ام عبد المولى
مراقب عام
- إنضم
- 26 سبتمبر 2012
- المشاركات
- 2,741
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المغرب
- احفظ من كتاب الله
- الجزء الخامس
- احب القراءة برواية
- ورش
- القارئ المفضل
- الشيخ الحصري
- الجنس
- اخت
اهلا بكم اطفالي الغالييين ان شاء الله ابدا معاكم الافادة من بداية شهر رجب الى شهر رمضان ان شاء الله ارجوا ان تتسفيدوا بما اضع لكم ان شاء الله وفقكم الله اطفالي الغاليين
حكم الصيام في شهر رجب
الحمد لله رب العالمين، الهادي إلى سواء السبيل، الفعَّال لما يريد، خلق فسوّى، وقدّر فهدى، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين والأنبياء، محمد -صلى الله عليه، وعلى آله وسلم- وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: حكم الصيام في شهر رجب
فقد وجد عند بعض أهل زماننا من يخص شهر رجب بالصيام من دون سائر الشهور، ويُكثرون من الصيام فيه ما لا يصنعونه في سائر الشهور، وقد كُلّفت ببحث هذه المسألة من قبل إدارة مركز البحوث التابع لجامعة الإيمان -حرسها الله تعالى- وسأبدأ كلامي عن هذه المسألة بذكر مقدمة تتمثل في مسميات شهر رجب عند العرب، ثم سأذكر بعدها حكم إفراد شهر رجب بالصيام عند الفقهاء، وحكم صيامه عند المحدثين، والأحاديث الواردة في الترغيب في صيامه، مع الحكم على هذه الأحاديث. فأقول مستعيناً بالله تعالى، وهو حسبي ونِعم الوكيل:
أسماء شهر رجب:
نقل في مواهب الجليل عن ابن حجر أن له ستة عشر اسماً منها: رجب، ورجم، والأصب، والشهر الحرام، والمقيم، والمعلى، ومنصل الأسنة، ومنصل الآل، ومنـزع الأسنة، وشهر العتيرة، والمبدي، والمعشعش، وشهر الله.(1)
وسُمِّي برجب؛ لأنه كان يُرجَب في الجاهلية، أي: يُعظم، أو لترك القتال فيه، يقال: أقطع الرواجب والأصب؛ لأنه لا تُسمع فيه قعقعة السلاح.
وسُمِّي بالأصب -بموحدة- لأنهم كانوا يقولون: إن الرحمة تصب فيه.
وسُمِّي برجم -بالجيم- لأن الشياطين ترجم فيه.
وسُمِّي بالشهر الحرام؛ لأن حرمته قديمة.
وسُمِّي بالمقيم؛ لأن حرمته ثابتة.
وسُمِّي بالمعلى؛ لأنه رفيع عندهم.
وسُمِّي منصل الأسنة، ومنصل الآل: أي الحِراب.
وسُمِّي بشهر العتيرة؛ لأنهم كانوا يذبحونها فيه.(2)
حكم صيام رجب عند الفقهاء:
نص الفقهاء على كراهة إفراد رجب كاملاً بالصيام. قال ابن قدامة الحنبلي: "ويكره إفراد رجب بالصوم"(3). وقال أحمد: "وإن صامه رجل أفطر فيه يوماً أو أياماً بقدر ما لا يصومه كله"(4)، وقال أيضاً: "من كان يصوم السنة صامه، وإلا فلا يصومه متوالياً، يفطر فيه، ولا يشبهه برمضان"(5). وقال في روضة الطالبين من كتب الشافعية: "وأفضلها المحرم، ويلي المحرم في الفضيلة شعبان، وقال صاحب البحر: رجب أفضل من المحرم. وليس كما قال"(6)، فقد دل على أن رجب من الشهور المفضل صيامها. وقال في كفاية الطالب من كتب المالكية: "وكذلك صوم شهر رجب رُغِّب فيه"(7).
وقد نقل البيهقي عن الشافعي قوله في القديم: "أكره أن يتخذ الرجل صوم شهر يكمله من بين الشهور، كما يكمل رمضان، وكذلك أكره أن يتخذ الرجل يوماً من بين الأيام، وإنما كرهت ذلك؛ لئلا يتأسى جاهل، فيظن أن ذلك واجب"(8).
ونقل الرعيني عن أبي بكر الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع قوله: "يكره صوم رجب. وهي على ثلاثة أوجه: أحدها: أنه إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام حسب العوام، أنه فرض كشهر رمضان. وإما سنة ثابتة كالسنن الثابتة، وإما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على ثواب باقي الشهور، ولو كان من هذا شيء لبينه صلى الله عليه وسلم. قال ابن دحية: الصيام عمل بر لا لفضل صوم رجب، وقد كان عمر ينهى عن صيامه"(9).
وقد سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام، فيما نُقل بعض المحدثين عن منع صوم رجب لتعظيم حرمته، وهل يصح نذر صوم يوم جمعة أم لا؟ فأجاب: "نذر صوم رجب لازم، لأنه يتقرب إلى الله بمثله، والذي نهى عن صومه جاهل بمأخذ أحكام الشريعة، وكيف يكون منهياً عنه مع أن العلماء الذين دونوا الشريعة لم يذكر أحد منهم اندراجه فيما يكره صومه، بل يكون صومه قربة إلى الله تعالى؛ لما جاء في الأحاديث الصحيحة من الترغيب في الصوم، على العموم، ومن عظم رجباً بغير الجهة التي كان أهل الجاهلية يعظمونه لها، فليس بمقتد بالجاهلية، وليس كل ما فعلته الجاهلية منهياً عن ملابسته، إلا إذا نهت الشريعة عنه، ودلت القواعد على تركه، ولا يُترك الحق لكون أهل الباطل فعلوه"(10).
حكم صيام رجب عند المحدثين:
نقل الحطاب الرعيني عن ابن حجر قوله: "م يرد في فضله، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام الهروي الحافظ. ثم قال: ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل، وإن كان فيها ضعيف، ما لم تكن موضوعة، وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفاً، وأن لا يشهر ذلك؛ لئلا يعمل المرء بحديث، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة، وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد ابن عبد السلام وغيره، وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين»(11) فكيف بمن عمل به، ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل، إذ الكل شرع"(12).
وقال الدميري: "سئل الحافظ أبو عمرو بن الصلاح عن صوم رجب هل على صائمه إثم أم له أجر؟ وفي حديث يرويه ابن دحية أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن جهنم تسعر من الحول إلى الحول لصوام رجب» هل يصح ذلك؟ فأجاب: لا إثم عليه في ذلك، ولم يؤثمه بذلك أحد من علماء الأمة فيما نعلمه، بل قال حفاظ الحديث: لم يثبت في صوم رجب حديث، أي فضل خاص، وهذا لا يوجِب زهداً في صومه؛ بما ورد من النصوص في فضل الصوم مطلقاً، والحديث الوارد في سنن أبي داود في صوم الأشهر الحرم كاف في الترغيب"(13).
قال المؤتمن به أحمد الساجي الحافظ: "كان عبد الله الأنصاري لا يصوم رجب، وينهى عن ذلك يقول: ما صح في فضل رجب وفى صيامه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء"(14).
ونقل الرعيني عن ابن حجر قوله: "وإن صامه (أي رجب) معتقداً أن صيامه أو صيام شيء منه، أفضل من صيام غيره، ففي هذا نظر، ويقوي جانب المنع ما في الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: «ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يومٍ يفضله على غيره إلا يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني رمضان»(15)، أي ولم يذكر رجباً. وعن أزهر بن سعيد عن أمه، أنها كانت دخلت على عائشة، فذكرت لها أنها تصوم رجب. فقالت عائشة: صومي شعبان؛ فإن فيه الفضل، فقد ذُكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أناس يصومون رجباً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وأين هم من صيام شعبان» رواه عبد الرزاق عن زيد بن أسلم(16)، وقال بعده: قال زيد: "وكان أكثر صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم بعد رمضان- شعبان، ويحتمل أن تحريه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء بعينه، كان لغير هذا المعنى؛ لأنه صدر أن صومه كان مفترضاً قبل رمضان، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فعل شيئاً من الطاعات واظب عليه"(17).
وقال الطبري: "فلعل التوفيق بين صومه لرجب وكراهته لذلك، أن تحمل الكراهة على إفراد رجب بالصوم كما يفرد رمضان به، فأما صيامه في جملة ما يصوم فليس في ذلك... فكره من كره صومه أن يعظم في الإسلام بصومه تعظيمَ أهل الجاهلية إياه في الشرك، فأراد بإفطاره وضع منار الكفر، وهدم أعلام الشرك"(18).
الأحاديث الصحيحة الواردة في صيام رجب:
وردت أحاديث صحيحة تدل على جواز أن يصوم المرء من رجب على العموم، منها:
1. عن عثمان بن حكيم الأنصاري -رضي الله عنه- قال: سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب، ونحن يومئذ في رجب، فقال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم»(19).
2. وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قلت يا رسول الله! لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين؛ فأُحب أن يرفع عملي وأنا صائم»(20).
ووجه الدلالة من هذا الحديث ما نقله الرعيني عن ابن حجر حيث قال: "فيه إشعار بأن في رجب مشابهة برمضان، وأن الناس يشتغلون فيه عن العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان، ولذلك كان يصومه، وفي تخصيصه ذلك بالصوم إشعار بفضل صيام رجب أن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم"(21).
3. وعن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر قال: أرسلتني أسماء إلى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فقالت: بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثة. العَلَم في الثوب، وميثرة الأرجوان، وصوم رجب كله؟ فقال لي عبد الله: أما ما ذكرت من رجب فكيف بمن يصوم الأبد؟ وأما ما ذكرت من العلم في الثوب، فإني سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنما يلبس الحرير من لا خلاق له، فخِفت أن يكون العلم منه، وأما ميثرة الأرجوان، فهذه ميثرة عبد الله، فإذا هي أرجوان، فرجعت إلى أسماء فخبرتها، فقالت هذه جبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخرجت إليّ جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج، وفرجيها مكفوفين بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها»(22).
4. وعن زيد بن أسلم قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم رجب فقال: «أين أنتم من شعبان»(23). وفي لفظ قال: ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوم يصومون رجب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فأين هم من شعبان؟»، قال زيد: "وكان أكثر صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد رمضان شعبان"(24).
ووردت أحاديث صحيحة تدل على عدم جواز أن يصوم المرء من رجب، منها:
1. وعن خرشة بن الحر قال: "رأيت عمر -رضي الله عنه- يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان، ويقول: كلوا؛ فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية"(25). ورواه الطبراني في معجمه الأوسط هكذا: عن خرشة بن الحر، قال: رأيت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يضرب أكف الرجال في صوم رجب، حتى يضعونها في الطعام، ويقول: رجب وما رجب؟ إنما رجب شهر كان يعظمه أهل الجاهلية، فلما جاء الإسلام ترك"(26). كما رواه ابن وضاح بنفس المعنى واللفظ مختلف حيث رواه عن الشعبي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يضرب الرجبيين: "الذين يصومون رجب كله". وقد سُئِل محمد بن وضاح: لأي شيء كان عمر يضرب الرجبيين؟ فقال: إنما هو خبر جاء هكذا، ما أدري أيصح أم لا؟ وإنما معناه خوف بأن يتخذوه سنة مثل رمضان(27). وقد نقل الرعيني عن ابن حجر قوله في فعل عمر هذا: "فهذا النهي منصرف لمن يصومه معظماً لأمر الجاهلية، أما من صامه لقصد الصوم في الجملة أن يجعله حتماً أو يخص منه أياماً معينة يواظب على صومها أو ليالي معينة يواظب على قيامها بحيث يظن أنها سنة، فهذا من فعله مع السلامة مما استثنى فلا بأس به، فإن خص ذلك أو جعله حتماً فهذا محظور، وهو في المنع بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام»"(28).
2. وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه: "إذا رأى الناس وما يُعِدون لرجب كره ذلك"(29).
الأحاديث الضعيفة والموضوعة:
الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي نص العلماء عليها، والتي وردت في فضل صيام رجب أو أيام منه، كثيرة منها:
1. روى ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نهى عن صيام رجب»(30).
وهو عند الطبراني هكذا: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نهى عن صيام رجب كله»(31).
ورواه البيهقي أيضاً بنفس اللفظ الذي رواه به الطبراني، ثم قال: "فهكذا رواه داود بن عطاء، وليس بالقوي، وإنما الرواية فيه عن ابن عباس من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ما قدمنا ذكره في أول هذا الباب فحرَّف الراوي الفعل إلى النهي. ثم إن صح فهو محمول على التنـزيه، والمعنى فيه ما ذكره الشافعي في القديم قال: أكره أن يتخذ الرجل صوم شهر يكمله من بين الشهور، كما يكمل رمضان. قال: وكذلك أكره أن يتخذ الرجل يوماً من بين الأيام، وإنما كرهت ذلك؛ لئلا يتأسى جاهل فيظن أن ذلك واجب"(32).
ورُوي هذا النهي موقوفاً على ابن عباس -رضي الله عنهما- كما في مصنف عبد الرزاق حيث رواه عن ابن جريج عن عطاء قال: "كان ابن عباس-رضي الله عنهما- ينهى عن صيام الشهر كاملاً، ويقول: ليصمه إلا أياماً، وكان ينهى عن إفراد اليوم كلما مر به، وعن صيام الأيام المعلومة، وكان يقول: لا يصم صياماً معلوماً"(33)، وفي رواية عنه "كان ابن عباس -رضي الله عنهما- ينهى عن صيام رجب كله، لئلا يُتَّخذ عيداً"(34).
2. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خيرة الله من الشهور شهر رجب، وهو شهر الله، من عظم شهر الله رجب فقد عظم أمر الله، ومن عظم أمر الله أدخله جنات النعيم، وأوجب له رضوانه الأكبر، وشعبان شهري فمن عظم شهر شعبان فقد عظم أمري، ومن عظم أمري كنت له فرطاً وذخراً يوم القيامة، وشهر رمضان شهر أمتي فمن عظم شهر رمضان، وعظم حرمته ولم ينتهكه، وصام نهاره، وقام ليله، وحفظ جوارحه خرج من رمضان وليس عليه ذنب يطلبه الله به». قال الإمام أحمد: "هذا إسناد منكر بمرة، وقد روي عنه عن أنس غير هذا تركته، فقلبي نافر عن رواية المناكير التي أتوهمها، لا بل أعلمها موضوعة، والله يغفر لنا برحمته"(35).
3. وعن عبد العزيز عن أبيه -وكانت لأبيه صحبة- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «رجب شهر عظيم، يضاعف الله فيه الحسنات، فمن صام يوماً من رجب، فكأنما صام سنة، ومن صام منه سبعة أيام، غلقت عنه سبعة أبواب جهنم، ومن صام منه ثمانية أيام، فتحت له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام منه عشرة أيام، لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، ومن صام منه خمسة عشر يوماً، نادى مناد في السماء: قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل، ومن زاد، زاده الله عز وجل، وفي رجب حمل الله نوحاً في السفينة فصام رجباً، وأمر من معه أن يصوموا، فجرت بهم السفينة ستة أشهر، آخر ذلك يوم عاشوراء أهبط على الجودي، فصام نوح ومن معه والوحش شكراً لله عز وجل، وفي يوم عاشوراء أفلق الله البحر لبني إسرائيل، وفي يوم عاشوراء تاب الله عز وجل على آدم -صلى الله عليه وسلم- وعلى مدينة يونس، وفيه ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم»(36).
وقد جاء هذا الحديث بألفاظ مختلفة وهي:
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من صام من رجب عشرة أيام نادى مناد من السماء: أن سل تعطه»(37).
وعنه أيضاً -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من صام أول يوم من رجب، عدل ذلك بصيام سنة، ومن صام سبعة أيام غلق عنه سبعة أبواب النيران»(38).
وقد جاء هذا الحديث بلفظ آخر هو:
عن عبد العزيز بن سعيد عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من صام يوماً من رجب كان كصيام سنة، ومن صام سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم، ومن صام ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام عشرة أيام لم يسأل الله عز وجل شيئاً إلا أعطاه، ومن صام خمسة عشر يوماً نادى مناد من السماء: قد غفرت لك ما سلف، فاستأنف العمل، قد بدلت سيئاتكم حسنات، ومن زاد زاده الله عز وجل، وفي شهر رجب حمل نوح في السفينة، فصام نوح، وأمر من معه أن يصوموا، وجرت بهم السفينة ستة أشهر إلى آخر ذلك لعشر خلون من المحرم»، قال الإمام أحمد: "وعندي حديث آخر في ذكر كل يوم من رجب، وهو حديث موضوع لم أخرجه"(39).
ويقصد الإمام أحمد بقوله هذا الحديث الآتي:
عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي، فمن صام رجب إيماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الأكبر، وأسكنه الفردوس الأعلى، ومن صام من رجب يومين، فله من الأجر ضعفان، ووزن كل ضعف مثل جبال الدنيا، ومن صام من رجب ثلاثة أيام، جعل الله بينه وبين النار خندقاً طول مسيرة ذلك سنة، ومن صام من رجب أربعة أيام، عوفي من البلاء من الجنون والجذام والبرص، ومن فتنة المسيح الدجال ومن عذاب القبر، ومن صام من رجب ستة أيام، خرج من قبره ووجهه أضوأ من القمر ليلة البدر، ومن صام من رجب سبعة أيام، فإن لجهنم سبعة أبواب، يغلق الله عنه بصوم كل يوم باباً من أبوابها، ومن صام من رجب ثمانية أيام -فإن للجنة ثمانية أبواب- يفتح الله له بصوم كل يوم باباً من أبوابها، ومن صام من رجب تسعة أيام خرج من قبره وهو ينادى: لا إله إلا الله ولا يُردُّ وجهه دون الجنة، ومن صام من رجب عشرة أيام جعل الله له على كل ميل من الصراط فراشاً يستريح عليه، ومن صام من رجب أحد عشر يوماً لم ير في القيامة غداء أفضل منه إلا من صام مثله أو زاد عليه، ومن صام من رجب اثني عشر يوماً كساه الله عز وجل يوم القيامة حلتين: الحلة الواحدة خير من الدنيا وما فيها، ومن صام من رجب ثلاثة عشر يوماً يوضع له يوم القيامة مائدة في ظل العرش فيأكل والناس في شدة شديدة، ومن صام من رجب أربعة عشر يوماً أعطاه الله تعالى من الثواب ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ومن صام من رجب خمسة عشر يوماً يقفه الله يوم القيامة موقف الآمنين»(40).
4. وعن أنس مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من صام ثلاثة أيام من رجب كتب الله له صيام شهر، ومن صام سبعة أيام من رجب أغلق الله سبعة أبواب من النار، ومن صام ثمانية أيام من رجب فتح الله له ثمانية أبواب من الجنة، ومن صام نصف رجب كتب الله له رضوانه، ومن كتب له رضوانه لم يعذبه، ومن صام رجب كله حاسبه الله حساباً يسيراً»(41).
5. وعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «في رجب يوم وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة، كان كمن صام من الدهر مائة سنة، وقام مائة سنة، وهو لثلاث بقين من رجب، وفيه بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم»(42). قال البيهقي في شعب الإيمان: "وروي ذلك بإسناد آخر أضعف من هذا"(43).
6. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «في رجب ليلة يُكتب للعامل فيها حسنات مائة سنة، وذلك لثلاث بقين من رجب. فمن صلى فيها اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة من القرآن، ثم يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، مائة مرة، ويستغفر الله مائة مرة، ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة مرة، ويدعو لنفسه ما شاء من أمر دنياه وآخرته، ويصبح صائماً، فإن الله يستجيب دعاءه كله إلا أن يدعو في معصية»(44)، زاد البيهقي في شعب الإيمان: «يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة من القرآن، يتشهد في كل ركعتين، ويسلم في آخرهن، ثم يقول: سبحان الله»(45).
7. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن في الجنة نهراً يقال له: رجب، أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، من صام من رجب يوماً سقاه الله من ذلك النهر»(46).
8. عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي. قيل: يا رسول الله ما معنى قولك رجب شهر الله؟ قال: لأنه مخصوص بالمغفرة، وفيه تحقن الدماء، وفيه تاب الله على أنبيائه، وفيه أنقذ أولياءه من يد أعدائه. من صامه استوجب على الله تعالى ثلاثة أشياء: مغفرة لجميع ما سلف من ذنوبه، وعصمة فيما بقى من عمره، وأماناً من العطش يوم العرض الأكبر. فقام شيخ ضعيف فقال: يا رسول الله إني لأعجز عن صيامه كله، فقال صلى الله عليه وسلم: أول يوم منه، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وأوسط يوم منه، وآخر يوم منه، فإنك تعطى ثواب من صامه كله، لكن لا تغفلوا عن أول ليلة في رجب، فإنها ليلة تسميها الملائكة الرغائب، وذلك أنه إذا مضى بك الليل لا يبقى ملك مقرب في جميع السماوات والأرض، إلا ويجتمعون في الكعبة وحواليها، فيطلع الله عز وجل عليهم إطلاعه، فيقول: ملائكتي سلوني ما شئتم، فيقولون: يا ربنا حاجتنا إليك أن تغفر لصوّام رجب، فيقول الله عز وجل: قد فعلت ذلك. ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس في رجب، ثم يصلى فيما بين العشاء والعتمة، يعنى ليلة الجمعة، ثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات، وقل هو الله أحد اثنتي عشرة مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين مرة، ثم يقول: اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله، ثم يسجد فيقول في سجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبعين مرة، ثم يرفع رأسه فيقول: رب اغفر لي وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت العزيز الأعظم سبعين مرة، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى، ثم يسأل الله تعالى حاجته، فإنها تقضى. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده ما من عبد ولا أمة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله تعالى له جميع ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر، وعدد ورق الأشجار، وشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته، فإذا كان في أول ليلة في قبره جاءه بواب هذه الصلاة، فيجيبه بوجه طلق ولسان ذلق، فيقول له: حبيبي! أبشر فقد نجوت من كل شدة، فيقول: من أنت فوالله ما رأيت وجهاً أحسن من وجهك، ولا سمعت كلاماً أحلى من كلامك، ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك، فيقول له: يا حبيبي! أنا ثواب الصلاة التي صليتها في ليلة كذا في شهر كذا، جئت الليلة لأقضي حقك، وأونس وحدتك، وأرفع عنك وحشتك، فإذا نفخ في الصور أظللت في عرصة القيامة على رأسك، وأبشر فلن تعدم الخير من مولاك أبداً»(47). وهذا هو حديث الرغائب المشهور.
9. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من صام من كل شهر حرام: الخميس والجمعة والسبت، كتب له عبادة سنتين»(48).
10. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لم يصم بعد رمضان إلا رجب وشعبان»(49). ورواه أبو الطاهر بسند آخر(50). كما رواه البيهقي بإسناد آخر ثم قال: إسناده ضعيف. وقد روي في هذا الباب أحاديث مناكير في رواتها قوم مجهولون وضعفاء، وأنا أبرأ إلى الله تعالى من عهدتها.(51)
11. وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أنه: كان يصوم أشهر الحرم. فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صم شوالاً»، فترك أشهر الحرم، ثم لم يزل يصوم شوالاً حتى مات.(52)
12. وعن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لبعض أصحابه: «صم من الحرم واترك. صم من الحرم واترك. صم من الحرم واترك. فقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها»(53).
13. وعن علي بن أبى طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن شهر رجب شهر عظيم، من صام منه يوماً كتب الله له صوم ألف سنة، ومن صام يومين كتب الله له صيام ألفي سنة، ومن صام ثلاثة أيام كتب الله له صيام ثلاثة ألف سنة، ومن صام من رجب سبعة أيام أغلقت عنه أبواب جهنم، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، ومن صام منه خمس عشرة يوماً بدلت سيئاته حسنات، ونادى مناد من السماء: قد غفر الله لك فاستأنف العمل، ومن زاد زاده الله عز وجل»(54).
وله لفظ آخر عن أبى ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من صام يوماً من رجب عدل صيام شهر، ومن صام منه سبعة أيام غلقت أبوات الجحيم السبعة، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت أبواب الجنة الثمانية، ومن صام منه عشرة أيام بدل الله سيئاته حسنات، ومن صام منه ثمانية عشر يوماً نادى مناد أن قد غفر كل ما مضى فاستأنف العمل»(55).
14. وعن الحسين بن علي -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من أحيا ليلة من رجب وصام يوماً، أطعمه الله من ثمار الجنة، وكساه من حلل الجنة، وسقاه من الرحيق المختوم، إلا من فعل ثلاثاً: من قتل نفساً، أو سمع مستغيثاً يستغيث بليل أو نهار فلم يغثه، أو شكا إليه أخوه حاجة فلم يفرج عنه»(56).
الخلاصة:
أن صيام رجب كله أو بعضه لا يخلو من حالتين:
إما أن يكون قد قصد به التعظيم، كما كان أهل الجاهلية يعظمونه، أو صامه -تخصيصاً له- معتقداً تفضيله على سائر الشهور، أو معتقداً صحة الأحاديث الواردة فيه، فهذا مما لا يجوز فعله؛ لئلا يظن جاهل أن ذلك واجب؛ فيشرع ما ليس بشرع. وعلى هذا يحمل كلام الشافعي في قوله القديم، وابن قدامة الحنبلي، وابن حجر، والطبري -رحمهم الله تعالى-.
والحالة الثانية: ألا يصومه على جهة التخصيص، وإنما يصومه لعموم الترغيب في الصيام أو لعادة تعوّدها، كصيام الإثنين والخميس... فليس في ذلك بأس، على ألا يعتقد صحة الأحاديث الواردة في فضل رجب. وعلى هذا يحمل كلام ابن عبد السلام، وابن الصلاح رحمهما الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع