تسابيح ساجدة
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
- إنضم
- 16 أكتوبر 2010
- المشاركات
- 8,111
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المعهد
- احفظ من كتاب الله
- اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- هم كُثر ,,,
- الجنس
- أخت
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"فصل:
ثمَّ تَأمل هَذِه النَّخْلَة الَّتِي هِيَ إحدى آيَات الله، تَجِد فِيهَا من الآيات والعجائب مَا يبهرك؛ فَإِنَّهُ لما قدر أن يكون فِيهِ إناث تحْتَاج الى اللقَاح، جعلت فِيهَا ذُكُور تلقحها بِمَنْزِلَة الْحَيَوَان وإناثه، وَلذَلِك اشْتَدَّ شبهها من بَين سَائِر الاشجار بالانسان- خُصُوصا بِالْمُؤمنِ- كَمَا مثله النَّبِي وَذَلِكَ من وُجُوه كَثِيرَة:
أحدها: ثبات أصلها فِي الارض، واستقراره فِيهَا، وَلَيْسَت بِمَنْزِلَة الشَّجَرَة الَّتِي اجتثت من فَوق الارض مَالهَا من قَرَار.
الثَّانِي: طيب ثَمَرَتهَا وحلاوتها وَعُمُوم الْمَنْفَعَة بهَا، كَذَلِك الْمُؤمن طيب الْكَلَام، طيب الْعَمَل، فِيهِ الْمَنْفَعَة لنَفسِهِ وَلغيره.
الثَّالِث: دوَام لباسها وَزينتهَا؛ فَلَا يسْقط عَنْهَا صيفاً وَلَا شتاءً، كَذَلِك الْمُؤمن لَا يَزُول عَنهُ لِبَاس التَّقْوَى وَزينتهَا حَتَّى يوافي ربه تَعَالَى.
الرَّابِع: سهولة تنَاول ثَمَرَتهَا وتيسره، أما قصيرها فَلَا يحوج المتناول أن يرقاها، وأما باسقها فصعوده سهل بِالنِّسْبَةِ إلى صعود الشجر الطوَال وَغَيرهَا، فتراها كَأَنَّهَا قد هيئت مِنْهَا المراقي والدرج إلى أعلاها، وَكَذَلِكَ الْمُؤمن خَيره سهل قريب لمن رام تنَاوله لَا بالغر وَلَا باللئيم.
الْخَامِس: أن ثَمَرَتهَا من أنفع ثمار الْعَالم؛ فَإِنَّهُ يُؤْكَل رطبه فَاكِهَة وحلاوة، ويابسه يكون قوتا وأدما وَفَاكِهَة، ويتخذ مِنْهُ الْخلّ والناطف والحلوى، وَيدخل فِي الأدوية والأشربة وَعُمُوم الْمَنْفَعَة بِهِ وبالعنب... فَإِنَّهُ يُؤْكَل رطباً ويابساً وحلواً وحامضاً، وتجنى مِنْهُ أَنْوَاع الأشربة والحلوى والدبس وَغير ذَلِك؛ فَسَموهُ كرماً لِكَثْرَة خَيره، فَأخْبرهُم النَّبِي أن قلب الْمُؤمن أحق مِنْهُ بِهَذِهِ التَّسْمِيَة؛ لِكَثْرَة مَا أودع الله فِيهِ من الْخَيْر وَالْبركَة وَالرَّحْمَة واللين وَالْعدْل والإحسان والنصح وَسَائِر أنواع البر وَالْخَيْر الَّتِي وَضعهَا الله فِي قلب الْمُؤمن؛ فَهُوَ أحق بِأَن يُسمى كرماً من شجر الْعِنَب وَلم يُرِد النَّبِي إبطال مَا فِي شجر الْعِنَب من الْمَنَافِع والفوائد ..ألا ترى أنه لم ينف فَوَائِد شجر الْعِنَب، وَإِنَّمَا أخبر عَنهُ أن قلب الْمُؤمن أغزر فَوَائِد وأعظم مَنَافِع مِنْهَا... وَأَنت إِذا تدبرت قَول النَّبِي :" الْكَرم قلب الْمُؤمن"؛ وجدته مطابقا لقَوْله فِي النَّخْلَة :"مثلهَا مثل الْمُسلم"؛ فَشبه النَّخْلَة بِالْمُسلمِ فِي حَدِيث ابْن عمر، وَشبه الْمُسلم بِالْكَرمِ فِي الحَدِيث الآخر، ونهاهم أن يخصوا شجر الْعِنَب باسم الْكَرم دون قلب الْمُؤمن.
الْوَجْه السَّادِس من وُجُوه التَّشْبِيه: أن النَّخْلَة أصبر الشّجر على الرِّيَاح والجهد، وَغَيرهَا من الدوح الْعِظَام تميلها الرّيح تَارَة وتقلعها تَارَة وتقصف أفنانها وَلَا صَبر لكثير مِنْهَا على الْعَطش كصبر النَّخْلَة، فَكَذَلِك الْمُؤمن صبور على الْبلَاء لَا تزعزعه الرِّيَاح.
السَّابِع: أن النَّخْلَة كلهَا مَنْفَعَة لَا يسْقط مِنْهَا شَيْء بِغَيْر مَنْفَعَة: فثمرها مَنْفَعَة، وجذعها فِيهِ من الْمَنَافِع مَالا يجهل للأبنية والسقوف وَغير ذَلِك، وسعفها تسقف بِهِ الْبيُوت مَكَان الْقصب وَيسْتر بِهِ الفُرَج والخلل، وخوصها يتَّخذ مِنْهُ المكاتل والزنابيل وأنواع الآنية والحصر وَغَيرهَا، وليفها وكربها فِيهِ من الْمَنَافِع مَا هو معلوم عِنْد النَّاس، وَقد طابق بعضُ النَّاس هَذِه الْمَنَافِع وصفات الْمُسلم، وَجعل لكل مَنْفَعَة مِنْهَا صفة فِي الْمُسلم تقَابلهَا، فَلَمَّا جَاءَ الى الشوك الَّذِي فِي النَّخْلَة، جعل بإزائه من الْمُسلم صفة الحدة على أَعدَاء الله وأهل الْفُجُور فَيكون عَلَيْهِم فِي الشدَّة والغلظة بِمَنْزِلَة الشوك، وَلِلْمُؤْمنِينَ والمتقين بِمَنْزِلَة الرطب حلاوةً وليناً {أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم}.
الثَّامِن: أنها كلما طال عمرها؛ ازْدَادَ خَيرهَا وجاد ثَمَرهَا، وَكَذَلِكَ الْمُؤمن إِذا طَال عمره ازْدَادَ خَيره وَحسن عمله.
التَّاسِع: أن قَلبهَا من أطيب الْقُلُوب وأحلاه، وَهَذَا أمر خصت بِهِ دون سَائِر الشّجر، وَكَذَلِكَ قلب الْمُؤمن من أطيب الْقُلُوب.
العَاشِر: أنها لايتعطل نَفعهَا بِالْكُلِّيَّةِ أبداً، بل إِن تعطلت مِنْهَا منفعة؛ فَفِيهَا مَنَافِع أخر، حَتَّى لَو تعطلت ثمارها سنة لَكَانَ للنسا فِي سعفها وخوصها وليفها وكربها مَنَافِع. وَهَكَذَا الْمُؤمن لَا يَخْلُو عَن شَيْء من خِصَال الْخَيْر قطّ إن أجدب مِنْهُ جَانب من الْخَيْر أخصب مِنْهُ جَانب، فَلَا يزَال خَيره مأمولاً، وشره مَأْمُوناً، وفِي التِّرْمِذِيّ مَرْفُوعاً إلى النَّبِي :"خَيركُمْ من يُرْجَى خَيره ويؤمن شَره، وشركم من لَا يُرْجَى خَيره وَلَا يُؤمن شَره"..
المصدر: مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (232/1).
"فصل:
ثمَّ تَأمل هَذِه النَّخْلَة الَّتِي هِيَ إحدى آيَات الله، تَجِد فِيهَا من الآيات والعجائب مَا يبهرك؛ فَإِنَّهُ لما قدر أن يكون فِيهِ إناث تحْتَاج الى اللقَاح، جعلت فِيهَا ذُكُور تلقحها بِمَنْزِلَة الْحَيَوَان وإناثه، وَلذَلِك اشْتَدَّ شبهها من بَين سَائِر الاشجار بالانسان- خُصُوصا بِالْمُؤمنِ- كَمَا مثله النَّبِي وَذَلِكَ من وُجُوه كَثِيرَة:
أحدها: ثبات أصلها فِي الارض، واستقراره فِيهَا، وَلَيْسَت بِمَنْزِلَة الشَّجَرَة الَّتِي اجتثت من فَوق الارض مَالهَا من قَرَار.
الثَّانِي: طيب ثَمَرَتهَا وحلاوتها وَعُمُوم الْمَنْفَعَة بهَا، كَذَلِك الْمُؤمن طيب الْكَلَام، طيب الْعَمَل، فِيهِ الْمَنْفَعَة لنَفسِهِ وَلغيره.
الثَّالِث: دوَام لباسها وَزينتهَا؛ فَلَا يسْقط عَنْهَا صيفاً وَلَا شتاءً، كَذَلِك الْمُؤمن لَا يَزُول عَنهُ لِبَاس التَّقْوَى وَزينتهَا حَتَّى يوافي ربه تَعَالَى.
الرَّابِع: سهولة تنَاول ثَمَرَتهَا وتيسره، أما قصيرها فَلَا يحوج المتناول أن يرقاها، وأما باسقها فصعوده سهل بِالنِّسْبَةِ إلى صعود الشجر الطوَال وَغَيرهَا، فتراها كَأَنَّهَا قد هيئت مِنْهَا المراقي والدرج إلى أعلاها، وَكَذَلِكَ الْمُؤمن خَيره سهل قريب لمن رام تنَاوله لَا بالغر وَلَا باللئيم.
الْخَامِس: أن ثَمَرَتهَا من أنفع ثمار الْعَالم؛ فَإِنَّهُ يُؤْكَل رطبه فَاكِهَة وحلاوة، ويابسه يكون قوتا وأدما وَفَاكِهَة، ويتخذ مِنْهُ الْخلّ والناطف والحلوى، وَيدخل فِي الأدوية والأشربة وَعُمُوم الْمَنْفَعَة بِهِ وبالعنب... فَإِنَّهُ يُؤْكَل رطباً ويابساً وحلواً وحامضاً، وتجنى مِنْهُ أَنْوَاع الأشربة والحلوى والدبس وَغير ذَلِك؛ فَسَموهُ كرماً لِكَثْرَة خَيره، فَأخْبرهُم النَّبِي أن قلب الْمُؤمن أحق مِنْهُ بِهَذِهِ التَّسْمِيَة؛ لِكَثْرَة مَا أودع الله فِيهِ من الْخَيْر وَالْبركَة وَالرَّحْمَة واللين وَالْعدْل والإحسان والنصح وَسَائِر أنواع البر وَالْخَيْر الَّتِي وَضعهَا الله فِي قلب الْمُؤمن؛ فَهُوَ أحق بِأَن يُسمى كرماً من شجر الْعِنَب وَلم يُرِد النَّبِي إبطال مَا فِي شجر الْعِنَب من الْمَنَافِع والفوائد ..ألا ترى أنه لم ينف فَوَائِد شجر الْعِنَب، وَإِنَّمَا أخبر عَنهُ أن قلب الْمُؤمن أغزر فَوَائِد وأعظم مَنَافِع مِنْهَا... وَأَنت إِذا تدبرت قَول النَّبِي :" الْكَرم قلب الْمُؤمن"؛ وجدته مطابقا لقَوْله فِي النَّخْلَة :"مثلهَا مثل الْمُسلم"؛ فَشبه النَّخْلَة بِالْمُسلمِ فِي حَدِيث ابْن عمر، وَشبه الْمُسلم بِالْكَرمِ فِي الحَدِيث الآخر، ونهاهم أن يخصوا شجر الْعِنَب باسم الْكَرم دون قلب الْمُؤمن.
الْوَجْه السَّادِس من وُجُوه التَّشْبِيه: أن النَّخْلَة أصبر الشّجر على الرِّيَاح والجهد، وَغَيرهَا من الدوح الْعِظَام تميلها الرّيح تَارَة وتقلعها تَارَة وتقصف أفنانها وَلَا صَبر لكثير مِنْهَا على الْعَطش كصبر النَّخْلَة، فَكَذَلِك الْمُؤمن صبور على الْبلَاء لَا تزعزعه الرِّيَاح.
السَّابِع: أن النَّخْلَة كلهَا مَنْفَعَة لَا يسْقط مِنْهَا شَيْء بِغَيْر مَنْفَعَة: فثمرها مَنْفَعَة، وجذعها فِيهِ من الْمَنَافِع مَالا يجهل للأبنية والسقوف وَغير ذَلِك، وسعفها تسقف بِهِ الْبيُوت مَكَان الْقصب وَيسْتر بِهِ الفُرَج والخلل، وخوصها يتَّخذ مِنْهُ المكاتل والزنابيل وأنواع الآنية والحصر وَغَيرهَا، وليفها وكربها فِيهِ من الْمَنَافِع مَا هو معلوم عِنْد النَّاس، وَقد طابق بعضُ النَّاس هَذِه الْمَنَافِع وصفات الْمُسلم، وَجعل لكل مَنْفَعَة مِنْهَا صفة فِي الْمُسلم تقَابلهَا، فَلَمَّا جَاءَ الى الشوك الَّذِي فِي النَّخْلَة، جعل بإزائه من الْمُسلم صفة الحدة على أَعدَاء الله وأهل الْفُجُور فَيكون عَلَيْهِم فِي الشدَّة والغلظة بِمَنْزِلَة الشوك، وَلِلْمُؤْمنِينَ والمتقين بِمَنْزِلَة الرطب حلاوةً وليناً {أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم}.
الثَّامِن: أنها كلما طال عمرها؛ ازْدَادَ خَيرهَا وجاد ثَمَرهَا، وَكَذَلِكَ الْمُؤمن إِذا طَال عمره ازْدَادَ خَيره وَحسن عمله.
التَّاسِع: أن قَلبهَا من أطيب الْقُلُوب وأحلاه، وَهَذَا أمر خصت بِهِ دون سَائِر الشّجر، وَكَذَلِكَ قلب الْمُؤمن من أطيب الْقُلُوب.
العَاشِر: أنها لايتعطل نَفعهَا بِالْكُلِّيَّةِ أبداً، بل إِن تعطلت مِنْهَا منفعة؛ فَفِيهَا مَنَافِع أخر، حَتَّى لَو تعطلت ثمارها سنة لَكَانَ للنسا فِي سعفها وخوصها وليفها وكربها مَنَافِع. وَهَكَذَا الْمُؤمن لَا يَخْلُو عَن شَيْء من خِصَال الْخَيْر قطّ إن أجدب مِنْهُ جَانب من الْخَيْر أخصب مِنْهُ جَانب، فَلَا يزَال خَيره مأمولاً، وشره مَأْمُوناً، وفِي التِّرْمِذِيّ مَرْفُوعاً إلى النَّبِي :"خَيركُمْ من يُرْجَى خَيره ويؤمن شَره، وشركم من لَا يُرْجَى خَيره وَلَا يُؤمن شَره"..
المصدر: مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (232/1).
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع