أحكام الأمراض التي لا يرجى برؤها

طباعة الموضوع

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
أحكام الأمراض التي لا يرجى برؤها
د.أحمد محمد كنعان
تمهيد :
الحمد لله مقدر الموت والحياة ، من بيده وحده الشفاء ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين الذي كانت رسالته هدى ورحمة وشفاء لما في الصدور .
أما بعد : فإن مهنة الطب من أشرف المهن التي عرفها الإنسان ، وما يزال الناس عبر العصور يجلونها ويوقرون من يمارسها ، لما لها من مساس مباشر بحياة الإنسان وصحته النفسية والعضوية والعقلية ، وهذا ما أشار إليه الطبيب العربي الموسوعي ( ابن أبي أُصَيْبِعَة ) حين وصف مهنة الطب بأنها ( من أشرفِ الصَّنائِعِ ، وأربحِ البضائعِ ، وقد وَرَدَ تفصيلُها في الكتبِ الإلهيَّةِ ، والأوامرِ الشَّرعيَّةِ ، حتى جُعِلَ عِلْمُ الأبْدانِ قَريناً لعلمِ الأديانِ ) .
ونظراً لشرف هذه المهنة فقد تواضع الأطباء عبر العصور على جملة من الأعراف الأخلاقية التي ينبغي للطبيب أن يتحلى بها في تعامله مع مرضاه ، حتى أصبحت هذه الأعراف جزءاً لا يتجزأ من (القَسَم الطبي) الذي يؤديه الأطباء عند تخرجهم من كليات الطب ، ويقطعون به العهد على أنفسهم أن يلتزموا بهذه الأعراف .
ولا جدال بأن المريض يحتاج إلى رعاية خاصة ، طبية ونفسية واجتماعية ، لما يسببه المرض من أوجاع ، وضعف بالبدن ، وتدهور بالحالة النفسية للمريض ، فكيف إذا كان مصاباً بمرض لا يرجى برؤه ؟ لا شك بأنه يحتاج إلى رعاية أكبر ، لاسيما وأن هذه الأمراض تشكل تحدياً أخلاقياً كبيراً للطبيب ، والمريض ، وأهل المريض ، بل وللمجتمع أيضاً ، بسبب ما يترتب على هذه الأمراض من نتائج .
وقد تزايدت معدلات هذه الأمراض في عصرنا الراهن ، نتيجة لمجموعة من العوامل البيئية على رأسها التلوث البيئي المتهم بجملة واسعة من الأمراض الخطيرة مثل بعض الأورام ، وكذلك التحولات الوراثية التي أسفرت عن تحوُّر أنواع عديدة من العوامل المرضية السارية فجعلتها مقاومة للمضادات الحيوية ، هذا إلى جانب الكشوف الطبية الحديثة التي كشفت لنا طائفة واسعة من الأمراض الجديدة التي لم تكن معلاروفة في دنيا الطب ( السرطان ، الإيدز ، جنون البقر .. ) ، ناهيك عن التقنيات الطبية المتطورة ، وعلى رأسها وسائل الإنعاش الحديثة التي أصبح باستطاعتها اليوم أن تحافظ على حياة المصابين بإصابات بالغة ، بينما كانوا فيما مضى يقضون نحبهم سريعاً قبل استخدام هذه التقنيات ، إلا أن حياة هؤلاء ليست كحياة غيرهم ، بل هي حياة أقرب إلى الموت منها إلى الحياة ( الحياة الإنباتية مثلاً ) أو هي حياة الميت إن صح التعبير ( موت الدماغ مثلاً ) فهؤلاء في حكم من لا يرجى برؤهم ، وهكذا زادت هذه التقنيات من معدلات الحالات التي لا يرجى برؤها !
إن هذه التطورات التي شهدتها الساحة الطبية خلال العقود القليلة الماضية وأسفرت عن جملة واسعة من الأمراض المعندة ، جعلت الحاجة ملحة لوضع ضوابط أخلاقية جديدة للتعامل مع هذه الحالات المستجدة ، وهو هدفنا من هذا البحث الذي سوف نناقش فيه جملة من هذه الأمراض ، ونبين أبعاد التعامل الأخلاقي والشرعي معها ، وقد قسمنا البحث إلى اثني عشر مبحثاً ، هي :
1. تعريف أخلاق وأحكام التعامل مع الأمراض التي لا يرجى برؤها .
2. حرمة الحياة الإنسانية .
3. أمثلة من الأمراض التي لا يرجى برؤها .
• الحياة الإنباتية .
• موت الدماغ .
• الحامل المصابة بمرض لا يرجى برؤه .
• الجنين المشوه الذي لا يرجى برؤه .
• الوليد الخديج .
• اختناق الوليد .
• العقم .
• الجنون .
• مرض الموت .
• الإعدام .
4. مكاشفة المريض الذي لا يرجى برؤه .
5. تداوي من لا يرجى برؤه .
6. إنعاش من لا يرجى برؤه .
7. قطع ذرية من لا يرجى برؤه .
8. إنهاء حياة من لا يرجى برؤه .
9. تعمد نقل العدوى بأمراض لا يرجى برؤها .
10. رعاية من لا يرجى برؤه .
11. تمني الموت لمن لا يرجى برؤه .
12. شفاء من لا يرجى برؤه .
وكان اعتمادنا في هذا البحث أساساً على الكتاب والسنة ، ثم على المصادر الطبية المعتمدة ، والفتاوى التي صدرت عن المجامع الفقهية المعاصرة التي ناقشت هذه المسائل خلال العقود القليلة الماضية ، وانتهينا في الخاتمة إلى جملة من التوصيات التي نأمل أن تكون بمثابة مرشد عام في التعامل مع المصابين بالأمراض التي لا يرجى برؤها ، هذا مع التذكير أولاً وأخيراً بأن الشفاء بيد الله تعالى وحده .

المبحث الأول
تعريف أخلاق وأحكام التعامل مع الأمراض التي لا يرجى برؤها

أخلاق وأحكام التعامل مع الأمراض التي لا يرجى برؤها مصطلح مركب من ثلاثة أجزاء ، سوف نتناولها في ثلاثة مطالب :
المطلب الأول ـ تعريف الأخلاق :
الأخلاق : لغةً : جمع خُلُق ، وهو السَّجِيَّةُ والطَّبْعُ والمُرُوءَةُ والعادة ، وقد تعارف أهل الطب عبر العصور على مجموعة من الأخلاق التي أصبحوا يطلقون عليها وصف أخلاقيات الطب (Medical Ethics ) ، وهي مجموعة الضوابط الأخلاقية التي تحكم الممارسات الطبية (Practices Medical) وهي تعني كيفية التصرف الأخلاقي اللائق أثناء ممارسة الأنشطة الطبية المختلفة .
وقد سجَّل تاريخ الطب في البرديات المصرية القديمة ، والنقوش المسمارية الآشورية والبابلية ، والمدونات الإغريقية ، جملة من الأعراف الأخلاقية التي ينبغي للطبيب أن يتحلى بها ، ومنها ما ورد في القَسَم الطبي الذي وضعه الطبيب الإغريقي ( أبقراط ) الذي اشتهر باسمه ( قَسَم أبقراط ) وأصبح عرفاً من الأعراف الطبية يؤديه الأطباء عند تخرجهم من كليات الطب ، وهو يتضمن أخذ العهد على الأطباء أن يلتزموا بالأخلاق الفاضلة ، فلا يدخروا وسعاً في مساعدة مرضاهم ، وتخفيف المعاناة عنهم ، وعدم إفشاء أسرارهم ، وأن لا يجهضوا امرأة ، ولا يعطوا دواء محرماً .. إلى غير ذلك من الأخلاق التي تجعل ممارسة الطب ممارسة إنسانية نبيلة .
كما نَصَّت الدساتير الطبية المختلفة على ضرورة أن يتخلق الطبيب بالأخلاق الفاضلة التي تليق بشرف هذه المهنة ، وأن لا يسلك سلوكاً يخلُّ بالأخلاق ، وأن يكون حَسَن المظهر ، مراعياً للآداب الشرعية والأعراف العامة ، في حركاته وسكناته وتصرفاته ، لأن الناس يوقِّرون الطبيب ويعتبرونه مثلاً أعلى في المجتمع ، ولهذا وجب على الطبيب أن يتحلى بأحسن الأخلاق ، وأولها التواضع لله عزَّ وجلَّ الذي وفقه لأن يكون وسيلة من وسائل الشفاء وتخفيف الآلام والأوجاع .. ونصت الدساتير كذلك على أن لا يمنح الترخيص بمزاولة الطب لمن حُكِمَ عليه في جُرْمٍ مُخِلٍّ بالشَّرف أو الأمانة .
وقد تزايد الاهتمام بأخلاقيات الطب في عصرنا الحاضر من جراء الكشوف العلمية الحديثة التي فرضت على الأطباء ممارسات جديدة لم تكن معروفة في ما مضى ، وتأسست منظمات وهيئات وجمعيات عديدة ، وعقدت مؤتمرات عالمية ، من أجل ضبط هذه الممارسات ضبطاً أخلاقياً يحافظ على شرف هذه المهنة ، ويحفظ حقوق المرضى ، وكان للمجامع الفقهية الإسلامية إسهامات عديدة واسعة في هذا المجال ، كما سوف نلاحظ في ثنايا هذا البحث .
وبلغت العناية بأخلاقيات الطب في السنوات الأخيرة مبلغاً عظيماً ، حتى إن بعض الجامعات العريقة مثل الجامعات الكندية بادرت إلى خطوة تعد الأولى من نوعها ، فوضعت معايير جديدة لاختيار الطلاب الراغبين بدراسة الطب ، بغية إعدادهم علمياً واجتماعياً وإنسانياً لممارسة هذه المهنة الشريفة ، فلم تعد دراسة الطب تقتصر على التفوق العلمي وحده ، بل باتت تتطلب معايير إنسانية واجتماعية متميزة من أجل الحفاظ على مصداقية المهنة ، وحماية سمعتها لدى المجتمع ، وتأكيداً لهذا التوجه الجديد أصبح الطلاب الراغبين بدراسة الطب يخضعون لمقابلات شخصية واختبارات نفسية واجتماعية أمام لجنة تراجع سجلاتهم الدراسية أثناء المرحلتين المتوسطة والثانوية لاكتشاف مكامن الضعف والقوة عندهم ، ورصد ما لديهم من ميول وطموح ، وملاحظة خط نضوجهم العقلي والعاطفي ، وسبر أطوار الحس والانفعال والحِلم والغضب والاستجابة والتأثر والتأثير لديهم ، ووفقاً لهذه المعايير أصبح معدل النجاح المطلوب في امتحانات دخول كلية الطب مناصفة ما بين المعدلات العلمية والاعتبارات الإنسانية التي تحددها المقابلة الشخصية ، والهدف من هذا كله توسيع دائرة المعرفة الطبية وشمولها وإحاطتها الواعية بما يعانيه المرضى صحياً وإنسانياً واجتماعياً ، وتعزيز الثقة المتبادلة بينهم وبين الأطباء الذين يتولون معالجتهم .
وتعد الرسالات السماوية وما شرعته من قيم أخلاقية نبيلة هي المصدر الأساسي للأخلاق التي رسخت عبر العصور في المجتمعات البشرية ، ومنها استمد الأطباء أسس الأخلاق التي تواضعوا عليها في ممارساتهم الطبية ، إلى جانب بعض المصادر الأخرى الفلسفية والثقافية والاجتماعية التي ساهمت كذلك بترسيخ هذه القواعد الأخلاقية في الممارسات الطبية .
وقد كان للإسلام مساهمات جليلة في هذا الباب ، ومن المعروف أن كتب ( الطب النبوي ) حافلة بالعديد من نصوص الكتاب والسنة التي حددت معالم الأخلاق التي ينبغي أن تتوافر في من يمارس التطبيب ، ومنها الأمانة ، والإتقان ، وحفظ أسرار المرضى ، واحترام رأي المريض والحصول على موافقته أو ما يعرف بالإذن الطبِّي ( Medical Consent ) قبل تعريضه لأي إجراء طبي .
ولعل أبلغ من لخص أسس الأخلاق الطبية في الإسلام هو الطبيب صلاح الدين بن يوسف الكحال الحموي المتوفى في القرن السابع الهجري ، الذي أوصى أحد تلاميذه بعد أن أخذ عنه الطب قائلاً له : ( .. واعلمْ أنَّ هذهِ الصناعةَ منحةٌ من اللهِ تعالى يُعطيها لِمُسْتحِقِّها ، لأنهُ يصيرُ واسطةً بينَ المريضِ وبينَ الحقِّ سبحانه وتعالى في طلبِ العافيةِ لهُ ، حتى تجريَ على يديهِ ، فتحصلُ لهُ الحُرْمَةُ الجزيلةُ من الناسِ ، ويَمْثُل عندَهُم ، ويُشار إليهِ في صناعتهِ ، ويُطْمَأَنُّ إليهِ فيما يعتمدُهُ ، وفي الآخرةِ الأجرُ والمجازاةُ من ربِّ العالمين ، لأنَّ النفعَ المتعدِّي لخلقِ اللهِ عظيمٌ ، خصوصاً للفقراءِ العاجزين ، مع ما يحصلُ لنَفْسِكَ من كَمالِ الأخلاقِ ، وهو خُلُقُ الكَرَمِ والرَّحمةِ ، فيجب عليك حينئذٍ أنُ تلبس ثوبَ الطَّهارةِ والعفَّةِ والنَّقاءِ والرأفةِ ومراقبةِ اللهِ تعالى ، وخاصة في عبوركَ على حَريم الناسِ ، كتوماً لأسرارهم .. محباً للخيرِ والدِّينِ ، مُكباً على الاشتغالِ في العلومِ ، تاركاً للشَّهَواتِ البدنيَّةِ .. مُعاشراً للعلماءِ ، مواظباً للمرضى ، حريصاً على مداواتهم ، مُتَحَيِّلاً لجلبِ المنفعةِ لهم ، وإنْ أمكنكَ أن تُؤْثِرَ الضُّعفاءَ من مالِكَ فافعل ) .
ويجدر بنا أن نلاحظ هنا جملة من الفوارق الجوهرية ما بين أخلاقيات الطب التي شرعها الإسلام ، وأخلاقيات الطب المتعارف عليها في القوانين الوضعية ، ففي الإسلام تستمد هذه الأخلاقيات سماتها الأساسية من قواعد التشريع الإسلامي الحنيف الذي يعتبر الأخلاق الفاضلة جزءاً لا يتجزأ من الدين ، ويجعل الإنسان مسؤولاً عن سلوكه أمام الله عزَّ وجلَّ قبل أن يكون مسؤولاً أمام الناس ، فالشريعة الإسلامية لا تكتفي بتحميل الذين يمارسون الطب مسؤولية دنيوية عن أعمالهم ، كما هي حال الدساتير الطبية الوضعية ، بل تحملهم كذلك مسؤولية دينية يسألون عنها أمام الله عزَّ وجلَّ .

المطلب الثاني ـ تعريف الأحكام :
الأحكام : جمع حُكْم ، وهو لغةً : القضاء ، وأصل معناه : المنع . أما الحكم الشرعي عند جمهور الأصوليين فهو : خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييراً أو وضعا ، ولا غرو بأن الممارسات الطبية ـ مثلها مثل بقية أوجه النشاط الإنساني ـ تحكمها مجموعة من الأحكام الشرعية التي ينبغي للطبيب المسلم أن يراعيها في عمله ، لكي يكون عمله منسلكاً في إطار المقاصد الكلية للشريعة ، بريئاً من المخالفات الشرعية .
ومن المعلوم أن الإسلام قد أوجب على كل مسلم أن يلمَّ بالأحكام الشرعية التي لا غنى له عنها في شؤون حياته وفي مهنته التي يعتاش منها ، ولا جدال بأن الطبيب أحوج من غيره للعلم بالأحكام التي تتعلق بممارساته الطبية ، لما يتناوب على هذه الممارسات من أحكام شرعية عديدة ، ومنها على سبيل المثال : أحكام الطهارة ، والعورة ، والخلوة ، والرخصة ، والضرورة ، وغيرها كثير ، فينبغي للطبيب المسلم أن يحرص على تعلم هذه الأحكام ، كي لا يقع في المحظورات الشرعية ، أو يعرض مرضاه للوقوع بها .
وقد كان للمجامع الفقهية المعاصرة جهد واسع مشكور في صياغة العديد من الأحكام المتعلقة بالقضايا الطبية المعاصرة التي برزت على الساحة الطبية خلال العقود القليلة الماضية ، نتيجة التقدم الهائل الذي حصل في حقول الطب المختلفة ، كما كان لهذه المجامع جهد لا ينكر في إعادة صياغة بعض الأحكام التي قال بها الفقهاء قديماً لكي تتماشى مع ما استجد من حقائق طبية لم تكن معروفة من قبل ، وقد أوردنا في هذا البحث جملة غير قليلة من هذه الأحكام وتلك .
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
المطلب الثالث ـ تعريف المرض الذي لا يرجى برؤه :
المرض الذي لا يرجى برؤه ( Cureless Disease ) أو المرض الميئوس من شفائه ، هو المرض الذي لم يعرف له علاجٌ بعد ( مثل : بعض الأورام ) ، أو المرض الذي بلغ درجة من التدهور يندر معها الشِّفاء ( كالفشل الكلوي ، والفشل الكبدي .. ونحوه ) .
وقد ورد مثال على الأمراض التي لا يرجى برؤها في قصة المرأة التي جاءت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تعانيه من نوبات ( الصَّرع ) ، فقد روى عطاء بن أبي رباح رضي الله تعالى عنه ، قال : (( قالَ ابنُ عباس : ألا أريكَ امرأةً من أهلِ الجنةِ ؟ قلتُ : بلى . قالَ : هذهِ المرأةُ السوداءُ ، أتَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فقالتْ : إني أُصْرَعُ ، وإني أتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللهَ لي . فقالَ : إنْ شئتِ صَبَرْتِ ولَكِ الجَنَّةُ ، وإنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ لَكِ أنْ يعافيَكِ ، فقالت : أَصبرُ . قالتْ : فإني أتكشَّفُ فادْعُ اللهَ ألا أتكشف ، فدعا لها )) .
ووجود أمراض لا يرجى برؤها ، أو ميئوس من شفائها ، لا يتعارض مع ما ورد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين قال : (( ما أنزلَ اللهُ مِنْ داءٍ إلا أنزلَ لَهُ شِفاءً )) ، وقوله : (( إنَّ اللهَ أنْزَلَ الدَّاءَ والدَّواءَ ، وَجَعَلَ لكلِّ داءٍ دواءً ، فَتَداوَوْا ، ولا تَتَداوَوْا بالحَرَام )) ، فالأطباء لم يكتشفوا كل أسباب المرض بعد ، ولم يعرفوا كافة أنواع الدواء والعلاج ، وهذا القصور في علوم الطب وفي غيرها من العلوم سوف يبقى ملازماً للعلم البشري حتى آخر الزمان ، مصداقاً لقوله تعالى : (( وَمَا أوتيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلا قَليلاً )) ، فعلى الرغم من كل التقدم الذي أحرزه العلماء في حقول الطب والعلاج والتشخيص مازالت طائفة واسعة جداً من الأمراض التي لم تعرف أسبابها بعد ، ولم يعرف لها علاج أو دواء ناجع حتى الآن .
أضف إلى هذا ، أن نسبة غير قليلة من الأمراض القابلة للعلاج والشفاء يمكن أن تتدهور إلى درجة لا يعود يجدي فيها علاج ولا دواء ، وسوف يظل الأطباء في كل زمان ومكان يواجهون مثل هذه الحالات التي لا يرجى برؤها ، وهذا ما يبرر حديثنا عن هذه الطائفة من الأمراض التي تجعل الطبيب يقف أمام مريضه وقفة لا يحسد عليها ، وتضع المريض أمام الحقيقة المؤذنة بالنهاية التي تجعله في أشد الحاجة للرعاية والعناية والدعم النفسي .
من هنا تنبع أهمية هذا البحث ، الذي سوف نحاول فيه بيان كيفية التعامل الأخلاقي والشرعي مع هذه الطائفة من الأمراض ، وبيان ما يجب عمله للمريض لكي نخفف عنه وقع الصدمة النفسية العنيفة عندما يدرك أن مرضه ميئوس من شفائه ، وكيف نجعله يتقبل هو وذووه هذه الحالة التي تنذر بالنهاية .
ونسارع هنا إلى القول إن وجود هذه الأمراض التي لا يرجى برؤها لا يعني إهمال المريض ، ولا يعني التعجيل بإنهاء حياته بحجة تخليصه من الألم والمعاناة ، لأن الحياة الإنسانية محترمة شرعاً حتى الرمق الأخير ، ومن واجب الطبيب أن يقدم للمريض أقصى ما يستطيع من عناية ورعاية واهتمام مهما كان وضعه ، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً .

المبحث الثاني
حرمة الحياة الإنسانية

لقد اتفقت الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ـ على مر العصور ـ على حرمة النفس البشرية ، وتحريم الاعتداء عليها ، ووردت نصوص عديدة في الكتاب والسنة تشدد على هذه الحرمة ، ومنها تحريم القتل والانتحار والإجهاض وشتَّى الممارسات التي تعرِّض حياة الإنسان للخطر .
ولهذا ينبغي للطبيب أن يدرك أنه بتعامله مع المريض إنما يتعامل مع نفس بشرية مصونة شرعاً ، فلا يجوز له الاعتداء عليها ، ولا العبث بها ، ولا انتهاك حق من حقوقها المقررة شرعاً ، وهذا ما يوجب على الطبيب أن يمارس عمله عن علم ودراية وخبرة ، وأن يؤديه بإتقان ، ودون إهمال ، حرصاً على سلامة مرضاه ، وعدم تعريضهم للخطر أو الضرر .
أضف إلى هذا ، أن ( الحق في سلامة الحياة والجسد هو من الحقوق التي يختلط فيها حقُّ اللهِ تعالى بحقِّ العبد ، مع رجحان الأول ، وأنَّ جوابرَ الاعتداء على هذا الحقِّ يختصُّ بها العبدُ مَرَّةً ، وهذا هو حال القَصَاص والدِّيَة ، ويتعلق بها حقُّ اللهِ مرة أخرى ، وهذا هو حال الكَفَّارة ) ، ولا ريب بأن ارتباط سلامة الحياة بحق من حقوق الله عزَّ وجلَّ يجعل مسؤولية الطبيب أكبر ، لأن عمله يتعلق مباشرة بسلامة هذه الحياة .
ومن المعلوم طبياً أن حياة الإنسان يمكن أن تمر بظروف عسيرة تلتبس فيها مظاهر الحياة بمظاهر الموت ، ولهذا فرق الفقهاء منذ القديم بين عدة حالات يمكن أن تكون عليها حياة الإنسان ، وهذا التفريق مهم جداً من الوجهة الطبية والشرعية والقانونية ، لما يترتب عليه من مسؤوليات دينية ودنيوية ، وقد ذكر الفقهاء في كتب الفقه ثلاث حالات منها ، ثم أضيف لها حالة جديدة رابعة في عصرنا الراهن ، وهذه الحالات هي :
1. حياة مستمرة : وهي الحياة المعروفة التي تكون في الإنسان من بداية خَلْقِهِ إلى انقضاء أجَلَهِ ، وتكون بوجود الروح في الجسد ، ومعها الحركة الاختيارية والوَعْي .
2. حياة مستقرة : وهي الحياة التي تكون في الإنسان الذي يصاب إصابةً بالغةً ، ويرجَّح الأطباءُ أنَّه سيموت بعد ساعة أو يوم أو أيام ، لكنه يظلَّ قادراً على القيام ببعض الحركات الإراديَّة ، ويظلَّ فيه بعض الوعي أو الوعي التامّ .
3. حياة عيش المذبوح : وهي الحياة التي لا يبقى معها إبصار ولا نطق ولا حركة اختيارية ولا وعي ، ومثلها بعض الحالات التي يتلف فيها جزء كبير من الدماغ مع بقاء جذع الدماغ (Brain Stem) سليماً ، ومثالها الحالة التي تدعى طبياً بالحياة الإنباتية (Life Vegetative) فالمصاب في هذه الحال يعد حياً ، لأن قلبه ينبض تلقائياً ، وهو يتنفس تنفساً طبيعياً دون مساعدة الأجهزة ، لكنه يكون فاقداً للوعي ، عاجزاً عن القيام بأيَّة حركة إراديَّة .
4. حياة المصاب بموت الدماغ ( Brain Death ) : وهي الحالة الجديدة الرابعة التي أشرنا إليها آنفاً ، ولم يتعرض لها الفقهاء قديماً لأنها لم تكن معروفة من قبل ، وفيها يتلف الدماغ وجذع الدماغ تلفاً نهائياً لا رجعة فيه ، فيفقد الشخص وعيه وقدرته على الحركات الإرادية فقداً نهائياً لا رجعة فيه ، وإذا لم يوضع على أجهزة الإنعاش فإن قلبه يتوقف في غضون دقائق معدودات ويمسي في عداد الموتى ، أما إذا وضع على أجهزة الإنعاش فإن جسده يظل حياً لمدة طويلة قد تصل إلى عدة شهور ، وربما سنوات ، كما نفصل لاحقاً .
هذه هي الحالات التي يمكن أن تكون عليها حياة الإنسان ، ففي الحالات الثلاث الأولى يعد الشخص حياً ، ويحرم التعجيل بإنهاء حياته بأية وسيلة طبية أو غير طبية ، حتى وإن طلب هو نفسه أو أهله إنهاء حياته ، كما نبين عند الحديث عن ( القتل شَفَقَةً ) ، أما موت الدماغ فقد اعتبرها جمهور الفقهاء المعاصرين موتاً حقيقياً على الرغم من وجود الحياة في بقية أعضائه ، لأنَّ هذه الأعضاء مآلها الموت بعد أن تُرفع أجهزة الإنعاش ، كما نبين بعد قليل .

المبحث الثالث
أمثلة من الأمراض التي لا يرجى برؤها

تدل الشواهد الطبية على أن هناك عدداً كبيراً من الأمراض التي لا يرجى برؤها ، إما بسبب جهل الأطباء بأسبابها ، ومن ثم جهلهم بوسائل علاجها ، وإما لأن المرض وصل إلى مرحلة من التدهور يندر معها الشفاء ، أو لأن طبيعة بعض الأمراض تجعل شفاءها نادراً جداً ، ونحن في هذا البحث لن نستطيع تناول سائر هذه الأمراض ، وإنما اخترنا أمثلة منها ، هي الأكثر شيوعاً في الممارسة الطبية ، ويمكن للأطباء القياس عليها للتعامل مع الحالات المماثلة .

( 3 ـ 1 ) الحياة الإنباتية :
الحياة الإنباتية ( Vegetative Life ) : حالة مرضية يمكن أن تستمر لشهور طويلة ، وربما سنوات ، والشفاء فيها نادر ، وهي تنتج عن تلف واسع في الدماغ دون جذع الدماغ الذي فيه المراكز العصبية التي تتحكم بالتنفس والقلب ، وفي هذه الحالة يفقد المريض وعيه تماماً ، لكن رئتيه تظلان تتنفسان تلقائياً ، ويظل قلبه ينبض دون أدوية ولا أجهزة مساعدة ، وقد تصدر عن المريض بعض الحركات العفوية الانعكاسية عن غير وعي منه ولا إرادة ، كما أن بقية الوظائف الحيوية في جسمه تستمر ، فهو يتغذى ويتبول ويتبرز وينمو شعره وأظافره ، وإذا كانت المصابة امرأة حاملاً استمر حملها كالمعتاد ، وقد تلد ولادة طبيعية في موعدها .
أما فرص الشفاء من هذه الحالة فتعتمد على مدى إصابة الدماغ ، وبالإجمال فإن فرصة شفاء الأطفال في غضون 6 أشهر الأولى تبلغ حوالي ( 60% ) ، أما المرضى كبار السن ففرصة شفائهم أقل وإذا لم يشفى المريض في غضون سنة فإن فرص شفائه تصبح نادرة جداً .
وهكذا نرى أن المرضى الذين يصلون إلى حالة الحياة الإنباتية يعدون أحياء من الوجهة العضوية أما درجة وعيهم فتتوقف على مقدار التلف الذي أصاب الدماغ الذي فيه مراكز الوعي والإدراك والحس والحركة ، فالشخص الذي يكون على هذه الحالة يعدُّ حياً من الوجهة الشرعية والقانونية ، مادام يتنفس تلقائياً ، وقلبه ينبض دون مساعدة طبية ، ولهذا يجب على الأطباء أن يبذلوا له العناية الطبية اللازمة له إلى أن تعود له الحياة من جديد ، أو يتوقف قلبه تلقائياً ، وتتحقق وفاته يقيناً .
ونظراً لأن الشفاء من هذه الحالة نادر جداً ، ولأن هذه الحالة قد تدوم لسنوات طويلة قبل موت المريض ، فإننا نرى أن الأطباء إذا ما قطعوا بأن شخصاً ما قد وصل إلى حالة الحياة الإنباتية فحكمه حكم المريض مرض الموت ، لأن هذه الحالة تتصل غالباً بالموت ( انظر : مرض الموت ) ، فإذا كان الزوج هو الذي وصل إلى حالة الحياة الإنباتية جاز للزوجة طلب التفريق ، إذ لا يرجى للزوج الشفاء غالباً ولا العودة لممارسة حياته الطبيعية ، وتعتدُّ الزوجة عدة طلاق ، وإذا مات الزوج وكانت الزوجة ماتزال في عدة الطلاق فإنها تستأنف عدة الوفاة .
واتفق الفقهاء أيضاً على استحقاق الزوجة الميراث من زوجها إذا مات وهي في عدتها ، أما إذا مات بعد انقضاء عدتها فجمهور الفقهاء على أنها لا ترث ، وخالف المالكية فذهبوا إلى توريثها مطلقاً ، أي حتى لو مات بعد عدتها وزواجها من غيره .
وأما إن كانت الزوجة هي التي وصلت إلى حالة الحياة الإنباتية فيندب للزوج أن يبقيها على عصمته ، ويواصل رعايتها والنفقة عليها حتى تثبت وفاتها ، وفي هذا أجر عظيم بإذن الله تعالى ، وقد أجاز له الشارع الحكيم التعدد ، فله أن يتزوج غيرها ، وفي هذا سعة والحمد لله .

( 3 ـ 2 ) موت الدماغ :
موتُ الدِّماغ ( Brain Death ) ، أو الوفاة الدماغية ، أو الميت الحيّ ، هي حالة مرضية لا يرجى برؤها ، وهي حالة جديدة في تاريخ الطب ، ظهرت على الساحة الطبية لأول مرة في أواخر الستينيات من القرن العشرين ، وهي تنتج في الغالب عن الرضوض العنيفة التي تصيب الدماغ ، أو بعض الأمراض الحادة مثل أورام الدماغ ، والتهابات الدماغ ، وغيرها ، وبما أن مركز التنفس يقع في جذع الدماغ ( Brain Stem ) فإن الشخص الذي يصاب بموت الدماغ يتوقف تنفسه بسبب عطب هذا المركز ، ويقضي نحبه سريعاً .
ولكن مع توفر أجهزة الإنعاش الحديثة خلال السنوات القليلة الماضية ، فقد أصبح بالإمكان المحافظة على مظاهر الحياة في بقية الأعضاء للشخص الذي مات دماغه ، وذلك لفترات قد تطول لأيام طويلة ، وربما شهور أو سنوات ، وقد أثارت هذه الحالة الغريبة والجديدة في دنيا الطب جدالاً واسعاً ما بين الأطباء من جهة ، وبين الفقهاء وأهل القانون من جهة أخرى ، فحواها : هل يعد من مات دماغه حياً ؟ أم ميتاً ؟!
ففي حالات الموت المعتادة لا نواجه مشكلة ، لأن الموت سريعاً ما يسري في الجسد بعد توقف القلب والتنفس ، ويمسي المتوفى صالحاً لأن تجرى عليه كافة أحكام الوفاة ، وكذلك الحال عند الشخص الذي يصاب إصابة بالغة في رأسه تؤدي إلى موت دماغه ولا يجد من يسعفه ، فإن موت الدماغ سريعاً ما يؤدي إلى توقف القلب والتنفس ، ومن ثمَّ الموت المحقق .
ولكن المشكلة تبدأ حين يحصل موت الدماغ عند شخص موضوع على أجهزة الإنعاش ، فإنَّ مظاهر الحياة تستمر في سائر أعضائه ما عدا دماغه الذي مات ، فهل يعدُّ هذا الشخص حياً ؟ أم ميتاً ؟ هذه هي الإشكالية التي نوقشت طويلاً بين أهل الطب وأهل الفقه وأهل القانون ، وكان لكل من هذه الأطراف في البداية آراء متباينة حولها ، فلما ظهرت أبعاد هذه الظاهرة الطبية المستجدة اتفقت الآراء على أن موت الدماغ يعادل الموت بالمعنى المتعارف عليه ، وأنه لا عبرة لاستمرار مظاهر الحياة في بقية الأعضاء مادام ذلك متوقفاً على أجهزة الإنعاش والأدوية المساعدة ، فقد ثبت بمتابعة آلاف الحالات من موت الدماغ أن أعضاء البدن لا تلبث أن تتحلل وتموت بالتدريج ، ثم يتوقف القلب عن النبض بالرغم من الاستمرار بالإنعاش الصناعي .
وبناء عليه فقد اعترفت الجهات الطبية المختلفة في العالم بمفهوم ( موت الدماغ ) وأصبحت تعدُّ الشخص الذي مات دماغه شخصاً ميتاً مثل بقية الأموات ، ووضعت معايير محددة لمفهوم موت الدماغ ( منها : الغيبوبة الكاملة ، انقطاع التنفس التلقائي ، غياب الأفعال الانعكاسية التي تدل على نشاط الجهاز العصبي ، عدم الاستجابة للمؤثرات المؤلمة ، عدم استجابة حدقتي العينين للضوء ، وعدم استجابة العينين لحقن الماء البارد في الأذنين ، تصوير شرايين الدماغ ) ، وأصبح الأطباء يتعاملون مع حالات موت الدماغ على ضوء هذه المعايير .
ومن الوجهة الشرعية ، صدرت فتاوى عديدة حول موت الدماغ ، انتهت كلها إلى أن موت الدماغ حكمه حكم بقية أشكال الموت ، وإن الشخص يعتبر ميتاً ، وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعاً للوفاة إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين :
1. إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً ، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه .
2. إذا تعطلت جميع وظائف دماغه ، تعطلاً نهائياً ، وحكم الأطباء المختصون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه ، وأخذ دماغه في التحلل ، وفي هذه الحال يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص ، وإن كان بعض أعضائه لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركَّبة) .
وأجازوا كذلك رفع أجهزة الإنعاش عن المصاب بموت الدماغ ، إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً ، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء أن التعطل لا رجعة فيه ، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آلياً بفعل الأجهزة المركبة ، لكن لا يحكم بموته شرعاً إلا إذا توقف التنفس والقلب ، توقفاً تاماً بعد رفع هذه الأجهزة .
وهكذا اتفقت الآراء الطبية والفقهية والقانونية على أن موت الدماغ حالة مرضية لا يرجى برؤها ، وأن من مات دماغه حُكْمُه حكم بقية الأموات ، ويجوز وقف أجهزة الإنعاش عنه ، بعد تقرير موت الدماغ من قبل فريق طبي متخصص لا يقل عن طبيبين ، ولا يعد وقف الأجهزة عنه قتلاً له لأنه يعد ميتاً ، كما أجازوا الانتفاع بأعضاء من مات دماغه ، وأجازوا زراعتها في المرضى الذين يحتاجون إليها مع مراعاة الضوابط الشرعية والطبية الخاصة بزراعة الأعضاء ، أما بقية أحكام الوفاة ( الوصية ، توزيع الميراث ، عدة الزوجة .. وغيرها ) فلا تسري إلا بعد رفع أجهزة الإنعاش عنه ، وتوقف قلبه وتنفسه وإعلان الوفاة .
 

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
( 3 ـ 3 ) الحامل المصابة بمرض لا يرجى برؤه :
قد تصاب الحامل بمرض لا يرجى برؤه ، أو تتدهور حالتها الصحية ـ نتيجة الحمل أو غيره من الأسباب ـ إلى درجة لا يرجى البرء بعدها ، فتمسي حياتها وحياة جنينها في خطر شديد ، ففي هذه الحالة ننظر ما إذا كان الجنين قد وصل إلى مرحلة من الحمل ترجى فيها حياته ، وهي نهاية الشهر السادس من الحمل كما نبين عند الحديث عن الخديج ، فإذا كان الجنين قد وصل إلى هذه المرحلة وجب علينا أن نوازن ما بين احتمال موت الحامل بسبب مرضها ، ومن ثم موت الجنين في بطنها ، وبين إمكانية استنقاذ الجنين واستخراجه حياً قبل موت أمه ، وبما أن هذه الحالات ليست سواء فقد وجب أن تدرس كل حالة على حده ، لتقييمها من قبل لجنة طبية متخصصة لا تقل عن طبيبين اثنين ، وبعد وصول اللجنة إلى قرار نهائي بشأن الحالة يعرض القرار على الحامل وزوجها أو ولي أمرها ، وتقدم لهم نتائج المشاورة وما يمكن أن يجرى للحامل من تدخل طبي ، وبيان المضاعفات المحتملة التي قد تنتج عن هذا التدخل سواء للحامل أو لجنينها ، وكذلك المضاعفات التي يمكن أن تحصل فيما لو تركت الحامل دون تدخل طبي ، ويبقى القرار النهائي للحامل وزوجها أو ولي أمرها ، الذين من حقهم أن يوافقوا أو يرفضوا ، ما لم يغلب على تقدير اللجنة الطبية المتخصصة أن التدخل الطبي ضروري لإنقاذ حياة الأم وجنينها ، أو حياة أحدهما ، لاسيما إذا كان الخطر وشيكاً ، والوقت لا يسمح بالحصول على الإذن ، ففي مثل هذه الأحوال يمكن للأطباء أن يجروا ما يرونه مناسباً دون انتظار الحصول على الموافقة ، يدون محضر رسمي بالواقعة .
هذا ، وقد أجاز الفقهاء شق بطن الحامل لاستخراج الجنين واستنقاذه من الموت إذا كان في عمر رحمي ترجى فيه حياته ، وإذا أمكن إخراجه بغير الشق فهو أولى ، أما إن تأكد موته قبل الشق فلا يجوز إخراجه إلا أن يكون في إخراجه مصلحة معتبرة شرعاً ، كأن يكون إخراجه للتحقيق في جناية أو لدراسة أسباب موت الأم ، أو ما شابه ذلك من الأغراض المعتبرة .

( 3 ـ 4 ) الجنين المشوه الذي لا ترجى حياته :
تصاب بعضُ الأجنة بتشوُّهات خَلْقِيَّة (Congenital Abnormalities ) تتفاوت ما بين حالة وأخرى ، فقد يكون التشوه خفيفاً فيستكمل الجنين نموه ويولد حياً وهو يحمل هذا التشوه ، وقد يكون التشوه واسعاً فيؤدي إلى موت الجنين في بطن أمه ، وقد يولد الجنين المشوه حياً ثم يموت بعد فترة قصيرة إذا لم يلق الرعاية الطبية المناسبة ، وقد بينت الإحصائيات أن ( 20% ) من حالات الإسقاط العفويِّ تحصل للأجنة المشوهة تشوهات واسعة ، وفي هذا رحمة كبيرة من الخالق عزَّ وجلَّ ، لأن هذه الأجنة المشوهة لو وُلدت حية لكانت حياتها مليئة بالمعاناة والألم ، وكانت عالة على الأهل وعلى المجتمع .
وبما أن الرأي الراجح بين الفقهاء أن نفخ الروح في الجنين يحصل بعد أن يبلغ الجنين أربعة أشهر ( = 120 يوماً ) من عمره الرحمي ، فقد فرَّقوا ما بين إسقاط الجنين المشوه قبل نفخ الروح فيه ، وبين إسقاطه بعد نفخ الروح فيه ، وذلك على النحو الآتي :
1. إذا كان الحمل قد بلغ ( 120 يوماً ) لا يجوز إسقاطه ، ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة ، إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم ، فعندئذ يجوز إسقاطه ، سواء كان مشوهاً أم لا ، دفعاً لأعظم الضررين .
2. قبل مرور ( 120 يوماً ) على الحمل ، إذا ثبت وتأكد للجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات ـ بناءً على الفحوص الفنية ، بالأجهزة والوسائل المخبرية ـ أن الجنين مشوه تشويهاً خطيراً ، غير قابل للعلاج ، وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة ، وآلاماً عليه وعلى أهله ، فعندئذ يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين ، والمجلس إذ يقرر ذلك : يوصي الأطباء والوالدين ، بتقوى الله ، والتثبت في هذا الأمر .
وقد أصبح تشخيص التشوهات عند الأجنة ميسوراً في وقت مبكر من الحمل ، وذلك بتصوير الجنين بطريقة الصدى ( Echography ) ، وأصبحت وسائل الهندسة الوراثية قادرة ـ بإذن الله تعالى ـ على معالجة بعض التشوهات الوراثية عند الأجنة ، وأصبح بالإمكان تصحيح بعض التشوهات جراحياً والجنين في رحم أمه ، ومن ذلك مثلاً إصلاح تضيق صمامات القلب الذي يشكل خطراً كبيراً على حياة الجنين ، وفتق الحجاب الحاجز ( Hernia Diaphragmatic ) الذي يسمح لأمعاء الجنين أن تحرك إلى صدر الجنين وتمنع رئتيه من النمو ، والشوك المشقوق ( Spina Befida ) وهو تشوه يصيب العمود الفقري المحيط بالحبل الشوكي ، وغيرها من التشوهات التي يسر الله عزَّ وجلَّ لأطباء الجراحة أن يصلحوها والجنين في بطن أمه ، وقد تطورت هذه العمليات الجراحية اليوم تطوراً كبيراً ، وبات الأطباء اليوم قادرين على إجرائها على أجنة لا تتجاوز أعمارهم الرحمية 29 أسبوعاً .
فإذا كان التشوه قابلاً للعلاج ، بأية وسيلة كانت ، وجب الإبقاء على حياة الجنين وعدم إسقاطه ، سواء كان علاج الجنين ممكناً وهو في بطن أمه ، أو بعد ولادته ولو بمدة .
أضف إلى هذا ، أن الفحص الطبي قبل الزواج ـ الذي أصبح اليوم إلزامياً في كثير من دول العالم ـ يمكن أن يجنب الراغبين بالزواج ولادة أولاد مشوهين ، لأن هذا الفحص يمكن أن يكشف بعض الأمراض الوراثية التي يمكن أن تنتقل من أحد الزوجين إلى الأولاد ، ولهذا نوصي بهذا الفحص قبل الزواج ، والأخذ بمشورة طبيب من ذوي الاختصاص حول آثار الزواج على صحة الأولاد في حال وجود أمراض وراثية ، أو غيرها من الأمراض ، كالأمراض السارية التي يمكن أن تنتقل بالعدوى إلى الذرية وتسبب لهم تشوهات واسعة ، أو أمراضاً خطيرة جداً لا يرجى برؤها ، مثل الإيدز ، والزهري ، وغيره .

( 3 ـ 5 ) الوليد الخديج :
يقدر الأطباء مدة الحمل الطبيعي وسطياً بأربعين أسبوعاً ( = 280 يوماً ) محسوبة من اليوم الأول من آخر طمث رأته المرأة ، أي نحو ( 9 شهور قمرية ) ، إلا أن الرحم قد يلفظ الجنين في أي وقت من الحمل ، فإذا نزل الجنين قبل أن يكمل شهره السادس ( 24 أسبوعاً فما دون ) سمي سَقْطاً (Abortus) وهو عادة غير قابل للحياة ، وهذا ما قرره الفقهاء منذ القديم ، اعتماداً على ما جاء في الأثر (( رُفع إلى عُمَرَ أنَّ امرأةً وَلَدَتْ لستَّةِ أشهرٍ ، فَهَمَّ عمرُ برجْمِها ، فقالَ له عليٌّ : ليس لك ذلك ، قال الله تعالى " والوالداتُ يُرْضِعْنَ أولادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كاملينِ " وقال تعالى " وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثلاثونَ شَهْراً " فَحَوْلانِ وستَّةِ أشهرٍ ثلاثون شهراً ، لا رجمَ عليها . فخلَّى عمرُ سبيلَها ، وولدتْ مَرَّةً أخرى لذلكَ الحَدِّ )) ، وقد أكدت الشواهدُ الطبيَّةُ هذه الحقيقة ، وأثبتت أن الجنين الذي يولد قبل تمام الشهر السادس لا يكون قابلاً للحياة عادة ، وإلى هذا ذهب أهل القانون أيضاً ، وعلى سبيل المثال فإن أقصر مدة حمل اعترف بها القانون الإنكليزي هي 174 يوماً ( 5 شهور + 24 يوماً ) أي ستة أشهر إلا أياماً قليلة ، وتتراوح نسبة حدوث الخداجة ما بين ( 6 ـ 8 % ) من إجمالي حالات الحمل .
أما الوليد الذي ينزل بعد ( الشهر السادس ) وقبل ( الأسبوع 37 ) من الحمل فيسمى خديجاً (Premature) ، ويكون عادة أقل وزناً وطولاً وحجماً من أقرانه المولودين في تمام مدة الحمل ، ولهذا فهو يحتاج إلى رعاية طبية خاصة ، وكلما نزل أبكر كانت حاجته للرعاية أكبر ، وتتفاوت إمكانيات وخبرات المستشفيات في قدرتها على هذه الرعاية ، ففي بعض البلدان المتطورة تقضي القوانين بمحاولة إنعاش الخديج الذي يبلغ ( 24 أسبوعاً فأكثر ) ، أما ما دون ذلك فلا ينعش ، لأنه في الغالب غير قابل للحياة كما قدمنا ، وفي بلدان أخرى يرفعون العمر إلى ( 26 أسبوعاً ) لا ينعش الخديج إذا نزل قبلها ، وقد خرجت توصيات من الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ( American Academy of Pediatrics ) في عام 1995 توصي بالامتناع عن إنعاش الولدان الذين أعمارهم الرحمية أقل من (25 أسبوعاً) أو أوزانهم أقل من ( 750 غراماً ) لأن ( 40 % ) منهم يموتون بسرعة ، و ( 50 % ) ممن يظلون على قيد الحياة يصابون بمضاعفات خطيرة تتنافى مع استمرار الحياة .
وبما أن الاستجابة للإنعاش تختلف من وليد لآخر ، ولأن أجهزة الإنعاش مازالت في تطور مستمر ، فإننا نرى أن يؤخذ بأقل عمر رحمي مما ذكرناه ، وهو ( 24 أسبوعاً ) ، وبعد محاولة إنعاشه لفترة مناسبة نقيِّم حالته ، فنتابع الإنعاش إذا وجدنا علامات على حياته ، أو نوقف الإنعاش إذا لم تظهر هذه العلامات ، وتأكدت وفاته .

( 3 ـ 6 ) اختناق الوليد :
ليس من النادر أن يتعرض الوليد للاختناق أثناء الولادة ، فيصاب من جراء ذلك بمضاعفات خطيرة قد لا يرجى برؤها ، ومن المعلوم أن الأكسجين عنصر أساسي للحياة ، فهو عنصر مهم لإنتاج الطاقة اللازمة لقيام الخلايا والأعضاء بوظائفها ، ويحصل الإنسان على الأكسجين من الهواء الذي يدخل إلى الرئتين عند التنفس ، ثم ينتقل الأكسجين من الرئتين إلى سائر أعضاء البدن بواسطة الدورة الدموية ، أما الجنين في بطن أمه فيحصل على الأكسجين اللازم لحياته عن طريق المشيمة (Placenta) التي تستخلص الأكسجين من دم الأم وترسله عبر الحبل السري ( Umbilical Cord ) إلى الدورة الدموية للجنين .
وعندما يولد الجنين ويخرج من رحم أمه ينتقل مباشرة من التنفس عبر الحبل السري إلى التنفس بواسطة رئتيه ، وهي نقلة حساسة جداً ، لا تخلو من خطورة كبيرة على حياة الجنين ، وعلى مستقبله الصحي ، ، لأنه عندما يولد يكون في فمه وفي مجارى تنفسه بقايا من السائل الذي كان يسبح فيه داخل رحم أمه ، مما يتطلب سرعة تخليصه من هذا السائل لتسليك الهواء إلى رئتيه ، وإلا تعرض الجنين لنقص الأكسجين ( Hypoxia ) ، وقد يتعرض للاختناق بأسباب أخرى ، منها انضغاط الحبل السري أثناء الولادة المتعسرة ، أو التفاف الحبل السري حول عنقه لفترة طويلة ، أو انعقاد الحبل السري ، أو غير ذلك من الأسباب التي تعرض حياته للخطر إذا ما استمر الاختناق لفترة طويلة ، فيصاب من جراء ذلك باعتلال الدماغ ، أو الشلل الدماغي ، أو التخلف العقلي ، وربما أدت هذه المضاعفات إلى وفاته أثناء الولادة ، أو بعدها مباشرة ، أو لاحقاً .
وتجنباً لإصابة الوليد بهذه المضاعفات فإننا ننصح الأمهات بالولادة في المستشفيات المتخصصة التي تتوافر فيها وسائل الرعاية الطبية اللازمة لمواجهة مثل هذه الحالات لو حصلت ، وأن تسرع المرأة حين تحس بالمخاض إلى المستشفى ، تحسباً من تعريض الوليد لمثل هذه الحالات التي تترتب عليها نتائج وخيمة على المستقبل الصحي لولدها ، وكثيراً ما واجهتنا في الممارسة العملية حالات وصل فيها الوليد إلى قسم الطوارئ في المستشفى وهو بحالة متدهورة جداً ، حين يكون إنعاشه غير مجد !
فإذا واجهتنها مثل هذه الحالات علينا أن نوازن بين أمور ، فننظر إذا كان في الوليد علامات تدل على حياته يجب على الطبيب أن يجري له كافة إجراءات الإنعاش الممكنة في سبيل استنقاذه من الموت بإذن الله تعالى ، ويستمر في المحاولة مدة لا تقل عن ( 15 دقيقة ) ، فإذا ظل القلب متوقفاً يوقف الإنعاش ، أما إذا بدأ القلب يخفق فيجب متابعة الإنعاش لفترة ( 15 دقيقة ) أخرى ، فإذا كان القلب ينبض بشكل خافت جداً ولا توجد حركات تنفسية تلقائية والوليد في حالة شلل تام أوقفنا الإنعاش ، أما إذا كان القلب ينبض ، والوليد بدأ يتنفس تلقائياً ولو بضعف ، وهناك بعض حركات في الجسم حتى ولو كانت ضعيفة ، فينقل الوليد إلى وحدة العناية المركَّزة ( ICU ) لمتابعة إنعاشه ، وإجراء الفحوص المتممة ، ثم يؤخذ رأي اللجنة الطبية التي لا تقل عن طبيبين متخصصين بالإنعاش حول متابعة عملية الإنعاش ، أو إيقافها .
( 3 ـ 7 ) العُقْمُ :
العقم ( Infertility ) هو عدم القُدرة على الإنجاب ، ويكون في الرجال ، كما يكون في النساء ، وإليه يشير قوله تعالى : (( للهِ مُلكُ السمواتِ والأرضِ ، يَخلقُ ما يشاءُ ، يَهَبُ لمن يشاءُ إناثاً ويهبُ لمن يشاءُ الذُّكورَ 0 أو يُزَوِّجُهُمْ ذُكراناً وإناثاً ، ويجعلُ مَنْ يشاءُ عقيماً )) .
وأسباب العقم كثيرة ، يرجع بعضها لوجود خَلَلٍ خَلْقيٍّ في الجهاز التناسلي ، فيمنع تكوين النطاف في خصيتي الرجل ، أو يمنع تكوين البيوض في مبيضي المرأة ، وينتج بعض حالات العقم عن اضطرابات هرمونية ، أو بعض الأمراض التي تصيب الخصيتين أو المبيضين ، وللعوامل البيئية دورٌ لا ينكر في بعض حالات العقم ، فقد ذكر التقرير العلمي الذي نشره معهد مراقبة العالم ( World Watch ) في الولايات المتحدة في شهر نيسان / أبريل 1999 أن نسبة النطاف في السائل المنوي قد انخفضت كثيراً لدى الرجال في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بالمقارنة مع ما كانت عليه في ماضي ، وأرجع خبراء المعهد أسباب هذا الانخفاض إلى تأثير المواد الكيميائية التي توجد في البلاستيك والمبيدات الحشرية والملوثات الصناعية الأخرى التي انتشر استخدامها في شتى أنحاء العالم ، كما أن للمخدرات تأثيراً ملحوظاً في إضعاف النسل ، إلى جانب الأضرار التي تنجم عن الأمراض الجنسية التي يؤدي الكثير منها إلى العقم من جراء التهابات الجهاز التناسلي .
ومع تطور وسائل العلاج الحديثة أصبح بالإمكان علاج طائفة من حالات العقم ، وبقيت حالات أخرى لم يتيسر علاجُها حتى اليوم ، ولا يرجى برؤها بالوسائل المعروفة ، ولهذا رأينا أن نتناول هذه الحالات التي لا يرجى برؤها لأنها تندرج في إطار بحثنا ، ولما يترتب عليها من أحكام مهمة في حياة الزوجين ، ونجمل في ما يأتي هذه الأحكام :
1. لا يعد العقم عيباً من العيوب التي تبيح طَلَبَ فسخ النكاح إذا وجدَهُ أحدُ الزوجين في الآخر ، لأنَّ العقمَ لا يُعْلَمُ إلا بعد الزواج بمدة ، ولكن إذا كان أحدُ الزوجين قد سبق له الزواج مثلاً وعَلِمَ أنَّه عقيم فقد وجب عليه أن يُخبر الآخر بحاله ، وإلا جاز للآخر طلب الفسخ ، لأنَّ العُقْمَ عيبٌ يُفَوِّتُ المقصودَ من النكاح .
2. لا يجوز تعمد العقم ، أو إذهاب القدرة على الإنجاب ، وقد صدرت في العصر الحديث فتاوى عديدة أجمعت كلها على حرمة التعقيم ما لم تكن هناك ضرورة معتبرة شرعا ، لأن التعقيم يخالف مقصداً أساسياً من مقاصد الشريعة ، هو تكثير نسل الأمة والحفاظ عليها ، ومن تلك الفتاوى فتوى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة التي عقدت في الكويت عام 1409هـ / 1988م ، وجاء فيها :
• لا يجوز إصدار قانون عام يحدُّ من حرية الزوجين في الإنجاب .
• يَحْرُمُ على الرجل والمرأة استئصالُ القدرةِ على الإنجاب ، وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم ، ما لم تَدْعُ إلى ذلك الضَّرورةُ بمعاييرها الشرعية .
• يجوز التحكم المؤقَّت بالإنجاب ، بقصد المباعدة بين فترات الحمل ، أو إيقافه لمدة محدودة من الزمان إذا دعت إليه حاجةٌ معتبرةٌ شرعاً بحسب تقدير الزوجين عن تشاورٍ بينهما وتراضٍ ، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر ، وأن تكون الوسيلة مشروعة ، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم .
3. إذا نتج العقم عن جناية ، فقد وجبت فيه دية كاملة ، لأن الجناية أدَّت لانقطاع النسل انقطاعاً نهائياً .
4. يجوز علاج العقم ، لأنَّه نوعٌ من التداوي ، وقد ابتكر الأطباء في العصر الحديث طرقاً عديدة لعلاج العقم ، بعضها حلال مثل معظم الأساليب الدوائية والجراحية التي تستخدم في علاج العقم ، وكذلك ما يعرف بطفل الأنابيب بالشروط التي حددها الفقهاء ، وبعضها حرام إذا أخذت النطفة من غير الزوج مثلاً ، أو أخذت البيضة من غير الزوجة ، أو إذا زرعت البيضة الملقحة في رحم غير الأم وهو ما يعرف باسم ( الرجم الظئر ) أو ( الرحم المستأجرة ) .
5. وهناك طرقٌ أخرى جديدة ومبتكرة لعلاج العقم ، منها الاستنساخ ( Cloning ) ، ومنها استخدام الخلايا الجذعية ( Stem Cells ) ، إلا أن هذه الطرق مازالت موضعَ بحثٍ ونظر من قبل الفقهاء .
 

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
( 3 ـ 8 ) الجنون :
الجُنُونُ في اللغة هو زوال العقل أو فساده ، وفي اصطلاح الفقهاء هو التصرف بخلاف مقتضى الشرع والعقل ، وعند الأصوليين هو اختلال القوة المميزة بين الأمور الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب ، أما الجنون في الطب فهو حالة من الاغتراب والانفصال عن الواقع ، واضطراب أو انعدام التَّفاعل مع المجتمع ، وأما الجنون في عُرف القانون فهو الاضطراب أو النقص العقلي الذي يُعفي صاحبَه من بعض النتائج القانونية لأفعاله ، والمجنون قانوناً هو الذي يجهل طبيعة أفعاله ، ويعجز عن التمييز بين الخطأ والصواب .
وقد ظل الناس لأمد طويل يعتبرون المجانين عالة على المجتمع , وأنهم رجس من الشيطان يوجب الحذر منهم ، وكانت بعض المجتمعات البشرية تقضي بقتل المجنون ، أو عزله عن المجتمع وتركه دون رعاية حتى يموت ، وقد استمر اضطهاد المجانين في بعض المجتمعات البشرية حتى عصرنا الراهن ، ومن المعلوم أن الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر ( 1889 ـ 1945 ) أراد تطهير الجنس البشري من المصابين بالجنون والمعاقين وأصحاب العاهات البدنية ، والإبقاء على العرق الآري الذي اعتقد هتلر والنازيون أمثاله أنه العرق الوحيد الذي يستحق البقاء ، وقد استندوا في ذلك إلى أفكار الفرنسي ( آرثر دي جوبينو ) ، ونظرية تشارلز داروين ( 1809 – 1882 ) التي نادى فيها بفكرة البقاء للأصلح ، وقد آمن هتلر بهذه الأفكار ، وبدأ فعلاً بإبادة كل " من ليس جديرًا بالحياة " على حد تعبيره ، وكان أول ضحايا هذه السياسة هم الأطفال ذوي الإعاقات البدنية والعقلية .
أما الديانات السماوية ، وعلى رأسها الإسلام ، فقد حرَّمت هذه الممارسات ، وشددت على رعاية المجنون وأصحاب العاهات والإعاقات ، وصيانة حياتهم لأنهم نفوس بشرية لها حرمتها ، ولا يجوز إنهاء حياتهم تحت أية حجة أو ذريعة أو دعوى .
ومن الوجهة الطبية ، هناك حالات جنون مطبق لا يرجى شفاؤها ، ولأن المجنون لا يقدر العواقب ، فقد تصدر عنه تصرفات خطيرة جداً ، عليه هو نفسه ، أو على من حوله ، ولهذا اتفق الفقهاء على جواز الحَجْر على المجنون ، حماية له وللمجتمع ، ويرفع عنه الحجر إذا عاد إليه عقله ، علماً بأن الحجر على المجنون لا يعني إهماله ، أو تعريضه للمرض ، أو إجراء التجارب عليه ، أو غير ذلك من أنواع الأذى ، بل ينبغي بذل الرعاية الطبية والاجتماعية اللازمة له ، وعدم إهماله ، أو تعريضه للخطر ، أو إجراء التجارب عليه ، أو غير ذلك مما فيه انتهاك لحقوقه باعتباره نفساً بشرية مصونة شرعاً .
ومن المفيد أن نذكر كذلك ، أن الجنونُ المُطْبِقُ يُسْقِطُ عن المجنون أهلية الأداء ، ويسقط عنه التكاليف ، لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم : (( رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصَّبيِّ حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل )) ، أما الجنونُ المتقطِّعُ فإنَّه لا يمنعُ التكليفَ في حال الإفاقة ، فإن عادت نوبة الجنون سقط التكليف من جديد ، أما أهلية الوجوب فلا يؤثر الجنون فيها ، لأنَّ مبناها على الذِّمَّة ، وهي ثابتة لكل إنسان ، فإذا جنى المجنونُ على نفسٍ أو مالٍ فإنه يؤاخَذ ، ولكن مع اختلاف في هذه المسألة ما بين العاقل والمجنون ، فالعاقل يؤاخذ مالياً وبدنياً ، أما المجنون فيؤاخذ مالياً فقط ، ولا يؤاخذ بدنياً ، مراعاة لحالة الجنون المتلبِّس بها ، ففي القتل مثلاً يضمن المجنون دية القتيل ، ولا يُقْتَصُّ منه .

( 3 ـ 9 ) مرض الموت :
عرَّف المالكيةُ مرض الموت بأنه المرض المخوف الذي حكم الطب بكثرة الموت به ، سواء كان طريح الفراش أم لم يكن ، وألحق بعضُهم بالمريض مرض الموت من كان في معناه ، كالمقاتل في المعركة ، والمحبوس للقتل ، والمرأة في مخاضها أو بعد الولادة وقبل انفصال المشيمة ، وغير ذلك من الحالات والظروف التي يغلب فيها الموت .
وعرَّفت مجلة الأحكام العَدْلِيَّة ( المادة 1595 ) مرض الموت بأنه ( المرض الذي يُعْجِزُ الرجلَ أو المرأةَ عن أعمالهما المعتادة ، ويتصل به الموت قبل مضيِّ سنة من بدئه ، إذا لم يكن في حالة تزايُد أو تغيُّر ، فإن كان يتزايد اعتُبر مرضَ موتٍ من تاريخ اشتداده أو تغيُّره ولو دام أكثر من سنة ، ويقال لصاحبه ، المريض . ويقابله : الصحيح ، وهو الذي ليس في حال مرض الموت ولو كان مريضاً بمرض آخر . ويعدُّ المرض الذي صحَّ منه المريض كالصحة ، والمُقعد والمفلوج والمسلول إن تطاول زمنُ المرض ولم يُقعده في الفراش كالصحيح ) .
ويفهم من هذه التعريفات أن المرض المخوف إذا اتصل به الموتُ كان مرض موت ، وتجري عليه أحكام مرض الموت ، وإذا لم يتصل به الموت بأن صحَّ الشخص من مرضه ثم مات بعد ذلك فحكمه حكم الصحيح ، لأنه لمَّا صحَّ بعد المرض تبين أن ذلك لم يكن مرض الموت .
وقد يغلب على الظن أن المريض إذا كان في مرض الموت فله أن يترك التداوي ، وهذا ظن غير دقيق ، وربما احتج بعضهم بما ورد في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها حين مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي انتهى بوفاته ، وفيه قولها : (( لَدَدْناهُ في مرضِهِ ، فجعلَ يشيرُ إلينا أنْ لا تَلُدُّوني . فقلنا : كراهية المريض للدَّواء . فلما أفاقَ قال : ألم أنْهَكُمْ أنْ تَلُدُّوني . قلنا : كراهية المريض للدواء . فقال : لا يبقى أحدٌ في البيتِ إلا لُدَّ . وأنا أنظرُ إلى العباسِ فإنه لم يشهدكم )) ، فقد ظنوا أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن لدِّه ـ أي جعل الدواء في فمه بغير اختياره ـ كان كما يكره المريض أخذ الدواء ، إما لمرارة طعمه أو تقلب مزاجه أو نحوه ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : ( قيل : وإنما كره اللد مع أنه كان يتداوى لأنه تحقق أنه يموت في مرضه ، ومن حقق ذلك كره له التداوي . قلت : وفيه نظر ، والذي يظهر أن ذلك كان قبل التخيير والتحقيق ، وإنما أنكر التداوي لأنه كان غير ملائم لدائه ، لأنهم ظنوا أن به ذات الجنب فداووه بما يلائمها ، ولم يكن به ذلك كما هو ظاهر في سياق الخبر كما ترى ، والله أعلم ) .
وأياً ما كان المعنى ، فإن ترك التداوي في مرض الموت أو في غيره من المرض جائز كما نفصل عند الحديث عن التداوي في الأمراض التي لا يرجى برؤها ، ولكن شريطة أن لا يكون ترك التداوي يأساً ، أو بنية الانتحار ، وذلك لقيام الأدلة على منع ذلك ، وتطبيق هذا في واقعنا المعاصر أقرب ما يكون في مسائل أجهزة الإنعاش والأدوية الداعمة لحياة المريض ، مع غلبة الظن بتحقق الموت ، حيث يكون العلاج غير ملائم للداء ، ولا يؤثر في مسيرة المرض أو نتيجته ، اللهم إلا على وجه إطالة أمد الحياة طالما لم يحل الأجل المحتوم .
وإلى جانب ما ذكرنا ، هناك جملة من الأحكام الأخرى التي تتعلق بمرض الموت يجدر بالطبيب أن يعرفها ، لأنه كثيراً ما يسأل الطبيب عنها من قبل المريض ، وحتى إن لم يسأل عنها فإن من واجبه تبصير المريض بها ، لما يترتب عليها من حقوق ينبغي للمريض مرض الموت أن يبرئ ذمته منها قبل أن يوافيه الأجل المحتوم ، وهذا من باب نشر العلم الذي يؤجر الطبيب عليه بإذن الله تعالى ، ومن هذه الأحكام :
• اتفاق الفقهاء على جواز الحَجْر على المريض مرض الموت بالقدر الذي يصون حقَّ الآخرين ، كالوارث والدائن وغيره ، فيحجر على ما زاد عن ثلث تركته لحق ورثته إن لم يكن عليه دين ، أما إن كان مديناً وكان دينه يستغرق كل ماله فيحجر عليه حجراً تاماً ، إلا إذا رضي الدائنون بعدم الحجر عليه ، وإذا تبرع المريض مرض الموت بما زاد عن الثلث كان له حكم الوصية إذا مات ، وذهب المالكية إلى أنه يمنع مما زاد على قدر الحاجة من الأكل والشرب والكسوة والتداوي .
• وذهب الفقهاء إلى صحة طلاق الزوج زوجته إذا كان مريضاً مرض الموت ، مادام كامل الأهلية ، وذهبوا إلى إرثها منه إذا مات وهي في عدتها من طلاق رجعي ، سواء كان بطلب منها أم لا ، وأنها تستأنف عدة الوفاة ، فإذا كان مريضاً مرض الموت وطلقها في مرضه بغير طلب منها ولا رضاها طلاقاً بائناً ، ثم مات وهي في عدتها من طلاقه هذا ، فإنها ترث منه معاملة له بنقيض قصده ، وتعتد بأبعد الأجلين ، وهو يعد فاراً من إرثها بهذا الطلاق ، أما إذا مات بعد انقضاء عدتها فالجمهور على أنها لا ترث منه ، وخالف المالكية فذهبوا إلى توريثها مطلقاً ، أي سواء كان بطلبها أو بغير طلبها ، حتى لو مات بعد عدتها وزواجها من غيره .
• وقطع الجمهور بإقامة حد الرجم على المريض مرض الموت دون تأخير ، لأن نفسه مستوفاة ، فلا فرق بينه وبين الصحيح ، وإن كان الحد هو الجلد أو القطع ، وكذلك إذا كان المرض لا يرجى برؤه ، يقام عليه الحد في الحال ولا يؤخر ، وإذا كان الحد هو الجلد فيضرب بسوط يؤمن معه التلف كالقضيب الصغير ، وشمراخ النخل ، فإن خيف عليه من ذلك جمع ضغث فيه مائة شمراخ فضرب به ضربة واحدة ، وهذا أنكره مالك ، أما في السرقة فقد صرح الشافعية بأنه يقطع في هذه الحالة على الصحيح لئلا يفوت الحد .

( 3 ـ 10 ) الإعدام :
الإعدام : هو إزهاقُ الرُّوحِ عُقوبَةً ، وقد اخترنا الحديث عن الإعدام هنا على الرغم من أنه ليس مرضاً ، لأن المحكوم عليه بالإعدام هو بحكم المريض الذي لا يرجى برؤه ، فهو مثله قاب قوسين أو أدنى من النهاية ، ومن ثم فهو بحاجة ماسة إلى رعاية طبية قبل التنفيذ ، وأثناء التنفيذ ، وللطبيب مهام جليلة تجاه المحكومين الإعدام قد لا تقل عن مهامه في التعامل مع بقية المرضى ، وبخاصة منهم الذين لا يرجى برؤهم .
وقد عرف الإعدام منذ أقدم العصور ، وشرع الإسلام بعض الحدود التي تصل إلى حد الإعدام لمن ارتكب إحدى الجرائم التي تهدد أمن المجتمع ، كالقتل والحرابة وغيرها ، وقد أثبتت شواهد التاريخ أن في عقوبة الإعدام إحياءً للنفوس ، وردعاً عن الجريمة لا يساويه أيُّ ردع آخر ، كما جاء في محكم التنزيل : (( وَلَكُمْ في القِصَاصِ حياةٌ يا أُولي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) سورة البقرة 179 .
وقد ثارت في القرن الثامن عشر دعوات واسعة من بعض الفلاسفة الأوروبيين لإلغاء عقوبة الإعدام ، بدعوى أنها تشكل انتهاكاً سافراً لحقوق الإنسان ، ما دفع بعض البلدان لإلغاء هذه العقوبة ، غير أن تلك البلدان لم تلبث أن عادت لإقرار عقوبة الإعدام من جديد ، حين رأت تفاقم الجرائم في المجتمع ، لأنَّ المجرمين حين أمِنوا على أنفسهم من الإعدام تمادوا بإجرامهم ، وفي هذا دليل ناصع على حكمة التشريع الإلهي بوضع هذه العقوبة الرادعة .
وبما أن المحكوم بالإعدام يكون في وضع يشبه إلى حد بعيد وضع المريض الذي لا يرجى برؤه ، كما قدمنا فقد رأينا أن نورد هنا جملة من الأخلاقيات والأحكام التي ينبغي مراعاتها تجاه المحكوم بالإعدام ، نذكر منها :
1. أن نفس المحكوم بالإعدام مصونة شرعاً ، إلى لحظة التنفيذ ، فلا يجوز إجراء التجارب الطبية أو غير الطبية عليه .
2. لا يجوز اقتطاع شيء من أعضائه ليزرع في شخص آخر ، لأن ذلك تجاوزٌ للحدِّ المقرر عليه شرعاً ، ولا يجوز أيضاً دَرْءُ حدِّ القتل عنه مقابل تبرعه هو ببعض أعضائه ، لأنَّ المحكوم عليه بالإعدام مُتَّهَمٌ في أهليَّته بسبب وضعه النفسيِّ ، ولأن الحَدَّ متى وجب شرعاً فقد لَزِمَ إنفاذُهُ ، ولأنَّ مثل هذه الأفعال تنطوي على استغلال غير مشروع لوضع المحكوم بالإعدام .
3. على منفذي الإعدام أن يُحسنوا التنفيذ ، فلا يعرِّضوا المحكوم عليه بالإعدام للتعذيب أو التخويف أو الإرهاب ، سواءٌ قبل التنفيذ أو أثناءه ، لمـا ورد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ ، فإذا قَتَلْتُمْ فأحسنوا القِتْلَةَ ، وإذا ذَبَحْتُمْ فأحسنوا الذَّبْحَ وليحدَّ أحدُكم شفرتَهُ ، فَلْيُرِحْ ذبيحَتَهُ )) .
4. وقد ابتدع الناس عبر العصور طرائق شتى للإعدام ، منها : الشنق ، والمقصلة ، والكرسي الكهربائيِّ ، والغاز السَّام أو الحُقنة السَّامَّة ، والرمي بالرَّصاص ، ونرى أن كل هذه الطرق جائزة مادامت تحقق المطلوب ، وتفي بالشروط التي ذكرناها آنفاً ، وإن كان أكثر الفقهاء يرون أن الأولى تنفيذ القصاص أو الإعدام بالسيف ، وعلى ملأ من الناس ، ليكون أبلغ في الزجر والردع .
5. إن إشراف الطبيب على التنفيذ عملية الإعدام جائز شرعاً ، بل هو مندوب ، لما فيه من مشاركة بإقامة الحدود ، وامتثال لأوامر الله عزَّ وجلَّ ، ولكن لا يجوز للطبيب المشاركة بتنفيذ الإعدام الذي هو من اختصاص المكلفين به ، ولأن الطبيب مسخَّر أصلاً للعلاج وتحقيق الشفاء بإذن الله تعالى ، فلا يجوز أن يشوبَ مهنتَهُ فعلٌ يؤدي إلى إزهاق الأرواح .
6. لا بأس في أن يُساعِد الطبيبُ بتهدئة المحكوم عليه بالإعدام قبيل التنفيذ ، وذلك بإعطائه بعض المهدئات التي تهدئ من روعه ، ولا تُفقده الوعي ، وتساعد المنفذين للإعدام أن ينفذوا مهمتهم بهدوء ودون عنف ضد المحكوم عليه بالإعدام .
7. على الطبيب أن يحتاط بالأدوية والأجهزة اللازمة لإنعاش من يصاب بالإغماء أو الهَلَع ممن يشهدون عملية الإعدام ، وهي ظاهرةٌ مألوفةٌ في مثل هذه الظروف .
8. بعد الفراغ من عملية الإعدام يجب على الطبيب أن يتيقن من حصول وفاة المعدوم قبل نقله من موقع التنفيذ ، خشيةَ أن يُنقل إلى ثلاجة الموتى أو الدفن وفيه رَمَقٌ من الحياة .
 

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
المبحث الرابع
مكاشفة المريض الذي لا يرجى برؤه

تقوم علاقة الطبيب بمريضه على مجموعة من الأخلاق ، منها الثقة ، والأمانة ، والإخلاص ، وكتمان السر ، والصدق ، والشفافية في تبادل المعلومات ، ومن الأصول الطبية المتعارف عليها أن للمريض ـ قبل أي شخص آخر ـ الحق بمعرفة طبيعة المرض الذي يعاني منه ، وأسبابه ، وأعراضه ، ونتائج الفحوص المخبرية ، والمضاعفات التي يمكن أن تنتج عن المرض ، واحتمالات الشفاء أو الموت ، وغيرها من المعلومات التي تخص المريض ، وتترتب عليها تصرفات شرعية من قبله ، كالوصية ، وردِّ الودائع ، والوفاء بالدَّين ، ونحوها .
ولا ريب بأن مكاشفة المريض بحقيقة مرضه الذي لا يرجى برؤه ليس أمراً سهلاً ، فهو يحتاج من الطبيب إلى الكثير من الأناة والحكمة ، ولابد له قبل هذا وذاك من خطوات ، نجملها في ما يأتي :
- الإلمام بتشخيص المرض ، والإجراءات العلاجية المتاحة .
- تهيئة المريض نفسياً لتلقي المعلومات عن مرضه .
- أن يسأل الطبيب مريضه عما يعرفه عن مرضه قبل مكاشفته بحقيقة هذا المرض .
- الحكمة في اختيار المعلومات التي نكاشف بها المريض ، ومقدار هذه المعلومات .
- أن تكون مكاشفة المريض بمرضه بلغة واضحة ومفهومة للمريض ، وبطريقة تنم عن الاهتمام والتعاطف والشفقة والرحمة .
- إتاحة الوقت الكافي للمريض لكي يستوعب المعلومات التي قدمناها له .
- الإجابة عن أسئلة المريض بوضوح ، وهدوء ، واهتمام ، حتى وإن كانت الأسئلة سطحية ، أو لا علاقة لها مباشرة بمرضه .
- تذكير المريض برحمة الله عزَّ وجلَّ ، وقدرته على شفاء مختلف الأمراض ، وأن الشفاء بيده وحده سبحانه ، ولا بأس أن نروي للمريض بعض الحالات التي كتب الله تعالى لها الشفاء بعد أن ظن الأطباء أن لا رجاء من شفائها ، ولكن مع الحرص على عدم توليد شعور كاذب لدى المريض بأنه سوف يشفى حتماً ، لأن هذا الشعور قد يجعله يؤجل بعض الأمور التي يرغب أن ينجزها ، أو يوجب عليه الشرع عملها وقد اقترب أجله .
- المتابعة الدؤوب لحالة المريض ، حتى آخر لحظة من حياته ، مهما طالت الفترة ، علماً بأن بعض الأمراض التي لا يرجى برؤها قد تدوم شهوراً طويلة ، وربما سنوات ( الحياة الإنباتية ، موت الدماغ .. وغيره ) .
وبالإجمال ، لا يجوز أن نخفي عن المريض حقيقة مرضه ، لاسيما إذا كان المريض حريصاً على معرفة طبيعة مرضه ومآل حالته الصحية ، فقد تكون هذه المعرفة حافزاً للمريض لكي يتقرب إلى الله عزَّ وجلَّ ، وإبراء ذمته والوفاء بما عليه من حقوق للآخرين ، وغير ذلك مما يجب عليه عمله قبل أن يلقى وجه ربه ، وقد نصت قوانين مزاولة المهنة على أن ( للطبيب في حالة الأمراض المستعصية ، أو التي تهدد حياة المريض بالخطر ، أن يقدِّر ـ وفقاً لما يمليه عليه ضميره ـ مدى ملاءمة إخطار المريض أو ذويه بحقيقة المرض ، وذلك ما لم يكن المريض قد حظر عليه ذلك ، أو عيَّن شخصاً أو أشخاصاً يقتصر الإخطار عليهم ) .
وهنا ، موقف حساس ينبغي التنبيه له ، وهو أن ذوي المريض في كثير من الأحيان يرجون الطبيب أن لا يكاشف مريضهم بحقيقة مرضه ، بحجة أنهم أدرى به ، وأنه لا يحتمل هذه المكاشفة ، وأن حالته سوء تسوء كثيراً فيما لو علم بحقيقة مرضه ، وهذا ما يحصل غالباً من قبل الأبناء تجاه مرض أبيهم أو أمهم ، وفي مثل هذا الموقف ينبغي للطبيب أن يعقد جلسة مع هؤلاء ، بمساعدة أحد الأخصائيين الاجتماعيين ، لإفهام الأهل أن حالة المريض لا يرجى برؤها ، وأن الواجب الشرعي يقتضي مكاشفته بالأمر حتى يحسن توبته ، ويبرئ ذمته ، وقد وجدنا في الممارسة العلمية أنهم في الغالب يستجيبون لذلك ، وكثيراً ما كان يتبرع أحدهم للقيام بالمهمة ، فإذا لم تحصل الاستجابة من قبل الأهل ، وأصروا على عدم المكاشفة ، وكان المريض أهلاً للمكاشفة من الناحية النفسية بتقدير الطبيب المعالج وأخصائي نفسي وأخصائي اجتماعي ، لم يلتفت إلى رأي الأهل ، وتولى الفريق الطبي مكاشفة المريض بحالته ، وما يمكن أن تؤول إليه .

المبحث الخامس
تداوي من لا يرجى برؤه

التَّداوي ( Treatment ) أو العلاج ، هو تعاطي الدواء بقصد معالجة المرض أو الوقاية منه ، وقد أصبح للتداوي في العصر الحاضر أشكال ووسائل عديدة جداً ، منها : العلاج بالأدوية (Drugs) ، والعلاج بالجراحة ، والعلاج النفسي ، والعلاج الفيزيائي ( Physiotherapy ) وغيرها كثير من الوسائل العلاجية المستجدَّة .
وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتداوى في نفسه ، ويستدعي الأطباء لمداواته ، وكان يأمر من أصابه المرض من أهله أو أصحابه بالتداوي ، ويحضُّ على التداوي ، ويقول : (( إنَّ اللهَ أنزل الداءَ والدواءَ ، وجعل لكلِّ داءٍ دواءً ، فَتَداووا ، ولا تَتَداووا بالحَرامِ )) ، وقدَ ذهب بعض أهل العلم إلى عدم وجوب التداوي لما ورد في القرآن الكريم على لسان أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام : (( وإذا مَرِضْتُ فَهُو يَشْفينِ )) ، وقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم : (( يدخل الجنَّةَ من أمَّتي سبعونَ ألفاً بغيرِ حسابٍ ، هُمُ الذين لا يَسْتَرْقُونَ ، ولا يتطيَّرون ، ولا يكتَوون ، وعلى ربِّهم يَتَوَكَّلون )) ، حتى ذهب بعض الفقهاء إلى أن المجني عليه إنْ لم يداوِ جُرْحَهُ وماتَ بسبب الجرح ، كان الضَّمان على الجاني ، لأنَّ التداوي ليس بواجب على المريض .
غير أنَّ الإمام ابن القيِّم رحمه الله تعالى ردَّ على الذين قالوا بترك التداوي بحجة التوكل على الله عزَّ وجلَّ ، فقال : ( إنَّ التداوي لا يُنافي التَّوَكُّلَ ، كما لا ينافيهِ دَفْعُ الجوعِ والعطشِ والحَرِّ والبردِ بأضْدادها ، بل لا تتمُّ حقيقةُ التوحيدِ إلا بمباشرة الأسباب التي نصبَها اللهُ تعالى مقتضياتٍ لمسبَّباتها قدراً وشرعاً ، وإنَّ تعطيلها يَقْدَحُ في نفس التوكل ، كما يقدح في الأمر والحكمة ، ويضعفه من حيث يظنُّ مُعَطِّلُها أنَّ تَرْكَها أقوى في التوكل ، فإنَّ تَرْكَها عجزٌ ينافي التوكُّلَ الذي حقيقتُهُ اعتمادُ القلب على الله في حصول ما ينفع العبدَ في دينه ودنياه ، ودفع ما يضرُّه في دينه ودنياه ، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب ، وإلا كان معطِّلاً للحكمة والشَّرع ، فلا يجعل العبدُ عجزَه توكلاً ولا توكله عجزاً ) ، ولهذا ذهب أكثر اهل العلم إلى أن الأصل في حكم التداوي أنه مشروعٌ ، لما ورد بشأنه في القرآن الكريم والسُّنَّة القولية والفعلية ، ولما فيه من حفظ النفس الذي هو أحدُ المقاصدِ الكُلِّيَّة من التشريع ، وتختلف أحكام التداوي باختلاف الأحوال والأشخاص :
• فيكون واجباً على الشخص إنْ كان تركُه يفضي إلى تَلَف نَفْسه أو أحد أعضائه أو عجزه ، أو كان المرض ينتقل ضررُه إلى غيره كالأمراض المعدية .
• ويكون مندوباً إنْ كان تركُه يؤدي لضعف البدن ، ولا يترتَّب عليه ما سبق في الحالة الأولى .
• ويكون مباحاً إنْ لم يندرج في الحالتين السابقتين .
• ويكون مكروهاً إن كان بفعلٍ يُخاف منه حدوثُ مضاعفات أشدّ من العلَّة المراد إزالتها .
وبناء عليه نثبت هنا جملة من الأحكام العامة التي تتعلق بالتداوي في الأمراض التي لا يرجى برؤها :
1. مما تقتضيه عقيدة المسلم أن المرض والشفاء بيد الله عزَّ وجلَّ ، وأن التداوي والعلاج ما هو إلا أخذ بالأسباب التي أودعها الله تعالى في الكون ، وهو أمر مشروع ، لا يتعارض مع قضاء الله وقدره ، كما ورد في حديث أبي خزيمة عن أبيه ، قال : (( سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ، أرأيتَ رُقَىً نَسْتَرقيها ، ودواءً نَتَداوى بِهِ ، وتُقاةً نَتَّقيها ، هل تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شيئاً ؟ قالَ : هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ )) .
2. إن ما يُعتبر حالة ميئوساً من علاجها هو بحسب تقدير الأطباء وإمكانات الطب المتاحة في كل زمان ومكان ، وتبعاً لظروف المرضى .
3. لا يجوز اليأس من روح الله ، ولا القنوط من رحمته ، بل ينبغي بقاء الأمل في الشفاء بإذن الله ، وعلى الأطباء وذوي المرضى تقوية معنويات المريض ، والدأب في رعايته ، وتخفيف آلامه النفسية والبدنية ، بصرف النظر عن توقع الشفاء أو عدمه .
4. لا يجوز ترك العلاج إذا كان ذلك يأساً وقنوطاً من رحمة الله تعالى ، أو تبرماً وتذمراً من قضائه وقدره ، لقوله تعالى : (( إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إلا القَوْمُ الكافِرونَ )) ، أما ترك التداوي صبراً أو احتساباً فهو جائز ، ولكن بشرط أن لا يكون مفضياً لهلاك محقق ، مع غلبة الظن بتحقق الشفاء بالتداوي ، لأن في هذا شبهة قتل النفس بتعريضها للتهلكة .
5. سواء كان المرض مرضاً قابلاً للشفاء أم مرضاً لا يرجى برؤه يجب استشارة المريض أو وليه ، وأخذ إذنه في الإجراء العلاجي الذي سوف يخضع له ، ولا يصح للطبيب أن يستقل بأخذ القرار ، إلا في الحالات الخطيرة التي تهدد حياة المريض بالخطر ، ولا تحتمل التأجيل ، فيجوز للطبيب أن يتدخل دون انتظار الإذن ، حفاظاً على حياة المريض .
6. بالرغم من أن التداوي في المرض الذي لا يرجى برؤه ليس بواجب على المريض ، لأنه لا يمنع تفاقم المرض ، إلا أنه يستحب للطبيب أن يستمر بمداواة مريضه إذا لم يمانع ، ولو كان ذلك ببعض المعالجات الملطفة ، لأنه يطيب نفس المريض ، ويشعره بالرعاية والاهتمام .
7. من واجب الطبيب أن لا يترك وسيلة يعتقد فيها الفائدة للمريض إلا أخذ بها ، حتى وإن كانت فرصة الشفاء ضعيفة ، لعموم الأدلة الشرعية التي تحضُّ على التداوي ، ورجاء أن يكتب الله له الشفاء ، مع الاعتقاد الجازم بأن الشفاء أولاً وأخيراً مرهون بقدر الله عز وجل .
8. يستحب للمريض مرضاً لا يرجى برؤه ، أن يكثر من ذكر الموت بقلبه ولسانه ، وأن يستعد له بالتوبة إلى الله تعالى ، وأن يبرئ ذمته من حقوق الآخرين ، ويسن له الصبر ، ويكره منه كثرة الشكوى ، بل عليه الرضا بقضاء الله تعالى وقدره ، وأن يسأله حسن الخاتمة .
9. إن بعض التداخلات الطبية قد يكون ضررها أكبر من نفعها في بعض الحالات التي وصلت إلى مراحلها النهائية ، كالسرطان ، والفشل الكلوي ، ونحوه ، وكذلك بعض العمليات الجراحية التي تشكل خطراً كبيراً على حياة المريض ، وتكون نسبة الشفاء فيها ضعيفة أو نادرة ، ويكون خطر التدخل الجراحي كبيراً ، وكذلك التغذية بالطرق غير المعتادة ، مثل التغذية عن طريق الأنبوب ، التي قد يترتب عليها مضاعفات هضمية غير محمودة ، أو إعطاء المحاليل الوريدية التي قد تزيد العبء على القلب والرئتين وتزيد من تفاقم العلة ، ولهذا قد يكون التوقف عن التدخل الطبي في مثل هذه الحالات هو الأصح والأفضل ، وفيها يحق للمريض أن يرفض التدخل الطبي ولا يكون آثماً برفضه هذا ، والله تعالى أعلم .

المبحث السادس
إنعاش من لا يرجى برؤه

كثيراً ما يواجه الطبيب حالات مرضية قد وصلت إلى درجة شديدة من التدهور يظن معها أن لا فائدة ترتجى من أي إجراء طبي للمريض ، غير أن الشواهد الطبية العديدة تدل على أن بعض هذه الحالات لا تلبث أن تتحسن ، ويستعيد المريض نشاطه ، وصحته ، ويواصل رحلة الحياة ، وربما لسنوات طويلة ، ثم يموت بسبب آخر غير السبب الذي أوصله إلى تلك الحالة التي ظن الطبيب أنها تنذر بالنهاية !
ومع أن القاعدة المقررة عند أهل الطب هي بذل أعلى درجات الرعاية الطبية للمريض ، مهما كانت حالته ، على أمل أن يكتب الله له الشفاء ، إلا أن الممارسات الطبية اليومية تضع الطبيب أمام حالات حرجة يكون فيها المريض ما بين الحياة والموت ، فيحتار الطبيب : هل يجري للمريض الإنعاش الطبي أم لا ؟ وقد سبق لعدد من المجامع الفقهية أن ناقشت هذه الحالة ، وصدرت عدة فتاوى بشأن عدم الإنعاش في حالات مرضية محددة ، ونورد في ما يأتي خلاصة ما انتهى إليه الفقهاء في هذه المسألة :
• إذا غلب على ظن الطبيب المختص أن الدواء ينفع المريض ولا يضره ، أو أن نفعه أكثر من ضرره ، فإنه يشرع له مواصلة الإنعاش ، ولو كان تأثير العلاج مؤقتاً ، لأن الله سبحانه وتعالى قد ينفعه بالعلاج نفعاً مستمراً خلاف ما يتوقعه الأطباء .
• إذا كان ملف المريض مختوماً عليه بعلامة ( عدم عمل إجراءات الإنعاش ) ويرمز له باللاتينية ( DNR ) وهي اختصار لجملة ( Do Not Resuscitate ) ، فإن كان ذلك بناء على رفض المريض أو وكيله للإنعاش ، أو كانت حالة المريض غير صالحة للإنعاش بتقرير ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات ، فلا حاجة لاستعمال جهاز الإنعاش .
• إذا كان المريض في حالة عجز ، أو في حالة خمول ذهني ، مع مرض مزمن أو مرض السرطان في مرحلة متقدمة ، أو مرض القلب والرئتين المزمن ، مع تكرار توقف القلب والرئتين ، وقرر ذلك ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات ، فلا حاجة لاستعمال جهاز الإنعاش .
• إذا كان المريض مصاباً بحالة عجز شديد ، مثل الشلل الدماغي ، بحيث أنه لا يحك رجليه أو يديه ، ومصاب بتخلف عقلي شديد ، ولا يرجى شفاؤه ، وقرر ثلاثة أطباء متخصصون فأكثر رفع أجهزة الإنعاش عنه ، فإنه يجوز اعتماد ما يقررونه ، ولكن لا يجوز الحكم بموته حتى يعلم ذلك بالعلامات الظاهرة الدالة على موته .
• إذا قرر ثلاثة أطباء أن من غير المناسب إنعاش المريض ، عندما يكون من الواضح أنه يعاني من مرضٍ مستعصٍ غير قابل للعلاج ، وأن الموت محقق ، فلا حاجة للإنعاش .
• إذا وجد لدى المريض دليل على الإصابة بتلف في الدماغ مستعصٍ على العلاج ، بتقرير ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات ، فلا حاجة أيضاً لاستعمال جهاز الإنعاش ، لعدم الفائدة في ذلك .
• إذا كان إنعاش القلب والرئتين غير مجد ، وغير ملائم لوضع معين ، حسب رأي ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات ، فلا حاجة لاستخدام آلات الإنعاش ، ولا يلتفت إلى رأي أولياء المريض في وضع آلات الإنعاش أو رفعها ، لكون ذلك ليس من اختصاصهم .
• إذا وصل المريض إلى المستشفى وهو متوفى ، فلا حاجة لاستعمال جهاز الإنعاش .

المبحث السابع
قطع ذرية من لا يرجى برؤه

قطع ذرية المصاب بمرض لا يرجى برؤه أو التعقيم ( Sterilization ) وهي عملية تجرى بقطع الحبل المنوي ( Spermatic Cord ) عند الرجل ، أو قطع بوقَيْ الرحم ( Fallopian Tubes ) عند المرأة ، أو ربطهما أو قطعهما وربطهما في آن واحد ، أو بوسائل أخرى لا مجال لتفصيلها هنا .
والأصل هو حرمة التعقيم وقطع الذرية قطعاً نهائياً ، سواء للرجل أو للمرأة ، عملاً بالنصوص العديدة التي وردت في الكتاب والسنة بالحضِّ على الزواج وكثرة الولد ، ويستثنى من الحرمة حالات الضرورة التي يقررها طبيب عدل ثقة ذو خبرة في هذا المجال ، كأن يشكل الحمل خطراً أكيداً على حياة المرأة .
وعلى هذا ، فإن تعقيم المرأة جائز ، إذا كانت مصابة بمرض يمكن أن يتعدى خطره إلى ولدها ( مثل الإيدز ، والزهري .. ) ، أو كانت مصابة بمرض لا يرجى برؤه ويشكل حملها خطراً أكيداً على حياتها ، مثل الفشل الكلوي الذي لا يرجى برؤه ، أما إذا كانت الحالة المرضية للمرأة مؤقتة فلا يجوز لها التعقيم ، ويمكنها استخدام وسائل منع الحمل المؤقتة ( مثل : حبوب منع الحمل ، أو اللولب ، أو غيره ) لأن مرضها قد يزول وتتغير ظروفها الزوجية فترغب بالولد من جديد .
أما قطع ذرية الرجل المصاب بمرض من الأمراض المعدية لا يرجى برؤها فليس بواجب ، لأن لديه خيارات أخرى لا تتوافر للمرأة المصابة بمرض معدي لا يرجى برؤه ، فيمكن له أن يتقي نقل العدوى إلى زوجته باستخدام العازل الذكري مثلاً ، كما يمكنه أن يتزوج امرأة عقيماً ، وبهذا يتجنب إنجاب ذرية مريضة .
 

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
المبحث الثامن
إنهاء حياة من لا يرجى برؤه

إنهاء حياة المريض الذي لا يرجى برؤه ، أو ما اشتهر باسم القتل شفقةً ( Euthanasia ) أو القتل رحمةً ، أو تيسير الموت ، فكرة فلسفية تعود إلى أيام الإغريق القدماء ، وقد أطلق الفيلسوف سقراط ( 469 ـ 399 ق.م ) على هذا الشكل من الموت اسم ( التدبير الذاتي للموت بشرف ) ، وذكر الفيلسوف أفلاطون ( 427 ـ 347 ق.م ) تلميذ سقراط في كتابه الشهير ( الجمهورية ) أن الذين تنقصهم سلامة الأجسام يجب أن يتركوا للموت !
أما اصطلاح ( القتل بدافع الشفقة ) فينسب إلى الفيلسوف الإنكليزي روجيه بيكون ( 1214 ـ 1294 ) الذي ذهب إلى أن ( على الأطباء أن يعملوا على إعادة الصحة للمرضى ويخففوا آلامهم ، ولكن إذا وجدوا أن شفاءهم لا أمل فيه فيجب عليهم أن يدبروا لهم موتاً هادئاً وسهلاً ) !
وفي عام 1823 عرضت على القضاء الأمريكي أول قضية في قتل الرحمة ، حين أقدم أب على إغراق أطفاله الثلاثة ليذهبوا ( إلى الجنة مباشرة ) على حد تعبيره ، وفي أوائل القرن العشرين الميلادي قامت في ألمانيا حركة تنادي بإباحة قتل الرحمة ، وفي عام 1930 أنشئت الجمعية الأمريكية لقتل الرحمة ( عدل اسمها في عام 1970 إلى جمعية حق الإنسان في الموت ) ، وفي عام 1936 أباح بعض أساقفة الكنيسة في الولايات المتحدة قتل الرحمة في ( حدود معقولة ومقبولة ) حسب تعبيره ، وفي العام نفسه عقدت الجمعية البريطانية لقتل الرحمة أول اجتماع لها ، وقدمت مشروعاً إلى مجلس اللوردات تقترح فيه إصدار قانون يبيح قتل الرحمة ، لكن المجلس رفض المشروع .
وفي عام 1939 أصدر الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر ( 1889 ـ 1945 ) أمراً أباح فيه قتل المرضى العقليين والمعتوهين والشيوخ الذين أصيبوا بالخرف ، وفي عام 1970 ظهرت في بريطانيا حركة نشطة تنادي بالسماح بقتل الرحمة ، وفي عام 1977 أعطى القانون في ولاية كاليفورنيا الحق لكل شخص أن يحدد موعد موته بأن يكون سهلاً ودون معاناة ، وفي عام 1982 تأسست هناك جمعية لتيسير الموت وتسهيله .
والحديث عن قتل الرحمة يرد غالباً عند الحديث عن المريض الميئوس من شفائه ، كالمريض بالسرطان في مراحله الأخيرة حين يصل به الألم إلى درجة شديدة لا يطيقها ، فتأتي الدعوة لإنهاء حياته بذريعة تخليصه من الألم .. وللقتل شفقةً ثلاث صور :
(1) إعطاء المريض جرعة كبيرة من دواءٍ قويٍّ مضاد للألم لتضع هذه الجرعة المفرطة حداً لحياته .
(2) أن يكون المريض غير قادر على التنفس إلا بواسطة المنفاس ( Respirator ) فإذا فصل عنه هذا الجهاز توقف تنفسه ومات .
(3) أن يكون علاج المريض سبباً في استمرار حياته دون شفائه فإذا أوقف عنه العلاج مات ، وقد بحث الفقهاءُ القدامى حالة مماثلة لهذه الحالة وهي التي تسمى في القوانين الحديثة (الجريمة السَّلبية) وضربوا لذلك مثلاً بالشخص الذي يمتنع عن إرشاد الأعمى ويتركه ليقع في بئر فيموت ، واعتبروا الشخصَ الذي لم يرشده قاتلاً بالرغم من عدم قيامه بأي دور إيجابي ، وكذلك فعلوا تجاه الشَّخص الذي يترك اللقيطَ دون عناية حتى يموت ، ويمكن أن نقيس عليه الطبيب الذي يترك المريض دون علاج إلى أن يموت .
ومن الواضح أن الحالتين الأوليين تقتضيان تدخُّلاً إيجابياً من الطبيب ، أما الحالة الثالثة فلا تقتضي إلا موقفاً سلبياً يتمثل بامتناع الطبيب عن علاج المريض ، غير أن موت المريض هو النتيجة العملية في الحالات الثلاث .
وقد ثارت مناقشات طويلة بين أهل الشريعة ورجال القانون حول مسألة القتل شفقة الذي يبدو أن الدافع الظاهر له دافع إنساني يستهدف تخليص المريض من آلامه التي لا أمل بالخلاص منها إلا بالموت ، وحتى اليوم مازالت القوانين الوضعية في العالم لا تبيح قتل الشفقة منعاً لاتِّخاذه ذريعة لجريمة القتل العمد ، ففي عام 1966 وضعت إحدى المحاكم الأمريكية قانوناً يجرِّم الطبيب الذي يمارس قتل الرحمة ، واعتبرت أن التعجيل بموت المريض تخليصاً له من آلامه يعد فعلاً معاقباً عليه قانوناً ، وفي عام 1996م أصدرت أستراليا قانوناً يبيح قتل الرحمة ، لكنها عادت بعد ثمانية أشهر فقط فألغت القانون بعد أن وقعت هناك أربع جرائم قتل بشعة تحت مظلة هذا القانون .
إلا أن بعض الدول ـ بالرغم من رفضها لقتل الرحمة ـ أصبحت تفرِّق في قوانينها ما بين القتل الجنائي وقتل الرحمة ، وتجعل من هذا الأخير مجرد جُنْحَة ، أما معظم قوانين العقوبات في البلدان العربية فلا تأخذ بمبدأ تخفيف العقوبة في قتل الرحمة ، لكنها ترى أن ذلك لا يمنع من تطبيق مبدأ « الظروف المخففة » المعروفة في القوانين الجنائية ، وهي تقوم على تخفيف العقوبة إذا اقتضت الجريمة المقامة من أجلها الدعوى رأفة القضاة ، وهذا معمول به حالياً في كل من السودان وسورية ولبنان إذا كان القتل مبنياً على رضا المجني عليه ، أو كان القتل بناء على إلحاح المجني عليه .
أما من الوجهة الشرعية ، فلا خلاف على حرمة القتل بعامة ، والنصوص الواردة في هذا كثيرة منها : (( ولا تَقْتُلوا النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللهُ إلا بالحَقِّ .. الآية )) ، وقوله تعالى : (( ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحيماً )) ، ومنه تحريم القتل بحجة الشفقة ، لأنه اعتداء صريح على حقِّ الله تعالى في الحياة التي وهبها للإنسان ، ولأنَّ الصَّبر على المرض والألم مطلوب شرعاً ، وهو تعبير عن رضا العبد بقضاء الله وقدره ، وقد ضرب القرآن الكريم مثلاً عليه من صبر نبي الله أيوب عليه السلام ، الذي ابتلاه الله عزَّ وجلَّ بالمرض والآلام المبرحة لفترة طويلة من الزمن فصبر على مرضه وآلامه حتى جاءه الفرج منه سبحانه .
وقد ورد في الصحيح نصوص عديدة تدل على حرمة قتل النفس للخلاص من الألم ، منها ما رواه سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه (( أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليهِ وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا ، فلما مالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى عَسْكَرِهِ ، ومالَ الآخرون إلى عسكرِهِم ، وفي أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجلٌ لا يَدَعُ لهم شاذَّةً ولا فاذَّةً إلا اتبعها بسيفهِ ، فقالوا : ما أجزأ منا اليوم أحدٌ كما أجزأ فلان . فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أما إنَّهُ من أهلِ النَّارِ . فقالَ رجلٌ من القومِ : أنا صاحبُهُ . قالَ : فخرجَ معهُ كلما وقفَ وقفَ معهُ ، وإذا أسرَعَ أسرَعَ معهُ ، قالَ : فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحاً شديداً ، فاستعجلَ الموتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سيفِهِ بالأرضِ وذبابَهُ بين ثدييهِ ثُمَّ تَحَامَلَ على سيفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ . فرجعَ الرجلُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ : أشْهَدُ أنكَ رسولُ اللهِ . قالَ صلى الله عليه وسلم : وما ذاكَ ؟! قالَ : الرجلُ الذي ذَكَرْتَ آنفاً أنَّهُ من أهلِ النارِ ، فأعظمَ الناسُ ذلك ، فقلتُ أنا لكم به ، فخرجتُ في طلبِهِ ، ثم جُرح جرحاً شديداً فاستعجلَ الموتَ فوضعَ نصلَ سيفهِ في الأرضِ وذبابَهُ بين ثدييهِ ثم تَحامَلَ عليهِ فَقَتَلَ نفسَهُ . فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إنَّ الرجلَ لَيَعْمَلُ بعملِ أهلِ الجنةِ ، فيما يبدو للناسِ ، وهو من أهلِ النارِ ، وإنَّ الرجلَ ليعملُ بعملِ أهلِ النارِ ، فيما يبدو للناسِ ، وهو من أهلِ الجنةِ )) .
ومنها كذلك ما جاء في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : (( كانَ رجلُ ممن كانَ قبلَكم وكانَ بهِ جرحٌ ، فأخذَ سكيناً نَحَرَ بها يَدَهُ ، فما رقأ الدمُ حتى ماتَ . قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ : عبدي بادَرَني بنفسهِ ، حَرَّمْتُ عليهِ الجنةَ )) ، وهذا يعني أن أي عمل يؤدي إلى تسريع وفاة المريض أو المصاب إصابة بليغة حرام لا ريب فيه ، وما القتل بدعوى الشفقة أو الرحمة في حقيقته إلا قتل مظلمة .
وقد ناقش المجمع الفقهي الإسلامي هذه المسألة بالتفصيل في دورته السابعة ، المنعقدة في مدينة جدة ، عام 1992م ، وأصدر القرار ( 67/5/17 ) الذي تضمن رفضه بشدة لما يسمى قتل الرحمة ، بأي حال من الأحوال ، وأن العلاج في الحالات الميئوس منها يخضع للتداوي والعلاج والأخذ بالأسباب التي أودعها الله عزَّ وجلَّ في الكون ، ولا يجوز شرعاً اليأس من روح الله ، أو القنوط من رحمته ، بل ينبغي بقاء الأمل بالشفاء بإذن الله تعالى ، وعلى الأطباء وذوي المرضى تقوية معنويات المريض ، ورعايته ، وتخفيف آلامه النفسية والبدنية ، بصرف النظر عن توقع الشفاء أو عدمه .
وعلى هذا فلا يجوز للمريض إنهاء حياته بنفسه ، لأنه يُعَدُّ منتحراً ، ولا يجوز له أن يطلب ذلك من الطبيب ، كما أن الطبيب الذي يساعد المريض على إنهاء حياته يكون آثماً ، وتطبَّق بحقِّهِ أحكامُ القتل العمد ، لأن عمله هذا مخالف لصريح الكتاب والسنة بحرمة النفس البشرية ، كما أنه مخالف لقوانين مزاولة المهنة .
والخلاصة ، أن من واجب الأطباء أن يجتهدوا قدر المستطاع بخدمة المريض ، وفق القواعد الطبية المتعارف عليها ، مع تقوى الله في ذلك كله ، واستحضار النية الخالصة بمنفعة المريض ، وتخفيف آلامه ، حتى آخر رمق من حياته ، أما إذا غلب على ظن الطبيب أن حجب الدواء أو العلاج عن المريض لا يقدم له نفعاً ، ولا يدفع عنه ضرراً ، فقد جاز له أن يحجب عنه الدواء .
ومن الوجهة القانونية يجب على الطبيب أن يدون في ملف المريض حيثيات الواقعة والأسباب التي دعته لوقف العلاج ، وهو يتحمل نتيجة اجتهاده هذا ، ويستحسن في مثل هذه الحالات أن يوضع التقرير من قبل لجنة طبية لا تقل عن طبيبين اثنين من أهل الاختصاص .
ومن المفيد هنا أن نشير إلى اتفاق الفقهاء على أنه إذا اعتدى شخص على شخص فأوصله إلى الرمق الأخير ، أو حالة حركة المذبوح التي سبقت الإشارة إليها ، بأن لم يبقَ له إبصار ولا نطق ولا حركة اختيارية ، ثم جنى عليه شخص آخر فمات ، فالقاتل هو الشخص الأول ، أما الثاني فإنه يُعَزَّر لأنه اعتدى على حرمة الميِّت ، أما إذا جنى الثاني قبل وصول المجني عليه إلى الرمق الأخير بفعلٍ مزهق كحزِّ الرقبة ، فالقاتل هو الثاني ، وعلى الأول قصاص العضو أو دِيَتُه ، وأما إذا كان جرحُ الأول يفضي إلى الموت لا محالة لكنه لم يوصله إلى الرمق الأخير ، ولم يخرجه من الحياة المستقرة ، فجاء الثاني فضرب عنقَهُ ، فالقاتل هو الثاني أيضاً لأنه فوَّت حياةً مستقرة ، أما إذا كان وصول المجني عليه إلى الرمق الأخير بسبب مرضٍ لا بسبب جناية ، بأن كان في حالة النزع وعيشه عيش المذبوح ، أو بدت عليه مخايل الموت ، أو كان مريضاً لا يرجى برؤه ، فجاء شخصٌ فقتله ، فقد وجب القصاص على القاتل ، لأن هذه الأمور غير مقطوع بها ، وقد يُظنُّ ذلك ثم يشفى .

المبحث التاسع
تعمد العدوى بأمراض لا يرجى برؤها

العَدْوى ( Infection ) : تعني دخول أحد العوامل المُمْرِضة إلى جسم الإنسان وإحداث المرض ، والعوامل الممرضة التي تسبب العدوى هي ( الجراثيم ، والفيروسات ، والطفيليات ، والفطريات ) ويوجد من كل منها عشرات الآلاف من الأنواع ، وهي تسبب عدداً كبيراً من الأمراض السارية ، وتصل هذه العوامل الممرضة إلى الإنسان الصحيح من مصدر خارجي ، قد يكون إنساناً مريضاً ظهرت عليه أعراض المرض ، أو إنساناً حاملاً لجرثومة المرض ولم تظهر عليه الأعراض ، أو حيواناً ، أو أدوات ملوثة بجرثومة المرض ، أو الهواء أو الماء أو غير ذلك من عناصر الطبيعة ، وقد حبا الخالق عزَّ وجلَّ جسم الإنسان جهاز مناعة نشطاً يكفل له مقاومة هذه الأمراض في الأحوال العادية ، وفي بعض الأحوال الأخرى تضعف مناعة الشخص ، أو يكون العامل الممرض قوياً ، فيتغلب على مناعة الجسم ويسبب المرض .
والذي يعنينا هنا ، أن بعض المصابين بأمراض سارية خطيرة لا يرجى برؤها قد يتعمدون نقل العدوى إلى غيرهم من الأصحاء ، وذلك لأسباب نفسية أو جنائية أو اجتماعية مختلفة ، وهو فعل لاشك بحرمته ، لما فيه من إضرار بالغير قد يصل إلى حد الموت في بعض الأمراض المعدية الخطيرة ( الإيدز مثلاً ) ، وفي هذا مخالفة صريحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا ضَرَرَ ولا ضِرار )) .
وقد نوقش هذا الموضوع في عدة مؤتمرات فقهية ، منها مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن في بندر سري بجاون ، بروناي دار السلام ، عام 1414هـ / 1993م ، الذي أوصى الجهات المختصة في الدول الإسلامية ( باتخاذ كافة التدابير للوقاية من الإيدز ، ومعاقبة من يقوم بنقل الإيدز إلى غيره متعمداً ) كما أوصى المجلس ( في حال إصابة أحد الزوجين بهذا المرض أنَّ عليه أنْ يُخبر الطَّرَفَ الآخر ، وأن يتعاون معه في إجراءات الوقاية كافة ) وقرر المجلس كذلك ( أنَّ على المصاب أو حامل الفيروس أنْ يتجنَّب كلَّ وسيلة يُعدي بها غيره ) .
أما مجلس مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره التاسع الذي عقد في مدينة أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة عام 1415هـ/1995م فقد انتهى إلى أن ( تَعَمُّدَ نَقْلِ العدوى بمرض من الأمراض المعدية القاتلة مثل مرض الإيدز إلى السليم بأية صورة من صور التعمد هو عمل محرم ، ويعدُّ من كبائر الذنوب والآثام ، كما أنه يستوجب العقوبة الدنيوية ، وتتفاوت هذه العقوبة بقدر جسامة الفعل وتأثيره على الأفراد ، وتأثيره على المجتمع ، فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع فعمله هذا يعد نوعاً من الحرابة والإفساد في الأرض ، ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة " سورة المائدة ، الآية 33 " وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ، وتمت العدوى ، ولم يمت المنقول إليه بعد ، عوقب المتعمد بالعقوبة التعزيرية المناسبة ، وعند حدوث الوفاة ينظر في تطبيق عقوبة القتل عليه ، وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية ) .
ومن جهة أخرى ، ينبغي تقديم الرعاية الطبية والاجتماعية اللازمة للمريض بمرض سار لا يرجى برؤه ، حتى آخر لحظة من حياته ، لاسيما وأنه قد يعيش لسنوات طويلة ، وقد يؤدي خدمات جليلة للمجتمع ، وربما عثر الطب في المستقبل على علاج ناجع له ، وقد سجل تاريخ الطب اكتشاف العديد من العلاجات الناجعة لأمراض ظل الأطباء لقرون طويلة يعتقدون أن لا أمل بشفائها .
ونظراً للخطورة البالغة في بعض الأمراض السارية فإنه ينبغي على السلطات الصحية أن تلزم العاملين في المرافق الصحية ( الأطباء ، التمريض ، فنيي المختبرات ، بنوك الدم ، أقسام الطوارئ ، أقسام الولادة ، غرف العمليات .. ) باتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لحماية المرضى من العدوى خلال فترة علاجهم ، وكذلك حماية العاملين أنفسهم من الإصابة بالعدوى من مرضاهم ، كما ينبغي أن تنص التشريعات القانونية على عقوبات مشددة تطبق بحق العاملين الصحيين الذين يهملون هذه الاحتياطات أو لا يتقيدون بها .
ونظراً للخطورة الشديدة التي تنطوي عليها بعض الأمراض السارية ، ولأن معظم هذه الأمراض ليست لها أعراض ظاهرة في بادئ أمرها ، فإننا نميل إلى إلزام المقبلين على الزواج بإجراء فحص طبي قبل الزواج لبيان سلامتهما من هذه الأمراض ، وفي حال اكتشاف واحد من هذه الأمراض عند أحد الطرفين يجب عليه شرعاً أن يخبر الطرف السليم ليكون على بينة من أمره ، فإن شاء مضى بإتمام الزواج وإن شاء توقف ، هذا إذا كان المرض من النوع الذي لا يرجى برؤه ويشكل خطراً أكيداً على حياة الطرف الآخر ، أما إن كان المرض قابلاً للشفاء فيؤخر الزواج إلى ما بعد الشفاء .
أما إذا أصيب أحد الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية بأحد الأمراض السارية الخطيرة التي تنتقل عن طريق الجنس ، ويكون المرض قابلاً للشفاء ، فمن حق الطرف السليم الامتناع عن المعاشرة الزوجية ريثما يشفى المصاب ، وذلك حماية له من العدوى والضرر .
أما إذا كان المرض من النوع الذي لا يرجى برؤه ، وكان يشكل خطراً أكيداً على حياة الطرف الآخر فيما لو أصيب بالعدوى ، كما هي حال الإيدز مثلاً ، فمن حق الطرف السليم طلب فسخ عقد النكاح إن أراد ، لأن الضرر الذي قد يصيبه فادح جداً ، أما إذا اختار الإبقاء على الزواج فإننا ننصح باتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لحماية نفسه من العدوى ، مثل استعمال الواقي الذكري ، أو الواقي المهبلي ، أو غيره من الوسائل التي تمنع العدوى بإذن الله تعالى .

المبحث العاشر
رعاية من لا يرجى برؤه

من المعلوم جيداً في الممارسة الطبية أن هناك علاقة وثيقة ما بين حالة المريض العضوية وحالته النفسية ، بل إن الأعراض النفسية التي تظهر على المريض من جراء مرضه العضوي قد تكون أبرز من الأعراض العضوية ، أضف إلى هذا أن بعض المرضى يميلون بطبعهم إلى التهويل وتضخيم الأعراض التي يشكون منها حتى إن بعضهم يتوهم أنها نهايته ، وهذا ما يدل على أهمية الدعم النفسي للمرضى ، ولاسيما منهم الميالين للوهم والتهويل !
وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى مواساة المريض والتخفيف عنه ، ورفع معنوياته ، فقال : (( إذا دَخَلْتُمْ على المريضِ فَنَفِّسُوا لَهُ في أجَلَهِ ، فإنَّ ذلك لا يَرُدُّ شيئاً ، وَيُطَيِّبُ نَفْسَهُ )) ، وأشار الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى إلى هذا الجانب المهم في التعامل مع المريض ، فذكر من صفات الطبيب الحاذق ( أن يكون له خبرة باعتلال القلوب والأرواح وأدويتها ، وذلك أصل عظيم في علاج الأبدان ، فإن انفعال البدن وطبيعته عن القلب والنفس أمر مشهود . والطبيب إذا كان عارفاً بأمراض القلب والروح وعلاجها كان هو الطبيب الكامل ، والذي لا خبرة له بذلك وإن كان حاذقاً في علاج الطبيعة وأحوال البدن نصف طبيب . وكل طبيب لا يداوي العليل بتفقد قلبه ، وصلاحه ، وتقوية أرواحه وقواه ، بالصدقة وفعل الخير والإحسان والإقبال على الله والدار الآخرة ، فليس بطبيب بل متطبب قاصر ) .
ولاشك بأن طمأنة المريض ، ودعمه نفسياً ، والتنفيس له في الأجل ، كلها عوامل مهمة في تخفيف أوجاعه ، وإزالة القلق والوساوس عنه ، وفي هذا أجر عظيم للطبيب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ نَفَّسَ عن مؤمنٍ كُرْبَةً من كُرَبِ الدُّنيا نَفَّسَ اللهُ عنهُ كُرْبَةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ )) ، ولتحقيق هذا الهدف النبيل ينبغي للطبيب أن يعطي مريضه الوقت الكافي ، ويصغي له جيداً حتى يفهم طبيعة ما يشتكي منه ، ويعرف ما يقلقه ( وليس ينبغي للطبيب أن يمنع المريض من كثرة ما يشتكيه فيظهر ضجراً من ذلك ، لأنه ربما أورد في كلامه علامات يستدل منها الطبيب على ما ينتفع به ، ويستشهد بها على صحة مرضه ) ، وبعد أن يحيط الطبيب بالمشكلة الصحية التي يشتكي منها المريض عليه أن يشرح له طبيعة مرضه بطريقة مناسبة ، ويجيب على تساؤلاته ، ويجعله على بينة من حالته الصحية ، ويقوي أمله بالشفاء ، ويزيل مخاوفه وأوهامه .
وقد رأينا في الممارسة العملية أن اهتمامنا بحالة المريض ، والإصغاء الجيد لشكواه ، والكشف عليه بعناية ، مع بضع كلمات طيبة ، تفعل في نفسه أكثر مما يفعل الدواء ، حتى إن كثيراً منهم كانوا يطلبون منا عدم وصف أي دواء لهم ، مكتفين بما سمعوه من كلمات طيبة ، وشرح مبسط لحالتهم الصحية ، ونصائح شفوية !
ومن العوامل التي تساعد كثيراً في طمأنة المريض ودعمه نفسياً أن نذكِّره بالأجر العظيم من الله تعالى لقاء صبره على المرض والألم ، مع تذكيره ببعض ما جاء في الكتاب والسنة من توجيهات تعينه على الصبر واحتساب الأجر من الله ، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما مِنْ مُسْلِمٍ تُصيبُهُ مُصيبةٌ فَيَقُولُ ما أمَرَهُ اللهُ : إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعونَ ، اللهُمَّ أْجُرْني في مُصيبَتي ، واخْلُفْ لي خَيْراً منها ، إلا آجَرَهُ اللهُ في مصيبتِهِ ، وأخلَفَ لهُ خيراً منها )) ، هذا مع التذكير بأن حضَّ المريض على الصبر ينبغي أن لا يصل إلى حد تشجيعه على ترك العلاج إن كان ضرورياً لحالته ، لأن ترك العلاج قد يسبب تفاقم المرض ويعرِّض حياة المريض للخطر !
ولا ريب بأن المرضى الذين يعانون من أمراض مستعصية ، أو أمراض خطيرة في مراحلها النهائية ، مثل السرطان والإيدز ونحوهما ، يحتاجون إلى رعاية نفسية واجتماعية خاصة ، إلى جانب الوسائل العلاجية الأخرى التي تستخدم عادة لتخفيف الآلام والمعاناة ، وهو ما يعرف بالطب التلطيفي ( Palliative Medicine ) الذي عرَّفته منظمة الصحة العالمية بأنه : الطب الذي يهدف إلى منع حدوث وتخفيف المعاناة ، وتقديم المعونة والدعم للحصول على أقصى درجة من الحياة الجيدة والمريحة ، للمرضى الذين يعانون من أمراض مستعصية كالأورام ، مهما كانت مرحلة المرض أو تقدمه ، أو مرحلة العلاج ، ويقدم هذا العلاج بطرق ملائمة لكل مريض حسب حالته .
وقد أصبح الطب التلطيفي في أيامنا الحاضرة من التخصصات المهمة في الممارسات الطبية ، وهو يقوم على تقديم العلاج الفعال للآلام والأعراض ، إلى جانب العلاج النفسي والدعم الاجتماعي والمعنوي والديني للمرضى وذويهم ، وينبغي أن يكون العلاج التلطيفي شاملاً ومتكاملاً ، ويأخذ بعين الاعتبار احترام حقوق المريض ، ومراعاة اهتماماته ، ومشاركة عائلته باتخاذ القرارات التي تتعلق بحالته المرضية .
ويتولى مهمة العلاج التلطيفي عادة فريق متكامل من المتخصصين الذين لديهم الخبرة الكافية بهذا النوع من العلاج ، ويتمتعون بمهارات التواصل مع المريض وأهله ، ويبدأ العلاج التلطيفي غالباً بالتزامن مع المعالجات الأخرى ، ويستمر حتى المراحل النهائية ، وقد يبدأ عندما تصبح المعالجات الأخرى غير مجدية ، وعندئذ يقتصر دور الطب التلطيفي على تخفيف الآلام والأعراض ، والدعم النفسي والاجتماعي للمريض وذويه .
وهناك أمور مهمة جداً تجب مناقشها مع المريض المصاب بمرض لا يرجى برؤه ، وذلك قبل أن تسوء حالته ، وقبل غيابه عن الوعي ، ومنها على سبيل المثال الإنعاش القلبي الرئوي ( Cardiac Pulmonary Resuscitation ) ، ويرمز له اختصاراً ( CPR ) ، فقد وجد أن تقديم هذا الإنعاش بصورة عاجلة وصحيحة يمكن أن ينقذ حياة المريض ، ويزيد من فرص شفائه ، ورجوع وظائف أعضائه إلى حالتها الطبيعية أو القريبة من الطبيعي .
وقد تكون النتيجة عكسية في حالات أخرى ، كما هي حال المرضى الذين يعانون من أمراض مستعصية أو متقدمة مثل الأورام ، ويعانون من فشل عضوي متعدد ، وضعف عام في وظائف الجسم ، فقد وجد أن الإنعاش القلبي الرئوي في هذه الحال يمكن أن يزيد من تفاقم المرض والألم دون فائدة ترتجى ، ولذلك قد يكون من الأفضل عدم تقديم الإنعاش القلبي الرئوي في مثل هذه الحالات .
فهذه الاحتمالات المختلفة ينبغي أن نبينها للمريض إذا كان واعياً وأهلاً لذلك ، أو لذويه إن كان فاقداً للوعي أو غير أهل لذلك ، وقد أفتى بعض العلماء أنه ( إذا كان مرض المريض مستعصياً غير قابل للعلاج ، بشهادة ثلاثة من الأطباء الثقات ، فلا يستعمل جهاز الإنعاش ، ويكون هذا القرار طبياً ، ويقوم الطبيب المعالج بتوصيل هذا القرار للمريض ، أو أهله ، بطريقة مناسبة ) .
 

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
المبحث الحادي عشر
تمني الموت لمن لا يرجى برؤه

لا جدال بأن المرض يشكل ابتلاء عسيراً للمريض ، وربما لأهله وذويه كذلك ، فكيف إذا كان المرض لا يرجى برؤه ، وكانت النهاية قاب قوسين أو أدنى ؟ لا شك بأن الابتلاء يكون أعظم ، إلا أن ابتلاء المؤمن بالمرض أو بغيره من أنواع الابتلاء قد يكون فيه الخير على العكس مما يظن ، مصداقاً لقوله تعالى : (( وَعَسَى أنْ تَكْرَهُوا شيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ، وَعَسَى أنْ تُحِبُّوا شيئاً وَهُوَ شَرٌ لَكُمْ ، واللهُ يَعْلَمُ وأنتمْ لا تَعلمون )) ، ومهما كان الابتلاء عظيماً وجب على المؤمن أن يصبر ، وأن يرضى بقضاء الله وقدره ، وأن يتذكر ‏قول النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏: (( ‏ما مِنْ مصيبةٍ تُصيبُ المسلمَ إلا كَفَّرَ اللهُ بها عنهُ حتَّى الشَّوكَة يُشَاكُها )) .
وعلى هذا ، لا يجوز للمريض بمرض لا يرجى برؤه أن يتمنى الموت طلباً لتخفيف المعاناة عن نفسه وعن أهله ، ولا يجوز لأهله كذلك أن يتمنوا له الموت ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، حيث قال : (( لا تَمَنَّوا الموتَ ، فإنَّ هَوْلَ المطلعِ شديدٌ ، وإنَّ من السعادة أن يطول عمرُ العبدِ ويرزقَه اللهُ الإنابةَ )) ، وقوله أيضاً : (( لا يتمنَّينَّ أحدُكم الموتَ ، إما محسناً فلعله أن يزدادَ خيراً ، وإما مُسيئاً فلعله أن يَسْتَعْتِب )) ، وقوله : (( لا يتمنينَّ أحدكم الموت من ضرٍ أصابَهُ ، فإنْ كانَ لابدَّ فاعلاً فليقلْ : اللهم أحْيِني ما كانت الحياةُ خيراً لي ، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيراً لي )) ، وقد علَّق الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى على هذا الحديث تعليقاً لطيفاً ، فقال : ( وهذا يدل على أن النهي عن تمني الموت مقيَّد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة ، لأن في التمني المطلق نوعَ اعتراضٍ ، ومراغمةً للقَدَر المحتوم ، وفي هذه الصورة المأمور بها نوعُ تفويضٍ وتسليمٍ للقضاء ) .
فعلى من ابتلاه الله عزَّ وجلَّ بمرض من هذه الأمراض أن يحذر الوقوع في مصيدة الشيطان ، فيتمنى الموت دون مراعاة الأدب مع الله عزَّ وجلَّ ، بل يأخذ بوصية النبي صلى الله عليه وسلم فيلتجئ إلى الله تعالى ، ويتضرع إليه أن يصبره ويخفف عنه ، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ، وليتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد المريض الذي يموت صابراً محتسباً بأجر الشهيد ، فقال : (( الشُّهَداءُ خمسةٌ : المطعونُ والمَبْطونُ ، والغَرِقُ ، وصاحبُ الهَدْمِ ، والشَّهيدُ في سبيلِ الله )) ، والمطعون : هو الذي يتوفى بمرض الطاعون . والمبطون : هو الذي يتوفى بسبب مرض في بطنه ، ويفهم من هذا الحديث أن أي مصاب أو مريض يموت صابراً محتسباً راضياً بقضاء الله وقدره ، غير ساخط ولا يائس من رحمة الله تعالى ، فإن له أجر شهيد ، والله تعالى أعلم .





المبحث الثاني عشر
شفاء من لا يرجى برؤه

الشِّفاء : هو المعافاة ، وزوال أعراض المرض ، والشفاء من المرض لا يعني أن كلَّ شيءٍ قد عاد إلى طبيعته ، فالجسم بعد التماثل للشفاء قد يعود إلى ما كان عليه من السلامة والقوة والنشاط ، وقد يُخَلِّفُ فيه المرضُ بعضَ الضعف .
ومن الأصول الشرعية التي على المؤمن الإيمان بها أن الشافي هو الله عزَّ وجلَّ وحده ، فلا شفاء إلا بإذنه تعالى ، كما ورد على لسان أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام : (( وإذا مَرِضْتُ فَهُوَ يشفينِ )) ، وكما ورد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (( أذْهِبِ الباسَ ربَّ النَّاسِ ، اشفِ أنتَ الشَّافي ، لا شفاءَ إلا شفاؤك ، شفاءً لا يُغادرُ سقماً )) .
فالشفاء ليس بيد الطبيب ، ولا يجوز أن يُنسب الشفاء إليه ، لأنه ليس إلا واسطة للدلالة على الدواء الذي قد يكون فيه الشفاء وقد لا يكون ، وهذا لا يعني عدم مراجعة الطبيب ، ولا يعني أن التداوي وعدم التداوي سواء ، فنحن مأمورون ابتداءً باتخاذ الوسائل التي نصبها الله تعالى أسباباً إلى الشفاء ، ومنها الطبيب والدواء وبقية وسائل العلاج ، ولكن علينا أن نعتقد جازمين أن الشفاء لا يكون إلا بمشيئة الله تعالى وتقديره .
ومن رحمته سبحانه بعباده أنه لم يخلق مرضاً إلا خلق له ما يضادُّه من الدواء أو العلاج ، واستثنى من ذلك الهَرَم أو الشيخوخة ، كما ورد في الصحيح : (( قالت الأعرابُ : يا رسولَ اللهِ ، ألا نتداوى ؟ قال : نعم ، يا عبادَ اللهِ تَداووا ، فإنَّ اللهَ لم يَضَعْ داءً إلا وَضَعَ لَهُ شِفاءً ـ أو قال دواءً ـ إلا داءً واحداً . قالوا : يا رسولَ اللهِ ما هو ؟ قالَ : الهَرَمُ )) ، واستثنى في الرواية الأخرى السَّامَ ، وهو الموت ، فقال : (( في الحَبَّةِ السوداءِ شفاءٌ مِنْ كُلِّ داءٍ ، إلا السَّام )) .
ووجود أمراض كثيرة لم يهتدِ الإنسان حتى الآن إلى ما يشفيها لا يعني أنها ليس لها دواء ، فمازال الأطباء ما بين الحين والآخر يهتدون ـ بتوفيق الله تعالى ـ إلى اكتشاف أنواع جديدة من الأدوية والعلاج لأمراض بقيت زمناً طويلاً لا يعرفون لها دواء ولا علاجاً ، كما أن هناك أمراضاً أخرى كثيرة تشفى بإذن الله تعالى بغير علاج ، وأمراضاً تشفى بعلاج يسير ، وأمراضاً تحتاج لمعالجات منوعة وفترات طويلة حتى تشفى .
وأسباب الشفاء كثيرة بفضل الله تعالى ، حتى لا تكاد تحصى ، على رأسها القرآن الكريم ، الذي وصفه سبحانه فقال : (( وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنينَ ولا يَزيدُ الظالمينَ إلا خَسَاراً )) ، وقوله تعالى : (( يا أيُّها النَّاسُ قد جاءتْكُم موعظَةٌ من ربِّكُمْ وشفاءٌ لما في الصُّدور وهدىً ورحمة للمؤمنين )) ، ومن أسباب الشفاء كذلك الصدقة ، والعسل ، وماء زمزم ، والحبة السوداء ، وغيرها كثير مما ورد ذكره في الكتاب والسنة ، وكثير كذلك مما فتح الله به على الأطباء على مر التاريخ .
ولكن بالرغم من كل ما تحقق من كشوف في حقول العلاج والدواء فسوف تبقى هناك أمراض مستعصية لا علاج لها ولا دواء ، ولا يرجى برؤها ، وذلك لأسباب عديدة ذكرناها في سياق ما مضى من هذا البحث ، ولابد للطبيب والمريض أن يتعاملا مع هذا النوع من الأمراض بواقعية ، باستخدام الوسائل المتاحة ، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً ، سواء كان الشفاء أو الوفاة .
وهذا يقودنا للحديث عن ظاهرة غير صحية ، تكاد تكون شائعة في مختلف المجتمعات ، بما فيها المجتمعات المتقدمة صحياً ، وهي وجود أشخاص يدعون شفاء شتى أنواع المرض ، بما فيها الأمراض التي لا يرجى برؤها ، وكثيراً ما يستند هؤلاء إلى ما ورد في الكتاب والسنة والكتب السماوية الأخرى من حالات شفاء لأمراض لا يرجى برؤها ، ومنها على سبيل المثال إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى على يدي نبي الله عيسى ابن مريم عليهما السلام ، متجاهلين ـ عن قصد وسوء نية غالباً ـ أن هذه الخوارق إنما ذكرها الله تعالى على سبيل المعجزة ، لا أنها هي القاعدة في شفاء مختلف الأمراض .
وقد سجل تاريخ الطب بعض الحالات التي يئس الأطباء من شفائها ، ثم كتب الله تعالى لها الشفاء بتقديره ورحمته ، وهذا أمر ثابت علمياً ، إلا أن هذه الحالات نادرة جداً ، والذي يهمنا هنا أنها كثيراً ما تستغل من قبل بعض الدجالين الذين يمارسون التطبيب بغير علم ، ويوهمون المرضى المصابين بأمراض لا يرجى برؤها أنهم قادرون على شفائهم ، مستغلين حالة المريض الذي يئس من الشفاء بالوسائل الطبية المعروفة ، وقد ذكر الدكتور عبد المحسن صالح في كتابه ( الإنسان الحائر بين العلم والخرافة ) جملة من هذه الحوادث التي تحكى عن أناس يدعون القدرات الخارقة على شفاء المرضى الذين فشل الطب بعلاجهم ، فلما أخضع هؤلاء للملاحظة العلمية الدقيقة ثبت كذبهم ودجلهم ، وثبت أن التحسن الذي يحسُّ به بعض المرضى على أيدي هؤلاء الدجالين ليست سوى نوع من الوهم والإيحاء ، وأن الأعراض المرضية سريعاً ما تعاود هؤلاء المرضى ، وغالباً بدرجة أشد مما كانت من قبل ، بعد أن يكون المريض قد أضاع الفرصة الذهبية لعلاجه بسبب ذهابه إلى هؤلاء الدجالين قبل ذهابه إلى الأطباء ذوي الاختصاص والخبرة !
والثمرة من هذا ، أننا إذا صادفنا حالة من حالات الشفاء النادرة من بعض الأمراض التي لا يرجى برؤها ( كالسرطان ، أو الإيدز ، أو غيره ) فقد وجب علينا أن نخضعها للدراسة والبحث والتدقيق ، لمعرفة ما إذا كان الشفاء حقيقة أم وهماً ؟ فإن كان الشفاء قد حصل حقيقة فإن علينا استقصاء كل العوامل التي قد يكون لها دخل بتحقيق الشفاء ، فربما وصلنا من هذا التقصي إلى كشف طبي عظيم ، وهذا هو المنهج العلمي الأمثل للتعامل مع هذه الظواهر ، وهو المنهج الكفيل بكشف حقيقتها ، وتمييز الحقيقي منها عن الزائف والمخادع والموهوم ، وهو المنهج الصحيح الذي يمكننا من فهم الظواهر الكونية وتعميم الفائدة منها .
وقد سجل تاريخ الطب بالفعل بعض هذه الكشوف التي أسفرت عن تحضير لقاح واقي ، أو دواء شافي ، لبعض الأمراض التي ظل الأطباء لأمد طويل يظنون أن لا رجاء بشفائها ، ثم أصبح شفاؤها هو القاعدة ، وهذا ينطبق على معظم الأمراض التي كانت في العصور الماضية تعد من الأمراض القاتلة التي لا يرجى برؤها ، ثم أصبحت اليوم أمراضاً عادية ، تشفى بجرعات يسيرة من الدواء .

الخلاصة والتوصيات

هذا ما تيسر لي عرضه في هذا البحث الموجز ، رغبة مني في التذكير بجملة من الوصايا التي يحضنا عليها ديننا الحنيف في الممارسات الطبية ، وعلى رأسها الالتزام بضوابط الشريعة في هذه الممارسات ، وبذل غاية المستطاع لمساعدة المرضى ، مهما كانت حالتهم ، سائلاً المولى عزَّ وجلَّ أن يوفق الأطباء في عملهم ، وأن يثبت المرضى وأهليهم ، ويصبرهم ، ويرضِّيهم بقضاء الله وقدره ، وهم يعانون هذا الابتلاء العظيم ، وأوجز هنا أهم التوصيات التي يمكن استخلاصها من هذا البحث :
1. من الأصول التي على المؤمن اليقين بها أن الشفاء بيد الله تعالى وحده ، وما الطبيب ولا الدواء إلا وسائل لنفاذ قضاء الله وقدره .
2. ينبغي لمن ابتلاه اللهُ عزَّ وجلَّ بمرض لا يرجى برؤه أن يصبر ، ويحتسب الأجرَ عند الله تعالى ، ولا ييأس من الشفاء ، ولا يتمنى الموت ، لما ورد في الصحيح من النهي عن هذا .
3. على الطبيب أن يبذل غاية جهده في علاج مريضه ، حتى وإن غلب على ظنه أن المرض لا يرجى برؤه ، فلعل الله يحدث بعد ذلك أمراً ، ويكتب له الشفاء .
4. النفس البشرية مصونة شرعاً ، فلا يجوز لأحد غير خالقها سبحانه أن ينتزعَها ، فلا يجوز للطبيب التعجل بموت مريضه ، أو إنهاء حياته ، سواء كان المرض قابلاً للشفاء أو مرضاً لا يرجى برؤه ، حتى وإن طلب المريض ذلك ، وإلا عدَّ الطبيب قاتلاً .
5. يحرم على المريض أن يعجل بإنهاء حياته بنفسه ، كما يحرم عليه طلب ذلك من طبيبه أو من غيره .
6. على الطبيب أن يخبر مريضه بحقيقة مرضه إذا آنس منه الصَّبرَ والقدرة على تحمُّل الخبر ، وأن يكون ذلك بأسلوب هادئ ، وفي الوقت المناسب ، فإذا كانت حالة المريض النفسية لا تسمح له بذلك كلف أحد أقربائه أو أصدقائه ممن يأنس فيهم حسن التدبير ، فقد يكون على المريض حق من الحقوق يريد تأديته ، أو وصية يرغب بها ، أو نحو ذلك من الأمور التي ينبغي أن يبرئ ذمته منها قبل أن انتهاء أجله .
7. يجوز إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي عن المريض الذي يعد ميتاً ، أو في حكم الميت ، وفي هذه الحال لا يخرج عمل الطبيب عن كونه تركاً للتداوي ، وهو أمر مشروع لا حرج فيه في مثل هذه الحالات ، ويتأكد رفع الأجهزة عن مثل هؤلاء إذا كانت هناك حاجة أكيدة لاستخدام هذه الأجهزة لمرضى آخرين ترجى حياتهم .
8. ندعو الباحثين وأهل الاختصاص لمواصلة البحث في طبيعة الأمراض التي لا يرجى برؤها ، حتى يعرفوا أسبابها ، والأدوية والعلاجات المؤثرة فيها بإذن الله تعالى ، امتثالاً لوصية النبيِّ صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ اللهَ أنْزَلَ الداءَ والدواءَ ، وجعل لكلِّ داءٍ دواءً .. الحديث )) .

" وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين "

د.أحمد محمد كنعان
kanaan.am@hotmail.com
 

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
المصادر والمراجع

1. أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة ، محمد نعيم ياسين ، دار النفائس ، الأردن (1996)
2. أبحاث وأعمال المؤتمر العالمي الأول للطب الإسلامي ، وزارة الصحة العامة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت (1981)
3. أبحاث وأعمال المؤتمر العالمي الرابع للطب الإسلامي ، المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ، الكويت (1986)
4. أحكام التداوي ، محمد علي البار ، دار المنارة ، جدة (1995)
5. أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها ، محمد بن محمد المختار الشنقيطي ، مكتبة الصديق ، الطائف ، المملكة العربية السعودية (1993)
6. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية ، أحمد شرف الدين ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت (1983)
7. أخلاقيات الطب والصحة ، منظمة الصحة العالمية ، المكتب الإقليمي لشرق المتوسط (1998)
8. أدب الطبيب ، إسحاق الرهاوي ، تحقيق مريزن العسيري ، مركز الملك فيصل (1411هـ)
9. الإنسان الحائر بين العلم والخرافة ، عبد المحسن صالح ، عالم المعرفة ، العدد 235 ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت (1998)
10. تاريخ الطب ، جان شارل سورنيا ، ترجمة إبراهيم البجلاتي ، سلسلة عالم المعرفة ، عدد 281 ، الكويت (2002)
11. التداوي ومسؤولية الطبيب في الشريعة الإسلامية ، قيس بن محمد آل الشيخ مبارك ، مكتبة الفارابي ، دمشق ( 1991 )
12. تعريف الموت من الناحية الطبية ، المركز السعودي لزراعة الأعضاء ، الرياض ، المملكة العربية السعودية (1998)
13. حاشية ابن عابدين ، المطبعة العامرة ، القاهرة ، مصر (1357هـ)
14. حاشية الدسوقي على شرح أحمد الدردير لمختصر خليل ، محمد بن عرفة الدسوقي ، المطبعة العامرة ، مصر (1287هـ)
15. الحياة الإنسانية : بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي ، المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ، الكويت (1985)
16. الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية ، المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ، الكويت (1987)
17. زاد المعاد في هدي خير العباد ، ابن القيم ، تحقيق شعيب وعبد القادر الأرنؤوط . مؤسسة الرسالة ، بيروت (1985)
18. السياسة الصحية الأخلاقيات والقيم الإنسانية من منظور إسلامي ، المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ، الكويت (1997)
19. صحيح البخاري ، مطبعة دار إحياء الكتب العربية ، مصطفى البابي الحلبي ، مصر ( د.ت )
20. صحيح مسلم ، مطبعة البابي الحلبي ، مصر ( د.ت )
21. الطبيب أدبه وفقهه ، السباعي والبار ، دار القلم بدمشق والدار الشامية بيروت (1993)
22. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، المملكة العربية السعودية (1423هـ)
23. فتح القدير بشرح الهداية ، ابن الهمام ، المطبعة الكبرى الأميرية ، مصر (1317هـ)
24. الفقه الإسلامي وأدلته ، وهبة الزحيلي ، دار الفكر ، دمشق ، سوريا (1997)
25. القاموس المحيط ، الفيروزابادي ، دار الجيل ، بيروت (د.ت)
26. كشاف القناع ، منصور بن يوسف بن إدريس البهوتي ، مطبعة أنصار السنة المحمدية ، مصر (1366هـ)
27. اللائحة التنفيذية لنظام مزاولة مهن الطب البشري وطب الأسنان ، وزارة الصحة ، المملكة العربية السعودية (1990)
28. مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ، العدد 42 ، (1999)
29. المسؤولية الجنائية للأطباء ، أسامة عبد الله قايد ، دار النهضة العربية ، مصر (1987)
30. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ، شمس الدين محمد بن أحمد الشربيني الخطيب ، المطبعة الميمنية ، مصر ( 1329هـ )
31. المعجم الطبي الموحَّد ، مجلس وزراء الصحة العرب ، اتحاد الأطباء العرب ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، منظمة الصحة العالمية ، جنيف (1983)
32. معجم العلوم النفسية ، فاخر عاقل ، دار الرائد العربي ، بيروت ، لبنان ( 1988 )
33. المغني والشرح الكبير على متن المقنع في فقه الإمام أحمد بن حنبل ، دار الفكر . بيروت ، لبنان (1984)
34. ندوة رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز ، المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ، الكويت (1993)
35. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ، محمد بن علي بن محمد الشوكاني ، المطبعة المنيرية ، مصر (1344هـ)
36. مسند الإمام أحمدابن حنبل ، المطبعة الميمنية ، القاهرة ، مصر (1313هـ)
37. الموسوعة العربية الميسرة ، دار الشعب ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر ، مصر (1959)
38. الموسوعة الفقهية ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الكويت (1990)

39. Birth (1994) “Female Genital Mutilation & Child Birth” Dec .
40. “Guiness Book Of Records” 1995 .
41. John R.S “Genetics” , Fincham , 1 Ed , 1983 .
42. Harrison’s , Principles of Internal Medicine . MC Graw Hill , 13Th edition , 1994 .
43. Overy, Richard “ Misjudging Hitler ” 2005.
http://en.wikipedia.org/wiki/Persistent_vegetative_state
مقول
 

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
وفيكم بارك الله
جزاكم الله خيرا
 

تسابيح ساجدة

لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
إنضم
16 أكتوبر 2010
المشاركات
8,111
النقاط
38
الإقامة
المعهد
احفظ من كتاب الله
اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
هم كُثر ,,,
الجنس
أخت

حقا لابد من مواصلة البحث لمعرفة طبيعة الامراض المزمنة وكيفية علاجها
فهناك امراض كثيره مزمنة لم تذكر في تلك البحوث

عفانا الله عز وجل واياكم

طرح قيم جدا
بوركت شيخنا الفاضل
رفع الرحمن جل وعلا قدركم في الدارين
 
أعلى