حـرمـــة الدمــاء في شريعــة السمــاء ( 1 )

طباعة الموضوع

أبو التراب

مشرفة
إنضم
22 ديسمبر 2013
المشاركات
316
النقاط
16
الإقامة
في أرض الله
الموقع الالكتروني
www.mohammedfarag.com
احفظ من كتاب الله
عشرون جزء
احب القراءة برواية
حفص عن عاصم من طريق المصباح
القارئ المفضل
القدماء
الجنس
field631



الحمد لله بجميع المحامد، أقصى ما يبلغه الحامد، حمداً على الخير وعلى المصائب،

وأشهد أن لا إله إلا الله، له الدين الواصب، والسلطان الغالب،

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي العاقب، المبعوث بأشرف البقاع وأزكى المناقب.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وحملة كتابه، الواقفين على أحكامه حلاله وحرامه،

والداعين إلى سنته والموقرين لجنابه، ما ترادفت الأعصار، وتعاقب الليل والنهار.

ورضي الله تعالى عن خلفائه الراشدين، وسائر الصحابة أجمعين،

والتابعين لهم على الهدي المبين

أما بعــــــــد

إنَّ العين لتذرف دمعاً، والقلب لينزف دماً على ما يحدث في بلاد المسلمين من تشريد للآمنين وقتل وسفك للدماء لا أقول بيد اليهود المجرمين ، بل قتل المسلمين بيد المسلمين، أي فتنة بعد هذا؟!
أي انتهاك لحرمة الدماء بعد هذا؟! أي شر مستطير وذنب عظيم وضلال مبين بعد هذا؟!

في سوريا، وفي السودان، وأخيراً في مصر أرض الكنانة، المسلم يستحل دم المسلم، والأرواح تزهق بالباطل والزور وبغير الحق، والمجازرالتي يذبح ويقتل فيها الأبرياء ، أي جاهلية هذه التي أصبحنا نعيش فيها؟! إنها الجاهلية الجهلاء بعينها، تخيم على القلوب والنفوس والعقول
من أجل ماذا؟ من أجل الكراسي والمناصب ، من أجل التحزب الأعمى والولاء للأشخاص والجماعات والأهواء، من أجل الدنيا الفانية، والمكاسب الزائلة، والمطامع الواهية. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أين الفراعنة، أين القياصرة والأكاسرة،أين الملوك والوزراء والرؤساء؟ إنهم زالوا إلى زوال وصاروا تحت الثرى والتراب

أول من سفك الدماء

يروي لنا القرآن الكريم عن أول جريمة قتل وقعت في الأرض بين ابنين من بني آدم عليه السلام، وهما هابيل وقابيل

قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَإِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ(30) المائدة

قال أهل علم التفسير
أي: قص على الناس وأخبرهم بالقضية التي جرت على ابني آدم بالحق، تلاوة يعتبر بها المعتبرون، صدقا لا كذبا، وجدا لا لعبا، والظاهر أن ابني آدم هما ابناه لصلبه، كما يدل عليه ظاهر الآية والسياق، وهو قول جمهور المفسرين.

أي: اتل عليهم نبأهما في حال تقريبهما للقربان، الذي أداهما إلى الحال المذكورة.

((إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا أي: أخرج كل منهما شيئا من ماله لقصد التقرب إلى الله، فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ)) بأن علم ذلك بخبر من السماء، أو بالعادة السابقة في الأمم، أن علامة تقبل الله لقربان، أن تنزل نار من السماء فتحرقه.

قَالَ الابن، الذي لم يتقبل منه للآخر حسدا وبغيا أَقْتُلَنَّكَ فقال له الآخر - مترفقا له في ذلك - ((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)) فأي ذنب لي وجناية توجب لك أن تقتلني؟ إلا أني اتقيت الله تعالى، الذي تقواه واجبة عليّ وعليك، وعلى كل أحد، وأصح الأقوال في تفسير المتقين هنا، أي: المتقين لله في ذلك العمل، بأن يكون عملهم خالصا لوجه الله، متبعين فيه لسنة رسول الله 0.

ثم قال له مخبرا أنه لا يريد أن يتعرض لقتله، لا ابتداء ولا مدافعة فقال:

لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَك وليس ذلك جبنا مني ولا عجزا. وإنما ذلك لأني إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ والخائف لله لا يقدم على الذنوب، خصوصا الذنوب الكبار. وفي هذا تخويف لمن يريد القتل، وأنه ينبغي لك أن تتقي الله وتخافه.

إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ: أي: ترجع بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ أي: إنه إذا دار الأمر بين أن أكون قاتلا أو تقتلني فإني أوثر أن تقتلني، فتبوء بالوزرين فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ دل هذا على أن القتل من كبائر الذنوب، وأنه موجب لدخول النار

فلم يرتدع ذلك الجاني ولم ينزجر، ولم يزل يعزم نفسه ويجزمها، حتى طوعت له قتل أخيه الذي يقتضي الشرع والطبع احترامه.

فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ: دنياهم وآخرتهم، وأصبح قد سن هذه السنة لكل قاتل.

"ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة".

فعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله 0 (مِنْ نفْسٍ تُقْتَلُ ظُلماً إِلاَّ كَانَ عَلَى ابنِ آدمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دمِهَا لأَنَّهُ كَان أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ) رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأحمد

حرمة الدماء عند أهل الكتاب

لقد حرم الله عز وجل القتل وسفك الدماء للنفس البشرية في شريعة أهل الكتاب ممن كانوا قبلنا

قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) المائدة: 32

قال أهل التفسير

قوله تعالى: ((من أجل ذلك)) أي: من أجل ذلك الذي فعله قابيل ((كتبنا على بني إسرائيل أنه))

وقوله:(( كَتَبْنَا )) أي: فرضنا وأوجبنا على بني إسرائيل، وخصوا بالذكر لأنهم أول من تعبدوا بذلك، غير إنهم مشهورون بأنهم قتلة الأنبياء، فسفكوا دماء الأنبياء وهي أشرف الدماء وأعظم الدماء، وأكثرها حرمة وعصمة عند الله تعالى.

والهاء هنا تدل على الشأن ((أنه)) أي: الشأن. ((من قتل نفساً بغير نفس)) يعني: بغير نفس قتلها. ((أو فساد)) أو بغير فساد ((في الأرض)) أي: فساد أتاه في الأرض من كفر أو زنا أو قطع طريق ونحوه.

((أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا )) يعني: بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص أو بغير فساد يوجب إهدار دمها؛ لأن الذي يبيح القتل هو إما إن يقتل الإنسان نفساً بغير حق، وإما أن يعيث في الأرض فساداً بصور كثيرة بينها بعد ذلك، كالكفر، والحرابة، أي: المحاربون من قطاع الطريق، وكذلك زنا المحصن مما يبيح دمه. وقوله:(( فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا )) أي: من حيث إنه هتك حرمة الدماء، وسن القتل، وجرأ الناس عليه، أو من حيث إن قتل الواحد وقتل الجميع سواء في استجلاب غضب الله سبحانه وتعالى والعذاب العظيم

(وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا )) أي: بأن امتنع عن قتلها قال ابن عباس : من حيث انتهاك حرمتها وصونها..

والمعنى: أي: فكأنما فعل ذلك بالناس جميعاً، والمقصود منه تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب، ترهيباً عن التعرض لها، وترغيباً في حمايتها. وقال أبو مسلم في معنى الآية: من قتل نفساً وجب على المؤمنين معاداته، وأن يكونوا خصومه كما لو قتلهم جميعاً؛ لأن المسلمين يد واحدة على من سواهم، ومن أحياها وجب على المؤمنين موالاته كما لو أحياهم.

وقوله تعالى: (( وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ )) أي: بني إسرائيل (( رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ )) أي: بالمعجزات ((ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ))، أي: مجاوزون الحد بالكفر والقتل وغير ذلك.

ما ورد في القتل عند أهل الكتاب

قال تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ)المائدة: 15

قال ابن جريج: لما رأت قريظة النبي 0 قد حكم بالرجم وكانوا يخفونه في كتابهم ، قالوا : يا محمد : اقض بيننا وبين إخواننا بني النضير ، وكان بينهم دم ، وكانت النضير تتعزز على قريظة في دمائها ودياتها كما تقدم . وقالوا : لا نطيعك في الرجم ، ولكنا نأخذ بحدودنا التي كنا عليها ، فنزلت وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ : { ونزلت } :أفحكم الجاهلية يبغون

قال ابن عباس: المعنى : فما بالهم يخالفون فيقتلون النفسين بالنفس ويفقئون العينين بالعين ; وكانت بنو إسرائيل عندهم القصاص خاصة ، فشرف الله هذه الأمة بالدية.

وللحديث بقية

إن قدر البقاء واللقاء

الشيخ / محمد فرج الأصفر

http://www.mohammedfarag.com/play.php?catsmktba=17776
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى