فجر الدعوة
احسن الله خاتمتها
- إنضم
- 4 أكتوبر 2010
- المشاركات
- 1,324
- النقاط
- 36
- الإقامة
- المغرب
- احفظ من كتاب الله
- 10اجزاء
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- الحذيفي
- الجنس
- أخ
أخلاق القرآن-المجلس الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد ابن عبد الله وعلى اله وصحابته ومن اهتدى بهداه
أما بعد:
تحدثنا في الأسبوع الماضي عن خلق عظيم من أخلاق الأنبياء و الأخلاق التي جاء بها القران وأكد عليها,كان هذا الخلق هو( خلق الاستجابة )
تحدثنا عن ..
1. الاستجابة لله كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم استجاب لله جل وعلا وكذلك كان أصحابه فقد استجابوا لله وكذلك الأنبياء من قبل كانت استجابتهم لله جل وعلا مثلى..
- وضربنا المثل بإبراهيم وبإسماعيل حينما استجابا لله الأب يستجيب لذبح ابنه الذي رزق إياه على كبر وبعد عقم, والابن يستجيب لأبيه لقبول هذا الأمر مع انه مخالف لحب الإنسان للحياة وكراهية الموت, وهذه الاستجابة غاية كما ذكرنا.
- أما استجابة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت كذلك استجابة لله جل وعلا في كل شأن من شؤونهم ولو أنكِ نظرتِ في القران لوجدت أن القران يوجه النبي صلى الله عليه وسلم لأمور قد يكون بعضها من محابِّه, وقد يكون بعضها ليس من محابِّه ومع ذلك يستجيب لها وأضرب على ذلك مثالا
* استجابة النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الدعوة (ياأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)) (المدثر , 1-7) كل هذه أوامر جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم.
*جاء أيضا له أوامر استجاب لها استجابة بالغة ظاهرة (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4))(المزمل , 1-4) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطر قدماه فيقال له في ذلك فيقول (أفلا أكون عبدا شكورا )(أخرجه البخاري في صحيحه , الصفحة أو الرقم: 4836).
*أما الذي أيضا يتجلى فيه الاستجابة فهو ما جاء في سورة الأحزاب وظهر وتلي وبقي يقرأ ليدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بذل في استجابة ربه فحينما أحب زيدا وتبناه وكان يدعى به فيقال زيد بن محمد ثم تزوج زيد ثم طلق في حوادث متوالية ومتتالية جاء الأمر من السماء ليتزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب التي كانت زوجة لزيد وكانوا في الجاهلية يَدعون المتبنى لمن تبناه بابنه فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج امرأة طلقها من دعي له بالبنوة فكأنه وقع في نفسه شيء من هذا,فجاء الأمر الملح عليه من السماء (زَوَّجْنَاكَهَا)(الأحزاب , 37) فكان الزواج من الله جل وعلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ولما وقع في قلبه ما وقع قال الله جل وعلا( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا)(الأحزاب , 37) فكان الأمر من الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم.
** قد يقول قائل ذلك الأمر في شأن الزواج وهو أمر يحبه الرجال على كل حال فأي شيء يكره في مثل هذا الحال؟
فيقال قد أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكتفي بما معه من النساء وألا يتبدل بهن و ألا يغيرهن فجاءه الأمر من السماء في سورة الأحزاب بأن لا يتبدل بهن ـ بنسائه ـ ولا يغيرهن فالتزم ذلك الأمر.
هذا بالنسبة للاستجابة لله جل وعلا
2. أما الاستجابة للنفس ومتطلباتها الطبيعية فإنه جاء ذلك فطرة وكان الناس عليه وما يزالون من لدن ادم..
فكل إنسان يحب الحياة ويكره الموت وكل إنسان يحب المِدحة ويكره الذم وكل إنسان يخاف على نفسه ويطمع لها ويشتغل لها ويدافع عنها ويدفع الظلم ولذلك جاء القران بالاعتراف بالحقوق النفسية والفطر والرغبات البشرية وحماها فجعل للإنسان حق الدفع عن نفسه ـ دفع الظلم ـ (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)(النساء , 148) وجاء القران أيضا مبينا أن هذه الرغبات وهذه الشهوات هي شهوات طبيعية (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ)(ال عمران , 14) وهذه المحاب ليست مبغضة ولا مكروهة عند الله جل وعلا إذا كانت في غير محرم ولا تتنافى مع محبة الله جل وعلا فإذا تنافت المحاب مع محبة الله جل وعلا وجب طاعة الله وترك محاب النفس.
3. أما النوع الثالث من الاستجابات :فهو الاستجابة للناس
فيستجيب العبد لمحاب الناس ومطالبهم دون أن يكون في ذلك معصية وهو مأجور على ذلك، الاستجابة لرغبات الناس من حيث ( الالتئام والمحبة والحنان والدفع بالتي هي أحسن والإنصات والابتسامة في الوجه وصلة الأرحام وبر الوالدين والمعروف ودفع كفران العشير) كل تلك التي يحبها الإنسان جاء القران كافلا لها وجاء القران بها حتى أن القران صور ترك هذه المحاب بين الناس في أقبح صورة حتى جاء ذكر الغيبة التي يبغضها الناس وينفرون منها جاء تصويرها بقول الله جل وعلا (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)(الحجرات , 12) جاءت الصورة لتبين أن القران يحفظ حقوق الآخرين فالاستجابة لهذه الحقوق هو أن نتعايش معها وان نعطيها حقوقها وان نعيش معها كالنفس الواحدة قال الله جل وعلا (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (النساء , 29) وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) (أخرجه البخاري في صحيحه الصفحة أو الرقم: 13)
فالاستجابة لمحاب الناس خلق قرءاني.
هذه أنواع الاستجابة المحببة المثنى عليها الممدوحة..
أما الاستجابة المذمومة:
1.فأولها:الاستجابة للهوى
قال تعالى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)) (النازعات , 40-42).
بماذا يأمر الهوى ؟
يأمر الهوى بأن ينظر الإنسان في نفسه وينظر إلى محابه ورغباته دون أن ينظر في شيء سواها فهو يقدمها على كل شيء يقدمها على أمر الله ويقدمها على مصلحة الناس ويقدمها على مصلحة الدين فهو ينظر إلى نفسه فقط وهذه ذمها الله جل وعلا ونهى عنها وهي في الحقيقة تورد موارد الهلاك ولذلك قال الله جل وعلا (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)(النازعات , 40) فنهي النفس عن الهوى يورد موارد النجاة إذن طاعة الهوى تورد موارد الهلاك فهما نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان.
2.أما الاستجابة الثانية:الاستجابة للشيطان.
والاستجابة للشيطان أنواع أعلاها أو أقبحها الاستجابة له بالكفر ولنعلم أن الشيطان لا يرضى إلا بالكفر ولذلك فهو ما يزال بالعبد يدفعه شيئا فشيئا حتى يرجع إلى الكفر وهي خطوات تخطى درجة درجة حتى يصل إلى هذا .
*ولذا أحيلكم على قصة قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)(الأعراف . 175-176)
*"قصة الراهب"
انظري هنا لتعلمي أن هذه هي نهاية اتباع الشيطان واستجابته, الشيطان يأتي أولا في صورة يسيرة جدا وخفيفة قد لا يلمحها الإنسان هذا رجل راهب أراد الشيطان أن يضله وتآمر عليه مع قرنائه وكان في المدينة ملك له بنت جميلة فتلبسها الشيطان فلما تلبسها أوحى لهم أي ـ أوقع في قلوبهم ـ أن فلان الراهب يرقيها فأخذوها له فتأبّى عليهم فما زالوا به حتى قبل وكذلك شان الملوك مع العلماء فلما قبل قرأ عليها وهم بحضرته فما لبث الشيطان أن فارقها فلما رجعت إلى البيت تلبسها مرة أخرى فجاءوا إليه وقالوا اجعلها عندك حتى تبرأ برءا تاما فوضعوها عنده وذهبوا فما زال الشيطان بها حتى تكشفت فلما تكشفت وتعرت عنده لم يتمالك نفسه وظهرت الغرائز الطبيعية في الإنسان في البشر فوقع بها فلما وقع بها ندم على ذلك وقال الآن يفتضح أمري فجاءه الشيطان وقال له اقتلها فإنك إن تقتلها لا يعلم بها أحد وإذا جاءك أهلها فقل لهم ماتت ففعل فقتلها ودفنها فجاءه الشيطان وقال له إما أن تقتل وإما أن تسجد لي وهو لا يريد الموت فلما سجد له تبرأ منه الشيطان (ذكره في تخريج الإحياء الصفحة أو الرقم: 3/38 وحكم عليه بالإرسال) (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (الحشر , 16) ومتى الشيطان كان يخاف الله رب العالمين؟! وهنا يبدوا أن الشيطان له خطوات تبدأ درجة ودرجة و درجة حتى يصل إليه, والشيطان لا يقبل إلا بالكفر وثمة أمر آخر يقبله الشيطان ويحبه مساوي للكفر أو قد يكون أحب إليه منه وهو التفريق بين الرجل وزوجه وقد جاء في الحديث أن الشيطان يترك عرشه على الماء ويقرب ذريته ويقول لهم من فعل منكم عملا فيأتي أحدهم فيقول مازلت به حتى كفر فيسكت عنه ويأتي الآخر ويقول مازلت به حتى فرقت بينه وبين زوجه فيقول أنت.. أنت.. ويدنيه.
الشيطان له خطوات في التفريق بين الزوجين وله خطوات إلى الكفر وله خطوات إلى القتل وله خطوات إلى التحريش بين الناس وله خطوات إلى تغيير الدين.
وهذه الخطوات لا تأتي دفعة واحدة وإنما تأتي على مراحل ولذلك يقول الله جل وعلا(وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة , 168) وقد جاء ذلك في سورة النور بعد ذكر قصة الإفك وبيان حدود عورات الناس وكل هذا.. جاء النهي عن اتباع خطوات الشيطان لأن الزنا يبدأ خطوة خطوة (تعطر.. خروج من البيت وإكثار.. ثم التقاء عينين بعينين.. ثم شعور قلبي.. ثم حديث باللسان.. ثم حديث القلب يصدق اللسان.. فيكون بعد ذلك لقاء وبعد اللقاء دخول بالحرام) وهذه لا يفكر فيها أصحابها في أول وهلة ولذلك جاء النهي عن الاستجابة هذه.
ومن أنواع الاستجابة للشيطان الاستجابة للوساوس فان الوسوسة حينما تبدأ
تبدأ أولا كفكرة محببة، فإذا طاوعها العبد تمكنت من قلبه فكانت شبه يقين حتى إنه يضطرب عنده اليقين لا يدري هذه الفكرة يقين أم غير يقين،
فإذا صاحبت عقله هذه الفكرة وسيطرت عليه صار موسوسا وصار لا يفرق بين أفعاله وغير أفعاله ولا يفرق بين الصحيح والخطأ ولا يفرق بين المحرم والواجب.
*وإذا أردنا التخلص من هذه الأفكار فعلينا الآتي:
أولا:العلم بعداوة الشيطان لأن الله جل وعلا أمرنا بأن نعلم عدونا لذلك قال الله عز وجل لنا(إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ)يعني ـ اعرفوه ـ (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(آل عمران , 175) لذلك قال الله جل وعلا (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)(فاطر , 6) اجعلوه عدو كما انه عدو في الحقيقة.
ثانيا:العلم بأن الخطرات النفسية لا تؤثر، الخطرات النفسية لا تؤثر ولا تغير من الأمر شيئا ( مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ )(البقرة , 286).
ثالثا:مخافة هذه الخطرة ما لم تستبن، واليقين منها أن نسال أنفسنا لو قال لنا قائل كذا.. ماذا كنا نجيبه؟ ثم نفعل ما نجيبه إياه.
أحيانا قد تأتيني هذه الخطرة ولو تركتها لتكررت مرات ومرات، فأقول لنفسي لو سألتني واحدة ما الحكم؟ فماذا أجيبها؟ فاخذ بالإجابة التي أجبتها إياها ولا استجيب للخطرات.
لأن تلك الخطرات ما تزال تعتمل في النفس حتى تشغل العقل وإذا أشغلت العقل أصبح عند العبد تردد فيصبح لا يتقن صلاته ثم ينفر منها ثم يبدأ يكرهها حتى يدعها وهذا قد يحصل عند الاستجابة لخطرات الشيطان .
ثم لنعلم وهو الأخير: أننا لا نكلف إلا ما نستطيع وما بوسعنا (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)(البقرة , 286) جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأجد في نفسي ما لو حدثت به لحبط عملي (كان يجد في نفسه وسوسة الشيطان يأتي الشيطان أحدهم كما جاء في الحديث ويقول: إن الله خلقك فمن خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل : فليقل: (آمنت بالله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
ويستحب دفعها بلاإله إلا الله فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس وأعظم الذكر لا إله إلا الله
إذن فالعلم بعداوة الشيطان للشيطان والعلم بأن هذه الخواطر لا تؤثر وأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وأن هذه الخواطر إذا دفعت ولم يستجب لها فهو صريح الإيمان.
ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل لما جاءه؟ وقال إني لأجد في نفسي ما لو حدثت به لحبط عملي قال له ذاك صريح الإيمان.. ذاك صريح الإيمان..
أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزقنا الاستجابة لله ولرسوله وأن يرزقنا وإياكم حسن اللقاء وحسن العمل وحسن الجزاء وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى اله وأصحابه أجمعين.
تم بحمد الله
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد ابن عبد الله وعلى اله وصحابته ومن اهتدى بهداه
أما بعد:
تحدثنا في الأسبوع الماضي عن خلق عظيم من أخلاق الأنبياء و الأخلاق التي جاء بها القران وأكد عليها,كان هذا الخلق هو( خلق الاستجابة )
تحدثنا عن ..
1. الاستجابة لله كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم استجاب لله جل وعلا وكذلك كان أصحابه فقد استجابوا لله وكذلك الأنبياء من قبل كانت استجابتهم لله جل وعلا مثلى..
- وضربنا المثل بإبراهيم وبإسماعيل حينما استجابا لله الأب يستجيب لذبح ابنه الذي رزق إياه على كبر وبعد عقم, والابن يستجيب لأبيه لقبول هذا الأمر مع انه مخالف لحب الإنسان للحياة وكراهية الموت, وهذه الاستجابة غاية كما ذكرنا.
- أما استجابة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت كذلك استجابة لله جل وعلا في كل شأن من شؤونهم ولو أنكِ نظرتِ في القران لوجدت أن القران يوجه النبي صلى الله عليه وسلم لأمور قد يكون بعضها من محابِّه, وقد يكون بعضها ليس من محابِّه ومع ذلك يستجيب لها وأضرب على ذلك مثالا
* استجابة النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الدعوة (ياأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)) (المدثر , 1-7) كل هذه أوامر جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم.
*جاء أيضا له أوامر استجاب لها استجابة بالغة ظاهرة (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4))(المزمل , 1-4) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطر قدماه فيقال له في ذلك فيقول (أفلا أكون عبدا شكورا )(أخرجه البخاري في صحيحه , الصفحة أو الرقم: 4836).
*أما الذي أيضا يتجلى فيه الاستجابة فهو ما جاء في سورة الأحزاب وظهر وتلي وبقي يقرأ ليدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بذل في استجابة ربه فحينما أحب زيدا وتبناه وكان يدعى به فيقال زيد بن محمد ثم تزوج زيد ثم طلق في حوادث متوالية ومتتالية جاء الأمر من السماء ليتزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب التي كانت زوجة لزيد وكانوا في الجاهلية يَدعون المتبنى لمن تبناه بابنه فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج امرأة طلقها من دعي له بالبنوة فكأنه وقع في نفسه شيء من هذا,فجاء الأمر الملح عليه من السماء (زَوَّجْنَاكَهَا)(الأحزاب , 37) فكان الزواج من الله جل وعلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ولما وقع في قلبه ما وقع قال الله جل وعلا( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا)(الأحزاب , 37) فكان الأمر من الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم.
** قد يقول قائل ذلك الأمر في شأن الزواج وهو أمر يحبه الرجال على كل حال فأي شيء يكره في مثل هذا الحال؟
فيقال قد أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكتفي بما معه من النساء وألا يتبدل بهن و ألا يغيرهن فجاءه الأمر من السماء في سورة الأحزاب بأن لا يتبدل بهن ـ بنسائه ـ ولا يغيرهن فالتزم ذلك الأمر.
هذا بالنسبة للاستجابة لله جل وعلا
2. أما الاستجابة للنفس ومتطلباتها الطبيعية فإنه جاء ذلك فطرة وكان الناس عليه وما يزالون من لدن ادم..
فكل إنسان يحب الحياة ويكره الموت وكل إنسان يحب المِدحة ويكره الذم وكل إنسان يخاف على نفسه ويطمع لها ويشتغل لها ويدافع عنها ويدفع الظلم ولذلك جاء القران بالاعتراف بالحقوق النفسية والفطر والرغبات البشرية وحماها فجعل للإنسان حق الدفع عن نفسه ـ دفع الظلم ـ (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)(النساء , 148) وجاء القران أيضا مبينا أن هذه الرغبات وهذه الشهوات هي شهوات طبيعية (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ)(ال عمران , 14) وهذه المحاب ليست مبغضة ولا مكروهة عند الله جل وعلا إذا كانت في غير محرم ولا تتنافى مع محبة الله جل وعلا فإذا تنافت المحاب مع محبة الله جل وعلا وجب طاعة الله وترك محاب النفس.
3. أما النوع الثالث من الاستجابات :فهو الاستجابة للناس
فيستجيب العبد لمحاب الناس ومطالبهم دون أن يكون في ذلك معصية وهو مأجور على ذلك، الاستجابة لرغبات الناس من حيث ( الالتئام والمحبة والحنان والدفع بالتي هي أحسن والإنصات والابتسامة في الوجه وصلة الأرحام وبر الوالدين والمعروف ودفع كفران العشير) كل تلك التي يحبها الإنسان جاء القران كافلا لها وجاء القران بها حتى أن القران صور ترك هذه المحاب بين الناس في أقبح صورة حتى جاء ذكر الغيبة التي يبغضها الناس وينفرون منها جاء تصويرها بقول الله جل وعلا (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)(الحجرات , 12) جاءت الصورة لتبين أن القران يحفظ حقوق الآخرين فالاستجابة لهذه الحقوق هو أن نتعايش معها وان نعطيها حقوقها وان نعيش معها كالنفس الواحدة قال الله جل وعلا (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (النساء , 29) وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) (أخرجه البخاري في صحيحه الصفحة أو الرقم: 13)
فالاستجابة لمحاب الناس خلق قرءاني.
هذه أنواع الاستجابة المحببة المثنى عليها الممدوحة..
أما الاستجابة المذمومة:
1.فأولها:الاستجابة للهوى
قال تعالى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)) (النازعات , 40-42).
بماذا يأمر الهوى ؟
يأمر الهوى بأن ينظر الإنسان في نفسه وينظر إلى محابه ورغباته دون أن ينظر في شيء سواها فهو يقدمها على كل شيء يقدمها على أمر الله ويقدمها على مصلحة الناس ويقدمها على مصلحة الدين فهو ينظر إلى نفسه فقط وهذه ذمها الله جل وعلا ونهى عنها وهي في الحقيقة تورد موارد الهلاك ولذلك قال الله جل وعلا (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)(النازعات , 40) فنهي النفس عن الهوى يورد موارد النجاة إذن طاعة الهوى تورد موارد الهلاك فهما نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان.
2.أما الاستجابة الثانية:الاستجابة للشيطان.
والاستجابة للشيطان أنواع أعلاها أو أقبحها الاستجابة له بالكفر ولنعلم أن الشيطان لا يرضى إلا بالكفر ولذلك فهو ما يزال بالعبد يدفعه شيئا فشيئا حتى يرجع إلى الكفر وهي خطوات تخطى درجة درجة حتى يصل إلى هذا .
*ولذا أحيلكم على قصة قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)(الأعراف . 175-176)
*"قصة الراهب"
انظري هنا لتعلمي أن هذه هي نهاية اتباع الشيطان واستجابته, الشيطان يأتي أولا في صورة يسيرة جدا وخفيفة قد لا يلمحها الإنسان هذا رجل راهب أراد الشيطان أن يضله وتآمر عليه مع قرنائه وكان في المدينة ملك له بنت جميلة فتلبسها الشيطان فلما تلبسها أوحى لهم أي ـ أوقع في قلوبهم ـ أن فلان الراهب يرقيها فأخذوها له فتأبّى عليهم فما زالوا به حتى قبل وكذلك شان الملوك مع العلماء فلما قبل قرأ عليها وهم بحضرته فما لبث الشيطان أن فارقها فلما رجعت إلى البيت تلبسها مرة أخرى فجاءوا إليه وقالوا اجعلها عندك حتى تبرأ برءا تاما فوضعوها عنده وذهبوا فما زال الشيطان بها حتى تكشفت فلما تكشفت وتعرت عنده لم يتمالك نفسه وظهرت الغرائز الطبيعية في الإنسان في البشر فوقع بها فلما وقع بها ندم على ذلك وقال الآن يفتضح أمري فجاءه الشيطان وقال له اقتلها فإنك إن تقتلها لا يعلم بها أحد وإذا جاءك أهلها فقل لهم ماتت ففعل فقتلها ودفنها فجاءه الشيطان وقال له إما أن تقتل وإما أن تسجد لي وهو لا يريد الموت فلما سجد له تبرأ منه الشيطان (ذكره في تخريج الإحياء الصفحة أو الرقم: 3/38 وحكم عليه بالإرسال) (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (الحشر , 16) ومتى الشيطان كان يخاف الله رب العالمين؟! وهنا يبدوا أن الشيطان له خطوات تبدأ درجة ودرجة و درجة حتى يصل إليه, والشيطان لا يقبل إلا بالكفر وثمة أمر آخر يقبله الشيطان ويحبه مساوي للكفر أو قد يكون أحب إليه منه وهو التفريق بين الرجل وزوجه وقد جاء في الحديث أن الشيطان يترك عرشه على الماء ويقرب ذريته ويقول لهم من فعل منكم عملا فيأتي أحدهم فيقول مازلت به حتى كفر فيسكت عنه ويأتي الآخر ويقول مازلت به حتى فرقت بينه وبين زوجه فيقول أنت.. أنت.. ويدنيه.
الشيطان له خطوات في التفريق بين الزوجين وله خطوات إلى الكفر وله خطوات إلى القتل وله خطوات إلى التحريش بين الناس وله خطوات إلى تغيير الدين.
وهذه الخطوات لا تأتي دفعة واحدة وإنما تأتي على مراحل ولذلك يقول الله جل وعلا(وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة , 168) وقد جاء ذلك في سورة النور بعد ذكر قصة الإفك وبيان حدود عورات الناس وكل هذا.. جاء النهي عن اتباع خطوات الشيطان لأن الزنا يبدأ خطوة خطوة (تعطر.. خروج من البيت وإكثار.. ثم التقاء عينين بعينين.. ثم شعور قلبي.. ثم حديث باللسان.. ثم حديث القلب يصدق اللسان.. فيكون بعد ذلك لقاء وبعد اللقاء دخول بالحرام) وهذه لا يفكر فيها أصحابها في أول وهلة ولذلك جاء النهي عن الاستجابة هذه.
ومن أنواع الاستجابة للشيطان الاستجابة للوساوس فان الوسوسة حينما تبدأ
تبدأ أولا كفكرة محببة، فإذا طاوعها العبد تمكنت من قلبه فكانت شبه يقين حتى إنه يضطرب عنده اليقين لا يدري هذه الفكرة يقين أم غير يقين،
فإذا صاحبت عقله هذه الفكرة وسيطرت عليه صار موسوسا وصار لا يفرق بين أفعاله وغير أفعاله ولا يفرق بين الصحيح والخطأ ولا يفرق بين المحرم والواجب.
*وإذا أردنا التخلص من هذه الأفكار فعلينا الآتي:
أولا:العلم بعداوة الشيطان لأن الله جل وعلا أمرنا بأن نعلم عدونا لذلك قال الله عز وجل لنا(إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ)يعني ـ اعرفوه ـ (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(آل عمران , 175) لذلك قال الله جل وعلا (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)(فاطر , 6) اجعلوه عدو كما انه عدو في الحقيقة.
ثانيا:العلم بأن الخطرات النفسية لا تؤثر، الخطرات النفسية لا تؤثر ولا تغير من الأمر شيئا ( مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ )(البقرة , 286).
ثالثا:مخافة هذه الخطرة ما لم تستبن، واليقين منها أن نسال أنفسنا لو قال لنا قائل كذا.. ماذا كنا نجيبه؟ ثم نفعل ما نجيبه إياه.
أحيانا قد تأتيني هذه الخطرة ولو تركتها لتكررت مرات ومرات، فأقول لنفسي لو سألتني واحدة ما الحكم؟ فماذا أجيبها؟ فاخذ بالإجابة التي أجبتها إياها ولا استجيب للخطرات.
لأن تلك الخطرات ما تزال تعتمل في النفس حتى تشغل العقل وإذا أشغلت العقل أصبح عند العبد تردد فيصبح لا يتقن صلاته ثم ينفر منها ثم يبدأ يكرهها حتى يدعها وهذا قد يحصل عند الاستجابة لخطرات الشيطان .
ثم لنعلم وهو الأخير: أننا لا نكلف إلا ما نستطيع وما بوسعنا (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)(البقرة , 286) جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأجد في نفسي ما لو حدثت به لحبط عملي (كان يجد في نفسه وسوسة الشيطان يأتي الشيطان أحدهم كما جاء في الحديث ويقول: إن الله خلقك فمن خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل : فليقل: (آمنت بالله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
ويستحب دفعها بلاإله إلا الله فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس وأعظم الذكر لا إله إلا الله
إذن فالعلم بعداوة الشيطان للشيطان والعلم بأن هذه الخواطر لا تؤثر وأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وأن هذه الخواطر إذا دفعت ولم يستجب لها فهو صريح الإيمان.
ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل لما جاءه؟ وقال إني لأجد في نفسي ما لو حدثت به لحبط عملي قال له ذاك صريح الإيمان.. ذاك صريح الإيمان..
أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزقنا الاستجابة لله ولرسوله وأن يرزقنا وإياكم حسن اللقاء وحسن العمل وحسن الجزاء وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى اله وأصحابه أجمعين.
تم بحمد الله
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع