الشيخ عاطف الفيومي
شيخ فاضل
- إنضم
- 4 يناير 2012
- المشاركات
- 587
- النقاط
- 18
- الإقامة
- الفيوم
- الموقع الالكتروني
- www.alfayyumy.com
- احفظ من كتاب الله
- كاملا بحمد الله
- احب القراءة برواية
- عاصم
- القارئ المفضل
- المنشاوي
- الجنس
- أخ
حقوق الطفل في الإسلام
تحدثت الشريعة الإسلامية عن حقوق الوالدين, وعن حقوق الأبناء, وحقوق المحاربين والأسرى والذميين, كما تحدثت عن حقوق المرأة, وحقوق الزوجين, وحق الجار, واهتمت اهتماما بإلغاء بحقوق الطفل, وهو الموضوع الذي سنتحدث عنه بالتفصيل في هذه الأسطر.. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التحريم:6), وقل النبي صلى الله عليه وسلم: "كلم راع وكلكم مسئول عن رعيته"(متفق عليه).
من هو الطفل؟
الطفل لغة المولود ويأتي بمعنى الواحد والجمع, وهو من الإنسان والوحش(1).
وفي التعريف الشرعي اسم جنس بمعنى الجمع, وقد جاء في القرآن الكريم منعوتا بالجمع كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء}(النور:31).
وتحديد عمر الطفولة عند الفقهاء يقف عند الثانية عشرة, أو هو الذي لم يبلغ الحلم, أو لم يراهق الحلم. وهو الذي لا يفهم حركات النساء ولا يفرق بين الشوهاء والحسناء كما ذكره المفسرون عند تفسير هذه الآية كابن كثير والقرطبي وغيرهما.
الطفل في الإسلام
الطفل زينة الحياة الدنيا, وهدية الله على الوالدين, ومنحته لهما, وهو ثمرة الأسرة وأملها في المستقبل, قال تعالى: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا..}(الكهف: 46) وقد أولى الإسلام الطفل عناية فائقة منذ أن كان جنينا في بطن أمه, وحتى يبلغ الرشد. فقد أوجبت له الشريعة الإسلامية السمحة عدة حقوق تدل في مجملها على اهتمام الإسلام بهذا المخلوق لما له من دور في إعمار الأرض وبناء المجتمع الإسلامي القادر على حماية الإسلامية المتماسكة القوية.
حقوق الطفل
حقوق الطفل حقوق شرعية أثبتها له الإسلام وهي ملزمة للوالدين وللقيم على الشرع في الدنيا وفي الآخرة بحيث إذا فرط الوالدان أو أحدهما فإن الدولة ملزمة بإحقاق هذا الحق, أو القيام بواجب النيابة والرعاية محله.
وهذه الحقوق يمكن تقسيمها إلى قسمين: أحدهما يتعلق بالطفل قبل ولادته, وآخر يتعلق بالطفل بعد الولادة. وأهم هذه الحقوق الآتي:
أ- حقوق الطفل قبل الولادة:
1- حق الطفل في اختيار أم صالحة له:
قد دعا الإسلام إلى اختيار الزوجة الصالحة لما لها من دور عظيم في تربية الأولاد وتنشئتهم, لأن التربية أساسا تعتمد على اختيار الزوجة الصالحة الودود, التي تحسن سياسة أولادها, وتعرف كيفية رعايتهم وإعدادهم, وتحرص على غرس الإيمان في نفوسهم, وتهذيب أخلاقهم, وتنشئتهم على مراقبة الله تعالى, ورعاية حقوقه وحقوق عباده, فالزوجة بمنزلة التربة التي تلقى فيها البذور, فإن كانت صالحة, أنبتت نباتا حسنا, فيجب البحث عن الطيبة الصالحة قال تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} (النور: 26). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها, ولجماله, ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك"(رواه البخاري).
2- حق الطفل والجنين:
الجنين لغة: هو الولد في بطن أمه وسمي بذلك لاجتنانه أي استتاره. قال تعالى: {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} (النجم: 32), قال القرطبي: "وإذ أنتم أجنة جمع جنين, وهو الولد مادام في البطن, سمي جنينا لاجتنانه واستتاره"(2). وقد جعل الإسلام للطفل حقوقا منذ بدء تكوينه في هذه المرحلة وهو في بطن أمه, فحافظ عليه من الاعتداء, واحتفظ له بحقه في الحياة, فحرم إجهاض الأم الحامل لولدها إلا لضرورة - قررها الفقهاء – وأبعدها عن المشقة الجسدية والنفسية التي قد تؤثر على الجنين لكي لا يتعرض للسقوط, لدرجة أنه أسقط عنها بعض التكاليف الشرعية حال حملها مثل الصيام إذا خافت على نفسها وولدها. و أوجب عدم تنفيذ العقوبة الشرعية على الأم الحامل إذا كانت تضر بحملها كما ثبت ذلك ‘ن رسولنا الكريم صلواتي ربي وسلامه عليه تأكيدا على هذا الحكم في قصته مع المرأة الغامدية التي زنت فحملت من الزنا فقال لها: اذهبي حتى تضعي حملك, كما أوجب الإسلام الدية في قتل الجنين وأوجب له حقوقه المالية من ميراث أو وصية ونحوهما مما فصله العلماء ودونوه في كتب الفقه والأحكام (3).
ب- حقوق الطفل بعد الولادة:
1- حق الحياة:
قد أثبت الإسلام للطفل حقه في الحياة كغيره من المخلوقات, بل حذر الخالق في كتابه العزيز قتل الأولاد لأي سبب من الأسباب, قال سبحانه وتعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} (الأنعام: 14). وقال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا} (الإسراء: 31).
2- حق التسمية:
الاسم يدل على صاحبه ويعرف به, وله وقع كبير في نفس صاحبه.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي أبناء أهله وقرابته وأصحابه, ويختار لهم من الأسماء كل ما هو جميل المعنى, طيب الوقع على السمع, بل إنه صلى الله عليه وسلم لم يتوقف عن ذلك, حيث ثبت عنه أنه غير أسماء بعض أصحابه ممن كانوا يحملون أسماء غير حسنة في زمن الجاهلية معتبرا أن إسلامهم ولادة جديدة, ومن هنا أوجب رسول الله صلى ا لله عليه وسلم حق التسمية للمولود فقال: "كل غلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه ويحلق شعر رأسه, ويسمى"(رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة) (4). فيستحب أن يختار له اسما حسنا في لفظه ومعناه, في حدود الشريعة, وقوالب اللغة الفصيحة, فيحرص على أن يكون اسمها سهلا واضحا, حفيفا عل اللسان, عذبا في الأذان, حسن المعنى, جميلا في المحتوى, ملائما لحال المسمى خاليا مما دلت الشريعة على تحريمه وكراهته.
3- حق الانتساب:
من حق الطفل أن ينتسب إلى أبيه وأمه لما يترتب على ذلك من جملة حقوق شرعية كحق النفقة والرضاع والحضانة والإرث وغيرها. وقد أثبت الإسلام حق انتساب الطفل لأبويه حفاظا له من الذل والضياع والعار, كما أثبت ذلك أيضا للأب لكي يحفظ نسله وولده, وأبطل دعاوى الجاهلية في إفساد النسب, وأقر البنوة الشرعية, قال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} (الأحزاب: 5).
4- حق الرعاية:
ويشمل هذا الحق الرضاعة والحضانة والنفقة. ومن تحديد الشريعة لذلك قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ..} (البقرة:233). وقد أوجب الإسلام هذا الحق للطفل حتى في حال انفصال الوالدين, قال تعالى: {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ..} (الطلاق: 6).
أما الحضانة وهي القيام على تربية الطفل ورعاية شؤونه وتدبير احتياجاته فهي حق على الوالدين لطفلهما أو الأقرب فالأقرب. يقول ابن قدامة: "والحضانة ولاية لا تثبت لكافر على مسلم كولاية النكاح والمال, ولأنها إذا لم تثبت للفاسق فالكافر أولى لأنه ضرره أكثر لكونه يفتنه عن دينه ويخرجه عن الإسلام بتعليمه الكفر وتربيته عليه"(5). وكما أن النفقة حق واجب أقرته الشريعة الإسلامية للطفل على والديه مادام الطفل صغيرا لا يستطيع الكسب وليس له مورد ليعيش منه. حتى يبلغ سن الرشد إن كان ذكرا وإن كان المولود أنثى فتجب النفقة على والدها حتى تتزوج. قال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (الطلاق: 7). وقال تعالى: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا..} (البقرة: 233).
5- حق الميراث:
وهو حق متبادل بين الآباء والأبناء وذوي النسب, وضحه الشرع الإسلامي بدءا من القرآن والسنة الشريفة ثم الفقه الإسلامي المبني عليهما كما هو مفصل في كتب الفقه.
كما أوصى الإسلام بكفالة الطفل اليتيم, ولم يسمح للكفيل أن يسلب الطفل نسبه الشرعي ثمنا لكفالته, قال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} ( الأحزاب: 5). وحرم التبني, وصاحب ذلك اعتناء واهتمام بالأمومة ورفعة لقدرها, قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..} (الإسراء: 23).
بناء عقيدة الطفل
وهي تمد الطفل في طفولته وفي مراحله المقبلة بزاد قوي, ومن أهم وأبرز وسائل تربية الطفل على العقيدة الصحيحة أمور:
1- تعليمه القرآن الكريم:
قال الحافظ السيوطي: "تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام فينشئون على الفطرة ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل أن تمكن الأهواء منها وسوادها بأكدار المعصية"(6). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم"(رواه البخاري) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين"(رواه مسلم). وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"(رواه البخاري).
وذكر السيوطي في طبقات الحفاظ قول الإمام الشافعي رحمه الله: "حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر"(7), وهذا صلاح الدين الأيوبي كما ذكر ابن شداد يشجع طفلا صغيرا على تلاوة القرآن, قد اجتاز عليه صغير بين يدي أبيه وهو يقرأ القرآن, فاستحسن قراءته فقربه, وجعل له حظا من خاص طعامه, ووقف عليه وعلى أبيه جزءا ن مزرعته(8).
أما الرحالة ابن جبير فيسجل في كتابه الرحلة عن مشاهداته فيقول: "وتعليم الصبيان القرآن بهذه البلاد المشرقية كلها إنما هو تلقين, ويعلمون الخط في الأشعار وغيرها تنزيها لكتاب الله عز وجل عن ابتذال الصبيان له بالإثبات والمحو"(9), ويقول ابن خلدون: "تعليم القرآن للولدان شعار من شعائر الدين, أخذه به أهل الملة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم, لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده بسبب آيات القرآن, ومثوبة الأحاديث "(10).
2- تعويده محبة الرسول صلى الله عليه وسلم:
وهذا الصحابي الجليل أنس رضي الله عنه الذي خدم النبي صلى الله عليه وسلم وترعرع في أحضانه, يفرح فرحا شديدا بمحبته صلى الله عليه وسلم إذ بها يحشر معه. روى الشيخان وأحمد عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟ فقال رسول الله صلى ا لله عليه وسلم:"وما أعددت لها؟ "فقال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله, فقال صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت". وفي رواية البخاري قال: نحن كذلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "نعم", قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت "وقال أنس: فأحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم.
ومن اهتمام أطفال الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا من شدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم يحفظون أحاديثه ولا ينسون مواقفه معهم, مع صغر أعمارهم ويروونها لمن بعدهم فمن ذلك:
أخرج البخاري عن محمود بن الربيع رضي الله عنه قال: عقلت (أي حفظت) من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو. وأخرج الترمذي عن أبي الحوراء السعدي ربيعة ابن شيبان قال: قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: حفظت منه: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك, فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة".
3- تعليمه الاستعانة بالله تعالى والإيمان بالقضاء والقدر:
الاستعانة بالله تعالى والإيمان بالقضاء والقدر من أهم وأعظم مسائل العقيدة وأمر في غاية الأهمية وضرورة ملحة, ويجب أن يعلم أطفالنا هذه الأمور من الصغر وأن يفهموا أن من يحمل لواء الدعوة الإسلامية ونشرها في أرجاء المعمورة يجب أن يتحمل من أجلها أشد العناء وأن يجتاز أصعب العقبات لكي يحقق أروع الانتصارات في أحلك الظروف وأسوأها, فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بإيمانهم بالقضاء والقدر والاستعانة بربهم قد حققوا انتصارات عظيمة في معارك غير متكافئة مع أعدائهم, غير عابثين بما واجههم ولا مبالين بما اعترض طريقهم من عناء ومشقة, مؤمنين بأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم, وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم, وبأنه لن تموت نفس إلا وقد استوفت رزقها وأجلها وأن ما من مصيبة في الأرض ولا حدث ولا خير إلا وقد جف القلم في سابق علم الله به.وقد أخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: "يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك, إذا سألت الله فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف".
4- تعليمه العبادة:
مما لا شك فيه أن عبادة الله عزوجل, ذات أثر فعال في تكوين الطفل, وهي المؤثر على صحة بناء عقيدته, وتقوية صلته بربه عزوجل, أخرج الترمذي عن سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه قال: قيل للحسن بن علي: ما حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: الصلوات الخمس. وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر:"اللهم اهدني فيمن هديت, وعافني فيمن عافيت..", وأخرج الإمام مالك في الموطأ ومسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله لقي راكبا بالروحاء (مكان يمر به الذاهب إلى بدر من المدينة المنورة) فقال: "من القوم؟"قالوا: المسلمون, فقالوا: من أنت؟ قال: "رسول الله" فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر" قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "قال ابن التين: أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج به كان له تطوعا عند ا لجمهور"(11).
5- تعويده سنة السلام:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الصبيان السلام بطريقة غير مباشرة وذلك أن يبادئهم بالسلام حتى يتعودوه, وقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أنه مر بصبيان فسلم عليهم وقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله" قال الحافظ ابن حجر: "قال ابن بطال: في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة, وفيه طرح الأكابر رداء الكبر, وسلوك التواضع ولين الجانب"(12).
6- تربيته وتأديبه:
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "الأدب: استعمال ما يحمد قولا وفعلا, وعبره عنه بعضهم بالأخذ بمكارم الأخلاق, وقيل الوقوف مع المستحسنات.. "(13). وجعله الرسول صلى الله عليه وسلم حقا للابن على أبيه, لذلك وجه خطابا للآباء جميعا: فقد روى ابن ماجة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم", وأخرج الترمذي عن سعد بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى ا لله عليه وسلم قال: "ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن".
ويقول ابن الجزار القيرواني حول تأديب الطفل في كتابه "سياسة الصبيان وتدبيرهم": "لأن الصغير أسلس قيادة وأحسن مواتاة وقبولا "(14). ومن حقول الطفل تعليمه أدب الاستئذان وأدب الطعام, يقول الله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ..}(النور: 59), قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فالإذن واجب", وروى البخاري في الأدب عن عطاء قال: سألت ابن عباس, فقلت: استأذن على أختي؟ فقال: نعم, فأعدت فقلت: أختان في حجري, وأنا أنومهما وأنفق عليهما, أستأذن عليهما؟ قال: نعم, أتحب أن تراهما عريانتين: ثم قرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ..} (النور:58). كما يجب تعليمهم آداب الكلام, والاستماع, والمجالسة, وقضاء الحاجة, والسير, وتوقير الكبير, ورحمة الصغير, وحب المساكين, ومساعدة المحتاجين, واحترام العلماء, والبعد عن سفاسف الأمور, ومساوئ الأخلاق من الظلم والإيذاء والفحش والبذاءة, والهمز واللمز, والغيبة والنميمة..(19).
7- تشجيعه على طلب العلم:
معلوم أن أول سورة نزلت في القرآن الكريم تحض على القراءة والتعلم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ..} (العلق: 1). ففي هذه الآية الكريمة أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل فرد من أمته أن يقرأ ويتعلم أي علم يكون له ولغيره نفع في دينه ودنياه.
واهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بتعليم الأطفال يبدو واضحا وجليا, فأولى مراحل العلم, تعلم القراءة والكتابة, وهذا ما فعله صلى الله عليه وسلم فيروي ابن سعد في طبقاته: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل من أسارى بدر أن يعلم كل واحد منهم عشرة صبيان من الصحابة القراءة والكتابة" (15). وكان الحسن بن علي يقول: "تعلموا تعلموا صغار القوم اليوم, تكون كبارهم غدا, فمن لم يحفظ منكم فليكتب" (16). وكان عطاء بن أبي رباح يقول لتلاميذه: "يا غلمان اكتبوا, فمن كان منكم لا يحسنئ كتبنا له, ومن لم يكن معه قرطاس أعطيناه من عندنا "(17).
وأنشد ابن نفطويه لنفسه (18):
أراني نسيت في الكبر ولست بناس ما تعلمت في الصغر
وما العلم إلا بالتعلم في الصبا وما الحلم إلا بالتحلم في الكبر
وقال:
ولو فلق الصبح في الصبا لأبصر فيه العلم كالنقش في الحجر
وهكذا نجد أن الإسلام اعتنى بالطفل في مراحل حياته كلها. قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين, ثم جعلناه نطفة في قرار مكين, ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} (المؤمنون:12-14).
8- تجنيبهم قرناء السوء:
مما يجب الاهتمام به السعي لتجنيب الأطفال من القرناء السوء فإنهم يهدمون ما يبنيه الوالدان في سنوات, والمرء على دين خليله, وكل قرين بالمقارن يقتدي, وليس أضر على الطفل من صاحب السوء, حيث حذر النبي صلى الله عليه وسلم من جليس السوء بقوله: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير, فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة, ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة"(متفق عليه). قال أبو حاتم بن حبان: "فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب, لئلا يكون مريبا, فكما صحبة الأخيار تورث الخير, كذلك صحبة الأشرار تورث الشر "(20).
ولعل الاهتمام بأداء حقوق الطفل وحسن تربيته آكد في هذا العصر الذي تكثر فيه المغريات والمفاسد بمصاعبها وأخطارها فتؤثر على سلوك الطفل, وتغير فطرته وتصده عن إتباع المنهج القويم فتفقد الأمة بذلك أهم أسس وجودها وحضارتها, فيجب العناية بتنشئته وتربيته على أسس صحيحة وتوجيهه نحو الخير ونهيه عن الشرور.
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-----------------------
الهوامش:
1- لسان العرب لابن منظور ج 3 ص 427.
2- انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج 17 ص 105- 106.
3- راجع كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية ج 5 ص 239.
4- ولمزيد من التفاصيل في تسمية المولود وأحكامه, انظر: سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني ج4باب العقيقة ص199-202.
5- المغني لابن قدامة ج 18 ص 9113.
6- بناء شخصية الطفل المسلم لمحمد عثمان جمال ص 12.
7- طبقات الحفاظ ص 159.
8- النوادر السلطانية ص 9.
9- الرحلة ص 272.
10- مقدمة ابن خلدون ص 397.
11- فتح الباري ج 4 ص 442.
12- فتح الباري ج 13 ص 270.
13- فتح الباري ج 13 ص 3.
14- سياسة الصبيان وتدبيرهم ص 9.
15- طبقات ابن سعد ج 14 قسم 1/2.
16- الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص 219.
17- المحدث الفاصل بين الراوي والواعي لرامهرمزي ص 3.
18- حاشية ابن عابدين 1/ 157.
19- فقه التعامل بين الوالدين والأولاد, للدكتور عب العزيز الفوزان, مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد 64 ص 191.
20- روضة ا لعقلاء ص 100.
مراجع متخصصة في حقوق الطفل:
1- تأديب البنين والبنات لأسعد محمد سعيد الصاغرجي.
2- تحفة العروس في سعادة النفوس لإبراهيم رمضان.
3- حقوق الأولاد في الشريعة الإسلامية لسميرة سيد سليمان بيومي.
4- الطفل في الشريعة الإسلامية, تنشئته, حياته, حقوقه لمحمد بن أحمد الصالح.
5- العيال لابن أبي الدنيا تحقيق نجم عبد الرحمن خلف.
6- فقه التعامل بين الوالدين والأولاد للدكتور عبد العزيز الفوزان, بحث منشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة, العدد 64عام 1425هـ.
7- نظام الأسرة في الإسلام لعدنان محمد زرزور.
المصدر: رسالة الإسلام
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع