الرد على الموضوع




بسم الله الرحمن الرحيم



تعزيز دور الوالدين في تحقيق الأمن



المقدمة: 

إن  الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا  وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا  إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقدوتنا محمد بن عبد  الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. أما بعد:

فأشكر  الله الكريم المتعال الذي وفق لكتابة هذه الأسطر في هذا الملتقى المبارك،  كما أشكر حكومتنا الرشيدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده  الأمين، على ما قدما ويقدمان في سبيل القرآن الكريم، وعلى دعمهما المتواصل  لهذه الجمعيات المباركة والشكر موصول لراعي الملتقى صاحب السمو الملكي  الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز أمير المنطقة الشرقية.


وأقدم  الشكر أيضا لوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ممثلة في ـ وزيرها ـ  معالي الشيخ/ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ رئيس المجلس الأعلى للجمعيات  الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم ؛ وأشكر الأمانة العامة لجمعيات تحفيظ القرآن  الكريم على المتابعة الدائمة والأعمال المتتابعة، والدراسات الرائدة التي  تقدمها لرفع مستوى الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم .


وأشكر  الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة الشرقية على عقدها هذا  الملتقى المبارك الذي يحمل في طياته أهدافا سامية لمواضيع بنّاءة تحت مسمى:  (جمعيات تحفيظ القرآن الكريم ودورها في تحقيق الأمن).


وقد بنيت هذه الورقة ـ تعزيز دور الوالدين في تحقيق الأمن ـعلى المنهج الاستقرائي الاستنباطي، حيث راوحت فيه بين الآني:



1.   النظر في النصوص الشرعية.  

2.   مطالعة بعض ما كتبه المتقدمون في هذا الجانب.

3.   الواقع الذي عشته في هذه الحلقات على مدار أربعة عقود تقريبا.


مقدم الورقة الدكتور/ محمد يحيى غيلان




تمهيد: وفيه أسباب اختيار الموضوع، وأهمية البحث، وخطة الورقة.

الوالدان  كلمة عظيمة، جريانها على اللسان سلس جديد، وطاعتهما ركن في الصلاح شديد،  والسير في برهما طريق رشيد، فهما أصل كل مولود، وهما باب إلى الجنة يقود،  قرن الله طاعتهما بتوحيده في كثير من الآيات، وفي ذلك للصالحين كبير  العظات، قضى الله علينا الإحسان إليهما، ووصى بهما في آيات كثيرة في كتابه  الكريم.

ولم  تكن هذه المكانة الكبيرة للوالدين إلا لدورهما الفعال في تنشئة الخلف من  الأبناء، والعمل على صلاحهم، وتربيتهم التربية الإيمانية الواعية، المبنية  على هدي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى يكونوا صالحين  مصلحين، مسارعين في الخيرات، وإقام الصلاة، وتقوم حياتهم على المحبة  والوئام مع جميع فئات المجتمع، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مَوْلُودٍ  إلا يُولَدُ على الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أو ينصرانه، أو يُمَجِّسَانِهِ، كما تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هل تُحِسُّونَ فيها من جَدْعَاءَ ؟)([1])،  ثُمَّ يقول أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ـ راوي الحديث ـ: ( فِطْرَةَ  اللَّهِ التي فَطَرَ الناس عليها لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلك  الدِّينُ الْقَيِّمُ)([2]).

أسباب اختيار الموضوع:

لكل  عمل خيري روافد أساسية يقوم عليها، ويكتمل بتعاضدها وتكاتفها جميعا، ومن  أهم روافد العملية التعليمية في حلقات التحفيظ الوالدان، فهما اللذان  يوجهان أولادهما نحو الخير، وبغياب دورهما يكون الانحراف، ويحدث ما لا يحمد  عقباه، ولا يخفى أن انحراف الأبناء هو العامل الأكبر في الخلل الأمني الذي  يقع على المجتمع والأسر والأفراد، ومن هنا جاء الاختيار الموفق لعنوان هذا  الملتقى المبارك: (جمعيات تحفيظ القرآن الكريم ودورها في تحقيق الأمن).

ويمكنني أن أجمل أسباب اختيار هذا الموضوع، وهو تعزيز دور الوالدين في تحقيق الأمن للآتي:

1.   إظهار دور الوالدين في المجتمع الإنساني وكبير أثرهما في نشوء الأجيال وتربيتهم.

2.   إبراز المسؤولية الدينية والوطنية الكبيرة الملقاة على الوالدين في توجهات أولادهما.

3. إظهار  العناية بالأبناء فهم عماد الوطن وحماة الدين، وهم خلف الأسلاف من آبائهم،  فكان لزاما على الوالدين العناية بهم؛ ليكونوا خلفا صالحا نافعا في الحاضر  والمستقبل.

4. إبراز  الدور الذي تقوم به حلقة التحفيظ، ولن تكون مؤثرة ما لم تجد الدعم الكامل  من الوالدين حتى تؤدي دورها كاملا في التعليم والإصلاح.

أهمية البحث.

في  زحمة الآراء والأفكار والفضائيات ـ وما تحمله من انحرافات ـ كان لزاما على  المصلحين أن يكون لهم دور في التوجيه، والتربية، والتذكير، وجمعيات تحفيظ  القرآن الكريم ـ وحلقاتها ـ محضن مهم من محاضن التربية والتوجيه، كيف لا  وهي تعلم الأبناء القرآن الكريم، وتربيهم بما يحمله من فضائل وآداب.

وبما  أن صلاح الأبناء هو الهدف الأول من أهداف جمعيات تحفيظ القرآن الكريم كان  لزاما من إظهار الدور الكبير الذي يقوم به الوالدان من خلال حلقات القرآن  الكريم في تربية الأبناء دينيا، وأمنيا، وأخلاقيا، ودور الوالدين يبرز في  الآتي:

1.   تسجيل أبنائهم وبناتهم في حلقات التحفيظ.

2.   التعاون المستمر مع إدارة الجمعية ومعلم الحلقة.

3.   المتابعة الدائمة لواجبات الأولاد في حلقات التحفيظ.

4.   المتابعة والتوجيه للأولاد بما يحفظونه من آيات والتركيز على العبر والعظات.

5.   إبراز إيجابيات حلقات التحفيظ والدور البناء الذي تقوم به بالتعاون مع الوالدين في تحقيق الأمن.

خطة الورقة:

المقدمة.

تمهيد وفيه الآتي:

أسباب اختيار الموضوع.        أهمية الموضوع.

المبحث الأول: دور الوالدين ـ أمنيا ـ في توجيه الأبناء لحلقات التحفيظ.

المطلب الأول: دور الوالدين في تسجيل الأبناء في حلقات التحفيظ.

المطلب الثاني: فوائد حلقات التحفيظ دينيا وتربويا وأمنيا.

المطلب الثالث: دور الوالدين في دعم حلقات التحفيظ.

المبحث الثاني: دور الوالدين الأمني في التوجيه بما يحفظه الولد في الحلقة.

المطلب الأول: دور الوالدين الأمني في تربية الأبناء على الإيمان.

المطلب الثاني: دور الوالدين الأمني في تحلي الأبناء بالأخلاق الحميدة.

المطلب الثالث: دور الوالدين الأمني في تخلي الأبناء عن الأخلاق السيئة.

الخاتمة، وفيها مطلبان.

1 ـ أهم النتائج.

2 ـ أهم التوصيات.

فهرس الآيات القرآنية.

فهرس الأحاديث والآثار.

فهرس المراجع.                 

فهرس الموضوعات.

المبحث الأول: دور الوالدين ـ أمنيا ـ في توجيه الأبناء لحلقات التحفيظ.

بين يدي موضوع الورقة:

من  أهم واجبات الوالدين تجاه الأبناء بذل غاية الوسع في التربية والتوجيه؛  ليكون الولد صالحا مصلحا في نفسه، ودينه، ووطنه، فكما خلف الآباء من قبلهم  من أبائهم سيخلف الأولاد آباءهم.

فالأبناء  هم عماد الأمة، وعدة المستقبل، بهم ترفع راية التوحيد، وبهم تقام شعائر  الإسلام، وبهم تنصر الأمة على أعدائها، وبهم تتحق الخلافة التي أرادها الله  في الأرض.

والأولاد فخر في الدنيا وزينة، قال الله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ)([3])،  قال ابن كثير: وحب البنين تارة يكون للتفاخر والزينة، فهو داخل في هذا  وتارة يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله  وحده لا شريك له فهذا محمود ممدوح([4]).

 والأولاد  الصالحون بعد الموت للآباء خير وبركة، وزيادة في الحسنات بالدعاء  والقربات، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه  عَمَلُهُ إلا من ثَلَاثَةٍ إلا من صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ  بِهِ أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)([5])،  قال النووي: قال العلماء معنى الحديث: أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع  تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة؛ لكونه كان سببها، فإن الولد من  كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه؛ من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية،  وهي الوقف، وفيه فضيلة الزواج لرجاء ولد صالح([6]).

ولمكانة  الأولاد العظيمة جاء الأمر بالعناية بهم في القرآن الكريم، وجاء الأمر  بتوجيههم للخير وعمل الصالحات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ  آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ  وَالْحِجَارَةُ..)([7])، قال  ابن كثير رحمه الله: ومثل هذه الآية قوله صلى الله عليه وسلم: ( مُرُوا  الصَّبِىَّ بِالصَّلاَةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ  عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا )([8])،قال  الفقهاء: وهكذا في الصوم؛ ليكون ذلك تمرينًا له على العبادة، لكي يبلغ وهو  مستمر على العبادة والطاعة، ومجانبة المعصية وترك المنكر، والله الموفق ([9]).

وقال القرطبي رحمه الله: قال بعض العلماء: لما قال سبحانه: ( قُوا أَنْفُسَكُمْ ) دخل فيه الأولاد، لأن الولدَ بعضٌ منه،كما دخل في قوله تعالى: ( وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ )([10]) فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات، فيعلمه الحلال والحرام، ويجنبه المعاصي والآثام، إلى غير ذلك من الأحكام([11]).

وقد  جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ  مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه؛ِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ  رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ  رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ  عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ  عَنْ رَعِيَّتِهِ، قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ  فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ  وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )([12]).

فالوالدان  منصوص عليهما في الحديث، وكلاهما راع ومسؤول عن رعيته، ولا شك أن رعاية  الدين والأخلاق من أهم ما يجب على الوالدين الاهتمام به حتى يُنَشِّئا جيلا  صالحا عاملا للخير داعيا إليه، وتاركا للشر ناهيا عنه([13]).

المطلب الأول: دور الوالدين في تسجيل الأبناء في حلقات التحفيظ.

من  فضل الله على الآباء والأمهات أن يسر قيام هذه الجمعيات المباركة في طول  البلاد وعرضها، وانتشرت حلقات التحفيظ، وظهر خيرها تعليميا واجتماعيا  وأمنيا.

وإذا  كان من سبق من الآباء قد فاته تعلم القرآن وإتقانه حفظا وتجويدا فمن الخطأ  الكبير أن يفوت الوالدان على أولادهم هذا الخير العظيم، فمعلم القرآن  الكريم ومتعلمه والقائم على ذلك من خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال  صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ من تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)([14]).

ومن  منطلق البناء الصحيح للأبناء، ومن أجل غرس الفضائل والأخلاق الكريمة في،  نفوسهم يقوم الوالدان بإبراز مكانة القرآن الكريم في الإسلام، وتحبيب  الأبناء وتشجيعهم على حفظ القرآن الكريم، ويكون ذلك بالآتي:

1. ببيان الهداية التي وضعها الله في القرآن الكريم، وأنه يهدي للتي هي أقوم، قال تعالى: (  إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ  الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا  كَبِيرًا )([15])،  والتي هي أقوم: هي الطريق القيمة الواضحة التي فيها كل خير وسعادة، قال  الطبري رحمه الله: إن هذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلى الله  عليه وسلم يرشد ويسدّد من اهتدى به، ( لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )، يقول:  للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السبل، وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه  وهو الإسلام، يقول جلّ ثناؤه: فهذا القرآن يهدي عباد الله المهتدين به إلى  قصد السبيل الذي ضل عنه سائر أهل الملل المكذبين به([16]).

2. بيان  مكانة حافظ القرآن الكريم عند الله سبحانه وتعالى، وتعريف الأولاد بالأجر  الجزيل على تلاوة القرآن وحفظه، قال صلى الله عليه وسلم: (  مَثَلُ الذي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وهو حَافِظٌ له مع السَّفَرَةِ  الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَمَثَلُ الذي يَقْرَأُ وهو يَتَعَاهَدُهُ وهو عليه  شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ)([17])، وقال صلى الله عليه وسلم: (من قَرَأَ حَرْفًا من كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ ألم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ)([18])،  وفي الآخرة يكون لحافظ القرآن شأن عظيم، يدل عليه قوله صلى الله عليه  وسلم: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كما  كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا فإن مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ  تَقْرَؤُهَا)([19]).

3. تحبيـب  الأولاد في الذهاب إلى المسجد والجلوس في حلقات التحفيظ وحفظ آيات القرآن،  وحثهم على ذلك، وتشجيعهم معنويا، وبث الحماس فيهم، وقد كان صلى الله عليه  وسلم يحث أصحابه على ذلك، فعن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ رضي الله عنه قال خَرَجَ  رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ في الصُّفَّةِ، فقال: أَيُّكُمْ  يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إلى بُطْحَانَ([20]) أو إلى الْعَقِيقِ([21]) فَيَأْتِيَ منه بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ([22])  في غَيْرِ إِثْمٍ ولا قَطْعِ رَحِمٍ؟ فَقُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ  نُحِبُّ ذلك، قال: أَفَلا يَغْدُو أحدكم إلى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أو  يَقْرَأُ آيَتَيْنِ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل خَيْرٌ له من نَاقَتَيْنِ،  وَثَلاثٌ خَيْرٌ له من ثَلاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ له من أَرْبَعٍ، وَمِنْ  أَعْدَادِهِنَّ من الإِبِلِ)([23]).

4.   تشجيعهم ماديا، ووعدهم بأمور يحبونها، مثل الرحلات، والعمرة، والجوائز العينية مثل الكمبيوتر والدراجة ونحوها.

5. الذهاب معهم ـ فعليا ـ إلى حلقة القرآن ومقابلة معلم الحلقة، وتسجيلهم والجلوس معهم حتى يسلكوا في حلقة القرآن.

6. متابعة  الواجبات اليومية للأولاد في الحلقة، والحرص على أن يتم إتقانهم لها  يوميا، كما يتابعون في تقدمهم في كمية الحفظ، ويتابعون ـ أيضا ـ في إتقانهم  لكل ما حفظونه. 

ويكون  الوالدان بهذا قد قطعا نصف المسافة في تربية ابنهما بكتاب الله الكريم،  ويكون الولد بإذن الله في مأمن من الانحراف وضياع الأوقات فيما لا ينفع.

المطلب الثاني: فوائد حلقات التحفيظ أمنيا.

إن  توفيق الله للوالدين في توجيه ولدهما لحلقة التحفيظ نعمة كبيرة يظهر أثرها  ـ فيما يستقبل من الزمان ـ تربويا وعلميا وأمنيا؛ لأن الأبناء بذهابهم  لحلقات التحفيظ يخالطون أهل القرآن من معلمين وطلاب، وهذا يورثهم ـ بإذن  الله ـ خيرا كثيرا.

 ولا  شك أن ما يحفظه الطالب ويكرره من القرآن الكريم ـ في حلقة التحفيظ ـ يثبت  لديه قيما وآدابا كثيرة، كما يستفيد الطالب من توجيهات معلمه، ومناقشة  والديه معرفة وتربية وتوجيها ينفعه في حياته؛ فيكون ـ بإذن الله ـ عضوا  صالحا في المجتمع ويمكنني أن أشير إلى بعض تلك الأمور بإشارات يسيرة منها: 

1.   أداء الولد لبعض الصلوات في المسجد مثل صلاة العصر والمغرب والعشاء، وهي الصلوات الموافقة لحلقة التحفيظ.

2.   تعلم الولد للسنن والآداب، وتطبيقها في ذهابه وإيابه.

3. حصول الولد على مفردات شرعية كثيرة، لا يمكن أن يحصل عليها إلا بحفظ القرآن الكريم وتكرار آياته، وقد  أثنى الله على المساجد ومرتاديها ، فقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ  اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا  بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ() رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا  بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ  يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ()  لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ  وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)([24])،  وفي السنة النبوية ما يدل على مثل هذه المعاني العظيمة، قال صلى الله عليه  وسلم: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا سَهَّلَ الله له بِهِ  طَرِيقًا إلى الْجَنَّةِ، وما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ من بُيُوتِ  اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلا  نَزَلَتْ عليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ  الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ الله فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ  عَمَلُهُ لم يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)([25]).

4. حفظ  الوقت فيما ينفع، وحفظ الوقت مطلب عزيز خاصة في أزماننا حيث كثرت الملهيات  والمشغلات عن النافع من الأمور، بل إنها تشغل حتى عن الطاعات وتدعوا  للشرور والمنهيات، وصدق من سمى تلك الملهيات بمساجد الضرار؛ لما فيها من  صرف عن الخير ومعالي الأمور، قال صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ  مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ من الناس الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ)([26]).

5. مرافقة  أهل القرآن من الأقران، والبعد عن مواطن الشبه والريب، ولا يعدل الصحبة  الصالحة شيء في الدلالة على معالي الأمور، والتعاون على البر والتقوى،  والله سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ  اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين)([27])،  ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنما مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ  وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ  الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ منه، وَإِمَّا  أَنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ  يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)([28])، وقال صلى الله عليه وسلم: (الرَّجُلُ على دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أحدكم من يُخَالِلُ)([29]).

6. طلاقة اللسان، وجمال الأسلوب في العبارات، فالقرآن الكريم حفظ الله به الدين، كما حفظ به لغة الدين وهي اللغة العربية.

7. التقدم  في دروسه والتميز على زملائه في المدرسة في الخطابة والثقافة، وغيرهما،  للممارسته للقراءة كثيرا في حفظه وتسميعه، ولتنشيط ذهنه الدائم بحفظ القرآن  الكريم

8. الحرص على طاعة الوالدين وتقديرهما، ويكون ما يحفظه من الآيات التي تأمر ببر الوالدين من أهم الأمور التي تحثه على ذلك.

9.   احترام وتقدير الآخرين من أهل الحي كبارا وصغارا.

10. الحياة الاجتماعية التي يعيشها في الحلقات يعتاد فيها على التسامح والتراحم، ويكون فيها بعيدا عن الانطواء والتوحد الضار.

11.   الرعاية الأمينة التي يعيشها الولد في بيت الله بين يدي معلم القرآن ومع تلاوة كتاب الله وحفظه وتجويده.

12. يتمكن  الوالدان من معرفة التوجهات التي تدور في ذهن ولدهما، ويحاولان إصلاحها  وتسديدها، ويكون بعض ذلك عن طريق معلم القرآن المربي المخلص.

13. إكرام  الله للوالدين بمن يعينهما على تربية الولد، ويقوم ببعض الواجبات التي قد  يصعب عليهما تلبيتها له، وبخاصة إتقان الحفظ والتجويد.

وكل تلك الأمور ـ وغيرها من الفضائل ـ تحفظ الولد بإذن الله من عدوان الأفكار المنحرفة، والأخلاق السيئة، وغوائل البعد عن الطاعات.


يتبع



اكتب معهد الماهر
أعلى