هل يثبت الأشاعرة صفة السمع والبصر لله ؟

طباعة الموضوع

أم عبد الله

وفقها الله
إنضم
29 أكتوبر 2010
المشاركات
74
النقاط
6
[color="blue"]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/color]
هل يثبت الاشاعرة صفة السمع والبصر لله؟
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
مقدمة
قيام الصفات الفعلية أو الصفات الاختيارية بالله عز وجل من المسائل التي اتفق أهل السنة على إثباتها وقد نفاها المتكلمون كالأشاعرة وغيرهم ويسمونها بمسألة حلول الحوادث .
وشبهة هؤلاء هي أنه لو قامت به الأفعال لكان محلا للحوادث , وإذا لم يخل منها لزم أن يكون حادثا.
قال شيخ الإسلام : " وإذا قالوا : لا تحله الحوادث , أوهموا الناس أن مرادهم أنه لا يكون محلاً للتغيرات والاستحالات , ونحو ذلك من الأحداث التي تحدث للمخلوقين فتحيلهم وتفسدهم , وهذا معنى صحيح , ولكن مقصودهم بذلك أنه ليس له فعل اختياري يقوم بنفسه ولا له كلام , ولا فعل يقوم به يتعلق بمشيئته وقدرته , وأنه لا يقدر على استواء أو نزول أو إتيان أو مجيء ,وأن المخلوقات التي خلقها لم يكن منه عند خلقها فعل أصلاً بل عين المخلوقات هي الفعل ليس هناك فعل ومفعول وخلق ومخلوق بل المخلوق عين الخلق والمفعول عين الفعل ونحو ذلك .
"درء التعارض" (1|245)
قال ابن القيم رحمه الله : وأما حلول الحوادث فيريدون به أنه لا يتكلم بقدرته وميشئته , ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا, ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء, ولا يغضب بعد أن كان راضياً ولا يرضى بعد أن كان غضبان , ولا يقوم به فعل البتة ولا أمر مجدد بعد أن لم يكن , ولا يريد شيئا بعد أن لم يكن مريداً له , ولا يقول له كن حقيقة , ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستوياً عليه , ولا يغضب يوم القيامة غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله , ولا ينادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديا لهم ولا يقول للمصلي إذا قال : الحمد لله رب العالمين قال: حمدني عبدي .فإذا قال :الرحمن الرحيم .قال: أثنى علي عبدي .وإذا قال: مالك يوم الدين .قال : مجدني عبدي .
فإن هذه كلها حوادث , وهو منزه عن حلول الحوادث , وبعضهم يختصر العبارة , ويقول أنا أنزهه عن التعدد والتحدد والتجدد ؛ فيتوهم السامع الجاهل بمراده أنه ينزهه عن تعدد الآلهة , وعن تحدد محيط به حدود وجودية تحصره وتحويه كتحدد البيت ونحوه , وعن تجدد إلهيته وربوبيته ؛ ومراده بالتعدد الذي ينزه عنه تعدد أسمائه وصفاته , وأنه لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئا , ولا يتكلم ومراده بالتحدد أنه ليس فوق خلقه ,ولا هو مستو على عرشه , ولا فوق العرش إله يعبد ,وليس فوق العرش إلا العدم .
ومراده بالتجدد أنه لا يقوم به فعل ولا إرادة ولا كلام بمشيئته وقدرته وبعضهم يقتصر على حرفين ؛ فيقول نحن ننزهه عن التكثر والتغير فيتوهم السامع تكثر الآلهة وتغيره سبحانه واستحالته من حال إلى حال , وحقيقة هذا التنزيه أنه لا صفة له ولا فعل .
"الصواعق المرسلة" (3|937)
وقال شيخ الإسلام : والكلابية يقولون هو متصف بالصفات التي ليس له عليها قدرة , ولا تكون بمشيئته ؛ فأما ما يكون بمشيئته ؛ فإنه حادث , والرب تعالى لا تقوم به الحوادث ويسمون الصفات الاختيارية بمسألة حلول الحوادث
فإنه إذا كلم موسى بن عمران بمشيئته وقدرته , وناداه حين أتاه بقدرته وبمشيئته كان ذلك النداء , والكلام حادثاً .
قالوا : فلو اتصف الرب به لقامت به الحوادث .
قالوا : ولو قامت به الحوادث لم يخل منها و ما لم يخل من الحوادث فهو حادث .
قالوا : ولأن كونه قابلاً لتلك الصفة إن كانت من لوازم ذاته كان قابلاً لها في الأزل فيلزم جواز وجودها في الأزل .
والحوادث لا تكون في الأزل ؛فإن ذلك يقتضي وجود حوادث لا أول لها , وذلك محال لوجوه قد ذكرت في غير هذا الموضع.
"مجموع الفتاوى "(6/220)
ما ترتب على هذه المسألة
ترتب على هذه المسألة وهي إنكار قيام الصفات الاختيارية بالله عز وجل مسائل عدة منها إنكار أو تأويل كل صفة يفهم منها التجدد أو الاستمرارية لله عز وجل .
وقد ضاقوا ذرعا في النصوص التي فيها إثبات الاختيارية والاستمرارية لله تعالى كصفة الكلام والسمع والبصر وغيرها .
فإنه لما التزموا ذلك جرهم إلى القول بالمتعلقات أو التعلق في صفات الله وهي مسألة عجزت عقولهم عن فهمها فضلا عن تفسيرها .
ولذلك قال القرطبي : إن الخوض في تعلقات الصفات واختصاصاتها من تدقيقات الكلام، وإن العجز عن إدراكه غير مضر في الاعتقاد !.
فقالوا بالفرق بين قيام الصفة بالله منذ الأزل وبين قيامها بالله بعد ذلك فقالوا إن إضافتها إلى الله ليست إضافة حقيقية وإنما هي إضافة نسبة وتعلق .
وقد قسموا التعلق إلى تعلق قديم صلوحي وتعلق تنجيزي حادث .
ويعنون بالأول قيام الصفة بالله سبحانه وتعالى منذ الأزل .
وبالثاني قيامها به بعد ذلك .
فمثلا صفة الإرادة عندهم قديمة ولكن هذه الصفة لا تجدد عندهم وإذا أضيفت فهي إضافة تعلق ونسبة .
وكذا صفة السمع وصفة البصر فالله لا يتجدد له السمع والبصر فلا حقيقة لذلك وإنما هو تعلق ونسبة وإضافة .
فمثلا قوله تعالى :{ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } فلم يسمع الله حقيقة قول هذه المجادلة وإضافة السمع هنا تعلق تنجيزي والمراد به انكشاف العلم به , وليس سمعا حقيقيا , فالتعلق هو الحادث من غير حدوث الصفة ! .
حقيقة قولهم في صفتي السمع والبصر
فمرد صفتي السمع والبصر عند الأشاعرة إلى العلم ؛وإن كابروا في إنكار ذلك وحاولوا التنصل من ذلك فمرد كلامهم في الحقيقة في هاتين الصفتين إلى مزيد الانكشاف تارة,و تارة كعلمين مخصوصين بالموجودات وتارة كإدراكين زائدين على العلم ؛ فمجمل كلامهم حول هاتين الصفتين مرده إلى العلم وليس إلى سمع حقيقي وبصر حقيقي .
قال الغزالي في الاقتصاد في الاعتقاد : فإن العلم كمال والسمع والبصر كمال ثان للعلم، فإنا بينا أنه استكمال للعلم .
وقال الآمدي في غاية المرام : إن الإنسان قد يجد من نفسه معنى زائداً عند السمع والبصر على ما كان قد علمه بالدليل أو الخبر وذلك مما لا مراء فيه كما سبق فالمعني بالإدراك ليس إلا هذا المعنى وسواء سمى ذلك علماً أو إدراكاً وسواء كان متعلقه أمراً تقييديا أو تفصيلياً أو معنى خاصاً أو غير ذلك من المتعلقات فإن حاصل ذلك ليس يرجع إلا إلى محض الإطلاقات ومجرد العبارات فلا مشاحة فيها بعد فهم معانيها.
ويقول أيضا : ومن عرف سر هذا الكلام عرف غور كلام أبى الحسن في قوله إن الإدراك نوع مخصوص من العلوم لكنه لا يتعلق إلا بالموجودات وإذا عرف ذلك فالعقل يجوز أن يخلق الله تعالى في الحاسة المبصرة بل وفى غيرها زيادة كشف بذاته وبصفاته على ما حصل منه بالعلم القائم في النفس من غير أن يوجب حدوثا ولا نقصا .
وقال سعيد فودة في شرح عقيدة ابن الحاجب المالكي
والحقُّ أن هذا الأمر -أي كونهما زائدتين على العلم- ليس من الأمور التي هي من العقائد القطعية، بل فيها خلاف بين العلماء، لأن أدلتها لم ترتق إلى مستوى القطع، ومعلوم أنه لا يدخل في العقائد التي يكفر من يخالفها إلا ما كان من الأمور القطعية.
ولذلك أشار المصنف العلامة إلى ما ذكرناه هنا فقال: إن كونهما صفتين زائدتين على العلم إنما هو بناءاً [على] القول [الأَصَحِّ] عنده وعند جمهور العلماء، والأصل السير على القول الأصح والمشهور حتى يتبين أن دليله ليس راجحاً كما في هذه المسألة.
الإشارة إلى اختلاف أهل السنة في معنى السمع والبصر
واعلم أن المشهور أن جمهور الأشاعرة على القول بأن سمعه تعالى وبصره هما صفتان غير العلم، وأن ما ينكشف بهما غير ما ينكشف بالعلم، وأن كلاً منهما يتعلق بالموجودات لا بالمسموعات والمبصرات فقط، تعلقاً يترتب عليه انكشاف متمايز لكل منهما، وهذا كلُّه مبنيٌ على القول أن للعلم تعلقاً واحداً فقط هو تعلق تنجيزي قديم، وأما على ما حققه بعض الأفاضل من قول الإمام الأشعري فإن للعلم تعلقين: أحدهما تنجيزي قديم والآخر تنجيزي حادث عند حدوث المسموعات والمبصرات، وهذا التعلق الحادث هو المعبر عنه بالسمع والبصر، فيرجعان عنده إلى العلم وهو اللائق بمذهبه حيث إنه يقول: إن الحس راجع إلى العلم بالمحسوس.
وأما السادة الماتريدية الأحناف فقالوا: إن السمع والبصر راجعتان إلى العلم، وهما وإن رجعا إلى صفة العلم بمعنى الإدراك، فإثبات صفة العلم إجمالاً لا يغني في العقيدة عن إثباتهما تفصيلاً بلفظيهما الواردين في الكتاب والسنة، لأنا متعبدون بما ورد فيهما.
شرح عقيدة ابن الحاجب المالكي (38)
وهنا تناقض آخر في تفريقهم في هاتين الصفتين بين قيامها بالله منذ القدم وما بعد ذلك ؛ فمعلوم أن الله كان ولا شيء قبله فهو الأول الذي ليس قبله شيء فكيف يتم إثبات هاتين الصفتين مع انعدام كل شيء , وليس لهم جواب على هذا الإشكال إلا قياس السمع والبصر على العلم .
وهذا إشكال قوي لمن تأمله وقد أشار إليه الغزالي في كتابه الاقتصاد
قال : فإن قيل: ... وإن كانا قديمين فكيف يسمع صوتاً معدوماً وكيف يرى العالم في الأزل والعالم معدوم والمعدوم لا يرى ؟ قلنا: هذا السؤال يصدر عن معتزلي أو فلسفي. أما المعتزلي فدفعه هين، فإنه سلم أنه يعلم الحادثات، فنقول: يعلم الله الآن إن العالم كان موجوداً قبل هذا فكيف علم في الأزل أنه يكون موجوداً وهو بعد لم يكن موجوداً ؟ فإن جاز إثبات صفة تكون عند وجود العالم علما بأنه كائن، وفعله بأنه سيكون وبعده بأنه كان وقبله بأنه سيكون، وهو لا يتغير عبر عنه بالعلم بالعالم والعلمية، جاز ذلك في السمع والسمعية والبصر والبصرية. وإن صدر من فلسفي فهو منكر لكونه عالماً بالحادثات المعينة الداخلة في الماضي والحال والمستقبل، فسبيلنا أن ننقل الكلام إلى العلم ونثبت عليه جواز علم قديم متعلق بالحادثات كما سنذكره، ثم إذا ثبت ذلك في العلم قسنا عليه السمع والبصر.انتهى
فعندهم كما قدمنا تعلق صفتي السمع والبصر بعد ذلك تعلق تنجيزي حادث عند حدوث المسموعات والمبصرات، وهذا التعلق الحادث هو المعبر عنه بالسمع والبصر .
فملخص الكلام أن القول بأن الأشاعرة يثبتون صفتي السمع والبصر غير دقيق لتفريقهم بين المعنى القديم والمعنى الحادث وهو التجدد والاستمرارية في هاتين الصفتين , وحقيقة قولهم في هاتين الصفتين مرده إلى العلم .
وهذه المسألة شبيهة بصفة الكلام عندهم في تفريقهم بين ما قام في النفس وبين الحرف والصوت .
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


منقول لتعم الفائدة بإذن الله
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى