب، وهذا يورثهم ـ بإذن الله ـ خيرا كثيرا. ولا شك أن ما يحفظه الطالب ويكرره من القرآن الكريم ـ في حلقة التحفيظ ـ يثبت لديه قيما وآدابا كثيرة، كما يستفيد الطالب من توجيهات معلمه، ومناقشة والديه معرفة وتربية وتوجيها ينفعه في حياته؛ فيكون ـ بإذن الله ـ عضوا صالحا في المجتمع ويمكنني أن أشير إلى بعض تلك الأمور بإشارات يسيرة منها: 1.أداء الولد لبعض الصلوات في المسجد مثل صلاة العصر والمغرب والعشاء، وهي الصلوات الموافقة لحلقة التحفيظ. 2.تعلم الولد للسنن والآداب، وتطبيقها في ذهابه وإيابه. 3.حصول الولد على مفردات شرعية كثيرة، لا يمكن أن يحصل عليها إلا بحفظ القرآن الكريم وتكرار آياته، وقد أثنى الله على المساجد ومرتاديها ، فقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ() رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ() لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)([24])، وفي السنة النبوية ما يدل على مثل هذه المعاني العظيمة، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا سَهَّلَ الله له بِهِ طَرِيقًا إلى الْجَنَّةِ، وما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ من بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلا نَزَلَتْ عليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ الله فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لم يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)([25]). 4.حفظ الوقت فيما ينفع، وحفظ الوقت مطلب عزيز خاصة في أزماننا حيث كثرت الملهيات والمشغلات عن النافع من الأمور، بل إنها تشغل حتى عن الطاعات وتدعوا للشرور والمنهيات، وصدق من سمى تلك الملهيات بمساجد الضرار؛ لما فيها من صرف عن الخير ومعالي الأمور، قال صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ من الناس الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ)([26]). 5.مرافقة أهل القرآن من الأقران، والبعد عن مواطن الشبه والريب، ولا يعدل الصحبة الصالحة شيء في الدلالة على معالي الأمور، والتعاون على البر والتقوى، والله سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين)([27])، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنما مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ منه، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)([28])، وقال صلى الله عليه وسلم: (الرَّجُلُ على دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أحدكم من يُخَالِلُ)([29]). 6.طلاقة اللسان، وجمال الأسلوب في العبارات، فالقرآن الكريم حفظ الله به الدين، كما حفظ به لغة الدين وهي اللغة العربية. 7.التقدم في دروسه والتميز على زملائه في المدرسة في الخطابة والثقافة، وغيرهما، للممارسته للقراءة كثيرا في حفظه وتسميعه، ولتنشيط ذهنه الدائم بحفظ القرآن الكريم 8.الحرص على طاعة الوالدين وتقديرهما، ويكون ما يحفظه من الآيات التي تأمر ببر الوالدين من أهم الأمور التي تحثه على ذلك. 9.احترام وتقدير الآخرين من أهل الحي كبارا وصغارا. 10.الحياة الاجتماعية التي يعيشها في الحلقات يعتاد فيها على التسامح والتراحم، ويكون فيها بعيدا عن الانطواء والتوحد الضار. 11.الرعاية الأمينة التي يعيشها الولد في بيت الله بين يدي معلم القرآن ومع تلاوة كتاب الله وحفظه وتجويده. 12.يتمكن الوالدان من معرفة التوجهات التي تدور في ذهن ولدهما، ويحاولان إصلاحها وتسديدها، ويكون بعض ذلك عن طريق معلم القرآن المربي المخلص. 13.إكرام الله للوالدين بمن يعينهما على تربية الولد، ويقوم ببعض الواجبات التي قد يصعب عليهما تلبيتها له، وبخاصة إتقان الحفظ والتجويد. وكل تلك الأمور ـ وغيرها من الفضائل ـ تحفظ الولد بإذن الله من عدوان الأفكار المنحرفة، والأخلاق السيئة، وغوائل البعد عن الطاعات.
المطلب الثالث: دور الوالدين في دعم حلقات التحفيظ. إن ما ظهر من الخير على أيدي هذه الجمعيات المباركة وحلقات التحفيظ فيها يراه الجميع ومدحه الكبير والصغير، فما تقدمه هذه الحلقات في مجال التعليم والتربية يفوق كثيرا مما تقدمه المرافق التعليمية والتربوية الأخرى. وبما أن هذه الحلقات تؤدي هذه الخدمات الجليلة فإنها تستحق من جميع المجتمع الرعاية والإعانة، بل إن الوالدين عليهما مسؤولية عظيمة تجاه هذه الحلقات، لما تقدمه للأبناء من تعليم وتربية، ويبرز دعم الحلقات القرآنية في صور كثيرة، منها: 1.الدعم المادي، ويكون بكفالة الحلقة أو الحلقات، ويكون بكفالة المدرس أو المدرسة، ويكون أيضا بكفالة حافظ أو حافظة، وقد يكون الدعم المادي في التكفل بحفلة لتخريج الحفاظ أو رحلة لطلاب الحلقة. 2.دلالة الآخرين إلى الدعم المادي، وهذا جانب آخر يقوم به الوالدان، ويتم من خلاله نشر الوعي بين أفراد المجتمع بمكانة هذه الجمعيات وحلقاتها في الصلاح والإصلاح. 3.الدعم المعنوي للحلقات؛ ويكون ذلك بالإشادة وإسداء النصح، وحضور الفعاليات والحفلات القرآنية، كما يكون أيضا بالدعاء، وإبراز الفضائل، والدفاع عن كل ما يمس هذه الحلقات والمدرسين والطلاب والعاملين بإدارة الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم. 4.ومن الدعم المعنوي الكبير متابعة الوالدين لولدهما في حلقة التحفيظ، وعدم إهماله وترك السؤال عنه، مما قد يؤدي إلى تأخره أو هروبه من حلقة التحفيظ؛ مما قد يؤدي إلى اتصاله بأصدقاء غير أسوياء من خارج الحلقة، فيكون في ذلك فساده وانحرافه، ويصعب بعد ذلك تدارك إصلاحه. وليس دعم الوالدين لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم ـ وحلقات تحفيظ القرآن الكريم ـ إلا ردا لبعض المعروف الذي تسديه تلك الجمعيات وحلقاتها لأولادهما، وللمجتمع بجميع فئاته، ويمكنني أن أجمل الأسباب التي يسير هذا الدعم في إطارها بالآتي: أولا: دعم الجمعيات وحلقاتها تعاون على البر والتقوى، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )([30]). ثانيا: دعم الجمعيات وحلقاتها شكر لله لما وفق من حفظ الأبناء للقرآن الكريم، وتعلم الأبناء ما ينفعهم في الحال والمآل، وهذا يعود نفعه على الوالدين أيضا، وعلى المجتمع والوطن. ثالثا: دعم الجمعيات شكر لله على الخير الذي نراه واقعا بيننا من توجه الأمة صغارا وكبارا لحفظ القرآن الكريم، والعمل بالهدى والنور الذي أودعه الله فيه، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)([31]). رابعا: دعم الجمعيات خروج من مأثم هجر القرآن الكريم، وإعانة على نشر تعلمه والعمل به، قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)([32]). خامسا: دعم الوالدين لحلقات القرآن الكريم مسارعة في تربية الولد الصالح، وصدقة جارية لهما، وعلم ينتفعان به بعد موتهما، فكل معلم أو متعلم ـ في الحلقة التي يدعمها الإنسان ـ يعلم عددا والعدد ذلك يعلم أضعافه، وكل ذلك في ميزان الداعمين، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إلا من ثَلَاثَةٍ إلا من صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)([33]). المبحث الثاني: دور الوالدين الأمني في التوجيه بما يحفظه الولد في الحلقة. يضطلع الوالدان بدور كبير في توجيه أولادهما أمنيا، وما يحفظه الولد من الآيات البينات من كتاب الله في حلقة التحفيظ يكون منطلقهما الرئيس، ولا شك أن القرآن الكريم قد أنزله الله سبحانه للتعريف به عز وجل، ومعجزة خالدة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولعلاج كل خلل يطرأ على الفرد والأسرة والمجتمع في العقائد والعبادات والمعاملات، قال الله تعال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)([34])، وقال تعال: (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً)([35])، وقال تعالى: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)([36])، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ() لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)([37]). المطلب الأول: دور الوالدين الأمني في تربية الأبناء على الإيمان. إن مجال التربية الإيمانية فسيح في كتاب الله تعالى، وأعلى ذلك التعريف بالله سبحانه وتعالى، والتعلق به عز وجل، وعبادته وخشيته ومراقبته، ويكون الوالدان متابعين ـ دائما ـ لأولادهما في هذه القضايا حتى يكون لأخلاق القرآن الأثر البالغ في حياتهم، و تأثر الأولاد يكون بعدة أمور من أهمها ما يأتي: الأمر الأول: التربية بالمشاهدة. وأهم أمر يجب أن يلحظه الولد على أبويه التزامهما بعبادة الله، واستعدادهما الدائم لإقامة الصلوات، وتعظيم شعائر الإسلام. ومشاهدة الولد لوالده ـ خاصة ـ وهو يذهب إلى المسجد ويعود منه في أوقات رتيبة تورث عنده ـ ذهنيا ـ عظمة تلك العبادة التي يخرج لها والده في تلك الأوقات المحددة، كما أن أداء الوالدين للصيام وبقية العبادات تجعل الولد أكثر قناعة بمعنى كونه مسلما عليه واجبات شرعية لابد من أدائها. الأمر الثاني: التربية بالتلقين: تلقين الأبناء الألفاظ الحسنة، والأدعية المأثورة، واستعمال الوالدين للتعبيرات الجميلة تورث عند الولد استقامة في الألفاظ، وتشهد بنوع التربية التي يتلقاها عن والديه، ولا يصدر منه إلا القول السديد والفعل الرشيد، ويمثل والديه خير تمثيل. الأمر الثالث: التربية الممارسة: فيأخذ الوالد ولده للصلاة، وتأمر الوالدة ابنتها للقيام بهذا الفريضة وأدائها على الوجه الأكمل، ونرى ـ ولله الحمد ـ كثيرا من الأبناء يشاركون آبائهم في أداء العبادات، وهذا دليل على اهتمام الوالدين بتربية أولادهما على الإسلام، فينشأ الأبناء على العناية بالطاعات وترك المنكرات، قال أبو العلاء المعري:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا ** على ما كان عوده أوبه
وما دان الفتى بحجىً ولكن ** يعلمه التدين أقربوه([38])
وأهم الإيمانيات التي يجب على الوالدين تعليمها للأبناء، وغرسها في أذهانهم أثناء متابعتهم في حلقات التحفيظ الآتي: 1.معرفة الله سبحانه وتعالى، وتوحيده بأفعالنا، وأنه عز وجل واحد في عبادته لا إله غيره، وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ() لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)([39])، ويسمى توحيد الألوهية. ومن معرفته سبحانه وتعالى توحيده بأفعاله وربوبيته، وأنه خالق كل شيء ومليكه، يعطي ويمنع، ويحيي ويميت، يرفع ويخفض، ويبسط ويقبض، لا حد لملكه، ولا راد لقضائه،وقال الله سبحانه وتعالى: (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ () سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ () قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ () سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ()قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ () سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ()([40]). ومن معرفته سبحانه وتعالى توحيده عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، والإيمان بها وبما تحمله من معانٍ عظيمة، وذكره عز وجل بها، واستحضار الخشية منه، قال الله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ () هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ () هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )([41])، وقال الله سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)([42]). ومن معرفته سبحانه وتعالى معرفة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وتجريد المتابعة له، فلا يعبد الله إلا بما شرع صلى الله عليه وسلم، وبالكيفية التي أدها عليه الصلاة والسلام، قال الله تعال: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)([43])، فالآية الكريمة تضمنت شرطين للعبادة هما؛ أن تكون خالصة لله سبحانه وتعالى، وأن تكون صالحة، أي: موافقة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)([44])، ويقول سبحانه وتعال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)([45])، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليس فيه فَهُوَ رَدٌّ)([46]). والإيمان بالله سبحانه وتعالى، وتوحيده وتجريد المتابعة لنبيه عليه الصلاة والسلام هو الذي تدل عليه كلمة التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. 2.معرفة مراتب الدين، ومناقشة الولد في ذلك حسب الآيات التي يحفظها، ومتابعة ذلك، حتى يكون العمل بها سجية له يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بعبادته بها كما يحب ربنا ويرضى، ومراتب الدين هي: المرتبة الأولى: الإسلام: ومعناه؛ الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك،وجاءت أركان الإسلام في حديث جبريل عليه السلام، قال صلى الله عليه وسلم: (الإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إن اسْتَطَعْتَ إليه سَبِيلًا) ([47]) وفي ثنايا هذه التوجيهات ومع بداية الحياة التعليمية، يأمر الوالدان ابنهما بالصلاة والاستمرار على ذلك، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا الصَّبِىَّ بِالصَّلاَةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا)([48]). المرتبة الثانية: الإيمان، وهو قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وأركانه ستة جاءت في حديث جبريل عليه السلام، قال صلى الله عليه وسلم ـ في الإيمان: (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)([49]). المرتبة الثالثة: الإحسان، وهو عبادة الله مع كمال الخشية والمراقبة، والإحسان أعلى مراتب الدين، ووصول العبد إلى هذه المرتبة سعادة ما بعدها سعادة، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لم تَكُنْ تَرَاهُ فإنه يَرَاكَ)([50]) 3.معرفة الحقوق والواجبات لمن حوله من بني آدم، وهذه أيضا تدخل في الإيمانيات، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أو بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إلا الله وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عن الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ من الْإِيمَانِ)([51]). وهذه الحقوق هي: حقوق الوالدين والأهل والجيران، وجميع القرابة والأرحام، وحقوق المسلمين خاصة، والناس عامة، قال الله سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) ([52])،وقال صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ من سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ من لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ من هَجَرَ ما نهى الله عنه)([53])، وقال صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كان في حَاجَةِ أَخِيهِ كان الله في حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ الله عنه كُرْبَةً من كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يوم الْقِيَامَةِ)([54]). 4.متابعة الوالدين للأولاد في العمل بتلك الإيمانيات، ولا بد أن يكون الوالدان أول الممتثلين للدلائل القرآنية والشواهد الإيمانية، ومتى كان الأمر كذلك ظهر أثره على الأولاد بإذن الله؛ لأن أول قدوة مشاهدة للأبناء هما الوالدان، وبتطبيق الجميع لهذه المعارف ينتشر الخير ويعم الأمن والسعادة الجميع، ويكون البناء والتقدم والازدهار، ويتضح امتثال تلك الإيمانيات والعمل بمقتضاها في الأتي: أولا: تحقيق العبادة لله على الوجه الأكمل، والمحافظة على كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال، والمراقبة الدائمة لربه سبحانه وتعالى. ثانيا: البر بالوالدين، والمسارعة في طاعتهما، وخدمتهما على الوجه اللائق، واستماع توجيهاتهما ونصحهما وإرشادهما. ثالثا: العناية بواجباته العلمية في الحلقة القرآنية، وفي دروسه في الدراسة العامة، وبروزه بين أقرانه في ذلك. رابعا: المعاملة الحسنة لمن حوله من أهل وجيران وقرابات، والمسارعة في مساعدة المحتاجين منهم. خامسا: مصاحبة الصالحين، والحرص على ارتياد مجالس الخير، وامتثال الأدب في الحوار، والبعد عن العناد والمباغضة. المطلب الثاني: دور الوالدين الأمني في تحلي الأبناء بالأخلاق الحميدة. يهتم الوالدان الحريصان بتربية أولادهما على الأخلاق الحميدة منذ نعومة أظافرهم ويبنيان قي أولادهما حب الخير بالمشاهدة والتلقين والممارسة كما مر معنا. وفي هذا المطلب سأتعرض لتأكيد تلك المعاني السامية، حيث سأقوم بالإشارة إلى عدد من تلك الأخلاق والآداب العظيمة التي تكون روافد خير ورخاء في حياة الأمة، يسعد بها الكبار والصغار، وتكون سببا للمودة والإخاء، والأمن والسعادة، وأذكر بعض أمهات الأخلاق التي يربى عليها الأولاد حتى يكون فاعلين في أسرهم ومجتمعهم: 1.الصبر، الصبر خلق نبيل حث عليه الإسلام، وأثنى الله على أصحابه، وأخبر عز وجل أنه يحب الصابرين، وأخبر سبحانه أن الصبر عن المعاقبة خير للصابرين، وجعل الصبر من عزم الأمور، وأخبر أن الصابرين يوفون أجورهم بغير حساب، وذلك لما في الصبر من تحملٍ للمشاق في سبيل لله عز وجل، وتحملٍ لآلام المصائب. والصبر؛ ترك الشكوى مع الألم، والصفح من غير عتاب عمن ظلم، قال الله تعال: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)([55])، وقال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)([56]) ، وقال تعالى: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)([57]). ويربى الأولاد على الصبر بأنواعه، فيربون بالصبر على الابتلاءات، وعلى الصبر في أداء الطاعات، والصبر عن المعاصي، والصبر على التعلم، فيستقبلون كل ما يهمهم بالصبر، قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إنما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)([58]). وخلق الصبر يدعو للعفو والحلم والتواضع، ولين الجانب، وذلك يدعو لمحبة الله سبحانه وتعالى، ومحبة الخلق، قال صلى الله عليه وسلم: (ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ من مَالٍ وما زَادَ الله عَبْدًا بِعَفْوٍ إلا عِزًّا وما تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إلا رَفَعَهُ الله)([59]). 2.الصدق، والصدق خلق كريم يدل على الشجاعة والحزم، ومواجهة الأمور بثقة وإقدام، والصدق خلق يميز المؤمنين عن غيرهم، فالمؤمن لا يخالف هذا الخلق أبدا، لأن الصدق خلق يقود إلى الجنة، وقد أمر الله تعالى بأن يكون الإنسان مع أهل الصدق، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)([60]). والصدق؛ هو مطابقة الخبر للواقع، وقيل هو استواء الظاهر والباطن في الاستقامة على الصراط المستقيم. والصدق منجاة ومغنم، ومكرمة بين الأنام تُقَدِّم، وفي الآخرة صاحبه من النار يسلم قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الصِّدْقَ يهدى إلى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يهدى إلى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتى يُكْتَبَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يهدى إلى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يهدى إلى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتى يُكْتَبَ كَذَّابًا)([61]). وبالصدق يكون الرجل مقبولا بين الناس، حيث يثقون بكلامه، ويقدمون قوله على كل قول، فيسمعون له إذا وعظ، ويتأثرون بنصحه وتوجيهه. فيربي الآباء أولادهم على هذا الخلق النبيل، مستعينين بالله في توجيه أبنائهم، ومسترشدين بكتاب الله تعالى، حيث أثنى على الصادقين، وبين مقام الصديقين. 3.العدل: وهو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط ([62])، قالابن حجر: الْعَدْل هُوَ الْمُسَاوَاة فِي الْمُكَافَأَة فِي خَيْر أَوْ شَرٍّ ([63]). وبالعدل قامت السموات والأرض، وبالعدل تسعد البشرية، وتتطور الإنسانية، وبتحققه في المجتمع يتحقق الخير الكثير، فينعدم الظلم ويظهر الإخاء والمحبة، ويحيا الناس في أمن ورخاء. وقد أمر الله بالعدل جميع الخلق مع جميع الخلق، فأمر به الحكام مع المحكومين، وأمر به الإنسان مع أهله وغير أهله، فقال تعال: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)([64])، وقال تعال: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)([65]). وتربية الأولاد على العدل في كل الأمور يجعلهم بعيدين عن ظلم بعضهم كإخوة أو كزملاء في المدرسة والحلقة القرآنية، ويمكن أن أذكر بعض الأمور التي يعلم الوالدان الأولاد العدل فيها، وهي كالآتي: أولا: عدل الوالدين أحدهما مع الآخر في المعاملات بينهما. ثانيا: عدل الوالدين مع الآخرين من القرابات. ثالثا: عدل الوالدين بين أولادهما في كل شيء؛ في العطاء والمنع، وفي الأخذ والترك، وفي الاهتمامات التعليمية والترفيهية ونحو ذلك، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)([66])، ووهب والد النعمان بن بشير رضي الله عنهما ولده النعمان هبة، وأراد أن يشهد عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أَفَعَلْتَ هذا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ قال لا قال اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا في أَوْلادِكُمْ فَرَجَعَ أبي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ)([67]). فكان لزاما أن يرى الأولاد العدل من والديهما ماثلا في حياتهما، فيطبقونه بينهم ومع آبائهم وزملائهم في الحلقة والمدرسة، وبالتالي يشيع الأمن في المجتمع والأسر والأفراد. المطلب الثالث: دور الوالدين الأمني في تخلي الأبناء عن الأخلاق السيئة. كيف يقع الأولاد في الأخلاق السيئة؟: ينبغي على كل والد حريص أن يحوط أبناءه بالنصح والتوجيه لكل خير وصلاح ومنفعة، كما ينبغي أن يبذل الآباء جهدهم في تحذير أبنائهم من كل خلق سيء تنال عواقبه الوخيمة الفرد والأسرة والمجتمع. وعلى الوالدين مهمة عظيمة في متابعة أولادهما في ذهابهما وإيابهما لحلقة التحفيظ، ومعرفة مدى تقدمهما في الحفظ، ومد التزامهما بالحلقة القرآنية، والإيجابيات التي يحصلون عليها من حفظ القرآن الكريم، والتربية والتوجيه من معلم القرآن الكريم. إن الولد عندما يخرج إلى معترك الحياة يواجه من الزملاء والجيران والأصدقاء الكثير ـ ولكل واحد منهم توجه ودوافع، وأفكار وتربية ونوازع ـ فلابد أن يتأثر بهم، فمن أوجب الواجبات على الوالدين العناية بتصحيح الأخطاء، والنصح والإرشاد. ومن أمهات الأخلاق السيئة التي يجب التحذير منها، وتصحيحها، وبيان مفاسدها إن بدأت بوادرها في الظهور ما يأتي: 1.الكبر، وهو من أسوأ الأخلاق، ومن أبغضها إلى الله، وقد جاءت النصوص الشرعية بالنهي عنه، والبعد عنه وعن أهله، وقد اشتد النهي والوعيد على المتكبرين، فالمتكبرون يحشرون في شر حال، وهم أكثر أهل النار. والكبر؛ هو الارتفاع على الناس، واحتقارهم، ودفع الحق([68])، وعن الكبر يكون الاستهزاء والسخرية، والهمز واللمز، والظلم والعدوان، وقد نهى الله عن كل ذلك، قال تعالى: (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً)([69])، وفي وصايا لقمان لابنه يقول الله تعالى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)([70])،وقال صلى الله عليه وسلم: (يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يوم الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ من كل مَكَانٍ فَيُسَاقُونَ إلى سِجْنٍ في جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ من عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ)([71])،وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قالوا: بَلَى، قال صلى الله عليه وسلم: كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لو أَقْسَمَ على اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، ثُمَّ قال: ألا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ قالوا: بَلَى، قال: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ)([72]). فعلى الوالدين أن يربيا في أولادهما التواضع ولين الجانب، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)([73])، ولا بد أن تسود المودة والمحبة بين الأفراد والأسر والمجتمع،حتى يعيش الناس بأمن وسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلي أَنْ تَوَاضَعُوا حتى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ على أَحَدٍ ولا يَبْغِ أَحَدٌ على أَحَدٍ)([74]). 2.الغضب؛ والغضب شرٌ كله، وهو أساس كثير من الأخطاء، وعنه يصدر العدوان والظلم، وعن الغضب ينشأ الحسد والبغض، ويورث الغضب التنافر والتقاطع والتدابر بين المسلمين، بل قد يكون ذلك بين الأسرة الواحدة. والغضب؛ فوران في الدم وثوران في الأخلاق مع إرادة الانتقام، والغضب دليل كبير على ضعف الإيمان، وعدم التزام الشرع، قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: (لا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قال لَا تَغْضَبْ)([75]). فيُعلِّم الوالدان الولد مضار الغضب، وانه ينتج عن طيش في العقل، ويؤدي إلى خطأ في التصرف، وأن الله أثنى على الذين يتسامحون مع الآخرين حتى في وقت الغضب، ويعفون عنهم، قال تعال: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وإذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)([76])، وقال تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عن الناس وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)([77]). وعندما يتربى الأبناء على نبذ الغضب والبعد عنه وعن أسبابه، يكونون بعيدين كل البعد عن الطيش والوقوع في الأخطاء من غير وعي، وتسود ـ بإذن الله ـ بينهم المودة والإخاء، ويعم الأمن العدل والرخاء. 3.الكذب، والكذب خلق ذميم، ورذيلة مشينة، لا يقع فيها إلا من زال إيمانه وضعفت تربيته، ولا ينتشر في جماعة إلا عمتهم الفوضى، وضاع الحق بينهم. والكذب؛ ضد الصدق، فهو: إخبار عن الشيء بخلاف الواقع، وقد ذم الله الكذب، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الكذب من صفات المنافقين، قال صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ من كُنَّ فيه كان مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كانت فيه خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كانت فيه خَلَّةٌ من نِفَاقٍ حتى يَدَعَهَا إذا حَدَّثَ كَذَبَ وإذا عَاهَدَ غَدَرَ وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ وإذا خَاصَمَ فَجَرَ)([78]). والكذب يسقط صاحبه في الأخطار، ويهدي إلى النار وبئس القرار، قال صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ الْكَذِبَ يهدى إلى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يهدى إلى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتى يُكْتَبَ كَذَّابًا)([79]). فيحذر الآباء أبنائهم من غوائل الكذب ورذائله، فإنه لا يكذب إلا الجبان، ولا يتخفى وراءه إلا المنافق الخوان. 4.الإهمال والغياب: من أكبر مشاكل طلاب الحلقة القرآنية ـ كما هو الحال والمشاهد ـ إهمال الطلاب في واجباتهم، وعدم الاهتمام بحلقة القرآن، والغياب، وينتج الإهمال والغياب عن أمور من أهمها: أولا: غياب دور الوالدين في التربية والمتابعة؛ إما للإهمال أو الانشغال، وكلاهما خطير جدا؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى انحراف سلوك الأبناء، ولله در شوقي حين يقول: ليس اليتيم من انتهى أبواه من ** هم الحياة وخلـفاه ذليلا فأصاب بالدنيا الحكيمة منهما ** وبحسن تربية الزمان بديلا إن اليتيـم هو الذي تلقى له ** أما تخلت أو أبا مشغولا([80]). ثانيا: إرهاق الولد بالواجبات المدرسية وواجبات الحلقة القرآنية، مما يدفعه إلى الإهمال و الغياب، فيخسر التعلم والتربية في الجهتين. فلابد للوالدين من متابعة سير أولادهما تعليميا وتربويا وسلوكيا؛ حتى يهيئوا لهم الأسباب التي ترشدهم للخير في حياتهم، وتبعدهم عن السلوكيات التي تؤدي إلى خلل في توجهاتهم، وانحراف يجلب التعاسة لهم ولأسرهم ومجتمعهم. ولاشك أن إبعاد الأولاد عن هذه الأخلاق والمآثم، نشر للفضيلة بين الناس، فيكون بينهم الود والإخاء، ويعطف الكبير على الصغير، ويحترم الصغير الكبير، ويرفرف علم السعادة على الجميع، فيقوم الناس بواجباتهم الدينية والدنيوية على خير وجه، ويكون التقدم والبناء والازدهار بفضل الله وتوفيقه.
الخاتمة، وفيها: أهم النتائج. وبعد جولة سريعة خلال هذه الورقة، التي يحمل عنوانها في طياته الخير والسعادة للفرد والأسرة والمجتمع، يسعدني أن ألخص أهم النتائج، وهي: أولا: الجانب العظيم الذي يمثله الوالدان في دلالة أولادهما للعمل بالطاعات والحرص على الفضائل، وترك المعاصي واجتناب الرذائل، وهذا يقود إلى الخير والأمن والسعادة. ثانيا: وجوب عناية الوالدين بالمعارف والثقافات التي يحصل عليها الأبناء، خلال الحياة العلمية لهم. ثالثا: المتابعة الدائمة للأبناء، وملاحظة تصرفاتهم، ومعرفة أصدقائهم، والتعرف على الإيجابيات وتثبيتها والزيادة عليها، وحسم السلبيات في بداياتها والتحذير منها والقضاء عليها. رابعا: لابد من تكاتف جهود الوالدين من أجل العمل لمصلحة أولادهما، وتنشئتهما لمعرفة طرق الخير ومحبتها، والسعادة بالسير في طريقها. خامسا: لا يمكن للمحاضن التعليمية ـ وعلى رأسها حلقات التحفيظ ـ أن تؤدي دورها التربوي والتعليمي كاملا بدون تعاون الوالدين معها. سادسا: أن دعم هذه الجمعيات وحلقات تحفيظ القرآن الكريم واجب ديني وأمني يجب أن يشارك الجميع فيه، وخاصة الوالدان. أهم التوصيات: في كل عمل تكاملي بين عدد من الجهات لا يتم إلا بتكاتف الجميع، والعملية التعليمية في حلقات تحفيظ القرآن الكريم عمل تكاملي تشترك فيه جهات عدة، ومن أهم تلك الجهات الوالدان. فالوالدان لهما أثر بالغ في إقامة هذه الحلقات، ونموها وازدهارها، وأدائها للعمل الذي جردت له نفسها، وهو تعليم القرآن الكريم حفظا وتجويدا وعملا، وهذه أهم التوصيات التي يمكنني كتابتها في هذه العجالة: 1.وقوف الجميع ـ وخاصة الوالدين ـ مع هذه الجمعيات المباركة ودعمها ماديا ومعنويا. 2.اهتمام المسؤولين عن هذه الحلقات ـ من جمعيات تحفيظ القرآن الكريم وغيرها ـ بتفعيل دور الوالدين في العناية بالأولاد. 3.بناء الثقة بين إدارة الجمعية ومعلم القرآن وبين الآباء، والاتصال بهم ومناقشتهم في سير الولد التعليمي والتربوي في الحلقة القرآنية. 4.إبراز الدور المتميز الذي تقوم به هذه الحلقات في قراءة كتاب الله وحفظه وتجويده، وإبراز الدور التربوي الكبير الذي تضطلع به هذه الحلقات. 5.الجوانب الأمنية التي يعيشها الأبناء في هذه الحلقات، ومن أهم تلك الجوانب الأمن الأخلاقي والتربية الإيمانية. 6.دعم الوالدين الخاص لمعلم القرآن الكريم، والزيارة الدورية له مما يشعره بمكانة الحلقة عند الوالدين، فيبذل جهدا أكبر في أداء الواجب. 7.عناية الجمعيات بمعلم القرآن الكريم، وتعظيم الدور الذي يقوم به، ودعمه ماديا بما يتوافق مع الجهد الذي يبذله في إصلاح المجتمع. 8.الاهتمام بكل المجالات التي تخدم العملية التعليمية في حلقات التحفيظ، ويكون لها نتائج إيجابية في سلوك الأفراد والمجتمعات أمنيا وثقافيا واجتماعيا. 9.تفعيل هذه التوصيات، وتوصيات الملتقيات السابقة، من أجل الوصول للأفضل، والاهتمام بالجهود الفكرية المبذولة لرفع مستوى التربية والتعليم في حلقات التحفيظ في الجمعيات.
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.